جواب مسألة غامضة
التي عنونها في مجلس الضيافة مولانا الكريم
اعلي الله مقامه الشريف
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 328 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين و الانبياء و المرسلين و الاولياء المكرمين المقربين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الذليل الذي لا اسم له و لا رسم انه قد اتفق لي الحضور في مجلس من مجالس ضيافة المولي الاولي السند العظيم و السيد الكريم جعلني اللّه فداه و اطال اللّه بقاه و من كل ما كرهه وقاه و رزقني لقاه في اولاه و اخراه بمحمد و آله الطيبين@الطاهرين خل@ انه ذو الفضل العظيم و قد سأل من اصحابه مسألة غامضة فبادرت لامتثاله الي الجواب واحد بعد واحد من بينهم و لما كنت اصغر من انيخاطب بخطاب رأيت الاصغاء الي الايراد و الجواب احري و اليق بحالي من التكلم في مجلس الخطاب فختم المجلس و تفرق الاصحاب كثر اللّه امثالهم فرجعت الي منزلي و رقدت في مرقدي فطار الخيال الي فنون اغصان شجرة السؤال و الجواب فوقع علي غير ما وقعوا و فهم غير ما فهموا فعزمت اناكتب ما سنح في البال و ارسل اليه الكتاب لانه اقرب مني الي ذلك الجناب لعدم تدنسه بادناس المعاصي من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس فلابد من رسم فصلين لبيان تلك المسألة الغامضة و الجواب و الي اللّه المرجع و المآب.
فصل: في بيان تلك المسألة و هو انه لا شك ان هذا العالم المحسوس بحواس كل حاس يكون في غاية البعد عن المبدأ فلابد و انيكون بين المبدأ و بينه وسائط عديدة في ايجاده و ابقائه للزوم الطفرة الباطلة بالضرورة لان المبدأ يكون في غاية الوحدة و البساطة و هذا العالم في نهاية الكثرة و اذا
«* الرسائل جلد 4 صفحه 329 *»
راجعنا الكتاب رأينا اللّه سبحانه يقول و ان من شيء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و اذا راجعنا السنة رأيناها موافقة للكتاب و العقل كماروي ان للّه سبحانه الف الف عالم و الف الف آدم و كنتم في آخر تلك العوالم و اولئك الادميين و لميخلق اولئك من التراب و لعل لفظ الرواية علي غير هذه العبارة و كذا روي اخبار كثيرة في سبق خلق محمد و آلمحمد: بدهور عديدة بحيث لاتخفي علي اهل المذهب بل و اهل الاسلام في الجملة بل صار اليوم و الحمد للّه من ضروريات المذهب ثم من البديهيات المحسوسة ايضاً انه خلق آدم7 في زمان معروف بعد ان كانت هذه السموات العرضية و الارضين العرضية المحسوسة بل و المواليد من الجماد و النبات و الحيوان مدة لايعلمها الا اللّه سبحانه ثم خلق في كل عصر خلق بعد خلق و نبي بعد نبي الي ان وصل النوبة الي نبينا و آله صلوات اللّه عليهم اجمعين فظهروا بعد جميع الانبياء و المرسلين.
ثم من القواعد المسلمة بيننا ان قبلية المراتب العالية ليست قبلية زمانية لان الزمان بأسره من مبدئه الي منتهاه يكون في غاية البعد عن المبدأ فلايعقل انيمر اوقاته علي العوالم التي كانت قبله و لمايخلق في تلك المراتب عالم الزمان فضلاً عن وقته الذي هو من حدود ماهيته ثم من القواعد المسلمة انه لو لميكن في هذا العالم بدن لميكن في العوالم السابقة عليه ارواح فاذا وجد في هذا العالم بدن وجد في تلك العوالم ارواح اذ لو وجد ارواح في تلك العوالم تامة المراتب في مدة مديدة ثم يوجد ابدان في هذا العالم المحسوس ثم تتعلق تلك الارواح التامة بتلك الابدان يكون التعلق بعد ذلك لغواً و عبثاً و لميصدر اللغو من الحكيم تعاليشأنه عن اللغو فعلي هذا لو لميوجد بدن آدم7 هنا مثلاً لميوجد له مراتب هنالك و لو لميوجد بدن نبينا9 هنا لميوجد مراتبه العالية هناك و كذا الائمة: فاذا كان الامر كذلك فمن الواسطة قبل خلق آدم بين
«* الرسائل جلد 4 صفحه 330 *»
هذا العالم و بين المشية و من الواسطة بين آدم و بين المشية قبل خلق نبينا و آله صلوات اللّه عليهم اذ ليس آدم باول ما خلقه اللّه بالضرورة فكيف المخلص بين هذه الادلة التي كلها يقينية و تخالف بعضها بعضاً في بادي النظر و ظاهر الاثر.
