دفع الاشكال الوارد
في الحديثين المرويين عن الصادق 7 في البصائر
قال7: ليس من امام يمضي الا و اوتي الذي من بعده
مثل ما اوتي الاول و زيادة خمسة اجزاء
و
قال7: ليس من امام الا اوتي الذي يكون من بعده
مثل ما اوتي الاول و يزيد خمسة اجزاء
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 134 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
حمداً يرتقي به الي رضاه و يبلغ به الحامد غاية([1]) ما يتمناه و الصلوة علي اول من خلقه و اصطفاه و اصطنعه لنفسه و ارتضاه و علي آله الذين خلقهم من طينته و اختارهم من بين بريته و فضلهم علي سائر الانبياء و الاولياء و علي سائر المقتبسين من انوارهم من الاولين و الاخرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.
و اما بعد فقد ظفرت في هذه الاوان بحديث مروي في البصائر فيه بعض الاشكال علي اغلب الاذهان حتي سألوا عن ذلك و اجبتهم بلاادري لتوقفه علي مقدمات عسيرة البيان في اغلب المجالس لديدن القوم في هذه الازمان رد البرهان من غير روية و فكر فيما وقع في الجنان فأحببت انارفع النقاب عن وجهه لمشاهدة الاحباب الطالبين وصول ذلك الجناب غير القاصدين للعنت من غير طلب تمييز الماء من السراب و الخمر من الشراب و هو ما رواه عن ابيعبداللّه7 قال ليس من امام يمضي الا و اوتي الذي من بعده مثل ما اوتي الاول و زيادة خمسة اجزاء و فيه عنه7 يقول ليس من امام الا اوتي الذي يكون من بعده مثل ما اوتي الاول و يزيد خمسة اجزاء و وجه ظاهر بعض الاشكال لزوم فضل كل لاحق من سابقه لزيادة علمه و لا شك في افضيلة اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين من ابنه الحسن7 و افضليته من اخيه الحسين7 و افضليته من القائم عجل اللّه فرجه و افضليته من الائمة الثمانية: كما دل عليه الاخبار منهم: و اشار اليه العلماء الاخيار.
«* الرسائل جلد 4 صفحه 135 *»
و وجه آخر لزوم جهلهم نعوذ باللّه ببعض الاشياء مع انها كلها من آثارهم و آثار آثارهم فكيف يعقل الجهل في المؤثر بآثاره و هي قائمة بامره و ايضاً لا شك في ان القرآن تبيان لكل شيء و علمه اللّه سبحانه رسوله9 فعلمه كل شيء و علمه9 علياً7 كله فعلمه كل شيء و هكذا علَّمه كل سابق لاحقه بضرورة المذهب فلايعقل الجهل في حق احد منهم: و وجه آخر خصوصية زيادة الخمسة في حق كل لاحق لا ازيد منها و لا انقص.
فاقول و لاحول و لاقوة الا باللّه بوساطتهم عليهم صلوات اللّه انه لاشك و لاريب ان لكل واحد منهم: درجات و مقامات عالية و نازلة لان درجات الخلق متفاوتة و هم: مقاماته سبحانه و علاماته التي لاتعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه و لايعقل تعقل الدرجات و تكثرها و امتياز كل واحدة منها عن غيرها الا انيكون لكل واحدة منها ما يخصها فيجب انيكون خصوصية كل رتبة مخصوصة بها توجد فيها لاتوجد في غيرها فيجب انيكون كل رتبة منهم: واجدة لشيء مخصوص بها فاقدة لاشياء مخصوصة لغيرها فهم: في كل مرتبة واجدون لاشياء فاقدون (لاشياء ظ) و ان كانوا: واجدين لكل الاشياء غير فاقدين لشيء منها جملة في جميع المراتب فلاجل ذلك وقع الاختلاف في ظواهر الاخبار و حصل الايتلاف في بواطنها و التبس الامر الواقع علي اكثر الناس فمنهم من قصر في حقهم: و انكر فضلهم بتمسكه ببعض الظواهر غافلاً بان الانكار لفضلهم: هو الكفر و منهم من غلا في حقهم: بتمسكه ببعض آخر و اراد نفي الفقدان عنهم: في كل مرتبة من المراتب غفلة بانه يلزم منه نفي المقامات المتعددة و الفضائل و الكمالات المتشعبة عنهم: و في ذلك غلو في حق كل رتبة دانية تقصير@و تقصير خل@ في حق كل رتبة عالية و ذلك ايضاً كفر صراح و لايذهب اليه من
«* الرسائل جلد 4 صفحه 136 *»
طلع عليه الصباح فاليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطي هي الجادة فاطلبها و اسلك فيها لتكون من الامنين و اترك الناس و اقوالهم حيث ما كانوا و الي ما ذهبوا و ذرهم في خوضهم يلعبون و كن من الشاكرين.
