جواب ميرزا عبدالله
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
الفهرس
الرسالة (1): جواب سؤال الميرزا عبدالله
الرسالة (2): التصريح
الرسالة (3): اجوبة مسائل بعض الاعلام
الرسالة (4): بيان نسبة الاثر و المؤثر
الرسالة (5): شرح باطن حديثي الصورة الانسانية هي اکبر حجج الله علي خلقه و بقاء في فناء و نعيم في شقاء و …
الرسالة (6): بيان مجمل للبسيط و اول الموجودات
الرسالة (7): بيان المراد من تسمية المشية بالنفس الرحماني الاولي
الرسالة (8): بيان المراد من طبع الله تعالي وختمه علي قلوب الکافرين
الرسالة (9): اجوبة مسائل الحکيم النبيل الاخوند ملاعلي الخراساني;
الرسالة (10): دفع الاشکال الوارد في الحديثين
الرسالة (11): المصباح
الرسالة (12): شرح رسالة الرمز
الرسالة (13): اجوبة مسائل العالم العامل محمد حسن السمناني
الرسالة (14): اجوبة مسائل العلام الفهام الميرزا ابوتراب الکرماني;
الرسالة (15): في رفع الاختلاف بين ما دل علي عصمة الملائکة و ما دل علي عصيان بعضهم
الرسالة (16): اجوبة مسائل الملاعلي الاسکوئي
الرسالة (17): رسالة الي المرحوم المبرور العالم العامل السيد محمدباقر;
الرسالة (18): جواب اشکال العالم العابد محمد باقر السمناني
الرسالة (19): اجوبة مسائل العالم العامل محمد باقر السمناني
الرسالة (20): جواب سؤال المدقق المحقق الملاعلي الخراساني
الرسالة (21): اجوبة مسائل المرحوم المبرور الميرزا علينقي الهندي
الرسالة (22): جواب مسألة غامضة التي عنونها في مجلس الضيافة مولانا الکريم
الرسالة (23): اجوبة مسائل المرحوم المبرور الميرزا علي نقي الهندي
الرسالة (24): الجواب عن مشکلات سألها المولي المرحوم الملاحسين اللاهيجاني
الرسالة (25): اجوبة مسائل العالم العامل المرحوم الميرزا عبدالله
الرسالة (26): جواب مسألتي بعض الاخوان
الرسالة (27): الصواب البالغ و الجواب الدامغ لاسؤلة سأل عنها السائل العلماء الامامية
الرسالة (28): جواب الشبهات التي سنحت للمرحوم المغفور محمدعلي خان
الرسالة (29): جواب سؤال المحقق المدقق الميرزا محمد اسمعيل الاديب الطبيب الطهراني;
الرسالة (30): اجوبة شبهات حصلت للسائل من بيانات الشيخ الاوحد في الرسالة الرشتية
جواب سؤال
ميرزا عبد الله
شرح حديث رواه الشيخ ابو الحسن البكری رحمهالله
فی كتابه المسمی بـ«كتابالانوار»
و نقله المجلسی رحمه الله فی المجلد السادس من كتاب البحار
(الجزء 15 ص 27 من الاجزاء المطبوعة بدار الكتب الاسلامية)
«* الرسائل جلد 4 صفحه 2 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه و الصلوة علي الذين اصطفي و اللعنة علي سالكي سبيل الردي.
و بعد يقول العبد المقصر القاصر ابن محمد جعفر محمدباقر غفر اللّه له و لوالديه و لجميع المؤمنين و المؤمنات انه قد طلب مني بعض الاخوان في الدين و الخلان المؤمنين الملتزم باتباع آثار سيد المرسلين و خلفائه الطيبين صلوات اللّه عليهم اجمعين العالم العامل و الفاضل الباذل نجل الاجلاء و نسل الاخلاء من ورثة الانبياء المنيب الاواه الميرزا عبداللّه جعل اللّه ثانيته خيراً من اولاه شرحاً للحديث الشريف المروي في سبق خلق محمد و آله سلام اللّه عليهم علي ساير الخلق و بعض حالاتهم و مقاماتهم سلام اللّه عليهم و كيفية خلق ساير الخلق و انا معذور عنده من البسط في المقال لاختلال الحال و الاشتغال بالانتقال في كل الاحوال و شاهد الحال جنابه المتعال ولكن الميسور لايسقط بالمعسور و اللّه ولي التوفيق و ها انا ذاكره فقرة فقرة شارح له بوساطة الخيرة البررة صلوات اللّه عليهم اجمعين.
قال سلمه اللّه و ابقاه و وفقه لما يحب و يرضاه: بسم اللّه الرحمن الرحيم عن مولانا امير المؤمنين7 علي ما في كتاب الانوار لابيالحسن البكري استاد الشهيد الثاني عنه7 انه قال.
اقول: مضامين هذا الحديث الشريف متفرقة في ساير الاحاديث و الادعية و الزيارات و الخطب و صارت من المتواترات معني بل لفظاً و الحمدللّه فلا
«* الرسائل جلد 4 صفحه 3 *»
يحتاج في التصحيح الي قواعد علم الرجال لانه مجتمع المتواترات فلنشرع في شرحه بما رزقني اللّه و لا قوة الا باللّه.
الفقرة الاولي: كان اللّه و لا شيء معه.
اقول: ان اردت الاقرار بفضايل آل اللّه الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبار بحيث لايشوبه شيء من الانكار و معرفة صحة صدور امثال هذه الاخبار بمشاهدة الجنان باطمينان من البال لا بقواعد علم الرجال الموضوعة من مقال الرجال فان من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال فاسع سعيك و اجهد جهدك و لاتسامحن في معرفة التوحيد فانه اول الدين و اصله و به ارسال اللّه جميع الانبياء و المرسلين و الاوصياء المرضيين و الاولياء المقربين و العلماء الراسخين و لعمري ماوقفت علي انكار منكر و لا شك شاك و لا ضلالة ضال و لا جهل جاهل لفضل نبي او وصي او ولي او اقامة احد مقامهم او كفر او شرك او نفاق او ادعاء بغير حق او احقاق باطل او ابطال حق الا وقفت علي جهله بالتوحيد فعليك بالجهد الجهيد و السعي البليغ في معرفة التوحيد بما عرف نفسه به بترجمان اهله و هم النبي و اهل بيته و الذين التزموا اتباعهم: و الزموا انفسهم الانقياد لهم و التسليم لامرهم في ظواهرهم و بواطنهم و اعتقاداتهم و اعمالهم و اقوالهم في جزئي الامور و كليها في الاصول و الفروع و من التوحيد الي ارش الخدش و من تحت الفرش الي فوق العرش و قل ما قال آل محمد: قلنا و ما دانوا دنا و اعرض كل الاعراض عن كل من ادعي انه منهم و هو متمسك بفروع غيرهم فانهم: قالوا كذب من زعم انه منا و هو متمسك بفروغ غيرنا.
فدع عنك قول الشافعي و مالك | و احمد و المروي عن كعب الاحبار | |
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم | روي جدنا عن جبرئيل عن الباري |
فاعلم وفقك اللّه لما يحب و يرضي كما تحب و ترضي ان استعمال كان و يكون و امثالهما في مقام التوحيد ليست للزمان الماضي و الحال و الاستقبال
«* الرسائل جلد 4 صفحه 4 *»
كما تتبادر الي اذهان الجهال للزوم تغير الحالات علي الذات البحت البات المقدس عن التغيرات بل المراد هو التعبير عن كون الذات و تحصلها في نفسها لنفسها بنفسها من دون فعل و شيء و يكشف عن ذلك قوله7 و لا شيء معه فلا زمان و لا مكان و لا شيء من الاشياء معه سبحانه لان كل ما كان معه غيره كائناً ما كان بالغاً ما بلغ محدود كما كان غيره محدوداً و الحد من صفات الخلق فلا حد له فلا شيء معه غيره فاذ لا شيء معه غيره فهو غير متناه في نفسه بلا نهاية فاذا كان كذلك فقد وسع سعته المحدودات و الحدود من اقطار الموجود في الغيب و الشهود بلا اطلاق و لا شمول لانها ايضاً من الحدود بلا كيف و لا اشارة كما صدر ذلك من اهل البشارة صلوات اللّه عليهم اجمعين و لو لمتكن تسمع منا الكلام في ذلك لكنت مع طلبك استحققت البسط في المقام لنيل المرام ولكنك سمعت و تسمع ان شاء اللّه تعالي ما يكفيك في التوحيد من الاسرار و يغنيك عن الاغيار و مع ذلك لو كان لي المجال لما ضننت البسط في المقال لمثل جنابك المتعال و انت و الحمدللّه شاهد الحال فان اردت الخوض في لجج البحار فعليك بالكتب المصنفة من العلماء الاخيار شكر اللّه مساعيهم و انت بحمداللّه مستأنس لذلك مستأهل لما هنالك.
الفقرة الاخري: فاول ما خلق نور حبيبه محمد9 قبل خلق الماء و العرش و الكرسي و السموات و الارض و اللوح و القلم و الجنة و النار و الملائكة و آدم و حوا باربعة و عشرين و اربعمأة الف عام.
اقول: و باللّه التوفيق المأمول بوساطة آل الرسول صلوات اللّه عليهم علي نحو الاشارة ان المراد بالماء هو الحيوة التي بها قيام الاشياء كما قال تعالي و جعلنا من الماء كل شيء حي و كل شيء حي لانها ذووا شعور كما قال تعالي و ان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و الشعور من الحيوة كما لايخفي فالمراد بالماء هو الماء الاول الاول الذي به قيام ماسواه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 5 *»
و هو امره سبحانه كما قال تعالي و من آياته انتقوم السماء و الارض بامره و امره مشيته التي بها قيام جميع الاشياء قيام صدور.
و المراد بالعرش هو المحمول علي الماء و الماء حامله و هو اقوي منه الذي استقر علي كاهله فهو خليفته المتصل به و القائم في مقامه للاداء الي ماسواه جميع ما يحتاجون اليه و نسبتهما كالفعل و المصدر لا فرق بينهما في العمل الا ان الثاني تأكيد للاول و هو اولي به من نفسه اذ لايري نفسه و يري الاول فكلاهما امران للّه سبحانه الا ان الاول امره الفعلي و الثاني امره المفعولي بالنسبة الي الاول و هو فعلي ايضاً بالنسبة الي ماسواه اذ به تحركت المتحركات و سكنت السواكن كما تري من تحريك العرش الظاهر جميع مادونه من السموات و الارض و ما بينهما.
و المراد من الكرسي مقام تفصيل الفيوض و حمل الانوار و نقل الاثار الي اهل الديار ديار عالم المقيدات من الدرة الي الذرة صاحب البروج الاثنيعشر و هو@فهو خل@ بنفسه خارج عن الاثنيعشر فهو بنفسه اخ العرش و هما بابان من ابواب الغيب.
و المراد من السموات سموات عالم المقيدات كما ان الارض ارض عالمها الا ان السموات شئون تعلقات الكرسي و حوامل انواره و نواقل آثاره الي الارض ارض القوابل الامكانية اللتان كانتا رتقاً ففتق بينهما بفعل و انفعال علي كتاب اللّه و سنة رسوله9 فبدت منهما المواليد كل في درجته و مقامه فاول ما تولد منهما اللوح ثم القلم لان اللوح مقام الصلوح صلوح النقوش و الصور الخلقية المجردة و المادية و مقام القلم مقام الارتسام و الفعلية و مقام الصلوح اوسع من مقام الفعل بلا نهاية فهو اول ما تولد و القلم ثانيه و تاليه فاذا خلق القلم قال له الجبار اكتب فقال و ما اكتب فقال ما هو كائن الي يوم القيامة فكتب القلم ما كان و ما يكون و منها الجنة و النار و اهل الجنة و النار من الملائكة و آدم و حوا اي الذكر و الانثي فكان خلق
«* الرسائل جلد 4 صفحه 6 *»
محمد و آله صلوات اللّه عليهم قبل خلق هؤلاء و قبل خلق جميع الاشياء اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت قال7 كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين.
