04-08 الرسائل المجلد الرابع – رسالة في بيان المراد من طبع الله تعالي و ختمه علي قلوب الکافرين ـ مقابله

بيان المراد من طبع الله تعالي و ختمه علي قلوب الكافرين

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 119 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه و السلام علي من اتبع الهدي و اللعنة علي من ابتغي وراءها فهوي.

اما بعد فاقول و باللّه المأمول ان ما حداني الي رسم هذه الكلمات التماس بعض الاخوان في الدين ممن اتبعوا آثار سيد المرسلين عليه و آله صلوات المصلين عن معني طبع اللّه تعالي و ختمه علي قلوب الكافرين كما نطق به الكتاب المبين بحيث لايتطرق عليه شبهات المشبهين المتشبهين ممن طبع اللّه علي قلوبهم و لعنهم بكفرهم في توهمهم الاجبار في فعل الحكيم المختار.

فاعلم ايها الطالب للصواب المميز بين الماء المعين و السراب المفرق بين الخمر و الشراب انه لايعقل الاجبار في فعل من ارسل الرسول و انزل عليه الكتاب في نفيه عن نفسه بقوله ان اللّه لايظلم الناس شيئاً ولكن الناس انفسهم يظلمون فذلك هو المحكم من الكتاب الذي وجب الديانة و الاعتقاد به و وجب رد المتشابهات اليه فمن صدق قوله سبحانه هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله علم انه لايجبر و ان الذين في قلوبهم ميل عن الحق الي الباطل اولوا كلام اللّه تعالي عن رأي منهم و هوي من غير الاخذ ممن نزل فيهم و في بيتهم الهدي و قد علم السائل جميع ذلك كله و الحمدللّه الا انه اراد رد المتشابه الي المحكم و كيفية تطابقهما فليس ايرادي بعض الايات لاجل عدم اطلاعه عليها و جهله بها نعوذ

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 120 *»

باللّه بل لاجل التطبيق و اثبات النظري من الضروري بالتحقيق.

فاقول مما يظهر من بعض الايات في بادي النظر ان سبب الطغيان و الكفر و الشكر و الايمان هو فعل العالي @کقوله تعالي خ‌ل@ يضل من يشاء و يهدي من يشاء و قوله حكاية ربنا اطمس علي اموالهم و اشدد علي قلوبهم فلايؤمنوا حتي يروا العذاب الاليم و قوله قل كل من عند اللّه فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً و يظهر من بعضها ان الهداية و الطاعة من فعل العالي و الغواية و المعصية من الداني كقوله تعالي ما اصابك من حسنة فمن اللّه و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و يظهر من بعضها في بادي النظر ايضاً ان سبب الهداية و الغواية هو فعل الداني كقوله تعالي يهديهم ربهم بايمانهم و قوله بكفرهم لعناهم و قوله بل طبع اللّه عليها بكفرهم فسبب الهداية و اللعن من العالي هو الايمان و الكفر من الداني و في الاخبار ايضاً ورد المحكمات كثيرة مما لا مجال لايرداها في هذه العجالة و المتشابهات كما في القدسي اني انا الله لا اله الا انا خلقت الخير و الشر فطوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر و اخبار الطين ايضاً دالة بظواهرها في بادي النظر علي ما يتوهم اهل الزيغ.

فاقول و باللّه التوفيق ان السبب سببان سبب الفعل و سبب الانفعال فالسبب الفعلي من الفاعل و الانفعالي من القابل فما لم‏يجتمع السببان لم‏يوجد الحادث الذي هو المسبب بين السببين فاذا فعل الفاعل و قبل القابل حدث الحادث و مثال ذلك جميع الحوادث الحادثة بين الفعل و الانفعال فلنكتف ببيان واحد منها للايضاح و ذلك كالابصار الحاصل الحادث بين اشراق الروح الذي هو السبب الفعلي و قبول الحيوة للعين الذي هو السبب الانفعالي فبالسبب الفعلي وحده لم‏يوجد الابصار كما لم‏يوجد بالسبب الانفعالي وحده فاذا اجتمعا حدث بينهما الابصار فلاتعين لاشراق الروح الا في العين و لا حيوة لها الا بالاشراق فالروح بمنزلة القدر بل هو القدر في هذا المقام و العين بمنزلة

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 121 *»

الجسد بل هو الجسد فلولا الجسد لا تعين للروح في الابصار وحده فانها هي الدراكة الصرفة و لولا الروح لا حراك للجسد في الابصار.

فمن هذا القبيل فعل جميع الفواعل في الغيب و الشهادة و قبول جميع القوابل فيهما ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فالقدر في اعمال العباد كالروح في الجسد فما لم‏يقدر اللّه سبحانه لم‏يقدر العبد علي اتيان فعل و فعله هو الانفعال سواء كان امتثالاً او مخالفة و ما لم‏يفعل العبد ليس في تقدير الرب جلّ‏شأنه تعين فانه هو القدرة العامة الشاملة الي غير النهاية.

فاذا عرفت المعنيين للسبب تقدر علي نسبة الفعل اليهما و الي كل واحد منهما و انت صادق مصدق فاذا قلت ان سبب الابصار هو اشراق الروح في العين صدقت و ان قلت هو الاشراق صدقت كما اذا قلت هو العين صدقت و ليس المراد في النسبة الي احد السببين انه بوحدته هو السبب التام بدون السبب الاخر.