فالنمرقة الوسطي التي يجب انيرجع اليها الغالي و يلحق بها التالي هي القول بان لهم: مقامات و لكل مقام ما يخصه البتة ففي مقام هم اول الخلق بهم فتح اللّه تعالي ملكه و بهم يختم كماروي في الزيارة صريحاً ففي هذا المقام لايعقل ان خفي عليهم شيء في السموات و الارض في الغيب و الشهادة و ما كان و ما يكون الي ما لا نهاية له لانهم: اول الموجودات فبهم خلق اللّه سبحانه ماسواهم و ماسواهم آثارهم و آثار آثارهم و هكذا الي غير النهاية كما انه سبحانه خلق الشمس اولاً و خلق انوارها بها فكل الانوار المنبثة راجعة اليها متحركة بحركتها تابعة لها لايخفي عليها شيء منها اذ كلها آثارها و آثار آثارها متدرجة من غاية القرب منها الي نهاية البعد عنها كذلك من سواهم خلقوا بهم بلاواسطة او بواسطة او بوسائط الي ما لانهاية له فلايخفي عنهم شيء من آثارهم ابداً و ليس في ذلك القول غلو في حقهم: في هذا المقام اذ الغلو في حقهم هو القول بانهم ذات اللّه سبحانه لا انهم اول خلق اللّه و بهم خلق ماسواهم كما انه لايلزم الغلو في حق الشمس بانتنسب اليها انوارها و تقول انها كلها مخلوقة بها كما تراها مشاهدة كما دل عليه مفهوم قوله تعالي بئس للظالمين بدلاً مااشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم و ماكنت متخذ المضلين عضداً فاشهد الهادين العادلين خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و اتخذهم عضداً و هم العادلون المعتدلون الهادون حقيقة بضرورة المذهب و هم الاعضاد و الاشهاد الحفظة الرواد كما ورد في دعاء رجب فعلموا ما كان و ما يكون و ما سمي باسم شيء كما عنون في الكافي باباً في هذا المعني.
فمنها ما رواه باسناده عن سيف التمار قال كنا مع ابيعبداللّه7
«* الرسائل جلد 4 صفحه 137 *»
جماعة من الشيعة في الحجر فقال علينا عين فالتفتنا يمنة و يسرة فلمنر احداً فقلنا ليس علينا عين فقال و رب الكعبة و رب البنية ثلاث مرات لو كنت بين موسي و الخضر لاخبرتهما و اني اعلم منهما و لانبأتهما ما ليس في ايديهما لان موسي و الخضر8 اعطيا علم ما كان و لميعطيا علم ما يكون و ما هو كائن حتي تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول اللّه9 وراثة و منها ما رواه عن عدة من اصحابنا سمعوا اباعبداللّه7 يقول اني لاعلم ما في السموات و ما في الارض و اعلم ما في الجنة و اعلم ما في النار و اعلم ما كان و ما يكون قال ثم مكث هنيئة فرأي ان ذلك كبر علي من سمعه منه فقال علمت ذلك من كتاب اللّه عزّوجلّ ان اللّه عزّوجلّ يقول فيه تبيان كل شيء انتهي و في هذا الحديث صراحة بانهم عالمون بما كان و ما يكون مطلقاً لا الي قيام الساعة كما وقع في بعض الاخبار لان ما يقع في الجنة و النار يقع بعد قيام الساعة او المراد بالساعة مجموع عالم الملكوت و حينئذ لايبقي اختلاف بينها. بالجملة الاخبار في هذا المعني متكثرة واردة في الكافي و البصائر و غيرهما و صرح بذلك السجاد7 في صحيفته و يمكن دعوي التواتر فيها لفظاً فضلاً عن المعني.
