03-07 الرسائل المجلد الثالث – رسالة في شرح معني البسيط و المرکب ـ مقابله

«في شرح معني البسيط و المرکب»

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

فهرس الرسالة السابعة

المقدمة: في ان ماسوي الوجود ليس صرف و امتناع محض و اما الوجود فاما بسيط او مرکب

الباب الاول: في معني البسيط و فيه تفاصيل

تفصيل: في معني البسيط و المرکب و ان البسيط اما حقيقي او اضافي و بيان اطلاقاتهما و ان الوجود الراجح هو ابسط ما في الامکان

تفصيل: في ان البسيط الذي ليس فيه شائبة من الترکيب هو الوجود الحق الذي هو العنوان المطلق لله تعالي و التحقيق في القول بان بسيط الحقيقة ببساطته کل الاشياء و ان الحق في  المقام ان يقال «انه ببساطته ليس بکل الاشياء و لا بغيرها فهو هو سبحانه و تعالي»

تفصيل: في ان القول بان بسيط الحقيقة کل الاشياء يستلزم الترکيب المنافي للبسيط الحقيقي

تفصيل: في ان معرفة الذات البسيط ممتنعة و ان معرفة البسيط بالوجه امر موهوم و بيان المراد من الوجه الوارد في الکتاب و السنة و التوفيق بين ما دل من الايات و الروايات علي امتناع معرفة الذات سبحانه و بين ما دل علي وجوب الاعتراف بالتوحيد و لزوم المعرفة

تفصيل: في ان سبب النفوذ في الاشياء السعة في الوجود و ان سبب السعة قلة الحدود و الشروط و بيان احاطة المحيط الحقيقي بلانهاية و انطواء المحاط الحقيقي بلانهاية و ان کل احاطة توجد في المراتب الخلقية ممتنعة في الذات البسيط تعالي

تفصيل: في ان البسيط لايکون متناهياً الي شيء من الاشياء و لايعرف ذلک الا بتعقل معناه و بيان المراد من امتناع الاشياء لدي البسيط

تفصيل: في ان الاشياء لم‌يصر ممتنعة في رتبة واحدة بل آثار کل مؤثر ممتنعة في مؤثره القريب و ذلک المؤثر ممتنع في مؤثر اعلي منه بدرجة

تفصيل: في شرح ما مر في التفصيل السابق

تفصيل: في بيان ان کنه البسيط تفريق بينه و بين المرکب کما ان کنه المرکب تفريق بينه و بين البسيط

الباب الثاني: في شرح مراتب المرکبات و فيه مقصدان

المقصد الاول: في شرح مرتبة اول المرکبات و فيه تفاصيل

تفصيل: في بيان المراد من التعبيرات عن مرتبة اول المرکبات

تفصيل: في بيان لزوم المطابقة بين الاثر و مؤثره القريب

تفصيل: في ان للاشياء مراتب عديدة و ان حدود الرتبة‌ الدانية ‌لاتجري في الرتبة العالية منها

تفصيل: في ان کل مرکب مرکب من مادتين و صورتين سوي الوجود الاول

تفصيل: في ان الوجود الوحداني الاول ابسط الممکنات و له فعلية بلانهاية و ليس فيه ترقب و انتظار

تفصيل: في بيان العلل الاربع في المخلوق الاول و تعلق مراتب فعل الله به من المشية و الارادة و القدر و القضاء و بيان مقام الخامس للفعل المطلق و هو ظهوره للغير بالغير

تفصيل: في ان تلک المراتب الخمس مذکورة في سورة النسبة و اثباتها في کل ظهور من ظهوراته سبحانه

تفصيل: في شرح المرتبة الاولي و هي مقام الذات

تفصيل: في شرح المرتبة الثانية و هي مقام الهوية و هو مقام صفات القدس و التنزه عن شوب الکثرة

تفصيل: في شرح المرتبة‌ الثالثة و هي مقام الالوهية و هو الاسم الاعظم المستجمع لجميع الصفات و الاسماء

 

 

 

 

الرسالة السابعة

 

 

في شرح

معني البسيط و المركب

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 278 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي جعل حقائق من سواه نوره و صفاتهم ظهوره فلا نور الا نوره و لا ظهور الا ظهوره و اثبتهما كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفاه حسابه و اللّه سريع الحساب هو الحي وحده لا شريك له في ذاته يشاركه و لا شبيه له في صفاته يشابهه و لا مثيل له في سلطانه يماثله و لا نظير له في ربوبيته يعادله و لا ظهير له يعاضده و لا وزير له يشاوره و الصلوة علي من لا اول قبله و لا آخر بعده و علي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان في مقام الامكان و الاكوان و الاعيان فعرف اهل كل رتبة بهم و آمنوا به كمال الايمان و اذعنوا به بربوبيته تمام الاذعان و لايوجد فيها الكفران فيسبحه بأسمائه جميع خلقه و يحمده بها جملة بريته و يصلي عليها من اتصل بها بانيته اذ قد علم كل صلوته و تسبيحه و اقرت بآلائه فحمده تحميده فهي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة و السلام علي نورهم الانور الانور و ضيائهم الاظهر اول الاعداد و مبدأ الانداد و الباب المبتلي به الاضداد محل المحبة و الوداد محط النظرة من العباد و الغرض لاغراض اسقام العداوة و العناد و المعرض لاعتراض سهام غرض اهل الفساد في جميع الخرب و عمران البلاد من منتهي المنتهي الي مبدأ المباد و من اليوم الا يوم بل الليل الا ليل الي يوم التناد و اللعنة من الجبار القهار في جميع الديار الي الدار الي دار القرار علي السنة الابرار و الاشرار باختلاف اللّغي من كل ديار ساكنة في صورة دار بلسان تلك الصورة من جميع الحيوث و الاعتبار في جميع الاطوار و الادوار بعدد الاهبية من الذرات في جميع الذرات المنبثة في الغبار غبار صور الموجودات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 279 *»

علي اعدائهم و غاصبي حقوقهم و منكري فضائلهم اصول كل فساد و قواعد بنيان كل عناد الي يوم المعاد.([1])

و بعد فيقول العبد المقيد بشهواته المطلق في عرصات هفواته الخائب الخاسر ابن محمد جعفر محمد الباقر الشريف نسباً الخسيس الخفيف حسباً غفر اللّه ذنوبهما و ستر عيوبهما بمحمد و علي و آلهما و اوليائهما و لولا نعمة ربي لكنت من الخاسرين ان هذه مطالب لطيفة و فوائد شريفة و عوائد منيفة رزقت بها من اللّه بوساطة الوسائط فأقول الحمدللّه كتبتها لنفسي الناسية في المراتب العالية و المهابط الدانية و الجواهر المجردة الباقية و الاعراض المتعلقة الفانية فاصرح بالبديهيات تصريحاً و افسر بها النظريات تفسيراً اذ هي طريقها و لايهدي اليها الا بسبيلها و ان كانت المدلولات المقصودة الحقيقية في الحقيقة هي بنفسها دليلها اذ تغابر الادلة مع المدلولات دليل تخالفهما و التخالف دليل علي التخالف و الاختلاف لا علي التوافق و الايتلاف فما يقال من الاشياء تعرف بأضدادها تعرف انها غيرها فلايعرف بها نفسها بالجملة يقتضي ما اريد بيانه ذكر مقدمة و بابين الباب الاول في شرح معني البسيط و الثاني في المركب اذ لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما.

المقدمة

لا شك ان ماسوي الوجود عدم بحت بات فليس له عند التحقيق تعبير من التعبيرات لانه كاشف عن الوجدان و هو فرع الوجود فما ليس له وجود ليس له اسم و رسم و تعبير و بيان و لو علي نحو العنوان و ذلك بديهي لدي من له عينان لمعاينة الحقائق بالعيان و لايعرض عليه الشبهات المرمدة المعوجة في الجنان و اما من سبق الي وهمه الشبهات من القواعد التي يلمها@يسلمها خ‌ل@ من غير تحقيق حتي صارت مرآة مشاعره معوجة فربما يعرض عليه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 280 *»

بعض التوهمات و يقول لو لم‏يمكن التعبير عما ليس له وجود فلم عبرت عنه و نفيت وجوده و رجعت اليه الضمير و مع ذلك كله انكرت عنه التعبير فأقول جواباً لرد هذه الشبهة ان التعبير كائناً ما كان يقع علي الوجود لامحالة الا ان الوجود يقع علي الموجود مرة و علي المعدوم اخري و يعبر عن هذا الموجود و هذا المعدوم و كلاهما موجودان بالوجود الاعم و ان كانا ضدين بالوجود الاخص اماتري انك تقول زيد موجود حين وجوده و زيد معدوم حين عدمه فوجوده ضد عدمه و عدمه ضد وجوده لايجتمعان و لايرتفعان و المراد من هذه الضدية غير الضدية المعروفة@المعروضة خ‌ل@ بين الموجودين@موجودين خ‌ل@ كالحرارة و البرودة لانهما موجودان في عالم الاعيان بخلاف ضدية وجود زيد و عدمه لان وجوده موجود في الاعيان و عدمه مذكور في الامكان ولكن مع ذلك لايجتمعان و لايرتفعان. بالجملة معني عدمه انه ممكن في الامكان يمكن خروجه في عالم الاعيان فهو مذكور في الامكان بذكر النفي و النفي شي‏ء كما روي عن الصادق7 فما يمكن وجوده في الاعيان ممكن بلا كلام و الممكن شي‏ء الا انه شي‏ء امكاني يمكن ان‏يوجد بعد و لمايوجد فالتعبير يقع عما يمكن ان‏يوجد و ان لم‏يوجد بخلاف ما لايمكن ان‏يوجد فانه لا تعبير عنه بوجه من الوجوه بل و لايمكن ان‏يعبر عنه.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الاوهام اذا وصل اليها الكلام بأن ماسوي الوجود عدم يتبادر اليها من الوجود الوجود الكوني و من العدم الوجود الامكاني و تدرك انها تقدر علي التعبير عن المعدوم الذي هو الموجود الامكاني فلما سمعت من احد انه يقول لايمكن التعبير عن المعدوم الصرف يتبادر اليها المعدوم الكوني الذي هو الموجود الامكاني فيبادر علي الانكار علي من ينكر التعبير عن المعدوم الصرف الحقيقي و ان قيل ان لم‏يمكن له تعبير بوجه من الوجوه فكيف تقول ان المعدوم الصرف ليس له

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 281 *»

تعبير و ذلك ايضاً تعبير قلت لا شك ان ذلك ايضاً تعبير ولكن التعبير قد يعبر به عن الصورة الحاصلة في النفس كما اذا عرفت زيداً و وجدت صورته عند النفس و تقول زيد موجود و مرة يعبر به عن عدم الصورة بمعني انك تخبر عن نفسك بأنها ليس فيها زيد ان لم‏تعرفه و تقول ليس زيد عندي معروفاً ولكنه لما كان من عالم الامكان لاتجد امتناعه في نفسك بل تجوز وقوع صورته في نفسك بعد و لمايقع و مرة تخبر عن نفسك بأنها ليس فيها صورة عما يمتنع وجوده و حينئذ لم‏تجوز امكان وقوعها في نفسك اذ ليس من الامكان حتي تجوز وجوده فالتعبير لايكون الا عن فقدان الصورة في النفس حينئذ لا عن الممتنع و العدم البحت من@و من خ‌ل@ هذا الباب ايضاً فرض المحال و فرض شريك الباري فانهما ايضاً ليسا شيئاً لا في الكون و لا في الامكان حتي يمكن فرضهما ففرضهما محال ايضاً.

بالجملة و ليس المقصود شرح هذه المسألة في هذا الموضع و انما الكلام يجر الكلام ولكن اصل المرام ان ماسوي الوجود ليس صرف و امتناع محض فلا كلام عنه مطلقاً و اما الوجود فاما بسيط او مركب و لا ثالث بينهما لايكون بسيطاً و لا مركباً او يكون بسيطاً مركباً كما قال الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فالمركب اما تألف من اشياء مستقلة قبل التأليف كالمركب الزمانية المعروفة و اما مركب من كسور و تلك الكسور ليست بأشياء مستقلة قبل ذلك المركب بل تكون اجزاء خلقت حين خلق ذلك المركب كالعشرة مثلاً فانها مركبة من عشرة اعشار ليست قبل وجودها و لا بعد وجودها بل هي كسور و اجزاء خلقت حين خلق العشرة لا قبلها و لا بعدها و لاتقل ان التسعة مثلاً قبل العشرة و هي من اجزاء العشرة لان التسعة من حيث انها تسعة ليست من اجزاء العشرة بل هي عدد مركب من تسعة كسور مثل العشرة فحقيقة العشرة ما تألف من عشرة اعشار و التسعة ما تألف من تسعة كسور و كالمركب من

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 282 *»

المادة و الصورة فانهما جزءان منه خلقا حين خلقه و كالمركبات الدهرية المجردة عن المواد الزمانية و مددها فانها مركبات من اجزاء لا من اشياء فكل جزء من زيد مثلاً مخلوق حين خلقه مخصوص به لايصلح لان‏يصير جزء عمرو ابداً و لذلك صارت مخلدة ممتنع الزوال و الفساد كما ان العشرة تمتنع ان‏تصير تسعة و التسعة تمتنع ان‏تصير عشرة و كالمركب الجبروتي من المادة الجبروتية و الصورة المعنوية المعري عن الصور الجزئية المجردة و عن سائر الصور التي دونها و عن موادها و كالمركب السرمدي الذي هو ابسط ما يمكن في الامكان ولكنه مع ذلك له جزءان كل واحد منهما عين الاخر فكل ذلك واقع في عرصة التركيب و البسط خارج عنها لانه لو كان داخلاً فيها يكون مثلها كما يأتي شرح ذلك ان شاء اللّه و لاتزعم من ذلك ان الوجود بنفسه فوق البساطة و التركيب فيوصف في ضمن البساطة بالبسيط و في ضمن صورة التركيب بالمركب نعوذ باللّه بل ذلك تعبير في عالم التسطير و ليس المقصود ان البسيط قسم من الوجود يعد معه قسم آخر منه و هو المركب بل هما لايعدان معاً و هما ليسا هما بل هو و هو ان كان هو يمتنع هو و ان كان هو يمتنع هو كما يأتي شرح ذلك مفصلاً ان‌شاءاللّه تعالي.

الباب الاول

في معني البسيط و فيه تفاصيل

تفصيل: اعلم ان البسيط هو الصرف الذي ليس فيه شائبة شي‏ء خارج عن حقيقته معه و المركب بخلافه فهو اما حقيقي او اضافي فالاضافي له مراتب شتي لايمكن عدها الا للبسيط الحقيقي الذي طواها طياً بلا نهاية اذ ليس له نهاية فالبسائط الاضافية متكثرة اذ كل ما برأ عن شوب حد يكون بسيطاً غير مركب مع ذلك الحد فمن معانيه ان كل ما يتركب منه شي‏ء فهذا الشي‏ء مركب و ذلك الشي‏ء بسيط اذ لم‏يوجد فيه حدود ذلك الشي‏ء المركب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 283 *»

فالانسان مثلاً مركب من فؤاد و عقل و روح و نفس و طبيعة و مادة و مثال و جسم فتلك الثمانية بسائط وجوده اذ ليس فيها من حيث هي شائبة تركيب الانسان بل هي بعد الاقتران و الانحلال و الامتزاج و الفعل و الانفعال التام تصير انساناً مركباً فكل جزء من تلك الاجزاء يكون بسيطاً من بسائط وجود الانسان المركب و كذلك في كل مرتبة من مراتبه الثمانية لها عرش و كرسي و افلاك و عناصر فتكون تلك مواليد كل رتبة و تلك الرتبة بسيطة بالنسبة اليها منها بدأت و اليها تعود مثلاً في رتبة الجسمانية يكون له عرش يكون منه عقل بدنه و كرسي يكون منه صدر بدنه و فلك زحل يكون منه عاقلته و مشتري يكون منه عالمته و مريخ يكون منه متوهمته و شمس يكون منها مادته الثانية و زهرة يكون منها متخيلته و عطارد يكون منه متفكرته و قمر يكون منه حياته و نار يكون منها صفراؤه و هواء يكون منه دمه و ماء يكون منه بلغمه و تراب يكون منه سوداؤه فتلك الاجزاء مركبات بالنسبة الي الجسم و الجسم بسيط بالنسبة اليها و هي بأنفسها مع تركيبها بسائط بالنسبة الي اعضاء بدنه و الاعضاء مركبات من تلك البسائط و الاعضاء ايضاً بسائط بالنسبة الي بدنه و البدن مركب منها اذ لم‏يوجد فيها الحدود البدنية فهي بسيطة بريئة عن تركيب البدن حقيقة و ان كان كل واحد منها مركب من بسائط اعلي منه و كل تلك البسائط مركبة من بسائط اعلي منها و هكذا فهذا احد معاني البسيط و المركب الاضافيين.

و المعني الاخر للبسيط الاضافي في كل رتبة هو المادة التي تصلح للظهور بالصورة فتلك المادة بسيطة لاتوجد فيها الحدود الصورية الا بالذكر النفيي كالقطعات الخشبية بالنسبة الي الصورة السريرية.

و المعني الاخر له هو الطبيعة السارية في كل الافراد كالخشب الساري في كل ما يصنع منه الصالح التصور في نفسه بكل صورة صورة فانه في نفسه لايجري عليه صورة من الصور لانه واقف موقف الصلوح و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 284 *»

صورته الذاتية هي الصلوح لكل ما يصنع منه فلو تصور في نفسه باحدي تلك الصور التي هي من ظهوراته لامتنع ظهوره بصورة اخري و المشاهدة قاضية علي خلافها و كالمداد الصالح التصور بصورة كل الحروف الي غير النهاية فانه واقف موقف الصلوح المحض بالنسبة اليها بحيث اذا كتب من مثقال منه حتي لايبقي منه شي‏ء لاينقص من الصلوحات اللانهاية الكامنة فيه شي‏ء و اذا كسر جميع ما يكتب منه و محي حتي لايبقي منها شي‏ء لايزيد فيه من محوها شي‏ء فوجودها بالنسبة اليه لايزيد في صلوحه شي‏ء و لاينقص و عدمها ايضاً لايزيد فيه شي‏ء و لاينقص فما كان وجود شي‏ء و عدمه لديه علي السواء كيف يجري فيه من خواصها و تراكيبها و حدودها و كالجسم الكلي الصالح الظهور بالاجسام الجزئية و الجنس الصالح التصور بصور الانواع و النوع الصالح التصور بصور الاصناف و الصنف الصالح التصور بصور الاشخاص و الشخص الصالح التصور بصور الافعال و هكذا الي غير النهاية.

و من معانيه في كل رتبة المطلق العالي عن رتبة الصلوح الذي هو نفي صور الافراد و عن رتبة الثبوت الذي هو وجودها فهو فوق رتبة الاثبات و النفي كالخشب المطلق من حيث انه خشب ممتازاً عن الحديد مثلاً مع قطع النظر عن صلوح تصوره بصورة ما يصنع منه فانه فوق النفي الصلوحي و الاثبات الوجودي و لايقال ان هذه الرتبة من الخشب و رتبته التي هي الصالحة للتصور بالصور رتبة واحدة لانهما و ان كانا متشابهين في غاية الشبه ولكنهما مع ذلك ليسا برتبة واحدة لانك تعلم ان‌شاءاللّه ان ما تدرك بحواسك هي العكوس و الاشباح المنفصلة من صور الشواخص الخارجية فما لم‏يكن شواخص في الخارج لايمكن الادراك مطلقاً كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و لا شك انك حين توجهك الي الخشب من حيث انه خشب غافل عن كونه صالحاً للتصور بصور ما يصنع منه و ذلك الادراك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 285 *»

منتزع من رتبة من مراتبه و حين توجهك اليه من حيث انه يصلح لان‏يتصور بصور ما يصنع منه غافل عن كونه خشباً ممتازاً عن الحديد مثلاً و هذا الادراك منتزع من صورة الكلية الصلوحية فلو كان هذان الادراكان منتزعين عن صورة واحدة و رتبة واحدة للزم ان‏تكون حين توجهك الي احدهما متوجهاً الي الاخر و ذلك بديهي البطلان فعلم ان لكل من توجهيك شاخصاً خاصاً به و ان لم‏يكن الشاخصان متباينين ممتازين ظاهراً و ان كان كل منهما من حيث هو هو غير الاخر من حيث هو هو حقيقة.

بالجملة فكل مطلق بالنسبة الي ما دونه من الكليات و الاجناس و الانواع و الاصناف و الافراد مقامه مقام البساطة اذ لايوجد في نفسه حدود مادونه ابداً و كل ما هو دون ذلك المطلق مركب محدود بحدود خاصة فالسيف المطلق بسيط بالنسبة الي السيوف اذ لايوجد في ذاته الهندية و غيرها اذ لو كانت الحدود الهندية له في ذاته لكان جميع السيوف التي في العالم هندية اذ الذاتي لايعقل ان‏يتخلف و المشاهدة قاضية بخلاف ذلك فهو في حد ذاته عال عن حدود السيوف المختلفة فهي مركبة بالنسبة اليه اذ كل واحد منها مركب من حصة من ظهور السيف المطلق و الصورة المميزة له عن غيره و كذلك السيف المطلق بالنسبة الي مافوقه مركب محدود بحدود خاصة لايمكن صعودها الي ما هو فوقه فالسلاح المطلق مثلاً بسيط بالنسبة الي السيف المطلق حقيقة لانه صادق عليه و علي السكين المطلق و السهم المطلق و هكذا كما عرفت و المصنوع من الحديد مطلق بالنسبة الي السلاح المطلق و هو مركب بالنسبة اليه اذ المسمار المطلق مثلاً مصنوع من الحديد و هو غير السلاح المطلق بصورة([2])@بصوره خ‌ل@ الخاصة و السلاح المطلق غيره بصورته الخاصة فكل واحد منهما مركب من ظهور المصنوع من الحديد الذي هو مادته مع صورته الخاصة به و هكذا الامر في النسبة بين الحديد المطلق و المصنوع منه و كذا الامر في النسبة بين الحديد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 286 *»

و المعدن المنطرق فانه بالنسبة اليه مركب و هو بالنسبة اليه مطلق بسيط لايصعد الي عرصته حدود الحديد اماتري انه لو كان حديداً اي مصوراً بالصورة الحديدية في ذاته لامتنع ان‏يظهر بالصورة النحاسية و الفضية و الذهبية و هكذا.

فاذا عرفت النسبة بين مطلق و افراده و دققت في معرفتها كمال الدقة و قدرت علي قراءة جميع النسب الواقعة في العالم و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و اختلاف ابداً و لاتحتاج الي معرفة نسبة نسبة بالتعلم و الاكتساب يوماً فيوماً بل صرت ممن علمت باباً من العلم يفتح منه الف باب بل الف الف باب بل الي غير النهاية لانه لا نهاية للخلق و بينها نسب الي غير النهاية و انت عرفت تلك النسبة و لذا روي عن الشيخ الاوحد اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه ان «من عرف زيد قائم عرف التوحيد بحذافيره» و فصل هذا القول الاستاذ الاعظم و السناد الافخم انار اللّه برهانه بان «من عرف زيد قام قياماً عرف اسرار الموجودات» و مع ذلك كله اذا عرفت النسبة بين مطلق و مقيد و قدرت علي فهم ذلك في جميع المراتب اعطيت باباً من العلم لا العلم فرحم اللّه عبداً عرف قدره و لم‏يتعد طوره فاذا عرفت تلك النسبة قدرت علي الصعود الوجداني حتي تجد ان المطلق البسيط الحقيقي بالنسبة الي الاجسام هو الجسم بقول مطلق و ان كان هو في ذاته مركب من مادة و صورة و كم و كيف و رتبة و جهة و مكان و وقت ولكنه لما كان ظاهراً في كل واحد واحد من الاجسام مع ما فيه من التركيب بسيط بالنسبة اليها و هو يد الفاعل في اجراء@اجزاء خ‌ل@ التركيب في عالم الاجسام و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فهو بسيط حقيقي بالنسبة اليها اي اضافي اذ هو في نفسه مركب و لايجري فيه تركيب الاجسام حقيقة و لايأخذنك الملال في شرح هذا المقال فانك ان كنت طالباً للعرفان فان هذا هو السبيل الي العمران و الدليل الي الايمان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 287 *»

و السلوك الي الرحمن و الطريق الي السبحان ان كنت ممن كتب اللّه سبحانه لك السير الي تلك البلدان و السلام علي من سبقت له من اللّه الحسني في الاولي و الاخري.

فاذا عرفت النسب بين المركبات و البسائط فاعلم ان النسب في جميع المراتب علي هذا النسق و الحكمة غير مخصوصة بعالم دون عالم و بشي‏ء دون شي‏ء فالمركبات النباتية ايضاً نسبها علي هذا النسق فالنبات المطلق ايضاً له بساطة حقيقة بالنسبة الي اجناس النباتات و انواعها و اصنافها و افرادها و الحيوة المطلقة لها بساطة حقيقية بالنسبة الي اجناسها و انواعها و اصنافها و افرادها الاتري انه لو كانت صورة واحد منها فيها في ذاتها لكانت سارية في الكل و المشاهدة قاضية بخلاف ذلك اماتري ان الصور الحيوانية التي هي الصورة الذاتية لها توجد في كلها و كذلك المثال المطلق له بساطة حقيقية بالنسبة الي مادونه من الامثلة و النفس المطلقة لها بساطة حقيقية بالنسبة الي دونها من النفوس الجزئية و الروح المطلق له بساطة حقيقية بالنسبة الي الارواح الجزئية و العقل المطلق له بساطة حقيقية بالنسبة الي العقول الجزئية و الفؤاد المطلق له بساطة حقيقية بالنسبة الي الافئدة الجزئية فاذا عرفت ذلك ان([3]) هذه البسائط ايضاً في انفسها مركبات و انما بساطتها نسبية الي مادونها اذ كل واحد منها غير الاخر و اذا جاءت الغيرية جاء الامتياز و هو فرع الصورة المميزة فلكل واحد منها مادة و صورة مخصوصتان به و يجمعها بسيط واحد يكون بساطته بالنسبة اليها حقيقة و ان كان في نفسه ايضاً مركباً و هو الوجود المقيد اي الممكن المطلق الساري في الممكنات الذي اعطي الكل اسمه و رسمه الاتري ان كل واحد ممكن فاذا وصلت الي هذا المقام بالوجدان فاعلم انه ايضاً مركب من مادة امكانية و صورة بالفعل مطلقة و كلتاهما معاً ساريتان فيمادونهما ولكن مادته غير صورته و صورته غير مادته وجداناً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 288 *»

و اذا جاءت الغيرية و لو وجداناً يجي‏ء الامتياز الوجداني و هو فرع الصورة ايضاً فمادته مركبة من مادة و صورة و صورته ايضاً مركبة من مادة و صورة فهما اربعة و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و الزوج ليس بفرد فمادته مركبة من حيث هي هي و من حيث تعلقها بالصورة فمادتها هي حيث هي هي و صورتها حيث تعلقها بصورتها و صورته مركبة من حيث اقترانها بالمادة هي مادتها و من حيث هي هي و هي صورتها او بالعكس فالمادة المطلقة سارية في جميع المواد الجبروتية و الملكوتية و الملكية و ليس في نفسها تعين جبروتي او ملكوتي او ملكي فهي بسيطة حقيقية بالنسبة الي مراتب المواد و كذلك الصورة المطلقة سارية في جميع الصور الجبروتية اي الصور الكلية المعنوية و الصور الملكوتية المجردة و الصور الملكية المقترنة فهي في نفسها بالنسبة الي مراتب الصور المختلفة لها بساطة.

و فوق هذا الممكن اي الوجود المقيد وجود مطلق عن القيد و هو الوجود الراجح و الامكان الراجح و هو ابسط ما يمكن في الامكان لان كل ما في الامكان مركب في نفسه من اجزاء عديدة غاية الامر ان التركيب التي هي دون كل رتبة لاتجري في نفس تلك الرتبة ولكن الامكان الراجح في نفسه ايضاً غير مركب من اجزاء عديدة بل هو مركب من جزئين ليس احدهما غير الاخر بوجه من الوجوه لا في الواقع و لا في الوجدان و لذلك يعبر عن تركيبه بأنه من جزئين بسيطين لان كل مركب مما هو دونه مركب من جزئين او اجزاء كل جزء ايضاً مركب من جزئين او اجزاء فاذا صعدت في الوجدان في مركب و تجد انه مركب من اجزاء عشرة فتصعد في كل واحد من الاجزاء العشرة فتجد انه مركب من اجزاء عشرة فتصعد في كل واحد من الاجزاء العشرة فتجد انه مركب من خمسة اجزاء ثم تصعد في اجزاء الخمسة فتجد ان كل واحد منها مركب من اربعة اجزاء فتصعد في عالم الاربعة فتجد كل واحد منها مركب من

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 289 *»

ثلثة اجزاء فتصعد في عالم الثلثة فتجد كل واحد منها مركب من جزئين ثم اذا صعدت من الجزئين تجد شيئاً غير مركب لامحالة و لايمكن لك الصعود من عالم الثلثة الي عالم الوحدة من غير مرورك بعالم الاثنين اذ الطفرة باطلة عند العقلاء بالضرورة ولكنك اذا وصلت في وجدانك الي مركب من جزئين و تقدر في وجدانك علي الالتفات الي احد الجزئين مع الغفلة عن الاخر فاعلم ان هذين الجزئين ليسا بجزئين غير مركبين بل يكونان جزئين مركبين فيكونان اربعة فلابد لك في سيرك الي ما لاتركيب فيه مطلقاً ان‏تسير من الاربعة الي الثلثة الي الاثنين الي ما لا تركيب فيه و انت علمت ان‌شاءاللّه ان كلما كان التركيب في الشي‏ء اقل كان ابسط و اوسع و كلما کان التركيب في الشي‏ء اكثر كان اضيق و البساطة تقتضي النفوذ و السريان و التركيب يقتضي الجمود و الوقوف في مكان واحد اماتري ان الحيوان الجنسي لما كان حدوده اقل من الحيوان النوعي نفذ في جميع الانواع و اما النوعي نافذ في افراده خاصة و لايقدر علي النفوذ في سائر الانواع لان الفصل النوعي صورة حاجزة و سور مانع من النفوذ في سائر الانواع و ذلك الفصل لايوجد في الجنس و يوجد في النوع فالنوع مع ما فيه من الحدود الجنسية فيه فصل ليس في الجنس و ذلك الفصل مما زيد في تركيب النوع.

بالجملة فاذا كان الامر كذلك كلما كان الشي‏ء اقل تركيباً كان اكثر نفوذاً و كلما كان اكثر تركيباً كان اقل نفوذاً فالمركب من جزئين بسيطين ابسط من المركب من جزئين مركبين فهو نافذ لامحالة فهو بكله نافذ في كل واحد من الجزئين المركبين و المركب من الجزئين المركبين من جزئين ابسط من المركب من ثلثة اجزاء و هكذا فكل مركب اقل تركيباً نافذ في اطراف مركب يكون اكثر تركيباً و المثل الظاهر لهذه المراتب ان الواحد لما كان اقل تركيباً من الاثنين نفذ في الاثنين اما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 290 *»

تري انه واحد و واحد ليس شي‏ء في عرصة الاثنين الا الواحد و كذا الاثنين لما كان اقل تركيباً من الاربعة نفذ فيها لانها ليست الا اثنين و اثنين و لايوجد في عرصتها الا الاثنين و هكذا الامر كلما كان اوحد كان ابسط و انفذ فالوجود الراجح لما كان اوحد و ابسط كان انفذ و اوسع فهو ابسط البسائط و اوسع المراتب بحيث لايمنع من نفوذه شي‏ء في الارض ارض عالم الامكان و لا في السماء و لا شي‏ء من الماهيات و لا الوجودات و لا المواد و لا الصور و لا شي‏ء مما يصلح لان‏يقع مسمي من الجواهر و الاعراض و الرتب و الاضافات و الحيوث و الاعتبارات مما يسمي باسم او يشار بالاشارة الحسية او الخيالية او النفسية او العقلية او غير ذلك ولكن هذا الوجود مع هذه البساطة كان مركباً كما عرفت لامتناع الطفرة في الوجود فليس ببسيط حقيقي ليس في نفسه شائبة التركيب مطلقاً فهذا مجمل جميل في شرح معني البسائط الاضافية لطالبي الدليل و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل فالبسيط الذي ليس فيه شائبة من التركيب هو الوجود الحق و العنوان المطلق للّه سبحانه و هو الذات صاحبة الصفات السارية في الذوات بحيث لا صفات و لا ذوات فهو هو وحده وحده و مع ذلك كله هو ظهور اللّه سبحانه بالبساطة الحقيقية للمركبات فليس للخلق تعبير عن اللّه سبحانه الا في عنوانه فليعنون له فصل آخر.