فاذا عرفت ذلك ان‌شاءاللّه عرفت ان فيض الفياض المتعال قد علا علي التعينات المتكثرة و انما هي من القوابل المختلفة:

كقطر الماء في الاصداف در   و في بطن الافاعي صار سماً

فالدرية لاتوجد الا في الصدف و السمية لاتوجد الا في الافعي و الماء الخارج صالح لكلتيهما ليس فيه تعينهما مطلقاً الا بالصلوح فالقدرة في بطن الامتثال صارت هداية و في بطن المخالفة صارت اضلالاً فله الحجة علي الخلق و ليس لهم حجة عليه و هو سبحانه لايظلم الناس شيئاً و هم انفسهم يظلمون فالطبع بالكفر لايكون الا في الكفر بالكفر للكفر و الختم بالايمان و الهداية لايكون الا بالايمان في الايمان للايمان.

و ان قلت فلم ينسب اللّه الحسنة الي نفسه و السيئة الي نفس العبد و تارة ينسب الكل الي نفسه و قال قل كل من عند اللّه.

قلت ان ما قلت فقد عاينت و رأيت انه لايأتيه الباطل من بين يديه

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 122 *»

الظاهر و من خلفه الباطن فانه مطابق للتنزيل المحكم من عند الحكيم العليم فلاينبغي الشك فيه بالجهل فيما سواه فاطلب الوجه المجهول و لاتشك في المعلوم للمجهول فالوجه في ذلك ان الممتثل و ان ختم له في بطن امتثاله الهداية و الطاعة الا انه لم‏يكن في فعله مخالفة الرب جلّ‏شأنه ينسب فعله اليه كقوله تعالي و مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي كاحراق الشمس بالبلور في البلور فان فعل البلور لم‏يكن مخالفاً لفعلها في الحرارة و الاضاءة بخلاف الاساءة فانها مخالفة لامر العالي فلاتنسب اليه لانها مخالفه و ان لم‏توجد الا بالعالي كالظل للجدار فانه من الجدار لا من الشمس و ان كان بالشمس و اما قوله تعالي قل كل من عند اللّه فلان الطاعة و المعصية كليهما من عند اللّه تعالي اي من امره و مشيته و ارادته و قدره و قضائه و اذنه و تأجيله و كتابه لا منه من نفسه تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

و ان قلت كل ذلك حق لا شك فيه و لا ريب يعتريه ولكنه كله امر واقع بين الفاعل و القابل فممن القابلية كما قال كل منتحل بالحكم الناقصة.

قلت علم ذلك من المكنونات التي لايمكن تعليمها علي الحقيقة لكل احد لاسيما الاشخاص المنهمكين في طلب زخارف الدنيا الدنية الطالبين للعلوم التي بها قوام دنياهم و نظام امورها في حطامها و كفي بقول اميرالمؤمنين عليه و آله صلوات المصلين في عظمة ذلك العلم بحر عميق فلاتلجه الي قوله لايطلع عليه الا الفرد الصمد فمن تطلع عليه فقد ضاد اللّه في ملكه و نازعه في سلطانه و باء بغضب من اللّه و مأويه جهنم و بئس المصير فلايمكن التصريح به لمن تطلع الا من وراء الحجب و لذلك لم‏يجدوا شرحه في الكتب و ان كان مكشوف الحجاب لاهله مرفوع النقاب لمستحقه في مطاوي الخطاب في الكتاب المستطاب.

فالذي يمكن التلويح به ان القابل غير الفاعل و هما شيئان ممتازان فمن قال ممن القابلية فاقول ممن الفاعلية و قل كل من عند اللّه فما لهؤلاء القوم

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 123 *»

لايكادون يفقهون حديثاً فاللّه سبحانه لماعلم بعلمه الذي لايشوبه جهل و لا مخالفة للواقع مقام كل شي‏ء و مصيره خلق كل شي‏ء علي ما هو عليه كما ينبغي له في حده و مقامه و مبدئه و منتهاه مطابقاً لما علمه في سابق علمه قبل خلق الاشياء فخلق القابل قابلاً و الفاعل فاعلاً و المبدأ مبدأ و المنتهي منتهي و السماء سماء و الارض ارضاً و الغيب غيباً و الشهادة شهادة و الذات ذاتاً و الصفة صفة و الجوهر جوهراً و العرض عرضاً و هكذا خلق كل شي‏ء علي ما هو عليه و لو خلقه علي غير ما هو عليه لم‏يكن هو اياه بل كان هو غيره و غيره هو و هو محال لايتعلق به الفعل فخلق زيداً علي ما هو عليه و هو الزيدية و لم‏يخلقه علي غير ما هو عليه فيصير عمراً مثلاً فلم‏يكن زيداً فلماخلق كل شي‏ء علي ما هو عليه كما هو اهله و مستحقه صار كل شي‏ء في حده دون حد غيره ممتازاً عن غيره كما ان غيره في حده دون حده ممتازاً عنه فاذاً جاء الاختلافات بين الاشياء و حدثت الكثرات كما كنت تراها هكذا و مع ذلك كله ليس في خلقه اجبار اذ لو خلقها علي غير ما هي عليه فقد اجبرها لا علي ما هي عليه و ليس علمه سبباً بل كان علمه مطابقاً للسبب و المسبب و الشرط و المشروط و المعد و المعد له و العلة و المعلول و المبدأ و المنتهي الي غير ذلك.

و هذا القدر من البيان كاف لجناب السائل الامر ان‌شاءاللّه تعالي فانه من اهل الاشارة كما اشار بنفسه فلانطيل الكلام و السلام علي من وقف علي المرام و صلي اللّه علي محمد و آله و لعنة اللّه علي اعدائه.

و قد كتبتها في ليلة السبت من العشر الاواخر من شهر جمادي الاولي من سنة 1284 حامداً مصلياً مستغفراً.