04-05 الرسائل المجلد الرابع – رسالة في شرح باطن حديث الصورة الانسانية …(جواب ميرزا ابوالقاسم نائيني) ـ مقابله

شرح باطن حديث الصورة الانسانية هی اكبر حجة الله علی خلقه و بقاء فی فناء و نعيم فی شقاء و فقر فی غنی و عز فی ذل و صبر فی بلاء

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 104 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

و بعد قد طلب مني بعض الخلان المؤمنين من الاعاظم و الاعيان من سلالة طه و يس صلوات اللّه عليهم اجمعين باطن الحديثين الاول الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه الي آخر@آخره خ‌ل@ و الاخر في صفات الانبياء: بقاء في فناء و نعيم في شقاء و فقر في غني و عز في ذل و صبر في بلاء التي وصل اليها بعض الاولياء.

فاقول و باللّه المأمول بوساطة آل الرسول عليهم صلوات اللّه ما تأثر القابل من المقبول.

اعلم ان كل شي‏ء هو هو بما يخصه و يمتازه عن غيره و كل ما يخص بشي‏ء لايوجد في غيره فكل ما يوجد في غيره لايختص به فافحص عن الحقائق في طلب الاختصاص لتصير من اهل الخلاص بسر الاخلاص و لاتنظر الي ما به الاشتراك كمن وقع في الشباك و دان بالقياس و هو في الالتباس فتذكر من ذلك ان ما به الانسان انسان هو الخاص به دون غيره من الجماد الي الحيوان و هو ما حدد له اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و الخاصيتان النزاهة و الحكمة و هما الفائدتان في العمل و العلتان الغائيتان للخمس الاول و قد كانتا مقدمتين في الوجود تأخرتا في الشهود فالسبعة بأسرها هي مما به الانسان انسان لاتوجد في الحيوان و هي قسمان كوني و شرعي فالكوني منها يوجد في جميع الاناسي كل بحسبه و الشرعي لايوجد الا في المؤمنين فربما سمي ما في غيرهم بالخصال

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 105 *»

الحيوانية كما سمي العالمون حيواناً اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون كما سمي الاولون انساناً قال7 نحن الناس و شيعتنا اشباه الناس و سائر الناس نسناس.

فالشرعي المخصوص بالمؤمنين يوجد في كلهم كل بحسبه علي ما تري فمنهم من كان فيه الكوني قوياً و الشرعي ضعيفاً و منهم بالعكس و قد تدرج الامر في الشدة و الضعف الي درجات لاتحصي و قد يوجد فيهم من كان الشرعي فيه في غاية الضعف كأن لم‏يكن فيه الا الكوني و منهم من كان فيه في نهاية القوة کأن لم‌يکن فيه الا الشرعي فيکون في الدرجة العاشرة من الايمان کما ان الضعيف الاضعف في الدرجة الاولي منه و ربما عبر عن الدرجات باربعين او بتسع و اربعين او بسبعين او بسبعة مائة([1]) او باكثر او بغير حساب ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.

بالجملة فالصاعدون الي تلك الدرجات مختلفون فمنهم من يصعد درجة و منهم درجتين و منهم ثلاث درجات و هكذا الي قرب الاقرب من اللّه ذي العرش فكل صاعد و ان صعد فسعد ولكنه بالنسبة الي الاعلي منه نازل الي ان وصل الامر الي الواصل الي العرش فهو الصاعد الحقيقي الذي ليس بنازل من احد و كل من وقع تحت العرش الي الفرش فهو الصاعد الاضافي فالاضافيون ان صدق عليهم الصاعد صدق عليهم النازل ايضاً فان صدق عليهم الانسان صدق عليهم الحيوان ايضاً كما اشرت اليه و الذي لم‏يصدق عليه الحيوان هو الصاعد الحقيقي الواصل الي العرش فالرحمن استوي عليه استواء النيران علي الدخان ثم استوي الي السماء و هي دخان فقال لها و للارض ائتياً طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين.

