03-04 الرسائل المجلد الثالث – رسالة اجوبة مسائل الحاج محمدصادق کرماني ـ مقابله

اجوبة مسائل المرحوم الحاج محمد صادق الكرماني

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

فهرس الرسالة الرابعة

السؤال: مجيء مشايخنا اعلي الله مقامهم في هذه الازمان له خصوصية ام هو من الامور الاتفاقية کوجود ساير العلماء الحکماء غاية الامر قد آتاهم الله علماً ما لم‌يؤت احداً من العالمين الظاهرين

الجواب

المسألة الاولي: السؤال عن توهين المصنف اعلي الله مقامه جنس الاجناس و مطلق المطلقات و تحقيره العارفين بهما و عدم توافق کلامه اعلي الله مقامه مع بعض الايات و الاخبار و اکثر کلمات المشايخ العظام و نفيه اعلي الله مقامه الکرامة و الفضيلة في معرفة ظهور العام (والله علي اصطلاح السائل) في کل شيء و في الناس من عرف انه قد ظهر فيه و علم انه قد تجلي به و بکل شيء و هذا العلم يؤثر فيه تأثيراً عظيماً و يصير منشأ آثار عجيبة؟!

جواب المسألة الاولي

المسألة الثانية: ما هي کيفية العود مع ان البدن الاصلي لايفارق الروح و کيفية الحشر و النشر و کيفية تلذذ اهل الجنة و کيفية ملاقاة الرب و السادة و الاخوان و اکل الثمار و مباشرة الحوراء و کيفية الالتذاذ من جميع ذلک انها دائمة غير متجددة (و لکل جديد لذة) و کيف يجيئون و يذهبون و يراودون و يزورون و يتکلمون و يسبحون و يحمدون و يحاورون؟ و ان کان کل ذلک بالنيات فالنيات حالات نفسانية اخروية و هي لاتتغير و لاتتبدل فينبغي ان يکونوا علي حالة واحدة ابد الابدين. و کيف يجدون ما عملوا حاضراً و الحال ان بعض اعمالهم نقيض بعض؟ و ما هي کيفية العذاب و ما هو سر التألم من الاعمال و العقائد مع ان الالتذاذ من ذلک بالنفوس فکما تتلذذ نفوس المؤمنين من ملاقاة ربهم و ساداتهم کذلک ينبغي ان يتلذذ نفوس الکفار من ملاقاة اصنامهم و خلفائهم و کيف يري المؤمن و الکافر في القبر هذه الدنيا و کيف يرون ما لم‌يروه في الدنيا؟ و کيف يحصل لهم العلوم و الترقيات التي لم‌تحصل لهم في هذه الدنيا؟ و بما يمتاز نوع الرجل عن نوع المرأة؟ و کيف يؤتي بمسجد الکوفة و امثاله من الجمادات في الاخرة؟ و کيف يقتص بعض الحيوانات من البعض مع ان عودها عود الممازجة؟

جواب المسألة الثانية

المسألة الثالثة: بيان السلسلة العرضية و الطولية بلسان طبيعي من البدو الي الختم

جواب المسألة الثالثة

 

 

 

 

الرسالة الرابعة ([1])

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 176 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد الخاسر محمد باقر غفر اللّه له و لجميع المؤمنين و المؤمنات قد ورد صادر من مصدر عز و فخار و ذي‌ظل علي الكبار و الصغار الذي عز علي تسميته لعلو مرتبته و لموانع هو عالم بها و الحمد للّه فصدرت كل امر صدر عنه مقدماً اشارة الي تقدمه و اخرت الجواب تالياً اشارة الي تأخره.

فقال ايده الله تعالي و سدده و اوصله الي مقصده مجي‏ء مشايخنا اعلي اللّه مقامهم في هذه الازمان له خصوصية ام هو من الامور الاتفاقية كوجود ساير العلماء الحكماء غاية الامر قد آتاهم اللّه علماً ما لم‏يؤت احداً من العالمين من العالمين الظاهرين.

اقول و باللّه المأمول بوساطة آل الرسول عليهم صلوات اللّه عدد القابل و المقبول ان هذا الامر عهد معهود من قبل آدم علي نبينا و آله و عليه السلام اخذ عليه الميثاق و يؤخذ التارك الجاحد يوم التلاق و قد استجن في الصدور النقية لعدم تحمل الاكثرين تلك البلية الي ان‏ حان حين الظهور فسطع النور و طلع الاقمار عن شمس اضاءت عليهم فتنورت بنور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء ذلك تقدير العزيز العليم و خير الكلام للمسلمين كلام الامين المكين و كلام الملوك ملوك الكلام لاهل التسليم: قال اعلي اللّه مقامه و رفع في دار الخلد اعلامه في الفطرةالسليمة لاهل الفطرة المستقيمة بعد عنوان فصل الي ان قال: «فترقي الزمان الي ان كسي لحماً و بلغ المراهقة و التمييز فبدأ اللّه سبحانه بعد ذلك في تمكين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 177 *»

قابلية الزمان و تمرينه علي حقايق الدين و انضاجه شيئاً بعد شي‏ء حتي يصلح لانشاء الخلق الاخر و بلوغ الحلم و لذلك تراه يكلف بامور باطن الولاية و انتشر و الحمد للّه اسرار الولاية و بواطن الفضائل و المقامات و كتب فيها الكتب و الحمد للّه رب العالمين حتي انه كتب من مبدء المائة الثالثة عشرة الي سنتنا هذه و هي التسع و الستون من المائة الثالثة عشرة من مشايخنا و منا قريب بثماني‌مائة كتاب في الفضائل و احكام امر الولاية و بواطن التوحيد و النبوة و الامامة ما لم‏يكن مكتوباً في شي‏ء من الازمنة السابقة» الي ان قال «و هم غافلون عن ان شمس الحقيقة تحلل شيئاً بعد شي‏ء تلك الابخرة و تفنيها و تظهر ضاحية كما حللت شمس ظاهر الولاية تلك الابخرة الحادثة اولاً سنة اللّه التي قد خلت من قبل و لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً و لن تجد لسنة اللّه تحويلاً هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون و لقداحسن الشاعر و اجاد و للّه درّه حيث قال و نعم ما قال:

لزين الدين احمد نور فضل   تضاء به القلوب المدلهمة
يريد الحاسدون ليطفؤه   و يأبي اللّه الا ان يتمّه

و لاتحسبنّ اللّه مخلف وعده رسله» الي ان قال: «بالجملة اذا تمكن الزمان بنور ولي الملك المنان يستعد لنفخ الروح و بلوغ الحلم و ظهور شمس الحقيقة و وقوع التكليف و هو ما اشار اليه الصادق7في حديث مفضل قال7 كأني انظر الي القائم علي منبر الكوفة و حوله اصحابه ثلثمائة و ثلاثة عشر رجلاً عدة اصحاب بدر و هم اصحاب الالوية و هم حكام اللّه في ارضه علي خلقه» الي آخر الفصل.

و قد افرد السيد النبيل اعلي اللّه مقامه في ذلك رسالة مشحونة بالادلة و سماها بالحجة البالغة فكيف كان وجود اولئك الاعاظم من الامور الاتفاقية كانبات نبات بعد تصريحهم بأنه من العهود السابقة المأخوذة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 178 *»

في الميثاق بأنحاء الادلة و انواع البراهين و عليهم يدور الرحي و يستقر الارض و يظل السماء و لولا ذلك لساخت الارض بأهلها ربنا ماخلقت هذا باطلاً فهل السموات دارت علي الارضين لاحداث النباتات فجعلت غثاء احوي اليس ذلك باطلاً او لاحداث الحيوانات فجعلت رميماً فاسداً فانياً اليس ذلك باطلاً او لاحداث من كانوا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون اليس ذلك باطلاً او لاحداث الكفار و المنافقين الفجار الذين هم في اسفل دركات النار اليس ذلك باطلاً او لاحداث الضعفاء من الذين اتبعوا الاباء في دينهم اليس ذلك باطلاً او لاحداث العصاة الذين لم‏يقتدوا بالمقتدي اليس ذلك باطلاً و ارسال الرسل و انزال الكتب لاجل الاقتداء بالمقتدي و الذي لايقتدي به فليس بمقتدي و المقتدي بالكسر هو مقصود المقتدي بالفتح اذ به صار مقتدي و لولا ذلك لصار ارسال الرسل لغواً فصار باطلاً فلابد للمقتدي من المقتدين ربنا ماخلقت هذا باطلاً.

او لم‏يكف بقيام عبد مسكين بين ظهراني هذا الخلق المنكوس الذين لايخفي همهم علي ذي مسكة انهم لايطيعون احداً الا لاجل الطمع في ماله او لاجل الخوف في بطشه و ضربه و سيفه او لاجل حفظ مالهم و عرضهم او لاجل الافتخار بانتسابه لشرافته و كرامته و اشتهاره بين الناس لطلب الاشتهار و الافتخار المجبول في طباع هذا الخلق المنكوس المحسوس همهم لذي حس ضعيف فضلاً عن القوي فقام بينهم عبد مسكين لم‏يطمعوا في ماله و ليس له بينهم قبيلة معروفة مشهورة بين الناس انتسبوا اليه لطلب الاشتهار و الافتخار و ليس له بطش و ضرب و سيف اطاعوه لخوفه و رعبه و ليس له سلطنة و قوة اجابوه او اطاعوه او راودوه لاجل حفظ ملكهم و مالهم و انفسهم و عرضهم و خدمهم و حشمهم و ليس له معجزة خارقة لعادتهم عامة مشاهدة بينهم اطاعوه لاجلها فقام بعلم موحش غير مأنوس بين علمائهم و حكمائهم و اهل ظاهرهم و باطنهم قد صرح بأنه عن عمد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 179 *»

اروعهم([2]) بعجائب من المطالب و مع ذلك كله و غير ذلك قد بلغ امر مبلغ الاسلام و اشتهر امره و خبره بين الخواص و العوام في جميع البلاد التي بلغها صيت الاسلام و لم‏يجلس كأحد من الجالسين الحكام بالشرع بين الانام و ليس بيده مدارس او مساجد وقف عليها كساير الاعلام فلايخفي علي المتدبر في امره بأنه اعجب و اعجب من امر كل قائم بأمر النبوة و الوصاية و قد بلغ الاسلام مبلغه بخوارق العادات و طلب الرياسات و طمع الاموال و اسر العبيد و الاماء و نهب انواع المتاع و خوف الدماء و رعب الالوية و الضرب بالسيوف و الرماح و هزم الصفوف و هرب الالوف في سنين و دهور بالمساء و الصباح حتي بلغ امر الاسلام ما بلغ فأي شي‏ء من ذلك حصل لعبد مسكين حتي بلغ امره ما بلغ ذلك اليس ذلك بأعجب و اعجب من ذلك اليس ذلك بامر الهي و عمد الهي فكيف لايكون اعجب منه بأمر الهي عن عمد الهي و عمد سابق جار في ملك اللّه تعالي باجرائه الخاص و لطفه العام مقرر مصدق مسدد من عنده.

