04-20 الرسائل المجلد الرابع – رسالة في جواب سؤال الملاعلي الخراساني ـ مقابله

جواب سؤال

 

الملاعلی الخراسانی

 

في رفع التنافي بين الكلامين من المعلمين

اعلي الله مقامهم في اطلاع المؤمنين الكاملين

باحوال المقلدين و عدمه

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 309 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام علي محمد و آله خاتم النبيين و اللعنة علي مخالفيهم و معانديهم اجمعين الي يوم الدين.

و بعد يقول العبد المذنب القاصر محمد باقر غفر اللّه له و لوالديه و لجميع المؤمنين و المؤمنات ان المولي الولي المدقق المحقق في الامر الخفي و الجلي مولانا الملاعلي الخراساني ايده اللّه و سدده في الجلي و الخفي قد ‏امرني برفع التنافي بين الكلامين التمامين من المعلمين+ و قد ترائي التنافي ليعلم كل اناس مشربهم و قد ظهر من بعض كلماتهم ان الكاملين في درجات الايمان و اليقين غير مطلعين باحوال المقلدين في كل آن و حين و ان اطلعوا احياناً و من بعضها انهم مطلعون باحوال المكلفين المهتدين للزوم الامداد و الاستمداد و الارشاد و الاسترشاد و لايعقل ذلك بين الجاهلين او الغافلين و قد منع ضيق المجال عن ذكر تلك الكلمات التامات فقد اكتفينا بالاشارة لاهل البشارة و اللّه ولي التوفيق و هو خير موفق و رفيق.

فاقول و باللّه المأمول بواسطة آل الرسول9 ان الذي لايحتاج الي كثرة القيل و القال ان‌شاء‌اللّه تعالي ان حجة اللّه تعالي هي الحجة البالغة الواضحة عقلاً و نقلاً لا شك فيها و لا ريب يعتريها فما دام المبلغ لم‏يطلع علي ظواهر المكلفين و ضمائرهم لايعقل و لاينقل ان‏يبلغ فيجب ان‏يكون شاهداً مشاهداً لظواهرهم و بواطنهم و لذا قال اللّه تعالي انا ارسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً اليه باذنه و سراجاً منيراً و قال تعالي و كذلك جعلناكم امة وسطاً لتكونوا شهداء علي الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 310 *»

و معني امثال هذه الايات شهادتهم الباطنة لظواهر الخلق و بواطنهم و الا لماكانوا: في حال حضورهم شاهدين لظواهر جميع من في عصرهم و بواطنهم و لذا يجب ان‏يكون المبلِّغ مطلعاً فلم‏يجعل اللّه غير المطلع مبلغاً اللهم الا ان‏يكون راوياً و كم من راوٍ يروي الي من هو افقه منه و كم من راوٍ لايدري ما يرويه و حديث تدريه خير من الف ترويه و لاتدريه، يقولون بالسنتهم ما ليس في قلوبهم.

فاذا علمت ذلك و تذكرت ما هنالك فتذكر ان الشيعة من شعاعهم: و هو منهم و من طينتهم و عجن بماء ولايتهم و شايع في جميع ما له و به و عليه و اليه و فيه مخالف لهواه مطيع لامر مولاه فهو الرجل نعم الرجل@فهو الرجل کل الرجل نعم الرجل خ‌ل@ فهو الذي جعل هواه تبعاً لامر اللّه و قواه مبذولة في رضي اللّه يري الذل مع الحق اقرب الي عز الابد من العز في الباطل و يعلم ان قليل ما يحتمله من ضرائها يؤديه الي دوام النعيم في دار لاتبيد و لاتنفد و ان كثير ما يلحقه من سرائها ان اتبع هواه يؤديه الي عذاب لا انقطاع له و لايزول فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا و بسنته فاقتدوا و الي ربكم به فتوسلوا فانه لاترد له دعوة و لاتخيب له طلبة.

و لايعقل كما لاينقل ان‏يجعل اللّه الجاهل او الغافل واسطة بينه و بين سائر الخلق بل لايعقل كما لاينقل ان‏يجعل العاجز واسطة بينه و بين سائر الخلق العاجزين اذ فائدة جعل الواسطة لايحصل مع الجهل و الغفلة و العجز و تعالي عن ذلك فجعل العالم واسطة لتعليم الجاهلين و القادر واسطة لجبر نقص الناقصين العاجزين و ذلك تقدير العزيز العليم و ادلة ذلك في الكتاب المحكم و السنة المحكمة غير المتشابهة اكثر من ان‏تحصي افمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع امن لايهدي الا ان‏يهدي، و الذين تدعون من دونه مايملكون من قطمير ان تدعوهم لايسمعوا دعاءكم و لو سمعوا مااستجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون بشرككم و لاينبئك مثل خبير.