تفصيل: اذا عرفت ان البسيط الحقيقي ما ليس فيه شائبة التركيب بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات و حيث من الحيوث سواء كان تركيباً ملكياً اقترانياً زمانياً او مثالياً برزخياً او ملكوتياً مجرداً دهرياً او جبروتياً معنوياً دهرياً او سرمدياً مجرداً نفيياً او كينونياً ازلياً اذ كل واحد منها تركيب و ان كان في مقامات القرب في نهاية الضعف بحيث لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار بنحو اشرف و طور الطف

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 291 *»

اذ الشي‏ء لايتجاوز ماوراء مبدئه فلايدرك التركيب الثابت في الرتبة الاعلي منه و هو كائناً ما كان بالغاً ما بلغ في نهاية الضعف ينافي البساطة الحقيقية فاذا امتنع التركيب اياً ما كان في البسيط الحقيقي فلايعقل ان‏يكون محدوداً بحد من الحدود كائناً ما كان و اذا كان غير محدود فلايعقل ان‏يكون واقعاً في عرصة من العرصات و مقام من المقامات و مكان من الامكنة و وقت من الاوقات و رتبة من الرتب و جهة من الجهات و وضع من الاوضاع بحيث من الحيوث و فرض من الفروض و وجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات اذ كل ذلك يستلزم التركيب و هو ما ينافي البساطة المحضة فاذا كان البسيط كذلك لايعقل ان‏يكون غير المركب لان التغاير من التمايز و هو فرع الاختلاف و هو فرع الصورة و هي فرع المادة فاذا جاءت المادة و الصورة جاء التركيب لامحالة فكما يكون المركب مركباً لاجل المادة المقترنة بالصورة كذلك كل ما فرض غير ذلك المركب بنحو من انحاء الغيرية يكون مركباً من مادة و صورة مخالفة مع ذلك المركب حتي يصدق بانه غيره و لو باعتبار من الاعتبارات و كذلك لايعقل ان‏يكون عين شي‏ء لانه مستلزم للتركيب ايضاً و لايقدر احد انكار ذلك ابداً اللهم الا جاهل انكر ذلك بظاهر من القول و قلبه غافل عن فهم قوله ولكن مع ذلك كله ليس ذلك تمام المسألة و يحتاج الي بسط في القول و اتمام للكلام فان ذلك بحر ضل فيه السوابح زلت الاقدام و ضلت الاحلام و تاهت عقول الانام و تحيرت افئدة الاعلام من العلماء النبلاء الحكماء العرفاء العظام فضلوا و اضلوا و خسروا خسراناً مبيناً حيث زعموا ان الشي‏ء ان لم‏يكن غير شي‏ء آخر يكون عينه البتة اذ ليس بين النفي و الاثبات منزلة و ذلك زخرف من القول قد غر به اناس و وقعوا و اوقعوا في الالتباس و عدوا ذلك من البراهين العقلية المورثة لليقين و اعدوا لذلك ما استطاعوا من عدة قضية و قياس فقالوا بأن بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء فان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 292 *»

كنت تريد الاهتداء في هذه الدهماء العمياء و الداهية الدهياء فاجمع قلبك و اقطع عن القواعد المسلمة حبلك و اخلع عنك الحمية فانها رأس كل بلية و تمسك بعروة الانصاف فانه غير منفصم و جانب طريقة الاعتساف الذي علي العقلاء غير منقسم ففكر فيما اقول لعل اللّه يتفضل عليك بالمأمول.

فقولهم بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء فاما يراد بالبسيط البسيط الحقيقي واقعاً و بكل الاشياء الاشياء المركبة واقعاً و الاشياء مركبات لامحالة لانها جمع الشي‏ء و كل شي‏ء يمتاز عن غيره بمادته و صورته فكيف يحمل المحمول المركب الحقيقي الواقعي علي الموضوع البسيط الحقيقي الواقعي فان البسيط اما ان‏يكون عين المركب من جميع الوجوه و الاعتبارات بحيث لم‏يبق بينهما جهة تخالف بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات فهو عين المركب فلم‏يبق لك بسيط فكأنك قلت المركب المركب فعليك باثبات البسيط و اما ان‏يكون عين المركب من وجه و غيره من وجه كما هو شأن كل موضوع و محمول كقولك زيد قائم فان زيداً عين القائم ظهوراً و غيره جمعاً فزيد مركب من مادة واسعة لطيفة و صورة شاملة لطيفة لانه صادق علي القاعد و النائم ايضاً و القائم لم‏يصدق عليهما بالضرورة فهو مركب من مادة غليظة كثيفة و صورة مخصوصة غير شاملة فهو غير زيد حقيقته بمادته و صورته و لما كان غيريته غيرية صفة لا غيرية عزلة كزيد و عمرو تقول زيد قائم و تقول حقاً فالبسيط غير المركب باعتبار البساطة و عينه باعتبار الظهور فقولك ببساطته كل الاشياء لايناسب لمرادك بل ينبغي لك ان‏تقول بظهوره كل الاشياء لا ببساطته فان زيداً من حيث انه زيد جامع لجميع ظهوراته لو كان قائماً لكان قائم ظاهراً في جميع ظهوراته و الضرورة قضت بخلاف ذلك فزيد من حيث انه زيد جامع لجميع ظهوراته ليس بقائم بالضرورة فهو قائم بظهوره فيه لا بذاته قطعاً و ان قلت ان زيداً بزيديته و جامعيته ليس بقائم كما قلت و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 293 *»

لكنه بجامعيته كل ظهوراته من القائم و القاعد و النائم و هكذا قلت ان زيداً لو كان بجامعيته كل ظهوراته مجموعاً لكان بعض ظهوراته بعضه لانه بعض المجموع بالبداهة و لا شك ان قائماً ليس ببعض زيد و ثلثه و قاعداً ليس بثلثه و كذلك نائماً و هكذا اذ لو كانت الثلثة زيداً و الثلثة ثلثة قطعاً لكان زيد ثلثة اشخاص لا شخص واحد كما ان قائماً و قاعداً و نائماً ثلثة بالبداهة فثبت ان زيداً من حيث انه زيد ليس بكل ظهوراته و لا ببعض ظهوراته لانه بذاته فوق كل ظهوراته و فوق بعض ظهوراته و لما كان فوق جميع ظهوراته و لم‏تحد بحدودها مطلقاً ظهر للكل بالكل لا بذاته و للبعض بالبعض لا بذاته و لذلك يصدق علي الكل و البعض بظهوره فيها فهو عين الكل باعتبار و غيرها باعتبار و عين البعض باعتبار و غيره باعتبار غير الكل بذاته عينها بها غير البعض بذاته و بظهوره الكلي عينه به و كل ذلك يستلزم التركيب و لو بنحو اشرف و طرز الطف اي بالبينونة الصفة لا العزلة فالبسيط ببساطته ليس بكل الاشياء و لا ببعضها كما عرفت.

و ان قلت ان المراد ان البسيط ببساطته كل الاشياء انه بظهوره كل الاشياء كما ان زيداً بظهوره كل ظهوراته.

قلت هذا هو معني انه من حيث و وجه عينها و من وجه غيرها و هذا هو الذي زعمه تحقيقاً حيث قالوا و يقولون ان اللّه كل الاشياء ولكن الاشياء ليست باللّه كما ان زيداً هو القائم اذ هو ظهور زيد لا ظهور غيره ولكن القائم ليس بزيد لانه ظاهر في القاعد ايضاً و القائم ليس بقاعد و ذلك مستلزم لتركيب زيد في ذاته قطعاً لانه في ذاته مصور بصورة لطيفة شاملة و ان لم‏يكن شموله لايمكنه الظهور في جميع صفاته فله في ذاته صورة شاملة بها يمتاز عن صفاته لان صورها صور ضيقة فالشمول مخصوص بذاته ليس لصفاته فيه نصيب و الضيق مخصوص بصفاته لايليق به فالمحدود بالحد الشامل غير المحدود بالحد الضيق فالشامل مركب من مادة لطيفة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 294 *»

قابلة لصورة الشمول و ليس للمركب معني غير ذلك غاية الامر ان هذه البينونة و الغيرية بينونة صفة لا بينونة عزلة و ذلك لاينافي التركيب لانه نوع منه و انت تعلم ان شاء اللّه ان التركيب ممتنع في ذاته سبحانه بجميع معانيه و انواعه فهو سبحانه ليس بغير خلقه للزوم الغيرية التركيب و ليس بعين خلقه ايضاً للزوم ذلك فبسيط الحقيقية ببساطته ليس بعين الاشياء و لا بغيرها فهو هو لا شي‏ء سواه.

و ان قلت انا نجد في بعض الاخبار اثبات بينونة الصفة بين اللّه سبحانه و بين خلقه و معني هذه البينونة ان‏يكون الشي‏ء شيئاً باعتبار غيره باعتبار كما ان الموضوع عين المحمول باعتبار غيره باعتبار و هذا هو الذي اثبته الحكماء و قالوا ان البسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء.

قلت لا شك ان البينونة بين الشيئين و الغيرية و لو كانت علي نحو الصفة كبينونة زيد و قائم لا علي نحو العزلة كبينونة زيد و عمرو ولكنها مع ذلك مستلزم للتركيب بلا شك لان الشيئين ان كان كل واحد منهما عين الاخر من جميع الوجوه و الاعتبارات و الحيوث فلايعقل ان‏يكونا اثنين بل هو شي‏ء واحد و لايعقل ان‏يقال ان بين الشي‏ء الواحد بينونة صفة اذ لا بين و لا غيرية في الشي‏ء الواحد فلابد و ان‏يقع البينونة و الغيرية صفة بين شيئين لامحالة احدهما موصوف و الاخر صفة و كل واحد منهما يشهد لصاحبه انه غيره و الغيرية فرع الاختلاف و هو فرع الاثنينية و هي منافية للاتحاد قطعاً و اذا جاءت الاثنينية جاء التركيب بلا شك فكما ان الصفة مركبة بلا شك كذلك الموصوف مركب بلا شك كما عرفت في مثال الموضوع و المحمول فقولك زيد العالم كل واحد من زيد و العالم مركب فان العالم هو الذات الظاهرة بالعلم فهو مركب من ظهور الذات مع العلم و كذلك زيد مركب من ظهور الانسان مع الصورة الزيدية التي هي صلوح الظهور بجميع صفاته في مقام الكلية و نفي الصور الجزئية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 295 *»

او امتناعها فظهر ان شاء اللّه ان بينونة الصفة ايضاً لايعقل الا بين شيئين و الشيئان شيئان لا شي‏ء واحد و ان كان احدهما ذاتاً و الاخر صفة و احدهما بسيطاً و الاخر مركباً بالنسبة و لا شك ان ضرورة الاسلام تأبي عن جواز التركيب في ذات اللّه تعالي و لو علي نحو الذاتية و الصفتية و العقول المستنيرة بانوار اهل العصمة سلام اللّه عليهم تأبي عن تجويز التركيب في البسيط الحقيقي كماقال علي7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل انظر في هذا الكلام فانك لاتجد كلاماً بهذا النظام من احد فان كلام الملوك ملوك الكلام كيف انكر الصفة علي البسيط و كيف استدل بالاستدلال العقلي الذي لايمكن لاحد من العقلاء رده و لايقدر احد من الحكماء نقضه فقال7 لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة لانهما لو كانا شيئاً واحداً لم‏يعقل ان‏يكون الشي‏ء الواحد شيئين احدهما صفة و الاخر موصوفاً و كيف اثبت بالعقل المعصوم ان الصفة و الموصوف مقترنان و هما اينما وقعا وقعا في الحوادث و صفة الحوادث ممتنعة في الازل البسيط الذي لايجوز في حقه شائبة التركيب فاذا قامت الضرورة علي عدم جواز التركيب بجميع اقسامه في الذات البسيط الحقيقي و حكم العقول المستنيرة علي ذلك و صرح المعصوم7 بالاستدلال العقلي علي ما هنالك يجب ان‏يحمل الاخبار الدالة(ظ) علي اثبات بينونة الصفة بين اللّه سبحانه و بين خلقه علي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان و لا شك ان للّه سبحانه صفات و لها موصوفات و نسبها و احكامها واقفة بينها لا بينها و بين الذات البسيط الحقيقي اذ لا شي‏ء سواه حتي يمكن ان‏يقال ماسواه غيره او عينه بالجملة هذا اذا اريد بالبسيط ما لم‏يتركب مطلقاً و بالمركب ما يتركب فما لم‏يتركب لم‏يكن

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 296 *»

عين المركب و هذا بديهي ظاهر لمن القي السمع و هو شهيد.

و ان قيل المراد بالبسيط الموضوع هو البسيط الحقيقي الذي لم‏يعقل فيه شائبة التركيب مطلقاً ولكن المراد بكل الاشياء المحمول ليس علي ظاهرها بل المراد منها انها مع قطع النظر عن تعددها و تركيبها هو البسيط ببساطته.

اقول اذا قطعت النظر عن اقترانها و تركيبها و تعددها بحيث لاتجد فيها عوجاً و اختلافاً و امتاً و هي هي مادامت علي ما كانت من التعدد و الكثرة و الاختلاف فلاتراها حينئذ اذ حقائقها هي الكثرة و التعدد و التركيب و انت لاتراها فقل البسيط ببساطته هو البسيط ببساطته و حينئذ قد حملت الشي‏ء علي نفسه و فقدت موضوعك و محمولك لانه لابد فيهما من جهة الاتحاد و الاختلاف علي ما اصطلحت و يحتاج في تحقيق حقائق الاشياء الي اثبات موضوع و محمول فلم‏يكن بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء بالجملة فالبسيط ببساطته ان كان كل الاشياء من جميع الوجوه و الاعتبارات و الاشياء مركبات بالبداهة فهو عين المركبات فعليك باثبات البسيط و ان كان عينها بطرف من اطراف وجوده و غيرها بطرف آخر فقد ثبت له طرفان و جهتان و طرفان و اعتباران طرف العينية و طرف الغيرية فهو مركب كسائر المركبات فعليك ايضاً باثبات البسيط.

و ان قيل ان طرف العينية عين طرف الغيرية فان عني بالعينية من كل وجه و اعتبار فحينئذ ليس له جهتان و الجهة الواحدة ان كانت عين الاشياء بكل اعتبار فقد جاء المحظور الثاني و في كلا المحظورين تحتاج الي اثبات البسيط فأنت ابيت الغيرية بين البسيط و المركب لاخراج البسيط علي زعمك عن حد التركيب و باثبات العينية وقعت فيها طرت عنه و اوقعت نفسك فيما تفر منه و اثبت التركيب للبسيط و لم‏تشعر بذلك بل اقول ان قبح التركيب المستلزم من اثبات الغيرية اقل من القبح اللازم من اثبات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 297 *»

العينية اذ باثبات الغيرية يحصل حد واحد مبهم و باثبات العينية يحصل حدود متعددة بعدد كثرة الاشياء و الكثرة اشد قبحاً بالنسبة الي البسيط ظاهراً من الوحدة و ان كان كلتاهما غير لائقتين لكرم وجهه و عز جلاله باطناً علي حد السواء فالحق في المقام ان‏نقول انه ببساطته ليس بكل الاشياء و لا بغيرها اذ لا ذكر لها فيه بوجه من الوجوه لامتناعها معه فهو هو سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين.

تفصيل: اذا عرفت ان غيرية البسيط و عينيته مع المركب كلتاهما مستلزمان للتركيب و هو ممتنع في الذات البسيط لانهما من صفات الحوادث و صفة الحوادث حادث لانها فرع الحوادث فاعلم ان المستدل لما رأي في مرتبة من مراتب الحوادث ان الشي‏ء اما ان‏يكون غير شي‏ء آخر و اما يكون عينه و لايعقل ان لايكون غيره و لا عينه قاس القديم عليها و زعم انه استدلال عقلي يقيني يمتنع احتمال خلافه و هو غافل بأن تلك النسبة واقعة بين افراد متواطئة متضادة من نوع واحد حسب لا بينها و بين نوعها و لا بين غير المتضادة منها فضلاً من وقوعها بين الاشياء المركبة و بين البسيط الحقيقي الاتري ان الحرارة و البرودة لما كانتا فردين من افراد الكيفية و كانتا متضادين لايمكن اجتماعهما في محل واحد و لايمكن خلوه من واحد منهما فلايمكن اتصاف الجسم بهما معاً في آن واحد و لا خلوه منهما معاً فلابد و ان‏يكون الجسم اما حاراً او بارداً فان كان حاراً فليس ببارد و ان كان بارداً فليس بحار و لايمكن ان لايكون حاراً و لا بارداً فليس بين النفي و الاثبات منزلة ثالثة غير النفي و الاثبات في امثال هذا المثال و اما اذا لم‏يكن بين الافراد تضاد فيمكن اثبات المنزلة الثالثة بين النفي و الاثبات كما تري ان الجسم يمكن ان‏يكون احمر و ان‏يكون اصفر و ان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 298 *»

‏يكون اخضر فيمكن اثبات المنزلة بين الاحمر و الاصفر بالاخضر فتقول مثلاً الجسم اما يكون احمر و اما يكون اصفر و اما لايكون احمر و لا اصفر بل يكون اخضر فليس بين الاحمر و الاصفر منع الخلو و يمكن اثبات المنزلة بينهما و كذلك يمكن اثباتها بين الافراد و النوع المتعالي عن الاضداد و الانداد كما ان ذات الجسم في مقامه الذاتي ليس بحار و لا ببارد اذ لو كان في ذاته حاراً لمايمكن ظهوره بالبارد و لو كان بارداً لمايمكن ظهوره بالحار فهو في ذاته ليس بحار و لا بارد و في ظهوره حار و بارد فبمضادته بين الحار و البارد اي ظهوره بهما علم ان لا ضد له فلايكون الحار ضداً له و لا البارد كما لايكونان نداً له اذ لو كان الحار او البارد ضداً له لماصدر منه و لم‏يصدق عليهما و لم‏يعقل صدق حده عليهما علي الحقيقة.

و كذلك لو كان الحار و البارد ندين له مثلين لم‏يعقل صدق حده عليهما علي الحقيقة و لماصدرا منه اذ لايعقل صدور الشي‏ء عن مثله اذ المثل لو كان اقوي منه في القدرة فلايكون مثله في القدرة فلايكون اولي بالعلية من المعلولية و لا شك ان الحار و البارد كلاهما جسم يصدق عليهما حده و تعريفه فلايكونان نداً له و لا ضداً له و لايكونان غيره لصدق اسمه و حده عليهما علي الحقيقة التي عرفها العقول السليمة بأسرها و لايكونان عينه اذ لو كان عينه و هما اثنان ببداهة العقول لكان الحار نصف الجسم و البارد نصف الجسم كما كان كل واحد منهما نصف الاثنين و ذلك باطل ببداهة العقول اذ يصدق علي كل واحد منهما تمام حد الجسم لا نصف حده علي هذا و نصفه علي ذلك و لايقال ان الحار و البارد لايكونان عين الجسم من حيث التمايز و الاثنينية ولكنهما عينه من حيث المجموعية اجمالاً لان المجموعية لاتحصل الا بالكثرة حقيقة لان معناها الحقيقي هو الشامل للافراد الجزئية و لو لم‏يكن الافراد المتكثرة الجزئية لم‏يعقل المجموعية مطلقاً فهي بلحاظ وجودها فرع وجود افرادها الجزئية فاذا كانت المجموعية لاتحصل الا بالافراد فكل فرد بعض ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 299 *»

المجموع فاذا اجتمعت الافراد المتكثرة بأسرها حصل سور الجمع و لما كان كل فرد بعض([4]) منه يصدق علي كل فرد انه مجموع و يصدق علي كل فرد انه بعض المجموع فلو كان الجسم مجموع الحار و البارد لم‏يعقل صدق حده عليهما معاً و علي كل واحد واحد علي حدته فليس الجسم بعين الحار و البارد كما لايكون غيرهما و لا نسبة بينهما و بينه بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات و حيث من الحيوث اذ هو مجري النسبة بينهما لا من شي‏ء غير انفسهما و هو لايكون غيرهما لينسب اليه نسبة الغيرية و لايكون عينهما لينسب اليه نسبة العينية و لا ثالث بين المؤثر القريب و اثره حتي يكون هو النسبة بينه و بين اثره بل اثره بعينه هو نسبة اللّه اي الي اثره لا الي المؤثر اذ المؤثر اذا اثر لايبقي الاثر اثر([5]) فهو وحده وحده فلايبقي شي‏ء حتي ينسب اليه فنسبته الي اثره و نسبة اثره اليه نفي النسبة و امتناعها بينهما و لذلك يسمي سورة التوحيد بسورة النسبة لما سألوه9 عن نسبة ربه فبين9 بوحي من اللّه سبحانه بأن نسبة ربه و صفته عدم النسبة و امتناعها بالنسبة اليه سبحانه.

فقوله هو اللّه احد ينفي جميع النسب عن ربه و يسبحه و يقدسه عن شوب جميع الكثرات في جميع المراتب الخلقية اذ الاحد الحقيقي هو الذي لايشوبه شائبة التركيب بوجه من الوجوه و الا لماكان احداً بل يكون اثنين او ثلثة او اكثر و لو باعتبار من الاعتبارات بمشعر من المشاعر الحسية او الخيالية او النفسانية او العقلانية او غيرها من المدركات للحقايق. بالجملة لا نسبة بين الموجد لا من شي‏ء و بين اثره مطلقاً اذ لايقوم الاثر معه حتي يمكن ان‏يقال ما النسبة بينهما و ليس الموجد و اثره باثنين و لايرجع اليهما ضميرين([6]) بل يرجع الي كل ضمير و ضمير المؤثر هو الضمير الحقيقي /و ضمير الاثر ليس غير ضمير المؤثر بل هو اثر ضمير المؤثر و اثر ضمير/@و ضمير الاثر ليس غير ضمير الاثر بل هو اثر ضمير المؤثر و اثر ضمير اثر المؤثر عين اثره و اثره ضمير بل ظاهره و ظهوره و هو اولي بظهوره من@در خ‌ل‌ به جاي آن خط مابين //  اين‌طور بود که مابين @@ نوشته شد

«* الرسائل جلد 3 صفحه 300 *»

نفس ظهوره و اظهر منه و اوجد في مكانه فلا شي‏ء سواه و كل شي‏ء مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم و هو اعز و اكرم من يغيره([7]) شي‏ء مما هو يغيره فهو الباقي الدائم الذي لم‏يزل و لايزول كل شي‏ء هالك الا وجهه و كل شي‏ء حقيقته دعوي بلابينة لها@دعوي بلابينة و لابينة لها خ‌ل@ ابداً و هو الشي‏ء بحقيقة الشيئية فلا شي‏ء سواه و بعد اثبات انه لايعقل ان‏يكون عين المركب و التسجيل و الرد علي من زعم ذلك بالادلة العقلية التي لا محيص للخصم الي ردها لاينبغي لعاقل الشك و الارتياب بأن ذلك هو معني بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء و لا قوة الا باللّه.

تفصيل: اذا عرفت ان بسيط الحقيقة ببساطته لايعقل ان‏يكون غير الاشياء و لا عينها للزوم التركيب المنافي للبسيط الحقيقي عرفت انه لايعرفه غيره بوجه من الوجوه و يمتنع معرفته سبحانه بغيره بكل اعتبار و حيوث اذ المعرفة اما تحصل بحصول صورة الشي‏ء عند العارف فتسمي تلك الصورة الحاصلة بالعلم و ذلك لايكون الا بانفصال شبح من صورة الشاخص و انطباعه في مدرك العالم و ذلك ممتنع في حق البسيط الذي ليس فيه شائبة التركيب و الصورة حتي يعقل انفصال شبح من صورته و انطباعه في مدرك احد من خلقه و خلقه يمتنع معه فكيف يعقل اولاً انفصال شبح من غير مصور بصورة و ثانياً انطباعه في مدرك من كان يمتنع معه فهذا النحو من الادراك يمتنع حصوله لغيره سبحانه اذ لا شي‏ء سواه و لا غير ماعداه.

و اما تحصل بالاتحاد بأن‏يصير الشي‏ء بنفسه مادته و صورته شيئاً آخر فيصير عارفاً به كمال المعرفة اذ المعرفة الاولي لاتكون الا بصورة الشي‏ء خاصة و هذه المعرفة معرفة تامة بصورة الشي‏ء و مادته و ذلك لايكون

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 301 *»

الا بالاستحالة كأن‏تصير الخمر خلاً او الدود طيراً و ذلك لايحصل الا بعد الانقلاب و الاستحالة عما كان اولاً الي ثاني الحالين و ذلك ايضاً يمتنع للخلق بالنسبة الي البسيط الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يزل و لايزال علي حالة واحدة لايتغير عما هو هو سبحانه و تعالي عن وصف الواصفين و معرفة العارفين فلايعرفه غيره بالاتحاد معه اذ لا غير له هو هو وحده وحده.

و اما تحصل بالاحاطة كمعرفة زيد بقيامه و قعوده و ركوعه و سجوده و ساير جلواته و ظهوراته و انواره و امتناع هذا النحو من المعرفة في حق الذات البسيط المحيط بالنسبة الي خلقه المحاط ابين من اخويه اذ المحاط الحقيقي الذي حقيقته المحاطية كيف يعقل ان‏يصير محيطاً يكون حقيقته المحيطية كيف و المحيط الحقيقي اذا احاط لايبقي و لايذر شيئاً غير نفسه و ليس له حالة غير محيطة اذ هو محيط ذاتي لا محيط وصفي فلا شي‏ء معه غيره ابداً ابداً في سوابق الزمان و لواحق الاوان في عالم الكون و الامكان فكيف يعقل ان‏يعرفه غيره فهو هو و هو يعلم ما هو و لايعلم ما هو الا هو وحده وحده.

فبذلك ظهر ان‌شاءاللّه لطالبي السبيل الي الرب الجليل سبحانه ان معرفة الذات بالوجه امر موهوم ليس له دليل و انما صدر ذلك من قلب غليل و عقل عليل فان ذلك الوجه ان كان غير الذات فكيف يدل علي الذات و انت عرفت انه لا غير للذات البسيط و ان كان عين الذات بكل اعتبار و فرض فلم لم‏يقولوا بامكان معرفة الذات نفسها و ان كان ذلك الوجه من وجه عين الذات و من وجه غيره فوجه عينيته معه ان كانت حقيقية بكل اعتبار بحيث لايبقي التخالف و التمايز مطلقاً بكل اعتبار فلايبقي حينئذ لك وجه غير الذات فكيف قلت معرفة الذات بالوجه ممكنة و ان كانت عينية فرضية لا حقيقة لها في الواقع فذلك كذب فمعرفة الذات به

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 302 *»

كذب فليس يمكن معرفة الذات به و ان كان وجه غيريته مع الذات هو الحاكي عنها فوجه غير البسيط هو وجه التركيب فكيف يعقل ان‏يكون المركب من حيث انه مركب حاكياً للبسيط من حيث انه بسيط كما لايعقل ان البياض من حيث انه بياض حاكي للسواد من حيث انه سواد فكيف يمكن معرفة الذات بالوجه هذا و هذا الوجه ان لم‏يكن له خصوصية مع الذات مطلقاً فكيف يكون حاكياً له و ان كان له خصوصية معها لم‏يكن تلك الخصوصية بشي‏ء من الاشياء فللذات البسيط قرابة معه ليست مع غيره من الاشياء و ذلك لايكون الا بالتركيب الموجب لقرب الشي‏ء الي شي‏ء و بعده عن الاشياء كقرب الاب بولده و بعده عن الاغيار و ذلك مناف في حق البسيط الحقيقي الذي نسبة صفة من صفاته علي جميع الاشياء علي حد سواء حيث ورد عن اهل العصمة صلوات اللّه عليهم اجمعين في تفسير قوله تعالي الرحمن علي العرش استوي علي الملك استولي ليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء آخر فكيف يمكن للوجه خصوصية مع الذات البسيط هذا.

و معرفة الشي‏ء علي الحقيقة لاتحصل الا بذلك الشي‏ء نفسه لا بشي‏ء آخر مطلقاً و انما يعرف الشي‏ء في بعض الاحوال بضده او بمثله او بملازمه او بملزومه و امثال ذلك و انما ذلك لمعرفتك بالشي‏ء و بضده و بمعرفتك به و بمثله او بلازمه او بملزومه و امثال ذلك ابتداء ثم بعد معرفتك بكلها ابتداء اذا تذكرت بشي‏ء منها ربما تتذكر بشي‏ء آخر ضداً كان او مثلاً او لازماً او ملزوماً و ربما تعرف شيئاً من ذلك بشي‏ء من ذلك و ذلك بعد معرفتك بكلها ابتداء و اما اذا لم‏تكن عالماً بشي‏ء ابتداء و تريد معرفته لايمكن لك ان‏تعرفه بشي‏ء سوي نفس ذلك الشي‏ء اماتري انك ان لم‏تعرف البياض مطلقاً و تريد معرفته اولاً بالسواد و بأنه ضده لم‏يكن لك معرفة البياض مطلقاً اللهم الا بعد معرفتك بالبياض و السواد ابتداء فيمكن لك بعد ذلك تذكر البياض بالسواد و بالعكس و كذلك ان لم‏تعرف النار مثلاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 303 *»

ابتداء و لم‏تعرف الحرارة ابتداء لايمكن لك معرفة النار بالحرارة و لا الحرارة بالنار نعم بعد معرفتك بكل واحدة منهما و بعد معرفتك بأن واحدة منهما لازم و اخري ملزوم يمكن لك تصوير كل واحدة منهما بواسطة تذكر اخري و ربما تعرف كل واحدة منهما بالاخري و اما ابتداء فلعمري لو تأملت علمت انه لايمكن معرفة شي‏ء منها بدون معرفة نفس ذلك الشي‏ء فاذا كان الامر كذلك و هو كذلك لايمكن معرفة شي‏ء بشي‏ء مطلقاً ابداً ابداً ابتداء فكيف يمكن معرفة الذات البسيط الذي ليس فيه شائبة من التركيب و الكثرة بشي‏ء غيره و كل شي‏ء غيره مركب متكثر البتة لامتناع وجود بسيطين حقيقيين.

فكيف يمكن معرفة الذات سبحانه و تعالي بالوجه هذا و قد قال اللّه سبحانه و تعالي لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قال سبحان رب العرش عما يصفون و قال نبيه9 ماعرفناك حق معرفتك و قال انت كما اثنيت علي نفسك لااحصي ثناء عليك و قال وليه7 كل ما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و قال الطريق مسدود و الطلب مردود و قد روي في الكافي عن فتح بن عبداللّه مولي بني‌هاشم قال كتبت الي ابي‌ابراهيم7 اسأله عن شي‏ء من التوحيد فكتب الي بخطه الحمد للّه الملهم عباده حمده الي قوله و قمع وجوده جوائل الاوهام الي قوله اول الديانة به معرفته و كمال معرفته توحيده و كمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة الموصوف انه غير الصفة و بشهادتهما جميعاً بالتثنية الممتنع منه الازل فمن وصف اللّه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد ابطل ازله و من قال كيف استوصفه و من قال فيما فقد ضمنه و من قال علي‏ما فقد حمله و من قال اين فقد اخلي منه و من قال ما هو فقد نعته و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 304 *»

من قال الي‏ما فقد غاياه عالم اذ لا معلوم و خالق اذ لا مخلوق و رب اذ لا مربوب و كذلك يوصف ربنا و فوق ما يصفه الواصفون و فيه ايضاً في خطبة لاميرالمؤمنين7 الي قوله و كلت عن ادراكه طروف العيون و قصرت دون بلوغ صفته اوهام الخلايق و فيه في خطبة له7 الممتنعة من الصفات ذاته و من الابصار رؤيته و عن الاوهام الاحاطة به لا مد لكونه و لا غاية لبقائه لاتشمله المشاعر و لاتحجبه الحجب و الحجاب بينه و بين خلقه خلقه اياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم و لامكان خلقه مما يمتنع منه و لافتراق الصانع من المصنوع الي آخرها و فيه في خطبة له7 ايضاً فليست له صفة تنال و لاحد يضرب له فيه الامثال كل دون صفاته تحبير اللغات و ضل هناك تصاريف الصفات و حار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير و انقطع دون الرسوخ في عمله جوامع التفسير و حال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب تاهت في ادني ادانيها طامحات العقول في لطيفات الامور فتبارك الذي لايبلغه بعد الهمم و لايناله غوص الفتن الي آخرها و فيه ايضاً عن ابي‌عبداللّه7 ان اللّه عظيم رفيع لايقدر العباد علي صفته و لايبلغون كنه عظمته ولاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير الي آخرها و فيه ايضاً عن ابي‌هاشم الجعفري عن الرضا7 قال سألته عن اللّه هل يوصف فقال اماتقرأ القرآن؟ قلت بلي قال اماتقرأ قوله لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار قلت بلي قال فتعرفون الابصار قلت بلي قال ما هي قلت ابصار العيون فقال ان اوهام القلوب اكبر من ابصار العيون فهو لاتدركه الاوهام و هو يدرك الاوهام انتهي.

الي غير ذلك من الخطب و الاخبار الصادرة عن ائمة الانام سلام‌اللّه‌عليهم التي كلها دالة صريحة واضحة المنار بأن معرفة الذات ممتنعة لكافة اهل الديار ديار عالم الامكان بالاستدلالات العقلية التي عرفها في جميع

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 305 *»

كلماتهم: بحيث لايبقي مجال الانكار لاحد من اهل عالم الامكان اللهم الا انكر احد بظاهر اللسان و قلبه مطمئن بالايمان و دخل فيمن نزل فيه هذا الفرقان و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم ظلماً فوجب علي من ادعي اتباع ائمة الهدي: ان‏ييأس من معرفة الذات البسيط الاحد بعد الاطلاع علي اقوالهم: سواء عرف وجه الامتناع منها او لم‏يعرف فانها صريحة في امتناعها بحيث لايبقي ريب للراجع اليها فان عرف بعد الرجوع امتناع المعرفة فذلك فضل من اللّه يشمله فشكر اللّه و ان لم‏يعرف اكتفي بظاهر دلالة كلامهم و اعتقد بأنها حق لا مرية فيها فظهر ان‌شاء‌اللّه للمنصف ان معرفة الذات البسيط بالوجه كلام لايوصل الي المرام و علي اهل التسليم لال محمد: السلام.