فكيف يكون هذا الامر امراً طبيعياً اتفاقياً كانبات النبات او شي‏ء من المكونات فلابد في ملك اللّه تبارك و تعالي من وجود امثال اولئك لحصول الغاية و ادراك الثمرة و الفائدة في جميع القرون و الاعصار ما سكنت الارض و دار الدوار و دليل وجودهم نظام العالم و بقاء بني آدم و وجود الحيوانات و النباتات و الجمادات التي لولا اولئك الابرار الاخيار لكانت باطلة لا فائدة فيها سوي اللغو الذي هو اقبح من لغو الصبيان او ساير الحيوان فان لغو كل لاغ يصدر عن غرض او مرض او طبع و لها اقتضاء لامحالة فلايكون لغواً صرفاً بخلاف ذلك فوجود اولئك الاعلام في العالم مما تقتضي الحكمة وجوبه نعم اما ظاهرون مشهورون او خائفون مغمورون كوجود الاركان السابقة و شهودهم و غيابهم بلا تفاوت قد احببت ايراد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 180 *»

كلام من السيد السند اعلي اللّه مقامه لعبرة لمن اعتبر و الاطمينان لمن اطمئن فقال اعلي اللّه مقامه:

محقق است كه امام از دوازده بيشتر نباشد پس هرگاه حضرت صاحب الامر عجل اللّه فرجه با معاندان معامله حضرت سيد الشهداء7 مي‏فرمودند زمين خالي از حجت خداوند مي‏گرديد و عالم خراب مي‏شد و قبح بر خدا لازم مي‏آمد پس چاره با عدم استلزام جبر نيست مگر به غيبت ولي امر تا باطل روي به اضمحلال گذارد و اصلاب كفار از نطفه‏هاي مؤمنين و اخيار پاك شوند و همچنين بعكس پس مأمور شود به اظهار دين حق و اعلاي كلمه مطلق چنانكه دأب پيغمبران سلف الي الان بوده و حضرت ابراهيم خليل مدتي پنهان بود از شر دشمنان و حضرت موسي فرار نمود از قومش و آن زمان دور از شيعيان بود چنانكه حق تعالي فرموده هذا من شيعته و هذا من عدوه و نبوت موسي در آن زمان بر مردمان و دوستان او ظاهر بود و مؤمن آل فرعون در آن زمان به موسي ايمان آورده بود كه حق تعالي از آن خبر داده و جاء رجل من اقصي المدينة يسعي قال يا موسي ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج اني لك من الناصحين پس سالها مخفي بود تا آنكه حق تعالي او را امر به اظهار فرمود هركه مي‏خواهد حقيقت امر بر او معلوم شود نظر كند در كتاب اكمال الدين و اتمام النعمة و همچنين عيسي پنهان شد از خوف يهودان و همچنين پيغمبر آخر الزمان9 سالها بعد از اظهار نبوت پنهان بود خصوصاً در شعب ابوطالب خصوصاً بعد از وفات ابوطالب چون ناصري براي خود نيافت امر خود را پنهان داشت تا به مدينه تشريف آوردند بعد از وجود ناصر در اظهار حق كوشيد پس حجت خدا لازم نيست كه هميشه ظاهر باشد مگر در صورت انقياد كل يا اغلب او را كه با آن اشخاص تواند حفظ نفس خود و مؤمنان نمايد چنانكه از احوال انبياي سابق معلوم مي‏شود انتهي.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 181 *»

فلما كان الشيخ اعلي اللّه مقامه دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها امكنه الصدع بما امر فأجمل في الافاضة و افاض ما افاض و القي الاصول و لم‏يتحمل الناس تفصيلها و لم‏يفهموا منها الا مصاديق الفاظها فكان المراد منها محجوباً عنهم حتي قال اعلي اللّه مقامه سيد كاظم يفهم و غيره مايفهم و قال في كتابه من رام ان‏يعرف المراد من الفاظي بالالفاظ و مصاديقها و مفاهيمها لم‏يعرف المراد و من عرف المراد من الفاظي بدون الالفاظ فقد عرف فكان كلماته اعلي اللّه مقامه عند الاكثرين مصادرات تحتاج الي ادلة خارجة فلم‏يعتنوا بها و لم‏تهيج فيهم البغضاء و الحسد و الاغراض و الامراض فقل من انكره و عانده فلما شرع السيد النبيل اعلي اللّه مقامه في شرحها و تفصيلها و رأوا انه سلك مسلكه و حذا حذوه و رأوا انه انفتح باب بحذاء بابهم و دعوة في مقابل دعوتهم و لباهم كثير من الذين هم محط الانظار مشهورون معروفون في الفهم و السداد و العظمة و الكبرياء منصرفون عنهم اليه استحوذ عليهم الشيطان و تهيج الاضغان فاستووا علي السوق جداً في ميدان العناد و رجع عنادهم القهقري منه الي الشيخ اعلي اللّه مقامهما ولكنه اعلي اللّه مقامه لم‏يبين لهم و لم‏يصرح بالمراد كما هو معروف بيننا و الحمد للّه انه قال مكرراً اقول ما اقول لتحفظوا و تنتشروا و تنشروا و تبلغوا و مااقول ما اقول لتفهموا و تعرفوا.

فكان اكثر الاخذين عنه في غفلة من مطالبه حتي وصل اللّه القول الي المفصل اعلي اللّه مقامه و انتم حاضرون في مجلسه كما كنا حاضرين و الحمد للّه رب العالمين و انتم شاهدون لنا كما كنا شاهدين انه اعلي اللّه مقامه و انار في العالمين برهانه قال مكرراً و نقل و روي قول السيد النبيل اعلي اللّه مقامه ثم قال ولكني اقول لكم اني اقول ما اقول لتفهموا و تعرفوا و تعملوا و مااقول ما اقول لتحفظوا و لم‏تعرفوا و لم‏تفهموا فعرف

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 182 *»

تعريفاً و شرح شرحاً و فصل تفصيلاً و بين تبييناً عرفه من عرفه و غفل عنه من غفل و زعم انه عقل و قل من عقل و قد شاهدنا كثيراً يحسبون انهم يحسنون صنعاً و تلك السنة سنة اللّه فلن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً و لا تحويلاً قال تعالي اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لايؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنة ان‏يفقهوه و في آذانهم وقراً و اذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا علي ادبارهم نفوراً و تلك الايات و امثالها اياس للذين في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضاً عن وصول الحق المقرر([3]) عليهم حجة و سحقاً و هدي و رحمة للذين هم لربهم يرهبون باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فلما فصل ما فصل و زعم الزاعم منهم انه وصل و وصل و استقل كل واحد منهم بنفسه مستبداً بزعمه زاعما ان غيره غافل عن زعمه ادبر و استكبر كل واحد عن غيره و لاسيما بعد ارتحاله اعلي اللّه مقامه و غروبه فتنة ففتنوا و سقطوا و الا في الفتنة سقطوا و لم‏يتركوا ان‏يقولوا آمنا و هم لايفتنون.

و لقد شاهدت بعد غيابه و لعلكم شاهدون كثيراً ممن تعلموا مني و استفهموا مراده اعلي اللّه مقامه في حياته و حضوره مني و صرحوا مراراً بأنا لانفهم مراده اعلي اللّه مقامه من بياناته الا ان‏تبين لنا مراده لانه اعلي اللّه مقامه بحر زخار متلاطم تياره يعلو مرة و يسفل اخري و نحن بين امواجه لانقدر علي اللبث في مكان واحد فنشرق و نغرب و نعلو و نسفل الا انك انت توقفنا علي الوقوف فشاهدتهم بعده دفعة بلا مهلة او بمهلة قليلة صاروا علماء حكماء واقفين علي المراد غير محتاجين الي معلمين مستقلين مستبدين منبهين هادين ناصحين واعظين مبشرين منذرين! قد عدوني في عداد الجاهلين مرة و في عداد الضالين الغافلين اخري و في عداد المضلين الهالكين المهلكين تارة و في عداد المعاندين المنكرين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 183 *»

اخري و قد وجدت من الواعظين الناصحين المبشرين المنذرين الموبخين المعيرين من لم‏يره اعلي اللّه مقامه و لمايرني و من حضر مجلسه اعلي اللّه مقامه اشهراً و من لم‏يحضر و من لم‏يرني و لم‏يحضر مجلسي و من حضر مجلسي و لم‏يدر ما اقول و لا ما يقول اعلي اللّه مقامه استدل بما يقول في كتبه رداً علي و توبيخاً و تهجيناً و قد تعلمون و الحمد للّه انه لايمكن لاحد من امثال هؤلاء ان‏يفهم المراد منه من مطالعة الكتب كيف لا و قد وضح ان بمطالعة كتاب الطب و النجوم و الحساب و النحو و الصرف و غيرها من جميع العلوم و لو كانت بلغة الفرس لم‏يصر الشخص طبيباً معالجاً و منجماً مستخرجا و محاسباً و نحوياً و صرفياً و عالماً بعلم دون المعلم و الدرس اياماً.

و العجب من مشاهدة من لم‏يستدل بشي‏ء من الكتب الفارسية و العربية و من لم‏يعرف الهر من البر قد عد نفسه من الواعظين الناصحين المبشرين المنذرين الموبخين المعيرين المكفرين المصرين([4]) بمحض زعمه و خياله و جنونه و لعلكم تشاهدون في حقي او حق غيري ذلك فأيم اللّه هب ان واحداً ممن طلبتم معرفته اراد ان‏يظهر امره بين هذا الخلق المنكوس و الانسان المعكوس فهل يظهر بين عبدة الاوثان او بين المجوس و اليهود و النصاري او بين العامة العمياء او بين المعاندين للعلماء او بين هذه الاعادي الذين هم الد الخصام فالذين هم وجدوا لانفسهم استقلالاً و شأناً استقلوا و استبدوا و ان لم‏يكونوا في شأن اسندوا انفسهم الي ذي شأن ليقدروا علي هتك ذي شأن آخر و تكفيره و توهينه و توبيخه و الشاهد الصدق العدل صنع اصدق الصادقين و اعدل العادلين و قد تشاهدون صنعه صنع اللّه الذي اتقن كل شي‏ء فهل لاحد من الخلق حكم و امر علي اللّه العزيز الحكيم لم لم‏تجعل غير ذلك نعم يعترض عليه تعالي من كان من تبعة المعترض الاول حيث اعترض عليه تعالي بأنه اولي للسجود من آدم7 حيث قال

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 184 *»

خلقتني من نار و خلقته من طين فصار رجيماً لعيناً الي يوم الدين([5]) فان زال الغبار و صنع الجبار تعالي‏شأنه غير ذلك فنعلم بعد ذلك انه قد زال فالرضا بقضائه وظيفة الاحرار@للاحرار خ‌ل@ الابرار فان ظن انه بنفسه هو ايضاً من المعاندين فدواؤه الاستغفار و الدعاء و التضرع لتمكين القابلية و الاستعداد و المرجو لدي ذلك الجناب ان لايظلمني بحمل كلماتي اشارة الي ان لي دعوة الي نفسي الخداعة الامارة و السلام عليه خير ختام.

قال ايده اللّه تعالي: بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه و سلام علي عباده الذين اصطفي و بعد يا سيدي و سندي و مولاي و معتمدي قد التمس مني بل امرني من وجب علي قبول التماسه و امتثال امره لانه صاحب الفضل الاوفي و العلم الاعلي و الاستقامة و السداد و الهدي و الرشاد الذاب عن دين اللّه الرفيع و الدافع عن حمي اللّه المنيع ادام اللّه مجده العالي ان‏اسألكم عن ثلث مسائل لا امتحاناً و تعنتاً و تجربة بل افتقاراً و تعلماً و حاجة و استدعي من جنابكم العالي الجواب من غير خفاء و حجاب و لا ستر و لا نقاب لانه دام مجده العالي من اولي الافئدة و الالباب و دخل البيت من الباب فلايستحق الرد من ذلك الجناب بل هو حري بالجواب و اهل للخطاب.