و اما خصوص اربعة و عشرين و اربعمأة الف عام في سبق خلقتهم صلوات اللّه عليهم فاعلم ايدك اللّه تعالي ان الانظار تختلف في الاخبار عن درجات الخلق و سبق درجة علي درجة و كلها حق تصيب الحق عند اهل الحق و لهم من كل واحد منها المخرج و مثال ذلك لتنبيه النبيه ان الاربعين اربعون بنظر من الانظار حق صدق و هو اثنان حق صدق اي اثنان عشرون و هو اربعة حق صدق اي اربع عشرات و هو خمسة اي خمس ثمانيات و هو ثمانية حق صدق اي ثمان خمسات و هكذا فلاجل ذلك يمكن للعالم الخبير انيعبر عن الشيء الواحد بتعبيرات مختلفة كلها توافق الحق و له من كلها المخرج فلذلك وردت الاخبار في التعبير عن سبق رتبتهم: باختلاف ظاهر و ايتلاف في الباطن فمنها انه الف الف دهر و منها انه الفان و غير ذلك و لاجل ذلك اخبر اللّه سبحانه في خلق السموات و الارض مرة بستة ايام و مرة باربعة و مرة بيومين و كلها حق صدق مطابق للواقع.
فخصوص اربعة و عشرين و اربعمأة الف عام فاعلم ايدك اللّه ان لكل شيء مخلوق وقت مخصوص به بحسبه و تدور سمواته علي ارضه و تدور الشمس المربية له في البروج الاثنيعشر بحسبه في كل برج ثلثون درجة بحسبه و في كل درجة تسير مدة يوم بحسبه و في كل عالم سموات و ارض و شمس بحسبه كما روي في روايات كثيرة ان للّه سبحانه اربعين شمساً في اربعين سماء و ارض غير هذه الشمس كما لايخفي علي مثلك فاذا تذكرت ذلك فاعلم ان الشيء الصادر عن الفعل له اربع مراتب من ابتداء صدوره عن المبدأ الي انتهاء وقوعه و سكونه فاول مرتبة المتصلة بتحريك الفاعل متحركة و الحركة تقتضي الحرارة و اليبوسة كما تري ذلك في كل حركة بحسبها فتلك المرتبة مرتبة النار لكل شيء ثم دون ذلك مرتبة الهواء الحار الرطب
«* الرسائل جلد 4 صفحه 7 *»
حار لاتصاله بالنار و اكتسابه منها و رطب لميله الي الادني و كل ميل من الرطوبة كما تشعر به بادني تأمل([1]) ثم دون ذلك مقام الماء البارد الرطب لبعده عن مبدأ الحرارة و قربه الي مبدأ البرودة الذي هو التراب فبرودته من اقترانه بالتراب البارد و رطوبته من اتصاله بالهواء الرطب ثم دون ذلك مقام التراب البارد اليابس يبسه لسكونه و وقوعه فيما انتهي اليه سيره و برودته لبعده البعيد عن النار الحارة اليابسة و لعلك علمت ان تلك المراتب متصلة بعضها ببعض غير منفصلة و لاجل ذلك حصل بينها التفاعل و التمازج و الاتحاد حتي صارت شيئاً واحداً له كيان ثلثة الكون الروحاني و الكون النفساني و الكون الجسداني([2]) كما هو مبرهن في المولود الكريم و الخلق الفخيم([3]) الذي هو اخ النبي العظيم9 فذلك سبع مراتب في سبع اوقات و هو العدد الكامل المحتوي علي اول الافراد و اول الازواج الثلثة و الاربعة كما هو المعروف لدي اهل الحساب و الاستدلال علي صدق المراد مما يطول به الكتاب و لايخفي ذلك علي اولي الالباب فاذا لوحظ النسبة بين الثلثة و الاربعة في الفعل و الانفعال حصل الاثناعشر المتناسب و في ملاحظة ذلك في الغيب و الشهود صارت اربعة و عشرين.
ثم لايخفي عليك ان العوالم بنظر من الانظار اربعة عالم السرمد و عالم الجبروت و عالم الملكوت و عالم الملك و الناسوت و في كل عالم بسائط و اصول عشرة سبع سموات و عرش و كرسي و ارض كما تري في هذا العالم المحسوس اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما امره الا واحدة فاذا لوحظ النسبة بينها في التفاعل حصل مائة مرتبة و مع ما مر من البيان حصل اربعة و عشرون و اربعمأة مرتبة في اربعة و عشرين وقتاً و اربعمأة وقت ففي كل مرتبة من تلك المراتب مولود جامع و هو الانسان الكامل له حصص عشر من البسائط و الاصول الاولية و بعد ملاحظة نسبة التفاعل بين الحصص
«* الرسائل جلد 4 صفحه 8 *»
تصير المراتب مائة و انت تعلم ان للانسان الجامع الكامل([4]) مع اربع مراتب مرتبة الجماد و مرتبة النبات و مرتبة الحيوة و مرتبة الادراك و الشعور و الرشد الانساني و كل مرتبة توجد في ستة اطوار طور النطفة و طور العلقة و طور المضغة و طور العظام و طور الكسوة من اللحم و طور انشاء الخلق الاخر فتلك عشرة كاملة في كل مائة مرتبة فتصير الف مرتبة من ضرب العشرة في المائة فتصير مراتب الخلق باجمعه اربعاً و عشرين و اربعمأة الف مرتبة في اربعة و عشرين و اربعمأة الف وقت كل وقت كامن في سير الشمس في البروج الاثنيعشر في كل مرتبة بحسبها فصارت المدد الخلقية اربعاً و عشرين و اربعمأة الف عام و قد سبق السابق الذي لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع جميع ماسواه باربعة و عشرين و اربعمأة الف عام و هذا القدر من الكلام يكفيك لنيل المرام علي نحو الاختصار و الاشارة في شرح هذه العبارة انشاءاللّه تعالي.
الفقرة الاخري: فلما خلق اللّه نور نبينا محمد9 بقي الف عام بين يدي اللّه تعالي واقفاً يسبحه و يحمده و الحق تبارك و تعالي ينظر اليه و يقول يا عبدي انت المراد و المريد و انت خيرتي من خلقي و عزتي و جلالي لولاك لماخلقت الافلاك من احبك احببته و من ابغضك ابغضته فتلألأ نوره و ارتفع شعاعه فخلق اللّه تعالي منه اثنيعشر حجاباً اولها حجاب القدرة ثم حجاب العظمة ثم حجاب العزة ثم حجاب الهيبة ثم حجاب الجبروت ثم حجاب الرحمة ثم حجاب النبوة ثم حجاب الكرامة ثم حجاب المنزلة ثم حجاب الرفعة ثم حجاب السعادة ثم حجاب الشفاعة.
اقول: و باللّه المأمول بوساطة آل الرسول صلوات اللّه عليهم المراد بالنور هنا نور اللّه تبارك و تعالي كما قالوا: اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده و هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره كما اتفق
«* الرسائل جلد 4 صفحه 9 *»
اهل المعرفة في تعريفه فهو9 نور اللّه الذي به صار نوراً و ساير الخلق كلهم خلقوا به و كلهم ظهوراته و انواره كنور الشمس من الشمس او كصفاتك و ظهوراتك منك فبقي الف عام بين يدي اللّه تعالي واقفاً فله9 الف درجات عند اللّه سبحانه لايطلع عليها احد غيره فصعد في تلك الدرجات الي اللّه سبحانه و سلك في كل درجة عاماً فالالف منتهي الاعداد ليس فوقه درجة من العدد و ينطوي جميع مراتبها دونه و الذي تزعمه فوقه فهو من تكرراته و التكررات دونه فكل يوم من ايام تلك الاعوام كالف سنة كما قال تعالي و ان يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدون.
و ان اردت التحقيق في ذلك فاعلم ان يوماً من تلك الايام كالف سنة مما يعد اهل عالم السرمد و المشية و يوماً من ايام اعوام السرمد كالف سنة مما يعد اهل عالم الوجود المقيد و يوماً من ايام عالم الوجود المقيد كالف سنة مما يعد اهل عالم الحقيقة و يوماً من ايامها كالف سنة مما يعد اهل عالم العقل و يوماً من ايامه كالف سنة مما يعد اهل عالم الروح من امر اللّه و الكروبيون و يوماً من ايامه كالف سنة مما يعد الاشباح المجردة عن المادة الزمانية و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الجبل الاحمر الذي هو قطعة من الياقوت الذي من ورائه الجزيرة الخضراء التي توقد النار من اشجارها الخضر و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد المدبرات من الملائكة المقربين و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد الطيور الخضر اللواتي في حواصلها الارواح الطيبة و يوماً من ايامها كالف سنة مما يعد اهل جابلقا و جابرسا و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد يأجوج و مأجوج المفسدون في الارض و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل جبل قاف و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل العماء التي هي تحت الهواء و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الهواء الذي هو تحت الماء علي نهج الاختصار و الايماء
«* الرسائل جلد 4 صفحه 10 *»
و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الماء الذي استقر عليه العرش و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد الملائكة الثمانية حملة العرش و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد النفوس الكلية و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اولوا الالباب و باب الابواب و يوماً من ايامهم کالف سنة مما يعد اهل اللوح المحفوظ و الرق المنشور و الكتاب المسطور و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل البحر المسجور و النار ذات الوقود و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الحمأ المسنون الذي تغرب فيه الشمس و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل المشرق الذين تطلع عليهم الشمس بلا ستر اصحاب لهو و لعب الذين يحتجبون بالحجاب من وراء الصدفين و لولا سد بينهم و بين بواطنهم سد الحياء و العادات لمابقي فسق و فجور الا صدر منهم و ذلك من فضل اللّه علينا و علي الناس ولكن اكثر الناس لايعلمون و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد السيمون و الزيتون و اخوهما@اخوهما و هو شمعون خل@ و اعوانهم من الملائكة و الشياطين و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل البحر المكفوف و الماء الذي جعله اللّه حيوة لكل حي و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الكثيب الاحمر الذي وراءه بحر الحوت و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الجبل الذي هو من البرد و الثلج و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الريح العقيم و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الرياح اللواقح و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل البحر الذي من زبده وجدت الارض و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل الزبد الذي من دخانه خلقت السموات السبع و يوماً من ايامهم كالف سنة مما يعد اهل هذا العالم المحسوس من العرش الي الفرش.
فتدبر في سبق رتبتهم صلوات اللّه عليهم و سعة وقتهم و مدة سيرهم الي اللّه سبحانه فلاتزعم انهم وقفوا عند اللّه سبحانه الف عام من اعوام هذه الدنيا الفانية الزائلة ثم اعرضوا عنه حاشاهم ثم حاشاهم بل هم: من اول بدئهم الي نهاية ختمهم كانوا في الف عام و لا اول لذلك الالف و لا
«* الرسائل جلد 4 صفحه 11 *»
آخر و لا غاية له و لا نهاية اذ به فتح اللّه الاوائل و به ختم الاواخر فكانوا: و لا كان يسبحون ربهم و لايكون بلا ماض و استقبال مقبلين اليه بقولهم سبوح قدوس و هم بانفسهم اسمه السبوح القدوس تجلي اللّه لهم بهم فسبح باسم ربك العظيم و سبح اسم ربك الاعلي و الاسم صفة لموصوف كما روي عن الرضا7 و الصفة و الموصوف مقترنان كما صرح به اميرالمؤمنين7 و كمال التوحيد نفي الصفات عنه فسبحان ربك رب العزة عما يصفون و اين الصفات و اقترانها بالذات البحت البات فسبحانك سبحانك و سبحانك سبحانك انت انت وحدك وحدك لا شريك لك تقدست و تعاليت عن الوصف و الحد بالاشارة فضلاً من العبارة و قد تفسخت دونك النعوت كما وصفك واصفوك.