و يدل علي ذلك ايضاً ما روي ان الجنة و الحور العين خلقت من نور الحسين7 و ما روي بان النبي9 اول ما خلق اللّه و ان الائمة: شاركوه كما ورد في اخبار الطينة فهم سلام اللّه عليهم في هذا المقام هم القلم الذي به كتب اللّه عزّوجلّ في صدر اللوح المحفوظ ما كان و ما يكون فلميبق شيء مقدر غير مكتوب و لا ممضي فيه ففيه كل شيء لانه بنفسه صفحة علم اللّه تعالي لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها قال سبحانه علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي و لاينسي و المراد بالكتاب هو المكتوب بذلك القلم و هو اللوح المحفوظ و لاتزعم ان القلم قد كان في وقت خاص فأمره اللّه بالكتب فكتب ما كان و ما يكون فختم علي فمه و لا
«* الرسائل جلد 4 صفحه 138 *»
ينطق بعد ذلك الوقت المفروض و يكون القلم في سائر الاوقات غير ذلك الوقت الخاص معطلاً ساكناً حاشا لانه قد كتب الابتداء و الانتهاء و جميع المرورات الماضية و الاتية الي غير النهاية فكيف يعقل انيكون بنفسه محاطاً بوقت خاص فلايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فيكون دائم الامداد علي اللوح و هو دائم الاستمداد منه ابداً دهرياً ملكوتياً كالكسر الممد للانكسار فلو لميمد لحظة لانعدم ما في اللوح فكيف يعقل جهل مثل ذلك الممد لذاك المستمد ففي هذا المقام اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فكلهم عالمون شاهدون ما كان و ما يكون.
ثم لمانزلوا من موطنهم الاصلي الجبروتي الي عالم الملكوت تلبسوا باللباس الملكوتي للاداء اذ ليس للملكوتيات مشعر من جنس عالم الجبروت ليدركوا بانفسهم اوامره و نواهيه فاذا تلبسوا به لزمتهم لوازم تلك الرتبة فصار علمهم الاول في تلك الرتبة بالقوة فنزل من الرتبة العليا اليهم بالتدريج الطولي الدهري فكلما توجهوا الي الاعلي علموا ببسطه اليهم فشرط علمهم في العالم الادني توجههم: ففي هذا المقام ورد اخبار متضافرة بانه يبسط لنا فنعلم فيقبض عنا فلانعلم و لايخفي عليك ان المبسوط و المقبوض هو العلم الجبروتي لا العلم الملكوتي لانهم: في الملكوت علموا الملكيات و هي مبسوطة لهم دائماً.
ثم لما نزلوا الي عالم المثال لزمتهم لوازمه من التدرجات البرزخية بين الملكوت و الملك فصارت العلوم السابقة لهم بالقوة و نزلت اليهم شيئاً فشيئاً بالتدرجات البرزخية فاذا بسط لهم العلوم الملكوتية او@و خل@ الجبروتية علموا و ان قبضت عنهم احتجبوا و ان علموا البرزخيات باسرها.
ثم لما نزلوا: الي عالم الملك اي الي هذا العالم المشهود لزمتهم لوازمه البتة من التدرجات الزمانية فما داموا: في مكان خاص حين كانوا فيه لايعقل انيكونوا في غير ذلك المكان في ذلك الحين
«* الرسائل جلد 4 صفحه 139 *»
و ما داموا في زمان خاص كانوا فيه و لايعقل انيكونوا في غيره من الازمنة بالبدن الواحد الدنيوي الزماني و ان قدروا: انيتخذوا لانفسهم مجالي متعددة و ابداناً شتي متكثرة و انيظهروا في امكنة متعددة و ازمنة شتي كما فعلوا في بعض الاوقات كما ظهر من اميرالمؤمنين7 غير مرة و قصته معروفة ولكن المقصود هنا بيان بعض احوالهم: في البدن الواحد الدنيوي الزماني الذي جرت عادتهم في ظهورهم فيه كما هو عادة كل حجة ظهر من عند اللّه سبحانه ففي حال ظهور كل واحد منهم في بدن واحد لايعقل انيكونوا في امكنة و لا ازمنة متعددة كما لايخفي علي من له ادني مسكة من الشعور فما داموا ظاهرين في بدن واحد اي كل واحد ظاهر في بدن واحد كان كل واحد منهم في مكان واحد في آن واحد فان كانوا في بيوتهم لميكونوا في المسجد و ان كانوا في المسجد لميكونوا في البيوت و ان كانوا مصلين لميكونوا غير مصلين و ان كانوا متكلمين لميكونوا ساكتين و ان كانوا ساكتين لميكونوا متكلمين و ان كانوا ساكنين لميكونوا متحركين و ان كانوا متحركين لميكونوا ساكنين و ان كانوا قائمين لميكونوا قاعدين و كذا العكس و ان كانوا قائمين لميكونوا يقظانين و هكذا العكس و ان كانوا صائمين لميكونوا مفطرين و كذا العكس و ان كانوا في الليل لميكونوا في النهار و كذا العكس و ان كانوا جائعين لميكونوا شبعانين و كذا العكس و ان كانوا عطشانين ليسوا براوين و كذا العكس و هكذا في سائر الاحوال المتضادة و لايشك في ذلك عاقل ابداً.