المسألة الاولي: انه يري كثيراً في دروسكم و افاداتكم و مباحثاتكم بل و في بعض كتبكم و رسائلكم انكم تستوهنون جنس الاجناس و مادة المواد و مطلق المطلقات بل الوجود الصرف المطلق عن الاطلاق و الذات المحض البحت البات و تستحقرون العارفين بهما و تقولون ان في معرفتهما ليس فضيلة و لا كرامة اذ معرفة اللّه و معرفة مشيته غير معرفتهما مستدلاً بأن جنس الاجناس و مطلق المطلقات نسبته الي جميع الظهورات و كل الموجودات علي حد سواء فان كل الموجودات ظهوراته و تجلياته و ليس موجود اقرب اليه من موجود آخر و هو قد نفذ بأحديته و بساطته

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 185 *»

في كل شي‏ء حتي ظهر من كل شي‏ء و لايجهله شي‏ء فكل الموجودات عارفة به بل واجدة اياه عند انفسها لان الكل ظهوره و نوره و تجليه و ليس لاحد علي احد في ذلك فخر و لا فضيلة و الوجود المحض الصرف الصرف و الذات البحت البات ممتنع معه جميع ماسواه فليس له ماسواه فليس شي‏ء الا هو وحده وحده وحده فأين هنالك و لا هنالك و اين العارف و المعروف و العابد و المعبود و القاصد و المقصود بل هنالك و لا هنالك العمي المطلق و المقام و لا مقام الذي لا اسم له و لا رسم و لا و لا و لا و الذي تقولونه يستقيم بفهمنا و عقلنا القاصر مع بعض الايات و الاخبار و شطر من كلمات مشايخنا الابرار و لايستقيم بزعمنا و قاصر فهمنا مع بعض الايات و كثير من الاخبار و الدعوات و اكثر الكلمات من مشايخنا العظام في الكتب و الرسائل و الدروس و المباحثات و ذلك كقوله سبحانه قل هو اللّه احد و الاحد بمعني البسيط و البساطة الحقيقية لايتعقل الا فيما هو نافذ في كل شي‏ء حتي لايجهله شي‏ء و فيما هو طاو ببساطته و احديته جميع الموجودات طي الامتناع البحت البات و الذي يفهم من كلماتكم لايكون احداً طاوياً كل شي‏ء لعدم سريانه و نفوذه في بعض الاشياء كالاسماء السوأي و امثالها فيترائي منه انه محدود و مثله قوله سبحانه الا انه بكل شي‏ء محيط و قوله علي كل شي‏ء شهيد و امثال هذه الايات كثيرة و كقوله7 متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و قوله7 مارأيت شيئاً الا و رأيت اللّه قبله او معه و قوله داخل في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارج عنها لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء و غير ذلك من الاخبار و انتم اعلم بمظانها منا و هي كثيرة جداً.

و استدلالكم بأن المطلق و العام قد نفذ في كل شي‏ء و ليس شي‏ء الا و هو سار فيه فهو اظهر في كل شي‏ء من نفس ذلك الشي‏ء و اوجد في

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 186 *»

مكانه منه فليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء آخر فهو معروف عند الكل و لايجهله احد فلا كرامة في تلك المعرفة و لا فضيلة حق صحيح و لا كلام فيه و انما الكلام في ان الاناسي في معرفة تلك المعرفة مختلفون و لكل منهم مقام معلوم فمنهم من عرف انه قد ظهر فيه العام علي اصطلاحكم و اللّه علي اصطلاحنا و قد علم انه قد تجلي به و بكل شي‏ء و منهم من عمي عن هذه المعرفة و ان كان هو ظاهراً فيه فلهم درجات علي حسب علمهم و معرفتهم بذلك و عدم علمهم و جهلهم و ليس العالم كالجاهل و البصير بهذه المعرفة كالاعمي هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و هل يستوي الاعمي و البصير فلا شك و لا ريب في ان العام قد ظهر في كل شي‏ء و تجلي بكل شي‏ء ولكن بعض ظهوراته يعلمون انه ظهر فيهم و تجلي بهم و بعضهم قد عمي عن ذلك و لا شك ان للعالم بذلك يحصل حالة لاتحصل هي للجاهل و يجد لذة لايجدها غيره فيهيج محبة فيؤثر المحبوب علي ماسواه فيصير من اهل التوحيد و اي كرامة اكرم و اي فضيلة افضل من ذلك هذا و اذا علم العالم انه سبحانه ظهر فيه و تجلي به و انه معه لامحالة يجتنب عن مساخطه و يمتثل اوامره و يحصل له الخضوع و الخشوع عند الاحد المتجلي و البسيط الظاهر به و بغيره كما ان الانسان اذا دخل داراً يكون فيه السلطان فان كان عالماً بكون السطان فيها يراقبه فيبتغي مرضاته و يجتنب مساخطه و ان عمي عن ذلك لايصدر منه هذه المراقبة فالعلم بكونه فيها يؤثر فيه تأثيراً غريباً و يصير منشأ آثار عجيبة فالكرامة و الفضيلة في معرفة ظهور العام في كل شي‏ء حتي نفسه و علمه به لا في نفس ظهوره فلو ظهر في شي‏ء و لم‏يعلم هذا الشي‏ء انه ظاهر فيه و متجل به لايصير فيه منشأ الاثار العجيبة و هذا هو الفرق بين العالم و الجاهل و العارف و غير العارف فالعارفون يعرفون انه اظهر فيهم منهم و اوجد في امكنة وجوداتهم من انفسهم و غير العارف لايعلم ذلك و اما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 187 *»

في الواقع و حقيقة الامر فهو اظهر من كل واحد منهم من انفسهم و اوجد في امكنة كل واحد منهم.

و ان قلتم ان العام اعظم و اكرم و اجل من ان‏يوصف و يحد و يعرف و يسمي و موقع الاسم و الوصف و الحد و المعرفة هو المبدأ قلنا لانشك في ذلك و لاننكره و ليس ذلك من خصائص بياناتكم و كتب المشايخ اعلي اللّه مقامهم مشحونة بذلك فلا كلام فيه و انما الكلام في وجه تحقيركم و استهانتكم بحق العارفين بالعام و الوجود الصرف و قولكم بأنه لا كرامة فيه و لا فخر و لا فضيلة و انه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفيه حسابه فأسألكم يا سيدي و ملجأي ان‏تمنوا علي و علي السائل بالجواب عنها و عن زواياها و خباياها و خفاياها من غير حجاب و لا خفاء و لا ستر و لا نقاب.

اقول: الحمدللّه الذي جعلني في فراغ عن ذكر كثير من المقدمات في جوابكم و تطويل مقال لاستغنائكم و الحمد للّه و الاشارة الي المقصود كافية لكم و الحمد للّه عن تطويل العبارة اما ما ذكرتم من ان كلماتي توافق بعض كلمات المشايخ اعلي اللّه مقامهم ولكنها تخالف بعضاً فأقول لكم تلك الموافقة و المخالفة بعينها توجد في نفس كلماتهم ايضاً اعلي اللّه مقامهم و لما كان قصدكم قصداً صادقاً ليس فيه التعنت انا في راحة من ذكر عباراتهم لكم في وجدان الموافقة و المخالفة و هي موجودة في جميع كتبهم و ليس ذلك لاجل التناقض و الاختلاف فيها في الواقع بل لان لكل مطلب بياناً خاصاً به دون غيره فاذا وقع كل بيان في موقعه و كل لفظ بازاء معناه لم‏يبق تناقض و لا تخالف و الحمد للّه و اما سبب التوهين الذي اشرتم فهو الوهن الواقع لغرور جمع كثير و جم غفير من الذين شقوا الشعر في حكمتهم قد عدوا انفسهم في عداد الحكماء العارفين و ربما كانوا مرتاضين سالكين و ربما كانوا من اهل الكشف و الوصول

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 188 *»

بزعمهم و اليقين و ربما وجدوا انفسهم واصلين بالغين كاملين كأمثال ابن‌عربي و هم يحسبون انهم يحسنون صنعاً فجعلوا الصلح خيراً و القيد كفراً و شراً و العذاب عذباً و الهلاك نجاة حتي انهم صرحوا بنجاة عبدة الاوثان و المشركين و الكفار و المنافقين و الخلق اجمعين مستدلين مصرحين بأن الوجود المحض خير و به صار ساير الموجودات موجودة و هي كلها له واجدة فنقصان عبدة الاوثان هو قصر العبادة و صرف نظرهم و توجههم الي الاوثان المقيدة و الوجود ليس بمقيد بقيد و ان كان داخلاً فيه بحيث لايوجد فيه سواه فمن اجل وجوده فيه فيه روح و ريحان و جنة نعيم و من اجل القيد ضيق و حبس و ضنك و غمد و وتد موتد و عذاب جحيم بالنسبة الي الطايرين في جو السماء و الارضين الناظرين الي الوجود الساري في الخلق اجمعين فلما كان القيد مطبوع طبعهم مجبولون فيه محبون له ملتذون به صار لهم راحة و نعمة و جنة بحيث لو خرجوا منه الي جنة الوجود التي عرضها السموات و الارض لعذبوا و كذلك المشركون و المنافقون لاجل سريان الوجود فيهم كانوا كعبدة الاوثان منعمين به ملتذين محبوبين له محبين و ان كانوا في قيد الاشراك و النفاق محبوسين في مكان سحيق في نظر اهل الكشف و اليقين الذين عاينوا بعين اليقين الحق اليقين الساري في الخلق اجمعين و مثلوا لذلك في سر مجي‏ء الانبياء و المرسلين لانذار الذين طباعهم كالجعل عن شم ريح العذرة و اكلها و تبشير الناس و الهداية الي عطر الورد و استعماله و ان كان الجعل ملتذاً من شم العذرة و اكلها متألماً من عطر الورد فالجعل خسيس الشم و الاكل لدي الانسان المستقيم و ان كان هو مستقيماً بنفسه في طبعه مقيماً فيه غير ملوم.

فانظر ايها العاقل الناقد و السالك القاصد مقصد الانبياء و المرسلين عليهم صلوات المصلين ماذا تري في سر نزول الانبياء: و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 189 *»

بطشهم الشديد و الوعد و الوعيد و جعلهم لكل شي‏ء حداً محدوداً و شرعاً موجوداً و حكماً غير مردود و اجروا الحدود علي من تخلف عن العهد المعهود فأقاموا الحدود و شهروا السيوف و حاربوا و قتلوا و قتلوا و نهبوا و نهبوا و اسروا و اسروا و خربوا و حرقوا و خرقوا و وعدوا و اوعدوا بنعيم باقية بلا زوال و عذاب خالد و الم دائم لايزال فهب ان الجعليين ابوا عن شم الرياحين و قنعوا بشم العذرة و اكلها فما ذنبهم في تناسب طبعهم المجبول المخلوق عن عمد و تدبير و بم استحقوا هذا البطش الشديد و الضرب و الحرب و القتل و الخرب و الاسر و النهب و اللعن و الطرد و الشتم بعد القتل و ايجاب اللعن و التبري عنهم حياً و ميتاً علي التابعين الي يوم الدين فهل يوجد سلطان من سلاطين الجور الظالم القسي السفاك في زمن من الازمان بهذا الطغيان و لم‏يأمر احد منهم و ان كان كبخت النصر و الضحاك و هلاكو بهذا البطش الشديد الذي ليس في احد من القياصرة و الاكاسرة و الظلمة الفجرة و في وعيدهم الذي لا شك فيه و لا ريب يعتريه في دين جميع الانبياء و المرسلين: عدم كفاية التسليم و الانقياد الظاهر في حصول النجاة من غير الاذعان و اليقين في القلب و ان عمل بجميع ما امروا به و ترك جميع ما نهوا عنه فجعلوا التسليم الظاهر من غير يقين في الباطن و القلب اقبح من عدم التسليم و اشد عذاباً من الكفر و الشرك و عبادة الاوثان فقالوا ان المنافقين في اسفل درك من النار و قالت الاعراب آمنا قل لم‏تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا و لمايدخل الايمان في قلوبكم فهل يوجد احد في العالم بهذا الوعد الشديد و العجب ان من لم‏يعتقد ذلك في جنانه في استحقاق المنافقين اسفل درك النار و ان عمل بجميع ما امر و ترك جميع ما نهي عنه في العمل بأركانه و جوارحه يكون منافقاً محشوراً مع ساير المنافقين.