و لعلك عرفت مما بينا ان تسبيحهم: له هو نعته و مدحه و حمده فحمدهم عين تسبيحهم و تسبيحهم عين حمدهم و هم: تسبيحه و حمده الذي اثني علي نفسه كما قال9 انت كما اثنيت علي نفسك لااحصي ثناء عليك و انت تعلم ان ثناءه علي نفسه غير ذاته فهم: ثناؤه علي نفسه الذي اثنه عليه و ثناؤهم: فعلهم و فعلهم دونهم و هو ظهورهم و لايليق به سبحانه و لاجل ذلك قال9 لااحصي ثناء عليك فلما سبحه و حمده نظر اليه و نظره اليه نفسه و نفسه تسبيحه و حمده تجلي له به لا بذاته للزوم التغيير سبحانه عنه و يقول له به انت المراد انت@اي انت خل@ مرادي وحدك و انت المريد لما اشاء و مايشاؤن الا انيشاء اللّه اذ انت نوري الذي هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره فاذا كان9 هو المراد وحده فكان هو الخيرة قال تعالي و اصطنعتك لنفسي و عزتي و جلالي و انت عزتي و جلالي فبحقك و حرمتك لولاك لماخلقت الافلاك و المراد بها هم ساير الائمة: و ساير الافلاك بطريق اولي اذ كلها ظهوره و خلقت من نوره كما انه لو لميخلق الشمس لميخلق نوره
«* الرسائل جلد 4 صفحه 12 *»
و لو لميخلقك لميخلق ظهوراتك و لماكان سبحانه احداً ليس فيه شائبة التركيب جعل حبه و بغضه و رضاه و غضبه([5]) في نفسه9 كما ورد في تفسير قوله تعالي فلما آسفونا انتقمنا منهم ان اللّه سبحانه جعل لنفسه اولياء و جعل اسفهم اسفه الي آخر الحديث فلاجل ذلك قال من احبك احببته و من ابغضك ابغضته فلما سمع قول اللّه فيه و ابصر نظر اللّه به تلألأ نوره و ارتفع شعاعه.
و لعلك علمت انه9 كان متلألأ نوره مرتفعاً شعاعه كما ان نور الشمس متلألئ مرتفع لميكن الشمس بلا نور و ضياء و هذا النور و الشعاع غير النور الذي هو حقيقته لانه منه خلقت الحجب و هو بنفسه لميصر حجباً فخلق اللّه تعالي منه اي من نوره و شعاعه اثنيعشر حجاباً فتلك الحجب جهات شئون كمالاته و هي دون ذاته9 اذ ذاته ذات واحدة اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة ففي مقام التفصيل ظهر باثنيعشر حجاباً و ذلك لاجل ما مر من البيان ان كل شيء له مراتب اربع و كيان ثلثة و بملاحظة النسب بينها تصير اثنيعشر و تلك المراتب في نفسه مندمجة مندرجة كاندراج القيام و القعود في نفسك فاذا ظهرا في عالم التفصيل صار كل واحد غير الاخر كذلك المراتب الاثناعشر كان في نفسه متحدة مندرجة فاذا ظهر بها في عالم التفصيل صار كل واحد غير الاخر و عبر عن الفعليات بالحجب لحجب كل واحد ماسواه و لا لحجبها له فغيوره تحديد لماسواه لا لنفسه و نفسها اذ ليس بينها بين و لا حجاب او لان كل واحد منها لميحك جميع ما له في ذاته فلاجل ذلك سمي حجاباً او لحجبها و منعها الغير من الوصول اليه او لجميع ذلك.
فاولها حجاب القدرة اذ القدرة مقدم علي كل كمال اذ بها يظهر كل كمال فظهر بها بالعظمة لانه اول الخلق و اعظم و كل ماسواه اصغر منه لانه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 13 *»
ظهر به ولكن العظمة لايلزمه سواه ظاهراً اذ رب عظيم لميكن له غلبة فلما كان جامعاً لجميع الكمالات ظهر بوساطة العظمة بالعزة و الغلبة الا ان حزب اللّه هم الغالبون لانه غالب علي امره و ما لميكن العظمة لميكن الغلبة ثم بوساطة العزة و الغلبة ظهر بالهيبة و لايلزم الغلبة الهيبة اذ رب غالب ليس له هيبة ثم بوساطة الهيبة ظهر بالجبروت و الكبرياء و لايلزم الهيبة الجبروت اذ رب مهيب غير جبار ثم بوساطة الجبروت ظهر بالرحمة و الميل الي المحتاجين و لايلزم الجبروت الرحمة كما عرفت و ان قلت باللزوم فاقول ان الملزوم مقدم علي لازمه و يظهر من هذا الترتيب ان الكمال الواقعي الحقيقي اتصاف الكامل بها بهذا النسق و يظهر من ذكر النبوة بعدها ان النبي لابد له انيكون متصفاً بالصفات المتقدمة اولاً حتي يصير نبياً بعدها فالنبي هو المخبر عن اللّه في امره و نهيه الي بريته بدون وساطة البشر فهذا الحجاب هو سابع الحجب و في هذا الحجاب سمي نبياً9 و سمي في حجاب القدرة قديراً علي كل شيء اذ به كان اللّه قديراً لان ذاته سبحانه لايقارن الاشياء و لايتعلق بها بضرورة الاسلام.
و ان قلت انه روي انه سبحانه قدير بغير قدرة فكيف تقول انه قدير به9.
اقول ان قدرته الذاتية عين ذاته سبحانه ليست بشيء زائد علي الذات([6]) كما زعمه الجهلة فهي لاتتعلق بالاشياء كما ان ذاته لاتتعلق بها فالقدرة المتعلقة بها غير ذاته سبحانه. بالجملة و في الحجاب الثاني سمي عظيماً و في الثالث عزيزاً و في الرابع مهيباً و في الخامس جباراً و في السادس رحيماً علي نحو الاطلاق في جميع الحجب ففي هذه الحجب يكون9 اسماً للّه سبحانه كما قال7 نحن و اللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه انتدعوه بها و كفاك دليلاً علي المقصود تعدد الاسماء و وحدة الذات ففي
«* الرسائل جلد 4 صفحه 14 *»
الحجاب السابع سمي نبياً9 و لابد للنبي انيكون كريماً فلذلك ظهر بعد النبوة بحجاب الكرامة و هي صفة عامة شاملة للجود و العطاء و النصيحة و الرحم و العطف و العفو و الاغماض و امثال ذلك مما لايمكن عدها و بسطها في المختصرات و كذلك لابد له من المنزلة و الرفعة و السعادة و الشفاعة المقبولة عند اللّه تعالي.
الفقرة الاخري: ثم ان اللّه تعالي امر رسوله9 انيدخل في حجاب القدرة فدخل و هو يقول سبحان العلي الاعلي و بقي علي ذلك اثنيعشر الف عام ثم امره انيدخل في حجاب العظمة فدخل و هو يقول سبحان عالم السر و اخفي احدعشر الف عام ثم امره انيدخل في حجاب العزة فدخل و هو يقول سبحان الملك المنان عشرة الف عام ثم دخل في حجاب الهيبة و هو يقول سبحان من هو غني لايفتقر تسعة آلاف عام ثم دخل في حجاب الجبروت و هو يقول سبحان الكريم الاكرم ثمانية آلاف عام ثم دخل في حجاب الرحمة و هو يقول سبحان رب العرش العظيم سبعة آلاف عام ثم دخل في حجاب النبوة و هو يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون ستة آلاف عام ثم دخل في حجاب الكرامة و هو يقول سبحان العظيم الاعظم خمسة آلاف عام ثم دخل في حجاب المنزلة و هو يقول سبحان العليم الكريم اربعة آلاف عام ثم دخل في حجاب الرفعة و هو يقول سبحان ذي الملك و الملكوت ثلثة آلاف عام ثم دخل في حجاب السعادة و هو يقول سبحان من يزيل الاشياء و لايزول الفي عام ثم دخل في حجاب الشفاعة و هو يقول سبحان اللّه و بحمده سبحان اللّه العظيم الف عام.
اقول: لما خلق اللّه جلّجلاله من شعاعه الحجب الاثنيعشر امره اللّه بالنزول و الدخول فيها كما خلقك و خلق حجبك و امرك بالدخول فيها لان لايتوهم المتوهم ان الحجب منفصلة عنه خالية منه فدخل في الحجاب الاول كما انت تنزل في حجابك الاول حين ارادتك الظهور في عالم الكثرات من
«* الرسائل جلد 4 صفحه 15 *»
قيامك و قعودك و حركتك و سكونك و الحجاب الاول هو القدرة لانها متقدمة علي كل الافعال و الصفات فدخل9 فيه و هو يقول سبحان العلي الاعلي و المناسب لذلك المقام هو الذكر العلي الاعلي لانه اعلي الحجب و عرف اللّه سبحانه نفسه له به في الحجاب العلي الاعلي كما قال علي7 تجلي لها بها و به امتنع منها فبظهوره له به عرف تسبيحه و علوه الاعلي و بقي اثنيعشر الف عام علي تلك الحال و قدعرفت سابقاً وجه الاثنيعشر و لزوم الوقت لكل شيء و ان يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدون ثم دخل في حجاب العظمة و هو في المرتبة دون حجاب القدرة كما عرفت و هو يقول سبحان عالم السر و اخفي و هذا العلم هو العلم المتعلق بالاسرار و الخفيات و هي الحجابات الواقعة دونه التي لميطلع عليها احد غيره لان كل ماسواه معدوم عنده فلايطلع عليه و قدعرفه تسبيحه به كما عرفت و بقي احدعشر الف عام علي تلك الحال و وجه الاحدعشر الف لانه ادون من الحجاب الاول بدرجة و لها وقت و يوم كالف سنة مما تعدون ثم دخل في حجاب العزة و هو يقول سبحان الملك المنان و بقي علي تلك الحالة عشرة آلاف عام و وجه العشرة آلاف عام ظهر مما مر و المنة هي الاعطاء و هو من مقتضيات العزة.
ثم دخل في حجاب الهيبة و هو يقول سبحان من هو غني لايفتقر و هذا الذكر اشارة الي ان عطاءه لاينقص من خزائنه شيئاً فلايفتقر بخلاف عطاء الخلق فانه ينقص من مالهم شيئاً و بقي علي تلك الحال تسعة آلاف عام و وجهه ظاهر انشاءاللّه مما سبق ثم دخل في حجاب الجبروت و هو يقول سبحان الكريم الاكرم و هذا الذكر من مقتضيات الكبرياء و الجبروت و بقي علي تلك الحال ثمانية آلاف عام ثم دخل في حجاب الرحمة و هو يقول سبحان رب العرش العظيم و الرحمة هي الميل و هو من مقتضيات الرطوبة و الماء الذي استقر عليه العرش العظيم و بقي علي تلك الحال سبعة آلاف عام ثم دخل في حجاب النبوة و هو يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون لانه9
«* الرسائل جلد 4 صفحه 16 *»
نزل في حجاب النبوة لتعليم الخلق بانه سبحانه منزه عن الصفة كما قال7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه فنزه المقام الاول عما يصفه الواصفون و بقي علي تلك الحال ستة آلاف عام ثم دخل في حجاب الكرامة و هو يقول سبحان العظيم الاعظم فنزه المقام الثاني الذي هو مقام العظمة و بقي علي تلك الحال خمسة آلاف عام ثم دخل في حجاب المنزلة و هو يقول سبحان العليم الكريم فنزه مقام سابقه الذي هو مقام الكرامة الذي هو تنزيه المقام الثاني الذي ذكره سبحان عالم السر و اخفي و بقي علي تلك الحال اربعة آلاف عام ثم دخل في حجاب الرفعة و هو يقول سبحان ذي الملك و الملكوت و هذا الذكر من مقتضيات الرفعة و نزه@تنزيه خل@ المقام الثالث الذي ذكره سبحان الملك المنان و بقي علي تلك الحال ثلثة آلاف عام.