ففي البدن الواحد الدنيوي الزماني يرد عليهم الواردات شيئاً بعد شيء متدرجة و لايعقل انيرد عليهم: الواردات المتكثرة في آن واحد فتلك الواردات و ان كانت حاصلة لهم في المقامات العالية فوق الزمان ولكن صارت في الزمان بالقوة و ظهر كل واحدة منها في وقت خاص فظهرت لهم بالتدرج البتة فكلما ارادوا علماً من العلوم الدهرية البرزخية او الدهرية
«* الرسائل جلد 4 صفحه 140 *»
الصرفة او الجبروتية او اللاهوتية توجهوا بمرآة مشاعرهم الي ذلك العلم فنزل اليهم حين التوجه و كان حامل ذلك العلم ملك من الملائكة لامحالة فاحتاجوا الي نزول الملك عليهم بالتأييدات و الالهامات و انتظروا نزولهم لامحالة قبل النزول فان نزل عليهم نازل علموا و ان لمينزل انتظروا فربما انتظروا ساعة و ربما انتظروا يوماً و ربما انتظروا اسبوعاً و ربما انتظروا شهراً بحسب ما اراد اللّه سبحانه فذلك معني قولهم ان شئنا علمنا و ماشاؤا الا ما شاء اللّه و معني قوله سبحانه و لاتقولن لشيء اني فاعل ذلك غداً الا انيشاء اللّه فان يشأ اللّه غداً ينزل ذلك الالهام و الفعل و ان لميشأ لمينزل فان نزل نازل نزل من اللوح المحفوظ الذي كتب اللّه سبحانه فيه ما كان و ما يكون و ليس فيه محو مطلقاً و ان لمينزل لمينزل و كتب اللّه فيه عدم نزوله فالمشاهد لذلك اللوح لاينتظر حدوث شيء و ذلك المشاهد هو مقامهم الاعلي من اللوح و هو مقام القلم كماعرفت مجملاً.
و اما في المقامات الواقعة تحت اللوح لايكون فيها تمام ما في اللوح البتة فتلك المقامات مقامات تنزلات اللوح الاول ففيه المحو و الاثبات لامحالة و فيها يفسر قوله تعالي يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و اما مقام نفس اللوح مقام و عنده ام الكتاب، و انه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم ففي المقامات الدانية من ام الكتاب يجري قوله7 لولا آية من كتاب اللّه يمحو اللّه ما يشاء و يثبت لاخبرتكم بما كان و ما يكون الي يوم القيامة فلما وقع فيه البدوات@البداوات خل@ و المحو و الاثبات لميخبروا فيها بخبر حتم البتة الا ان نزل اليهم نازل من ام الكتاب انه حتم فربما نظروا: في المقامات الدانية الي اللوح التقديرات العادية الواقعة فيها و اخبروا بما سيقع عادة لمصلحة من المصالح الجارية لتعمير البلاد و اصلاح العباد فوقع فيه البداء و لميقع كما ورد فيه الاخبار و صار من ضروريات مذهب المتبعين لال اللّه الاطهار عليهم صلوات الملك الجبار و ليس هذه الرسالة المختصرة المجملة محلاً لايراد كل
«* الرسائل جلد 4 صفحه 141 *»
ما يرد عنهم: في كل مطلب مذكور فيها من باب المقدمة اشارة علي نهج الاختصار و انما المقصود شرح الحديث المذكور في صدر الكتاب فلاينبغي الايراد علينا لعدم التعرض لتفصيل الحال و شرح ما في الخيال حتي يظهر الماء المعين من السراب.