فهب انهم قالوا بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء فهل يقولون ان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 190 *»

المقيد بالقيد غير مقيد بقيد فلم صرحوا بأن عبدة الاوثان قاصرون في عبادتهم في نظر اهل المعرفة الذين عرفوا ان الوجود سري في كل شي‏ء و هب انكم قلتم ان الوجود البحت البات تجلي لكل شي‏ء بنفسه لا بذاته سبحانه فهل يكون ذاته خارجة مباينة عن اهل النار فلم لم‏يقهم من عذابها و لم‏يكفهم شرارها علي دين الانبياء: و علي اعتقادنا و هب ان احداً من اهل النار صدقكم بأن البسيط بسيط لا تركيب فيه و تجلي لاهل النار بهم لا بذاته و انه نافذ بأحديته في كل اهلها و في كل شي‏ء بحيث لايكون شي‏ء معه موجوداً و قد استحق النار لاجل موجب لها([6]) فلم لاينجيه و لايكفيه و قد اقر بوحدته التي لا شوب فيها من الكثرة و لم لم‏يكن له حجة علي الذي نفذ في كل شي‏ء بأني لاانكر وحدتك و انت الذي تجليت لي بي و تجليت في عذابي و موجب عذابي و آلامي و كفري و نفاقي و انت اظهر من جميع ذلك و جميع الاشياء من انفسها و اوجد في مكانها منها فأنت انت لا شي‏ء سواك اذ ماسواك ظهوراتك و انت الصادق عليها و اصدق و كما صدق عليها انها هي هي انت اصدق بأنك انت وحدك لا شي‏ء سواك فان كنت انت المعذِب بالكسر تجليت له به انت المعذَب بالفتح تجليت له به و انت العذاب و انت الكفر و انت النفاق فان كان الكفر و النفاق مذموماً فأنت المذموم و انت اظهر و اوجد منه و اولي بل ليس لنا ظهور الا ظهورك فارتفع بيننا و بينك البينونة الا صفة و ظهوراً و الظاهر اظهر من نفس الظهور بارتفاع الظهور فارتفع افعل التفضيل و ليس شي‏ء سواك و نسبتك الي جميع الاشياء علي حد سواء ليس شي‏ء اقرب اليك من شي‏ء آخر فلست انت اولي بالمعذِب بالكسر كما انت لست اولي بالمعذَب بالفتح بل انت اولي بهما علي حد سواء فما هذه اللعبات التي تلعب بنفسك و قد عجز عنها كل لاعب و لايوجد احد ان‏يعذب نفسه دائماً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 191 *»

خالداً و هو يضج و يصرخ ابداً فان تألم من نفسه فلم يؤلمها و ان لم‏يتألم فلم يضج و يصرخ. بالجملة و ليس لي مجال التفصيل و انتم اهل بأن‏تتفكروا فيما يلزم مستغنون بالاشارة عن تطويل العبارة و الحمد للّه.

ثم تتفكروا في ان كل مطلق صادق علي مقيداته حقيقة لايشوبه مجاز ابداً فان كان المطلق جماداً تكون مقيداته جمادات و ان كان نباتاً تكون مقيداته نباتات و ان كان حيواناً تكون مقيداته حيوانات و ان كان انساناً تكون مقيداته اناسي و ان كان عاجزاً تكون مقيداته عاجزين و ان كان جاهلاً تكون مقيداته جاهلين و ان كان محتاجاً تكون مقيداته محتاجين و ان كان مركباً تكون مقيداته مركبات و هكذا فتذكروا بأن الخلق المركب المحتاج الجاهل العاجز ليسوا بمقيدات القادر العالم الغني المتوحد فاذا اقدرهم علي شي‏ء قدروا بقدر اقداره و اذا علمهم علموا بقدر تعليمه و اذا اغناهم استغنوا بقدر اغنائه و اعطائه و هم بأنفسهم عاجزون عن حفظ ما اعطاهم حين اعطائه و هو الحفيظ عليهم كما شاء بما شاء لايملكون لانفسهم نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً و لا حول و لا قوة لهم الا به و ليسوا بمقيداته و ظهوراته فتذكروا بأن ظهورات العالم القادر الحي القيوم الدائم الحكيم و اسماؤه و صفاته جميعاً علماء قادرون احياء دائمون حكماء و هكذا الي منتهي جميع اسمائه الحسني و صفاته الكمالية منفي عنه صفات النقص و الاسماء السوأي فله صفات ثبوتية كمالية غير منحصرة في الثمانية المشهورة بل هي اما تسع و تسعون ان لوحظ كلياتها و الف و واحد ان لوحظ تفاصيلها او اكثر ان لوحظ جزئياتها لا فرق بينه و بينها الا انها اسماؤه و صفاته و هي متعددات و هو الواحد فهي هو وجوداً و عياناً و اثباتاً و هي غيره كثرة و تعدداً و ان شئت قلت هي غيره كلاً و جمعاً و احاطة و وحدة و مسلوب عنه الصفات السلبية و هي غير منحصرة في الثمانية المشهورة بل هي بعدد ذرات الموجودات ليست@و ليست خ‌ل@ هي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 192 *»

بمقيداته و ظهوراته و اسمائه فتدبروا ايدكم اللّه تعالي في الكتاب و السنة و الدعوات و الزيارات و كلمات المشايخ اعلي اللّه مقامهم هل تجدون ما يخالف ذلك و هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون.

و الذي ليس شي‏ء سواه و لا ذكر لما عداه فيه نفياً و اثباتاً و وحدة و كثرة و غيباً و شهادة و امكاناً و كوناً و عيناً و ذاتاً و صفة و جوهراً و عرضاً و طولاً و عرضاً و اطلاقاً و تقييداً و مؤثراً و اثراً و فاعلاً و مفعولاً و امراً و مأموراً و حسناً و قبحاً و شرعاً و كوناً و معروفاً و منكراً و ايماناً و كفراً و نوراً و ظلمة و عدلاً و ظلماً و فسقاً و قسطاً و هكذا لاينسب الي شي‏ء و لاينسب اليه شي‏ء اذ لا شي‏ء سواه و لم‏يرسل الي احد ابداً اذ لا ذكر لرسول و لا احد و لا رسالة و لا نزول و لا انزال و لا ارسال و لا امر و لا نهي و هكذا الي ما لايتناهي فتدبروا ايدكم اللّه تعالي في كلمات المشايخ اعلي اللّه مقامهم هل تجدون غير ذلك فتذكروا ان القرآن و الكتب السماوية نزلت من لدن حكيم عليم([7]) و جميع سوره و آياته نزلت من عنده و لها معان مرادة فمن عرف المواقع من الصفة بلغ القرار من المعرفة و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و من سلك سبيله فقد نجي و من اعرض عنه هوي و ان علم ان المطلق ظاهر في المقيد اظهر منه و ان علم ان الوجود البحت البات سواه ممتنع بحت بات ليس له عنوان و لايرجع اليه ضمير اذ هو ليس محض و عدم صرف فليس للوجود البحت البات ثان و غير فالعاقل يكفيه الاشارات و الغافل الجاهل لايغنيه كثرة العبارات فماتغني الايات و النذر عن قوم لايؤمنون انا للّه و انا اليه راجعون و لا قوة الا به.

قال ايده اللّه تعالي: المسألة الثانية؛ ان‏تمنوا علي عبيدكم و عليه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 193 *»

دام مجده العالي ببيان كيفية العود مع ان البدن الاصلي لايفارق الروح حتي يعود اليه ثانياً و كيفية الحشر و النشر و كيفية تلذذ اهل الجنة و كيفية ملاقاتهم لربهم و ساداتهم و اخوانهم مع انه ماحصل للنفس([8]) فهو ابداً معها فكيف يلاقون ربهم مرة و ساداتهم مرة و اخوانهم مرة و كيف يأكلون من هذه الثمار مرة و من هذه مرة و كيف يباشرون هذه الحوراء مرة و هذه الحوراء مرة و الادلة الحكمية تقتضي ان‏يكونوا ابداً في محضر ربهم و محضر ساداتهم و اخوانهم و ابداً آكلين للثمار و ابداً مجامعين مع الحور العين و لا شك انه لايحصل الالتذاذ للنفس الا اذا وجدت شيئاً لم‏تكن وجدته بأن يحصل لها تغير حالة بتوارد النعم عليها و تبدلها لديها كما نشاهد من نعم هذه الدنيا و هذا هو سر التذاذ النفس من الصوت الحسن فان الصوت لو كان علي نهج واحد لايتلذذ منه الانسان و هذا هو القول المشهور ان لكل جديد لذة و كيف يجيئون مرة و يذهبون مرة و يسيرون مرة و يراودون و يزورون و يتكلمون و يسبحون و يقولون الحمد للّه رب العالمين مرة و سبحان اللّه مرة و كيف يؤدون مطالبهم و يحاورون.

و ان قلتم ان جميع ذلك يحصل لهم علي حسب نياتهم و ارادتهم قلت ما الباعث لتبديل النية و تغيير الارادة و الحال ان الحالة النفسانية الاخروية لاتتغير و لاتتبدل فان كانوا مريدين لملاقاة ربهم ينبغي ان‏يكونوا كذلك ابد الابدين و ان كانوا مريدين لقاء ساداتهم او اخوانهم ينبغي ان‏يكونوا كذلك دهر الداهرين و كيف يزورون اخوانهم الذين لم‏يروهم في هذه الدنيا و لم‏يحصل لهم هذه الملكة لنفوسهم و كيف يجدون ما عملوا حاضراً و الحال ان بعض اعمالهم نقيض بعضها كحركتهم و سكونهم مثلاً و ان قلتم انتم في هذه الدنيا في انفسكم ايضاً كذلك فان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 194 *»

جميع الاعمال في النفس حاضرة قلت ليس حركتي في نفسي ممتازة من سكوني و انما تمتاز في هذا البدن كما يمتاز الابصار و السماع في العين و الاذن لا في الروح البخاري فان كان الامر في الاخرة هكذا فهو ينافي ما في الايات و الاخبار من التفاصيل و ان كانت منفصلة فتمنوا علي ببيان سره و وجهه و حكمته علي نحو افهمه و يفهم السائل دام مجده العالي و لو باللسان الطبيعي و كذلك بينوا لي كيفية عذاب من يعذب في الاخرة و سر تألمهم من اعمالهم و عقائدهم مع ان انفسهم و حقيقتهم تتلذذ منها و الحالة النفسانية الاخروية لاتتغير و لاتتبدل فكما ان المؤمنين يتلذذون من ملاقاة ربهم و ساداتهم ينبغي ايضاً انهم يتلذذون من ملاقاة اصنامهم و خلفائهم لانهم يحبونهم بحقيقتهم و نفوسهم كما يحب المؤمنون ساداتهم بحقيقتهم و نفوسهم و كيف يزول ذلك عن حقيقتهم و انفسهم مع انه صار ملكة لهم و اذا صار ملكة فكيف يتألمون و يعذبون و ايضاً بينوا كيف يري المؤمن في قبره هذه الدنيا بل و الكافر و كيف يرون ما لم‏يروه في هذه الدنيا و كيف يحصل لهم العلوم و الترقيات التي لم‏تحصل لهم في هذه الدنيا و لايتعقل حصولها الا بالالات و الادوات كما يؤمي اليه قوله سبحانه من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي و مرادي من العلم كل ما يعلمه الانسان و يشعر لا العلوم المصطلحة و ايضاً بينوا بما يمتاز نوع الرجل عن نوع المرأة و كيف يؤتي بمسجد الكوفة و امثاله من الجمادات في الاخرة و كيف يقتص بعض الحيوانات من البعض حتي الجماء من القرناء في الاخرة مع ان عودها عود الممازجة فأستدعي من جنابكم العالي ان‏تمنوا علي عبيدكم و علي السائل دام مجده العالي بالجواب كما انتم اهله لا كما نحن اهله.