و لايقال ان الوجه قد ورد لفظه في الكتاب كما قال تعالي كل شي‏ء هالك الا وجهه لان هذا الوجه غير الوجه الذي يريدون بأن معرفة الذات يمكن بالوجه فان معرفة الذات مما لايمكن كما عرفت من الاستدلال و اخبار الال عليهم صلوات اللّه المتعال و اما الوجه الوارد في الكتاب و السنة فهو الوجه المضاف الي اللّه سبحانه الذي لايهلك و هو غير الذات البسيط الاحدي المعني كما روي في الكافي سئل ابو عبد اللّه7 عن قول اللّه عزّوجلّ كل شي‏ء هالك الا وجهه فقال ما يقولون فيه قلت يقولون يهلك كل شي‏ء الا وجه اللّه فقال سبحان اللّه لقد قالوا قولاً عظيماً انما عني بذلك وجه اللّه الذي يؤتي منه انتهي و فيه ايضاً في قول اللّه عزّوجلّ كل شي‏ء هالك الا وجهه قال من اتي اللّه بما امر به من طاعة محمد9 فهو الوجه الذي لايهلك و كذلك قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه انتهي و فيه ايضاً عن ابي جعفر7 قال نحن المثاني الذي اعطاها اللّه نبينا محمداً9 و نحن وجه اللّه نتقلب في الارض بين اظهركم و نحن عين اللّه في خلقه و يده المبسوطة بالرحمة علي عباده

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 306 *»

 عرفنا من عرفنا و جهلنا من جهلنا الخبر و فيه عن ابي عبد اللّه7 ان اللّه خلقنا فأحسن خلقنا و صورنا فأحسن صورنا و جعلنا عينه و لسانه الناطق في خلقه و يده المبسوطة علي عباده بالرأفة و الرحمة و وجهه الذي يؤتي منه و بابه الذي يدل عليه و خزانه في سمائه و ارضه بنا اثمرت الاشجار و اينعت الثمار و جرت الانهار و بنا ينزل غيث السماء و ينبت عشب الارض و بعبادتنا عبد اللّه و لولا نحن ماعبد اللّه انتهي و الاخبار في ان آل محمد: هم الوجه الذي يؤتي منه اكثر من ان‏تحصي فكما هم: عينه و يده و بابه و ليسوا بذاته البسيطة الاحدية كذلك هم وجهه الباقي الذي لايهلك و وجهه الذي يؤتي منه و يتوجه اليه الاولياء و هو غير ذاته سبحانه بل هم خلقه خلقهم فأحسن خلقهم فجعلهم معصومين عن جميع ما كرهه بحيث لايبقي لهم اقتضاء الا ما اقتضت قضاؤه سبحانه لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون لاينطقون عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و لذلك جعلهم جاهه في عباده قائمين مقامه في سائر عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار فجعل جميع ما يضاف اليهم ما يضاف الي اللّه من غير استثناء آيات الكتاب و الاخبار الصادر عن فصول الخطاب في هذا الباب اكثر من حد العد و الحساب بل لاتجد بواطن الشرايع الا هذا المطلب الذي هو المبدأ و المآب بالجملة الوجه الذي اثبته الكتاب و السنة غير الوجه الذي يريدون و لايخفي ذلك علي مريدي الحق و الصواب و الحمد للّه اولاً و آخراً.

و ان قيل ان كان معرفة الذات البسيط ممتنعة علي الخلائق اجمعين و يجب عليهم اليأس منها علي القطع و اليقين فهي مجهولة محضة علي الخلق فيرتفع منهم التوحيد للجهل المحض الحاصل لهم اجمعين و ذلك مناف لما جاء به الانبياء و لماانزل اللّه الكتاب علي المرسلين و اخبار ائمة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 307 *»

الطاهرين عليهم صلوات المصلين.

قلت نعم ماجاء نبي الا و دعا الخلق الي ذلك و الاخبار الواضحة المنار عن آل اللّه الاطهار ينادي بأن اول الدين معرفته و كمال معرفته توحيده و لا شك في ذلك و لا ريب في ما هنالك ولكن ينبغي للعارف ان‏ينظر الي جميع الاخبار و يتفكر في معانيها بنظر الاعتبار لا بالتمسك بظواهر بعضها و الغفلة من معناها و رد البعض لتنافي ظواهرها مع ظواهر بعض فأقول و باللّه المأمول انه لا شك في ورود اخبار كثيرة دالة علي امتناع معرفة الذات سبحانه و تعالي و كثير من الايات دالة علي ذلك بحيث لايمكن الانكار لاحد الا بظاهر من القول بدون الاعتبار و لا شك ايضاً في ورود اخبار كثيرة في وجوب الاعتراف بالتوحيد و هو اول الدين و كثير من الايات ايضاً دالة علي وجوب ذلك بحيث صار وجوب الاعتراف بالتوحيد من ضروريات الدين بحيث صار المنكر لذلك من الكافرين الجاحدين فأقول و باللّه التوفيق ان معني نوعي الاخبار حق حقيق بالتصديق و معناها كلها واحد لا اختلاف فيها عند التحقيق لانها كلها صادرة من عند اللّه و ان كان بعضها بلسان الاولياء: و لو كانت من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً فاعلم وفقك اللّه ان معرفة كل شي‏ء علي ما ينبغي ان‏تكون موافقة للواقع فان لم‏تكن موافقة للواقع فذلك جهل مركب لا معرفة فكلما تجد في الخارج شيئاً و تدرك بمشعر غير معوج مخصوص بذلك الشي‏ء الخارجي الواقعي فتعبر عما في وجدانك الصحيح و تعرفه يصير تعبيرك عنه و تعريفك اياه حقاً لا مرية فيه و ان كنت تجد ما في الخارج الواقع بمشعر غير صحيح معوج او غير مخصوص بذلك الشي‏ء فتعبر عنه و تعرفه قد صار تعبيرك عنه خطاء و تعريفك اياه غير موافق للخارج الواقع فيصير غير صواب البتة في الواقع و ان كان لك جهل مركب مثال ذلك ان كان في الخارج الواقع ثوب اصفر مثلاً و انت تريد معرفته و التعبير

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 308 *»

عنه و التعريف له لابد لك اولاً ان‏تقابله بعينك لانها هي المدركة للالوان لا باذنك و سائر حواسك لانها غير مخلوقة لادراك الالوان ثم ان قابلته بعينك لابد لك ان‏تقابله من غير حجاب البتة لان لون الحجاب او كدروته يؤثر في ادراكك فلاتدركه كما هو واقع في الخارج كما اذا قابلته من وراء منظرة زرقاء انك حينئذ تدرك الثوب اخضر لامحالة لاختلاط الصفرة الخارجية مع زرقة المنظرة فتخبر عن الثوب بأنه اخضر لانك تجده كذلك رأي العين فتعبر عنه بأخضر و تعرفه بأنه اخضر و هو في الخارج الواقع اصفر فيصير وجدانك و مشاهدتك و علمك جهلاً مركباً و لم‏تطلع علي الواقع الخارج فان اردت الصواب فاقبل اللّه بعينك من غير حجاب اذ الحجاب غير معوج و لا ملون كمنظرة بيضاء صافية فانك حينئذ تجد ما في الخارج الواقع كما هو فيصير وجدانك علماً صحيحاً فتعبر عنه بأنه اصفر و تعرفه بأنه صفر فيصير علمك و تعبيرك و تعريفك كلها صواباً لايشوبه شائبة الخطاء ابداً.

فاذا عرفت المثال و تفكرت فيه بنظر الاعتبار في فراغ البال و تمام الاقبال و التجنب عن القيل و القال مع الغفلة عما في القلب و التصوير في الخيال فاعلم ان العلم الصحيح هو علمك المطابق للخارج الواقع من غير تعويج و تغيير من مشاعرك و لذا سأل النبي9 ربه ان‏يريه الاشياء كما هي من غير تغيير و تعويج من الحجب المانعة عن ادراكها فعلمك الصحيح هو ان‏تري الاشياء كما هي في الخارج الواقع و تعبيرك الصحيح ان‏تعبر عنها كما تجدها في وجدانك الصحيح و تعريفك الحق لها ان‏تعرفها كما تجدها فانك ان كان وجدانك صحيحاً غير مغير و لا معوج لماجاءك من الخارج الواقع و تعبر عنه و تعرفه علي غير ما في وجدانك لكان تعبيرك عنه و تعريفك اياه كذباً البتة كما انك اذا قابلت بعينك الصحيحة من غير حجاب مانع عن ادراكك الي ثوب اصفر في الخارج

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 309 *»

الواقع و تجده كما هو واقع اصفر فتعبر عنه بأنه اخضر او احمر او غير ذلك من الالوان و تعرفه بأنه غير اصفر لكان تعبيرك عنه و تعريفك اياه كذباً البتة و هو غير لائق للعقلاء الحكماء ان‏يعبروا عما في قلوبهم بما لم‏يبينه و لم‏يظهره بل بما يبين خلافه و ما اقبح ذلك لدي اولي الالباب و لذلك لعن الكاذبين في عدة مواضع من الكتاب رب الارباب لانه المورث للشك و الارتياب المهلك المردي في المبدأ و المآب فان كنت ممن دخلوا البيوت من الابواب التي فتحها اللّه الوهاب لكل امر من الامور فعبر عما في الجنان بلسان اهل الايمان و اجتنب عن طريق الطرازين من اصحاب الشيطان لتكون من الفائزين برحمة الرحمن و اللّه الموفق للصواب المؤيد لعباده بفصل الخطاب.

فاذا وجدت الشي‏ء في الخارج الواقع علي ما بينت لك و اوضحت فعبر عنه بتعبير يؤدي ذلك و عرفه بتعريف يكشف عن الواقع فاذا وجدته طويلاً مستقيماً مثلاً فعبر عنه بالطويل المستقيم و ان كان معوجاً فعبر عنه بالاعوجاج و ان كان حسناً فعبر عنه بالحسن و عرفه به و ان كان قبيحاً فعبر عنه بالقبح و عرفه به و ان كان شريفاً فعبر عنه بالشرف و عرفه به و ان كان خسيساً فعبر عنه بالخسة و عرفه بها و ان كان عالياً فعبر عنه بالعلو و عرفه به و ان كان دانياً فعبر عنه بالدنو و عرفه به و ان كان شهادياً فعبر عنه بالشهادة و عرفه بها و ان كان غيبياً فعبر عنه بالغيب و عرفه به و ان كان حقاً فعبر عنه بالحق و عرفه به و ان كان باطلاً فعبر عنه بالبطلان و عرفه به و هكذا ان كان خلقاً فعبر عنه بالمخلوقية و عرفه به و ان كان امراً فعبر عنه بالامرية و عرفه به و ان كان مقيداً فعبر عنه بالتقييد و عرفه به و ان كان مطلقاً فعبر عنه بالاطلاق و عرفه به و ان كان خاصاً فعبر عنه بالخصوص و عرفه به و ان كان عاماً شاملاً فعبر عنه بالعموم و الشمول و عرفه به و ان كان كوناً فعبر عنه بالجواز و عرفه به و ان كان امكاناً فعبر عنه بالرجحان و عرفه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 310 *»

به و ان كان وجودياً اثباتياً بالفعل فعبر عنه بالفعل الثابت الموجود و ان كان نفيياً عدمياً صلوحياً فعبر عنه بالصلوح و القوة و اللانهاية و هكذا و ان كان مركباً من اجزاء متعددة و حيوث و اعتبارات متكثرة فعبر عنه بالتعدد و عرفه كما هو في الواقع الخارج بجميع حدوده و مشخصاته و فصوله من التعدد في الاجزاء و التكثر في الحيوث و الاعتبارات بحيث يمتاز بتعريفك عماسواه فان التعريف الحقيق هو الذي يجمع جميع ما كان داخلاً في الشي‏ء من الاجزاء و الحدود و الحيوث و الاعتبارات و يمنع جميع ما هو خارج عنه داخل في ماسواه و ان كان مركباً مثلاً من جزئين لا ازيد من ذلك فعبر عنه بما وجدته في نفسك و عرفه بحدوده الخاصة به حتي يمتاز عماسواه كما هو في الواقع الخارج فان كان الشي‏ء غير مركب و كان بسيطاً بجميع الحيوث و الاعتبارات في الواقع و رزقت ادراكه علي ما كان عليه في الواقع و اعطيت آلة ادراكه و تلك الالة ليست من الالات الخلقية و المشاعر المعروفة بل هي آلة فوق جميع الالات و مشعر فوق جميع المشاعر بل هي ليست بآلة و لا مشعر منك و لا من غيرك و يمكن التعبير عنها بأنها من اللّه سبحانه ولكنه ايضاً تعبير لايدركه الا العليم الخبير و ليس بمرجع لكل ضمير فلاتغتر بظاهر اللفظ ما لم‏تتزود منه باللحظ و ذلك علي حد ما قال الشاعر و عرف من لم‏يعرف بالمشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة   و لم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رآها به   فكان البصير بها طرفها

فانظر اليه بنظره و عبر عنه بتعبيره و عرفه بما عرف به نفسه و لاتغير ما وجدته ان وجدته بعبارة كاذبة غير لائقة لتكون من الكاذبين الملعونين في عدة مواضع من الكتاب المبين و الخطاب المتين و تذكر الاخبار الواردة في شرح هذا المقام و لاتتجاوز عنها الي غيرها فانها ابلغ الكلام و ليس فوق ذلك كلام احسن و اتقن و اصدق و احق فان كلام الملوك ملوك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 311 *»

الكلام و كل تعبير علي خلاف تعبيرهم: و لو علي قدر شعرة من الخلاف فهو ينبي‏ء علي عدم وقوفك علي المرام البتة و الا لا معني لخلافك الاتري ان ذوي العيون الصحيحة و ان كانوا متعددين متكثرين اذ@اذا خ‌ل@ نظروا الي الثوب الاصفر وجدوه اصفر و عبروا عنه باصفر و عرفوه بالاصفر فهم متحدون في الوجدان و التعبير و التعريف و ان كانوا متعددين فلو عبر احد عنه و عرفه بأنه يشوبه زرقة و لو علي مقدار اقل قليل فانه يكشف بأنه عليل في بصره و ابصاره او في خياله بواسطة صعود ابخرة مكدرة ممرضة او ينبي‏ء بأنه وجده كما وجدوه ولكنه كاذب في التعبير لاغراض عرضت له في نفسه من العادات الحاصلة من القواعد المسلمة له غير المسلمة عند السليم العقل القويم القلب او من المعاشرات لاهل الباطل او من مطالعة كتبهم او من الشهوات الحاصلة له من قبل اخلاطه و طبايعه او اكتساباته من الاشخاص او من ارض الغضب التي خلقت في سجيته او من ارض الحاده التي طبيعتها تحريف الكلم و تبديل الحق بالباطل و تغيير كل شي‏ء عما هو عليه او من ارض شقاوته التي طبعها خلاف الحق و اهل الحق و غير ذلك من الاغراض الممرضة المهلكة المردية نعوذباللّه منها و من مقتضاها و من مقتضي عواقبها من الجزاء و لا حول و لا قوة الا باللّه بالجملة فعبر عن البسيط كما وجدته ان وجدت و لاتغير التعبير و عرفه بما عرف به نفسه و لاتتجاوز عنه فانه هو الخبير بنفسه و لاينبئك مثل خبير و من يتعد حدود اللّه فقد ظلم نفسه.

و ان اردت ان‏تعرف صدق ما اقول فأصغ لما اروي عن اهل العصمة: فانه المأمول ففي الكافي عن ابي‌عبداللّه7 قال اميرالمؤمنين7 اعرفوا اللّه باللّه و فيه عن مولي رسول‌اللّه9 قال سئل اميرالمؤمنين7 بم عرفت ربك قال بما عرفني نفسه قيل كيف عرفك نفسه قال تشبهه صورة و لايحس بالحواس و لايقاس بالناس قريب في بعده بعيد في قربه فوق كل شي‏ء و لايقال شي‏ء فوقه امام كل شي‏ء و لايقال له امام داخل في الاشياء لا كشي‏ء داخل في شي‏ء خارج

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 312 *»

من الاشياء لا كشي‏ء خارج من شي‏ء سبحان من هو كذا و لا هكذا غيره و لكل شي‏ء مبتدأ انتهي و فيه عن ابي‌حمزة قال قال لي علي بن الحسين7 يا اباحمزة ان اللّه لايوصف بمحدودية عظم ربنا من الصفة و كيف يوصف بمحدودية من لايحد و لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير انتهي و فيه عن الرضا7 بعد ما حكي له بأن الناس يصفون اللّه بما لايليق به فخر ساجداً للّه ثم قال سبحانك ماعرفوك و ماوحدوك فمن اجل ذلك وصفوك سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك سبحانك كيف طاوعتهم انفسهم ان‏يشبهوك بغيرك اللهم لااصفك الا بما وصفت به نفسك و لااشبهك بخلقك انت اهل كل خير فلاتجعلني من القوم الظالمين ثم التفت الينا فقال ما توهمتم من شي‏ء فتوهموا اللّه غيره ثم قال نحن آل محمد النمط الاوسط الذي لايدركنا العالي و لايسبقنا التالي الي آخر الحديث و فيه عن محمد بن حكيم قال كتب ابوالحسن موسي بن جعفر7 الي ابي ان اللّه اعلي و اجل و اعظم من ان‏يبلغ كنه صفته فصفوه بما وصف به نفسه و كفوا عماسوي ذلك و فيه عن ابي‌عبداللّه7 ان اللّه عظيم رفيع لايقدر العباد علي صفته و لايبلغون كنه عظمته و لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و لايوصف بكيف و لا اين و لا حيث و كيف اصفه بالكيف و هو الذي كيف الكيف حتي صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف ام كيف اصفه بأين و هو الذي اين الاين حتي صار ايناً فعرفت الاين بما اين لنا من الاين ام كيف اصفه بحيث و هو الذي حيث الحيث حتي صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث فاللّه تبارك و تعالي داخل في كل مكان و خارج عن كل شي‏ء لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار لا اله الا هو العلي العظيم و هو اللطيف الخبير انتهي الي غير ذلك من الاخبار الساطعة المنار الدالة علي وجوب معرفة اللّه به سبحانه و بما عرف به نفسه لا بشي‏ء آخر من الحوادث

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 313 *»

و صفاتها و يستنبط من الحديث الشريف الاخير قاعدة لطيفة كلية و هي قوله7 و كيف اصفه بالكيف و هو الذي كيف الكيف الي آخرها فانه يشعر بأن المعطي للشي‏ء يجب ان‏يكون في ذاته بريئاً عن ذلك الشي‏ء لانه قال7 و كيف اصفه بالكيف و هو الذي كيف الكيف و ذلك معني قول اميرالمؤمنين7بمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له.

بالجملة فلنرجع الي ما كنا فيه و هو انك اذا وجدت مركباً ينبغي لك ان‏تعبر عنه كما وجدته و تعرفه بما عرف لك نفسه اي بما ظهر لك في وجدانك و اذا وجدت بسيطاً حقيقياً فعبر عنه كما وجدته و عرفه بما وصف به نفسه لك فانظر اليه بنظره هل وجدته في عالم الغيب فيصير بذلك مصوراً بصورة الغيب فلايكون حينئذ بسيطاً بل يصير مركباً او وجدته في عالم الشهادة فيصير شهادياً مركباً او وجدته في عالم الامكان فيصير صلوحاً و مادة للاكوان او وجدته في عالم الاعيان و الاكوان فيصير محدوداً بها مغايراً للامكان ام في عالم الامر فيصير محدوداً به خلواً من عالم الخلق ام بالعكس فيصير مخلوقاً مركباً ام في عالم الجواهر فيكون محلاً للاعراض ام في عالم الاعراض فيكون عارضاً للمحال ام في عالم الذوات فيكون مقترناً بالصفات ام في عالم الصفات فيكون تابعاً للذوات و الموصوفات ام في عالم التجرد فيكون المواد خالية منه ام في عالم المواد فيكون المجردات مستقلة بأنفسها غير محتاجة اليه ام في عالم الكليات فيكون الجزئيات محرومة عن الاستفاضة منه ام في عالم الجزئيات فيكون الكليات مستقلة بأنفسها لديه ام في عالم البسائط فالمتولدات منه محرومة ام في عالم المتولدات و البسائط عنه ممنوعة ام في عالم الوجود فالماهية غير مجعولة ام في عالم الماهيات فالوجودات منه ممنوعة او مستقلة ام عالم الاشخاص فالاعمال الصادرة عنهم اليهم مفوضة او@ام خ‌ل@ في عالم الاعمال فالاشخاص مجبورة ام في عالم الارواح فيكون حالاً في الاجساد و الاجساد في ذواتها مستقلة مستغنية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 314 *»

عنه ام في عالم الاجساد فيكون محلاً متصرفاً للارواح ام في السموات و الارضون منه خالية ام في الارضين فيكون منفعلاً متصرفاً تحت السموات ام في عالم الشواخص فالاشباح له مجهولة ام في عالم الاشباح فيكون تابعاً للشواخص ام في عالم الجواهر و الذوات فيحتاج الي النسب و الاوضاع و الحدود ام في عالم الحدود فيكون فرعاً للمحدود ففكر في نفسك هل تجد البسيط المعري عن الحد و الصورة محصوراً في عالم من العوالم او رتبة من المراتب فهل تعرفه و توصفه بأنه كل الاشياء او بعضها او غيرها او عينها و هل تجده فوق الاشياء او تحتها او الي جنبها([8]) و هل تعرفه و توصفه بأنه فوق او تحت و هل تجده في السماء و ما في السماء سماوي ام في الارض ارض ام بعيد و البعيد ليس بقريب ام قريب و القريب ما ليس ببعيد ام عالياً و هو غير الداني ام دانياً و هو غير العالي او داخلاً في الاشياء و الداخل ليس بخارج ام خارجاً و هو غير داخل و امثال ذلك و العمري@لعمری خ‌ل@ لو وجدته في امثال ذلك فقد وجدت غيره و غيره مركب مجزي مثني محتاج.

بالجملة فان وجدته علي ما كان عليه و ليس هنا علي و لا ما و لا كان و لا عليه وجدته شيئاً بحقيقة الشيئية بحيث لا شي‏ء سواه ابداً و يمتنع معه ماعداه و ليس مع و لا هو و لا ما و لا عدا فاذا عرفته كذلك وجدته و فقدت غيره بحيث يمتنع وجود غيره فهل وجدته انت و عرفت انت او يمكن ان‏تجده و تعرفه@و تعرفه و تعرّفه خ‌ل@ او تصل اليه او يمكن لاحد من الخلق في اعلي الرتب الذي هو وجود محمد و آله صلوات اللّه عليهم اجمعين او في اسفل الرتب ان‏يصل اليه او يجده او يدرك صفته او يعرفه@يعرفه و يعّرفه خ‌ل@ فان وجدته بحيث يمكن الوصول اليه لاحد من الخلق و ان كان في اعلي درجات البساطة الخلقية و المعرفة و التعريف و التوصيف له فقد وجدت غيره و سميته باسمه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 315 *»

و لاتجده بل ان وجدته مع امتناع غيره فقد وجدته و لايمكن لك و لا لغيرك كائناً من كان وجدانه و يمتنع لك و لغيرك بالغاً ما بلغ من مراتب القرب عرفانه فسبحان من لايعرفه غيره و لايعلمه كما هو الا هو سبحان من كان هكذا و لا هكذا غيره فمعلوميته عين مجهوليته و مجهوليته عين معلوميته و وجدانه في فقدانك و فقدانك في وجدانه انت لاتحتجب عن خلقك الا ان‏تحجبهم الامال دونك بل ان وجدته و لايمكن ذلك ابداً وجدته انه لشدة معلوميته صار مجهولاً و لشدة موجوديته صار مفقوداً سبحانك ما اعظم و اظهر نورك و ما اوسع ظهورك فلا نور الا نورك و لا ظهور الا ظهورك سبحانك من لايجهله شي‏ء و يعرفه كل شي‏ء و يقصده كل شي‏ء و يوحده كل شي‏ء و يسبحه كل شي‏ء و يمجده كل شي‏ء و يقدسه كل شي‏ء سبحان من دانت له السموات و الارض بالعبودية و اقرت له بالربوبية و شهدت له بالوحدانية يسبح له ما في السموات و الارض كل قد علم صلوته و تسبيحه سبحان من لايعرفه شي‏ء و يجهله كل شي‏ء و لايقصده شي‏ء و لايوحده شي‏ء و لايقدسه و لايسبحه و لايمجده شي‏ء و لايقرب اليه شي‏ء في السموات و الارض و ما فيهن لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين فهل زعمت ايها الناظر الي كلماتي هذه ان‏يلزم منها ارتفاع التوحيد من احد او يمكن معرفة الذات البسيطة لاحد و ليست هذه الكلمات الا مقتبسة من انوار التوحيد و اسرار التفريد و الحمد للّه علي ما من علينا ببركة مشايخنا العظام ما لم‏يؤت اكثر من في العالمين جزاهم اللّه عن الاسلام و المسلمين افضل جزاء المحسنين اللهم ان هذا منك و من محمد و آله الطيبين صلواتك عليهم اجمعين.

تفصيل: اعلم ان الشي‏ء كلما كان حدوده و شروط وجوده اكثر كان دائرة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 316 *»

ذات وجوده اضيق و يصير نفوذه في الاشياء بسبب ضيق دائرته اقل البتة و كلما كان الشي‏ء حدوده و شروط وجوده اقل كان دائرة وجوده اوسع و يصير بذلك نفوذه في الاشياء اكثر و طيه و احاطته و شهادته للاشياء اكثر فاذا وصل الامر الي ما لا حدود له و لا شروط معه بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات و حيث من الحيوث صار دائرته اوسع الدوائر فبذلك يصير نفوذه و طيه و احاطته و شهادته بلا نهاية للاشياء بحيث لايوجد شي‏ء الا و كان منطوياً تحته محاطاً لديه و لما كان انطواؤه بلا نهاية لايبقي طرف من اطراف وجوده و حد من حدود ماهيته و اضافة من اضافات([9]) مادته و صورته و نسبة من نسبهما بأي اعتبار و حيوث بأي دقة نظر من الانظار من كل احد الا و هي منطوية تحت ما لا حد له و معني الانطواء الحقيقي ليس علي المفهوم المتبادر الي اكثر الاذهان بأن‏يكون الشي‏ء واقعاً في مكان و احاطه بجميع جوانبه شي‏ء آخر كالطير الواقف في الهواء المنطوي تحت من كل جوانبه فوقه هواء و تحته هواء و امامه هواء و وراءه هواء و يمينه هواء و يساره هواء او كالسمك(ظ) في الماء بحيث احاط الماء بجميع جوانبه و هو منطوي محاط او كاللون في اللباس فانه احاط بكل جانب منه حتي صار نافذاً في اعماقه في كل ذرة ذرة او كالخل في السكنجبين فانه نافذ في جميع اقطاره او كالمزاج في المركب فانه داخل في ظواهره و بواطنه بحيث يكون بسبب شدة نفوذه متصرفاً في جميع اجزائه بحيث صار حيوة كل جزء بل حيوة الكل بوجوده و يعبر عنه في بعض اللغات بالحرارة الغريزية و بالحرارة الفلكية التي في كل الاشياء بحيث اذا فارقت لمحة من شي‏ء فسد كونه و تعفن و تفرقت اجزاؤه و تفككت و صار كل جزء منه الي حيزه الاصلي و صار جزءاً لبسيطه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 317 *»

و عنصره الاصلي كما تري ذلك رأي العين في جميع الحيوانات و النباتات و البرازخ الواقعة بينهما بل في المعادن و الجمادات كل بحسبه بل في البسائط الاولية اذا دققت فيها النظر و حددت فيها البصر فان للماء الصرف ايضاً مزاج خارج عن اجزائه به قوامه و خواصه و ذلك المزاج هو الحرارة الغريزية الفلكية الحافظة بقوامه و خواصه بحيث اذا فارقت يوماً بسبب من الاسباب الخارجية فسد كونه و تعفن و ذهب عنه خواصه و تفرقت اركانه و كذلك الامر في سائر اخواته من العناصر.

بالجملة و ليس المراد هنا بيان اسرار هذه الحكم و تمام المقصود بيان معني الانطواء في الداني و الطي من العالي فليس معني انطوائه تحته كانطواء الصورة من تحت المادة بحيث صار المادة نافذة في جميع اطراف الصورة بحيث صارت الصورة طرفاً لها لا قوام لها مطلقاً الا بها و لا وجود لها الا بها ابداً و لا كانطواء بدن النباتات و جسمه تحت روحه بحيث يكون جميع حركاته من جميع جوانبه الظاهرية و الباطنية منه و لايقدر من حيث هو هو بدون روحه علي حركة من الجذب و الهضم و الامساك و الدفع و الربا و الزيادة و النقصان و ليس ذلك الا بالروح في البدن فالبدن محاط منطوي و الروح محيط طاو بلا شك ولكن المحاط و المحيط بهذا المعني غير لائق اثباته بين المحيط الحقيقي بلا نهاية و المحاط الحقيقي بلا نهاية بل هذا المعني اثباته في ذلك المقام يستلزم الشرك الحقيقي و الكفر الحقيقي لان ذلك مستلزم لتركيب الذات البسيط و ذلك شرك بلحاظ لاثبات التركيب المشترك بين البسيط و المركب و كفر بلحاظ ان اثبات التركيب في الذات البسيطة كفر به لانه ستر و اخفاء للذي لاتحتجب عن خلقه و ليس معني الاحاطة الحقيقية بلا نهاية كاحاطة الروح البخاري في البدن بحيث يكون جميع متقلبات البدن منه و لولاه يبقي البدن بلا حراك كما هو مشهود معلوم و ليس كاحاطة الروح الحيوانية في الروح البخارية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 318 *»

في البدن ايضاً و ان كانت الحركات الحيوانية الظاهرة من البدن من السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب و الحرص و البخل و الغشم و الظلم و سائر الخصال الحيوانية لاتكاف الا بالحيوة الحيوانية في البدن فتكون هي المحيطة من كل جانب من البدن و البدن محاط له يتحرك بتحريكها و يسكن بتسكينها ولكن اثبات هذا المعني ايضاً مستلزم لما مر من المفاسد هناك و ليس كاحاطة النفس بالنسبة الي البدن ايضاً مع ان البدن محاط تحتها بحيث تحركت بارادتها و تسكن بمحض اشارتها و ليس كاحاطة العقل ايضاً مع انه وسط الكل و المركز الحقيقي بحيث صار عالماً بالشي‏ء قبل كونه كما يكون عالماً بعد كونه و ليس كاحاطة السماء بالارض او العرش بما دونه مع ان العرش محيط بما دونه من جميع جوانبه اما الظاهرية فظاهرة لان ما دونه فيه كالمركز الواقع في وسط الكرة و الكرة محيطة به من كل جانب و اما الاحاطة الباطنية فلان جميع حركات ما دونه منه و جميع التصرفات فيها له هو المالك لما ملكها و القادر علي لما اقدرها عليه منه بدء الحركات و اليه تعود.

و الحركات ايضاً المراد منها غير ما يتبادر الي اغلب الاذهان فانها يتبادر اليها الحركة من المشرق الي المغرب و ربما يتبادر الي بعضها ان سائر الحركات التي من المغرب الي المشرق و غيرها من انحاء الجهات كلها راجعة اليه ايضاً و كذلك الامر ولكن الحركات التي تنسبها اليه اعم من ذلك كله ايضاً لان كل شی‏ء في كل طور له انتقال و حركة و كل ذلك منسوب اليه البتة كانتقال النطفة علقة و العلقة مضغة و المضغة عظاماً و العظام لحماً ثم الانتقال الي الخلق الاخر ثم الانتقال من حال نقصان الي الكمال او من الكمال الي النقصان فانها كلها انتقالات و حركات و كذلك من الانتقالات و الحركات صيرورة الشي‏ء ذا طعم و لون و ريح و وزن من الخفة و الثقل و سائر الكيفيات من الحرارة و البرودة و الرطوبة و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 319 *»

اليبوسة و الملاسة و الخشونة و غيرها و صيرورة الشي‏ء ذا كم و رتبة و جهة و وضع و فعل و انفعال بل ذا مادة و صورة و وقت فانه اذا كان شديد التركيب يصير وقته اكثر و كلما كان رخو التركيب يصير وقته اقل و فناؤه اسرع و صيرورة الشي‏ء ذا مكان فانه اذا كان مادته الطف يكون مكانه اعلي و اذا كانت اكثف يصير مكانه اخس و اسفل و صيرورة الشي‏ء شيئاً آخر كصيرورة الكلب في الملاحة ملحاً و كصيرورة البسائط جماداً و صيرورته معادن و صيرورته نباتاً و صيرورته حيواناً و صيرورته انساناً و كصيرورة الحي ميتاً و الميت حياً و كصيرورة الجمع متفرقاً و المتفرق جمعاً الي غير ذلك فجميع التغيرات كلها انتقالات و حركات و كلها بدؤها و عودها اليه فهو المحيط بها بجميع اطرافها و مع ذلك كله الاحاطة بهذا المعني مما لاينبغي للموحد اثباته للمحيط الحقيقي البسيط.

و كذلك ليس احاطته كاحاطة المطلق بالنسبة الي المقيد كاحاطة كل شي‏ء الي ما يصنع منه و كاحاطة الجسم المطلق بالنسبة الي الاجسام الجزئية او احاطة المثال المطلق الي الامثلة او احاطة المادة المطلقة الي المواد الجزئية او احاطة الطبع المطلق بالنسبة الي الاجنة و احاطة الانسان الكلي بالنسبة الي الاناسي و احاطة العقل الكلي بالنسبة الي العقول الجزئية او احاطة الامكان الجائز و الوجود المقيد@المطلق خ‌ل@ بالنسبة الي المراتب الكلية المذكورة او احاطة الامكان الراجح بالنسبة الي الجائز و الوجود المطلق الراجح بالنسبة الي الوجود المقيد فانها كلها نسب المراتب الخلقية كائنة ما كانت بالغة ما بلغت و كل ما يجوز في الخلق يمتنع في الذات البسيط البتة لانه ليس كمثله و صفته شي‏ء و ان كان في كل رتبة و مقام له مقام في ذلك المقام اذ لا تعطيل لمقاماته في كل مكان كماروي في دعاء رجب و بمقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك رتقها و فتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فكل احاطة في كل رتبة من المراتب المذكورة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 320 *»

آية من آيات احاطته و علامة من علامات شهادته لاهل تلك الرتبة الا انه لاينبغي اثبات احاطة ذات المقدسة عن شباهة مخلوقاته كاحاطة شي‏ء من المراتب بالنسبة الي شي‏ء يا من دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته فهو المحيط الشهيد بكل الخلق لا كاحاطة شي‏ء بالنسبة الي شي‏ء و شهادته الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط الا انه بكل شي‏ء شهيد قل اي شي‏ء اكبر شهادة قل اللّه شهيد بيني و بينكم، و نحن اقرب اليه من حبل الوريد و نحن اقرب اليه منكم ولكن لاتبصرون، افرأيتم الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون افرأيتم النار التي تورون ءانتم انشأتم شجرتها ام نحن المنشئون افرأيتم ما تحرثون ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون افرأيتم ما تمنون ءانتم تخلقونه ام نحن الخالقون، قل اللّه خالق كل شي‏ء، ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.