فصل: فالجواب علي نحو الايجاز و غاية الاجمال و نهاية الاختصار اذ كثرة المقال يوجب ايراث الكلال حين ملاحظته اطال اللّه بقاه و جعلني فداه لكثرة الاشتغال بالامور الدينية المهمة التي لميبق له فراغ البال ان كل عالم اعلي لايمر عليه و علي مواليده اوقات عالم ادني ابداً و لكل عالم وقت مخصوص به لانه حد من حدود ماهيته كما لايخفي ذلك عند الحكماء و ادلته مضبوطة في محلها فبعد نزول المراتب العالية في هذا العالم المحسوس لايمر عليها اوقات هذا العالم مطلقاً و انما تمر علي البدن الذي هو من ابعاض هذا العالم حسب كما نري ان عالم الخيال الذي هو اعلي من هذا العالم بدرجة لايمر عليه اوقاته لانا نري من انفسنا نتذكر الوقايع الواقعة قبل الان بثلثين سنة مثلاً فلو مرت هذه الاوقات عليها لماقدرنا علي تذكرها كما لمنقدر علي رؤية تلك الوقايع باعيننا التي مرت عليها هذه الاوقات فكما انا اذا كنا تحت سقف في بيت احاط بابداننا العرضية التي هي ابعاض هذا العالم جدرانه و سقفه و لمتحط بخيالنا و اذا كنا تحت سموات احاطت بابداننا و لمتحط بخيالنا كذا يمر علي ابداننا اوقات الزمان و لمتمر بخيالنا ابداً.
فيعلم من ذلك انه اذا مات زيد قبل الان بعشرين سنة مر علي بدنه عشرون سنة و لميمر علي روحه عشرون سنة بمعني ان مفارقة البدن عن الروح يكون عشرين سنة و لايكون مفارقة الروح عن البدن عشرين سنة فاذا وجد بدن زيد هنا قبل الان باربعين سنة لميوجد روحه قبل الان باربعين سنة و اذا كان عمر زيد هنا اربعين سنة لميكن عمره في عالم البرزخ اربعين سنة و كذا
«* الرسائل جلد 4 صفحه 331 *»
لميكن عمره في سائر المراتب العالية اربعين سنة اذ لايمر علي تلك المراتب و علي اهلها هذه الاوقات الزمانية العرضية مطلقاً فلايكون عمر بدنه الاصلي و ارواحه اربعين سنة و لا الف سنة و لا الف الف سنة و لا الف الف الف سنة الي غير النهاية فاذا لميمر علي بدنه الاصلي و ارواحه اربعون سنة و لا الف سنة الي ما لايتناهي فلميكن بدنه الاصلي و لا ارواحه مقيدة محدودة بهذه الاوقات مطلقاً فاذا استخرج بدنه الاصلي و ارواحه من هذه الاعراض لايمر عليها اوقات هذه الاعراض مطلقاً و يكون اوقاتها اوقات مناسبة لها فليس ان بدن زيد الاصلي و ارواحه محصورة بحصار اربعين سنة محدودة بها و لا محصورة بالف سنة و لا بالف الف سنة الي ما لا نهاية لانها بكلها خارجة عن جميع اوقات الزمان باسرها من مبدئها الي منتهاها.
