رسالة المصباح
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 148 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه الذي جعل الحق اوضح من الشمس بل اظهر من كل شيء و الباطل ابين من الامس و ازهق بل ابلي من كل شيء فكان السراب بالنسبة اليه شراب([1]) بلا ارتياب فالعجب كل العجب من فقد الحق عند الاكثرين و اكسد الامتعة فيما بين المتداولين من انتشار الباطل بين الحق اجمعين الا لدي الاقلين و اغلي من كل ثمين و اعلي و اشهي من سمين سخين و الصلوة و السلام علي اشرف الخلق و اكرمهم و اولهم و اسبقهم الي اللّه رب العالمين و آله الطيبين الطاهرين ثم منهم علي شيعتهم التابعين و اللعنة علي معانديهم من الاولين و الاخرين من اللاعنين.
اما بعد فهذه مائدة ذات فائدة عائدة للطالبين و فوارة للماء المعين للشاربين و هدية هنيئة للمهتدين منبتة لشجرة مثمرة لليقين الذي هو اقل ما قسم بين العباد اصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها لميخلق مثلها في البلاد الي يوم الميعاد فهلموا اليها مسرعين مشتاقين فتمسكوا بغصن من اغصانها و استضيئوا بنور من انوارها فان لها قناديل من المشكوة التي فيها مصباح المصباح في زجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء لا ظلمة فيها ابداً سيروا فيها ليالي و اياماً آمنين عن الشك بل الريب و التخمين و قدسميتها بالمصباح لاثارة اليقين ففيها مقدمة و مصابيح.
«* الرسائل جلد 4 صفحه 149 *»
فالمقدمة في بيان امور ينبغي تقديمه قبل الشروع في المقصود لتكون زيادة في بصيرة من خلع عنه ربقة التقليد و اراد انيتمسك بأزمة التحقيق و هي:
ان المشاعر الانسانية برمتها من العقل و اعلي منه فما دونه الي المشاعر دنيوية([2]) و الحواس الظاهرة كلها في انفسها ساذجة قابلة لوقوع شبح فيها كالمرآة و الشواخص و حصول اشباحها فيها كما تري بالعين الظاهرة ما تري من الالوان و الاضواء و الاشكال فهي في نفسها قوة صالحة لوقوع الاشباح فيها و ادراكها ليس في نفسها شبح و ادراك الا ما وقع فيها الاشباح من الشواخص الخارجة المقابلة لها فما لميكن شاخص في الخارج لاتكاد تدرك لوناً و ضوءاً و شكلاً اصلاً فاذا قوبلت الي شاخص وقع شبحه فيها قهراً و ليس لها ان لاتري الا بالاغماض و الادبار و الاعراض كما لايخفي ذلك علي ذي حس فما لميكن شاخص مقابل لايمكنها ادراك شبح و مادامت مفتوحة مقابلة لشاخص في ضوء مناسب لايمكنها ان لاتراه فتراه قهراً حتماً و ذلك تقدير العزيز الحكيم في جميع المشاعر ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور و لايخفي ذلك علي منصف ذي مسكة اماتري انك في مشاعرك الباطنة ايضاً كذلك فلاتقدر علي ادراك شيء معين مهلك به فاذا توهمته بحصول سبب خارج لمتقدر علي ازالة ذلك التوهم عنك حين كونك متوهماً فاذا حصل لك سبب الظن حصل فيك الظن قهراً و لاتقدر في نفسك بنفسك ان لاترجح وجوده من عدمه حين كونك ظاناً ثم اذا حصل لك سبب العلم الخارجي تصير عالماً به قهراً و لاتقدر بنفسك في نفسك علي ان لاتعلمه و كذلك اذا حصل لك سبب اليقين تيقنت به قهراً لاتقدر علي الشك فيه او الجهل به.
فاذا عرفت ذلك تعرف انشاءاللّه تعالي ان الجهل و الوهم و الريبة و الشك و الظن و العلم و اليقين و المعرفة امور قهرية لاتحصل الا باسبابها
«* الرسائل جلد 4 صفحه 150 *»
و شواخصها و شرائط حصولها فكم من متجشم فيها و هو خائب و متكلف فيها و هو خاسر و اللّه لايحب المتكلفين ليس بامانيكم و لا اماني اهل الكتاب فاذا اردت اليقين فحصل اولاً اسباب حصوله في عقلك و لاتتجشم بانك متيقن و لاتصغ الي من يقول لك لاتشك في استجابة الدعاء حين الدعاء ليستجاب فان التجشم لايورث اليقين و لايزيل الشك فلذلك تري المتجشمين محرومين و ان الحوا في التجشم و اللّه لايحب المتكلفين فلايستجيب لهم الا لاجل الخذلان نستجير باللّه و به نستعين فما تري من سكون الناس اجمعين و اطمينانهم بما في ايديهم من الاديان و المذاهب المتشتتة المختلفة غير اهل الحق في عقائدهم و اعمالهم لميكن بيقين فلاتحسبنهم موقنين و ان هو الا كسكون البهائم و الانعام فيما هي عليه بحسب عاداتها و طبايعها كل بحسبه و ان هم الا يظنون و به يعيشون كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئاً فلو كانوا موقنين لكانوا معذورين و انت تعلم ان شاء اللّه تعالي انهم في ضلال مبين و ذلك ان اليقين لايحصل لاحد الا بدليل الهي و برهان رباني قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين.