بالجملة كلما كان الشي‏ء اقل حدوداً و شروطاً كان ابسط و اوسع فيصير بذلك انفذ و اولي بالاشياء من غيره و كلما كان اكثر حدوداً و شروطاً كان دائرة وجوده اضيق و بذلك صار نفوذه في الاشياء اقل كما ان الذهب المطلق مثلاً لما كان بالنسبة الي المعدن اكثر حداً و شروط وجوده بالنسبة اليه كانت اكثر لان شروط وجوده اقلاً وجود المعدن المطلق و ليس شرط وجود المعدن المطلق الذهب فبذلك صار دائرة الذهب بالنسبة الي المعدن و دائرته اضيق فيصير بذلك نفوذه في الاشياء اقل من المعدن فانه نافذ فيما يصنع منه حسب و ليس بنافذ فيما يصنع من الفضة و النحاس و الحديد و الرصاص و الصفر و ليس بنافذ في غير المنطرقات من انواع المعادن ولكن المعدن المطلق لما كان حدوده بالنسبة اليه اقل و شروطه بالنسبة اليه اقل صار بذلك اوسع دائرة منه في الاشياء الكثيرة فصار نافذاً في الذهب و الفضة و النحاس و الحديد و الصفر و الرصاص و غير ذلك من انواع المعادن منطرقاً و غير منطرق بل صار نافذاً بسعته فيما يصنع من كل واحد من تلك الانواع ولكنه مع ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 321 *»

السعة و الاحاطة لماكانت حدوده و شروط وجوده اكثر من العنصر المطلق صارت حدوده و شروطه سوراً و حصاراً مانعاً من النفوذ في الجمادات و النباتات و ظواهر الحيوانات و لما لم‏يكن للعنصر ذلك الحصار المخصوص بالمعدن صار دائرته اوسع منه و اوسع بحيث صار بذلك الوسعة نافذاً في جميع اقطار المعادن من جميع جوانبها من ظواهرها و بواطنها بحيث لايوجد في وجودها سواه و هو قد صار اولي بها منها و صار نافذاً في جميع اقطار الجمادات و اعماق النباتات و ظواهر الحيوانات بحيث لايوجد في الكل الا هو وحده وحده ولكنه لما كان اكثر حداً و شرطاً من الجسم المطلق صار نافذاً في السفليات حسب و لايقدر بواسطة حصار صورته النفوذ في العلويات ايضاً ولكن لما كان الجسم المطلق بالنسبة اليه اقل حداً و شرطاً و صار بريئاً من حصار صورته و حدود ماهيته و شروط انيته صار بذلك اوسع دائرة و ابسط فصار نافذاً في جميع السفليات و العلويات من جميع جوانبها و اقطارها و اعماقها بحيث لايوجد في جميع ممالكها سواه و لايبقي في جميع بلادها ذكر لماعداه:

ما في الديار سواه لابس مغفر   و هو الحمي و الحي و الفلوات

و جميع ماسواه لديه ممتنعة و ذكر جميعها عنده معدومة صرفة صرفة و ليس محض محض فذكره ينسي الاذكار و اسمه يمحو الاسماء و رسمه يهدم الرسوم و حده يخرب الحدود فهو الباقي في رتبته و كل شي‏ء دونه هالك كان كذلك في جميع القرون الماضية و يكون الان كما كان و سيكون في الاعصار الاتية ايضاً لاتغيره الازمنة ابداً ماضية و آتية و لاتحيط به الامكنة الجزئية علوية و سفلية كان علي واحدة([10]) ابداً ابداً من غير انتقال و لا زوال و بذلك صار آية من آيات اللّه سبحانه في هذه الرتبة بحيث تقدر علي اجراء كلمات التوحيد فيه بالنسبة الي مادونه لانه هو تعريفه سبحانه و تعرفه لها بالجملة لعلك عرفت بعد هذه الكلمات المرددة المكررة المختلفة المؤتلفة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 322 *»

ان النفوذ في الاشياء سببه الوسعة و سببها قلة الحد و الشرط و ليس الحد الا كالحصار المانع من النفوذ ظاهراً و الباطن علي طبق الظاهر بلاتفاوت ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما امرنا الا واحدة فاذا عرفت ذلك ان‌شاءاللّه و اتقنت في فكرك هذه القاعدة و اثبتها في قلبك حتي صارت ملكة لك و ما تقرأ في كتب الاساتيد اجل اللّه شأنهم و انار في العالمين برهانهم من الالفاظ من غير تقليد لاحد و معلوم ان حديثاً واحداً تدريه خير من الف حديث ترويه و رب حامل فقه الي من هو افقه منه و للّه الامر وحده و عليه التوكل و اليه المتاب و منه التوفيق و له الشكر و المنة.

تفصيل: ان تعقلت معني البسيط الحقيقي بأنه لايعقل ان‏يكون فيه شائبة التركيب مطقاً ينبغي لك ان‏تعرف انه لا نهاية لسعته ابداً فلايعقل ان‏يكون متناهياً الي شي‏ء من الاشياء فان زعمت له تناه نعوذباللّه فاعلم بالعلم القطعي انك لاتفهم معناه و عرفت غيره و سميته باسمه فاسع تمام سعيك في تعقل معناه حتي تجده بأنه لايعقل ان‏ينتهي بشي‏ء من الاشياء سواء كان ذلك الشي‏ء وجوداً مطلقاً و امكاناً راجحاً او وجوداً مقيداً و امكاناً جائزاً او احداً من ظهوراته من المراتب المتنزلة او شيئاً من ظهورات کل رتبة من المراتب او شيئاً من ظهورات تلك الظهورات و ظهورات ظهوراتها الي ما لا نهاية لها او شيئاً من حدودها من الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و الوضع بأنحائه و الفعل و الانفعال و كل ما ينسب او يضاف اليها من الملك و التملك الذاتي و العرضي و لوازمها الذاتية و العرضية و كل ما يضاف اليها بلحاظ من الملاحظات و نظر من الانظار و اعتبار من الاعتبارات و آثار من الاثار و الافعال و آثار الافعال و آثار آثارها و اشباح تلك الاثار و اشباح اشباحها الي ما لا نهاية لها كلها فاذاً تعرف ان الاشياء كلها لاتقوم في مقابله و لايعقل قيامها لديه و ظهورها عنده فهي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 323 *»

ممتنعة محضة لدي سطوع نوره و معدومة صرفة عند طلوع ضيائه و كان كذلك ابداً و يكون كذلك ازلاً و لا كان له و لايكون فهو هو ابداً ازلاً و لا ابد و لا ازل ابداً وحده وحده.

و ربما يسع لفظ الممتنع و العدم الصرف و يتخيل خراب الاشياء و فساد كونها و عينها و رجوعها الي الامكان كما تري من خراب العمران و رجوعه الي تراب الامكان و من فساد كون اللبن و رجوعها الي الطين و تفكك اجزاء المركبات و المتولدات و رجوعها الي ما منه بدئت فحينئذ تتحير الافهام و تضل الاحلام و تزل اقدام العظام و تتزلزل تمام التزلزل بأن هذا المعني مما انكره المشاهدة و العيان فان الاشياء موجودة يراها الحيوانات فضلاً عن الانسان فضلاً عن الذي ادعي المشاهدة و العيان في فهم حقايق الامكان و الاكوان و الاعيان فكيف يمكن تعقل ذلك بأن الاشياء مع كونها موجودة الان بل تكون موجودة بعد البتة لضرورة الاسلام القائمة علي خلود اهل الجنان و النيران و عدم فساد كونها ابداً و ذلك هو الفرق بين دار الدنيا الفانية و دار الاخرة الباقية و بذلك جاءت الرسل من عند اللّه تعالي تتري و دعوا الي الايمان بذلك و الاذعان فما معني امتناعها و عدمها صرفاً لدي سطوع نور الجمال و طلوع شمس الجلال ان هو الا زخرف المقال بحيث لايتصور في الخيال و ربما يزعم من داوم في استماع امثال ذلك المقال و استأنس بظواهر الكلام و لم‏يستوحش من ذلك لكثرة الاصغاء و لكن لماكان لم‏يتعقل المعني يفسر امتناع الاشياء لدي ظهور السناء و سطوع الضياء بالامتناع الوجداني لانه يري عياناً وجود الاشياء فيقول انها موجودة في الخارج لايمكن لعاقل انكارها و لكنها غير موجودة في الوجدان بمعني ان الوجدان و الذهن يلتفت الي الشي‏ء الواحد في ضمن جميع الصور مع الغفلة عن صورها و امتيازاتها و ان كانت في الواقع كلها مصورة ممتازة و هذا الخيال و الزعم حصل لامثال

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 324 *»

هؤلاء لاجل تصورهم البسيط كالشي‏ء المتشاكل الاجزاء و المركب كالاشياء المحسوسة الممتازة فتصوروا البسيط كالماء و المركب كالامواج او البسيط كالطين و المركب كالكيزان و البسيط كالعناصر و المركب كالمتولدات منها و امثال ذلك فحاصل تصورهم البسيط المادة المذابة المحلولة السارية و المركب الصور العارضة لتلك المادة كما تصوروا قبل ذلك و قالوا:

و ما الناس في التمثال الا كثلجة   و انت لها الماء الذي هو نابع
ولكن يذوب الثلج يرفع حكمه   و يوضع حكم الماء و الامر واقع

و قالوا:

انظر فمارأيت سوي البحر اذ رأيت   موج بدا و فيه بدا منه ما بدا

و قد غفلوا جميعاً ان المادة مذاب الجمود و الاذابة و الجمود كلاهما في صقع واحد اخوان عارضان في الحقيقة علي المادة الحقيقية و ان زعموا المذاب المادة الاتري ان البرودة اذا غلبت علي الشمعة اجمدتها و اذا غلب عليها الحرارة اذابتها فالشمعة في الحقيقة هي المادة و الذوب و الجمود صورتان عارضتان لها بسبب توارد الحر و البرد فليست المادة الصورة المذابة و الصورة الصورة المجمدة و هكذا الحكم جار ايضاً في الماء و الثلج فحقيقة الماء ليست بسائلة و لا جامدة و انما عرض عليها السيلان بسبب الحر و الجمود بسبب البرد فما ابعد عن المسألة من زعم المادة هي الصورة المذابة و ما ابعد عن المسألة من زعم ان هذه المذابة هي الذات البسيطة و صور الجمود عارضة عليها و تلك الصور ممتنعة فيها وجداناً و غفلة عنها مع كونها موجودة في الخارج الواقع لما رأي مشاهدة انها موجودة فعلي زعمه يكون البسيط مركباً واقعاً في طرف و المركب واقعاً في طرف آخر للبسيط عرصة خاصة به و للمركب عرصة خاصة به ولكن الوجدان في نفسه قد وحد و غفل عن التركيب و الكثرات و انتزع المعني

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 325 *»

الاحدي منها فالاشياء غير ممتنعة مع البسيط و تكون معه غاية الامر ان عرصتها غير عرصته و وجد العباد الموحدون امتناعها مع غفلة عنها و حاشا ان‏يكون الامر كذلك ثم حاشا بل الاشياء علي ما تري مشاهدة من غير تغير و لا تبدل في جميع مراتبها الامكانية و الكونية و العينية مع لوازمها و آثارها و افعالها و آثار تلك الافعال و اشباحها و اشباح اشباحها الي ما لا نهاية لها علي ما تراها العيون الظاهرة من غير تغيير و لا تبديل كلها ممتنعة مع الذات البسيط في الخارج الواقع و الوجدان تابع للواقع و عرف الامر الواقعي فهي ممتنعة معه وجوداً و وجداناً و الوجدان الذي وجدها في الواقع و انتزع عنها الوحدة غير تابع للواقع و ليس له علم بالواقع و انما حصل له الجهل المركب و سماه علماً و عرفاناً و ضرورة العقل و النقل قاضية بامتناع المركب في الواقع الخارج مع البسيط و الا لم‏يكن البسيط بسيطاً بل مركباً كغيره و وجود المركب ادل دليل علي وجود البسيط و اوضح سبيل اليه و ان لم‏يكن (لم‌يمکن ظ) اقامة البرهان في هذا الميدان لقصور الاذهان و قلة الاذعان فلنرجع الي ما كنا فيه من بيان معني الامتناع الحقيقي الذي هو العدم الصرف علي ما لايتبادر الي اغلب الاذهان.

فاعلم ان البسيط الحقيقي جلّ‏قدسه لما تعالي عن عرصات جميع انواع المركبات لايجري عليه ما هو جايز الجريان عليها فكل ما يجوز فيها يمتنع فيه و كل ما يجب فيه يمتنع فيها اذ كنهه تفريق بينه و بين خلقه فلايجري عليه شي‏ء من ذواتها و صفاتها و امثالها و نظائرها و اندادها و اضدادها و شي‏ء منها فليس المركب مثل البسيط و لا نظيره و لا نده و لا ضده بخلاف المركبات فانها بعضها نظير بعض و بعضها مثل بعض و بعضها ضد بعض و بعضها نقيض بعض و بعضها خلاف بعض علي ماتري و لاتحتاج الي بسط ازيد مما بان فالذي يمتنع وجوده مع غيره هو الضد ظاهراً و اما في الباطن لايجتمع شي‏ء مع شي‏ء مطلقاً في مكانه الذاتي سواء كان مثلاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 326 *»

او نظيراً او ضداً او غير ذلك و اما ظاهراً فلايجتمع الضدان في مكان واحد و وقت واحد و لابد من رفع احدهما و وضع الاخر كما ان البياض لايجتمع مع السواد في محل واحد و وقت واحد و لابد من ارتفاعه و وقوع الاخر و كذلك الحر و البرد فانها غير مجتمعين في محل واحد و وقت واحد و لابد من ارتفاع احدهما و وقوع الاخر فاذا عرفت ذلك فاعلم ان البسيط لو كان ضداً للمركب فلابد من رفع المركب و تخريب بنيانه و افساد كونه و تفريق اركانه حتي يمكن وقوع ضده موقعه و اما اذا لم‏يكن ضداً له فلايحتاج الي رفع المركب و تخريبه في ظهوره بل المركب قبل التركيب و حين التركيب و بعد التركيب نسبته اليه نسبة واحدة و في كل الاحوال ممتنع معه لانه ليس الا ظهوره و الظاهر في الظهور اظهر من الظهور و اولي منه به و اوجد في مكانه منه موجود في حضرته و غيبته و ظاهره و باطنه و ذاته و صفته و جوهره و عرضه و كل ما يضاف اليه او ينسب فهو اولي و اوجد و اظهر و ابين منه حتي خصوصيته و شخصيته و امتيازه و غيوره و اسمه و رسمه و حده و كله و بعضه و ذاتيته و اعراضه فان لم‏تعرف ما اقول فأصغ الي مثال مضروب لعلك تعرف المطلوب و تنال الي المأمول ان قدر لك.

فاعلم ان زيداً بالنسبة الي صفاته له بساطة و صفاته بالنسبة اليه مركبة لايجري عليه تراكيب صفاته و يمتنع عليها بساطة ذاته فكل ما يجوز فيها يمتنع فيه و هو التركيب و كل ما يجب فيه يمتنع فيها و هو البساطة النسبية فزيد واحد ليس بعمرو و لا بكر و لا خالد يقيناً فهو واحد غير متعدد عند الخلق و الخالق جلّ‏جلاله كما هو الواقع و له صفات من القائم و القاعد و الراكع و الساجد و امثال ذلك و تلك الصفات اربع يقيناً عند اللّه عزّوجلّ و عند جميع خلقه كما هو الواقع فان القائم ذات ثبت لها القيام و القاعد ذات ثبت لها القعود و الراكع ذات ثبت لها الركوع و الساجد ذات ثبت لها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 327 *»

السجود و كل واحد من هذه الاربع غير الاخر يقيناً اذ لو كانت عين الاخر لصدق حده عليه و المشاهدة قاضية بخلافها كما لايخفي و انما صارت اربعاً لما عرض علي كل واحد من التركيب و الخصوصية ما لم‏يعرض علي غيره فكل واحد واجد لشي‏ء خاص به فاقد عن شي‏ء مخصوص بالباقي فبذلك صارت اربعاً فزيد واحد يقيناً كما عرفت و صفاته اربع يقيناً كما عرفت فالواحد يمتنع ان‏يكون اربعاً و الاربع تمتنع ان‏تكون واحداً فليس شي‏ء من الواحد في الاربع و الا لكان الاربع واحداً و ليس شي‏ء من الاربع في الواحد و الا لكانت واحداً فكنه الواحد تفريق بينه و بين الاربع كما كان كنه الاربع تفريق بينها و بين الواحد فليس الواحد بالاربع بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث و اعتبار من الاعتبارات بنظر من الانظار و ليست الاربع بالواحد بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث لكل اعتبار فاذا عرفت ذلك يقيناً فتدبر كمال التدبر و تأمل تمام التأمل بأن زيداً و ان كان واحداً يقيناً و صفاته و ان كانت اربعاً يقيناً فهل هذه الاربع معدودة مع زيد الواحد و يكون زيد واحداً و صفاته اربعاً فصارت المجموع خمساً فصار زيد خامس خمسة كما يكون زيد واحداً و عمرو و بكر و خالد و وليد اربعاً فيكون زيد خامس خمسة فاذا تأملت بعد التدبر لاتجد نسبة زيد الواحد الي صفاته الاربع كنسبته الي عمرو و بكر و خالد و وليد فان بين زيد و اخوانه بينونة عزلة قطعاً بحيث اذا اصاب احدهم بمصيبة او تنعم بنعمة لايصل ذلك الي اخوانه و اما اذا اصاب القائم بمصيبة اصاب زيد بها و كذلك سائر صفاته و اذا تنعم بنعمة تنعم زيد قطعاً فليس بينها و بين زيد الواحد بينونة عزلة فيكون بينهما بينونة صفة و ليست صفة زيد وجوده حتي اقتضي وجود زيد الواحد عدم وجود صفاته الاربع فزيد الواحد بالنسبة الي صفاته الاربع يكون خامس اربع لا خامس خمس و لذا رد اللّه سبحانه و تعالي علي النصاري قولهم بأن اللّه ثالث ثلثة.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 328 *»

بالجملة فزيد الواحد هو خامس الاربع من صفاته فهو هي عياناً و وجوداً و ظهوراً و ليس هو هي كلاً و لا جمعاً و لا احاطة و لاتزعم من هذا البيان ان بسيطة الحقيقة ببساطته كل الاشياء و ان كان ما مضي من البيان يغني عن الجواب هنا و الحمدللّه ولكن ربما لم‏يطلع عليها ناظر و نظر هنا اولاً و زعم ما زعم فأقول ان زيداً الواحد لو كان كل الاربع من صفاته فاما يكون كلها من جهة و غيرها من جهة و اما يكون كلها بجميع الوجوه و الاعتبارات بحيث لم‏يبق اختلاف و تمايز بينه و بين الاربع فان كان كلها من وجه و غيرها من وجه آخر فيكون حين هو كلها من وجه عينها لانه المفروض فيكون زيد اربعاً بوجه من الوجوه و ذلك باطل بالبداهة لان زيداً واحد غير متعدد عند اللّه و عند جميع خلقه و كذلك ان كان عينها من جميع الوجوه و الانظار بحيث لايبقي بينه و بين صفاته تمايز مطلقاً فيصير زيد اربعاً بكل اعتبار او يصير صفاته الاربع واحداً بكل اعتبار و ذلك خلاف الواقع بكل نظر من الانظار فليس الواحد اربعاً و ليست الاربع واحداً بكل الحيوث بحيث لايبقي لاحد مجال الانكار الا بظاهر من القول مع خلو القلب عن النظر و الاعتبار فليس زيد بكل صفاته اذ لو كان كلها لكان بعضها الذي هو القائم مثلاً بعض زيد كما كان بعض الاربع و لو كان بعض زيد لكان ربع زيد فلم تقول زيد القائم و قل ربع زيد هو القائم و ربعه القاعد و ربعه الراكع و ربعه الساجد مع انه زيد بتمامه هو القائم و بتمامه القاعد و كذلك الراكع الساجد فظهر ان‌شاءاللّه لمن لم‏يرد المباحثة المحرمة و اراد فهم المسألة ان زيداً ليس بكل صفاته و لا ببعضها لانه هو المتجلي في كلها و لا بغيرها و لا بعينها هو هو وحده وحده و هي هي اربعاً و كل واحد غير الاخر يقيناً فغيوره اي زيد تحديد لماسواه اي تحديد لصفاته الاربع و ليس غيوره تحديد ذاته مع صفاته و الحال ان الذات غيبت الصفات بحيث ارسلتها الي عرصة الامتناع البحت البات و العدم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 329 *»

الصرف و الليس المحض عند من عرف نسبة الذات الي الصفات و نسبة الصفات الي الذات و مع ذلك كله فالمثال المضروب هو آية من الايات لتقريب الاذهان الي ما في الجنان و الا ليس كمثله سبحانه شي‏ء و لا كصفته شي‏ء كما مر مفصلاً فلايقاس بالناس فثبّت قدمك باستعمال الفكر و التدبر لئلاتقع في الالتباس و تبتلي بأيدي الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس.

تفصيل: فلما ذكر معني الامتناع ناسب ان‏يبين ان الاشياء لم‏يصر ممتنعة في رتبة واحدة بل صارت آثار كل مؤثر و صفات كل ذات ممتنعة في مؤثره القريب و في ذاتها القريبة السارية فيها ثم ذلك المؤثر يمتنع في مؤثر اعلي منه بدرجة لان المؤثر الاول بالنسبة اليه اثر لان الاثرية و المؤثرية امر اضافي نسبي فالشي‏ء الواحد بالنسبة الي ما دونه من الاثار مؤثر و بالنسبة الي ما فوقه اثر و ذلك النظر نظر دقيق به يعلم شدة تنزه الذات و تقدسه عن شوب التراكيب و الكثرات فلابد في شرح ذلك الي بيان و هو ان المؤثر في ذاته له صفات ذاتية بها يكون المؤثر في ذاته هو هو ثم دون ذلك له صفات و ظهورات فيكون صفاته الذاتية محفوظة في ضمن جميع صفاته المنفصلة و قد يعبر عن الصفات الذاتية بالشبح المتصل و الصورة المقومة كما يعبر عن الصفات المنفصلة بالاشباح المنفصلة و الصور المتممة فالشبح المتصل الذي يكون([11]) الشي‏ء شيئاً محفوظاً في ضمن جميع الاشباح المنفصلة فالشبح المتصل حقيقة هو المؤثر للاشباح المنفصلة و الاشباح المنفصلة تصير ممتنعة فيه كزيد له في ذاته شبح متصل به يكون زيداً و ذلك الشبح هو الصورة الذاتية لزيد و تلك الصورة حدود منها الكم و منها الكيف و منها الجهة و منها الرتبة و منها الوقت و منها المكان و منها الوضع و منها الفعل و منها الانفعال و ان شئت قلت ان تلك الحدود صفاته الذاتية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 330 *»

اذ بها يكون زيداً ثم دون ذلك مقام اشباحه المنفصلة كالقائم و القاعد و الراكع و الساجد لانها كلها مشتركة في حدود الشبح المتصل ممتازة عن غيرها بما يخصه و لو لم‏يكن الشبح المتصل محفوظة في كل من الاشباح المنفصلة لم‏يعرف الشي‏ء و حدوده ابداً لان ظهور الشي‏ء لايكون الا بالاشباح المنفصلة فلو لم‏يكن فيها صفة ذاته لم‏يعرف ما هو و ما حدوده و كل شي‏ء معروف بحدوده معروف في اشباحه المنفصلة و لا سبيل لاحد معرفته ابداً الا في ضمن تلك الاشباح و لايخفي ذلك علي المتأمل ان شاء اللّه فالقائم و القاعد و الراكع و الساجد تصير ممتنعة في الشبح المتصل بحدوده فذكر الامتناع هنا مذكور في الشبح المتصل و لا ذكر له مثلاً في الانسان المطلق فان ذكر الامتناع فيه هو امتناع زيد و عمرو لا امتناع صفاتهما المنفصلة فليس فيه من الاشباح المنفصلة لزيد ذكر مطلقاً لا نفياً و لا امتناعاً.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان السيوف التي في العالم تصير ممتنعة في السيف المطلق لا في الحديد المطلق نعم السيف المطلق يصير ممتنعاً فيه ولكن لا ذكر له في المنطرق مطلقاً نعم يصير الحديد المطلق ممتنعاً في المنطرق و لا ذكر له في المعدن المطلق مطلقاً فيصير المعدن المطلق ممتنعاً في العنصر و لا ذكر له في الجسم المطلق مطلقاً فيصير العنصر ممتنعاً فيه و هكذا الامر في جميع المراتب فالاجسام الجزئية ممتنعة في الجسم المطلق و لا ذكر لها في الوجود المقيد مطلقاً و كذا الامثلة الجزئية ممتنعة في المثال المطلق و لا ذكر لها في الوجود المقيد ابداً و هكذا المواد الجزئية و الطبايع الجزئية و النفوس المجردة و العقول المجردة كلها ممتنعة في مؤثراتها من المادة المطلقة و الطبيعة المطلقة و النفس المطلقة و العقل المطلق و لا ذكر لها في الوجود المقيد مطلقاً فيصير المراتب المذكورة ممتنعة في الوجود المقيد و هو المؤثر الحقيقي لها و هي آثارها اماتري انه يعطي كل واحد منها اسمه و حده فان الجسم المطلق ممكن و المثال

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 331 *»

المطلق ممكن و هکذا باقي المراتب كلها ممكنة و الممكن المطلق هو الوجود المقيد الذي اعطي حده علي ما دونه من المراتب و لا ذكر للمطلقات في الوجود الراجح مطلقاً لا نفياً و لا اثباتاً و لا امتناعاً نعم الوجود المقيد له ذكر امتناعي في المشية لانه اثرها القريب منها و هذا لاينافي ما سمعته مكرراً من ان الاشياء منفية في الامكان الراجح ممتنعة في الوجود الحق لان كل واحد من المراتب فيه المرتبة الامكانية و المرتبة الاطلاقية و ظهورات كل واحد منها منفية في المرتبة الامكانية و الصلوح المحض ممتنعة في المرتبة الاطلاقية التي ليس فيها ذكر للاشياء التي دونها نفياً و اثباتاً بل لها ذكر فيها امتناعاً فالاشياء منفية في الامكان الراجح و المرتبة الامكانية جهة اسفل المشية ممتنعة في المرتبة الاطلاقية منها المعبر عنها بالوجود المطلق فلاتنافي بين ما سمعته آنفاً و ما سمعته قبل او رأيته في كتب المشايخ اجل اللّه شأنهم و انار في العالمين برهانهم فالوجود المقيد هو الذي يمتنع ذكره في نفس المشية و اما ما دونه فلا ذكر لها فيها مطلقاً و هكذا الوجود المطلق هو الذي يمتنع ذكره في الوجود الحق جلّ‏شأنه و اما ما دونه فلا ذكر لها فيه ابداً لا اثباتاً و لا نفياً و لا امتناعاً و انما ذكرها فيه امتناعاً ليس في ذاته بل هي ممتنعة في آيته و هي اعلي درجات المشية الذي هو نفسها التي خلقت بها فسبحان من لا ذكر شي‏ء فيه مطلقاً بل هو هو وحده وحده.

تفصيل: و لما ذكر ان المؤثر صفاته الذاتية التي هي حدود ماهيته محفوظة في ضمن جميع آثاره و صفاته المنفصلة ناسب ان‏يزاد في شرحه لانه ايضاً مطلب غامض مخفي علي اغلب من تداول الحكمة و فيه اسرار جمة كما ستعرف ان شاء اللّه فاعلم ان الشي‏ء الواحد في المنظر يمكن ان‏يصير اثراً لمؤثرات عديدة في المخبر و ليس معني ذلك ان الاثر الواحد صار اثراً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 332 *»

لمؤثرات عديدة و لذا قيدت لفظ المنظر و المخبر كما ستعرف ان‌شاء‌اللّه تعالي فالسيف الخاص في المنظر يكون اثراً للسيف المطلق اذا لوحظ فيه آثار و حدود السيف المطلق فاذا لم‏يلحظ فيه آثار حدود السيف المطلق بل يلحظ فيه بأنه حديد خاص يلحظ فيه آثار حدود الحديد المطلق فحينئذ ليس بأثر السيف المطلق بل صار اثراً للحديد ففي الحالة الاولي يثبت له الكثرة ما لم‏يثبت له في الحالة الثانية اذ في الحالة الاولي يحلقه كثرات السيف المطلق و حدوده مع ما يخصه من الحدود المميزة له عن غيره في الحالة الثانية لايلحقه حدود السيف المطلق كلتيهما ممتنعة في عرصة الحديد المطلق فبذلك النظر الثاني يصير رتبة هذا الكائن الذي هو في المنظر شي‏ء واحد اعلي من رتبة السيف المطلق بل يصير مؤثراً للسيف المطلق اولاً ثم به يصير مؤثراً للسيف الخاص ثم هذا الكائن الواحد منظراً صار اثراً للمعدن المنطرق اذا لوحظ فيه الحدود المعدنية المبهمة لا الحدود الخاصة بالحديد المطلق ففي هذا النظر قد صار رتبة هذا الكائن الواحد منظراً فوق رتبة الحديد و لايلحقه الحدود الحديدية و صار مؤثراً للحديد المطلق و صار متوحداً بحيث يمتنع فيه الحدود الحديدية و صار مؤثراً للحديد المطلق و صار متوحداً بحيث يمتنع فيه الحدود الحديدية فاذا لوحظ فيه حدود المعدن المطلق المبهمة عن غير ملاحظة الانطراق يصير بذلك اثراً له و يصير رتبته فوق رتبة الانطراق و يصير مؤثراً له فاذا لوحظ فيه الحدود العنصرية المبهمة من غير ملاحظة الحدود الخاصة بالمعدن يصير اثراً للعنصر و يصير رتبته اعلي من المعدن المطلق و حدوده فبذلك صار مؤثراً للمعدن المطلق و اذا لوحظ فيه الجسم المطلق بحدوده المبهمة المطلقة السارية بظهورها و ظهور ظهورها و ظهور ظهور ظهورها الي منتهي الصادقة علي الكل اسماً و حداً بحيث لم‏يخرج من تحت سلطانها خارج ابداً صار حينئذ اثراً للجسم و صار رتبته اعلي و اعلي من رتبة مادون الجسم و صار مؤثراً للكل و هكذا الامر يصعد بتصعيد النظر المطابق

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 333 *»

للخارج الواقع حتي صار هذا الكائن الواحد منظراً اثراً للوجود المقيد بملاحظة حدوده فيه من غير ملاحظة الحدود الخاصة للمراتب الذاتية و لاتزعم مما قلت انه يبقي حد من الحدود الخاصة في رتبة من المراتب ثم يصعد شي‏ء مستخرج منها الي الرتبة العليا حاشا بل كل رتبة عليا تحوي و تحيط بالرتبة الدنيا بحيث يعطي حدها لها بها و بها امتنع منها.

بالجملة فاذا لوحظ فيه الحدود الفعلية و الامرية صار بذلك اثراً للمشية ملحقاً بعرصتها و صار رتبته فوق رتبة الجواز و المخلوقية بالمشية و صار مخلوقاً بنفسه ثم الاشياء كلها تصير آثارها و آثار آثارها و آثار آثار آثارها الي غاية البعد الابعد و انت تعلم ان‌شاء‌اللّه ان الفعل مركب من جزئين بسيطين حسب و ليس فيه كثرة ازيد من اثنين كل واحد منهما عين الاخر كما هو مبرهن في محله و لعله يأتي بيانه فيما بعد ان‌شاء‌اللّه تعالي و قدر فليس له حدود سوي اثنين و قد عرفت آنفاً ان حدود المؤثر لابد و ان‏يحفظ في ضمن جميع الاثار فاذا رأيت في الاشياء حدين بسيطين لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فقد رأيتها آثاراً للفعل و رؤساً له فان رأيت فيها ازيد من حدين بسيطين فلم‏تر حينئذ آثاراً للفعل بل رأيت آثار آثاره و آثار آثار آثاره و هكذا بحسب نظرك في رؤية الكثرة كثرة الحدود قلتها فاذ لم‏تر سوي حدين بسيطين فلم‏تر تعدد([12]) و اختلافاً بين الاشياء مطلقاً و مع ذلك لاتزعم بقاء شي‏ء في رتبة من المراتب يخفي عن نظر الفعل حاشا بل هو بذينك الحدين صار ابسط ما يمكن في الامكان و كلما صار الشي‏ء ابسط صار دائرة وجوده اوسع حتي صار نافذاً في اقطار جميع الموجودات و سارياً في جميع اعماقها بحيث لايشذ عنه شاذ مطلقاً ابداً ابداً فاذا نظرت الي هذا الكائن الواحد منظراً بالنظر العلمي للّه سبحانه صار بذلك النظر علمه الذي به خلق الفعل كما روي بالعلم خلقت المشية فصار رتبته فوق رتبة الفعل و اعلي و اعلي منه بحيث ان الفعل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 334 *»

به وجد و به امتنع عنه و يمكن الصعود بالانظار المختلفة المطابقة للواقع الخارج في جميع الموجودات حتي صارت معلومات للّه سبحانه و انت خبير ان‌شاءاللّه تعالي بأن العلم الذي هو فوق الفعل ليس فيه حد الفعل البتة فما هو بري‏ء عن التركيب مطلقاً فهو علم بسيط احدي فاذاً هو هو لا شي‏ء سواه و لا ذكر لما عداه فاذاً هو علم و لا معلوم مطلقاً و لاتزعم عن بساطته انه علم اجمالي ليس فيه التفاصيل الجزئية حاشا فانه ببساطته فوق الاجمال و التفصيل فالعلم الاجمالي ظهور من ظهوراته و العلم بالتفاصيل الجزئية ايضاً ظهور من ظهوراته و لعلك عرفت مما مر مراراً ان الشي‏ء كلما كان ابسط صار اوسع و كلما كان اوسع كان انفذ في الاشياء في جميع اطرافها و اقطارها و اعماقها و كل ما لها و بها و منها و اليها و عليها الي ما لا نهاية لها فالعلم الاحدي البسيط عالم بالاجمال و التفاصيل و هل تزعم([13]) شيئاً انور و اظهر و اوسع و انفذ منه سبحانه ما اعظم نوراً و اظهر ظهوراً و اوسع سعة و انفذ قدرة سبحان من كان هكذا و لا هكذا غيره.