فاذا كان زيد الاصلي و مراتبه الاصلية من جسمه الي عقله خارجاً عن حدود الزمان بأسرها و لميمر عليه اوقاته مطلقاً يقدر علي الظهور في اي جزء جزء من الزمان ان كان قوياً غير مشوب بالاعراض مفارقاً عن الاضداد كالكاملين كل بحسب مقامه و علي حسب مفارقته بقدر مفارقته فليس معني ان بدن زيد ان وجد هنا يوجد سائر مقاماته الاصلية هناك عن([1]) مقاماته محصورة في اوقات بدنه العرضي و لايقدر علي التحول من تلك الاوقات كما لميقدر بدنه العرضي و لايقدر علي التحول عن اربعين سنة و كان محصوراً فيها ابداً مادام ملك اللّه فاذا وجد هنا بدن عرضي دنيوي في بعض اوقات الزمان تعلق به سائر المراتب و لمتتعلق في بعض اوقات الزمان فاذا ترقي و صعد الي مدارج القرب من المبدأ و وصل اليه و استأنس في ظلاله لميكن يصل اليه قبل الان باربعين سنة و لا الف سنة و لا الف الف سنة الي ما لا نهاية سنة مطلقاً بل بالنسبة الي هذه الاوقات الزمانية العرضية التي تمر مر السحاب كان في ظل مبدئه و يكون فيه و لميتجدد له الان مثل هذه الاوان و يكون بكله مواجهاً لكل جزء جزء من الزمان فاذا شاء انيظهر في اول الزمان ظهر و اذا@ان خل@
«* الرسائل جلد 4 صفحه 332 *»
شاء انيظهر في آخره ظهر و اذا شاء يظهر([2]) في اواسطه ظهر اذ كل جزء جزء بالنسبة اليه علي سواء([3]) سواء وجد بدنه العرضي في اول الزمان او وسطه او آخره و ذلك لايمكن الا لمن فارق الاضداد و صعد عن حدودها في كل عالم بحسبه و لايمكن ذلك لمن كان اصل وجوده من احد من المراتب الدانية.
فاذا ثبت ذلك نقول ان بدن خاتم الانبياء9 في اي وقت اتفق صعد الي ان وصل الي مبدئه الذي هو اول ما خلق اللّه و لميصل الي ذلك المقام في زمان حتي يقال فقبل زمانه فمن المبدأ و ان كان بدنه العرضي اتفق في بعض الزمان كما مر البيان فاذا صار اول ما خلق اللّه و لميمر عليه الاوقات الزمانية مطلقاً و صار مهيمناً علي اولها و آخرها بحيث لميكن([4]) انيقال صار لان صار من الافعال الزمانية صار مبدأ المبادي و غاية الغايات بحيث لميلحقه لاحق و لميستفد منه مستفيد الا آله صلوات اللّه عليهم لانه لميفارق الاضداد من المراتب السافلة احد كما هم: قد فارقوا فلايقدر احد علي التلقي منه9 الا آله: فهو9 صار واسطة بينهم و بين اللّه سبحانه اخذ عن اللّه و بلغ اليهم: ثم بعدهم سلام اللّه عليهم لميفارق الاضداد الدانية احد كاحد من الانبياء فاذا فارقوا وصلوا الي الائمة: و تلقوا عنهم و لميقدروا علي التلقي من الخاتم9 لان اصل وجودهم مركب من الاضداد التي هي في عالم الارواح فلميقدروا علي الصعود من مبدئهم فاحتاجوا الي الائمة: و استفادوا منهم كما استفادوا هم من الخاتم9 فصاروا وسائط بين الخاتم و بين الانبياء و لميقدر احد علي التلقي من الائمة: سواهم ثم بعدهم لميفارقوا الاضداد كما
«* الرسائل جلد 4 صفحه 333 *»
ينبغي في رتبة الاناسي الا الاوصياء و النقباء فتلقوا اجل اللّه شأنهم من الانبياء: و لميقدر احد علي التلقي منهم سواهم ثم بعدهم لميقدر علي التلقي منهم غير النجباء لعدم الصعود الي درجتهم و الي قرب جوارهم بسبب مخالطة الاضداد و الممازجة معها فلايمكنهم التلقي الا من النجباء بل الا من العلماء و هكذا الي ادني مراتب الخلق لميصل احد الا الي العالي الذي يليه.