فاستشرقت حقائقهم من نور الانوار فاشرقت علي السموات و الارض فدارت عليهما كما تري من تلك المشكوة التي هي دخان انيتهم فخفيت

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 106 *»

لشدة النور الذي هو من خلف العرش المستولي عليه و علي من دونه فصارت باطلة مضمحلة ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و اجل من ان‏يوصف (يصف ظ) الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي نواله فسالت الاودية بقدرها تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط فالايات باسرها علامات الا انها كلها ظهور من الظهورات فالاية المحيطة هي العظمي و المستولية عليها هي الكبري و اي نبأ للّه اعظم منه و اكبر الذي هم فيه مختلفون اينما تولوا فثم وجه اللّه تدلج بين يدي المدلج فهو الامام القائد لكل قائم راكع ساجد بقيامه القائمون قد قاموا و بركوعه و سجوده ركعوا و سجدوا فهو النذير الاولي في الاخرة و الاولي و لكل قوم هاد الي يوم التناد فهو المدلج في الصراط و القائم فوق الميزان القاعد علي عرش الرحمن اياب الخلق اليه و حسابهم عليه.

بالجملة فالصورة الانسانية التي هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و الكتاب الذي كتبه بيده الجسر@و الجسر خ‌ل@ الممدود بين الجنة و النار و المختصر من اللوح المحفوظ حقيقتها هي المتولدات المتولدة بين السموات العلوية و الارضين السفلية الشرعية و هي احسن التقويم لا الكونية الحيوانية فانها المردودة الي اسفل السافلين ولكنها كلها كما عرفت اضافية لما لحقها من ظلمة دخان الانية فليس فيهم من جميع العالم قبضات بالفعل فمنهم من يتولد من قبضة و منهم من قبضتين و منهم من ثلاثة و هكذا الي ان وصل الامر الي من يكون جميع القبضات من جميع العوالم فيه بالفعل فهذا المتولد هو المختصر من اللوح المحفوظ الذي هو جميع بسائط العوالم ففي كل عالم حروف ثمانية و عشرون هي البسائط و المتولد الجامع هو الكلمة التي وجدت فيها جميع الحروف فالكلمة التي ليست الثمانية و العشرون فيه بالفعل كانت ناقصة فالجامع للجميع هو المختصر من الكل فاذا صار المولود جامعاً و انت تعلم ان شاء اللّه ان

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 107 *»

الاسماء الحسني كلها متولدة من الحروف الثمانية و العشرين و قد اجتمعت عند الجامع فصار في الدور الثاني جامعاً لجميع الاسماء الثمانية و العشرين التي هي اصول جميع الاسماء الحسني التي كلها عند ائمتنا: فهم: في كل مقام الكلمات التامات ففي مقام الانسانية هم الجامعون الكاملون المكملون و ان كانوا في سائر مقاماتهم لايبلغ الواصفون الي ادني وصف من اوصافهم فبلغ اللّه بهم اشرف محل المكرمين و اعلي منازل المقربين حيث لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايطمع في ادراكهم طامع.

بالجملة فهم في مقام البشرية بواطن الانسان الذي خلقه اللّه في احسن تقويم و اما غيرهم و ان كانوا مؤمنين بهم لم‏يبلغوا مبلغهم من العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة فعلمهم علم لا جهل فيه و حلمهم حلم لا سفه فيه و ذكرهم ذكر لا غفلة فيه و فكرهم فكر لا خطاء يعتريه و نباهتهم نباهة لا بلاهة فيها و نزاهتهم نزاهة و عصمة لا ذنب فيها و حكمتهم حكمة متقنة لا نقص فيها و قد استظل في علم غيرهم الجهل و في حلمهم السفه و في ذكرهم الغفلة و في فكرهم الخطاء و في نباهتهم البله و في نزاهتهم اللمم و في حكمتهم الجواز عن حد الطرفين الافراط و التفريط و ليس ذلك الا لعدم جامعيتهم فاما لم‏يجمعوا جميع الكرات او لم‏يحوزوا صوافيها فالصورة الانسانية ناقصة فيهم و اما الجامع الكامل من كل جهة كامل من كل جهة فهو الاعظم الاكبر الافخم الاعلي الابهي الانور9 الذين يشهد المؤمنون بهم ان ارواحهم و نورهم و طينتهم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض.