تفصيل: ان البسيط الحقيقي سبحانه كنهه تفريق بينه و بين خلقه اذ خلقه مركب كائناً ما كان بالغاً ما بلغ اذ لايعقل بسيطان بالضرورة فالبسيط ليس فيه شائبة التركيب مطلقاً كما ان المركب ليس فيه شائبة البساطة المطلقة مطلقاً فكنه البسيط تفريق بينه و بين المركب كما ان كنه المركب تفريق بينه و بين البسيط فكل ما يجوز فيه يمتنع في البسيط و كل ما يجب فيه يمتنع في المركب و ليس معني هذا الكلام ما يتبادر الي اذهان العوام حيث زعموا ان الشي‏ء اما يكون بسيطاً و اما يكون مركباً فالبسيط ليس فيه شائبة التركيب كما لم‏يكن في المركب شائبة البساطة فعلي هذا يكون الشي‏ء المطلق الظاهر بالبساطة و التركيب اعلي رتبة منهما و هما كلاهما ظهوران له مخلوقان مربوبان متصرفان تحت تصرفه عبدان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 335 *»

له لايملكان لانفسهما نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً كما ان الشي‏ء اما لطيف و اما كثيف فاللطيف ليس فيه شائبة الكثافة و الكثيف ليس فيه شائبة اللطافة فالشي‏ء في نفسه يكون منزهاً عن صورة اللطافة و الكثافة ظهر لهما بهما في رتبتهما دون رتبته و هما ظهوران له متصرفان تحت تصرفه و كما ان الجسم اما حار و اما بارد فالجسم في ذاته لو كان حاراً يمتنع ان‏يظهر بالبارد و لو كان بارداً يمتنع ان‏يظهر بالحار كما ان النار لما كانت في ذاتها حارة تمتنع ان‏تظهر بالبرودة و الماء لما كان في ذاته بارداً يمتنع ان‏يظهر منه الحرارة فالجسم في ذاته متعال عن الحرارة و البرودة فيمكن لذلك ظهوره بالنار الحارة لها بها فيها و بالماء البارد له به فيه فالنار و الماء ظهوران له اثران متصرفان بدؤهما منه عودهما اليه و هكذا امثال ذلك و كلما قسمته في العالم عالم الخلق يكون هكذا حكمه كما لايخفي علي المتأمل العاقل المنصف فلو تبادر الي ذهنك هذا الحكم الجاري بين قسمين و هذه النسبة التي بينهما و بين الشي‏ء الظاهر بهما عند سماعك البسيط غير المركب و المركب غير البسيط لضل بك الطريق و يمتنع ان‏تصل الي الحق الحقيق فان كنت من اهل التحقيق فاخلع عن نفسك ما لايطيق فابتغ المراد و اسع في طلب المقصود لعلك تعرفه ان‌شاءاللّه تعالي و قدر لك.

فاعلم ان البسيط و المركب ليسا بظهورين للشي‏ء المطلق و ليسا بآخرين نعوذباللّه بل ليس شي‏ء اعلي رتبة من البسيط ابداً اذ لو كان اعلي منه لكان ذلك بسيطاً و البسيط الذي هو اخ المركب كاللطيف الذي هو اخ الكثيف رتبتهما واحدة كلاهما@و کلاهما خ‌ل@ مركبان سمي احدهما بالبسيط من غير تعقل معني له و الاخر بالمركب اذ تعقل([14]) معني البسيط عرف انه لايعقل ان‏يكون شي‏ء فوقه فالبسيط ليس بغير المركب كما لايكون عينه كما مر مراراً فالمركب ليس بقسيم له بل هو ظهور له و عبده و خلقه رتقه و فتقه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 336 *»

بيده بدؤه به@بدؤه منه به خ‌ل@ فيه له و عوده اليه به فيه له اي بالمركب فيه له لا بذاته سبحانه تجلي له به و به امتنع منه فهو سبحانه لما كان بريئاً عن التركيب كان بريئاً عن الحد فلانهاية له سبحانه بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث بنظر من الانظار و اعتبار من الاعتبارات فلم‏يكن ملكه خلواً منه فهو داخل فيه لا كشي‏ء داخل في شي‏ء خارج عنه لا كشي‏ء خارج عن شي‏ء قريب منه لا بالاقتران بعيد عنه لا بالافتراق اقرب اليه بلانهاية ابعد منه من كل شي‏ء بلاغاية داخل فيه حين كونه خارجاً عنه خارج عنه حين كونه داخلاً فيه قريب منه حين كونه بعيداً عنه بعيد عنه حين كونه قريباً منه اقرب اليه منه و من كل شي‏ء حين كونه ابعد منه من كل شي‏ء و دخوله عين خروجه و خروجه عين دخوله و قربه عين بعده و بعده عين قربه و اقربيته عين ابعديته و ابعديته عين اقربيته و هو اعلي من المركب لا بمناءاة و معه لا بمداناة فوقه لا بمباعدة و معه لا بمزاحمة و فيها لا بممازجة محيط به لا بحواية حاو له لا باحاطة سار فيه لا بمداخلة طاو له لا بمناولة شهيد به@له خ‌ل@ لا بمعاينة عليم به لا بمشاهدة متصرف فيه لا بمعالجة قريب منه من غير اتصال بعيد عنه من غير انفصال دان له لا بمقاربة ناء عنه لا بمزايلة متصل به من غير اقتراب منفصل عنه من غير افتراق لا غاية لعلوه و لا نهاية لمعيته و لا حد لفوقيته و لا وصف لدخوله و لا تعريف لاحاطته و لا كيفية لحوايته و لا توصيف لسريانيته و لا تعليم لطيه و لا علم بشهادته و لا شهادة لعلمه و لا استخبار عن تصرفه اولي بالشي‏ء منه و من كل شي‏ء و اظهر في كل شي‏ء منه و من كل شي‏ء و اوجد في مكان كل شي‏ء منه و من كل شي‏ء و اقرب الي كل شي‏ء منه و من كل شي‏ء لا غاية لاولويته@لاوليته خ‌ل@ و لا نهاية لاظهريته و لا حد لاوجديته و لا منتهي لاقربيته فهو غاية الغايات و لا غاية لغايته و نهاية النهايات و لا نهاية لنهايته و منتهي الاشارات و لا منتهي لحد مائيته.

قد خفي عن الانظار لشدة ظهور نوره و استتر عن ادراك الابصار لسعة نور ظهوره و احتجب عن فهم الاوهام لعظم سعته و امتنع عن توهم الاحلام

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 337 *»

لسعة عظمته احتجب بغير حجاب محجوب و استتر بغير ستر ممنوع و امتنع بغير حصن محسوس مخصوص و تحصن من غير بنيان مرصوص ظهر لكل شي‏ء بكل شي‏ء و عرف نفسه لكل شي‏ء بكل شي‏ء كما ظهر بكل شي‏ء به و عرف نفسه لكل شي‏ء به لايجهله شي‏ء لانه واجد شي‏ء و لايغفل عنه شي‏ء اذ الغفلة لم‏تخرج عن كونه شيئاً لايخالفه شي‏ء اذ المخالفة شي‏ء و لايعصيه احد اذ لم‏يقدر علي معصيته احد اذ هو شي‏ء و هي شي‏ء و لايمكن ان لايكون الشي‏ء شيئاً فهي كلها بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون ففي الدعاء تعرفت لكل شي‏ء و مع ذلك كله لايعرفه شي‏ء و لاتعرف نفسه لشي‏ء اذ لا شي‏ء معه في ذاته سبحانه فمن اراد معرفته فقد قصده و من قصده فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد ميزه و من ميزه فقد ثناه و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد اثبت فيه صفة الحوادث و من اثبت له صفة الحوادث فقد الحد فيه و في صفته فسبحان من لايعرفه غيره و لايقصده سواه و لايريده ماعداه اذ لا شي‏ء في ذاته ماخلاه لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير قال7 لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و قال7 الطريق مسدود و الطلب مردود و قال7 كل‏ما ميزتموه بأوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فسبحان من لايعرف و لايوصف اذ المعرفة فرع الاتصاف و الاتصاف فرع الصفة و الصفة فرع الموصوف و يشهد الموصوف بأنه غير الصفة و هي تشهد بأنها غير الموصوف و هما يشهدان بالاقتران و هو يشهد بالتركيب الممتنع من البسيط سبحانه و تعالي فتحير في ذاته سبحانه اعلی الخلق كما تحير فيه ادناه و جهله اول الخلق كما جهله آخره و لم‏يعرفه اشرف الخلق كما لم‏يعرفه اخسه و لم‏يخبر عنه ابسط الخلق كما لم‏يخبر ابعده فسبحان من نسبته الي جميع من سواه علي حد سواء الرحمن علي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 338 *»

 العرش استوي و علي الملك استولي ليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء آخر فمن الخلق الانبياء و الامم و منهم المؤمنون و الكافرون و منهم المخلصون و المنافقون و منهم العقلاء و السفهاء و منهم العلماء و الجهال و كلهم بالنسبة الي ذاته سبحانه علي حد سواء في معرفته و الجهل به و توصيفه و عدمه و مع ذلك كله قد عرفه الانبياء و الاولياء المكرمون: بما عرف به نفسه ما تحير منه عقول غيرهم و اكثر الخلق بعدهم: جهال بما عرف نفسه به بحيث لو وصف لهم واصف ما عرف به نفسه لانكروا عليه من شدة التنزيه و كثرة التقديس لان مشاعرهم لاتدرك الا صفات الخلق و خصالهم و لاتدرك شيئاً وراء ذلك فعدوا وراء ذلك لا شي‏ء محضاً فاذا وصف لهم واصف ما عرف اللّه سبحانه نفسه به و هو وراء ما عرف الخلق به لامحالة زعموا انه لا شي‏ء فأنكروا عليه كما لايخفي ذلك علي من اطلع علي مباحثات الزنادقة مع الائمة الطاهرين:.

بالجملة فهو سبحانه لايكون علي شي‏ء فيكون محمولاً و هو اضعف من حامله و لايكون عليه شي‏ء فيكون محلاً له و محل الشي‏ء الحادث حادث البتة و لايكون لشي‏ء فيكون فرعاً تابعاً و لايكون له شي‏ء فيكون متبوعاً و كل متبوع مقترن بتابعه و لايكون لشي‏ء فيكون معلولاً و لايكون به شي‏ء فيكون علة و العلة و المعلول مقترنان و هو سبحانه بري‏ء عن الاقتران و لايكون لشي‏ء فيكون غايته و كل غاية متولد و لايكون له شي‏ء فيكون والداً اذ هو سبحانه لم‏يلد و لم‏يولد فلاتخرج من شي‏ء لايستخرج@و لايستخرج خ‌ل@ منه شي‏ء و ليس بكل الاشياء فيصير بعضها بعضه و ليس ببعضها فيصير منطوياً تحت الكل و ليس بغيرها فيصير خلواً منها و الخلو منها مستلزم للتركيب و ليس بعينها اذ العينية شاهدة علي الحدوث كما مر فيما مضي و ليس بغيب فيصير خلواً من الشهادة و ليس بشهادة فيصير عارياً عن الغيب و ليس بمجرد فيصير محصوراً بالماديات و ليس بمادي فيصير محدوداً بها و ليس بجوهر فيمتنع

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 339 *»

عنه صدور الاعراض و ليس بعرض لامتناع صدور الجواهر منه فيما صدر منه يستدل علي انه غيرها كما روي فبمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له و لاينسب الي شي‏ء و لاينسب اليه شي‏ء لان الاشياء بعضها منسوب الي بعض و بعضها منسوب اليه و كل ما يجوز فيها يمتنع فيه فلايضاف الي شي‏ء و لايضاف اليه شي‏ء و لايرتبط بشي‏ء و لايرتبط اليه شي‏ء و لايقترن بشي‏ء و لايقترن به شي‏ء و لايتصل بشي‏ء و لايتصل به شي‏ء و لاينفصل عن شي‏ء و لاينفصل عنه شي‏ء و لايتباعد عنه شي‏ء و لايقرب من شي‏ء و لايقرب منه شي‏ء و لايتوجه الي شي‏ء و لايتوجه اليه شي‏ء و لايقصده شي‏ء و لايلتجأ بشي‏ء و لايلتجأ به شي‏ء اذ كل ذلك واقعة في مواقع من ملكه كما هو مشاهد لكل شاهد و لاينكره الا المعاند فجعل لكل شي‏ء و فيض محلاً و بيتاً و جعل لكل بيت باباً و هو سبحانه ليس بفيض موصول الي الخلق و ليس ببيت مخزون فيه الفيوض فيصير ظرفاً نعوذباللّه و ليس بباب بيت فيصير فرعاً فخلق سبحانه ملكاً كبيراً فجعل فيه ما يحتاجون و لم‏يجعل ذاته سبحانه فيضاً موصولاً الي خلقه و رزقاً مقسوماً علي عباده و لعلك عرفت ان الرزق هو الامداد و هو غير منحصر في الحنطة و الشعير و الادام فكما ان الشعير و الحنطة و الادام رزقه المقسوم و هو غير ذاته سبحانه كذلك ساير امداده و ارزاقه غير ذاته سبحانه فهي كلها مخزونة في خزائنه و خزائنه غير ذاته سبحانه البتة فلاتستوحش مما لم‏تسمعه من قبل و لم‏تستأنسه و اتبع البرهان و الدليل فانه سائر بك الي السبيل الذي جعله اللّه سبحانه الي الجليل و هو مقصود كل خليل و مراد كل نبيل.

بالجملة فلايسير الي شي‏ء و لايسير اليه شي‏ء و لايدعو الي ذاته سبحانه احداً و لايدعو احد ذاته سبحانه و لايأمر بذاته احداً و لايأتمر ذاته سبحانه احد و لايتكلم بذاته مع احد و لايتكلم معه بذاته سبحانه احد و لم‏يوح بذاته الي احد اي لم‏يجعل ذاته وحياً بل جعل وحيه خلقاً له ثم جعله في وعاء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 340 *»

قلوب من اصطفي و لم‏يرسل رسولاً بذاته الي احد فلم‏يجئ الرسل من بلدة ذاته القديمة الي بلدة الخلايق فيصير بين القديم و الحادث ربط اعلاه متصل بالقديم اسفله بالحادث نعوذباللّه اذ المرتبط بالحادث حادث البتة و لم‏ينزل الكتب من عرصة القدم من مخارج فم الذات سبحانه و تعالي الي عرصة الخلق و ليس في ذاته سبحانه سواه فليس فيها من حيث انها ذات احدية صفات و خصال و جهات و حيوث و اعتبارات اذ كلها مناف للبساطة الحقيقية و الاحدية المطلقة فليس فيها رضي و غضب نعوذباللّه و الرضا هو الميل الي الملائم و الغضب هو الميل عن المنافر و لايلائمه شي‏ء و لاينافره شي‏ء فجعل رضاه و غضبه في رضاء اوليائه و غضبهم: فجعل رضاهم رضاه و غضبهم غضبه كماروي في الكافي عن ابي‌عبداللّه7 في تفسير قوله تعالي فلما آسفونا انتقمنا منهم فقال ان اللّه لايأسف كأسفنا ولكنه خلق اولياء لنفسه يأسفون و يرضون و هم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه و سخطهم سخط نفسه لانه جعلهم الدعاة اليه و الادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك و ليس ان ذلك يصل الي اللّه كما يصل الي خلقه لكن هذا معني ما قال من ذلك و قد قال من اهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة و دعاني اليها و قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه فوق ايديهم فكل هذا و شبهه علي ما ذكرت لك و هكذا الرضا و الغضب و غيرهما من الاشياء مما يشاكل ذلك و لو كان يصل الي اللّه الاسف و الضجر و هو الذي خلقهما و انشأهما لجاز لقائل هذا ان‏يقول ان الخالق يبيد يوماً لانه اذا دخله الغضب و الضجر دخله التغير و اذا دخله التغير لم‏يؤمن عليه الابادة ثم لم‏يعرف المكون من المكون و لا القادر من المقدور عليه و لا الخالق من المخلوق تعالي اللّه عن هذا القول علواً كبيراً بل هو الخالق للاشياء لا لحاجة فاذا كان لا لحاجة استحال الحد و الكيف فيه فافهم ان شاء اللّه انتهي. فتدبر في

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 341 *»

هذا الحديث الشريف الصادر عن منبع ينابيع الحكم صلوات اللّه عليه تجده قاعدة كلية كافية شافية بحيث تقدر علي اثبات جميع ما ينبغي اثباته في التوحيد و علي نفي جميع ما ينبغي نفيه فيه فان ما يندرج في مطاويه يغنيك عن غيره و ينبئك علي مواقع الصفات التي قال فيها7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة فهو بذاته سبحانه لايعقل ان‏يكون آمراً لشي‏ء ناهياً عن شي‏ء اذ ليس فيها اقتضاء الامر و النهي فالامر الناهي له موقع من ملكه سبحانه فبذلك صدق من قال انا مرسل الرسل و انا منزل الكتب بحقيقة الايمان و حق الاذعان من غير حاجة الي تأويل في البيان فان من تجاوز هذا البنيان لم‏يصل الي ديار عمران و لم‏ينل الي حدود الايقان و يسلط عليه مردة الشيطان و يستحوذون عليه فيوسوسون في قلبه فيضلونه عن قصد السبيل الي ان‏تداركه نعمة من الرحمن.

بالجملة و من هذا الباب السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم و غير ذلك من مسائل الباب فانه جاه العباد و اليه وجه الخطاب و كل ما سمعته من الاسماء الحسني و الصفات العليا و الكبرياء و الالاء او النسب و الاضافات من القبض و البسط و المنع و العطاء و الشرط و الجزاء و العقاب و الثواب كلها له موقع و لكل احد بالنسبة اليه موضع و ما منا الا له مقام معلوم و انا لنحن الصافون و هو بري‏ء من ان‏يصفه الواصفون او يبلغه العارفون لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير سبحان ربك رب العزة عما يصفون و العجب العجاب هو المعروف الموصوف بالصفات العليا و المسمي بالاسماء الحسني و المرتدي برداء الكبرياء الظاهر باعطاء الالاء و كل من الافعال وحده وحده لا شريك له من اول الخلق الي آخره فسبحان من هو هكذا و لا هكذا غيره و سر ذلك كله من اوله الي آخره من النفي و الاثبات في غاية الاحكام و نهاية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 342 *»

الابرام انه سبحانه ليس معه غيره هو هو وحده وحده لاتغيره الازمنة و لاتحيط به الامكنة لانه سبحانه هو الذي خلقها و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فكل ما هو من خلقه فهو منه بري‏ء فلا كيف له لانه مكيف الكيف و لا اين له لانه مؤين الاين و لا حيث له لانه محيث الحيث و هكذا كل ما خلقه فهو منتف عنه لانه هو خالقه و مجريه و كلها منطوية تحت سعته طي الامتناع البحت البات بحيث كان هو هو لا شي‏ء معه مطلقاً و يكون و هو هو لا شي‏ء معه ابداً و لا كان له و لايكون فهو هو وحده وحده وحده.

الباب الثاني

في شرح مراتب المركبات و فيه مقصدان

المقصد الاول

في شرح مرتبة اول المركبات و اقلها اجزاء و يعبر عنها بعالم الامر

و الذي ادني منه بعالم الخلق اشار اليها بقوله له الخلق و الامر و فيه تفاصيل

تفصيل: اعلم ان اقل المركبات اجزاء قد يعبر عنه بمشية اللّه سبحانه و قد يعبر عنه بفعل اللّه و امر اللّه و ارادته و قضائه و قدره و قد يعبر عنه باعتبار مطلقه و اثبات المراتب له في كل مرتبة بتعبير و قد يعبر عنه بتعبيرات اخر ليس المراد هنا ايرادها فاعلم ان اغلب الفاظ الحكمة يتبادر الي اذهان اغلب الناس غير معناها المراد منها في الكتاب و السنة و في تعبيرات اهل الحكمة التي من اوتي فقد اوتي خيراً كثيراً و لذلك تراهم يعترضون و ينقضون و يزعمون ورود ايراداتهم علي اللّه و رسوله9 و علي اوصيائه: و علي اتباعهم انار اللّه في العالمين براهينهم و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً و ان هي الا كنسج العنكبوت مع انها اوهن البيوت عند من فتح اللّه تعالي له عين بصيرته و هو يري مشاهدة بارادة الله تعالي ان جميع ايراداتهم واردة علي خيالاتهم لانها يتبادر اليها من الفاظ

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 343 *»

الكتاب و السنة غير معانيها المرادة بل يتبادر الي اذهان العوام الذين هم كالانعام بل هم اضل و ليس اليهم وجه خطاب كلمات الحكمة مطلقاً لانها هي الدر الدراري الثمينة و لايقلدها العاقل علي اعناق الخنازير الخبيثة السمينة فضلاً عن آل محمد: الذين قد وضعوا كل شي‏ء موضعه و نهوا عن ايتاء الحكمة غير اهلها لانه ظلم عليها. بالجملة فلاجل ان المتبادرات الي الاذهان من كلمات الحكمة غير ما يقصدها العلماء تري مخالفين يخالفون و لاجل انهم يحسبون انهم يحسنون يعاندون.

بالجملة و من جملة ذلك لفظ المشية و الارادة و القدر و القضاء و الفعل و امثال ذلك فيتبادر الي اذهان اغلب هؤلاء من هذه الالفاظ المعاني المصدرية التي ليست لها جوهرية و استقلال في الخارج بل هي معان قائمة بالاشخاص المستقلة الجوهرية فاذا سمعوا خلق اللّه سبحانه الاشياء بمشيته يتبادر الي الاذهان من لفظ جلالة الشخص المستقل و من لفظ المشية المعني العرضي القائم بهذا الشخص فاذا تصور ذلك توهم انه سبحانه كان و لم‏يكن معه شی‏ء ثم تذكر انه ينبغي ان‏اخلق خلقاً فشاء و اراد شيئاً فقال له كن فيكون ذلك الشي‏ء فتحير انه كيف قال للشي‏ء كن و لمايخلق و كيف خلقه و هو معدوم صرف و ربما توهم انه خلقه من مادة سابقة عليه فيعترض بأن الاشياء كلها فيها كامنة بالقوة و هي صالحة للتصور بكل صورة فلم اخذ سبحانه حصة منها و جعلها سماء فاعلة و لا خصوصية فيها و اخذ حصة و جعلها ارضاً منفعلة و لا خصوصية فيها و اخذ حصة و جعلها سلطاناً قاهراً و اخذ حصة و جعلها رعية مقهورة و اخذ حصة و جعلها نبياً معصوماً و اخذ حصة و جعلها امة عاصية و اخذ حصة و جعلها سعيدا و اخذ حصة و جعلها شقيا و اخذ حصة و جعلها ذکرا و اخذ حصة و جعلها انثي و اخذ حصة و جعلها حسناً و حصة و جعلها قبحاً و هكذا فيعترض عليه سبحانه فجوز بزعمه الاجبار عليه و ليس ذلك كله الا لاجل ان المتبادر الي ذهنه غير

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 344 *»

ما يراد من الايات و الاخبار و كلام الحكماء الابرار فاذا اردت معرفة ما يراد من ذلك فامح عن ذهنك ما يتبادر اليه مثل ما يتبادر الي ذهن اغلب الناس و اسع في طلب المقصود لئلاتقع في الالتباس ان‌شاء‌اللّه تعالي و قدر لك.

فاعلم ان الاشياء كلها من موادها و صورها و جواهرها و اعراضها و نسبها و اضافاتها كلها مخلوقة بذلك الفعل و هو مخلوق بنفسه ليس قبله فعل كما روي خلق اللّه المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فتدبر في هذا المعني و تفكر في نفسك في حل ذلك المعمي الذي وقع اغلب الخلق فيه في عمي و تبصر و اخلع عنك ربقة التقليد و الاكتفاء بقولك خلق اللّه الحق سبحانه و تعالي ان كنت ممن قدر الله له فهم المعني فهل تري او تفهم من نظم حكمته سبحانه في ملكه ان‏يجري الاشياء الا بأسبابها فان لم‏يجر الا بالاسباب ففكر و تبصر لكل شي‏ء سبباً مناسباً خاصاً بذلك الشي‏ء فجعل النار و الشمس مثلاً آلة و سبباً للتسخين و جعل الماء و القمر مثلاً سبب التبريد و هكذا و جعل المنشار للقطع و القدوم للنحت و هكذا فاذا كان كذلك بحيث لم‏تجد غير ذلك بل تجد امتناع ماسوي ذلك في نظم حكمته و ان كان في نفسه سبحانه قادراً علي ايجاد خلاف النظم و الحكمة فتدبر هل تجوز في نظم الحكمة ان‏يكون السبب حاراً و المسبب بارداً او بالعكس او السبب جوهراً و المسبب عرضاً او بالعكس او يجب في نظم الحكمة اذا كان السبب حاراً وجوب حرارة المسبب و اذا كان بارداً وجوب كون المسبب بارداً و اذا كان جوهراً وجوب كون المسبب جوهراً و اذا كان عرضاً وجوب كونه عرضاً و هكذا علي هذه النسبة في سائر احكام الشي‏ء في تمام ملكه سبحانه.

و لايقال انا نري مشاهدة تخالف السبب و المسبب فانا نري ان نور القمر مثلاً مكتسب من الشمس و هو بارد و نور الشمس الذي هو السبب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 345 *»

حار لان هذا النقض ايضاً نشأ مما يتبادر الي الاذهان من لفظ السبب و المسبب فان المراد من السبب هنا هو المؤثر الذي يوجد اثره لا من مادة سابقة فالسبب الحقيقي و المسبب الحقيقي ماكان هكذا و ماسوي ذلك من الاسباب و المسببات اسباب و مسببات غير تامة من كل وجه بل تكون بينها سببية و مسببية في جهة من الجهات او في صفة من الصفات او خصلة من الخصال او حيث من الحيوث او اعتبار من الاعتبارات فما تري من امثال النسبة بين الشمس و القمر فاعلم ان الشمس ليست بسبب لجرم القمر و لا لنوره في الحقيقة و السبب المؤثر له هو الجسم المطلق و هو بنفسه مؤثر نوره و سببه و انما كملت الشمس القمر و استخرجت من قواه الكامنة فيه نوراً و هو نور القمر و القمر مؤثره و لذا صار بطبعه و ليس بنور الشمس و لذا صار بخلاف طبعها و مثل ذلك اعانتك المريض الضعيف علي المشي بيدك فان مشيك هو اثرك و انت مؤثر و سبب له و هو مسبب لك و مشي المريض هو اثر المريض و سببه و ليس بأثرك و سببك و ان لم‏يظهر الا باعانتك ابداً فكذلك حال كل متكمل بالنسبة الي مكمله فانه و ان لم‏يظهر من المتكمل فعل و اثر الا بمكمله ابداً ولكن بعد ذلك كله يكون فعل المتكمل منه لا من المكمل و ان كان بالمكمل فالمشية ليست بمكمل الاشياء فقط بل هي مؤثرة فيها لانها خلقت موادها و صورها لا صورها حسب لتكون مكملة فقط فخذ ما سمعته و اتقنه في نفسك لئلايذهبن بك المذاهب و لئلاتصير مغلوباً لكل غالب ان كنت من طلبة فهم المطالب.

فاذا كان الامر كذلك فاعلم انه يمتنع في نظم الحكمة تخلف المسبب عن سببه و الاثر عن مؤثره فاذا وجدت الاثر حاراً تستدل البتة علي حرارة مؤثره و بالعكس او تجده بارداً تستدل بتة علي برودة مؤثره و بالعكس او تجده جوهراً تستدل علي كون مؤثره جوهراً و بالعكس او تجده عرضاً تستدل علي كون مؤثره عرضاً و بالعكس و هكذا في جميع الامور و الاحكام

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 346 *»

المتعلقة بالاشياء لايستثني منه شي‏ء ابداً اذ الاثر يجب ان‏يكون علي صفة مؤثره و الا لم‏يكن ذلك اثراً له و يبطل الاستدلال في جميع المواقع و انقطع الحجة عن كل ذي حجة في جميع المواضع و لم‏يجعل اللّه سبحانه خلاف نظم الحكمة و الصواب في ملكه ابداً فاذا تدبرت في هذا المعني و اتقنته في نفسك ففكر في الاشياء اليس تجد بعضها جوهراً و بعضها عرضاً و بعضها ذاتاً و بعضها صفة و بعضها ملزوماً و بعضها لازماً و بعضها سبباً و بعضها مسبباً و بعضها شرطاً و بعضها مشروطاً و بعضها مادة و بعضها صورة و بعضها لطيفاً و بعضها كثيفاً و بعضها عالياً و بعضها دانياً و بعضها فواعل و بعضها مفعولات و بعضها قوابل و بعضها مقبولات و بعضها سماء و بعضها ارضين و بعضها حسناً و بعضها قبيحاً و بعضها شريفاً و بعضها خسيساً و بعضها سعيداً و بعضها شقياً و بعضها رحيماً و بعضها قسياً و بعضها شجاعاً و بعضها جباناً و بعضها سخياً و بعضها بخيلاً و بعضها غضوباً و بعضها حليماً و بعضها جاهلاً و بعضها عالماً([15]) و بعضها غافلاً و بعضها ذكوراً و بعضها كفاراً و بعضها شكوراً و بعضها طلبة الدنيا و حطامها([16]) و بعضها اهل الاخرة و نعيمها و هكذا سائر الخصال و الصفات و الفعال المختلفة.

و الم‏تعلم ان بعضها حقائق و جواهر نورية و بعضها معان جبروتية و بعضها مجردات ملكوتية و بعضها برازخ بين ذلك و بعضها معان جزئية مثالية و بعضها علوم برزخية و بعضها معان مقترنة و بعضها صور خيالية و بعضها روابط رابطة و بعضها حقائق شهادية و بعضها مواد ثانوية و بعضها صور مثالية و بعضها اناسي و بعضها اجنة و بعضها ملائكة و بعضها الحيوانات و بعضها البرزخية و بعضها الملكية و بعضها الجسم الدنيوي و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 347 *»

بعضها العرش و بعضها الكرسي و بعضها الافلاك و بعضها العناصر و بعضها الجمادات و بعضها النباتات و بعضها ظواهر الحيوانات و الاناسي و بعضها اصول و بعضها فروع و بعضها طيبات و بعضها خبيثات و بعضها عليون و اهله و بعضها سجين و اهله و بعضها ذوات اصلية و بعضها اعراض زائلة و بعضها نسب و بعضها اوضاع و بعضها الجهات و بعضها الرتب و بعضها الكموم و بعضها الكيوف و بعضها الاوقات و بعضها الامكنة و بعضها الحيوث و بعضها الاعتبارات و هكذا كل ما تري و تعرفه او لم‏تر و تعرفه و كل ما كان و ما يكون الي يوم القيمة و كلها مخلوقة بالمشية افتزعم انها امر مصدرية عرضية او لابد و ان‏تكون جوهراً بل لابد و ان‏تكون في نفسها بريئاً عن صفة الجوهر بل هي مجهر الجواهر فهل امر ذاتي و تذوتها اشد عن تذوت جميع الذوات لانها هي مذوت الذات و هل في نفسها امر متذوت لاينافيه الاعراض و النسب و كل ما سمعته آنفاً و امثالها اذ هي كلها مخلوقة بها فلابد في كونها امراً خارجاً من تركيب مادونه و حدوده لئلاينافيها في امر من الامور فتدبر في الامر تجده كما اقول و الحمدللّه.