فكما لايمكن رؤية شيء الا انيكون ذلك الشيء موجوداً في الخارج مقابلاً للعين و الضوء لايمكن اليقين بشيء الا انيكون ذلك الشيء موجوداً مقابلاً للعقل بواسطة البرهان و البرهان سبب ايصال ذلك الشيء الي العقل كما ان الهواء الضيئ سبب لايصال شبح الشاخص الموجود الي العين المقابلة و كما ان العين تدرك شبح الشاخص و يحصل فيها شبحه لا جوهر ذاته كذلك العقل يدرك شبح المدرك لا جوهر ذاته و المدرك هو الشبح في كل مقام ماتري في خلق الرحمن من تفاوت في ادراك السمع و البصر و سائر الحواس الظاهرة و المشاعر الباطنة من الحس المشترك الي العقل بل الي الفؤاد فلكل مدرك بالفتح مدرك بالكسر اذا حصل اسباب الادراك ادركه قهراً بحيث لايمكنه ان لايدرکه كما ان العين اذا قوبلت بالشاخص في الهواء الضيئ
«* الرسائل جلد 4 صفحه 151 *»
ينطبع فيها شبحه قهراً كما ينطبع في المرآة شبح الشاخص المقابل قهراً و هكذا الامر في جميع الحواس و المشاعر الظاهرة و الباطنة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فبفقدان احد المذكورات افتقد الادراك في جميع المراتب الظاهرة و الباطنة فلاجل ذلك قال اميرالمؤمنين عليه و آله صلوات المصلين عقل مطبوع و عقل مسموع لمينفع مسموع اذا لميك مطبوع فالعقل المطبوع هو اول المشاعر الانسانية المدرك للكليات الذي عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان و العقل المسموع هو الكتاب و السنة و اقامة الادلة و البراهين العقلية فما لميكن العقل المدرك موجوداً في احد لمينفعه البراهين العقلية كمثل الحمار يحمل اسفاراً كما اذا لمتكن العين المبصرة لمتنفع الالوان و الاضواء للاعمي.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان العقل المجرد عن المواد و الصور الملكوتية فما دونها لمينطبع فيه الاشباح المنفصلة عن الشواخص فلايدركها فلذا قيل انه غير مدرك للجزئيات الشخصية الخاصة و اشتهر بين الحكماء ان الامور الخاصة من النبوة الخاصة باحد الانبياء: او الوصاية الخاصة باحد من الاوصياء: الي الشرايع الخاصة غير مدركات بالعقل و المدرك لها اما نفس قانعة للعادات او المشاعر المثالية المدركة لانواع الخيالات او الحواس الظاهرة المدركة للمحسوسات من المسموعات و المبصرات و المشمومات و المذوقات و الملموسات من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و الثقل و الخفة و امثالها و العقل مجرد في جبروته ممحو عنه جميع ذلك عار غير لابس من تلك الالبسة كما اذا رأيت بعينك بائعاً باع متاعه و اخذ الثمن من المشتري بمحضر منك و رأيت الجميع بعينك و سمعت الايجاب و القبول باذنك انت غير قاطع غير متيقن في عقلك بوقوع الواقعة و غير قاطع في كونك في مجلسك فضلاً عن حضور تلك المحسوسات في محضرك كما اذا رأيت جميع ذلك في منامك ثم تنبهت
«* الرسائل جلد 4 صفحه 152 *»
تري نفسك في غير مجلسك في المنام و لايكن بائع و لا مشتري و لا ثمن و لا متاع و لا صوت و لا صيغة و لا ايجاب و لا قبول و لعلك كنت في المنام قاطعاً بوجود جميع ذلك عندك و بعد التنبه تكون قاطعاً بعدم وجود شيء منها و عقلك غير قاطع بوجودها كما يكون غير قاطع بعدمها و ربما اتفق الرؤيا يتذكر فيها الرائي هل تكون في اليقظة او المنام و يتفكر حتي قطع بانها في اليقظة ثم اذا تنبه انكشف له بان قطعه ايضاً كان في المنام و هو قاطع بعدم قطعه و العقل غير قاطع بالوجود و لا بالعدم.