بالجملة و اما الصفات النبوية فلما علموا بالوحي الذي سري فيهم سريان الروح في الجسد كماقال الله تعالي كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ان كل ما لهم و بهم و منهم و عليهم و فيهم و لديهم كلها من اللّه سبحانه و تعالي

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 108 *»

و ليسوا بانفسهم الا مضافة الي ربهم فوجدوه في انفسهم اوجد من انفسهم موجوداً في حضرتهم و غيبتهم فنسوا انفسهم و فنوا فصاروا موجودين به في جميع احوالهم فالمراد بالبقاء بقاء ربهم و المراد بالفناء فناء انفسهم.

و كذلك لما علموا بما اوحي اليهم بان الحكمة ابراز ما في الكيان الي العيان و لايمكن ذلك الا بالعمل اشتغلوا بالعمل في آناء الليل و اطراف النهار في جميع العمر من غير فتور لعله يرضي فصار نعيمهم و لذتهم في مشقة العبادة و العناء.

و كذلك لماعلموا بما اوحي اليهم من روح العلم بان ربهم هو المعطي لا غير بما يشاء لمن يشاء كيف يشاء و لا مانع لعطائه اذا اعطي و لا ملجأ منه الا اليه اذا منع علموا ان دواء فقرهم هو غناه وحده وحده لا شريك له.

و كذلك لماعلموا ان العزة و الغلبة و الكبرياء له لا لغيره طلبوا العزة في ذل انفسهم لديه فخضعوا و خشعوا عنده بالذل.

و كذلك لماعلموا انه لا فاعل في الوجود الا اللّه و لا مقدر الا هو عن عمد من غير غفلة و لا نسيان صبروا في البلايا و ان شقوا نصفين بالمنشار.

و كذلك لماعلموا انهم و ما بهم و عليهم بمحضر منه تعالي و هو ابصر الناظرين سلموا الامر الذي عن عمد منه.

و كذلك لماعلموا بانه ارحم الراحمين و احكم الحاكمين رضوا بما علموا لان التسليم ربما كان عن كره فبهذه الخصال السبع صاروا انبياء كما ان الاناسي بالخصال السبع السابقة صاروا اناسي كما ان الحيوان بالقوي الخمس و الخاصيتين صار حيواناً كما ان النبات بالجذب و الامساك و الهضم و الدفع و النماء و الزيادة و النقصان صار نباتاً ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

ثم اعلم ان تلك الخصال و ان كانت حقائقها من خصائص الانبياء: ولكنهم ارسلوا الي الخلق لاجل ابلاغ تلك الخصال فامروا بذلك

 

 

«* الرسائل جلد 4 صفحه 109 *»

و نهوا عن اضدادها بمقتضي قوله و لكم في رسول اللّه اسوة فالخلق في ذلك بحسب التأدب و التخلق و الامتثال و عدمها مختلفون فمنهم من تأدب احياناً و تخلف احياناً خلطوا عملاً صالحاً و آخر سيئاً و منهم من تأدبه اغلب من تخلفه فثقلت موازينه و هكذا يتدرج الامر في درجات الصعود الي ان بلغ الامر الي الواصلين الي الدرجة العاشرة من الايمان من امثال سلمان الذين كادوا ان‏يكونوا من العلم و الحكمة انبياء فانهم برازخ بين المرتبتين من التابعية و المتبوعية تنزل عليهم الملائكة ان لاتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون و قد شربوا الغدق من الماء لاستقامتهم علي الطريقة و عدم غفلتهم عن هذه الدقيقة.

جعلنا اللّه و اياكم من المقتبسين المقتفين لاثارهم بمحمد و آله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين و لعنة اللّه علي اعدائهم ابد الابدين.

و قد تمت الرسالة مقتصرة علي الاشارة لذكاوة الامر سلمه اللّه تعالي و قد اراحتني من تطويل العبارة حامداً مصلياً مستغفراً.

 

 

([1]) بسبعمائة. ظ