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 311 *»

و انت تعلم ان‌شاء‌اللّه ان الشيعة هداة مهديون لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون علماء حكماء كادوا ان‏يكونوا من الحكمة انبياء و الانبياء: يؤثرون فيما دونهم علي ما عليه اهل الحق الحقيق و هم من فاضل طينة محمد و آله9 في اعلي عليين و كذلك الكاملون من الشيعة ايضاً من فاضل طينتهم و هم برازخ ما بين الانبياء و بين ما دونهم فابتغوا اليه الوسيلة و هم الوسائل و الوسائط الهداة و المهديون فبهديهم اقتده فما تري من بعض الكلمات من التنافي فذلك محمول علي الذين يروون ما لايدرون او علي الذين يروون الي من هو افقه منهم او محمول علي بعض مراتبهم العرضية او الدنيوية او البرزخية لا علي حقائقهم الاولية الحقيقية و ذلك حاصل للانبياء: ايضاً و هم في حقائقهم مؤثرون فلا تنافي في البين في حق البرازخ المتبوعين و ان احتمل فيما دونهم الجزئيين بالنسبة فتدبر تجد ان‌شاء‌اللّه.

فان قلت ان الشيعة كلهم رواة فتذكر ما مرَّ من التفاوت الفاحش بين اشخاصهم فان بعضهم ضعفاء و بعضهم فقهاء و بعضهم الحكماء فهل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوا الالباب. و الحجج: ايضاً رواة عن النبي و هو9 حاك راو عن اللّه تعالي و هو هو و هم هم صلوات اللّه عليهم.

فاعلم ان البدن الظاهر راو عن الروح الباطن و اللسان الظاهر حاك عما في الضمائر و هو محفوظ بحفظ الباطن متحرك بتحريكه ساكن بتسكينه لايملك لنفسه حركة و لا سكوناً الا بالباطن عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فاولئك الرواة الحكاة معصومون مطهرون اذا العاصم الحافظ لهم هو اللّه تعالي و الذين يحكون عنك و عن غيرك ايضاً حكاة رواة ولكنهم غير محفوظين و غير معصومين فبين الفريقين بون بعيد في الرواية

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 312 *»

و الحكاية و لنعم ما قيل في الفارسية:

ميان ماه من تا ماه گردون   تفاوت از زمين تا آسمان است

فتدبر تجد ما يكفيك و ما يغنيك بحيث لاتحتاج الي غيرك في ذلك فتمسك به علي القطع و اليقين من غير ريبة من التخمين و لاتقلد بعد ذلك احداً قائلاً بغير ذلك و قدورد في الكافي انما يتقرب الي العبد بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته فهو ممسوس فيه بواسطة محمد و آله9 و هم ممسوسون في ذات اللّه كما ورد علي ممسوس في ذات اللّه و قددلَّ علي ذلك آية النور في كمال الظهور و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و هي اللّه نور السموات و الاض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الي قوله في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الاصال رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و قدورد ان لنا مع كل ولي اذناً سامعة و عيناً ناظرة و لساناً ناطقاً فالولي الحقيقي ممسوس فيهم كما هم ممسوسون في ذات اللّه عليهم صلوات اللّه فمن ابتغي وراء ذلك فاولئك هم العادون و انا للّه و انا اليه راجعون و لا حول و لا قوة الا باللّه و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه و قد اسقيتك ماء غدقاً فلاتعد عيناك بعد زينة الحيوة الدنيا فان ما عندكم ينفد و ما عند اللّه باق و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام و هو خير ختام.

و اما ما كنت سائله عن المراتب المتنزلة فلعلك عرفت قبل هذا ان التعينات كائنة ما كانت كلها تصعد صاعدة من الاداني الي الاعالي كما ان الارواح كائنة ما كانت كلها تنزل من الاعالي الي الاداني من الدرة الي الذرة فلو لم‏ينزل العقل الي النفس و النفس الي الطبع و الطبع الي المثال و المثال الي الحيوة الدنيوية و الحيوة الي النبات و النبات الي الجماد لماتعين روح نباتي عن روح آخر و لماتعينت حيوة حيوانية عن الحيوان الاخر و لماتعين

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 313 *»

جني عن جني آخر و لماتعين انسان عن انسان آخر و لماتعين عقل شخص عن عقل شخص آخر فالقت الروح النباتية مثالها و فعلها في الجماد الناري فتجذب و في الجماد الترابي فتمسك و في الجماد الهوائي فتهضم و في الجماد المائي فتدفع فلولا تعلق فعلها في الجمادات فليس لها في نفسها جذب و لا امساك و لا هضم و لا دفع و هكذا لو لم‏يتعلق فعل الروح الحيوانية في العين النباتية الجمادية و في الاذن النباتي الجمادي و في الشامة النباتية الجمادية و في الذائقة النباتية الجمادية و في الاعصاب النباتية الجمادية لما كانت لها في نفسها بصر و لا سمع و لا شم و لا ذوق و لا لمس و ان كانت فيها بكلها سميعة بصيرة شامة ذائقة لامسة و كذا سائر المراتب المتنزلة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور.