و لعمري لقد تفكرت في احوال هذا الخلق و كشفت عنها فوجدت سكونهم و ركونهم الي ما هم اليه سائرون غير مضطربين الا عادات متناسبات لطبايعهم كعادات الحيوانات ان هم الا كالانعام بل هم اضل فكل حيوان مستأنس بما هو مقتضي طبعه ساكن غير مستوحش من جنسه مستوحش مما يخالف طبعه و جنسه فلميكن لانسه دليل الا طبعه و لا لوحشته برهان الا طبعه و انت خبير بالحصة الحيوانية التي انت راكبها فتراها تستوحش من الظلمة و لاسيما اذا غلبت عليها السوداء من غير برهان الا بوجودها فيها و مقتضي طبعها الجبن بحيث لاتملكها انتدخلها فيها اي في الظلمة و اناخبرك الف مخبر بعدم وجود موحش مخوف فيها فربما يغشي عليها او تموت لو حملها حامل علي الدخول فيها و تراها انها تستأنس بالضياء من غير دليل سوي وجود الضياء و تراها اذا غلبت عليها الصفراء متهوراً شجاعاً من غير دليل سوي مقتضي الصفراء فلاتبالي الدخول و الوقوع في المعارك و الضرب و الجرح و القتل فضلاً عن الدخول في الظلمة فليس للجبان دليل في جبنه علي جبنه و لا للمتهور دليل علي تهوره سوي غلبة السوداء او الصفراء و مقتضياتهما و هكذا حال الناس جميعهم الا قليلاً اقل من الكبريت الاحمر فيما يستأنسون و يستوحشون و في شهواتهم و طلباتهم و امانيهم و اهوائهم و آرائهم و حرصهم و قناعتهم و منعهم و عطائهم و عشرتهم و انزوائهم و رضاهم
«* الرسائل جلد 4 صفحه 153 *»
و غضبهم و حبهم و بغضهم و صلحهم و فسادهم و خرقهم و بطشهم و ظلمهم و حلمهم و رفقهم و مداراتهم و عدالتهم و حسن خلقهم و سوء خلقهم و سفرهم و حضرهم و اختياراتهم المناصب و المكاسب و العلوم و فعلهم و تركهم و جميع ما هم عليه كائناً ما كان بالغاً ما بلغ فليس جميع ذلك الا من اقتضاء غلبة خلط من الاخلاط من دم او بلغم او صفراء او سوداء علي حسب مقدار الغلبة من خردل الي منتهي ما يمكن في النوع او من اقتضاء عادة من العادات المتداولة بينهم و يحسبون انهم يحسنون صنعاً كل حزب بما لديهم فرحون ان هم الا يخرصون يري العاقل البصير انهم لفي سكرتهم يعمهون هذا.
ثم انك ان تفطنت لعلك عرفت ان ما حمل جمعاً كثيراً علي القول بانسداد باب العلم و عدم امكان القطع العقلي بشيء من الشرايع و قد بالغ بعضهم في قوله بان بالظن مدار العالم و اساس عيش بني آدم و بالغ بعضهم بعدم حصول القطع و اليقين العقلي في اصول الدين فضلاً عن فروعه و ليس جميع ذلك الا لاجل انهم وجدوا في انفسهم عند اقامة كل دليل علي شيء من الشرائع الجزئية الخاصة انه لايمتنع خلافه عقلاً فلاجل ذلك سموه ظناً لا قطعاً و طعنوا فيمن ادعي علماً و انكر الظن اشد الطعن بانه لميتفطن فحسب الظن علماً و هو لايشعر به و ادعي العلم و انكر الظن عن غفلة و بلادة في ذكائه و عدم حدة في ذهنه و ليس ذلك العلم المدعي الا العلم العادي الذي لايمتنع خلافه عقلاً و ان امتنع خلافه عادة فليس ذلك سوي الظن العقلي الذي ذهب اليه اهل التحقيق و قد بالغ في ذلك بعضهم بان المتواترات من الاخبار غير مفيدة للقطع العقلي و ان كان مفيدة للعلم العادي كمن اخبره الشياع و الجمع الكثير بوجود صين و ان علم عادة بانهم لميواطئوا علي الكذب ولكن لايمتنع تواطؤهم عليه عقلاً فذلك ظن عقلي علي صورة العلم و هو العلم العادي و علي هذا المسلك الذي سلكوا فيه ليس السائر الي الصين الواصل اليه الداخل فيه ايضاً غير قاطع في دخوله عقلاً و ان باشر اهله اياماً و ليالي
«* الرسائل جلد 4 صفحه 154 *»
و عاشر و عاملهم و باع متاعه و اشتري منهم متاعهم اذ لايمتنع عند عقله بانه لعله رأي جميع ذلك في منامه او تخيل بخياله امراً غير واقع فهو ظان عقلاً و ان كان ساكناً غير مضطرب و لا متردد عادة في وصوله و دخوله و بيعه و شرائه و خلف@حلف ظ@ علي ذلك كله بالايمان المغلظة و ادعي القطع و العلم بجميع ذلك فذلك ايضاً علم عادي و ظن عقلي لايمتنع عند العقل بانه رأي في المنام او تخيل لمرض عارض كالماليخوليا.