ثم دخل في حجاب السعادة و هو يقول سبحان من يزيل الاشياء و لايزول و هذا الذكر من مقتضيات السعادة التي هي اعتقاد بثبوت الحق و فناء الاشياء و تنزيه للمقام الرابع الذي لاينقصه شيء من العطاء و بقي علي تلك الحال الفي عام ثم دخل في حجاب الشفاعة و هو يقول سبحان اللّه و بحمده سبحان اللّه العظيم و هذا المقام مقام الاقتران و الشفع بالرعية و منتهي مقاماته في النزول اجمالاً و مقام السجود و ذكره و الركوع و ذكره في قوس الصعود و مقام اقرب ما يكون العبد الي اللّه و هو ساجد و لذا اظهر لفظ اللّه و قدسه عن الاقتران و بحمده حمده كما هو تقدير بحمده و بقي علي تلك الحال الف عام و قدعرفت نقصان الالف عام من كل لاحق من سابقه ثم اعلم ان حجاب الشفاعة الي النبوة مقامات العبودية التي كنهها المقامات السابقة التي هي الربوبية التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه كما ورد في دعاء رجب و البحور الاتية هي تفاصيل مقامات العبودية التي هي تفاصيل مقامات الربوبية.
الفقرة الاخري: قال7 ان اللّه خلق من نور محمد9
«* الرسائل جلد 4 صفحه 17 *»
عشرين بحراً من نور في كل بحر علوم لايعلمها الا اللّه ثم قال لنور محمد9 انزل في بحر العز ثم في بحر الصبر ثم في بحر الخشوع ثم في بحر التواضع ثم في بحر الرضاء ثم في بحر الوفاء ثم في بحر الحلم ثم في بحر التقي ثم في بحر الخشية ثم في بحر الانابة ثم في بحر العمل ثم في بحر المزيد ثم في بحر الهدي ثم في بحر الصيانة ثم في بحر الحياء حتي تقلب في عشرين بحراً فلما خرج من آخر الابحر قال اللّه تعالي يا حبيبي و يا سيد رسلي يا اول مخلوقاتي و يا آخر رسلي انت الشفيع يوم المحشر فخر النور ساجداً ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة الف و اربعة و عشرون الف قطرة فخلق اللّه من كل قطرة من نوره نبياً من الانبياء فلما تكاملت الانوار صارت تطوف حول نور محمد9 كما يطوف الحجاج حول بيت اللّه الحرام و هم يسبحون اللّه و يحمدونه و يقولون سبحان من هو عالم لايجهل سبحان من هو حليم لايعجل سبحان من هو غني لايفتقر.
اقول: و عبر7 عن تفاصيل جهات العبودية بالابحر لان العبادة هي الايتمار و الامتثال و الاطاعة و المطاوعة لفعل الفاعل و امر الآمر و المطاوعة من الرطوبة و لاجل ذلك قال و جعلنا من الماء كل شيء حي اي من المطاوعة لامر كن فيكون بالمطاوعة مع ان الجن خلقه من مارج من نار و خلقة([7]) آدم من تراب فعبر عن المطاوعة بالماء و ان كانت من نار و تراب فلاتنافي في كلام الجبار جلّجلاله و انما نزل بامر اللّه سبحانه بعد احتجابه بالحجب الاثنيعشر في الابحر العشرين لانه9 بعد ظهوره بالحجب تلبس باكمل الثياب و اجمع اللباس و هو المركب من عشر حصص تسع من الافلاك و واحدة من الارض تام المراتب في الغيب و الشهود و الروح و الجسد و الكون و الشرع فصارت البحار عشرين و لعلك لمتزعم انه9 جثة صغيرة في ذلك المقام خمسة اشبار في شبرين يسبح في تلك
«* الرسائل جلد 4 صفحه 18 *»
البحار كالسمك فانه9 قدغاص في لجج تلك البحار كما قدغاصت المواد في الصور لميزد كل واحدة منها([8]) عن الاخري و لميبق من ذلك البحار شيء لميغص فيه و قد صارت صفاته كما انك ان غصت في العلم يصير العلم صفة لك فكذلك صارت الابحر بتمامها مع ما فيها من العلوم التي لايعلمها الا اللّه صفة له9 فلما استكمل بتلك الصفات و خرج كاملاً مكملاً قال اللّه سبحانه له به يا حبيبي و يا سيد رسلي و يا اول مخلوقاتي و يا آخر رسلي انت الشفيع يوم المحشر فلماسمع الخطاب بلاحجاب من رب الارباب خر ساجداً متلاشياً مضمحلاً في جنب ظهور المخاطب جلّجلاله و عظمشأنه شكراً له و خضوعاً و خشوعاً عنده ثم قام بين يديه متوجهاً اليه فعرق حياء فقطرت منه قطرات عددها مائة و اربعة و عشرون الف قطرة و هذا العدد ربع المراتب الاولية التي هي اربعة و عشرون مرتبة و اربعمأة و الف مرتبة كما مر و ذلك لان له9 اربع مراتب مرتبة الفؤاد و مرتبة العقل و مرتبة النفس و مرتبة الجسد و جسده اللطيف الشريف ربع مراتبه و لكل ربع ستة آلاف و مائة الف مرتبة و العرق من فضول الجسد و له من الدرجات ستة آلاف و مائة الف و ثمانية عشر الفاً هي ثلثة ارباع مشيراً الي ثلث مراتب غيبية لميظهر مما لها في ذواتها شيء و لاتزعم ان تلك القطرات كلها متشاكل الاجزاء بل لكل واحدة منها خواص و خصال لمتكن فيما سواها فالقطرات التي فاضت من اعالي جسده الشريف صارت انبياء اولي العزم كنوح و ابرهيم و التي من الاواسط صارت مرسلين و من الاداني صارت ساير الانبياء: و اشرف هؤلاء و اجمع و اكمل و اشبه باصله هي قطرة صارت محمداً في تلك الرتبة9 و هو الذي يحكي جميع شئون الكمال من المراتب العالية فلذا صار قبلة و جاهاً لساير
«* الرسائل جلد 4 صفحه 19 *»
الانبياء يطوفون حوله كما يطوف الحجاج([9]) حول بيت اللّه الحرام و هم يسبحون اللّه و يحمدونه بتعريفه لهم و تعليمه اياهم فيقولون بظهوره و اظهاره لهم سبحان من هو عالم لايجهل سبحان من هو حليم لايعجل سبحان من هو غني لايفتقر و ذلك لانه خلق هكذا من غير جهل و عجلة و افتقار و لو لميظهر لهم بذلك لميعرف الانبياء ربهم و صفات ربهم قال7 بنا عُرف اللّه و بنا عُبد اللّه و لولانا ماعرف اللّه و ماعبد اللّه، سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و الذات البسيطة مقدسة من الرؤية فلاتغفل فالانبياء: يطوفون حوله يصدرون من امره و نهيه يتخلقون باخلاقه العظيمة يتأدبون بآدابه الكريمة و لكل واحد منهم حظ و نصيب بمقدار ظروف قوابلهم الشريفة فآدم7 يحكي صفوته و نوح يحكي نوحه و ندبته و ابرهيم يحكي خلته و موسي يحكي سطوته و عيسي يحكي زهده و رغبته و داود يحكي وده و سليمان يحكي تسليمه و هكذا فسالت اوديتهم من ذلك الطمطام بقدرها و هو بنفسه جامع لجميع الصفات الكمالية الملقاة اليه من تلك البحار و الحجب الممنوعة من درك الابصار و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء فهو الذي اذا اراد انيقول قال انا الذي اتقلب في الصور كيف اشاء و يقول من اراد انينظر الي آدم و شيث فها انا آدم و شيث الي آخر الحديث.
لو جئته لرأيت الناس في رجل | و الدهر في ساعة و الارض في دار | |
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
صلوات اللّه و صلوات ملائكته و انبيائه و رسله عليه و آله الطيبين الطاهرين.
الفقرة الاخري: فناداهم اللّه تعالي اتعرفون من انا فسبق نور محمد9 قبل الانوار و نادي انت اللّه الذي لا اله الا انت وحدك لا شريك لك رب الارباب و مالك الملوك فاذا بالنداء من قبل الحق انت صفتي
«* الرسائل جلد 4 صفحه 20 *»
و انت حبيبي و انت خير خلقي امتك خير امة اخرجت للناس.
اقول: فناداهم اللّه تعالي بلسانه9 من انا لانه9 في هذا المقام رسول اللّه اليهم و القائم مقامه في اداء ما يريد انيبلغه اليهم ليطيعوه(ظ) و يصدروا من امره و نهيه كماقال اميرالمؤمنين في شأنه في خطبة الجمعة اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار فلما نادي بامر اللّه و دعاهم الي معرفته بالاستفهام سبقهم الي الاجابة لاجابة اللّه سبحانه و لتعليمهم و تعريفه لهم بما ظهر منه فنادي انت اللّه الذي لا اله الا انت وحدك لا شريك لک رب الارباب و مالك الملوك فاذا بالنداء من قبل الحق انت صفتي و انت تعلم ان الصفة غير ذاته سبحانه لشهادتها بانها غير الموصوف كماقال اميرالمؤمنين7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة الموصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران فهو9 صفة اللّه التي بها وصف نفسه بانه لا اله الا هو وحده لا شريك له رب الارباب و مالك الملوك و هو حبيب اللّه لا حبيب سواه كما ورد لا حبيب الا هو و اهله و ساير الاحباء احباؤه و احباؤه احباء اللّه كما في الزيارات من احبكم فقد احب اللّه، قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه و هو خير خلق اللّه بضرورة الاسلام و امته خير امة اخرجت للناس و المراد من امته([10]) هنا هم الائمة: كما قرئ في قراءتهم سلام اللّه عليهم خير ائمة اخرجت للناس و قدصرح بذلك قوله تعالي و انذر عشيرتك الاقربين و لولا ذلك لايستقيم المعني لان كل نبي دعا امته الي رسالته9 فصار الامم كلهم امته الاّ انيجعل امته امته الظاهرة في عصره الظاهر فحينئذ لميبق ناس اخرجت الامة لهم الا انيجعل الناس الكفار فحينئذ ليسوا لهم بل عليهم الا انتجعل
«* الرسائل جلد 4 صفحه 21 *»
اللام بمعني علي و هو خلاف الاصل.