اقول: مااخصر سؤالكم و اقصر حيث سألتم عن جميع ماوراء هذا العالم و لعمري ينبغي ان‏يكتب في الجواب كتاب كبير و لعمرك انه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 195 *»

لو كتب فيه كتاب كبير لايعرف حقيقة الامر من مطالعته و مفاد الفاظه و المتبادرات منها ولكنكم ارحتمونا عن ذلك لكونكم من اهل الديار و الحمد للّه و قصدكم الصادق عن المراد من غير قصد التعنت المعتاد لاغلب اهل البلاد فمن احق و اولي بالجواب من غير نقاب منكم ولكنكم علمتم ان الكتاب يقع بأيدي الاقشاب الذين لايستحقون الا الجراب لا الجواب فالجواب جوابكم و الجراب لاهل السراب لئلاتظلم الحكمة و تنتظم في اعناق الخنازير.

اما قولكم ان البدن الاصلي لايفارق الروح حق صدق لو خلص عن الاعراض الغريبة و تركب من الاخلاط الغريزية فاذا غلب علي الغريزية الغريبة يفارق الروح البتة كما ترون في هذا العالم بالمشاهدة و السر في ذلك ان الروح الحقيقي لكل بدن اصلي جسم لطيف البس قالباً كثيفاً فالبدن الاصلي روح غليظ و الروح الاصلي جسم لطيف و لو لم‏يكونا كذلك لامتنع الوقوف في حيز واحد فامتنع التركيب و الامتزاج و الاتحاد كما تشاهد امتناع الوقوف للنار اللطيفة لو خليت و طبعها في حيز التراب العبيط الكثيف فلاتصير النار العبيطة روحاً للتراب العبيط البتة فينبغي استخراج نار غليظة من التراب الكثيف يكون كلاهما من حيز واحد لتصير روحاً له بمقتضي طبعها الهابط هبوط التراب ليتزاحم كل جزء منهما في حيز جزء آخر ليتركبا و يتداخلا و يتخالطا و يتفاعلا و يتمازجا و يتوحدا و يتحدا فتصير النار روحاً و التراب جسداً و بدناً و انتم و الحمد للّه من اهل الديار مصدقون صادقون في التصديق فلاجل ذلك يحب ان‏يكون البدن الاصلي للانسان من حيز روحه الانساني و كلاهما انسانيان لايتعلق الروح الانساني بالبدن الحيواني و لا النباتي و لا الجمادي الا بالعرض كحبس الهواء في القربة و دفنها في التراب تحت الماء فلم‏يصر الهواء روحاً للقربة و لا للماء و التراب لعدم المشاكلة و اختلاف الحيزات فاذا

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 196 *»

قدر اللّه تعالي خلق الانسان من صلصال كالفخار انزله من عالم الانسان بروحه و بدنه الاصليين الي عالم المثال بمراتبه ثم الي عالم الحيوة و الحس المشترك بمراتبه ثم الي عالم النبات بمراتبه ثم الي عالم الجسم العرضي ثم الي البسائط بمراتبها ثم الي الطين المعروف ثم الي الحبوب المأكولة ثم الي النطف في الاصلاب و الترائب ثم الي الارحام كما تري.

و انتم تعلمون و الحمد للّه ان الطفرة في الوجود باطلة فتذكروا ان ادني كل عالم اعلي مشاكل لاعلي كل عالم ادني و لولا ذلك للزم الطفرة و امتنع هبوط الانسان من ذلك المحل الارفع الي هذا الوحل الادني الذي حل فيه فاختلط غليظ كل عالم اعلي في لطيف كل عالم ادني للمشاكلة و دفن فيه و قبر و اقترن كل جزء من غليظ عالم اعلي المسمي ببدن روحه بجزء من لطيف عالم ادني المسمي بروح بدنه فصار بدن العالم الاعي رميماً في قبره كل جزء منه مقترن بجزء من تراب قبره كسحالة الذهب المخلوطة بالتراب و الموت عبارة عن تفرق الاجزاء و اقتران كل جزء صغير و ذرة صغيرة بذرة مثلها من تراب القبر و قل من يعرف ذلك و زعم الاكثرون ان المراد بالاماتة هو الاعدام و لاجل ذلك كثر بينهم القيل و القال بأن اعادة المعدوم محال و المحال لايصدر من الفاعل فلو عرفوا ان المراد بالموت تفرق اجزاء البدن و اقتران كل ذرة منه بذرة من تراب القبر اقتران السحالات بالاتربة و اختلاط الدهن باللبن مااستحالوا المخض و التدبير لاستخراج الدهن فالدهن كانت في البسائط و لم‏يكن معدوماً بل كان موجوداً ميتاً رميماً في قبر البسائط كل جزء منه مقترن بجزء من البسائط من جميع جوانبه و انتقل منها الي الحبوب المأكولة فيصير ايضاً مقبوراً فيها ميتاً رميماً كل ذرة منه مقترنة بذات اتربة الحبوب و انتقل منها الي بدن حيوان من الحيوانات فيصير مقبوراً في دمه و انتقل الدم بما فيه من الدهن الي الثدي و الضرع فيصير مقبوراً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 197 *»

في اللبن و ذلك معلوم لدي كل ذي مسكة ان الحيوان ان اعتلف بالحبوب صار لبنه دسماً كثير الدهن و الا فلا فاذا اريد استخراج ذلك الدهن المقبور الميت الرميم لابد من تغيير التدبير فان التدبير في النزول هو لاجل الانزال و التدبير في الصعود لاجل الاصعاد و الاول للاماتة و الاخر للاحياء فهل يستوي الاحياء و الاموات و لو لم‏يكن المراد من المدبر الحكيم الاحياء لكان الاماتة لغواً و عبثاً و اذكروا اذ كنتم امواتاً فأحياكم.

فتدبير الاماتة غير تدبير الاحياء الم‏تر ان الدهن المقبور في اللبن و الدم و الحبوب و البسائط لايمكن ان‏يستقر في تلك الدرجات النزولية الا بالحرارة المرققة المذيبة حتي استقر في اللبن و اقبر فيه بالحرارة فاذا اريد احياؤه لابد من التبريد المقدر المجمد للدهن غير المجمد للماء المركب من الارضية الاقطية و الكبريت المصلية فان المجمد لهما هو الحرارة دون البرودة فلما استولي البرودة علي اللبن انعقد الاجزاء الدهنية في قبورها محبوسة مقبورة فلابد من التحريك و المخض ليتصل كل جزء من الدهن بجزء آخر منه فاذا اتصل الاجزاء كلها يحيي بعد الموت و يطفو في الاعلي و يستقر في حيزه الطبيعي في مكانه الذي جعله اللّه له و ينجو من الغرق فبماء([9]) خطيئاتهم اغرقوا و اللّه منجيه بالتدبير ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثياً و لما كان ذلك الماء المركب من الاقط و المصل ايضاً مقبوراً في لجج بحار المياه العبيطة العرضية غريقاً فيها احتيج في اخراج تلك المياه العبيطة الي الحرارة فاذا طبخ المخيض و خرج المياه العبيطة من خلله بخاراً صار ثخيناً و لماينجمد الماء الذي هو اصل المصل فان ذلك الماء يحتاج الي زيادة نار في الجمد فاذا القي في كيس قطر منه الماء و عقد بزيادة النار عليه حتي يصير مصلا فالاقط و المصل قبران ترابيان للدهن فنجي بالتدبير

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 198 *»

و التحريك و المخض و نفض التراب من رأسه و الاقط و المصل اغرقا بماء خطيئاتهما فادخلا ثانية و ثالثة ناراً فلم‏يجدا لهما انصاراً و صارا اخلدا الي الارض باتباع هواهما و عادا جثياً.

بالجملة فاذا عرفت ان الطفرة في الوجود باطلة و يكون بين المراتب كلها برازخ فالبرزخ يكون اعلاه شبيهاً بالاعلي و ادناه شبيهاً بالادني فالقبور في جميع المراتب واقعة في البرازخ و لاجل ذلك لايصير الروح مقبوراً ميتاً و يصير البدن الذي هو غليظه مقبوراً متفتتاً رميماً لمايخالط كل جزء منه بجزء من اعالي عالم الادني فاذا تنبهت بذلك و تدبرت فيما ذكرت لعلك عرفت ان جميع الابدان الاصلية من جميع الاناسي يتم خلوصها عند البعث من القبور بعد النفخة الثانية و يتم حينئذ احياؤها تاماً كاملاً لاينكر احد نفسه و اما قبل ذلك كانت الابدان الاصلية امواتاً غير احياء و لايشعرون ايان يبعثون فكانت تلك الابدان الاصلية في الحيوة الدنيا ممتزجة بالاعراض الدنيوية رميماً عظامها مفارقاً عنها ارواحها الاصلية و هي طائرة في عوالمها طيران الطيور الا ان لها علاقة متصلة الي اوتاد متوتدة في ارض الاعراض و تلك الاوتاد هي الذرات و الاجزاء الاصلية التي تحيط بكل ذرة منها من جميع جوانبها الاعراض الدنيوية فبتلك العلاقة المتصلة تحرك الارواح تلك الاجزاء الاصلية و تمخضها مخض السقاء و يتصل بعض الاجزاء الي بعض لا جميعها و ذلك سر صدور المعاصي من المؤمنين في عالم الخلط و اللطخ علي خلاف معتقداته الصحيحة و تلك المعاصي من مقتضيات الاخلاط الغريبة و الاعراض المقترنة بالاجزاء الاصلية لا من نفس تلك الاجزاء الاصلية اذ مقتضاها ما يوافق المعتقدات([10]) الصحيحة ولكنها تتكيف بالكيفيات التي هي من اقتضاء الاخلاط الغريبة كتكيف الفلفل بالكافور و بالعكس و المؤمنون علي اختلاف في الدرجات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 199 *»

في هذا المقام فكل من كان قليل الاعراض يكون اتصال بعض اجزائه الاصلية الي بعض اسرع و من كان كثير الاعراض يكون اتصال اجزائه الاصلية ابطأ فكلما اتصل جزء من اجزائه الاصلية الي جزء انضجر من مقتضيات الاعراض المقترنة و مال الي مقتضيات ذاتيته و هي الطاعة و ندم من المعصية و اشتاق الي الطاعة كالمبرسم الذي شرب المسهل و دفع عنه الخلط المورث للسرسام فكلما قل الخلط تنبه و انضجر عن الهذيان و ندم عما صدر عنه و اشتاق الي التكلم بالكلام المحكم و الي الصحة الكاملة فالصحيح الذي ليس فيه مرض و لا مورثه هو المعصوم7 و هو الحي و سائر الناس مختلفون في كثرة الاعراض و قلتها فهم اموات غير احياء فكل من قرب الي العصمة صار حياته اغلب و كل من بعد عنها كان موته اغلب فلذا روي ان ميتنا اذا مات لم‏يمت و ان قتيلنا اذا قتل لم‏يقتل و قال فلاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون و القتل الحقيقي هو الانقطاع الي اللّه سبحانه بروحه و بدنه.