ثم اعلم ان نعيم الحيوة و آلامها كلها تصعد صاعدة من الدنيا الي العليا و ان لم‏ينل اليها لحومها و لا دماؤها ولكن ينالها لذة الطعم المناسب لها و تألم الطعم المنافر@المنافر منها خ‌ل@ و كذلك البواقي حرفاً بحرف و اللحوم و الدماء كلها تصل الي النبات لا اليها فلو لم‏يجذب نباته و يمسك و يهضم و يدفع لم‏يكن للحيوة لذة و لا الم بل و لا تعين و لا حس و لا حركة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

فتذكر ان الغيوب و الارواح الغيبية تحتاج الي الاجساد و الاجسام ابداً في لذاتها و آلامها كما ان الاجساد تحتاج الي نزولها اليها ابداً في استمداداتها فلو لم‏يكن الروح في البدن لم‏يحس البدن بجوع و لا عطش و لا شبع و لا ترو.

فتذكر ان اللّه سبحانه ليس بمأكول و لا مشروب و لا ملموس و لا مسكن للخلق اينما كانوا و انما احتاجوا اليه سبحانه باطعام@باطعامهم خ‌ل@ طعامهم و شرابهم اينما كانوا فالجنة دار نعمة و راحة له كما ان الجحيم دار نقمة و زحمة له و هو سبوح قدوس من اللذة و الالم او يلتذ به او يتألم به فنعيم اهل الجنة تصعد من

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 314 *»

ابدانهم الي ارواحهم ابداً و ابدانهم تنمو و تكبر بوصول شي‏ء من الجسم اليها ابداً و لولا الجسم الذي تصعد منه اليها آثارها من انواع اللذات او الالام لصار اهل الاخرة واقفين علي حالة فلايزيد المؤمنون لذة جديدة و لا الكافرون الماً جديداً.

و المعلوم من الدين و المذهب انهم يستزيدون بلا غاية و لا نهاية ليس لمحبتي غاية لان الامكانات في الجواهر الحقيقية لا غاية لها و لا نهاية بل هم في لبث و لبس من خلق جديد ابداً نعم لايخلعون من انفسهم ما لبسوه قبل الجديد بل يلبسون حلة فوق حلة ابداً بلا نهاية او سرابيل من قطران تغشي وجوههم النار نعوذ باللّه من غضب القهار كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب عذاباً فوق العذاب من غير خلاص من سوابق العذاب فلن‏نزيدهم الا عذاباً و ذلك لاينافي فناء الدنيا و زوال نعيمها و آلامها و ذلك لان كل ما في الدنيا كلها من عرشها الي فرشها مواضيها ماضية فانية و مستقبلها لما يأتهم و هي كلها في الحال

ما فات مضي و ما سيأتيك فاين   قم فاغتنم الفرصة بين العدمين

فصارت حالاتها ماضية فانية كما تصير مستقبلها حالاً فتصير كلها فانية تبدل الارض غير الارض و السموات و اما الجسم المتلبس بالالبسة لا بدء له و لا نهاية له فهو المتأبد بالخلود و آثارها@آثاره ظ@ صاعدة الي ابدان اهل الاخرة و من ابدانهم الي سائر مراتبهم العالية كما ان مراتبهم العالية تنزل الي مراتبهم الدانية و تحصل من بين ذلك الصعود و النزول ثمرات مختلف الوانها الي غير النهاية و عدم فناء الجسم بين يديك تراه رأي العين كما تري فناء ما فني رأي العين بنظر الاعتبار و انما يتذكر اولوا الالباب و ان لم‏تره الاغيار لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور صمّ بكم عمي فهم لايعقلون.

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 315 *»

و كفي لمثلك النظر الي الجسم الباقي بين يديك الذي يمتنع فناؤه فلو كان في حيِّزه من غير احتياج من المراتب العالية عليه اليه لكان وجوده لغواً عبثاً فمن الحكمة ان‏يخرج ما في الكيان الي العيان دائماً فلو لم‏يكن الظهور تمام البطون و البطون تمام الظهور لكانت الحكمة ناقصة من الحكيم فالفعل تمام القوة و القوة تمام الفعل و هما متضائفان ابداً و ذلك تقدير العزيز العليم و لاينبئك مثل خبير و ان لم‏يفهم الحمير.

علي نحت القوافي من مواقعها   و ما علي اذا لم‏يفهم البقر

و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و آله الذين بهم فتح اللّه و بهم يختم و لعنة اللّه علي غاصبي حقوقهم ظاهراً و باطناً و كم ترك الاول للاخر.

و قدتم في السابع‏عشر من ذي الحجة من شهور سنة 1309 حامداً مصلياً مستغفراً.