 تفصيل: و اعلم ان السبب التام و العلة التامة ما كان جميع ما للمسبب و المعلول له و الا يلزم ان‏يكون الاثر@الامر خ‌ل@ شيئاً موجوداً من غير ايجاد مؤثره و في ذلك محال القول و لايقال يمكن ان‏يكون في الاثر@الامر خ‌ل@ شي‏ء موجود بايجاد مؤثر آخر فلم يلزم وجود شي‏ء بغير ايجاد لان المراد من الاثر هنا الاثر الواحد الحقيقي للمؤثر الواحد الحقيقي لا الشي‏ء الواحد الظاهري الذي ربما يكون له الف جزء كل جزء منه اثر مؤثر خاص فالاثر و المفعول الواحد لابد و ان‏يكون جميع ما له و به و منه و اليه و عليه كلها من قبل مؤثره و فاعله فيجب ان‏يكون بين المؤثر و اثره مطابقة تامة من جميع الوجوه من وجه باطنه و ظاهره و مادته و صورته و كل ما يؤل اليه امره

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 348 *»

فانه ان لم‏يكن المطابقة يكون مخالفة و لايعقل ان‏يصدر من المخالف شي‏ء مخالف فلابد و ان‏يكون مادة الاثر مطابقة لمادة المؤثر في اللطافة و الكثافة و الرقة و الغلظة و الصفاء و الكدورة و هكذا من جميع الوجوه و الحيوث فان لم‏تكن مطابقة لها في جميع ذلك لزم صدور الشي‏ء المخالف من المخالف من حيث المخالفة و ذلك محال و كذلك لابد و ان‏تكون صورة الاثر مطابقة لصورة المؤثر من جميع الوجوه في اللطافة و الكثافة و الرقة و الغلظة و الصفاء و الكدورة و كل ما لها فان لم‏تكن مطابقة لها من جميع الوجوه لزم صدور الشي‏ء المخالف من المخالف من حيث المخالفة و هكذا كل ما كان للاثر موجوداً لابد و ان‏يطابق لما يكون موجوداً في المؤثر من ذلك الجنس و الا يلزم صدور الشي‏ء المخالف من المخالف من جهة المخالفة كصدور الحرارة من البرودة من جهة البرد و بالعكس و ذلك ظاهر البطلان انشاءاللّه عند من له عينان و من لم‏يعرف ذلك مع وضوح البيان لاينبغي للعاقل ان‏يعتني به و يواجه اليه وجه خطابه.

فاذا عرف لزوم المطابقة التامة من جميع الوجوه بين الفعل و المفعول بحيث لايبقي بينهما تخالف بوجه من الوجوه لزم الاقرار و الاعتقاد بارتفاع الاثنينية بينهما اذ مادام الشيئان اثنين يكون بينهما تمايز لامحالة و وجود التمايز لازم لوجود التخالف لامحالة فيكون هذا واجداً لما يكون ذاك فاقداً لامحالة فان كان بين الفاعل و المفعول اثنينية لزم التخالف بينهما لامحالة و جاء المحظور الممنوع فلابد من ارتفاع الاثنينية بينهما لامحالة لئلايلزم المحظور فلابد و ان‏يكون الفاعل و فعله و مفعوله الذي هو فعله شيئاً واحداً من جميع الوجوه في المادة و الصورة و كل ما يؤل اليه امره للزوم المطابقة التامة فاذا كان الفاعل و المفعول شيئاً واحداً من جميع الوجوه و الحيوث مع اختلاف الاشياء المشهود لكل شاهد يجب ان‏يكون لكل واحد واحد من الاشياء فعل خاص و فاعل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 349 *»

خاص به و كل واحد واحد منها مخلوق عند الفاعل الخاص بنفسه لا بشي‏ء آخر و ذلك معني قول المشايخ اعلي اللّه مقامهم و انار اللّه براهينهم الجميلة في العالمين ان كل شي‏ء مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب منه و بذلك عرف انه لابد و ان‏يكون للمشية رؤساً و وجوهاً([17]) متكثرة متعددة بعدد ذرات وجود الاشياء فلزيد مثلاً رأس من المشية خاص به لم‏يخلق به احد سواه و لذلك الرأس الذي هو بمنزلة الاصل من الشجر دوحة و اغصان كلية و لكل غصن فروع كثيرة لها كلية بالنسبة الي ما دونها جزئية بالنسبة الي ما فوقها و لكل فرع فروع دقاق و لكل دقيق اوراق و لكل ورق عروق و لكل عرق قوي عروق شعرية و لكل شعرة اجزاء و كل واحد واحد من تلك الغصون و الفروع و الاوراق كما ذكر مخلوق خاص به لم‏يخلق به سواه فلزيد رأس من رؤسها خاص به و لذلك الرأس الخاص وجه متعلق بخلق رأسه و لذلك الوجه السنة عديدة و كل لسان اذا اراد اللّه سبحانه خلق عضو يقول لذلك العضو كن فيكون و كل لسان قائل بلغة لم‏يعرفها سائر الالسنة فلسان من تلك الالسنة يقول لسمعه كن فيكون و لسان يقول لبصره كن فيكون و لسان يقول لانفه كن فيكون و لسان يقول لذوقه كن فيكون و هكذا لكل واحد واحد من ابعاض رأسه و قبائله فعل خاص به لم‏يتعلق بغيره و لكل واحد واحد من تلك الالسنة ايضاً عروق كل عروق([18]) متعلق بشي‏ء خاص به دون غيره فللقائل للبصر ايضاً مراتب و طبقات كل مرتبة منه متعلقة بطبقة منه خاص بها دون غيرها و لكل مرتبة عروق كل عرق منها متعلق بجزء منه خاص به دون غيره و هكذا و كل ذلك للزوم المطابقة التامة بين الاثر و مؤثره القريب منه.

فمن ذلك عرف ان المشية بنفسها لايعقل تعلقها بالاشياء المتكثرة المتعددة و المتعلق بها هي رؤسها لا غير و هي بنفسها لم‏تتعلق الا بنفسها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 350 *»

لانها ايضاً مخلوقة بنفسها و علم من ذلك انها في نفسها بريئة عن التعلق بالاشياء للزوم التطابق التام بين المتعلق و المتعلق بالفتح فهي في نفسها ليس فيها حدودها مطلقاً و لذلك لاينافي تعلقها بكلها برؤسها فلو كان في نفسها حدود جبروتية مثلاً لم‏يعقل تعلقها بالملكوت و اهله و يجب ان‏تكون مخصوصة بالجبروت و لو كان فيها في نفسها الحدود الجبروتية و الملكوتية لم‏يعقل تعلقها بالملك و هكذا العكس و ذلك ايضاً للزوم وجود المطابقة بين المؤثر و اثره اماتري ان النار في نفسها لما كانت محدودة بحدود خاصة تكون آثارها آثار([19]) خاصة و لم‏يعقل صدور آثار الماء منها و كذا العكس فهي في نفسها لو كانت محدودة بحدود مرتبة من مراتب المخلوقات لم‏يعقل صدور سائر المراتب منها فبمضادتها بين الاشياء علم ان لا ضد لها و بايجادها المماثلات علم ان لا مثل لها فليس كمثلها شي‏ء من المخلوقات كيف لا و هي المجرية للكل من غير استثناء و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته و مثال ذلك للتقريب ان زيداً لما كان في نفسه محدوداً بحدود خاصة بالنسبة الي عمرو لايمكنه الظهور بالصورة العمروية ولكن لما كان بالنسبة الي القائم و القاعد و الراكع و الساجد غير محدود بحدود واحد منها يمكنه الظهور بكلها اذ لو كان في نفسه محدوداً بحدود القائم لم‏يمكنه الظهور بالقاعد كما لماكان محدوداً بحدود زيدية لم‏يمكنه الظهور بالصورة العمروية فلما كان في نفسه بريئاً عن حدود مادونه كلها يمكنه الظهور لكلها بكلها و الامتناع عن كلها بكلها كذلك المشية لما كانت بريئة في ذاتها عن حدود جميع المخلوقات و ما يمكن فيها يمكنها الظهور للكل بالكل و الامتناع عنها بها فبذلك عرف بطلان قول ضرار و اصحابه حيث زعموا ان المشية هي المشاءات و رد عليهم الرضا7 بقوله فعلي هذا ان المشية تأكل و تشرب و تنكح و تزني نعوذباللّه.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 351 *»

تفصيل: اعلم ان للاشياء مراتب عديدة تترامي الي اعلي المراتب الذي ليس فوقه مرتبة خلقية و كل مرتبة اعلي يكون بريئاً عن حدود ادناه و كثراته لان حدود الادني و كثراته مما يجري الاعلي علي الادني و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه كما تري ذلك بالمشاهدة و العيان في جميع المراتب و لاسيما بعد التنبيه و البيان و لايخفي ذلك علي من له عينان عين ظاهرة للمشاهدة و عين للفهم و الادراك في الجنان و من لم‏يعط ذلك فلايتوجه اليه خطاب اللسان فأنت اذا تفكرت في الحروف التي مرتبتها ادني من مرتبة المداد الذي هو اعلي تجد لكل حرف منها ما يمتاز به عن غيرها من الحدود بالمشاهدة فللالف حد يمتاز به عن الباء و عن سائر الحروف و للباء حد يمتاز به عن غيرها و هكذا باقي الحروف كما لايخفي و تلك الحدود و المميزة للحروف بأسرها واقعة في رتبتها لا في رتبة المداد مطلقاً فلو صعد الحدود الالفية مثلاً الي مرتبة المداد و صارت حدوداً له لوجب ان‏توجد تلك الحروف اينما وجد المداد و المشاهدة قاضية ببطلان ذلك و حاكمة بأن المداد من حيث هو هو شي‏ء صالح للتصور بصور الحروف الي غير النهاية و لو كان فيه حد من حدودها لامتنع عن ذلك كما كان الالف امتنع من حيث الالفية ان‏يكون باء و هكذا ساير الحروف و المداد شي‏ء ثابت في محله مستقل سواء كانت الحروف موجودة او لم‏تكن و لايزيد علي ما هو عليه و هو الصلوح المطلق شي‏ء بزيادتها و لم‏ينقص عنه شي‏ء بنقصانها لانه في نفسه علي ما هو عليه صالح التصور بصور الحروف بلانهاية ابداً فلايتغير بتغيرها ابداً فما لم‏يتغير بتغير شي‏ء ابداً و لايزيد فيه شي‏ء بزيادته و لم‏ينقص عنه شي‏ء بنقصانه كيف يجري عليه حدوده و ليس معني التغير الا اختلاف حدود

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 352 *»

الشي‏ء لا شي‏ء سواه ابداً ابداً فان الشي‏ء ان كان قصيراً فصار طويلاً يتغير عن حالة القصر الي حد الطول و ان كان حلواً فصار حامضاً يتغير عن حد الحلاوة الي حد الحموضة و هكذا كل ما يتغير انما يتغير بحدوده لا بشي‏ء سواها و انما ينتقل من حد الي حد فمحدود@فحدود خ‌ل@ الرتبة الدانية ان كانت موجودة في الرتبة العالية لتغيرت الرتبة العالية بتغيرها و ان لم‏يتغير بتغيرها علم انها ليست فيها و هي مختصة بالرتبة الدانية و ما تري من تغير الحروف و فساد كونها و عدم تغير المداد بتغيرها مطلقاً يكفيك خبراً و علماً بأنها لم‏تكن فيه ابداً ابداً و انت خبير بأن زيادة التعدد و الكثرة لاتكون الا بزيادة الحدود لا شي‏ء سواها فاذا لم‏يوجد حدود الرتبة الدانية في الرتبة العالية لم‏توجد فيه تعددها و كثرتها ابداً فالحروف و ان كانت متعددة متكثرة ولكن لايتعدد المداد و لايتكثر بتلك التعددات البتة و صفات زيد من القائم و القاعد و الراكع و الساجد و غيرها و ان كانت متعددة متكثرة ولكن لم‏يتعدد زيد و لم‏يتكثر بتعددها ابداً و هو واحد بالبداهة و ليس ذلك الوحدة الثابتة لزيد بالنسبة الي صفاته المتعددة امراً انتزاعياً اعتبارياً ذهنياً ليس لها وجود في الخارج كما توهم البعض بأن وجود الكلي و وحدته امر اعتباري ذهني غير موجود في الخارج منتزع من الافراد فزيد واحد بالبداهة في الخارج سواء تعلق به الذهن ام لا و صفاته متعددة في الخارج ايضاً سواء تعلق بها الذهن ام لا و كلاهما امران موجودان في الخارج و انما وقع في الذهن ما يكون ثابتاً في الخارج كالعكوس المنفصلة من الشواخص الخارجية في المرآة.

و ليس الذهن الا كالمرآة و ليس له قوة فعالة@فعالية خ‌ل@ توجد صور الاشياء في نفسه كما توهم بعض الحكماء لانه شي‏ء قليل@قابل خ‌ل@ للتصور و التقابل لايعقل ان‏يتصور هو بنفسه بصور مختلفة الاتري ان الطين القابل للتصور بصور الكيزان لايعقل ان‏يتصور هو بنفسه بتلك الصور الا ان‏يصوره الفاخور

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 353 *»

و الحكمة و ادلتها لاتتخصصان بشي‏ء مطلقاً فالذهن القابل للتصور لايقدر علي ايجاد ما لم‏يكن في الخارج في نفسه ابداً و انما ينطبع الصور بواسطة الحواس الظاهرة فيه كما تنطبع في المرآة الاتري ان الاعمي الامي لايقدر ذهنه علي تصور المبصرات او تصويرها ابداً و كذلك الاصم الامي لايقدر ذهنه علي تصور الاصوات ابداً و هكذا سائر المدركات المحسوسة لو لم‏يكن لها آلتها الخاصة بها تنطبع فيها صورها لم‏تقدر علي ايجادها الذهن في نفسه و لايقال ان النفس قبل اكتسابها من المواد بواسطة الحواس الظاهرة لم‏تكن فعالة و اما بعد اكتسابها@اما بعد اکتسابها من المواد بواسطة الحواس خ‌ل@ و لو مرة تصير فعالة و تقدر علي التصور بنفسها بالقوة الفعالة و ان لم‏يكن شي‏ء في الخارج كما تقدر بالبداهة علي تصوير المبصرات المختلفة و ان لم‏تستعمل الالة المخلوقة لذلك التي هي العين و كذلك الحكم في سائر المدركات لان الشي‏ء من حيث هو هو لايقدر علي التصور في نفسه و التغير و التغيير في نفسه ابداً لانه من حيث هو هو لا شي‏ء سواه و التغير@المتغير خ‌ل@ امر خارج منه يكون فيه بالقوة و ما كان بالقوة كان معدوماً و المعدوم غير موجود و غير الموجود كيف يعقل ان‏يصير موجوداً بنفسه الا ان‏يوجده غيره و ذلك الغير لابد له من صورة بالفعل يفعل بفضلها في امكان غيره و يستخرج منه ما هو من جنسها اي من جنس الصورة التي هي موجودة بالفعل فالنفس ان كانت غير مصورة بصورة خاصة مدركة فكيف تقدر علي استخراج صورة مدركة في نفسها و هي قابلة غير مصورة و ان كانت في نفسها لها صورة حاصلة مدركة فكيف تحتاج الي الحواس الظاهرة في اكتساباتها آناً فآناً هب انها صارت فعالة بعد اكتسابها من الحواس الظاهرة مرة واحدة او مراراً عديدة يسيرة فلو صارت فعالة بالذات و صارت الصفة انفعالية لها بالفعل فلم لم‏تجدها في جميع حالاتها لانها لو صارت لها صفة ذاتية لكانت معها في جميع حالاتها فكما هي لم‏تفقد نفسها في حال

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 354 *»

من الاحوال لابد و ان لاتفقد ما صارت لها بالفعل في نفسها فاذا فقدها و وجد نفسها علم ان نفسها فاقدة لها لفقدان الصفة لديها و لو غفلة عنها و وجدان نفسها اذ لايعقل ان‏يفقد الشي‏ء نفسه.

فعلم من ذلك ان القول بفعالية النفس و خلاقيتها لمدركاتها من دون الالات الجسمانية او الخيالية الخارجية عن كينونة النفس كلام لا معني له لدي الاعلام الذين شأنهم البرهان علي ما ادعوا و البرهان ما سمعته آنفاً ان الشي‏ء الذي يمكن فيه الصور لايعقل ان‏يستخرج هو من امكانه ما كان معدوماً فيه و لايعقل خروج تلك الصور ايضاً بنفسها لانها معدومة و لابد ان‏يستخرجها منه الفاعل المكمل الخارجي فكما ان الفاخور يستخرج مما في الطين من الصور و هي بنفسها خروجها غير معقول و الطين بنفسه ايضاً استخراجها لها غير معقول و لابد من فاخور خارجي في استخراجها كذلك لابد للنفس في استخراج ما يمكن فيها من الكمالات و الادراكات الي الفاعل المكمل الخارجي فأول المكملات الخارجية لها صعوداً هو الموجود الزماني المادي الذي له صورة ما بالفعل متصل به فاذا قابله بأحد مشاعره المناسبة لذلك الموجود المصور انفصل من صورته المتصلة به شبح و انطبع في تلك الحاسة المخلوقة لادراك ذلك كما ينطبع العكوس في المرآة فكما ان المرآة صالحة لان‏يظهر منها العكوس و لابد في انعكاسها من وجود الشي‏ء المصور الخارجي كذلك الالات الجسمانية كل واحد منها ليست الا كمرآة صالحة لظهور العكوس فيها و لابد لاظهارها و تكميلها من شي‏ء مصور خارجي يكمل بفضل صورته ما يمكن في تلك الالة بالقوة فتصير الصورة المجانسة لما في الخارج فيها بالفعل و تصير الالة بنفسها علي هيأتها و لونها اذ كان الشي‏ء الخارجي من المبصرات و كانت الالة هي العين فاذا تهيأت بهيأتها و تلونت بلونها انطبع منها في الروح البخاري الجاري في العصبة الجوفاء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 355 *»

المتصلة بالجليدية من الدماغ و صار الروح ايضاً متهيئاً بهيأة تلك الصورة متلوناً بلونها كما عرفت و انطبع منه في الحيوة المشتعلة فيه المسمي بالحس المشترك و منها في الخيال و تهيأ الخيال ايضاً بهيأة تلك الصورة و تلون بلونها و لما كان الخيال حس شاعر يدركها في نفسه و يجدها حيث قرأها و هكذا من الخيال ينطبع في النفس و هي ايضاً كما عرفت تتهيأ بهيأتها و تتلون بلونها فتجدها حيث تقرأها و ان بقي لوازم الرتب في منازلها البتة و ليس المقصود هنا شرح ذلك فكل رتبة دانية هي المكملة لاستخراج ما في قوة الرتبة العالية و انفعاليته للشي‏ء بنفسه في نفسه مما لايعقل كما عرفت ان عرفت.

و ان قيل قد يري في المنام و يتصور في الاحلام ما ليس له وجود في الخارج الزماني المادي فلو لم‏تخلقها النفس الفعالة فكيف تدرك تلك الصور.

قلت لادراك امثال ذلك اسباب منها من قبل اخلاط البدن و الابخرة الصاعدة منها الي الدماغ فلربما صار الغالب في البدن الدم فاذا صعد البخار الدموي الي الدماغ ينصبغ بالحس المشترك بصبغه البتة و يتطبع بطبعه و الخيال المتعلق بالحس المشترك ايضاً يتطبع بطبعه و ينصبغ بصبغه ايضاً فيصير اكثر خيالات الشخص في اليقظة و المنام ما يقتضيه الدم من الخواص و لذا اذا فصد و قلله يرتفع منه الخيالات الدموية و كذا اذا غلب عليه الصفراء صار اغلب تخيلاته ما يقتضيه الصفراء في النوم و اليقظة فاذا استفرغها و اخرجها من بدنه يرتفع منه الخيالات الصفراوية كما لايخفي علي المتأمل و لو كانت النفس فعالة خلاقة بنفسها في احداثها لم لم‏تخلقها بعد استفراغ السبب@المسبب خ‌ل@ و ارتفاعه.

و ان قيل شرط فعاليتها لتلك الصور ان‏تكون لها اسباب مادية.

قلت فان اريد بذلك ما شرحنا بأنها تتهيأ بنفسها بوساطة الالات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 356 *»

و الاسباب الدانية المادية فلا شك في ذلك و ان اريد بها معني آخر فقد عرفت مما شرحت ان عرفت. بالجملة و مما هو سبب ادراك بعض الصور البرزخية من غير ثبوت شواخص زمانية وجود الشياطين و الاجنة في ذلك العالم فالخيال يتوجه الي صورهم و ينطبع فيه عكوسهم و منها وجود الملائكة فيه فربما يتوجه المؤمن اليهم و ينطبع في خياله صورهم و صور الملائكة و الشياطين و الاجنة ليست منحصرة علي هيأة صورة الانسان او الحيوان بل ربما كانت علي صورة النباتات او الجمادات او الالوان او الاصوات او الطعوم او المشمومات و الملموسات من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و غيرها و لها تأثيرات في الخيال بل في البدن قهقهري كما هو مبرهن في محاله([20]) و لايخفي علي المتأمل المرتاض بالعلم و ليس المراد بيان ذلك و انما يجر الكلام الكلام فلنرجع الي المرام و هو ان لزيد وحدة ليس فيها كثرات صفاته و تعدداتها لما كانت مرتبتها فوق مرتبة صفاتها و ان قيل ان وحدة زيد و وجودها في الخارج و كثرة صفاته و تعددها في الخارج مما لا شك فيه لان لزيد وجود شخصي جزئي ولكن وقوع تلك النسبة بين النوع و افراده اول الكلام لان النوع ليس له وجود خارجي و انما انتزع وجوده من الافراد لانه يكون في ضمنها قلت تلك النسبة جارية بين كل عال و دان و انما امر النوعية و الشخصية عندنا بل الجنسية امر اضافي نسبي كما هو الحق فان لزيد نوعية بالنسبة الي آثار صفاته و شخصية بالنسبة الي نوع الانسان و نوع الانسان ايضاً له نوعية بالنسبة الي زيد و جنسية بالنسبة الي صفات زيد و شخصية بالنسبة الي سائر الانواع التي في عرصته و انت ان لم‏تر للنوع وجوداً الا في ضمن الافراد فذلك لان مرتبة النوع و عرصته فوق مرتبة الافراد و عرصتها و لذا لم‏تره في عرضها و انما تدركه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 357 *»

فوقها نافذاً في كلها ظاهراً منها و كذلك الحال في زيد ايضاً فانك ان لم‏تر زيداً الا في ضمن احد اوصافه و صفاته من القائم و القاعد و الراكع و الساجد و امثالها بل تراه فوقها نافذاً في كلها ظاهراً من كلها لما كان مرتبته فوق مرتبتها فلايخفي عليك بعد ان‌شاءاللّه.

فظهر و الحمدللّه ان الحدود الرتبة الدانية لاتجري في الرتبة العالية منها و كلما يصير الشي‏ء اعلي رتبة يصير حدوده اقل و كلما يكون ادني يصير حدوده اكثر لانه يلزمه ما هو يمتاز به عن غيره مع وجود حدود الرتبة العالية فيه فالسكين مثلاً حدوده اكثر من الحديد لانه يوجد فيه الحدود الحديدية مع شي‏ء زائد هو ما به امتيازه عن غيره و الحديد اكثر حداً من المعدن المطلق لانه يوجد فيه الحدود المعدنية مع شي‏ء زائد هو ما به امتيازه عن الذهب و الفضة و سائر المعادن و هكذا الامر يترقي و يصعد من فرد الي صنف و منه الي نوع و منه الي جنس و منه الي جنس اعلي و منه الي اعلي اعلي الي ان وصل الامر الي جنس الاجناس الذي ليس فوقه جنس مطلقاً فهو اعلي الاجناس رتبة و اوسعها طرفاً و اقلها تركيباً و اشدها بساطة و لايعقل التركيب اقل من اثنين فالوجود المركب من اثنين هو مبدأ المركبات و اول المتعينات ليس لها فيما فوقه ذكر مطلقاً لا اثباتاً و لا نفياً فهو غاية الغايات و نهاية النهايات و منقطع الاشارات و المعبر عنه بالخطابات اذ لا ذكر للتركيب فوق ذلك فهو المقصود من العبارات بالايماء الي المنتهي الذي ليس وراء الانتهاء و المسمي بالاسماء الذي ليس فوقه مسمي و المثني الحقيقي الذي ليس دونه مسمي فماسواه كلها مركب من اجزاء كل جزء منها ايضاً مركب سوي ذلك الوجود فانه كل جزء منه ليس بجزء واحد حتي يكون مركباً بل هو نصف جزء فالنصفان معاً يكونان جزءاً واحداً و ليس كل واحد منهما شيئان[21] حتي يكون واحد منهما مركباً بل يكون كل واحد نصف الشي‏ء فهما معاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 358 *»

يكونان شيئاً واحداً فمقام الواحدية الحقيقية ثابت له و المثني فمادونه ثابت لمادونه و اما ما فوقه و لا فوق فذلك مقام الاحدية و ليس فيه ذكر التركيب مطلقاً فالمثني الحقيقي هو الواحد الحقيقي حقيقة و لفظ المثني لايليق بمقامه بل ثابت لما دونه و تعقل ذلك امر عسير علي غير المرتاض بالحكمة غير يسير و ان كان التنطق بذلك تقليداً و حفظاً لالفاظ المشايخ اجل اللّه شأنهم و انار في العالمين برهانهم سهل يسير من دون تعقل المعني لكن لطالب المعني و الحقيقة لاينبغي الاكتفاء بالالفاظ الا للتوسل بها الي المعاني و ذلك عليهم حقيق جدير و لايقنع نفس الدقيق البصير علي صرف حفظ الالفاظ و بعض المصطلحات و الاسماء في العلوم لاسيما علم الحكمة فانه وضع لكشف الحقايق لا القواعد و الرسوم فان كنت تريد الوصول الي المعني فعليك بالاصغاء الي الفصل الاتي لعل اللّه يوصلك اليه ان شاء اللّه و قدر لك.

تفصيل: فاعلم انك اذا نظرت الي الاشياء و تفكرت فيها تجد حقايقها صوراً مستخرجة عن مواد و كم من صورة تستخرجه من@عن خ‌ل@ صورة لا من مادة و ان كانت الصورة الاولي بالنسبة الي الثانية العارضة لها مادية كالسرير الذي ليست حقيقته حقيقة الا الصورة الخاصة العارضة لقطعات الخشب فالخشب له مادية بالنسبة الي السرير ولكنه في نفسه ليست حقيقته مادة بل هي في الحقيقة صورة عارضة علي الحصص العنصرية فالخشب خشب بالخشبية و هي صورة عارضة بالبداهة و كذلك الامر في العنصر فهو و ان كان له مادية بالنسبة الي الخشب ولكنه في الحقيقة صورة عارضة علي . . .([22]) جسمانية صالحة للتلبس بالصورة السماوية بالتدبير فالعنصر في نفسه ليست حقيقة مادة و هكذا الامر في ساير الاشياء فانها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 359 *»

كلها حقيقتها ليس الا صوراً عارضة علي صور الي ان‏ينتهي الامر الي المادة التي ليست ماديتها مادية نسبية بل تكون مادة حقيقية و ليس فوقها مادة حتي تكون هي عارضة عليها لان المفروض هو الوصول الي المادة التي ليست بصورة فتلك المادة هي مادة المواد و اصل الاصول فالمواد المترامية المتنزلة التي هي دون مادة المواد كلها لها مادية اضافية بالنسبة الي صورها و تلك الصور بالنسبة قوي كامنة فيها محتاجة في خروجها من القوة الي الفعلية الي فاعل مكمل خارجي و لايعقل خروجها من موادها بأنفسها اذ هي مادامت فيها بالقوة معدومة و لايعقل ان‏يوجد المعدوم نفسه قال7 انت ماكونت نفسك و ماكونك من هو مثلك و تلك المواد ايضاً بأنفسها لاتوجد تلك الصور علي انفسها اذ الشي‏ء بنفسه لايقدر علي تحريك نفسه و تغييره و تحويله الي حالة الا ان‏يغيره مغير و يحوله محول خارج عن كينونته كما تري ان الطين بنفسه في نفسه من غير مغير محول من خارج كينونته لايعقل ان‏يصير بنفسه كوزاً الا ان‏يصيره الفاخور الخارجي بحسب ارادته كوزاً فتلك القوي الكامنة محتاجة الي المكمل الخارجي في جميع المراتب كائنة ما كانت بالغة الي ما بلغت.

فلما صارت بسبب المكملات الخارجية بالفعل صارت تلك الفعليات اولاداً متولدة بين اب الفاعل المكمل الذي هو الفاعل الخارجي و بين ام المنفعلة التي هي المادة فلها اي للفعليات التي هي الاولاد بين الابوين شأن من آبائها و شأن من امهاتها فشأن الاباء هو الفعل و التأثير و شأن الامهات هو الانفعال و القبول فصار شأن الاباء للفعليات المتولدة مادة و وجوداً و نوراً و شأن الامهات لها صورة و ماهية و انية فهي كلها مركبات من ذينك الشأنين و شأن كل واحد من الاب و الام اثره فهي مركبات من اثرين من مؤثرين فما دام الاثران مقترنين مكون([23]) المركبات موجودة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 360 *»

فان لم‏يكن احدهما او كلاهما لم‏يبق مركب مطلقاً فالفعليات المتولدة لما كانت محتاجة في الظهور الي محل و مظهر تستقر علي المواد الاولية غير موادها الذاتية و المواد الاولية تكون لها مواد عرضية و تكون مستقر المتولدات بموادها و صورها الذاتية و لذلك تراها صالحة الثبوت و الوقوع عليها و صالحة الارتفاع و الطيران منها فهي غيرها جالس عليها جايز الانتقال عنها فكل واحد منها مع مستقر فالشخصان([24]) لكل واحد منهما مادة و صورة فصارت المجموع اربعة و ذلك احد تأويل قوله تعالي و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و الزوج فردان فالزوجان اربعة فكل ما يري من المركبات التكميلية الحاصلة بين فعل الفاعل و قبول القابل و ما لايري كلها مركبات من مادتين و صورتين سوي الوجود الاول الذي خلق لا من مادة سابقة علي وجوده و لا الفاعل سوي نفسه فهو مخلوق تأثيري بلا كيف لايتولد من الاب الفاعل الخارج السابق علي وجوده فهو مركب من اثنين لا من اربعة و الاثنان هو المادة التي لا صورة لها سوي صورتها و الصورة التي لا مادة لها غير مادتها فلايدرك كل واحدة منهما الا و معها الاخري فان مادته ان كانت كانت بصورته و صورته ان كانت كانت موجودة بوجودها و مادتها فلايري ذاك و لايدرك ذاك الا و معه ذاك و قد مر انها نصفان لا شيئان فاذا اجتمعا النصفان صارا شيئاً واحداً بخلاف ساير الاشياء فان كل واحد من مادتها و صورتها شيئان فاذا اجتمعا صارا شيئين فهذا حال المركب من البسيطين الذين هما نصفان بقدر امكان البيان و لما اقدر الان علي بيان اوضح مما بان علي لسان القلم و السلام علي من اقر بالحق الذي يري او سلم لظاهر حق الاستدلال المسلم.

تفصيل: اعلم ان هذا الوجود الوحداني ابسط ما يمكن في عالم المركبات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 361 *»

و اوسع عرصة من جميعها لانها كلها بما فيها و لها كائنة ما كانت صادرة منه و هو مجريها و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و لا نهاية له و لا حد بالنسبة اليها فلذا صار نافذاً في جميع اقطارها موجوداً في اعماقها و اطرافها داخلاً فيها لا كدخول شي‏ء في شي‏ء خارجاً عنها لا كشي‏ء خارج عن شي‏ء لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و لايوجد فيها وجود الا وجوده لانه هو المؤثر الحقيقي لها و الظاهر لها بها و الخفي عنها بها و المؤثر في مكان وجود اثره ابين من نفس اثره لسعة وجوده الظاهر في ظهوره اظهر منه لشدة ضياء نوره و كثرة فضل جوده فهو اظهر شي‏ء فيها لانه لايوجد في عرصة الاعداد المركبة الا الواحد و اخفي شي‏ء في عرصاتها لانه بري‏ء بذاته عن حدودها و كثراتها فاذا ظهر فيها صار اظهر من انفسها لخفائها في جنب ثنائه بحيث صار هو موجوداً لا شي‏ء سواه و اذا خفي عنها صار اخفي شي‏ء لانه بذاته لايوجد في عرصاتها كلها عرصات الكثرة و التعدد و اين التعدد و الكثرة في نفس الواحد الحقيقي الذي لايوجد في عرصته سواه و خفاؤه لشدة نوره و استتاره عنها لعظم فضل جوده اذ كلها نوره و ظهوره و جوده و عيانه و وجوده و هو بنفسه اوجد في امكنة انواره و ظهوراته و فضائله من انفسها:

ما في الديار سواه لابس مغفر   و هو الحمي و الحي و الفلوات

و كم من زاعم يزعم عند سماعه انه امكان جميع الاشياء انه بحر متشاكل الاجزاء كبحور المياه و هو غافل من انه لو كان كذلك فمن الذي اوجد هذه الاشياء و البحر بنفسه لايقدر علي تحريك نفسه و تقطيع اجزائه و تصويرها بصور الامواج و انما يحركه الرياح الهائجة غير نفس الماء خارجة عن كينونته فهي انفعالة في لججها المصورة لصور الامواج فهل يوجد فعل في نفس الفعل الاول سواه و هل يوجد ريح خارجة عن

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 362 *»

عرصة الوجود المطلق الذي كل ما يوجد فهو من ايجاده له فكيف وجدت هذه الموجودات و الماء بنفسه صار مادة للامواج و الفعل موجد المركبات و الموجودات بموادها و صورها فأوجد موادها لا من مادة سابقة بل بها و اوجد صورها بتلك المواد بلحاظ فهو لو كان مادة لها لم‏يقدر علي ايجاد موادها و صورها كما تري ذلك في جميع المواد بمراتبها و كم من زاعم يتوهم انه سبحانه يصوره بصورها و هو غافل عن انه سبحانه بذاته منزه عن مباشرة الخلق و معالجته و انما اوجدها بفعله و مشيته و ها انا ذا اشير الي كيفية احداثه بأنه لا كيف لفعله كما لا كيف له و غاية الاشكال في شرح ذلك و نهاية الاعضال في درك ما هنالك.