فذلك الذي حمل السوفسطائية علي الشك في المحسوسات و بعض الفقهاء علي الاكتفاء بالظن في اصول الدين فضلاً عن فروعه و بعضهم علي الاكتفاء به في فروعه و حمل بعض الناس في الوساوس الخناسية في تكرار الغسلات في غسلهم و وضوئهم و اغتسالهم و تكبيرهم و قراءتهم و اداء الحروف عن مواضعها و مقاطعها و الشك في وقوعها و صدورها حتي انتهي امرهم العي من غير زوال الشك عن قلوبهم و ان هي الا شبكة ابليس اللعين لصيد من حكي اللّه عزّوجلّ عنه لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فصار اللعين في القرون الماضية و الايام الخالية في عصر كل رسول من المرسلين بعد ما رأوا الايات و المعجزات علي ايديهم قوماً من الكافرين فقالوا انها سحر مستمر اذ لايمتنع عندهم بعد ما رأوا الايات انها سحر مستمر و عدوا المؤمنين سفهاء غافلين في بله و بلادة و حسبوا انفسهم من العقلاء المدققين المحققين و حسبوا انهم يحسنون صنعاً و هم غافلون بانهم غافلون الا انهم هم السفهاء ولكن لايشعرون سواء عليهم ءانذرتهم ام لمتنذرهم لايؤمنون ختم اللّه علي قلوبهم و علي سمعهم و علي ابصارهم غشاوة فهم يعمهون فماتغني الايات و النذر عن قوم لايؤمنون انك لاتهدي من احببت ولكن اللّه يهدي من يشاء الي صراط مستقيم فانك يا ايها الطالب للنجاة ان اردت النجاة من هذه المهالك فاصغ لما اقول و باللّه المأمول لتكون من الفائزين عن بصيرة و يقين من غير تقليد من غير دليل من اصحاب الخرص و التخمين.
«* الرسائل جلد 4 صفحه 155 *»
مصباح: اعلم ان العاقل البصير و الناقد الخبير الصاعد من مرابض البهائم و اجناس الحمير بعد ما تفكر في شيء من الاشياء الحادثة التي لمتكن قبل تكونها ثم كانت بعد ان لمتكن لايبقي له ريبة بانها بانفسها غير موجود لانفسها سواء كانت جماداً او نباتاً او حيواناً او انساناً او غير ذلك مما دخل عرصة الوجود فلايبقي له شك و ارتياب بان لها موجداً يوجدها و لايبقي له ريبة بان موجدها غيرها لانه وجدها عاجزة عن ايجادها انفسها و وجد الموجد قادراً علي ايجادها و من لميفرق بين القادر و العاجز لايعبأ به و بتصديقه و تكذيبه فكيف يبقي ريبة في عجز الاشياء الحادثة و عجزت عن حفظ انفسها بعد ما وجدت و كيف يبقي ريبة في قدرة موجدها و هي بانفسها شاهدة علي قدرة من اوجدها أفي اللّه شك فاطر السموات و الارض.
فمن انكر عجز العاجزين لايمكنه انكار عجز نفسه عن فعل من الافعال و من انكر قدرة القدير لايمكنه انكار ما رأته الابصار من آثار قدرة المتعال و لايعبأ به و بانكاره فلايحتمل عند عقل عاقل من العقلاء عجز الموجد كما لايحتمل عنده قدرة شيء من الموجودات الا باقداره تعالي بمقداره لايعقل زيادة عليه و لا نقصان فانك بعد ما علمت ان القلم بنفسه لا حراك له تيقنت و قطعت ان تحركه من الكاتب و من تحريكه لا من نفسه فعلمت انه اذا اسرع اسرع الكاتب و اذا ابطأ ابطأ الكاتب من غير زيادة و لا نقصان فاذا احتجب الكاتب بنفسه عنك و اظهر القلم من وراء الحجاب و تري القلم يسرع مرة و يبطئ اخري و يكتب كلمات و حروف و يأمرك بشيء و ينهاك عن شيء و انت تعلم ان القلم بنفسه كما لا حراك له في نفسه لا شعور له فلايقدر علي الحركة و لايشعر و لايأمر و لاينهي تعلم قطعاً عقلياً يقينياً ان الكاتب الشاعر المحتجب يكتب و يأمر و ينهي و ان قيل ان الجزئيات الخاصة غيرمدرك للعقل لان العقل بعد قطعه بعدم حركة القلم بنفسه و عدم شعوره و امره و نهيه قطع ان حركته ينبئ عن حركة الكاتب و كتابه كتاب الكاتب و امره امره
«* الرسائل جلد 4 صفحه 156 *»
و نهيه نهيه و ان كانت هذه جزئيات خاصة لان العقل قد قطع كلية بان القلم لا حراك له في نفسه و لا شعور له فقطع كلية بان ما صدر منه صدر من من له حركة و شعور و امر و نهي فقولهم ان العقل لايدرك الجزئيات الخاصة كلام في غاية الاجمال و المراد منه غير ظاهر لكثير من الناس و لعلنا نشير اليه فيما بعد انشاءاللّه تعالي.