فظهر و الحمد للّه وجوب وجود الوسائط في كل زمان و اوان فالانبياء يستمدون من الائمة: بما هم ائمة بذاتيتهم و هم بذاتيتهم لميمر عليهم وقت زمان لميكونوا ثم كانوا و ان كان بدنهم العرضي الذي من اجزاء هذا العالم المحسوس لميكن ثم كان و لميستمد الانبياء من هذا العرض الذي هو في عرض الجمادات لان الاستمداد من هذا البدن شرطه اقتران الزمان و المماسة الظاهرية و المجالسة العرضية و هذا مما لايمكن للذي زمانه قبل زمانه ابداً هذا و اي شرافة من هذا الاستمداد الذي يمكن لکل احد بل لكل حيوان و نبات و جماد كما لايخفي فكل الشرف و تمامه في الاستمداد الذي لميقدر عليه احد سواهم: و هو الاستمداد الغيبية النورانية و ذلك لايدرك بالعيون الظاهرية بل و لا بالمشاعر الباطنية لغير الانبياء: و هو حاصل لهم البتة لان مشاعرهم من جنس اهل الدهر و الائمة:عرصتهم اعلي الدهر و اعلي الدهر لايمر عليه اوقات ابداً فمن وصل اليه وصل اليهم و رآهم ثابتين غير متحولين سواء عندهم اول الزمان و آخره لان عرصتهم عرصة استوي علي جميع الازمان فلذا يكونون قادرين علي الظهور في اي جزء من الزمان فان شاؤا انيظهروا قبل آبائهم و امهاتهم من اي شيء من جماد او نبات او ارض او سماء لظهروا قال7 انا الذي اتقلب في الصور كيف ما شاء اللّه الا و انا نحن النذر الاولي و نذر في الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان فلذا ظهر7 لفرعون لاجل الهلاك و لسلمان لاجل النجاة.
«* الرسائل جلد 4 صفحه 334 *»
و لما لميكن المقصود اثبات الفضائل لمنكن نحتاج الي ايراد الدلائل و المقصود اظهار طريق فهم المسألة المذكورة و عرض ما وقع عليه الفهم فاذا صدقه الصادق فهو صواب و الا فلا فاذا وصلنا الي هنا نقدر علي اثبات وساطة الاناسي للجن و ان لميظهروا في الزمان كما مر لان الجن يستمدون من الانسان الاصلي الحقيقي لا الانسان العرضي الدنياوي و هو بذاتيته عرصته لا مدخل لها للزمان ابداً كما مر و لايحتاج الجن الي البدن العرضي الذي هو تحت رتبته و هكذا الجن للملك و الملك للحيوان و هو للنبات و هو للجماد.
و لعل هذه الجزوة تقع في ايدي بعض الاخوان و يزعم اني اقول ان نفس زيد و بدنه الاصلي مثلاً قدخلق في عالمه ثم نزل الي هذا العالم و تلبس بالاعراض ثم يلقي بعد ذلك الاعراض و سواء عنده جميع الاعراض كالطير التام الذي يطير الي وكره موجوداً ثم دخل فيه ثم خرج و لعله يشنع بسبب زعمه علي.
فاقول مع عدم الاحتياج الي ازيد مما مر ولكن لا بأس بالتصريح لزيادة التأكيد ان بدن زيد العرضي و اللّه العلي العظيم لو لميكن هنا لميكن بدنه الاصلي الذاتي في عرصة الذوات فاذا وجد بدنه العرضي الدنياوي هنا وجد بدنه الاصلي الذاتي هناك و وجودهما و ايجادهما مساوقان كيف لا و ان لميكن لبدنه العرضي هنا بصر لماكان بدنه الاصلي عالماً بالمبصرات ابدا و لو لميکن له سمع هنا لميکن بدنه الاصلي عالما بالمسموعات هناك و جميع علومه الشرعية و الطريقية و الحقيقية مكتسب من المسموعات و ضيق بدنه الاصلي و سعته علي حسب قلة مسموعاته و كثرته فاذا لميكن له هنا سمع لميكن له هنا علم مسموعي مطلقاً فاذا لميكن له هنا جسم عرضي لميكن هناك جسم اصلي ابداً و ارجو بعد الاظهار و القسم انلايظلمني بعض الاخوان انشاءاللّه.
و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين وفرغت من تسويده في ضحوة يوم الاحد من العشر الوسط من شهر محرم الحرام سنة 1277.