فاعلم ان الفعل هو اول المتعينات و لايجوز فيه الا ابسط التعينات و اقلها و هو الوحدة الواحدية و هي اقرب الاشياء المتكثرة بالوحدة الحقيقية و اغني الاغنياء بالنسبة اليها بل هو الغني و سائر الخلق كلهم فقراء لانه صفة ظهوره سبحانه بالغناء فلاينتظر لنفسه حدوث شي‏ء ليس فيه و لايترقب ظهور شي‏ء غير ظاهر لما عرفت من ان الفاقد للشي‏ء لايقدر علي احداث ذلك الشي‏ء في نفسه الا بمحدث خارج عن كينونته و لا محدث للفعل غير نفسه اذ هو الموجود بذاته المخلوق بنفسه لتنزه الذات عن مباشرة المذروءات فهو واجد لما ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله غير فاقد ابداً اذ لو كان فاقداً لشي‏ء طرفة عين لامتنع وجدانه له ابداً اذ لايمر عليه وقت حتي يمكن ان‏يكون فاقداً في جزء منه واجداً في جزء آخر اذ هو موجد الاوقات كسائر المخلوقات و مجريها و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فلو كان بحراً سيالاً متشاكل الاجزاء و الحال كذلك لامتنع تغييره و تغيره لعدم حالة بعد حالة و مرور اوقات عليه بل هو موجود في حال واحد و آن واحد و لا حال و لا آن لانه مجريهما غير متغير و لا متبدل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 363 *»

و لا منتظر و لا مترقب كان كذلك و يكون كذلك ابداً ابداً و كانه عين يكونه و يكونه عين كانه بل لا كان له و لايكون لانه هو المجري للماضي و الاتي لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فاذا كان كانه فوق كان و يكون فكيف ينتظر ايجاد شي‏ء في يكون و يكون يساوي كان لديه فكل ما علم اللّه سبحانه انه يخلقه مما كان او يكون فقد خلقه بفعله من غير ترقب له سبحانه و لفعله فالاشياء كلها من غير استثناء حتي الاعراض و الاشباح حتي النسب و الاوضاع كلها كل واحد واحد منها في مكان وجوده و وقت شهوده موجود مخلوق بجميع تفاصيله مما ينبغي له بلا انتظار له سبحانه و لفعله و اذا كان الامر كذلك فأي وقت كان فعله المعبر عنه بالامكان في بعض الاحيان بحراً متشاكل الاجزاء علي متفاهم العوام و الحال ان الوقت بنفسه من الامواج المخلوقة ثم تحركت بلا محرك و تصور بالصور حاشا بل هو ابداً في عرصته موجود علي ما ينبغي له في حالة واحدة بلا تغير و زوال و انتقال و الاشياء مخلوقة به كل في حده و مكانه و وقته و عرصته بلا انتظار.

و كم من زاعم يتوهم انه لو كان كذلك فتصير الاشياء قديمة و اذا صارت قديمة فأي احتياج لها الي اللّه سبحانه و لا فعله تعالي و لايرد ايراده الا الي خياله لتخيله الفعل و عرصته في طرف من الاطرف اما فوق او تحت او يمين او شمال و الخلق في عرصته في طرف آخر ابداً فاورد علي خياله انه لو كان الخلق في عرصتهم ابداً موجودين فأي احتياج لهم الي اللّه سبحانه و الي فعله تعالي و ليس الواقع الخارج علي حسب ما في ذهنه ابداً بل ليس للاشياء شي‏ء من غير استثناء ابداً حتي نسبها و اوضاعها و كل ما يصدق عليه اسم شي‏ء الا و هو نور المشية و ظهورها و وجود كل شي‏ء بنفسه نفس الاحتياج اليها فلولاها لم‏تكن الاشياء رأساً فضلاً عن احتياجها الاتري احتياجاً لاشعة الشمس اليها مع انها موجودة مادامت هي موجودة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 364 *»

و احتياج الخلق الي الفعل اشد و اكثر من احتياج الاشعة الي الشمس بلا نهاية فله فعلية بالنسبة اليها و فضل فعلية الي غير النهاية لانه صفة اللّه سبحانه الذي ليس فيه قوة و ترقب و كل موجود وجد بفضله الموجود بلا انتظار جف القلم بما هو كائن الي يوم القيمة فلاينطق بعد ابداً و اللّه سبحانه اجل و اعظم من ان‏ينتظر في خلق شي‏ء من الاشياء فكلها حاضرة لديه بالفعل بجميع ما هو عليه و جميع ما ينبغي له و ان كان الخلق ينتظر بعضها لبعض و نفس الانتظار شي‏ء من الاشياء مخلوق في حده و مقامه و لا انتظار لخالقه له في خلقه فلما اقترن بخلق من الخلايق صار منتظراً و لايقترن بخالقه و لا بفعل خالقه اذ هو مجريه و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه.

تفصيل: اعلم ان هذا الفعل لماكان مخلوقاً بنفسه عند العالي كان كل ما ينبغي له مخلوقاً في نفسه ففيه علله الاربع كلها اذ لا شي‏ء سواه حتي يعقل ان‏يكون علة من علله و اللّه سبحانه اجل و امنع من ان‏يكون غاية خلقه و فائدته و من ان‏يباشر بذاته خلقه و يعالجه و من ان‏يكون مادة لخلقه او صورته فعلله كلها في نفسه موجودة و بعد اجتماعها صار مخلوقاً بنفسه و صار متعلقاً للفعل فلم‏يتعلق الا بنفسه و متعلقه نفسه و مفعوله نفسه لا شي‏ء مما سواه اذ كل شي‏ء سواه مخلوق بنفسه ايضاً كما كان هو مخلوقاً بنفسه عند العالي نعم لماكان مركباً من جزئين بسيطين و لايعقل فيه كثرة اكثر من اثنتين يكون تلك العلل و المعلول كل واحد منها عين الاخر من كل وجه ولكنها لماتعددت و تكثرت و تفصلت في سائر الاشياء التي مخلوقة به عند العالي صارت له موجودة ايضاً بهذا الاعتبار في غاية الاندماج و الاندراج و الاتحاد و آية ذلك لتقريب ذهنك ان المداد في ذاته ليس فيه كثرة الحروف مطلقاً و هو متوحد بالنسبة اليها فليس فيه حدودها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 365 *»

ابداً بلا شك كما مر مراراً و هي كلها فيه متحدة لا امتياز لها مطلقاً اذ كلها اعدام و لها فيه ذكر صلوح لا غير و مع ذلك كله صلوحه للالف غير صلوحه للباء و صلوحه للباء غير صلوحه للجيم و هكذا الي آخر الحروف فذكر الالف فيه غير ذكر الباء و ذكر الباء فيه غير ذكر الجيم و هكذا و تلك الاذكار هي مبادي وجودها كل مبدأ مخصوص بما صدر منه و لولا تلك الاذكار فيه يمتنع صدورها منه الاتري ان السيف لماكان مذكوراً في الحديد يمكن ان‏يصنع منه ولكنه لماكان غير مذكور في المداد بالامكان القريب يمتنع صنعه منه.

بالجملة كل واحد من تلك الاذكار غير الاخر اذ لو كان عينه لكان متصوراً مفهوماً عند تصور الاخر فلما لم‏يكن مفهوماً عند تصور الاخر علم انه غيره و مع ذلك كله هذه الغيرية و هذه البينونة ليست سبباً لتحصص المداد و وجود الكثرة و التعدد و الاختلاف و الامتياز فيه حاشا اذ تلك الاذكار اذكار عدمية صلوحية لا اذكار وجودية محتاجة الي حدود و مشخصات و اختلاف و كثرة و تعددات اذ كل جزء منه صالح للتصور بصور الحروف الي غير النهاية و كذلك الامر في حركة يدك بالنسبة الي ظهوراتها الجزئية لانها شي‏ء صالح للتعلق بايجاد الالف و الباء و الجيم و هكذا سائر الحروف الي غير النهاية و ليس فيها هيأة الالف و لا هيأة الباء و الجيم الا عند التعلق بها و هي في نفسها نفي كل الهيئات و عدمها ولكنها مع كله صالحة للظهور بالتعلق بكلها و ذكر كل واحد من الظهورات غير ذكر الاخر يقيناً لعدم وجدان الكل في الذهن بوجود واحد منها و مع ذلك كله ليست تلك الاذكار اذكار وجودية محتاجة الي حدود مشخصة و صور مميزة بل كانت كلها صلوحية غير مشخصة و لا مميزة لحركة يدك المتوحدة فهي في نفسها متوحدة و ان كانت صالحة للظهور بالمتعلقات المتعددة الي غير النهاية.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 366 *»

بالجملة فالفعل في نفسه و ان كان واحداً متوحداً لايعقل فيه تعدد و كثرة سوي الاثنين الذين كل واحد منهما عين الاخر ولكنه باعتبار متعلقاته التي هي دونه له خمس مراتب مرتبة المشية و هي الذكر الاول و مرتبة الارادة و العزيمة و التأكيد لما ذكر في المشية و مرتبة القدر(ظ) و الهندسة و وضع الاجزاء في موضعها و الحدود في مواقعها و مرتبة القضاء و الحكم بالتركيب و التمام و جمع جميع ما ينبغي له و اجتماع العلل الاربع و اقترانها و فعل الفاعل و قبول القابل و الفعل و الانفعال من كل جانب و مرتبة الاظهار و الظهور و الوقوع في مقامه و مكانه و الي ذلك اشار الصادق7 كما روي في الكافي انه قال لايكون شي‏ء في الارض و لا في السماء الا بهذه الخصال السبع بمشية و ارادة و قضاء و قدر و اذن و كتاب و اجل فمن زعم انه يقدر علي نقض واحدة فقد كفر و فيه ايضاً عن علي بن ابراهيم الهاشمي قال سمعت اباالحسن موسي بن جعفر8 يقول لايكون شي‏ء الا ما شاء اللّه و اراد و قدر و قضي قلت ما معني شاء قال ابتداء الفعل قلت ما معني قدر قال تقدير الشي‏ء من طوله و عرضه قلت ما معني قضي قال اذا قضي امضاه فذلك الذي لا مرد له انتهي، و اما الاذن و الكتاب و الاجل فكلها ثابتة في كل مرتبة من المراتب الخمس و ليس لكل واحد منها مرتبة خاصة به بخلاف الخمس ففي كل مرتبة اذن لظهورها و خروجها و كتاب لثبوتها و وقوعها في مقامها و اجل لدوامها و قصورها لامحالة.

فجميع هذه المراتب الاربع او السبع تعلقت بنفس الوجود الاول و نفسه و انيته مع تلك المراتب صارت خمسة ففي مرتبة الخامس كان الوجود الاول بالفعل تاماً كاملاً مشروح العلل مبين الاسباب لايترقب لنفسه حدوث كمال و لاينتظر لها ظهور جلال و جمال و له في هذا المقام جميع الظهورات و التأثيرات و الانوار و الكمالات حاصلة بلاانتظار

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 367 *»

مطلقاً و لكل واحد منها ايضاً ظهور و تأثير و نور و كمال و هكذا الي غير النهاية بلاترقب ابداً اذ كل مرتبة و ان نزلت كانت في مقامها كاملة ذات نور و تأثير و ظهور و الي ذلك اشير في دعاء السحر في شهر رمضان اللهم اني اسألك من نورك بأنوره و كل نورك نير اللهم اني اسألك من كمالك بأكمله و كل كمالك كامل و امثالها و كل ذلك ثابت له في هذا المقام لان الشي‏ء ما لم‏يكن تاماً كاملاً في نفسه لايعقل ان‏يكون مؤثراً فعالاً فيما دونه من الصفات و الظهورات و الانوار الاتري ان السراج ما لم‏يكن سراجاً بالفعل من مبدأ كينونته الي منتهي كونه و عينه لايعقل ان‏يكون منيراً ذا اشعة و انوار و كذلك زيد ما لم‏يكن زيداً من مبدأ وجوده الي منتهي شهوده شهوده الذي هو مقام صورته الشخصية ممتازاً عماسواه تاماً كاملاً لايعقل ان‏يكون مؤثراً في صفاته و افعاله و اقواله لانها كلها فروع و اشباح منفصلة عن اصلها و اصلها هو الشبح المتصل بمادته الشخصية الذي هو صورته الشخصية و هكذا حال كل مؤثر في العالم من غير تخصيص بشي‏ء دون شي‏ء فكذلك حال الموجود الاول فالاشياء كلها له صفات و ظهورات و انوار و اشباح منفصلة عن شبحه المتصل به الذي هو منتهي ظهوره في نفسه فهو في هذا المقام هو السيد المطاع يعبده كل ماسواه مخلوق به فهي كلها عبيده رتقها و فتقها بيده بدؤها منه بها و عودها اليه بها اذ هي مخلوقة بنفوسها عنده لا بنفسه لانه في ذاته بري‏ء من ان‏ينال الي جلال عظمته ايدي اولئك الاذلاء كما مر شرح احوالها في الجملة فما احسن موقع هذا الشعر في هذا المقام:

ما عسي ان‏اقول في ذي معال   علة الدهر كله احديها

فهو في ادني مقاماته الذي ليس له مقام ادني منه في نفسه يكون علة العلل و مسبب الاسباب و غاية الغايات و نهاية النهايات و موقع الخطابات و موضع الكنايات و الاشارات و لايتجاوز عنه العبارات و لايرجع

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 368 *»

الي سائر مقاماته الضمائر و التعبيرات و لو في ادق المعاني في ادق الاوهام ينحدر عنه سيل جميع الفيوض و الامداد من خالق الاضداد و الانداد و لايرقي الي نفسه طير العقول و الافهام في غاية ارتفاعها اذ لايتجاوز بسيرها اليه و لو الي غير النهاية عن حد مقامها فاذا كان هكذا حالها بالنسبة الي ادني مقامه و اخسه فما حالها بالنسبة الي سائر مقاماته التي هي مختصة به بل لا ذكر(ظ) لها فيها ابداً ابداً حتي ذكر الفاعلية و المؤثرية لها لان مقام التأثير هو مقام التام و هو منتهي المقامات كماعرفت ان‌شاءاللّه و قدر و سائر مراتبه مراتب له في نفسه لايطلع عليها احد مماسواه ابداً.

و ان قلت فما معني الرواية الشريفة ما من شي‏ء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء الي آخر و ظاهرها يدل علي تعلق جميع المراتب بالشي‏ء و انت قلت انه في ادني المقامات يكون كذا و كذا و ليس للاشياء في سائر المقامات ذكر مطلقاً.

اقول ما ذكرته لك و بينته و اوضحته لا محيص لاحد في انكاره و ليس في الرواية ما يدل علي تعلق جميع مراتب الفعل بالشي‏ء و ما يدل عليه هو لزوم وجودها و كونها وسائط لخلق الاشياء و لا شك في ذلك لانها لو لم‏تكن في مقامها لم‏يكن المقام الادني في مقامه فسائر المراتب ايضاً لها وساطة للاشياء في خلقها بهذا المعني و ان لم‏يكن لها ذكر فيها و ان شئت قلت ان تعلقها بالاشياء يظهر من المقام الادني لانه لها كيدك منك و انت تفعل بيدك لا بذاتك بالجملة فسائر المراتب الاربع مخصوصة به في نفسه و هي مقام بطون البطون و مقام ظهور الظهور في نفسه و اما الخامس فهو مقام الظهور للغير و هو ايضاً بالغير لا بنفسه كما روي تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و تمثيل ذلك لتقريب القريب ان زيداً له مقامات اربع في نفسه و هي التي بها يكون زيد زيداً و ان لم‏يظهر لاحد غيره و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 369 *»

ذلك مقامه في مادته النوعية و مقامه في صورته النوعية الذين بهما يكون زيد انساناً و لايكون حيواناً مثلاً و مقامه الثالث مقامه في مادته الشخصية و الرابع مقامه في صورته الشخصية اللذان بهما يكون زيد زيداً و لايكون عمراً و بكراً و بعد تمام هذه المراتب يمكن له ان‏يفعل فعلاً و يؤثر تأثيراً و يمكنه السكون و عدم التأثير فان اثر بعد التمام و الكمال في القيام يوجد القائم لا من شي‏ء و ان اثر في القعود يوجد القاعد و هكذا حال تأثيره في سائر صفاته و انواره و ظهوراته التي هي مخلوقة بأنفسها لديه بالنسبة اليه فمقام ظهوره لصفاته غير مقام ظهوره في نفسه لانه في مقام ظهوره لنفسه يمكنه الظهور لصفاته و يمكنه الخفاء عنها كما لايخفي علي المرتاض بعلم الحكمة و مقام ظهوره لها لايعقل حين الظهور عدم التمكن منه فهما مقامان البتة.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان للفعل المطلق في المقام@مقام خ‌ل@ الخامس تأثيراً للاشياء و قد عرفت ان‌شاء‌اللّه ان الاثار هي الاشباح المنفصلة للشبح المتصل بمؤثرها و الشبح المتصل به هو الصورة الشخصية له و لايعقل ان‏تكون آثاراً لساير مراتب الواقعة فوق صورته و قد عرفت ايضاً ان‌شاءاللّه و قدر انها مخلوقة بأنفسها لدي مؤثرها فهي و ان كانت ثابتة في محالها موجودة في مقامها الا انها مضمحلة متلاشية لدي نفس مؤثرها لانه بالنسبة اليها ذات و هي له صفات و الذات غيبت الصفات بوجودها لانها اوجد و اثبت في امكنة وجودها منها بحيث كانت هي هي لا شي‏ء سواها مما هي دونها فالمقام الخامس هو المؤثر الكلي المطلق الحقيقي الذي لا ثاني له فهو الصمد و السيد المطاع الذي لا نظير له و لا شريك في فعله و لا وزير و لا معين وحده وحده و كل ماسواه مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماعدا وجهه الكريم فانه اعز و امنع من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تبلغ العقول كنه معرفته اذ لايتجاوز شي‏ء ماوراء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 370 *»

مبدئه و مبادي الاشياء كلها مستقرة دون مقامه فاذ لم‏يمكنها الوصول الي نفس المقام الخامس فكيف يمكنها الوصول و الادراك لما وراء ذلك حاشا ثم حاشا كيف و هو الحجاب المضروب عليها قبل وجودها و حين شهودها و بعد صفائها و فنائها ليس لها خرقة ابداً ابداً اذ هو مجريها بجميع مراتبها من مباديها و منتهياتها و سيرها الي اعلي درجاتها الي ما لا نهاية له و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و هو الباب المبتلي به سواه و كلها واقعة لديه ابداً سائلة منه سرمداً فكيف يمكنهم الوصول اليه و لو وصلوا لصاروا بأنفسها باباً و حجاباً و هي اصغر من ان‏تطمع ذلك الاتري ان الالف يمتنع ان‏يصير مداداً و ان‏يصير في مقامه ابداً و هي اضعف من الالف بالنسبة الي المداد بالنسبة الي ذات مؤثرها فلايلحقه لاحق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع طأطأ كل شريف لشرفه و بخع كل متكبر لطاعته لم‏يوجد في ملكه طاغ و لم‏يخلق من مملكته باغ اذ لم‏يخلق اللّه سبحانه طاغياً باغياً مخالفاً له فهي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة فاليه الاياب اياب جميع الخلق و عليه الحساب حساب جميعهم و ليس لهم دخول ذلك الباب و الوصول الي ذلك الجناب و ليس وراءه مجيب سؤال و لا جواب اذ هو المجيب للدعوات و المصغي للخطابات و اليه يصعد الكلمات و هو المعبر بالعبارات المشار اليه بالاشارات في غاية الدقة من الخطرات اذ هو غاية الغايات و نهاية النهايات و لايتجاوز عنه التعبيرات ابداً كيف و هي لاتصل الي نفسه فضلاً عن وصولها الي ماوراء وجوده اذ هو بنفسه تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فأفاض عليها بجميع الفيوضات المسئولة بأنفسها فهي بأنفسها ادناها سؤال و اعلاها اجابة و ادناها العبودية و اعلاها الربوبية الظاهرة للمربوب و ادناها القوابل و اعلاها المقبولات و هكذا جميع ما ينبغي لهم في ذواتهم و ما تحتاج اليها في دوامهم الي الوصول

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 371 *»

الي اعلي درجاتهم و لا غاية لتلك الدرجات ابداً كلها مفاضة لهم بهم فيهم اليهم اذ لايعقل ان‏يعطي قطعة من ذاته احداً اذ لا قطعة له و لو يقطع ذاته لهم لصارت بعد الاعطاء ناقصة نعوذ باللّه و انت تعلم بضرورة دينك و مذهبك انها لاتتغير و لاتتحول لانهما من صفات الحوادث و تعلم بالضرورة انه لا نهاية لقدرته و لاينقص خزائنه بكثرة الاعطاء ابداً كيف لا و من عطائه لخلقه خلق المواد و هي لا غاية لها في الفعلية و الظهور الي الاثار الشهودية فهو فوق ما لايتناهي بما لايتناهي فهذا مجمل القول في شرح المقام الخامس فانك ان فهمت ذلك لعلك تعرف في خلال البيان ان‌شاءاللّه ان ذكر الاشياء من حيث التميز و ظهور التعدد ادني من هذا المقام ايضاً بدرجات.

بالجملة و المقام الخامس بالنسبة الي الرابع في سعته و احاطته نسبة القطرة الصغيرة في غاية الصغر الي البحر الاخضر و استغفراللّه من كثرة التحديد للمقام الخامس مع ما مر من صفاته و فضائله في الجملة و من قلة التمجيد للمقام الرابع المجيد بل اقول انه لو ظهر بمثل المقام الخامس الي ما لا نهاية في الكثرة و التعدد لم‏يقدر جميع ذلك بمقدار خردلة مما هو ثابت له من السعة و الاحاطة و لاينقص منه بوجود جميع ذلك و لايزيد فيه مثقال ذرة بفنائها و كذلك الحال في نسبة المقام الرابع بالنسبة الي الثالث و الثالث بالنسبة الي الثاني و الثاني بالنسبة الي الاول و هو اول الاوائل و الازلية الاولية و الكينونة الحقة فكيف تقدر الانام في جميع آنات الليالي و الايام في جميع القرون و الاعوام في غاية الدقة من العقول و الاحلام ان‏ينالوا@تنالوا خ‌ل@ من كتاب فضائله عشراً من معشار من عشر من فضل واحد من فضائله و لذا روي ما معناه انه لم‏يصل اليكم من كتاب فضائلنا الا الف غير معطوفة و الالف المعطوفة في الخط الكوفي هي الالف التامة المستقلة غير المتصلة و غير المعطوفة منها هي المتصلة بسائر الحروف

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 372 *»

و هي ناقصة غير تامة و ليس في كلام المعصوم7 مبالغة كاذبة و من لايؤمن به يصير كافراً حقاً لما روي الانكار لفضائلنا هو الكفر فلا كفر الا بانكار فضلهم: فتمام ما سمعته او تسمعه او سمعه سامع او يسمعه و جميع ما تدركه جميع العقول من اول الخلق الي آخره من الانبياء و المرسلين و النقباء المقربين و النجباء المنتجنبين و العلماء الصالحين و جميع المؤمنين من الملائكة و الجن و الانس و سائر الخلق اجمعين من الاولين و الاخرين سوي وجودهم: بالنسبة الي كتاب فضائلهم حرف ناقص و لاتتعجب من ذلك من غير تدبر و فكر لان الخلق كائناً من كان بالغاً ما بلغ كلهم موجودون بواسطتهم كما روي نحن سبب خلق الخلق و انت عرفت ان عرفت نسبة الاثار بالنسبة الي مؤثرها فان لم‏تعرف فارجع اليها عسي ان‏يعرفك ربك مقاماً محموداً ان‌شاءاللّه و قدر لك و لا حول و لا قوة الا باللّه.

تفصيل

و لما كان التعين الاول اول ظهور للّه سبحانه صار مظهراً له سبحانه في صفاته و آية و عنواناً له في تعريف ذاته سبحانه ففي كل مرتبة من مراتبه صار حاكياً له ففي مرتبة الاولي صار آية احديته و عنوان تعريفه من ذكر الائية و العنوانية فلاتجد بين الاية و بين ذي الاية تغايراً مطلقاً لانها لو كانت مغايراً@مغايرة خ‌ل@ له يكون مخالفاً له لان التغاير فرع التخالف كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و ان كان تخالف بين الاية و بين ذي الاية لايعقل الائية لان المخالف لايكون حاكياً لمخالفه مرياً له فلابد و ان‏يكون بين الاية و بين ذي الاية تطابق ليكون الاية مرية حاكية لصاحبها كما يأتي شرح ذلك ان شاء اللّه تعالي و في المرتبة الثانية صار حاكياً لصفاته القدسية و في المرتبة الثالثة صار حاكياً للصفة الالوهية المستجمعة لجميع صفاته الكمالية من الصفات الذاتية و الاضافية و الفعلية الخلقية و في المرتبة الرابعة صار حاكياً للصفة الاحدية الوصفية السارية في جميع المراتب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 373 *»

التي دونها و في المرتبة الخامسة صار حاكياً للصفة الواحدية و الظهور بالصمدية و السيادة و المطاعية و امثالها و قد اجتمعت في سورة النسبة قل هو اللّه احد اللّه الصمد

فـقل ينبي‏ء بقائل آمر فهو مقام الذات اي الذات التي بها عرف اللّه سبحانه نفسه لخلقه بأنه ذات احد بسيط ليس فيه شائبة التركيب.

و هو مقام اول الصفات و هو مقام كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادتهما بالاقتران و شهادته بالتركيب الذي هو من صفة الحوادث الممتنعة من الازل الذي لايعقل فيه التركيب فهو سبوح قدوس عن كل ما وصف به عباده سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

و اللّه مقام الظهور بالصفات و اثباتها لجميع الذرات و المسمي بجميع الاسماء فمن اسماء اللّه تعالي انه احد و هو اعلي الاسماء و اجمعها فهو مقام الهيمنة لجميع ماسواه من الاسماء بعد المقام الثالث و الصمد مقام الواحدية و الظهور بالسيادة و القهارية لمادونه فهذه المراتب الخمس الكلية ثابت له عند الخلق لظهوره له هكذا و ان كان هو بنفسه في نفسه متعالياً عن التعدد فيه و ثبوت الكثرات له لانه في نفسه لايوجد فيه الاثنان ليس كل واحد منهما واحداً بل يكون كل واحد شطراً و نصفاً فيكون هو واحداً حقيقياً ليس فيه ذكر التعدد و الكثرة مطلقاً ولكنه لما ظهر للخلق و نري فيه المقامات الخمسة نثبتها له لانه هكذا ظهر و ما لم‏يكن فيه شي‏ء لم‏يمكنه الظهور به فلما ظهر هكذا فيكون هكذا علي نحو الاندماج بل علي نحو الاتحاد كما شرح ذلك في الجملة و ان اردت معرفة ذلك في الخلق لتتمكن لاثباتها فيه علي نحو اشرف و طرز الطف فتفكر في زيد و صفاته و اسمائه فانه مروي عن الشيخ الامجد الاوحد روحي لتربته الفداء اعلي اللّه مقامه و رفع في الدارين اعلامه و ليس كلام احكم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 374 *»

و اتقن فوقه فان كلام الملوك ملوك الكلام لدي الاعلام فقال: «من عرف زيد قائم عرف التوحيد بحذافيره» و قال الشيخ القمقام و اللضلاض العلام الذي خفي لظهور علمه الاعلام انار اللّه في العالمين برهانه و اقام فيها اعلامه و كأن كلامه شرح لذلك الكلام: «من عرف زيد قام قياماً عرف اسرار الموجودات بتمامها». فزيد له رتبة ثابتة ذاتية ليس فيها ذكر لمادونه و هي رتبة هو هو ليس معه غيره و انت تشاهد تلك الرتبة له و تلتفت اليه حين غفلتك عماسواه و ذلك مما لاينكر ثم له مراتب اربع دون رتبة ذاته فتلك المراتب له مراتب صفاته بأنحائها فالمرتبة الاولي مرتبة ظهوره الكلي لمادونه من الصفات المتعددة قبل تصوره بالصورة النوعية و المرتبة الثانية مرتبة ظهوره الكلي مقترناً بالصورة النوعية فهاتان المرتبتان له مقام المادة و الصورة النوعيتين له و ذلك مما لابد منهما لانه فرد من افراد الانسان و فيه من ظهور الانسان حصة فالانسان له مادة و صورة كما لايخفي و المرتبة الثالثة له مرتبة المادة الشخصية المخصوصة به دون غيره و المرتبة الرابعة مرتبة الصورة الشخصية المميزة اياه عن غيره فله مقامات خمسة مقام الذات و مقام الصفات الاربع و كل ما يكون في الملك من الدرة الي الذرة تجدها ظاهرة في المرتبة الخمس([25]) فليست تلك المراتب مخصوصة بعالم دون عالم و بشي‏ء دون شي‏ء فهي في كل شي‏ء بحسبه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما امرنا الا واحدة و لما كان ادراك تلك المراتب في عالمك اسهل عليك من سائر العوالم ينبغي شرح ذلك في زيد بالنسبة الي صفاته لتكون علي بصيرة في اجرائها في سائر المراتب لانه قال الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و عن الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 375 *»

فزيد في رتبة ذاته واحد متوحد ليس فيها ذكر كثرة و تعدد مطلقاً من ظهوراته و صفاته و اسمائه و انواره لان كل واحد منها غير الاخر بالبداهة فكل واحد منها مركب مما به اشتراكها و ما به امتيازها فلذلك صارت متعددة متكثرة فصار القائم غير القاعد و هو غيره و غير الراكع و هو غيرهما و غير الساجد و هو غيرها و هكذا الحال في سائر صفاته بالبداهة فهذه الصفات حقائقها اربع بالبداهة فلو كان في ذاته ذكر من الاربع باعتبار لصار اربعاً بالبداهة بذلك الاعتبار و البداهة قاضية بأنه بكل اعتبار واحد و ليس بأربع اذ لو كان في ذاته ذكر من الاربع و ذلك الذكر ذاتيته لامتنع ظهوره بالخمس و الست و المشاهدة قاضية بخلاف ذلك لانه صالح الظهور بصفات غير متناهية بالبداهة فليس فيه ذكر منها مطلقاً فهي ممتنعة معه و هو ايضاً ممتنعة معها لان الاربعة ممتنعة ان‏تكون واحداً و الواحد ممتنع ان‏يكون اربعة و هي اربعة بالبداهة و زيد واحد بالبداهة و هو بالنسبة اليها له احدية حقيقية و بساطة مطلقة و سعة و احاطة غير متناهية بالنسبة اليها و لم‏يحد بحدودها و لم‏يتصور بصورها و لم‏يتميز بما به امتيازها عن غيرها فلايحجبه حجبها ابداً عن انفسها فانه لايحتجب عنها الا انها تحتجبها آمال الحدود و اعمال الصور عنه فلما لم‏يكن محدوداً بحدودها مصوراً بصورها فلايمنعه عن النفوذ في امكنة وجودها سور حد من حدودها و حصار صورة من صورها فيصير بما له من السعة و الاحاطة غير المتناهية النسبية اوجد في جميع ما يمكن فيها و اظهر منها اذ لايمنعه ذواتها و لا صفاتها و لا بواطنها و لا ظواهرها و لا جواهرها و لا اعراضها و لا موادها و لا صورها و لا كمومها و لا كيوفها و لا جهاتها و لا رتبها و لا اوضاعها و لا امكنتها و لا اوقاتها و لا حيوثها و اعتباراتها بوجه من الوجوه و فرض من الفروض باعتبار من الاعتبارات و ليس ذلك كله الا لاجل سعته و احاطته و عدم تصوره و محدوديته

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 376 *»

بالنسبة اليها فهي مع كونها ثابتة في امكنة وجودها متميزة متعددة متكثرة بخصوصياتها ممتنعة معه و هو اولي و اوجد و اظهر منها بحيث يمتنع فيه الامتياز و التعدد و الكثرة و الخصوصيات فاذاً هو هو بالنسبة اليها وحده وحده لا شي‏ء سواه مما دونه فهو القائم القاعد الراكع الساجد و لا قائم و لا قاعد و لا راكع و لا ساجد اذ هي متعددة و هو المتوحد وحده وحده و لعلك عرفت من القيد بالنسبة انه ليس عرضي اثبات البساطة و عدم التركيب لزيد في ذاته بل هو في ذاته و اعلي درجاته مركب من اجزاء متعددة متكثرة و مع ذلك لا منافاة في بساطته بالنسبة الي ظهوراته و تركيبه في نفسه فلاتذهبن بك المذاهب و تزعم مما ذكر ما هو مخالف للمطالب الحقة.

بالجملة ثم دون ذلك المقام العلي مرتبة صفاته و تجليه فلها مراتب اربع من حيث الصدور منه الي غاية وجودها و نهاية شهودها فكل ما كانت قريبة منه كانت اشبه به من حيث البساطة و السعة و النفوذ فيما دونه و كل ما كانت بعيدة كانت اقل شبهاً به فكانت مركبة مضيقة غير نافذة و ان اردت مشاهدة تلك المراتب فتفكر في المثل المضروب تجدها مفصلة مشروحة ان شاء اللّه و قدر فأول مرتبة الصفات مرتبة ميل الذات الي الكثرات في الجملة و لاتزعم ان الذات بنفسها تميل الي مادونه بل تميل اليها بفعله و فعله نفس ميله لا شي‏ء سواه تجلت له به و به امتنعت عنه و لما كانت اول ميل الذات الي الكثرات كانت جهة الذات فيها اغلب و اظهر و جهة الكثرات فيها اغلب و اخفي فكأنها من شدة اتصالها بها و شدة انفصالها عن الكثرات ذات و لا صفة فلايوجد فيها صفات الكثرات و حدودها و لايتصور بصورها فلاتسمي بنوع اسمائها لانها تابعة للصور في جميع المراتب فلماكانت الكثرة فيما دونها ظاهرة و آثار المحدودية فيها باهرة تسمي بأسماء ظاهرة للزوم التناسب بين المسمي و الاسم كما هو مبرهن في محله و لما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 377 *»

كانت كلها مشتقة من العالي متفرعة عليه اقتضت اسماء مشتقة ايضاً كما ستعرف ان‌شاءاللّه تعالي ان اللّه مشتق من اله بمعني تحير و الاحد بمعني الواحد و هو مشتق من وحد اذا بقي منفرداً متوحداً او الاحد بنفسه مشتق احد كسمع بمعني عهد و معلوم ان العهود المتحققة كلها ثابتة للّه سبحانه او انه مشتق من استأحد اي انفرد و لكلها مناسبة للمقام و كذلك الصمد مشتق من صمده اذا قصده و معلوم ان الخلق كلهم يصمدون اليه سبحانه و يلجئون و اما الذات فلما لم‏يكن متفرعاً علي شي‏ء مشتقاً من شي‏ء مستنبطاً مستخرجاً من شي‏ء اذ هو لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد اقتضي من حيث التعبير عنه في عالم الخلق اسماً غير مشتق من شي‏ء فسمي في الخلق بالذات غير المشتقة من شي‏ء و قلت انه اقتضي من حيث التعبير عنه في عالم الخلق لانه سبحانه في نفسه لايقع عليه اسم و لا رسم([26]) و كيف لا و قد قال وليه7 انا الذي لايقع علي اسم و لا شبه و ذلك لان الاسم كائناً ما كان فرع الصورة كما هو مبرهن في محله و الذات سبحانه لا صورة له فلايعقل ان‏يكون مسمي باسم.