بالجملة و قد بقي الاعراض الطبيعية بعد الموت الدنيوي في البرزخ فكل جزء من تلك الاجزاء الاصلية محاط بجميع جوانبه بالاعراض الطبيعية و الاماني و الخيالات الفاسدة فتبقي الارواح ساهرة و الابدان اموات غير احياء لاختلاط الغرائب الطبيعية و لها علاقات بأرواحها تروح الارواح الابدان بتلك العلاقات و تحركها و تمخضها مخض السقاء لايصال الاجزاء الاصلية بعضها الي بعض و الناس في ذلك علي اختلاف كثير فمنهم من حي بدنه سريعاً و منهم بطيئاً الي الرجعة الكلية فخلص ابدان جميع الماحضين عن الغرائب فخلص المؤمنون من شوب الكافرين و الكافرون من شوب المؤمنين فقاموا الي الجنة او الي النيران بأمر رب العالمين و بقيت ابدان غير الماحضين امواتاً باختلاف كثير بينها الي النفخة الثانية و لها ايضاً علاقات من ارواحهم الي ابدانهم للتحريك و المخض كما عرفت

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 200 *»

سابقاً و قل من يعرف ذلك و يحسبون الاموات جمادات من غير علاقة الي الارواح و يستحيلون اعادة المعدوم بحسب زعمهم و يحسبون انهم يحسنون.

بالجملة و الابدان الاحياء في الرجعة هي غير الابدان الاصلية الاخروية و ان خلصت عن الاعراض ولكن المراد بخلوصهم عن الاعراض في الرجعة تخلص المؤمن من شوب الكافر و بالعكس فلايصدر من المؤمن حينئذ المعصية و من الكافر الطاعة ولكن الابدان المثالية و الابدان الاخروية الاصلية بعد مركبة كل جزء من اجزاء البدن الاصلي الاخروي منهم محاط بالاعراض الارضية المثالية بجميع جوانبه فلايتخلص منها و لايتعلق الارواح الاخروية بالابدان الاخروية كمال التعلق الا كالعلاقة التي هي للطير الصائد الي الوتد و تلك العلاقة ايضاً لاجل التحريك و المخض الي ان‏ينفخ في الصور نفخ الصعق فصعق من في السموات و الارض و مات اهل الرجعة بأجمعهم لا حاس و لا محسوس الا ان العلاقات متصلة للتحريك و المخض الي النفخ الثاني فاتصل جميع الاجزاء الاخروية بعضها الي بعض من غير تخلل شي‏ء سواها بينها فاذا هم قيام ينظرون احياء غير اموات قد ذبح الموت بين الجنة و النار و قيل لاهل النار خلود و لاهل الجنة خلود فهذا مجمل الامر في([11]) كيفية مفارقة الارواح الاصلية من الابدان الاصلية و البعث و الحشر و النشر علي ما هو الواقع ليس له دافع الا من زعم مفارقة الروح من البدن الاصلي كمفارقة الهواء من جوف السقاء فلايدري ما السبب في نفخة فيها ثانية و ثالثة و بزعم استحالة اعادة المعدوم و هو غافل عن حل الاجسام المنحلة في المياه و ان غاب عن الابصار اعيانها فانها باقية في المياه موجودة غير معدومة فاذا دبر في تصعيد المياه عنها او ترسيبها عادت بعد ما حلت صافية نقية عن الاكدار

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 201 *»

لاتنكر نفسها و لاينكرها ذو مسكة بعد ما كانت مقبورة مستورة بالاكدار امواتاً فذلك تقدير العزيز العليم.

فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا   و ان لم‏يكن فهم فيأخذه عنا

و اللّه علي ما نقول وكيل و الاعتذار عن التفصيل و التطويل هو التكلان عليكم بأنكم عارفون كثيراً من المقدمات و الاشارة كافية و عدم المجال و استقبال الملال من كل جانب كما كنتم تعلمون و قد تعلمون قلة من وقف علي المراد بالتكرير في المباحثات من المتعلمين فكيف حال من تفنن بالكلام من غير جد في وصول المرام.

و اما كيفية تلذذ اهل الجنة بالجنة فكتلذذ اهل الدنيا بالدنيا و لقد علمتم([12]) النشأة الاولي فلولا تذكرون ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ولكن الشأن في كيفية النظر بالفطرة الاصلية لا الفطرة المغيرة و الاصلية تتذكر و تنتفع بالذكري ان غفلت و المبدلة مبدلة الي يوم الوقت المعلوم فالالتذاذ يحصل للانسان بوجدان شي‏ء مجانس له و هو طالبه فاقد له و هو عالم به حين فقدانه او لم‏يعلم و لم‏يطلب و الا لم‏يقابله بوجدان شي‏ء غير مجانس سواء علم به قبل او لم‏يعلم و طلب او لم‏يطلب و كلاهما فعلان من الواجد و وجد فعله فلو لم‏يفعل لم‏يجد ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري و لا شك ان البصر للمبصر باب مفتوح له الي الالوان و الاضواء فلو كانت الالوان و الاضواء مبذولة في العالم فما لم‏يبصر المبصر لم‏يدركها فان ابصر فقد وجد اللون و الضياء و ابصر فعله كوجد فلم‏يصل شي‏ء الي شي‏ء الا بفعله كائناً ما كان بالغاً ما بلغ و لا شك ان الطرق الي وصول الاشياء مختلفة كما ان الاشياء مختلفة ليست بواحدة فبالبصر يدرك المبصرات دون السمع و به يدرك الاصوات دون البصر فان المبصرات غير المسموعات ليس شي‏ء من ذلك بشي‏ء من ذاك و لايزاحمان و يجتمعان في مادة واحدة و نفس

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 202 *»

واحدة و لا شك ان اللذة الحاصلة من اللون غير اللذة الحاصلة من الصوت و البصر محشور مع المبصرات واجد لها فاقد للاصوات جاهل بها و هي مستورة عن البصر و السمع محشور مع الاصوات مدرك لها واجد لها فاقد جاهل بالمبصرات و هي محجوبة مستورة عنه و كلتاهما مدركتان للنفس الواحدة و هي تجد ان لذة اللون او المه غير لذة الصوت او المه و كذلك حال ساير الحواس و محسوساتها ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و كذلك حال المشاعر الباطنة([13]) كالحواس الظاهرة بلا شك لدي العاقل الناقد و ان لم‏يعرف الغافل الجامد او المتقشف الجاحد ختم اللّه علي قلوبهم و علي سمعهم و علي ابصارهم غشاوة و هو المحمود في فعاله لحمد كل حامد.

بالجملة و لو فرض فارض بصراً سميعاً او سمعاً بصيراً لا شك لمن لم‏يختم علي سمعه و بصره ان المبصر الذي هو اللون غير المسموع الذي هو الصوت و لا شك له ايضاً ان اللون غير الصوت و ان اللذة او الالم الحاصل من كل واحد منهما غير اللذة او الالم الحاصل من الاخر و كل واحد هو هو و هو غير غيره و كل واحد محجوب عن الاخر و ان لم‏يكونا محجوبين للنفس([14]) الواحدة المهيمنة فلاتغرنك ما سمعته من احوال الاخرة بأن المؤمن فيها سميع ببصره و بصير بسمعه و امثال ذلك و ربما حصل في هذه الدنيا في حالة واحدة لذات عديدة مختلفة للنفس الواحد و لو بسرعة سيرها فوجدت حسن المحبوبة بعينها و صوتها بسمعها و ريحها بشمها و طعمها بذوقها و رشف ريقها و نعامتها بلمسها فبيدها تجد لذة لم‏تجد بفرجها و هو المهيج المنعظ لفرجها و تجد لذة من لمس فرجها ما لم‏تجد من لمس يدها في حالة واحدة و لو بسرعة و تجد كل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 203 *»

واحدة من هذه اللذات غير الاخري بحيث لو لم‏تكن واحدة منها لنقص عيشها و لا شك ان كل واحدة منها محجوبة مستورة عن الاخري فتدبر في ذلك تجد ان شاء اللّه امر الاخرة افرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون و لم‏تمنع لذة حاسة عن لذة حاسة اخري في حالة واحدة و لو بسرعة فلعلك تقدر علي معرفة حال المقصورات في الخيام لم‏يطمثهن انس قبلهم و لا جان مع ان مخ سوقها يري من وراء سبعين حلة و هي و مخها و سوقها و حلتها و قصورها و خيامها محجوبة عن غير بعلها لانه بفعله استحق ذلك و فعله بدي‏ء منه و رجع اليه محجوب عن غيره.

بالجملة فعرف من ذلك ان مشعر كل مدرك يكون من جنسه كما روي انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فمدرك كل مشعر محجوب عن غير ذلك المشعر فلذا روي اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة و اولي الامر بالامر بالمعروف و لايزاحم مشعر مشعراً آخر كما لايزاحم مدرك مشعر بمدرك مشعر آخر كما تكون في حالة واحدة تري بعينك و تسمع باذنك كما مر سابقاً و ان كان الان الدنيوي لضيقه و شدة ضيقه مانع من ادراك النفس شيئين الا بسرعة الانتقال من آن الي آن فلذا قال ماجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه و انتم عالمون و الحمد للّه ان يوم القيمة يوم الجمع و الانسان في ذلك اليوم لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و وجدوا ما عملوا حاضراً و اجتمع عنده النقيضين من عمله كحركته و سكونه و بدنه الدنيوي لايتحمل ذلك و يمتنع ان‏يكون متحركاً حين كونه ساكناً و بالعكس ولكن الانسان في بدنه الاخروي يكون متحركاً في ظهوره بالحركة ساكناً في ظهوره بالسكون في حالة واحدة كحركة السماء و سكون الارض في حال واحدة و كحركة رجل واحدة و سكون رجل اخري في حال واحدة و انت تقدر ان‏تحرك يمينك و تسكن يسارك او بالعكس في حال واحدة فكذلك حال الانسان في الاخرة في حركته

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 204 *»

و سكونه في حال واحدة و ان كانتا متناقضتين فاذا اجتمع عند الانسان المتناقضان و لايمنع وجود واحد وجود الاخر و لايقتضي وجود واحد عدم الاخر كما في الدنيا فكيف لايجتمع عنده الامثال و الانداد كزيارة اخ و زيارة اخ آخر في حال واحدة و انت في الدنيا ايضاً تزور الاخوين في مجلس واحد و زيارة هذا غير زيارة ذاك و ربما لم‏ير كل واحد صاحبه و انت تراهما جميعاً و تزورهما فليس اجتماع الانداد غريباً اذا اجتمع الاضداد و النقيضات فان يرونه بعيداً فنراه قريباً و الحمد للّه الم‏تر انك عالم بمعلوماتك و لغاتك في حالة واحدة نفسانية فان اردت التكلم بها او اردت تخيلها منع التكلم بكلمة التكلم باخري و تخيلها مانع من تخيل اخري و انت حين التكلم بكلمة عالم بساير الكلمات لاتمانع بينها و ربما نسيت كلمة و هي منسية عنك و انما نسيته في خيالك و لذا تذكرت بها بعد حين من غير تعلم من غيرك فالمنسيات غير المجهولات فانك تحتاج في المجهولات الي معلم غيرك بالجملة فأنت في نفسك تقرأ القرآن كله ان شاء اللّه من اوله الي آخره في لمحة واحدة و ان قرأته في الدنيا في شهر او سنة لوجود المانع هيهنا و فقدانه هنالك و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون.