فاذا عرفت ذلك مجملاً فاعلم ان كل امام7 في هذا العالم الداني مأمور من عند اللّه عزّوجلّ لتربية اهل عصره كماقال سبحانه يوم ندعوا كل اناس بامامهم فاذا كان مأموراً من عند اللّه عزّوجلّ بتربية اهل عصره لميؤمر بتربية اهل غير عصره فكان مأموراً بالاعراض عن تربية غير عصره لامحالة كماعرفت انه في البدن الواحد الدنيوي الزماني حين كونه مقبلاً الي جهة كان مدبراً عن جهة اخري لامحالة و هو معصوم من عند اللّه قد توجه بما امره اللّه و اعرض عما سواه البتة فانزل اللّه سبحانه اليه العلوم المحتاج اليها في عصره و لمينزل اليه غير المحتاج اليها للزوم اللغو و العبث و هو الحكيم المتعالي عن ذلك علواً كبيراً و لاتزعم من ذلك انه في بدنه الدنيوي لايعلم الا ما هو متعلق بتعمير البلاد و اصلاح العباد في عصره بل هو عالم بذلك و بما هو متعلق بنفسه الشريف و بما هو موقوف باخباره في الازمنة اللاحقة فلاتغفل من ذلك.
بالجملة فاذا وصل الامر اليه انتقل الروح القدس بكله اليه و ايده باذن اللّه عزّوجلّ بما اراد منه في تعمير البلاد و اصلاح العباد في عصره ما لمينزل الي السابق لانه نزل اليه ما يحتاج اليه في عصره لا ما يحتاج اليه في عصره اللاحق و قد علم اللاحق ما كان محتاجاً اليه في عصر السابق لوجوده فيه و اخذه منه و ان سكت عنه او تكلم عنه لا من نفسه فهو قد علم ما علمه السابق بزيادة شيء لميعلم السابق و هو الشيء المخصوص به و باهل عصره لان السابق مأمور بالاعراض عنه و الاقبال الي ما هو مخصوص به و باهل عصره و ذلك الامر المخصوص به ينقسم الي اقسام خمسة قسم واقع في مقام الذوات الامرية
«* الرسائل جلد 4 صفحه 142 *»
و ذلك المقام هو المعبر عنه بعالم الذر نزولاً و بالقيامة صعوداً و بالساعة تارة سواء كان نزولاً او صعوداً و مقام نزول تلك الذوات من الملكوت الي القوابل الشهادية و مقام استقرارها فيها و مقام بروز تلك الذوات من تلك القوابل و دوام ظهورها عليها و مقام انتهاء ظهورها فيها و قد اشار الي تلك المقامات و ما وقع فيها قوله تعالي ان اللّه عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الارحام و ماتدري نفس ماذا تكسب غداً و ماتدري نفس بأي ارض تموت ان اللّه عليم خبير.
فالعلم بان النازل قبل نزوله من اي طينة كان من عليين او من سجين عند اللّه عزّوجلّ في الكتاب و كذلك العلم به حين نزوله و كيفية نزوله و العلم بعدم اكتسابه قبل الوصول و المكث في ارض القابلية المعبر عنه بنزول الغيث و العلم بانصباغه في ارحام القوابل من الذكورة و الانوثة و الاستقامة و الاعوجاج و الحسن و القبح العرضية و الذاتية و العلم بخروجه من الارحام و اكتسابه في مدة حيوته و افعاله من الصحة و المرض و الاكل و الشرب و الحركة و السكون و النوم و اليقظة و اعماله في الليل و النهار عرضية كانت او ذاتية و العلم بانتهاء اجله و ختمه بالسعادة او الشقاوة كلها عند اللّه سبحانه في الكتاب الاول المكتوب بالقلم الاول لايعلمه احد من خلقه سواء كانت المكتوبات عرضية او ذاتية و سواء كانت حتمية ليس فيها البداء او معلقة مشروطة فيها البداء الا من شاء اللّه تعليمه بالوحي او بالالهام او بالاستدلال من الاسباب من الرمل و الجفر و النجوم و الاوضاع الفلكية و غير ذلك و ذلك معني قوله سبحانه لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فاعلم([2]) المستثني منه هو علم الكتاب كله و المستثني هو المنزل المعطي فالعلم المعطي هو الذي يعطي الامام7 في بدنه الدنيوي الزماني و المعطي منه مخصوص بمقام نفوسهم الدهرية.