مصباح: من علم بالقطع و اليقين العقلي الذي لايحتمل عند العقل خلافه بان الاشياء الحادثة غير موجدة لانفسها و علم بالقطع و اليقين العقلي الذي لايحتمل عنده خلافه بان لها موجداً صانعاً غير انفسها علم بالقطع و اليقين العقلي الذي لايحتمل عند العقل خلافه بكثير من الامور بانها من عنده لا من عند غيره من الموجودات بحيث لايعتريه شك و لا ارتياب عند العقل انها من عند غيره جلّجلاله و قولنا كثير من الامور احتراز عن جميع الامور مما يأتي مما بعد انشاءاللّه تعالي فذلك الكثير الذي يدركه العقل بالقطع و اليقين الذي لايحتمل عنده خلافه كامثال قوله تعالي قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء الي آخره كامثال قوله هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء فالعقل يدرك انه الخالق و جميع ماسواه مخلوقون له سواء كان جماداً او نباتاً او حيواناً او انساناً او جناً او ملكاً او سماء او ارضاً او غيباً او شهادة او جوهراً او عرضاً او نسبة او اضافة او وضعاً او مكاناً او وقتاً او مادة او صورة او مركباً منهما او فاعلاً او فعلاً او اثر فعل او نوراً او ظلمة او شبحاً او شبح شبح الي ما لا نهاية له او خيراً او شراً او نفعاً او ضراً قل اللّه خالق كل شيء سواء كان كلياً او جزئياً او جزءاً او كلاً الي غير ذلك فالعقل يدرك جميع ذلك بانها جميعها مخلوقات و لو كانت جزئيات.
فالمراد من قولهم ان العقل لايدرك الجزئيات الخاصة غير هذه المذكورات فانه ادركها بانها مخلوقات بحيث لايشك و لايحتمل عنده ان
«* الرسائل جلد 4 صفحه 157 *»
شيئاً من الاشياء هو بنفسه خالق نفسه او انه مخلوق بغير خالق فاذا رأي بعينه الجسمانية ضياء النهار او ظلمة الليل علم انه تعالي يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و لايحتمل عنده انهما مخلوقين([3]) بغيره و هكذا حاله عند رؤية كل مخلوق فلايشك في كونه مشاء للّه تعالي مخلوقاً له و ان لمير اللّه و لميسمع منه بان جميع ماسوي مخلوقي و مشاء لي بل علم انه يمتنع انيدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و مع ذلك انه لما علم امتناع تكوين شيء من الاشياء نفسه قبل كونه قطعاً علم انها كلها مخلوقة لخالق غيرها بحيث لايحتمل عنده انيكون مخلوقاً من المخلوقات مخلوقاً بغير خالق فتدبر في نوع ذلك النظر فانه المنظر الاعلي لميوجد و لنيوجد منظر اعلي منه الذي لا سبيل لارتياب لدي هذا الباب و لااسني من ذلك الجناب و قد يسمي ذلك بدليل التقرير لدي اولي الالباب مأخوذاً من تقسيم الحجة في قول المعصوم7 او في فعله او في سكوته و تقريره فالامر المنسوب الي اللّه تعالي انحصر في سكوته و تقريره لان كلامه ليس بصوت حادث في الهواء تسمعه الاذان و هو لاتدركه الابصار لتري منه الافعال فانحصر امره في تقريره في جميع المراتب الظاهرة و الباطنة لانه سبحانه كما لاتدركه الحواس الظاهرة لاتدركه المشاعر الباطنة كالخيالات و النفوس و الارواح و العقول و الافئدة كماقال7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله دليله آياته و وجوده اثباته فتقريره تعالي حجة بالغة و بينة واضحة لكل مكلف و به يثبت حق كل ذي حق و يفرق بينه و بين كل باطل و محق و هو الذي به ثبتت النبوة للانبياء و الولاية للاولياء: و مكاشفات اهل الكشف لهم و لغيرهم اي به علم النبي انه نبي و الولي انه ولي و اهل الكشف انهم اهله و غيرهم ايضاً علموا به ان النبي نبي
«* الرسائل جلد 4 صفحه 158 *»
و الولي ولي و ولي الولي ولي و لولاه لميميز الحق من الباطل و المحق و المبطل في نفسهما و لا غيرهما مميزهما فكم من مكاشف تمسك بكشفه بغير هذا الدليل لم([4]) كشفه الا كسراب بقيعة ترائي و اذا جاءه لميجده شيئاً و كم من متنبئ ادعي بغيره فهوي فينبغي لكل طالب للحق انيطلبه اولاً قبل جميع طلباته ثم به يطلب الحق و به يميز بين الحق و الباطل و من لميعرفه لايكاد يصل الي حق الا انيشاء اللّه و من عرفه لايكاد انيضل الا انيشاء اللّه و لا حول و لا قوة الا باللّه.