فان عرفت عدم التمانع بين المشاعر و مدركاتها فاعلم ان المؤمن زائر ربه و نبيه و ائمته: و اخوانه في جميع حالاته غير منصرف و لا معرض و لا غافل عن واحد منهم و لا تمانع بينهم و لا تمانع بين زياراتهم ابداً و الموانع كلها في الدنيا او في البرزخ و قد زالت في الاخرة بزوال الاعراض و عود كل شي‏ء الي اصله و انفصال الفعل عن الفاعل غير معقول و لا منقول فعرف فعل العارف و زار فعل الزائر فكيف يعقل انفصال الافعال عن الفاعلين فان عرفت ما عرفت لك قد بلغت ما اردت و كم من غافل رأي زوال الحركة عن المتحرك و زوال السكون عن الساكن و بادر في

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 205 *»

الاعتراض و لم‏يعرف القول الفصل و ما هو بالهزل([15]) و كفاه الحرمان سيجزيهم وصفهم و الحمد للّه و انتم عارفون ان شاء اللّه ما اقول و كفاكم ان شاء اللّه.

و اما قولكم و لا شك انه لايحصل الالتذاذ للنفس الا اذا وجدت شيئاً لم‏تكن وجدته بأن‏يحصل لها تغير حالة بتوارد النعم عليها و تبدلها لديها كما نشاهد من نعم هذه الدنيا و هذا هو سر الالتذاذ الي آخر قولكم فهو حق ولكنه مجمل و له بيان و هو ان المادة الجوهرية اذا كانت دراكة كالنفس الحيوانية او المثالية او الملكوتية او الجبروتية اذا وصل اليها ما يلائمها و يناسبها و يجانسها بواحد من مشاعرها يقويها فتلتذ منه اذا([16]) وجدت نفسها اقوي و ادوم و اذا وصل اليها بوساطة احدي حواسها ما ينافرها و يضعفها تتألم منه خوف الفناء اذا@اذ خ‌ل@ احب الاشياء لديها انفسها و ابغضها فناؤها فلايعقل الملال من وصول الملائم المقوي ابداً كما لاينقل و اتوا به متشابهاً فما ترون من الملالات بوصول المتشابهات في الدنيا فلاجل ان الانسان في الدنيا له مقاصد عديدة و همم مختلفة متشتتة و ليس همه هماً واحداً ليلتذ من وصول الشي‏ء الواحد الملائم دائماً فحين كونه مشتغلاً باستماع الصوت الحسن الملائم تذكر جوعه و عطشه مثلاً فالتفت الي الغذاء و الماء و طلبهما اكثر من طلبه للصوت الملائم فأخذه الملال منه و طلب الجديد الذي هو الغذاء فان اشبع منه او التفت الي محبوب او مطلوب اهم عنده من الاكل كجلب المنافع و دفع المضار اخذه الملال من الاكل و هكذا ساير الملالات من سائر الامور حصلت للانسان لتوارد الامور التي هي اهم عنده و الذ فأعرض عن هذه و اقبل الي هذه فليس الملال من اجل وصول الشي‏ء الملائم دائماً فتنبه.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 206 *»

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اهل الجنة لايشغلهم شأن عن شأن مما هم فيه فلايصرفهم زيارة النبي9 عن زيارة الرب جلّ‏شأنه و ماحصل له الملال منها ابداً لانها يقويه و زاده نوراً و بهاء و كذا العكس لعدم التزاحم بين المشعرين و المزورين فان مشعر التوحيد هو الفؤاد الذي ماكذب ما رأي و مشعر ادراك النبي9 هو العقل و هو9 العقل الكل فيزار بعقل المؤمن و العقل لايمانع الفؤاد في رؤيته كما لايمانع الفؤاد العقل في يقينه بالنبي9 و لاسيما في يوم الجمع و يوم القيمة الذي يجتمع فيه النقيضات من الافعال كما عرفت آنفاً ان‌شاء‌اللّه تعالي.

و اما قولكم و ان قلتم ان جميع ذلك يحصل لهم علي حسب نياتهم و اراداتهم قلت ما الباعث لتبديل النية و تغيير الارادة و الحال ان الارادة النفسانية الاخروية لاتتغير و لاتتبدل الي آخر قولكم فقد مر الجواب آنفاً و الحمد للّه فانهم غير محتاجين الي تغيير الارادة لعدم الملال و لايشغلهم ارادة شي‏ء عن ارادة شي‏ء آخر الا انهم ازدادو حباً و ارادة في كل ما يريدونه لتقويهم بتلك المرادات و لا غاية لذلك الازدياد و لا نهاية لان المادة الملكوتية جوهرة قابلة للتصور بالصور الي غير النهاية كما ان الجسم الجوهري قابل للتصور بالصور الي غير النهاية غاية الامر ان التدرجات الدنيوية و المثالية ليست في الملكوت ولكن التدرجات الملكوتية كانت فيه و صعدوا في المدارج في تلك التدرجات الملكوتية الي غير النهاية ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فقاعدة التدرجات في الدنيا و بلغ رأس مخروطها تحت المشية و بيانها في هذه العجالة مما يطول.

و اما قولكم و كيف يجدون ما عملوا حاضراً و الحال ان بعض اعمالهم نقيض بعضها و ان قلتم انتم في هذه الدنيا في انفسكم ايضاً هكذا فان جميع الاعمال في النفس حاضرة قلت ليس نومي و يقظتي في نفسي ممتازاً الي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 207 *»

آخر قولكم فقد مرت الاشارة و الحمد للّه بأن كل عمل غير عمل آخر و ان كانا مثلين كصلوتين فضلاً عن النقيضين ولكنكم كنتم بالحركة متحركون و بالسكون ساكنون ظاهر لكل واحد منهما به لا بذاتكم و لا بصفة اخري غير نفسه فما مر من اعماركم و ما عملتم فيها حاضرة يوم القيمة كما تفعلون في استقبالكم و كلاهما معدومان في حالكم الدنيوية و جميع الحالات الثلث حاضرة يوم القيمة كل حال غير حال اخري بل كل يوم غير يوم آخر بل كل آن غير آن آخر و الاعياد التي منها الجمعة زينت بين ساير الايام و السر في ذلك ما اشرنا اليه ان الفعل لاينفصل([17]) عن الفاعل سواء@سواءاً خ‌ل@ كان حركة او سكوناً الا ان‏يكون الفاعل فانياً كالفواعل الدنيوية و اما العاملون الباقون كانت اعمالهم باقية ببقائهم غير فانية و كل واحد غير غيره غير مزاحم هنالك اللهم الا ان‏يصدر فعل من نفس الاعراض من غير قصد من الانسان فليس من الانسان و لا اليه كحركة النائم و امثالها.

و اما قولكم كما يمتاز و ينفصل الابصار عن الاستماع في العين و الاذن لا الروح البخاري الي آخر قولكم فقد مر الجواب منه بأن الالوان و الاضواء غير الاصوات عند انفسكم و عند جميع النفوس و عند اللّه تبارك و تعالي فان علمه تعالي مطابق للمعلومات غير مخالف للزوم الجهل و الكذب تعالي اللّه عن ذلك و الالوان و الاضواء غير الاصوات ببداهة العقول بل كل لون غير لون آخر و كل صوت غير صوت آخر@الصوت الآخر خ‌ل@ و لايشتبه عليه الاصوات.

و اما سر تألم من تألم و عذاب من تعذب في الاخرة فالتألم هو احساس المنافرة من المولم المنافر المخالف المضعف المفني فالتألم من فعل المتألم و الايلام من فعل المولم كالقطع من السيف و الانقطاع من العضو المنقطع و ذلك ظاهر عندكم ان شاء اللّه.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 208 *»

و اما قولكم كيف يتألم الكفار من اعمالهم و عقائدهم مع ان انفسهم و حقيقتهم تتلذذ منها و الحالة النفسانية الاخروية لاتتغير الي آخر قولكم فلعمركم ان الحكماء الذين حسبوا انفسهم بلغاء في الحكمة لفي سكرة يعمهون في تلك المسألة فحسبوا ان التذاذهم من اعمالهم و عقائدهم عذب لهم لا عذاب و الم و استدلوا لنجاة اهل النار بذلك و يحسبون انهم يحسنون صنعاً و يعرفون حقائق الاشياء علي ما هي عليه بالقطع و اليقين و يأولون الاخبار و الايات الي مراداتهم ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و يصيرون بذلك من النار في الم اشد من الم الكفار في اسفل سافلين من حيث لايشعرون و هم لايعلمون الا ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون و سيعلمون ان ظنون اهل الظاهر احكم من زعمهم و زعمهم اوهن من بيت العنكبوت مع انه اوهن البيوت. بالجملة فلاتغفل من ان اللّه جلّ‏شأنه لو امضي لكل من احب شيئاً ما احبه في الدنيا و الاخرة لماارسل الرسل و لماانزل الكتب و لماامر بشي‏ء و لو اكره و لمانهي عن شي‏ء و ان احب و لماوعد و اوعد و ماشرع الشرايع و الاحكام و ماجعل لكل شي‏ء حداً محدوداً الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.