فاللاحق7 يعلم ما علمه السابق بالوراثة و السابق7
«* الرسائل جلد 4 صفحه 143 *»
لميعلم ما يعلمه اللاحق لانه لمينزل اليه و ينزل الي اللاحق فهو يعلم ما علم الاول مثل ما اوتي بزيادة خمسة اجزاء بتعليم اللّه سبحانه اياه سواء كانت من الحتميات او المشروطات و لاامنع مع ذلك علم السابق7 بهذه الخمسة مجملاً او ببعضها مفصلاً ان شاء ولكن اللاحق7 مخصوص بها مفصلاً مشروحاً و قد مرت الاشارة الي سر ذلك و ليس ذلك الا انهم: في عالم التدرج منتظرون للالهامات مستزيدون دائماً كما قالوا: لو لمنزد لنفد ما عندنا فاذا كانوا منتظرين فلابد و انيكونوا حين الانتظار فاقدين و بعد الوصول واجدين.
فالسابق7 لايكون واجداً لما لايصل اليه من الازمنة و الامكنة و ما ستقع فيها في بدنه الدنيوي بخلاف اللاحق7 فانه قد صار واجداً لما وجده السابق وراثة كما روي في الكافي عن ابيعبداللّه7 يقول يعرف الذي بعد الامام علم من كان قبله في آخر دقيقة تبقي من روحه انتهي و المراد ان تمام علم السابق يصل الي اللاحق في ذلك الوقت و لايخفي ان علمه وصل اليه دائماً قبل ذلك و ذلك معلوم انشاءاللّه.
فاذا علمت ان البدن الدنيوي لابد له من الانتظار و الاستزادة فاعلم ان الاجزاء الخمسة قد زاد لكل امام7 في كل سنة و قبل السنة كان فاقداً لها معرضاً عنها بامر اللّه سبحانه و لذا تنزل الملائكة و الروح في ليلة القدر في كل سنة علي امام الزمان7 كما في الصافي في قوله تعالي تنزل الملائكة فيها باذن ربهم من كل امر القمي قال تنزل الملائكة و روح القدس علي امام الزمان و يدفعون اليه ما قد كتبوه و فيه عن الصادق7 قال اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة و الروح و الكتبة الي السماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء اللّه في تلك السنة و فيه عن الباقر7 قال قال اللّه عزّوجلّ في ليلة القدر فيها يفرق كل امر حكيم يقول ينزل فيها كل امر حكيم و المحكم ليس بشيئين انما هو شيء واحد فمن حكم بما ليس فيه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 144 *»
اختلاف فحكمه من حكم اللّه عزّوجلّ و من حكم بامر فيه اختلاف فرأي انه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت انه لينزل في ليلة القدر الي ولي الامر تفسير الامور سنة سنة يؤمر فيها في امر نفسه بكذا و كذا و في امر الناس بكذا و كذا و انه ليحدث لاولي الامر سوي ذلك كل يوم علم اللّه الخاص و المكنون العجيب المخزون مثل ما ينزل في تلك اللية من الامر ثم قرأ و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام الاية فاذا كان7 مستزيداً منتظراً في كل سنة بل في كل يوم بل في كل ساعة كمادلت عليه الاخبار المتواترة معني بل لفظاً التي قد ذكر بعضها تيمناً فلايعقل انيكون7 قبل الوصول بما قدر اللّه عزّوجلّ له واجداً فيكون لامحالة غافلاً بامر اللّه عزّوجلّ قال تعالي نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن و ان كنت من قبله لمن الغافلين.
ثم اعلم ان الغافل غير الجاهل و لذا لميقل و ان كنت من قبله لمن الجاهلين فهو9 كان عالماً لا جاهلاً ولكن كان غافلاً في بدنه الدنيوي بامر اللّه عزّوجلّ و كذلك حال كل امام7 فكلهم: عالمون بما كان و ما يكون الي يوم القيامة و بعد القيامة و بما سوي اللّه سبحانه الا انهم غافلون في بعض الاوقات الزمانية في ابدانهم الزمانية فلاتغفل من ذلك فما روي في بعض الروايات بانه يبسط لنا فنعلم و يقبض عنا فلانعلم فالمراد في حال القبض هو الغفلة و الاعراض عما امرهم اللّه عزّوجلّ بالاعراض عنه و المراد بالبسط هو التوجه و الاقبال الي ما امرهم اللّه عزّوجلّ فكما ان المجتهد الجامع لشرائط الفتوي يكون عالماً ليس بجاهل بشيء من الاحكام التكليفية ولكنه غير معقول انيكون متذكراً لكل الاحكام في جميع حالاته فيكون دائماً متذكراً لواحد منها غافلاً عماسواه البتة قال تعالي ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه فلايكون المجتهد جاهلاً لا لغة و لا عرفاً و لا شرعاً بل يكون غافلاً عن اشياء مستمراً متوجهاً لشيء دائماً فتسمية الغفلة بالجهل مجاز قطعاً فافهم المثل و تدبر فيه و لاتكن
«* الرسائل جلد 4 صفحه 145 *»
من الذين يقولون ما ليس في قلوبهم و بما لايفهمون ابداً.