الفقرة الاخري: ثم خلق من نور محمد9 جوهرة و قسمها قسمين فنظر الي الاول بعين الهيبة فصارت ماء عذباً و نظر الي القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوي علي وجه الماء فخلق الكرسي من نور العرش و خلق من نور الكرسي اللوح و خلق من نور اللوح القلم و قال له اكتب توحيدي فبقي القلم الف عام سكران من كلام اللّه فلماافاق قال له اكتب قال يا رب ما اكتب؟ قال اكتب لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فلماسمع القلم اسم محمد9 خرّ ساجداً فقال سبحان الواحد القهار و سبحان العظيم الاعظم ثم رفع رأسه من السجود و كتب لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه ثم قال يا رب و من محمد الذي قرنت اسمه باسمك و ذكره بذكرك قال اللّه تعالي يا قلم فلولاه ماخلقتك و لاخلقت خلقي الا لاجله فهو بشير و نذير و سراج منير و شفيع و حبيب فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد9 ثم قال السلام عليك يا رسول اللّه فقال رسول اللّه9 و عليك السلام مني و رحمة اللّه و بركاته فلاجل ذلك صار السلام سنة و الرد فريضة ثم قال اللّه عزّوجلّ اكتب قضائي و قدري و ما انا خالقه الي يوم القيامة.
اقول: المراد من الجوهرة تمام الوجود المقيد برمته بعد المراتب المذكورة سابقاً من الحجابات و البحار و المراد بنظر الهيبة هو مس النار الحارة اليابسة اللتان حصلت@حصل خل@ منهما الهيبة و لعلك علمت ان مس النار فعلها الذي القته@القاه خل@ في هوية الوجود المقيد و قابليته التي يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار المشار اليه بقوله7 تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و المراد بالماء هو الزيبق الغربي و الزيت الذي باطنه النار و ظاهره الماء و هو الماء النازل من سحاب المشية و الحقيقية المحمدية صلوات اللّه عليه و آله في تلك الرتبة بعد الحقايق السابقة و مقام
«* الرسائل جلد 4 صفحه 22 *»
الفؤاد البرزخ بين الامر و الخلق و المراد بالعرش مقام القلب المشار اليه بقوله7 قلب المؤمن عرش الرحمن و هو مقام العقل المرتفع مستوي الفؤاد الذي هو اسم اللّه الموصوف بالرحمة العامة الشاملة لكل شيء و المراد بالكرسي المخلوق من نور العرش مقام العقل المنخفض و الماء الذي به حيوة كل حي([11]) و هو المادة الاولي للمراتب التي دونها التي هي قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق و هو وسط الكل و القطب الحقيقي الذي يحوم حوله كل شيء من جميع الجهات الذي حدثت الكرات من دوران ماسواه عليه لا الدوائر المقتضية للمراكز المتعددة ضرب اللّه مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل هل يستويان اذ به يعبد الرحمن الفرد الواحد القهار و يكتسب به الجنان بل النيران لانه باب باطنه فيه الرحمة اذا اطيع و ظاهره من قبله العذاب اذا خولف نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار.
و المراد باللوح المخلوق من نور الكرسي مقام المادة الثانية الشخصية يشخص الشخص الاول الذي هو العالم الكلي لا صورة له و لا نقش و يصلح للظهور بكل نقش و خط و المراد بالقلم المخلوق من نور اللوح هو الفعلية الاولية له و هو مقام النفس الكلية الالهية التي هي ذات اللّه العليا في ذاتها و@او خل@ شجرة طوبي المغروس في حدايق الولي صلوات اللّه عليه و آله في شئونها التي ذاق الروح القدس من باكورتها اذ بها خلقت الملائكة كما يأتي فالقلم له ذات و هي ذات واحدة صاحبة الصفات المتعددة الظاهرة منها درجة بعد درجة فتلك الصفات ظهوراتها بعد امر اللّه سبحانه بالظور لها بها بقوة اللّه سبحانه المستودعة فيها فذلك الامر هو الامر الواحد المشار اليه بقوله و ما امرنا الا واحدة و هو قوله سبحانه اكتب توحيدي اي فامتثل و كتب توحيده سبحانه و عبر عن ذلك الكتب بالسكر لان مقام الوحدة مقام ليس فيه كثرة مطلقاً فبقي سكران لميجد شيئاً الا اللّه جلّجلاله و فقد جميع ماسواه
«* الرسائل جلد 4 صفحه 23 *»
حتي نفسه في جميع مراتبه الالف كما مرت الاشارة من ان لكل شيء عشر قبضات و حصص بحسبه تسع من افلاكه و واحدة من ارضه و في نسبة كل واحدة الي الاخري و فعلها فيها حصل مائة مرتبة في مائة وقت و بعد الفعل و الانفعال حصل عشرة امزجة في كل مائة فصارت الفاً.
فالقلم في ذاته سكران دائماً لايجد الا ربه المتجلي له بالقول فلما افاق من سكره قال اللّه تعالي له ثانياً اكتب و هذا الامر غير الامر الاول لانه في الامر الاول لميحتج الي السؤال ولكنه في الامر الثاني احتجاج@احتاج خل@ فقال يا رب و ما اكتب؟ فقال اكتب لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فلماسمع القلم اسم محمد9 خر ساجداً فقال سبحان الواحد القهار و سبحان العظيم الاعظم فخر ساجداً له لتعظيمه له9 كما سجد الملائكة لادم7 تعظيماً له فالهم من فضل محمد9 ما ذكره و قدقرأ تلك الاذكار مما كتب اللّه بيده علي نفسه9 بدون وساطة القلم فرفع رأسه من السجود و امتثل امر اللّه تعالي و كتب ما امر بكتبه ثم قال يا رب و من محمد الذي قرنت اسمه باسمك الي آخر قوله فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد9 لان لمقام الرسالة جهتان جهة الي ربه و جهة الي رعيته فتخلق القلم باخلاقه و تأدب بآدابه فانشق فشق منه متوجه الي الاعلي مستمد منه مسلم لامره و نهيه لاعلي سبيل الحتم و الجبر بل باختيار منه و لذلك عبر بالندب فقال السلام عليك يا رسول اللّه فاجابه9 من نفسه و من اللّه تعالي بالحتم و الوجوب لامتناع البخل و التقيد في المبدأ الفياض فافهم الاشارة من قوله تعالي ألست بربكم علي سبيل الاستفهام و الامتحان فلاجل ذلك صار السلام سنة و الرد فريضة فاذا تم مراتب الامر و الايتمار في نفسه قال اللّه تعالي بلسانه9 اكتب قضائي و قدري و ما انا خالقه الي يوم القيامة فعلمه اولاً بلسانه قضاءه و قدره ما هو خالقه الي يوم القيامة و اقدره علي كتب ذلك
«* الرسائل جلد 4 صفحه 24 *»
و اثباته و اظهاره في الالواح المترتبة التي بعضها فوق بعض و هي من ظهورات اللوح الاول و شئونه التي برزت بوساطة القلم فكتب قضاءه و قدره و ما هو خالقه الي يوم القيامة فختم علي فم القلم و جف فلاينطق بعد ابداً و لا بعد لان القبل و البعد من الحروف التي كتبه القلم صلي اللّه عليه فلايتغير شيء بعد ذلك و ذلك سر لايفيده الا السر و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.
الفقرة الاخري: ثم خلق اللّه ملائكة يصلون علي محمد و آل محمد و يستغفرون لامته الي يوم القيامة ثم خلق اللّه من نور محمد9 الجنة و زينها باربعة اشياء التعظيم و الجلالة و السخاوة و الامانة و جعلها لاوليائه و اهل الطاعة.
اقول: ثم خلق اللّه جلّجلاله بعد القلم الملائكة المصلين علي محمد و آل محمد صلوات اللّه عليهم المستغفرين لامته الي يوم القيامة و المراد بهؤلاء الملائكة الكروبيون المتصلون بالقلم لا ساير الملائكة الساجدين لادم علي نبينا و آله و عليه السلام و هم الانبياء: في مقام البشرية فخلقهم قبل خلق ساير البشر و ساير الملائكة و قبل خلق الجنة ثم خلق الجنة من نوره الذي اشرق من شق اسفل القلم الذي هو مقام الاقتران الي الاسفل و زينها بالتعظيم للّه سبحانه و لاوليائه: او بتعظيم الله و اوليائه لها و الجلالة للّه و اوليائه او جلالة جميع المؤمنين و السخاوة و هي الاعطاء للمستحقين خاصة و الاعطاء لغير المستحق هو التبذير المنهيعنه و الامانة و اداؤها لاهلها و تلك الامانة هي المعروضة علي السموات و الارض و الجبال فأبين انيحملنها و اشفقن منها و حملها الانسان و هي ولاية آل محمد: و الانسان هو المشتق من الانس و المأنوس هو المخلوق من جنس المأنوسبه المجعول من طينته و هم علي و اولاده: لانهم خلقوا من فاضل طينتهم و عجنوا بماء ولايتهم و هم اهل طاعة اللّه سبحانه لان طاعتهم هي طاعة اللّه من يطع الرسول فقد اطاع اللّه.
«* الرسائل جلد 4 صفحه 25 *»
الفقرة الاخري: ثم نظر الي باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت فخلق من دخانها السموات و من زبدها الارضين فلما خلق الارضين صارت تموج باهلها كالسفينة فخلق اللّه الجبال فأرسيها بها ثم خلق ملكاً من اعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الارض ثم لميكن لقدمي الملك قرار فخلق اللّه صخرة عظيمة و جعلها تحت قدمي الملك ثم لميكن للصخرة قرار فخلق اللّه له ثوراً عظيماً لميقدر احد ينظر اليه لعظم خلقته و بريق عيونه حتي لو وضعت البحار كلها في احدي منخريه ماكان الا كخردلة ملقاة في ارض فلاة فدخل الثور تحت الصخرة فحملها علي ظهره و قرونه و اسم ذلك الثور بهمونا ثم لميكن لذلك الثور قرار فخلق اللّه حوتاً عظيماً و اسم ذلك الحوت بهموت فدخل الحوت تحت قدمي الثور فاستقر الثور علي ظهر الحوت فالارض كلها علي كاهل الملك و الملك علي الصخرة و الصخرة علي الثور و الثور علي الحوت و الحوت علي الماء و الماء علي الهواء و الهواء علي الظلمة ثم انقطع علم الخلايق عما تحت الظلمة.
اقول: فلمانظر الي باقي الجوهرة بنظر الهيبة و ذلك الباقي هو الفاضل الزائد من تلك الجوهرة و غليظها لان لطيفها صارت الخلائق السابقة تفكك بين اجزائه اللطيفة و الكثيفة لان نار الهيبة هي المفرقة بين المختلفات و الجامعة بين المؤتلفات فاذا ذاب بها ذلك الباقي صار ماء فبخر ذلك الماء بتلك الحرارة و تعلقت بالبخار فصار دخاناً و صار الدخان سماء ثم استوي الي السماء و هي دخان و صار غلائظه الارضين و تلك السموات و الارضون غير هذه السموات و الارض المعروفة عند العوام بدليل قوله7 في الفقرة الاتية ثم خلق العرش من ضيائين و لعلک عرفت ان السموات و الارض المعروفة خلقت بعد خلق العرش لا قبله و لعلك تعرف ان هذا العرش ايضاً غير العرش المعروف عند العوام بدليل قوله7 في الفقرة الاتية سكن نور محمد9 تحت العرش ثلثة و سبعين الف عام ثم انتقل نوره الي
«* الرسائل جلد 4 صفحه 26 *»
الجنة الي آخر الحديث الشريف و انت تعلم ان الجنة و السدرة فوق هذا العرش المعروف بما فيه من السموات و الارضين. بالجملة فتلك السموات و الارضون هي سموات المراتب السبع او الثمانية باعتبار و ارضوها من الفؤاد الي الجسم في عالم التفصيل لان التفصيل بعد الاجمال فالمراتب المذكورة السابقة اجمال هذه التفاصيل فلماخلق الارضين تموج باهلها.