مصباح: كل شخص محدود لايقدر علي معرفة ما خفي عليه من بواطن الاشخاص المحدودة و ان علم انهم مخلوقون فيحتمل عنده صدق دعاويهم الباطنية و كذبها و لايقدر علي معرفة شيء منهم الا ما ظهر له من اقوالهم و افعالهم و احوالهم و امثالها و هي باسرها غير كاشفة عن حقيقة البواطن فيحتمل عنده في عقله انها مطابقة للواقع الباطن غير المحسوس و مخالفتها له فلاينبغي له التصديق كما لاينبغي له التكذيب اذ لايمكنه الكشف عن حقيقة الواقع فلايكلف بالتصديق و لا بالتكذيب و لايكلف اللّه نفساً الا ما آتاها دليل عقلي قائم في النقل و تكليف ما لايطاق لغو قبيح غير صادر من الحكيم فضلاً عن الحكيم المطلق كمااخبر به بقوله لايكلف اللّه نفساً الا وسعها و الوسع دون الطاقة فاظهار البواطن و الكشف عن الحقائق التي اراد اللّه تعالي انيعرفها لخلقه لايمكن لاحد غيره عزّوجلّ فعليه الهداية و علي الخلق الاهتداء و عليه التعريف و عليهم الاذعان بعد التعريف و البيان و قد طابقت العقول جميع الكتب في ذلك لاسيما الفرقان و لايصل الهداية و التعريف منه تعالي الا بالتقرير كماعرفت لو عرفت لانك ان قطعت النظر عن تقريره عزّوجلّ لاتكاد انتكشف عن الواقع و ان سكنت لدي ظهور شيء عندك بغير تقريره و قد قنعت بما ناسب طبيعتك او عادتك او غير ذلك
«* الرسائل جلد 4 صفحه 159 *»
حتي انه لو هتف هاتف من السماء بأني انا اللّه يحتمل عند العقل انيكون الهاتف شيطان([5]) دون الرحمن و كذا اذا سمع صوت من نخل الطور السينا بأني انا اللّه الا بعد التقرير من اللّه عزّوجلّ.
و كذا كل ما رأي من خوارق العادات كائنة ما كانت بالغة ما بلغت الا بعد تقريره سبحانه يحتمل عند العقول انها كلها حدثت بالسحر و سائر العلوم الغريبة فلاجل ذلك قالوا في جميع القرون و الاعصار عند ظهور الايات و خوارق العادات و المعجزات انها سحر مستمر و ذلك لاجل عدم اعتماد الكفار و المنافقين علي تقرير اللّه سبحانه و اطمينانهم به فحملهم انفسهم علي القول بالسحر المستمر و لعمرك انهم لفي سكرتهم يعمهون عن تقريره سبحانه فمع قطع النظر عنه وقع الناس في طرفي الافراط و التفريط عن الصراط المستقيم فعكس الاخرون و هم اكثر و اكثر من الاولين فزعموا كل ما عجزوا عنه بانفسهم الضعيفة كرامة و معجزة فكم من تابع لمتبوع كتب له رقية لسهولة وضع حمله او لرفع جنونه او لقطع حماه و نوبته او لوسعة في رزقه او لنيله بالمناصب الدنيوية من السلطنة و الوزارة و الحكومة و الذيالة و امثال ذلك و منهم من تابع شخصاً لنومه او لفاله او لانسه و مناسبة له في خلط من الاخلاط اربعة([6]) او لطمع في ماله او لسخاوته و سماحته او لقرابته او لحمية الجاهلية او لعزته او غير ذلك من مقتضيات الاعراض و الاغراض و الامراض الكامنة في جبلتهم.