فان علمت ذلك و عرفته فقد عرفت ان شاء اللّه و قدر ان التذكر و الغفلة اذا كانا من اللّه عزّوجلّ كلاهما لايصير التذكر للمتذكر سبباً لاشرفيته من الغافل بما([3]) هو متذكر له لانه اعرض بامر اللّه عن شيء و اقبل الي شيء آخر بامره فلايكون غفلته عن شيء سبباً لنقصانه نعوذ باللّه كما اذا وجد عالمان متساويان احدهما متوجهاً بشيء غافلاً عن اشياء و الاخر متوجهاً بشيء آخر غافلاً عن اشياء ليس احدهما افضل من الاخر فافهم و تبصر ان اللاحق7 و ان كان قد زاد له خمسة اشياء لميكن باشرف من السابق7 فان كان لاحدهم: فضيلة و شرافة علي احدهم فليس من هذا الباب قطعاً و انما هو بما فضله اللّه عليه و هم اعلم بما هم عليه و اخبروا عن ذلك فلايبقي بعد ذلك اشكال انشاءاللّه فقد عرفت انشاءاللّه و قدر لك ان كل لاحق زاد له خمسة اجزاء كما عرفت و قد يعبر عن تلك الاجزاء بالاطوار الخمسة في خلق كل خلق كل علي حسب مقامه و مرتبته فتلك الاطوار هي طور النطفة و طور العلقة و طور المضغة و طور العظام و طور كساء اللحم و اما الخلق الاخر فهو اول الدورة الثانية و فيها ايضاً تلك المراتب الخمس فافهم و قد يعبر عنها بمقامات الفعل لان في كل رتبة تعلق رأس من رؤس الفعل الكلي فتعلق بالنطفة المشية و بالعلقة الارادة و بالمضغة القدر و بالعظام القضاء و بالتمام و خلق الصورة التي هي مقام كساء اللحم الامضاء.
و قد جري تلك المراتب الفعلية في المراتب المفعولية بانظار مختلفة فباعتبار ان الدنيا دار الابتلاء و امكان السعادة و الشقاوة و الاخرة دار الجزاء تعلق المشية بالجسم و الارادة بالمثال و القدر بالمادة و القضاء بالطبيعة و الامضاء بالنفس و ان لوحظ ان النفس تنزل من الملكوت الي الملك يقال بعكس ذلك و ربما يلحظ تلك المراتب و تعلقها بالمراتب الغيبية من الفؤاد الي الطبيعة
«* الرسائل جلد 4 صفحه 146 *»
و منها اليه و لاتقل ان الطبيعة مبدأ عالم الشهادة و انت عددتها في المراتب الغيبية و ليس ذلك الا لتحصيل عدد الخمسة لان الانظار اذا كانت واقعية لاينبغي للمنصف العاقل الايراد عليها فالطبيعة و ان كانت مبدأ عالم الشهادة ولكنها ملحقة بالغيب لحكم متينة ألمتعلم ان مقام الجن مقام الطبع و هم مخلدون فهم ملحقون بالغيب المخلد لان فيهم من النفس الناطقة ظلها بخلاف الحيوان مثلاً.
بالجملة فاللاحق7 يزيد له العلم بتلك المقامات الخمسة في كل عالم بحسبه و في كل العالم بحسبه و في كل شخص بحسبه و في كل شيء بحسبه فماذكرت هنا الا بعضها و ان تدبرتها تقدر علي استخراج اشياء اخر.
و الحمدللّه اولاً و آخراً و قد تمت علي يدي الداثر في العشر الاواخر من شهر ذيالحجة الحرام من شهور سنة ثلث و ثمانين بعد المائتين و الالف 1283 في بلدة همدان صانها اللّه من طوارق الحدثان الا طارقاً يطرق بخير انشاءاللّه حامداً مصلياً مستغفراً و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين و اوليائهم المنتجبين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.