و انما شرع7 في كيفية خلق الارضين قبل السموات لانها اقرب الي انظار الناقصين و سبب موجها عدم تعينها بالصورة الشخصية فانها خلقت من ماء المادة النوعية السيالة ثم من المادة الشخصية المواجة فاذا تشخصت بالصورة الشخصية صارت الجبال الشاخصة و بها استقرت في اماكنها بوساطة امر اللّه تعالي اذ كل شيء سواه قائم بامره سبحانه فذلك الامر هو الملك العظيم من اعظم ما يكون في القوة بالنسبة الي الارضين لان الحامل لابد و انيكون اقوي من المحمول عليه و المراد هو الروحانية التي تعلقت من سماء العقل المرتفع الي ارضه لان امداد الارض نازلة من السماء كما تري في هذا العالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و له قدمان يمين و شمال او مادة و صورة او باطن و ظاهر اذ القدم ما به قيام الشيء في كل عالم بحسبه و منتهي الشيء الي الاسفل في كل عالم بحسبه فثبتت قدماه علي الصخرة و هو مقام تعلق الروحانية من سماء العقل المنخفض الي ارضه و مقام العقل مقام الدرة البيضاء في تعبير الحكماء و مقام تعلقه بالاسفل اكثف فلذا صار صخرة.
و المراد بالثور الحامل لها مقام الروحانية المتعلقة من سماء عالم الروح الملكوتي الي ارضه لان الروح حار رطب علي طبع الثور و لونه اصفر فاقع لانه من مقتضيات الحرارة و الرطوبة في الالوان و هو اعظم مما يكون دونه في المرتبة و بريق عيونه يذهب بالابصار لاحاطته بما دونه و انطوائها تحته له منخران مروحتان تستمدان من الاعلي لحياته و لو جعل البحار التي دونه في الرتبة في احدي منخريه ماكان الا كخردلة ملقاة في فلاة لايحس بها
«* الرسائل جلد 4 صفحه 27 *»
لصغرها عنده و عظمه بالنسبة اليها و ذلك حال كل عال بالنسبة الي دانيه و له قدمان استقرتا علي الحوت من جانب الاسفل و المراد بالحوت ما يتولد من الماء له رأس اقوي حركته به و ذنب ادق تابع لرأسه و هو مقام النفس المخلوقة من الحيوة الروحانية و تلك الحيوة هي الماء الذي به حيوة كل شيء فالارض كلها علي كاهل الملك و الملك علي الصخرة و الصخرة علي الثور و الثور علي الحوت و الحوت علي الماء و المراد بالماء هو ماء المادة الثانية مبدأ عالم الشهادة لا الماء الاعلي الذي به حيوة النفس و ان امكن التعبير عن القيام بقيام الداني بالعالي الا ان التعبير بالقدم ينافي ذلك ظاهراً و المراد بالهواء عالم المثال الذي هو تحت عالم المادة و المثال هو الخيال و الخيال هو الهواء أفرأيت من اتخذ الهه هواه و المراد بالظلمة عالم الجسم الظلماني الذي قد خفي فيه تمام الانوار الغيبية ثم انقطع علم الخلايق عما تحت الظلمة و المراد بالخلايق هم الخلايق المخلوقة من تلك الارضين و انقطع علمهم عما تحت الظلمة لانهم لميخلقوا من تحتها انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها.
الفقرة الاخري: ثم خلق اللّه العرش من ضيائين احدهما الفضل و الثاني العدل ثم امر الضيائين تنفسا بنفسين فخلق منها اربعة اشياء العقل و الحلم و العلم و السخاء ثم خلق من العقل الخوف و خلق من العلم الرضا و من الحلم المودة و من السخاء المحبة ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمد9 ثم خلق من بعدهم ارواح المؤمنين من امة محمد9 ثم خلق الشمس و القمر و النجوم و الليل و النهار و الضياء و الظلام و ساير الملائكة من نور محمد9 فلما تكاملت الانوار سكن نور محمد9 تحت العرش ثلثة و سبعين الف عام ثم انتقل نوره الي الجنة فبقي سبعين الف عام ثم انتقل الي سدرة المنتهي فبقي سبعين الف عام ثم انتقل نوره الي السماء السابعة ثم الي السادسة
«* الرسائل جلد 4 صفحه 28 *»
ثم الي الخامسة ثم الي الرابعة ثم الي الثالثة ثم الي الثانية ثم الي السماء الدنيا الي ان اراد اللّه انيخلق آدم الحديث.
اقول: اعلم ايدك اللّه تعالي ان هذه المراتب غير مراتب هذا العالم المحسوس كمااشرت اليه سابقاً و كمايظهر من نفس تعبيراته7 ففكر في قوله7 ثم خلق اللّه العرش من ضيائين احدهما الفضل و الثاني العدل الي قوله7 ثم خلق من بعدهم ارواح المؤمنين و انت تعلم ان هذا العرش حده و تعريفه انه جوهر ذو طول و عرض و عمق و ليس من حدوده الفضل و العدل و العقل و الحلم و العلم و امثال ذلك الا بتأويل جسماني و انت تعلم ايضاً ان ارواح المؤمنين خلقت في عالم الذر و هو مقدم علي هذه الدنيا بسمواتها و ارضها بأربعة آلاف عام فينبغي انيعلم اولاً معني السماء و الارض فاعلم ان السماء هي جهة العلو و الارض جهة السفل و جهة العلو في كل مقام جهة الرب و جهة السفل في كل مقام جهة النفس في عالم الشرع و ان كان كل واحد من الجهتين جهة الرب في عالم الكون و الايجاد اذ كل قد علم صلوته و تسبيحه و يسبح له ما في السموات و ما في الارض و مما يكون في السموات و الارض الشياطين و الكفار و المنافقون و الجهال و المستضعفون لايعلمون رباً و لا صلوة و لا تسبيحاً و هم علي هذه الاحوال عالمون عاملون مسبحون مصلون كوناً و ليس في الكون و الاعمال و الصفات الكونية فخر و لا فضل و لا نجاة و انما النجاة و الفضل و الفخر في الشرع الانور ففي عالم الشرع ان امتثل الممتثل امر اللّه الشرعي يصير في جهة القرب من المبدأ العالي فيصير علوياً سماوياً و ان امتنع الممتنع امر اللّه الشرعي يصير في جهة البعد من المبدأ العالي فيصير بعيداً منه ارضياً سفلياً فبهذا تبصر امرك.
و اعلم ان السماء الاولي مثلاً سماء كونية لا شرافة فيها و لا خساسة شرعاً فان امتثل امر اللّه الشرعي تصير سماء اولي شرعية و ان امتنعت تصير ارضاً
«* الرسائل جلد 4 صفحه 29 *»
اولي ميتة شرعية و هكذا السماء الثانية الكونية ان امتثلت تصير سماء ثانية شرعية و ان امتنعت تصير ارضاً ثانية شرعية خبيثة مجتثة زائلة و هكذا الامر في باقي السموات و الارضين و هكذا الامر في العليين و السجين و الجنة و النار و كل خير و شر و صلاح و فساد فلذا ورد في الاخبار و لايخفي عليك ان الارض الاولي تحت السماء الاولي و الارض الثانية تحت السماء الثانية و فوق السماء الاولي و الارض الثالثة تحت السماء الثالثة و فوق السماء الثانية و هكذا في ساير السموات السبع و الارضين السبع.
فاذا عرفت ذلك ان شاء اللّه فاعلم ان هذه المراتب فوق هذا العالم بعرشه و كرسيه و افلاكه و شمسه و قمره و نجومه و عناصره و ارضه و ليله و نهاره و ضيائه و ظلامه و كل تلك المراتب في عالم الشرع فوق عالم الكون و فوق هذا العالم بدرجات عديدة و ليس لي مجال التفصيل و لاامنعك عن القليل و هو كاف لسالكي السبيل و الجاحد لايقنع بالدليل فذره و المكذبين و مهلهم قليلاً فاعلم ان المراد بالعرش سقف الجنة كما ورد سقف الجنة عرش الرحمن و ذلک السقف هو قلبه9 کماورد قلب المؤمن عرش الرحمن و قد خلقه اللّه من ضيائين الفضل و العدل و الفضل هو الزائد من الشيء كضياء الشمس فانه فضل وجودها و زيادتها التي تعلقت بماسواها و العدل هو الاستواء الحقيقي من دون حيف و ميل الي طرف كضياء الشمس الفاضل منها المستوي الاشراق علي الاشياء فالفضل هو الزائد و العدل فعله علي نهج الواحد و انت تعلم انه9 اول ما خلقه اللّه في كل رتبة و خلق ساير الاشياء من نوره و ضيائه و عاملهم بعدله فامرهما اللّه سبحانه انيتنفس كل واحد منهما نفسين و النَّفس هو الحامل لفواضل ما في الجوف الذي قد زاد عن بدن المتنفس و لايليق به.
فاذا تنفس الضياء نفسين خلق منه العقل و الحلم فالعقل خلق من النفس الاول و الحلم الذي هو فعل العقل خلق من الثاني و اذا تنفس العدل نفسين
«* الرسائل جلد 4 صفحه 30 *»
خلق من الاول العلم و من الثاني السخاء لانه فرع العلم بمواضع السخاء و الجاهل المعطي مبذر ليس بسخي ثم خلق اللّه سبحانه من العقل الخوف لانه فعله لانه امر اللّه الامر للانسان بالامتثال فيما امر و الانزجار عما نهي اذ به يكتسب الجنان و به يعبد الرحمن فبه يخاف الانسان عن مخالفة امر اللّه سبحانه و خلق من العلم الرضا لان العلم الحقيقي بالحوادث الواقعة التي لا بداء فيها و لا حيلة من التخلص عنها و ان كانت ضارة يقتضي الرضاء بها لان الكراهة منها لغو لا فائدة فيها بل فيها خسران لانها اعتراض علي الحكيم المطلق و خلق من الحلم المودة لانه جالب المودة من اللّه تعالي لانه بأمره@يأمره خل@ و جالب المودة من الخلق ايضاً لانهم مجبولون علي مودة من اغمض من لغوهم و سفاهتهم و قبائحهم و خلق من السخاء المحبة اما محبة الخلق فلسد فاقتهم بعطائه و الانسان عبيد الاحسان و اما محبة اللّه سبحانه فلانه اعطي في اللّه و في محبة اللّه فاذا اعطي في محبة اللّه احبه و كلما احبه اللّه ازداد حباً للّه و كلما ازداد حباً للّه ازداد اللّه حباً له كلما وضعت لهم حلماً رفعت لهم علماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية.
فهذا ظاهر معني اثر السخاء بالعطاء للخلق و السخاء الحقيقي هو التسليم للعالي بما له من ذاته و صفاته و خوافيه و ظواهره و اعماله و اقواله و جميع ما له بحيث لايبقي لنفسه شيئاً حتي نفسه و اشار الي هذا المقام قوله تعالي ان اللّه اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم و قوله حكاية انا للّه و انا اليه راجعون فاذا اشتري العالي الداني جميع ما له حتي نفسه صار العالي مالكاً وحده وحده و هو بنفسه لايملك شيئاً حتي نفسه فتجلي العالي في هويته فأشرقت و طالعها فتلألأت فألقي في هويتها مثاله فأظهر عنها افعاله و هو قوله7 و انت اذا شئت ما تشاء حركت من سرائرهم ما ابطنت فيهم فصار الداني تابعاً حقيقياً و معصوماً واقعياً و عبداً له مطيعاً عينه علمه بالعالي و باؤه بونه من الخلق ليس فيه ذكر الخلق ابداً حتي نفسه و داله دنوه من
«* الرسائل جلد 4 صفحه 31 *»
الخالق دنواً لاتناهي له فيصدق قوله تعالي ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون و هذه المعية معية غير متناهية و لولا ذلك يلزم الشرك نعوذ باللّه في حق العبد الحقيقي الذي اتقي من جميع مراتب الخلق و نسي جميعها و ذكر اللّه في قلبه و سطع نور ذلك الذكر من جانبه و جوارحه حتي صدق في حقه مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و من اول السير الي العالي الي منتهاه و لا منتهي مقامات و درجات قد سري في جميعها سر المحبة و الوداد من العالي سريان الحرارة حين تعلقها بالخشب الي ان جعلتها ناراً.