بالجملة فالعاقل البصير و الناقد الخبير علم بالعلم القطعي العقلي اليقيني ان كل ما يكون له مدخلية في ايجاد شيء من الاشياء يكون احداثه و ايجاده علي اللّه سبحانه كما يكون ايجاد ذلك الشيء عليه تعالي كما تري ان المواليد المتولدة بين السماء و الارض تحتاج في وجودها الي البسائط من التراب و الماء و الهواء و النار و السموات و الكواكب و دورانها و سيرها
«* الرسائل جلد 4 صفحه 160 *»
علي العناصر و غير ذلك مما له مدخلية في ايجاد المواليد و المواليد بانفسها لاتقدر علي ايجاد ما هو مقدم عليها و اللطيف الخبير جلّجلاله لما علم ان المواليد محتاجة الي البسائط في وجودها و علم امتناع وجودها قبل البسائط قدم ايجادها قبل المواليد ثم اوجدها منها بعدها باخذ حصة منها و جعلها مولوداً من المواليد و ذلك تقدير العزيز العليم كماقال سبحانه و تعالي خلق الانسان من صلصال كالفخار و خلق الجان من مارج من نار و قال تعالي و جعلنا من الماء كل شيء حي و قال تعالي خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة و غير مخلقة لنبين لكم و نقر في الارحام ما نشاء الي اجل مسمي ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدكم و منكم من يتوفي و منكم من يرد الي ارذل العمر لكيلايعلم من بعد علم شيئاً و انبتت من كل زوج بهيج فوجب في الحكمة ايجاد المراتب المتقدمة مقدماً ظهوراً و ان كانت مؤخرة وجوداً و ذلك كله علي اللّه سبحانه لا علي الخلق اذ كلهم محتاجون في جميع ما به ايجادهم و ما منه وجودهم و ما عليه صورهم و ما له في تعلق ارادته بهم و جميع ما فيه كونهم و غير ذلك اليه سبحانه لايملكون لانفسهم نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً.
فمما يحتاجون اليه في نظام امورهم و عدم فساد في وجودهم مع اختلاف طبايعهم في كم موادهم و كيف عوارضهم من البسائط و الاخلاط المتقدمة علي وجودهم ايجاد سائس يسوسهم و قائد يقودهم و سائق يسوقهم و هاد يهديهم و مزك يزكيهم و عالم حكيم يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا بانفسهم من قبل قيام ذلك السائس لفي ضلال مبين لاختلاف اعتباراتهم و غرائزهم و غرائبهم و اعراضهم و اغراضهم و امراضهم و ميولهم و اهوائهم و آرائهم و شهواتهم و غير ذلك فمما لزم لذلك السائس و وجب في حكمة الحكيم جلتحكمته علم ذلك السائس بجميع ما ينفعهم و ما يضرهم ليأمرهم بما ينفعهم و ينهاهم عما يضرهم و لايعقل كما لاينقل جواز كون السائس
«* الرسائل جلد 4 صفحه 161 *»
جهولاً بما ينفعهم و ما يضرهم اذ السبب في وضع السائس بينهم هو جهلهم بما ينفعهم و ما يضرهم فلو جاز الجهل بالمنافع و المضار لمااحتاجوا الي سائس عالم بهما و مما يجب له في حكمة الحكيم جلّشأنه القدرة علي الهداية و الابلاغ اذ العلم بالمنافع و المضار وحده من غير قدرة علي الابلاغ و الهداية لايغني في منافع الخلق و مضارهم من شيء لكيما ان زاد المؤمنون شيئاً ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و مما حكم له و حتم انيكون معصوماً غير مخالف لامر ربه في الابلاغ و الايصال و الهداية في شيء من امره عزّوجلّ فالعلم بالمنافع و المضار وحده و القدرة علي الابلاغ وحدها مع وجود المسامحة و المماطلة و المخالفة لايسمنان و لايغنيان من جوع الجهالة من شيء و مما لزم له كالسوابق لعين ما مرّ ذكره و حفظه و عدم غفلته و نسيانه فيما امره ربه جلّجلاله انيبلغه و كذا العصمة عن الخطاء و السهو في شيء لما امره انيبلغه لعين ما مرّ.