بالجملة فلذلك اقتضت الصفات التي هي دون الصفة العليا اسماء مشتقة لاشتقاقها منها و اقتضت الذات المستقلة غير المشتقة اسماً غير مشتق في مقام احتياج الخلق الي التعبير عنه فبقيت الصفة الاولي للعليا بلا اسم و لا رسم([27]) لانها لم‏تكن مستقلة كالذات حتي تقتضي الاسم الجامد غير المشتق و لم‏تكن مشتقة من شي‏ء لانها مخلوقة بنفسها حتي تقتضي الاسم المشتق و لابد في التعبير عنها من التلفظ و التكلم بشي‏ء من الكلمات لامحالة فاقتضت لاجل ذلك اسماً غير مستقل لعدم استقلالها غير مشتق لعدم اشتقاقها من شي‏ء لانها مخلوقة بنفسها غير ظاهر لعدم ظهورها لنفسها لان سبب الظهور هو الصورة المميزة للشي‏ء عن غيره و قد عرفت لانها لما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 378 *»

كانت اول تجلي الذات و اول ميلها الي الكثرات صارت صفاتها و حدودها فيه مغلوبة بل منفية و الصورة و التميز من صفات الكثرات و حدودها لا من صفاتها فصفتها و حدها هو الخفاء عن نفسها و عن غيرها و لما كانت قريبة من الذات كأنها كانت متصفة بصفاتها و صفاتها البساطة و الاحاطة و السعة و النفوذ و امثالها فلشدة اتصالها بها «صارت بها»(ز ظ) صارت صفاتها ظاهرة منها فكان الذات هو الظاهر لا شي‏ء سواه فصارت هي حاكية عنها مرية لها و الاسم الذي هو غير مشتق و لا جامد و لا ظاهر هو المضمر و لما كانت الذات سبحانه غير مدركة بالحواس غير ظاهر في عالم الاخماس ناسب من بين الاسماء المضمرة الضمير الغائب و هو «هو» و لايناسبها غيره كهذا و اشباهه و لما كان هذا المقام حاكياً للذات بجميع جهاته الظاهرة و الباطنة بحيث لم‏يبق له جهة الا و هي حاكية للذات فلم‏يكن له جهة الانية مطلقاً فلم‏يكن له و لا لغيره بل كان للذات كذلك اسمه ايضاً لجميع جهاته حاك عن الغير فالهاء منه تنبيه للثابت و الواو منه اشارة الي ذلك الثابت ايضاً و اشار بأن ذلك الثابت هو الغائب عن درك جميع الحواس و الاوهام.

بالجملة و ليس المقصود هنا ذكر ذلك الاسرار ولكن لماكان ضرب المثل للمقام الذي فيه الاسرار لابأس بذكرها لتقريب الذهن و الانس بها فذلك لزيد مقام دون ذاته بدرجة اذ ليس في مقام ذاته ذكر من صفاته مطلقاً اذ هي فيها ممتنعة و اما الثاني فيه ذكر منها في الجملة هو ذكر نفيها اذ هو مقام المادة النوعية لها و له بساطة و سعة بالنسبة اليها دون المقام الذاتية بدرجة ففيه صلوح الظهور بالصور النوعية لما غير النهاية فلما ظهر بالصورة النوعية كانت تلك الصور غير المتناهية فالمقام الثاني اوسع بالنسبة الي المقام الثالث الي غير النهاية كما تري ان مادة الخشب اوسع بالنسبة الي صورته الي غير النهاية اذ الماء و التراب اللذان هما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 379 *»

مادته كان فيهما الصورة ما لا نهاية لها بالقوة و الصورة الخشبية احدي تلك الصور و لايمكن تقدير نسبة المتناهي الي غير المتناهي فلايكون المتناهي جزءاً من الف جزء من غير المتناهي و لا من الف الف جزء منه و هكذا لو كرر لفظه الي يوم القيمة لم‏يقدر نسبته اليه ابداً لان الصور كامنة فيه غير معدودة غير متناهية فكيف يمكن التقدير بينهما فالمقام الثالث لزيد هو مقام في صورته النوعية و هو الصورة الانسانية و قد عرفت نسبتها الي مادتها التي هي مقامه الثاني ثم يؤخذ من ظهور الصورة النوعية التي هي الصورة الانسانية حصة لمادته الشخصية و تلك الحصة هي مقامه الرابع كما يؤخذ من الخشب حصة لصنع السرير فنسبة تلك الحصة اي الصورة النوعية نسبة الصورة النوعية الي المادة النوعية و قد عرفتها انه لايمكن التقدير بينهما لسعتها و ضيق الحصة لانها احدي ظهوراتها اللانهاية.

و هنا دقيقة شريفة لطيفة يجب التنبيه عليها لفهم الحقائق و هو ان المراتب الاربع ليست بمراتب متصاقعة مستخرجة من مادة واحدة بل يكون بينها ترتب فيكون كل دان مخلوقاً من ظهور عاليه المتصل به و هو بعينه عاليه فيه و لايكون من العالي الاعلي نعم هو ظهور ظهوره فلذلك السر المبهم و الرمز المنمنم كرر لفظ الجلالة في سورة النسبة فموضوع الاحد غير موضوع الصمد البتة نعم موضوع الصمد صفة موضوع الاحد و ظهوره و آيته و الصفة و الموصوف متطابقان لامحالة فلذلك يكون موضوع الاحد و موضوع الصمد ظاهراً علي صفة واحدة في الحروف المخصوصة و اما في الباطن كل حرف من موضوع الصمد ظهور حرف من موضوع الاحد بواسطة الاحد و لولا ذلك السر لم‏يعقل التكرار في افصح الكلام و ابلغه فتنبه.

بالجملة فالمادة الشخصية هي ظهور الصورة النوعية كما عرفت

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 380 *»

و احدي ظهوراتها التي لا نهاية لها في كل مقام ولكنها و ان كانت احدي ظهورات مقامه الاعلي ولكن لها ايضاً سعة و احاطة بالنسبة الي صورته الشخصية التي هي آخر مقاماته في نفسه و هي خامس مراتبه و نسبتها الي مادته الشخصية نسبة المادة الشخصية الي الصورة النوعية و نسبتها الي المادة النوعية و قد عرفتها ان شاء اللّه انها لاتقدر بالنسبة الي العالي فاذا تم المراتب الخمس له صار في المقام الخامس مؤثراً في القائم و القاعد و الراكع و الساجد لا في ساير مقاماته العلية فالمقام الخامس هو الذات الظاهرة في الذوات بالذوات لا بالذات اذ هي فيها ممتنعة و لا ذكر لها فيها قال7 تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فاذا وقفت حذاء الباب و هو الشبح المتصل بزيد و هو صورته الشخصية و انت في عرصة اشباحه المنفصلة في رتبة القائم و القاعد و الراكع و الساجد فقل:

ما عسي ان‏اقول في ذي معال   علة الدهر كله احديها

و قل:

يا جوهراً قام الوجود به   و الخلق بعدك كلهم عرض

و قل:

ما في الديار سواه لابس مغفر   و هو الحمي و الحي و الفلوات

و قل: يا من بدا جمالك في كل ما بدا.

فزيد هو القائم و هو القاعد و هو الراكع و هو الساجد وحده وحده لا شريك له في ذلك احد من الصفات و لاتصل اليه ابداً فهي كلها واقفة لديه حاضرة عنده لايتجاوز احد منها حده و مقامه سائلة منه عابدة ساجدة له مسبحة حامدة شاكرة قائلة و انا لنحن الصافون و انا لنحن المسبحون و لكل منها مقام معلوم فالمرتبة الاولي مقام ذاته و الثانية مقام بيان الذات و هو مقام هو و الثالثة مقام المعاني و الظهور الكلي كما عرفت و الرابعة مقام الابواب و الوساطة بين ذلك الظهور الكلي و بين المقام الداني و الخامسة مقام الامامة الذي هو مقتدي القائم و القاعد و الراكع و الساجد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 381 *»

تتحرك بتحريكه لها و تسكن بتسكينه اياها منه بدؤها و اليه ايابها و عليه حسابها و يقولون انا لزيد و انا اليه راجعون فان عرفت ذلك في حق المثل فاعلم انها في كل مقام و في كل شي‏ء بحسبه ففي المقام الكلي كلية و في الجزئي جزئية و في الكون كونية و في الشرع شرعية و ليست مخصوصة بشي‏ء دون شي‏ء و اجراء تلك المراتب في مقام الوجود المطلق الذي هو غاية المطالب يقتضي رسم تفاصيل.

تفصيل

لما كان البسيط الحقيقي سبحانه و تعالي عن درك الابصار و لمس الحواس و مس الاخماس و وهم الافكار و فهم الاحلام بجميع الحيوث و الوجوه و الاعتبار و اراد ان‏يعرف نفسه لخلقه تجلي لهم@بهم خ‌ل@ اولاً بالذات ثم ظهر لهم بالصفات ليعرفوه في كل مقام من المقامات و تلك المقامات غير ذاته سبحانه لانها مما تنال و الذات مما لايعقل ان‏تنال فأول ظهوره سبحانه ظهوره بالتذوت و البساطة و الاحدية الحقيقية و الذات الحقيقية و الحق الحقيقي و ذلك لان الذي فوق ذلك لايسمي باسم مطلقاً و لا ذكر له في عالم الخلق ابداً اذ الخلق بجميع مراتبه ممتنع معه سرمداً و اما البساطة و الاحدية و كذلك الذاتية و الحقية و امثالها من الكلمات المتضايفة و لو كانت بنحو اشرف و نوع الطف فالبسيط مثلاً هو الذي لا نهاية له و المركب هو المتناهي و غير المتناهي هو النافذ في المتناهي نفوذاً لا نهاية له فلو لم‏يكن المتناهي فكيف يعقل نفوذ غير المتناهي فكان المتناهي شرط وجود غير المتناهي و لو بنحو اشرف و ذلك الشرط هو ذكر امتناع المتناهي في غير المتناهي و هذا هو المراد بالنحو الاشرف و كذلك الاحد هو المتعالي علي الاعداد الظاهر لها بها فلو لم‏يكن الاعداد فكيف يظهر و كيف يعقل تعاليه عنها و كذلك الذات هي صاحبة الصفات فلولاها فكيف يعقل معني الذات و ان كانت غيبت الصفات و كذلك الحق

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 382 *»

هو الذي له الخلق قال7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فلو لم‏يكن الخلق فكيف يعقل معني الحق و ان كان حيثما ذكر يمتنع الخلق و حيثما ذكر الخلق يمتنع الحق فتعالي الذي يمتنع فيه ذكر امتناع الخلق.

بالجملة فأول ما تجلي اللّه سبحانه به تجليه بالذات و قد مر شرح ذلك مراراً ولكنه ينبغي هنا ايضاً شرحه بما يناسب المقام لاتساق الكلام و نيل المرام فالذات الحقيقي هو الذي ليس فيه ذكر الوصفية مطلقاً لان الوصف معناه الحقيقي هو العارض للغير التابع له فيكون ذلك الغير هو الذات و ذلك العارض له فالذات الحقيقي لو كان فيه ذكر الوصفية لكان تابعاً عارضاً للغير فيصير ذلك الغير هو الذات الحقيقي فالذات الحقيقي لايعقل ان‏يكون فيه ذكر الوصفية مطلقاً نعم ان كانت الذات ذاتاً اضافية غير حقيقية توجد فيه الوصفية و الكلام هنا في الذات الحقيقية فاذا كانت حقيقية بحيث لم‏يوجد فيه ذكر الوصفية مطلقاً فلم‏تكن موصوفة ايضاً لان الموصوفية ايضاً صفة لانها اسم مفعول غاية الامر ان الصفة الموصوفية تكون اعلي من الصفة الوصفية ظاهراً و ذلك لايخرجها عن الصفتية فالذات الحقيقية ليست بصفة و لا موصوف فاذا لم‏تكن موصوفة و لا صفة فلم‏تكن مصورة بصورة و لا محدودة بحد مطلقاً سواء كانت الصورة و الحد زمانية او الدهرية او السرمدية او الذاتية او العرضية او الجوهرية او العرضية او غير ذلك من انواع الصور و الحدود لان الصور و الحدود هي صفات المواد الظاهرة بها فاذا لم‏تكن مصورة محدودة يجب ان‏تكون منفردة متفردة لا ذكر فيه من التركيب و التعدد و الكثرة لان المركب هو المتصف بالتركيب و قد عرفت انه لايعقل ان‏تكون الذات الحقيقية موصوفة و اما التعدد و الكثرة فان المتعددين المتكثرين لابد فيهم من المواد المصورة بالصور اذ لولا الصور لايمكن

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 383 *»

تصوير الامتياز و ان عدم الامتياز عدم التعدد و الكثرة فالتعدد يلزمه التصور بالصورة كما لايخفي علي من له ادني مسكة في الشعور و التصور هو الاتصاف بالصورة فلايمكن ان‏تكون الذات الحقيقية صفة و لا موصوفاً و لا مصوراً و لا مثني و لا مجزي و لايمكن ان‏يكون له ثانياً في عرصته و لا ثالثاً و لا رابعاً و هكذا الي ما لا نهاية له للزوم ذلك كله التركيب و الاتصاف و المركب المتصف لايكون ذاتاً حقيقية بل يكون صفة حقيقية و المراد بالصفة هنا ما يعم الصفة و الموصوف كما مر آنفاً.

فالذات يجب ان‏تكون غير مصورة غير محدودة فاذ لم‏يكن لها حد محدود و لا نعت موجود فتكون بلا‌نهاية فاذا صار بلانهاية فلايعقل تناهيها الي رتبة من المراتب او الي شي‏ء من الاشياء فلايعقل ان‏يكون لها عرصة و تكون تلك العرصة ظرفاً لها لعدم تناهيها الحقيقي فلايحويه مكان من الامكنة و لايطويه وقت من الاوقات ابداً للزوم التركيب و الاتصاف و تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً فلايكون سبحانه ساكناً وراء عرصة السرمد ليكون محدوداً به و لا يکون في السرمد@الدهر خ‌ل@ ليكون مظروفاً فيه و هكذا لايكون وراء عالم الجواز و لا فيه و لايكون وراء عالم الجبروت و لا فيه و لايكون وراء عالم الملكوت و لا فيه و لايكون وراء عالم الطبع و لا فيه و لا وراء عالم المادة و لا فيه و لا وراء المثال و لا فيه و لايكون وراء عالم الاجسام و لا فيه و لا وراء عالم الاعراض و لا فيه و لا وراء عالم الاشباح و لا فيه و هكذا الي ما لا نهاية له لان السواكن في كل واحد من العوالم اهل ذلك العالم ذوي الاجزاء المتكثرة ذوي الصفات المتعددة و وراء كل عالم عالم فوقه و هو مقام من المقامات و مرتبة من المراتب لكل واحدة مادة و صورة و كم و كيف و مكان و وقت و جهة و رتبة و وضع و هكذا ساير الحدود اما@و اما خ‌ل@ فوق السرمد فليس له فوق و الازل ليس فوقه و لا فوق شي‏ء سواه فاذ لم‏يكن سبحانه وراء عالم و لا فيه لعدم تناهيه كان نافذاً في جميع اعماقها ظاهراً من

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 384 *»

جميع اطرافها لعدم تناهيه فهو داخل في الكل لا كشي‏ء داخل في شي‏ء خارج عن الكل لا كشي‏ء خارج عن شي‏ء فليس دخوله كدخول الماء في الطين و لا كدخول الخل في الانكبين و لا كدخول الروح في الجسد و لا كدخول المواد في الصور و لا كدخول الاعراض في المحل و هكذا لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و ليس خروجه عنها كخروج السماء عن الارض و لا كخروج فلك عن فلك و لا كخروج كوكب عن كوكب و لا كخروج النار عن الهواء و الماء و التراب و بالعكس و لا كخروج شخص عن شخص و لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء من حيث كونه ثابتاً في محله خارجاً عن محل غيره فهو داخل في الكل بحيث لاتبقي انفسها و لايبقي لها اثر مطلقاً و لا خبر ابداً فصارت ممتنعة فيه فاذاً لا شي‏ء سواه و لا ذكر لما عداه و ليس له سوي و لاعدا و لاخلا فهو هو وحده وحده.

و اما معني خروجه عن الكل و ان الكل لها مادة و صورة و كلها مركبة و هو غير مركب فهو خارج عنها و لاتزعم من ذلك الاعتزال و الخلو منها لظواهر المقال بل هو نافذ في المواد بحيث لاتبقي و في الصور بحيث تفني اذ كل شي‏ء مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و امنع من ان‏يدخله تغيير(ظ) او يحوله تحويل فاذ لم‏يبق شي‏ء سواه و لم‏يبق ذكر لماعداه لانها بأنفسها و بأذكارها صارت ممتنعة فيه غير مذكورة معه فعلي اي شي‏ء استقر و في اي شي‏ء ظهر و عن اي شي‏ء غاب و ستر و لاي شي‏ء ظهر و بأي شي‏ء ستر و بأي شي‏ء بهر و لا علي و لا في و لا عن و لا لام و لا باء و لا لاء و لا شي‏ء فهو هو وحده وحده اذ ليس في رتبته شي‏ء سواه من صورة و مادة و غاية و آلة كذلك عرف اللّه سبحانه نفسه لخلقه و وصف ذاته لبريته بأنه وحده وحده ليس شي‏ء سواه معه حتي يتصف به فليس هنالك وصف و لا نعت اذا نظرت الصفات دونه و اضمحلت و تفسخت النعوت عنده و تدكدكت فهو موصوف

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 385 *»

بأنه غير موصوف لشهادة الصفة بأنها غير موصوف و شهادة الموصوف بأنه غير الصفة و شهادتهما بالاقتران و شهادته بالتركيب و شهادته بالحدوث و تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً فهو موصوف بغير صفة منعوت بغير نعت معروف بغير معرفة مدرك بغير ادراك معلوم بأنه مجهول معروف بأنه غير معروف و لا معلوم موصوف بأنه لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير منسوب بأنه لا نسبة له كما يدل عليه سورة النسبة مكشوف عنه حجب الانوار بلا اشارة مهتوك عنه الاستار من غير آلة ممحو منه الموهومات ممتنع معه المعلومات قل هو اللّه احد اللّه الصمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد كذلك اللّه ربي كذلك اللّه ربي بلا كلمة من تلك الكلمات و لا حرف من الحروف و لا اشارة من الاشارات لانك ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه فالهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة بأن ذلك الثابت غائب و هو سبحانه غير موصوف بالشهادة و الغياب سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين.

تفصيل: اذا عرفت مقام الذات سبحانه و تعالي فاعلم ان دون مقام الذات كائناً ما كان عرصة الصفات و لها من مبدأ الصدور من الذات الي منتهيها اربع درجات فالاولي مقام صفات القدس و التنزه عن شوب الكثرة و التعلق لانشاء التعددات الخلقية ولكنه اول ميل الذات به الي الصفات لا بذاتها ففيه ذكر نفي الصفات التي دونه و قد عرفت فيما سبق من المثال انه لماكان اقرب الاشياء الي البسيط الحقيقي صار ابسط ما يمكن في الامكان بحيث لاتوجد فيه الكثرة الثابتة للاشياء مطلقاً فكأنه ذات بالنسبة اليها لايحكي عن غير البساطة و لايري الا البساطة و لايوجد فيه التركيب اللازمة لما دونه فلايحكي عن التركيب و الكثرة ابداً فهو ليس بغيره اذ لايحكيه و ليس لنفسه اذ نفسه مضمحلة متلاشية تحت طي الذات فهو للذات فنفسه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 386 *»

حاكية للذات بل هو حكاية الذات و نسبتها فلايقتضي لنفسه اسماً مستقلاً ابداً لان الاسم كائناً ما كان يقع علي الصورة و الصفة و قد عرفت انه لا صورة له لقربه الي المبدأ الذي يمتنع فيه الصفة و الصورة فلايحتاج الي اسم و رسم و حد مطلقاً لعدم وجدان شي‏ء منها فيه ولكنه مع ذلك كله ليس عين الذات قطعاً فمن حيث الاضمحلال لايقتضي اسماً سوي اسم الذات و من حيث انه ليس عينها يقتضي شيئاً منبئاً عن ذلك فيقتضي اسماً غير ظاهر منبئاً عنه بأنه ليس لنفسه و لا لغيره و بأنه للذات بجميع اطرافه فاقتضي لفظة هو الذي ليس لنفسه و لا لغيره بل نفسه اشارة الي الغائب عن درك الابصار.

و لماكان اول التعينات بحيث لم‏يوجد فيه الا تعين واحد اقتضي اسماً مركباً من حرفين بسيطين حرف منه ينبئ عن مادته و حرف ينبئ عن صورته فالمنبئ عن مادته الهاء و المنبئ عن صورته الواو فكما ان المادة جهة الوحدة و البساطة اقتضت حرفاً ابسط و الصورة جهة الكثرة اقتضت حرفاً اكثر عدداً و كثرة بدرجة و لما كان مركباً من جزئين بسيطين ليس احدهما غير الاخر لا في الخارج و لا في الذهن الا ان الفؤاد يقدر تميزهما اقتضي اسماً مركباً من حرفين يكون كل واحد منها عين الاخر اذ الهاء عدده ستة كالواو الا ان ظاهر الهاء يكون باطن الواو و باطن الواو يكون عين ظاهر الهاء الا ان الفؤاد لما يميز بينهما اقتضي ان‏يكون الهاء اولاً من الواو بدرجة لانهما ان كانا عين الاخر لارتفع الاثنينية بالمرة و الحال ان المتعين الاول مركب مثني ليس بأحد حقيقي البتة فاقتضي الاسم المثني.

و لايقال انه لماكان واقعاً في اعلي درجات المركب ينبغي ان‏يقتضي اسماً مركباً من حرفين يكون عددهما اقل من ساير الحروف فلم اقتضي لفظة هو لانه فيه اسرار عظيمة من حيوث عديدة و ينبغي ملاحظة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 387 *»

جميع ذلك في مناسبة الاسم و المسمي و انت لقصر نظرك علمت شيئاً و غابت عنك اشياء و جوابك عجالة ان في لغة العرب لايوجد اسم مضمر مشير الي غائب يكون اقل عدداً من هو فاختير لذلك و اما الاشارة الي نوع المناسبات الباطنية ان مقام اول التعين مقام الواحد و يقتضي لنفسه اسماً يكون عدده واحداً و هو الالف فاسمه الواقعي هو الالف و لما كانت الالف الساكنة اللينة استعير لها لفظ الالف فاختير له الهمزة و اوله و وجهه الهاء فهي اسم الالف فظاهرها الخمسة و هي اشارة الي مقامات التوحيد الخمسة و باطنها و غيبها الالف الواحد لا غير و اما الواو فهي و ان كانت ستة ظاهراً و هي اشارة الي ميادين الكثرة و الهلاك ولكنها في الباطن الواقع ليست الا اسم الهاء لانه ستة و هي ستة فهما واحدة ليستا باثنتين و لانها ليست في الباطن الا جهة حركة الهاء و ميلها الي الادني فلما ظهرت حركتها و اشبعت حصلت الواو فليست حرفاً مستقلة بل جهة نفس الهاء و انيتها و ميلها الي احداث الكثرات فهما في الواقع حرف لا حرفان فالواو هي الهاء في الباطن و الهاء هي الالف و الالف واحد و هو قائم مقام الاحد و الفرق بينهما هو وجود الواو في الواحد التي ظهرت في اسمه هو و هو اشارة الي الواحد المذكر اي الفعال الغائب صفاته عن درك مؤنثات القوابل المنفعلة فباطن هو هو الواحد و هو الالف و هو اسم للواحد الحقيقي الذي هو اول المتعينات فهو باب باطنه فيه رحمة الوحدة و الالفة و البساطة و ظاهره من قبله عذاب الاختلاف و التعدد و الكثرة فكما ان الهاء و الواو مندمجتان في الالف الواحد كذلك جميع ميادين الاحدعشر مندمجة في الموجود الاول و كلها ظهوراته و شئوناته و رؤسه المتعلقة بخلق جميع مادونه من الاشياء و هو الفعال لما يشاء بما يشاء.

بالجملة فهذا المقام مقام الاشارة الي الغائب عن درك الابصار و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 388 *»

ليس لنفسه وجود و وجوده و كينونته اشارة الي الغيب و انت تعلم ان الاشارة لا معني لها الا الي الغير و لايعقل ان‏يكون الاشارة تشير الي نفس الاشارة فلايري نفسها ابداً و يري الغير سرمداً اذ حقيقة كينونتها ليست الا لذلك فلذلك صارت مقام البيان لانها تبين الذات و تريها لانها مأمورة بالاراءة و خلقت لاجلها في اصل كينونتها مجبولة عليها فلم‌يتخلف مقتضي كينونتها ابداً و محال ان‏يقتضي الشي‏ء خلاف كينونته و طبعه المجبول‏ عليها فهو معصوم عن التخلف بجعله(ظ) سبحانه اياه كذلك فأمره سبحانه باظهار ما هو مجبول عليه و الذي جبل عليه هو بيان الوحدة و البساطة و البراءة عن شوب التعدد و الكثرة التي هي صفات الخلق فأظهر ما كان مأموراً باظهاره و ابان ما كان مجبولاً عليه ببيانه فأظهر بنفسه و وجوده انه سبحانه اللّه الاحد الصمد الذي لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و لو لم‏يكن في كينونته مجبولاً علي هذه الصفات لم‏يقدر علي اظهارها اذ لايعقل ان‏يكون الشي‏ء مظهراً لشي‏ء فاقداً في نفسه لذلك الشي‏ء فتفكر في نفسك هل يقدر الفقير ان‏يغني غيره و هل يقدر العاجز ان‏يقوي غيره فتلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون فما احسن موقع هذا الشعر بالفارسية في هذا المقام:

ذات نايافته از هستي بخش   كي تواند كه شود هستي‏بخش

قال اللّه سبحانه لايكلف اللّه نفساً الا ما آتاها و لايكلف اللّه نفساً الا وسعها فكان في وسعه اظهار ما امر و الدليل علي انه مأمور باظهار ذلك قول الباقر7 في تفسير سورة النسبة قل اي اظهر ما اوحينا اليك الخ فأوحي اليه انه اللّه الاحد الصمد ثم امره باظهاره بقوله قل و لعلك عرفت في خلال التفاصيل ان الضمير في كل مقام راجع الي اعلي درجات المضمر فيه لا الي الذات العالية عن اشارة ما دونها اليها و الاشارة الي ذلك في قولك زيد قائم يكون رابط بين المبتدأ و الخبر ليصح حمل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 389 *»

المحمول علي الموضوع و ذلك هو الضمير المستتر في الوصف فتقول انه لو كان راجعاً الي ذات زيد و كان ذاته هو الظاهر بالقيام لامتنع ظهوره بغيره من الصفات و المشاهدة قاضية بخلاف ذلك فليس ذاته في ذاته ظاهراً بالقيام للزوم عدم تخلف الذاتيات عن الذات اماتري ان الحرارة الذاتية للنار لاتتخلف عنها و توجد حيث وجدت النار فكيف يعقل ان‏يكون ذات زيد قائماً و قد يكون قاعداً و هو غير قائم فلو كان القائم صفة ذاتية له لم‌تتخلف عنه فعلم من ذلك ان القائم هو ذات ثبت له القيام كما ان القاعد ذات ثبت له القعود و كل واحد منهما غير الاخر و غير ذات زيد اذ هما اثنان و ذات زيد واحد فالمستتر في الصفة راجع الي اعلي درجات الصفة و هو زيد الظاهر بالقيام دون زيد الظاهر بالقعود و ذات زيد ظاهر بهما لهما لا بها لهما تجلي لهما بهما و بهما امتنع عنهما.

فاذا ظهر ذلك ظهر ان‌شاءاللّه ان المشاراليه ايضاً حكمه كذلك ان الذات قد تصير حاضرة فيشار اليها بالاداة الحضورية و قد تصير غائبة فيشار اليها بالادوات الغيبية فهي في ذاتها غير حاضرة و لا غائبة و انما تجلت بكل واحدة منها به له لا بنفسها فاذا عرفت ذلك فاعلم ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه فالهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب عن درك الابصار و لمس الحواس و مس الاخماس و الذات الحقيقي لاتوصف في ذاتها بالغياب و الحضور للزوم التركيب المنافي للقديم جلّ و عز فالواو اشارة الي اعلي درجاتها و هو الهاء الثابتة في الغياب فهو اللّه احد اللّه الصمد فان شئت قلت انه ضمير الشأن و لا مرجع له فيما وراءه فهو نفسه مرجعه لا غيره فهو غائب عن درك جميع الخلق اذ هو خارج عن جميع المراتب و العرصات الخلقية فلايتصف بصفة من صفاتها اذ هو وراء صفات الحدوث و حدوده و ان شئت قلت انه راجع الي المسئول عنه كما سألوا النبي9 عنه فوصف لهم بأنه اللّه احد الي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 390 *»

آخر السورة و لما كان معلوماً بقرينة المقام لا احتياج الي ذكره و ذلك جايز في العربية كما ان الضمير في قوله تعالي كل من عليها فان فان راجع الي الارض المعلومة في المقام و المسئول عنه ايضاً غير الذات لانها يمتنع ان‏يسأل عنها.

بالجملة هذا المقام هو مقام البيان الذي لايدرك الا بالكشف و العيان فلم‏يبين الا الذات و لم‏يحك عن غيرها ابداً فلم‏يكن هو لنفسه بنفسه بل هو لغيره به فكل ما ثبت له ثبت لغيره و كل ما انتفي عنه انتفي عن غيره اذ ليس شي‏ء له و انما هو و ما له و به و اليه لغيره لانه معصوم عن اراءة غير اللّه و كل ما كان غير اللّه فهو غير اللّه و هو صنم و المعصوم مجبول علي طاعة اللّه سبحانه دون الصنم و كل ما يشغلك عن اللّه صنمك فمن زعم فيه خلاف ذلك فقد اخرجه عن حد العصمة المجبول عليها و ادخله في عرصة الاشراك نعوذباللّه فهو اسم منبئ عن المسمي و لاينبئ عن غيره ابداً و لو لم‏يكن كذلك لم‏يصر اسماً و الاسم ما انبأ عن المسمي كما حده اميرالمؤمنين7 فان قدرت علي ادراك هذا المعمي فتذكر انه من اللّه فاشكر اللّه فان من لم‏يشكر العبد لم‏يشكر الرب لانه فرع المعرفة و لايعرف الا هكذا فان لم‏تدرك ذلك فذره في سنبله و لاتستخرج منه فتضيعه فان الحب في سنبله محروس فلايصل اليه السوس و لايأكله.

تفصيل: ثم دون ذلك المقام مقام التعيين (التعين ظ) الاول و التجلي الاعلي و الاسم الاعظم الذي ليس تجلي (تجل ظ) اعلي و اسم اعظم منه فهو المستجمع لجميع الصفات و الاسماء سواء كانت ذاتية كالعلم و القدرة او اضافية كالسمع و البصر او خلقية فعلية كالخلق و الرزق.

فان قيل علي ما مر من البيان ان مقام التعيين (التعين ظ) الاول في المقام الاول لا في هذا المقام.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 391 *»

فأقول كذلك ولكن الاول كمامرت الاشارة اليه هو مقام الحكاية و الاشارة و الاراءة لما وراءه و ليس لما وراءه تعين فهو لايحكي عنه فهو متعين ولكن تعينه في المرتبة الثانية لا في نفسه لانه قد خفي عن نفسه فظهر بالتعين في المرتبة الثانية البتة كما ان المادة النوعية ليس له تعين في نفسه و انما تتعين في الصورة النوعية فلماتعينت فيها صارت منشأ للصفات و الاثار التي هي دونها . . .

(الي هذا الموضع وصل الينا من هذه الرسالة المباركة فانا للّه و انا اليه راجعون)

 

 

([1]) الميعاد. خ‌ل

([2]) بصورته. ظ

([3]) فاعلم ان. ظ

([4]) بعضاً. ظ

([5]) العبارة مغشوشة. الناشر

([6]) ضميران ظ

([7]) ان‏يغيره ظ

([8]) جانبها. خ‌ل

([9]) مضافات. خ‌ل

([10]) حالة واحدة. ظ

([11]) يكون به ظ

([12]) تعدداً ظ

([13]) تجد. خ‌ل

([14]) من تعقل. ظ

([15]) عليماً. خ‌ل

([16]) طلبة حطام الدنيا. خ‌ل

([17]) رؤس و وجوه. ظ

([18]) عرق. ظ

([19]) آثاراً. ظ

([20]) محله. خ‌ل

([21]) شيئين. ظ

([22]) مادة. ظ

([23]) تكون ظ

([24]) مع مستقرها شخصان فالشخصان ظ

([25]) الخامسة. ظ

([26]) اسم و رسم. خ‌ل

([27]) بلا اسم و رسم. خ‌ل