فاول المقامات مقام الامتثال و الاطاعة و الانقياد للعالي و لذلك المقام درجات فاولها مقام العبيد الذين عبادتهم لمولاهم لاجل الخوف و الثانية مقام الاجراء الذين عملهم لاجل اخذ الاجرة و الطمع فيما عنده فيدعون ربهم خوفاً و طمعاً و الثالثة مقام الاحرار الذين عبادتهم لاجل استحقاق الرب لا للخوف و الطمع و ذلك مقام العابدين ثم بعد ذلك مقام الصالحين الذين يجتهدون في العبادة و العمل بالمندوبات و ترك المكروهات ثم بعد ذلك مقام العلماء الاخيار الذين عملهم عن بصيرة و يقين دون التقليد و التخمين ثم بعد ذلك مقام اصحاب الكشف و الحكماء الذين دليلهم دليل الحكمة الذوقية و السابقون اهل المجادلة و الموعظة الحسنة ثم بعد ذلك مقام اصحاب الرياضة الذين يقنعون بالقليل و لايطلبون الكثير و القليل هو العمل بالواجبات و المندوبات و ترك المحرمات و المكروهات و المباحات.
و المقام الثاني مقام الخاشعين بعد طي تلك المراتب السابقة و ذلك اول السير في مقام الباطن بعد مرتبة الخضوع فعمل العبد في ذلك المقام خاضعاً خاشعاً معتذراً للّه سبحانه حين الامتثال و العمل.
و المقام الثالث مقام المخبتين الذين اذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم و اذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً و هم يستبشرون و الفرق بين الاخبات و الخشوع ان
«* الرسائل جلد 4 صفحه 32 *»
الخشوع قديوجد من غير محبة كما قال سبحانه خشعاً ابصارهم يخرجون من الاجداث فهو اول درجة السير الباطني بعد الخضوع و اعم من الاخبات و الاخبات لايوجد في غير المحبين و لذلك لميقع صفة لغير المؤمنين في القرآن بخلاف الخشوع فانه فيه وقع@وقع في خل@ كثير من المواضع صفة لغير المؤمنين فهذا المقام مقام وجدان النفس تارة و وجدان الرب اخري فلميضمحل النفس تمام الاضمحلال فيتلألأ@فتلألأ خل@ بخفقان كلما ذكر اللّه عندها وجلت و تلألأت و كلما ذكرت نفسه خمدت و انطفأ نورها و ضياؤها.
و المقام الرابع مقام العارفين باللّه الواصلين الي مقام العقل و قداذهب اللّه عنهم الرجس رجس الاضطراب و الشكوك و الشبهات و ذكر غير اللّه تبارك و تعالي و طهرهم تطهيراً و هم اصحاب اليقين المقربون الي النور المبين المميزون بين السراب و الماء المعين لانهم جاؤه فلميجدوه شيئاً و وجدوا اللّه عنده فوفيهم حسابهم و هو سريع الحساب.
ففي هذا المقام درجات عند اللّه سبحانه كلها درجات اليقين ليزداوا ايماناً مع ايمانهم فاولها مقام علم اليقين مقام العقل المنخفض المائل الي النفس القدسية الملكوتية العالمة غير المعلمة و اللوح المحفوظ و الكتاب المسطور في رق منشور و ثانيها مقام عين اليقين مقام العقل المرتفع الذي ارتفع من الصورة المجردة و المادية بالكلية و اتصل بمقام الفؤاد مقام الانس و الوداد و زوال الكثرات و ظهور الاتحاد و ثالثها مقام حق اليقين مقام نفس الفؤاد الذي من عرفه فقد عرف اللّه و من عرف نفسه فقد عرف ربه و مقام لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو ولكن نحن نحن و هو هو فذلك منتهي السير في العرض و الطول و مقام سكون العبد و اطمينانه في ظلال المحبوب و مقام هتك الاستار و ازالة الاغيار و الكشف عن حقيقة الاسرار و صحو المعلوم و محو الموهوم حتي ان المحبة مرفوعة بين الحبيب([12])
«* الرسائل جلد 4 صفحه 33 *»
و المحبوب لانها حجاب فانزل اللّه سكينته علي رسوله و علي المؤمنين و الزمهم كلمة التقوي و كانوا احق بها و اهلها ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون، مايكون من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الا هو معهم، ذلك بان اللّه مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم فاذا انجلي نور المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ماسواه و صار في سويدائه ذكر اللّه يسبح فيه بالغدو و الاصال كل من اراد الوصال و المدركون لذاك قليل و فوق ذلك مراتب و مقامات من التوحيد لايمكن الوصول اليها طولاً و لا عرضاً فمنها مقام الواحدية و السيادة و الصمدية ثم مقام الاحدية ثم مقام الالوهية المستجمعة لجميع الصفات الكمالية ثم مقام الهوية المشار اليها بقوله ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه الهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درك الحواس ثم مقام الذات التي غيبت الصفات ثم الي ما لا نهاية و لميؤذن لاحد الي الاشارة و مع ذلك كله لايصل احد الي ذات اللّه سبحانه و انما المراتب مراتب صفاته و اسمائه و ظهوراته و انواره و آياته كما قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لميكف بربك انه علي كل شيء شهيد.
بالجملة ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمد9 في مقام القطبية التي يحوم حوله جميع الانوار ثم خلق من بعدهم ارواح المؤمنين من امة محمد9بقوله سبحانه ألست بربكم و محمد نبيكم و علي و احدعشر من ولده و فاطمة الصديقة اوليائكم و ألستم توالون اولياءه و تعادون اعداءه بعد ان كان الناس امة واحدة في الكون فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين لاحيائهم في عالم الشرع و لنفخ روحه فيهم بعد ان كانوا موتي في عالم الكون و اذكروا اذ كنتم امواتاً فأحياكم يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و الرسول اذا دعاكم لما يحييكم فلما دعاهم اللّه بلسانه دعوة
«* الرسائل جلد 4 صفحه 34 *»
الحيوة الشرعية سطع من تلك نور و اشرق ذلك النور علي الاكوان فمنهم من لبي و آمن و منهم من اعرض و كفر فصار النور في طينة المؤمنين روحاً لهم كما قال في القدسي روحك من روحي و كما ورد خلق اللّه المؤمنين من نوره و صبغهم في رحمته فالمؤمن اخ المؤمن لابيه و امه ابوهم النور و امهم الرحمة فذلك النور و الروح من امر اللّه هو المعبر عنه بالماء العذب في اخبار الطين الذي صب علي التراب الذي ابوه ابو تراب7 و هو التراب الطيب الذي ابوه و اصله من اصل كل خير فخمر اللّه سبحانه بيده@بيديه خل@ ذلك الماء و التراب و ذلك النور و الرحمة و تلك الدعوة و الاجابة فصار طينة طيبة عليينية و قبل ذلك ليس الا ميتاً كونياً فان انكر منكر تلك الدعوة و امتنع من نفوذ ذلك الماء في بطون قبوله صار ذلك الانكار و الامتناع ماء اجاجاً و صب علي الخبال و خمر فصار طينة خبيثة سجينية و ليس قبل ذلك سجين بل كان الناس قبل الدعوة امة واحدة كما تري في هذا العالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. أفرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون فكان الناس في الدنيا قبل دعوة الانبياء: امة واحدة ليسوا بمؤمنين و لا كافرين فاذا قام بين ظهرانيهم الرسول و دعاهم الي اللّه سبحانه فمنهم من آمن باختيار منه و منهم من كفر باختيار منه بعد الدعوة فكذلك الامر في عالم الذر حرفاً بحرف فاذا آمن مؤمن هناك باختيار آمن هيهنا باختيار و من كفر هناك باختيار منه كفر هيهنا ايضاً باختيار و ماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل و اشار بقوله7 الي ذلک ثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه يوماً ما.
ثم خلق الشمس و القمر و النجوم لتربية تلك المواليد المولدة بين النور نور الداعي7 و القبول و بالنجم هم يهتدون فيوجد النهار بظهور نور الشمس التي في سورة و الشمس و ضحيها و يوجد الليل بظهور نور القمر الذي تليها و هما محمد و علي8 في لباس البشرية و الاشراق عليهم
«* الرسائل جلد 4 صفحه 35 *»
قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي و النجوم هم الائمة: في تلك المرتبة فمثل اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم و المراد بالضياء آثار تلك النجوم الطالعة و بالظلام هويات الاشياء و المراد بالملائكة هي حملة تلك الاثار و الانوار الموصلة الي الهويات فذلك كله خلق من نور محمد9 و نوره9 في العالم الاعلي لاينافي الضياء و الظلام في العالم الادني لاطلاقه في الاعلي و تقيده في الادني كما عرف من سمع منا فلما تكاملت الانوار اي انوار محمد و علي و الائمة: في هذا المقام و انوار شيعتهم سكن نور محمد9 تحت العرش و هو سقف الجنة كما ورد سقف الجنة عرش الرحمن ثلثة و سبعين الف عام و قد مر وجه التعبير عن السنين و لا مجال لي للتكرار في كل مقام.
ثم انتقل نوره9 الي الجنة و المراد الجنة المأوي و هي اعلي الجنان في مقام كرسي ذلك العالم فبقي سبعين الف عام ثم انتقل نوره9 الي السدرة المنتهي و هي مقام الشجرة الطيبة اصلها ثابت في الكرسي بيت الولي7 و فرعها معلقة في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها و تتفصل منها سائر الجنان السبع فبقي سبعين الف عام ثم انتقل نوره9 الي السماء السابعة سماء زحل كوكب الحكماء و مربي العقول الجزئية ثم الي السماء السادسة سماء المشتري كوكب العلماء و مربي العلوم الجزئية ثم الي السماء الخامسة سماء المريخ كوكب العساكر و مربي المعاني المتوهمة الجزئية ثم الي السماء الرابعة سماء الشمس المربية للمحبين المخلصين ثم الي السماء الثالثة سماء الزهرة كوكب المشتاقين المربية للصور الحسنة العليينية ثم الي السماء الثانية سماء عطارد كوكب المتفكرين في خلق السموات و الارض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ثم الي السماء الدنيا سماء الاولي سماء القمر كوكب الاحياء المربي للحيوة و جعل القمر فيهن نوراً اي في جميع السموات حيوة ففي مقابل كل
«* الرسائل جلد 4 صفحه 36 *»
سماء ارض من الاراضي السبع و هذه السموات و الارضون موجودة في جميع العوالم أفرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فالارض الاولي و السماء الاولي هذه الدنيا برمتها من محدب عرشه الي قرار ارضها السابعة السفلي و ان كان فيها ايضاً عرش و كرسي و سموات و ارضون فنزل نوره9 الي هذا العالم ثم نزل الي عرشه و كرسيه و افلاكه الي ان اراد اللّه انيخلق آدم علي نبينا و آله و عليه السلام.