و مما لزم له و وجب في الحكمة كالسوابق علمه بجميع المكلفين في مشارق الارض و مغاربها في زمن من الازمان الذين هم من رعيته و امره ربه عزّوجلّ انيبلغ اليهم و يهديهم اذ لايغني المرضي و لايرتفع جهلهم بما يصلحهم و ما يرضيهم و يهلكهم جهل الطبيب الحاذق بالمرض و الدواء او المعالجة بوجودهم و مكانهم و زمانهم و احوالهم ثم علمه بعد الابلاغ بما هم عليه لكيما ان زاد المؤمنون شيئاً ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و هم مع كونهم في مرتبة وجودهم غير معصومين من الخطاء و الغفلة و السهو و النسيان لايكفيهم الهداية بالقول كالسائر الي بلد يسأل عن الطريق الي ذلك البلد ثم اذا تشعبت الشوارع في المسير نسي او سهي و اخطأ الطريق فلايغنيه المسألة الاولي و لايصل الي البلد المقصود فمما لزم للسائس الهادي انيوصل السالك الي البلد المقصود و لايصل الا بعد حفظه في المسير اذ هو بنفسه غير معصوم عن ما ذكرنا كما وقع في التوقيع الرفيع انا غير مهملين
«* الرسائل جلد 4 صفحه 162 *»
لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و ذلك هو التسديد و التأييد من السائس بعد تقرير اللّه سبحانه و تسديده و قدورد في ذلك آيات محكمات هن ام الكتاب و اخبار متواترات عن الذين هم فصل الخطاب: في المبدأ و المآب و ذلك كله علي اللّه سبحانه لا علي الخلق كخلق السماء و الارض و هو العالم القادر الهادي الرؤف الرحيم.
فلايعقل كما لاينقل انيختار رسولاً جاهلاً و يرسله الي خلقه فاذا سئل عن محابه و مساخطه اجاب بأني جاهل بمراده مثلكم كما لايعقل و لاينقل انيختار لنفسه رسولاً عاصياً كاذباً يخالف فيما امره به من التبليغ فانه تعالي علم عصيان المعاصي([7]) قبل صدروه منه فان لميرد ايصال محابه و مساخطه الي الخلق فلا احتياج حينئذ الي ارسال رسول عاص غير مبلغ و ارساله عبث و لغو لا فائدة فيه و تعالي العليم الحكيم عن ذلك علواً كبيراً فاذا اراد ايصال محابه و مساخطه الي خلقه يجب في حكمته انيرسل رسولاً مبلغاً معصوماً عن مخالفته و كذا لايعقل و لاينقل انيختار رسولاً ناسياً ساهياً مخطئاً الي خلقه فينسي محابه و مساخطه او يسهو او يخطيء لما مر فانه ان لميرد الايصال فلا حاجة الي الارسال و ان اراد الايصال فيجب في الحكمة انيختار لنفسه رسولاً معصوماً عن الخطاء و السهو و النسيان كما كان معصوماً عن الجهل و العصيان.
و كذلك لايعقل كما لاينقل انيختار لنفسه رسولاً عاجزاً عن الاداء و التبليغ لعين ما مر من الدليل اللّه يعلم حيث يجعل رسالته و قدامر المؤمنين باطاعة رسوله و اوليائه فقال يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه و رسوله و اولي الامر منكم و نهي عن اطاعة الجاهل و الغافل و الاثم العاصي الكفور بقوله هل تعلم @انبئكم ظ@ علي من تنزل الشياطين تنزل علي كل افاك اثيم يلقون السمع و اكثرهم الكاذبون@کاذبون ظ@ و قوله و لاتطع آثماً او كفوراً و قوله لاتطع من اغفلنا
«* الرسائل جلد 4 صفحه 163 *»
قلبه عن ذكرنا و قوله أفمن يهدي الي الحق احق انيتبع ام من لايهدي الا انيهدي و قوله هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و قوله هل يستوي الاعمي و البصير و قوله صم بكم عمي فهم لايعقلون و قوله لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فهذه الايات المطابقة للعقول دلت علي ان الرسول و اولي الامر: معصومون عن الجهل و الغفلة و الكذب و السهو و النسيان و الصم و البكم و العمي و العصيان و الكفران و عن جميع ما كره اللّه تعالي و هو اعز و اجل و اعلم و اقدر من انيختار لنفسه رسولاً الي خلقه عاملاً بما كرهه.
فاذا علمت ذلك بجمعه فاصغ لما اقول في مصباح مخصوص لتفوز بالمأمول انشاءاللّه تعالي.
مصباح: فاعلم ان الصفات الثبوتية و السلبية التي يجب بحكم العقل و النقل وجود بعضها في المبلغ عن اللّه تعالي و عدم بعضها فيه و ايجاب بعضها له و سلب بعضها عنه و اثبات بعضها له و نفي بعضها عنه بعضها ظاهرة للخلق و بعضها خفية عنهم فالظاهرة ما يمكن اظهارها لهم كالاقوال و الافعال الصادرة و الخفية ما لايمكن اظهارها لهم من الامور النفسانية الغيبية كقصد الهداية او الاضلال و حب الرياسة بين العباد و عدمه و الاغراض النفسانية و شهواتها و عدمها و امثال ذلك مما هو موجود في اغلب الناس و قل من كان علي الفطرة الالهية و الامر الالهي و لايعلم جميع ذلك كله الا اللّه سبحانه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته.
«الي هنا وصل الينا من هذه الرسالة المباركة. الناشر»