و قد سأل ايده اللّه تعالي شرحاً من اول الحديث الي هنا و له تتمة ليس لي مجال شرحها و قد اكتفيت فيما شرحتها بالاشارة لاهل البشارة و شرح جميع ما ينطوي فيه لايكفيه الدفاتر العظيمة لانه7 بين فيه احوال جميع الخلق من اول الايجاد بل قبله الي منتهاه فكل ما شرح شارح من اول الدنيا الي آخرها الي يوم القيامة شرح بشيء@لشيء خل@ من فقراتها و كتب مشايخنا العظام انار اللّه براهينهم الجميلة كلها شرح لهذا الحديث بعبارات شتي و براهين مختلفة و من تفكر فيها بنظر الاعتبار و التعلم و جاهد فيها حق جهاده لميحرم مما فيها من العلوم و الاسرار لآل اللّه الاطهار: قال تعالي و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فمن ارتاض في رياضها يجد فيها مراغماً كثيرة و نعماء و آلاء و سعة يقدر فيها السلوك الي ما شاء اللّه و لا حول و لا قوة الا باللّه فربما عبر عن شيء واحد بلغات شتي لايصال المستأهلين و طرد الشياطين و الابالسة من الجن و الانس اجمعين.
فاعلم ان العلم نور من اللّه لايوجد عند عدو اللّه ابداً ليس العلم في السماء فينزل عليكم و لا في الارض فيصعد اليكم ولكن مخزون مكنون فيكم تخلقوا باخلاق الروحانيين يظهر لكم. فاسع يا سيدي في طلب ذلك النور بالتوجه الي اللّه و الي رسوله و الائمة الطاهرين: و اوليائهم المقربين فان وصل اليك ذلك النور تصير بصيراً تدرك ما تريد من اي لفظ كان و ان لم
«* الرسائل جلد 4 صفحه 37 *»
يصل اليه احد فمثله كمثل لوح نقشته عليه فان اردت نقشه ثانياً لابد لك من محو ما نقشته اولاً و نقش ما اردته ثانياً و هكذا ان اردت نقشه ثالثاً و رابعاً الي ما شاء اللّه فلابد من محو جميع النقوش سوي النقش الواحد فاللوح لايجد في نفسه الا نقشاً واحداً دائماً و اما المرآة الصافية تتوجه الي كل نقش و ينقش فيها بسهولة و ان اردت نقشاً آخر تتوجه اليه و هكذا فلربما ورد في الاخبار لطرد الاغيار عبارات و الفاظ مختلفة فربما عبر عن شيء واحد مرة بالماء و الريح و ربما عبر عنه بالروح و النور و ربما عبر عنه بالماء و الطين و ربما عبر عنه بالروح و الجسم و ربما عبر عنه بالنور و الظلمة و ربما عبر عنه بالغيب و الشهادة و ربما عبر عنه بالسر و العلانية و ربما عبر عنه بالمثال و الهوية و ربما عبر عنه بالسؤال و الاجابة و هكذا و من لميجعل اللّه له نوراً فما له من نور فاسع في طلب ذلك النور و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.
و لما امرني ايده اللّه مشافهة اناشير الي كيفية خلق آدم علي نبينا و آله و عليه السلام فلنختم بالاشارة اليها.
فاعلم ايدك اللّه تعالي انه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما امرنا الا واحدة فكما خلقك خلق اباك آدم7 غاية الامر انه رباك في رحم امك في ستة اطوار و رباه في رحم امه و لما كان مبدأ ليس له ام ظاهري رباه في رحم الارض فكما كنت نطفة ثم صرت علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم كسيت لحماً ثم ولجت فيك الروح كذلك خلق ابوك و كما كانت نطفتك حصلت من صوافي الاغذية المتعددة من رطبها و يابسها و حارها و باردها و لطيفها و كثيفها و خفيفها و ثقيلها و حلوها و حامضها و عذبها و مالحها و ابيضها و اسودها و اصفرها و احمرها و هكذا ما تري و كل ذلك حصلت من الماء و التراب كذلك نطفة ابيك خلقت من الاجزاء الكثيرة فامر اللّه سبحانه جبرئيل حامل ركن الخلق انيقبض من سهل الارض و جبالها، تلالها و رطبها
«* الرسائل جلد 4 صفحه 38 *»
و يابسها و حارها و باردها و لطيفها و كثيفها و خفيفها و ثقيلها و حلوها و حامضها و عذبها و مالحها و ابيضها و اسودها و اصفرها و احمرها و من كل جزء من الارض لانه انموزج العالم الكبير و خلاصته و سلالته و جميع ذلك حصلت من الماء و التراب فخمر اللّه بيد التقدير التي هي يد جبرئيل تلك الاجزاء حتي صارت نطفة فخلق النطفة علقة الي ان خلقه خلقاً آخر فتبارك اللّه رب العالمين و احسن الخالقين و ان سمعت انه7 كان في الجنة و خرج منها الي الدنيا بمعصيته([13]) كذلك كنت في الجنة و خرجت منها الي الدنيا بمعصيتك([14]) و كما اكل ابوك من الشجرة المنهي عنها بتسويل الشيطان و حيلته و تعلقه اولاً بالطاوس الي باب الجنة و انتقاله منه الي فم الحية و دخول الحية الجنة و خروجه من فمها و اقترانه بحواء و اغوائها ثم اغوائه بواسطة حواء كذلك انت قد اكلت من الشجرة بتسويله و حيله بهذه الوسائط و كما ان اكلك في عالم التكوين و وقع معصيتك فيه و هي غير منافية لعدالتك في عالم الشرع كما ستعرف كذلك معصية آدم7 في عالم التكوين غير منافية لعصمته و نبوته في عالم الشرع.
فاعلم ايدك اللّه تعالي ان الجنة التي كانت آدم فيها و خرج و دخل فيها ابليس و خرج كانت من الجنان الدنيا دار الانتقال و الزوال و الدخول و الخروج و ليست هي جنة الخلد التي دار قرار و من دخلها كان آمناً من الاهوال كما ورد الاخبار متواترة من آل اللّه الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار فتلك الجنة واقعة في عالم المثال البرزخ بين الدنيا و الاخرة و مقتضي ذلك العالم هو السير الي الاعلي لا الادني فاذا تعلق بالادني صار مخالفاً لما يقتضيه في نفسه من السير الي الاعلي و عد عاصياً بالنسبة الي الاعلي كوناً او في الشرع الكوني لا في الشرع الوجودي فانظر و تفكر في نفسك و تبصر في احوالك في التكوين لتعلم حال آدم7 لانك ماتري في
«* الرسائل جلد 4 صفحه 39 *»
خلق الرحمن من تفاوت فتفكر ان لروحك المثالي بل و جسمك المثالي الذي هو غليظ روحك مع قطع النظر عن تعلقه بهذا البدن الدنياوي العنصري ليس له هم و لا غم و لا فرح و لا رضا و لا غضب و لا شهوة و لا فتور و لاتحتاج الي اكل و لا شرب و لا نكاح و لا حر و لا برد و لا رطب و لا يابس و لا ثياب و لا لباس و لا منزل و لا دار و لا نوم و لا سنة و لا ما تحتاج اليه الان في الدنيا.
فاذا تعلق ذلك المثال بالبدن الدنيوي اكتسب منه اشياء لاتعد و لاتحصي من تسويل ابليس فاذا تعلق بالصفراء اكتسب الشدة و السرعة و البطش و الغضب و الحرص و الجذب و البخل و المنع و المنعة و الكبر و الحسد و الظلم و التهور و السفك و القتل و امثال ذلك و اذا تعلق بالدم اكتسب جميع ما اكتسب في الصفراء مع لين و رفق و مداراة في الجملة ليبس الصفراء و رطوبة الدم و اكتسب فيه ايضاً الشهوة و حب المعاشرة و المشاعرة و اللهو و اللعب و التفرج و الصيد و الاسفار و الزراعات و الحدايق و الجنان بالالوان من الاشجار و الرياحين و الازهار و امثال ذلك و اذا تعلق بالبلغم اكتسب الدعة و الكسالة و المداهنة و الصلح و الانقياد لكل داع و اللهو و اللعب و الحلم و البلادة و السخاوة و الانفعال و القبول و امثال ذلك و اذا تعلق بالسوداء اكتسب الهم و الغم و التمني و الترجي و الوساوس و الخيالات البعيدة الوصول اليها و المنع و البخل و القسوة و الغفلة و الاستبداد بالرأي و الاستقلال و الحقد و الحسد و التكبر و الانزواء و الخلوة و الانزجار من المعاشرة و المعاملة و حب العلوم الغريبة و الحرف و الصنايع الدقيقة الخفية و امثال ذلك و كل ذلك اكتسابات من هذه العناصر و هو بنفسه ليس فيه شيء من ذلك و كل ذلك من خواص هذه العناصر و طباعها و مقتضياتها كما هو ظاهر لذي مسكة من الشعور فضلاً عن الحكيم العليم.
فاذا كان الامر كذلك فاعلم ان تلك الاثار قائمة بمؤثراتها و هي العناصر
«* الرسائل جلد 4 صفحه 40 *»
فاذا امتزجت بعضها ببعض حصلت الوان مختلفة كألوان الطواويس و اذا حييت صارت طاوساً حقيقة و تلك الاثار المذكورة تسويلات الشيطان الذي هو الصورة الكلية الحاصلة من هذه العناصر فتعلق اولاً بالطاوس الطائر نحو السماء التي فيها الجنان فطار حتي اذا بلغ باب الجنة و لميقدر علي الدخول فيها لمنع الخزان الحجاب كما تري ان غلائظ العناصر و الاخلاط التي خلق منها الاعضاء و الجوارح لاتليق بتعلق الروح بها الا بواسطة الروح البخاري الذي في القلب فطار ساير الغلائظ الي القلب و لاتقدر علي الدخول فيه فذلك هو الباب الذي منع طاوس من دخوله ولكن الروح البخاري اللطيف الحاصل من تلك الغلائظ المنافق كالحية ظاهره لطيف ناعم و باطنه من الغلائظ دخل في باب الجنة جنة الحيوة و هو القلب و صارت فيه حية حقيقة علي الالوان اللطيفة ناعم الملمس و ان كان في باطنها سموم قتالة و هي مقتضيات عالم العناصر كما عرفت فتعلق اللعين اولاً بالطاوس الي باب الجنة ثم انتقل منه الي الحية و خرج من فمها و دخل في عرصة الجنة و تعلق اولاً بحواء و هي الحيوة المشتعلة في الروح البخارية اشتعال النار في الدخان و ارسل حواء الي آدم المثال الذي له الخيال و الوهم و الفكر و العلم و العقل و قاسمها@قاسمهما خل@ اني لكما لمن الناصحين فاكلا منها اي من الشجرة المختلفة الاوراق و الاغصان النابت في الجنة.
و اصل جميع تلك الافاعيل المذكورة آنفاً من المثال و الحيوة اذ لو لميكن حيوة و لا مثال لميكن للعناصر الميتة تلك الافاعيل فاذا اكلا من تلك الشجرة بدت لهما سوآتهما و اسافل اعضائهما و علما انها سوآت و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة و هو هذا البدن الذي هو ورق شجرة الحيوة بها حياته فأخرجهما مما كانا فيه و هبطا الي الدنيا و صار آدم فيها صفياً معصوماً من الخطاء لانه لميعمل بعد الهبوط بمقتضي العناصر بل عمل بمقتضي الوحي من اللّه عزّوجلّ بواسطة جبرئيل7 و صارت حوا امة لادم
«* الرسائل جلد 4 صفحه 41 *»
8 مطيعة له علي خلاف ما مضي و ليس لي مجال ازيد في البسط و الشرح كما علمت ايدك اللّه تعالي و العذر عند كرام الناس مقبول و قد تم في عصر يوم الاحد العشرين من شهر صفر المظفر من سنة 1287 و الحمد للّه رب العالمين حامداً مصلياً مستغفراً.