فاعلم ان لكل شي‏ء من الاشياء آثاراً ضارة و آثاراً نافعة و النافعة ليست بنافعة مطلقاً و الضارة ليست بضارة مطلقاً فكم من نافع نافع في قدر معين ضار في قدر ازيد او اقل و كم من ضار ضار في قدر مقدر نافع في قدر اقل او اكثر و كم من نافع نافع منفرداً ضار مركباً مع نافع آخر و كم من نافع نافع في وقت ضار في وقت آخر و كم من نافع نافع في مكان ضار في مكان آخر و كم من نافع نافع في سن ضار في سن آخر و كذا الضار بالعكس و كم من نافع نافع لونه ضار طعمه و بالعكس و كم من نافع نافع ريحه ضار طعمه و بالعكس و كم من نافع نافع صوته ضار طعمه مثلاً و كم من نافع نافع لمسه ضار اكله مثلاً و كم من نافع نافع حمله ضار اكله

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 209 *»

مثلاً و كم من نافع نافع بقصد خاص ضار بقصد آخر فتلك انموزجة من جهات منافع الاشياء و مضارها و عليكم استعمال النظر في جهاتها النافعة و الضارة التي لايمكن حصرها و كتبها كثرة و ستعلمون بعد الفكر ان شاء اللّه تعالي انه لايعلمها بتمامها الا اللّه وحده لا شريك له و الا نبيه بالوحي او وليه بالتلقي او التابع لهم بالتعليم او التعبد فكم من شي‏ء لذيذ في الذائقة تشتاقه الطباع و النفوس و تحبه و تعشقه و هو مهلك في ساعة بعد حين الاكل كالاغذية اللذيذة المسمومة و الذائقة لاتدركها ابداً و اللّه تعالي‏شأنه عالم بها و العالمون الاخذون منه و كم من منافر مر للذائقة و هي مستنفرة منه متنفرة و هو مقو منج شفاء دافع رافع للداء عسي ان‏تكرهوا شيئاً و هو خير لكم و عسي ان‏تحبوا شيئاً و هو شر لكم، و اللّه يعلم المفسد من المصلح فما قلتم في لذة الكفار في اعمالهم و عقائدهم و اشتياقهم لها في انفسهم و حقيقتهم فذلك اللذة و الاشتياق غرور منهم كغرور آكل الاغذية اللذيذة المسمومة المهلكة و عجلته و استعماله من غير شعور و اعتناء لعاقبتها فنستدرجهم من حيث لايعلمون و املي لهم ان كيدي متين فتدبروا في جهات منافع الاشياء و مضارها حتي تعلموا ان شاء اللّه تعالي ان لا محصي لها الا اللّه فتعلمون ان ما امره اللّه هو النافع و لو امر بالجهاد و قتل النفس و اي شي‏ء اكره في هذه الدنيا منه و ما نهي عنه هو الضار و لو عن معانقة الحور الحسان و اي شي‏ء الذ منها او الرياسات الباطلة لاهل الباطل و اي شي‏ء احب عندهم منها ان الذين يكنزون الذهب و الفضة و لاينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب اليم يوم يُحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون و اي شي‏ء احب لهم. فالمضار التي في مخالفة اللّه و رسله و اوليائه: غير مشكوكة للمؤمنين و كثير منها مشهودة للعقلاء و ان اغتر و عجل فيها السفهاء.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 210 *»

و سر ذلك علي نحو الاشارة ان مقتضيات عالم المواد من هذه الدنيا الي الطبايع الغيبية و آثارها هي الفناء و الدثور و من اكتسب منها باغترار الغرور علي خلاف ما جاء من عند الدائم الباقي جلّ‏جلاله تقتضي تلك الاثار المكتسبة افناء المكتسب و المادة المكتسبة التي هي من المجردات الملكوتية بنفسها تقتضي الدوام و الخلود فهي تحيي تلك المكتسبات باقتضائها و هي تميتها باقتضاء فنائها و دثورها فالمركب منها لايموت فيها و لايحيي.

فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا   و ان لم‏يكن فهم فتأخذه عنا

اذ هو مأخوذ من الوحي معقول غير منكور و قل ما يوجد شي‏ء احب من الولد عند والديه في الدنيا و هم في الرؤيا في صورة الحيات المفنية للحيوة و ما احب شيئاً عند من احب الدينار و الدرهم و هما في صورة العذرة المنتنة في الرؤيا و هكذا سرورها حزن و حزنها سرور و ضحكها بكاء و بكاؤها ضحك و عرسها عزاء و عزاؤها عرس الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا فما تدري اوضاع عالم الملكوت و تأثير اوضاع الدنيا الفانية فيه الا بالتسليم للوحي المنزل و اليقين بصدق اصدق الصادقين و من اصدق من اللّه قيلاً فأهل النار في ملكاتهم معذبون و هم في الدنيا مغرورون بمتاعها متلذذون بمسموماتها.

و اما كيفية رؤية المومن من اوضاع هذه الدنيا بل و الكافر و كيفية رؤيتهم ما لم‏يروه في الدنيا فاعلم ان الاشباح من كل شاخص تنفصل من كل جانب الي ما لا نهاية له و تظهرها المرآة كما تري فان لم‏تظهرها لم‏تكن من محالها معدومة ممحوة و ان لم‏يظهر في الهواء@لم‌يظهرها الهواء خ‌ل@ و ساير الاجسام و كيفية اظهار المرآة لها هي التكيف و التلون بلون الشاخص المقابل و تفصيل ذلك مما يطول و انتم غير محتاجين الي التفصيل و الحمدللّه فان اردتم زيادة في العلم فعليكم بالنظر و الفكر في كتاب المناظر فانه مغن لكل ناظر و قد حقق ان الانسان و الحيوان يري ما يري بانطباع عكوس من الشواخص

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 211 *»

في عينه كانطباعها في المرآة فانطبعت اولاً الي سطح ظاهر المقلة ثم منه الي الجليدية ثم منها الي الروح البخارية التي في الجليدية ثم منها الي الحيوة المشتعلة فيها اشتعال النار في الدخان و الدخان بالنار فلما كانت الحيوة مدركة ادركت ما في نفسها من الاشباح بخلاف نفس الروح البخارية من غير حيوة و نفس الجليدية و سطح المقلة فانها كالمرآة الجمادية غير شاعرة و لادراكة بما انطبع فيها و ان انطبع فيها فتذكر ان امر وقوع الاشباح و انطباعها امر طبيعي واقعي([18]) غير مخصوص بشي‏ء دون شي‏ء الا بالخفاء و الظهور و الادراك و عدم الادراك فاعلم انها واقعة في جميع الاجسام و ان كانت في بعضها خفية و تنعكس من ظواهر سطوحها الي البخارات التي في اجوافها كانعكاسها من سطح ظاهر المقلة الي الجليدية او منها الي الروح البخارية و تنعكس من لطائف الاجسام الي الحيوة الكلية العامة المسماة في الانسان بالحس المشترك فان الطبيعة لاتغلط.

و قد علمتم ان الحصة من الحيوة الكلية في الانسان متعينة بتعينه مخصوصة به قد حصل لها عين بوساطة هذه العين الظاهرة التي هي المقلة مع ما فيها من الروح البخارية غير هذه المقلة و كذا حصل لها اذن غير هذه الاذن الظاهرة و ان حصلت بوساطتها اولاً و كذلك حصل لها شم و ذوق و لمس بوساطة الشامة و الذائقة و اللامسة الظاهرة و هي غير هذه الظاهرة و مدركاتها غير مدركات هذه و ان تشابهت بل حصلت لها مشتهيات من مشتهيات هذه و هي غير هذه المشتهيات فتدبر في نفسك تجد ان شاء اللّه ان هذه الحواس الظاهرة لتلك الحواس كالمنظرات الالات لها في ادراك نقوش هذه الظواهر و خطوطها و تجد تلك الحواس لك متعينة كل حاسة غير الاخري و تجد مدركات كل واحدة منها غير مدركات الاخري و تجد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 212 *»

تلك المدركات بأسرها غير المدركات الظاهرة بتمامها و تجد تلك الحواس غير المشاعر الباطنية المثالية فانک تجد نفسك في المنام كما تجد في اليقظة ان‏تصور الالوان و الاشكال و الاصوات و المشمومات و المذوقات و الملموسات غير ما تدركها بالحواس كالحواس الظاهرة و تصور مدركاتها بالخيال اماتري في المنام الواناً و اشكالاً و اضواء بعينك و هذه العين الظاهرة نائمة في الليل في ظلمة و النور و الظلمة لديها علي سواء لنومها و عدم ادراكها و كذا تسمع باذنك اصواتاً و تتكلم بكلمات و تستخبر اخباراً و تخبر بأخبار و تتعلم علوماً و تعلم علوماً بلسانك و تذوق طعوماً بذائقتك و تشم روايح بشامتك و تلمس ملموسات بلامستك و تعطي و تأخذ بيدك و تمشي برجليك و تجامع بآلاته و تجد ان تلك الحواس و الجوارح كلها غير مشاعرك الباطنة المثالية كما تجد حواسك و جوارحك في اليقظة غير الخيالات الباطنة و تعلم بالقطع و اليقين انها غير الخيالات فلم‏تشك في جوارح الحس المشترك و حواسه و مدركاتها انها غير المشاعر المثالية الباطنية و قل من فرق بين البدن الهورقلياوي و بين مشاعره المثالية و زعم الاكثرون ان الرؤيا من عالم المثال و من جنس الخيالات لما يدركون انه غير هذا البدن الدنيوي المعروف و وجود البدن الهورقلياوي بين كوجود هذا البدن المعروف و امتيازه من الخيالات بين كامتياز هذا البدن.

بالجملة فبعد الموت يري ذلك البدن الهورقلياوي و يسمع بعينه و اذنه و يسأل و يجيب بلسانه و يعبر عن تصوراته و تصديقاته و معتقداته و ضمائره الغيبية بلسانه و ضمائره مخفية عن النكير و المنكر و هما محتاجان الي السؤال عنها و الجواب بلسانه حتي يعلما انه مؤمن او كافر و ذلك البدن هو الذي يخد الي قبره اخدود من الجنة يفوح عليها منها روح و ريحان او اخدود من النار يصل اليه فوح من جهنم نعوذ باللّه و ذلك البدن يحس و يلتذ بحواسه من روح الجنة و يتألم من فوح جهنم فكذا

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 213 *»

يحس بأوضاع هذا العالم بواسطة الاشباح المنفصلة المنطبعة في عالم هورقليا و يحس بزائره و يسمع القراءات و الدعوات و السلام عليه و يرد الجواب و يدعو لزائره و يستغفر له و يعرف وليه و عدوه.

و ان قلت فاذا كان البدن الهورقلياوي يحس و يري و يسمع و يتكلم فهو حي فكيف يكون ميتاً مدفوناً مقبوراً قلت قد اوضحنا قبل ذلك معني الموت فلانعيد خوف التطويل و التكرار فراجع و قل من يعرف ذلك و كذلك يحصل له العلوم بالتعلم عند العلماء و الحجج: و يحصل لهم ترقيات ان كان لهم مشعر حصل بذره من ارض الدنيا و الا فلا و الالات الظاهرة الدنيوية المعروفة تحتاج اليها لتعيين ذلك البدن الهورقلياوي و حصول جوارحه و اعضائه و حواسه و اما بعد التعين فلايحتاج اليها كقالب اللبنة يحتاج اليه اولاً و يستغني عنه بعد حين و اما قوله تعالي من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي فالمراد هو عمي القلب لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور فان اردت المعني بضرب من التأويل في عمي البصر الظاهر فالاعمي الخلقي لايتعين له في عالم الهورقليا لبدنه الهورقلياوي بصر هورقلياوي فلايعلم و لايدرك هذه الالوان المعروفة و كذلك في الاخرة لا علم له بها و ان ادرك الالوان الاخروية ببصره الاخروي و بصيرته و اما امتياز نوع الرجل عن نوع المرأة فبما يعملون و يفعلون في هذه الدنيا فالرجل يعلم الرجولية و يفعل بمقتضاها و يشتهي الفعل و يلتذ به و المرأة لاتعلم و لاتفعل بمقتضي الرجولية و لاتشتهيها و تعلم انها محتاجة الي الرجل و فعله و تحب الرجل لفعله لحصول انفعالها و تشتهيه و كذا الرجل لايحس بكيفية لذة المرأة عن الانفعال و لايلتذ به و المأبون فيه عرق من النساء. بالجملة كل احد يحشر بما هو فيه و عليه و يمتاز عن غيره بعلمه و عمله و يعلم امتيازه عن غيره بما وجده فيه و لايجده في غيره و بما وجده في غيره و لايجده فيه و لقد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 214 *»

علمتم النشأة الاولي فلولا تذكرون.

و اما اتيان مسجد الكوفة و امثاله من الجمادات في الاخرة و الايام و الاعياد فتأتي بصورتها الاخروية لا الدنيوية و هي حقيقة هذه الامكنة و الازمنة المعروفة كاتيان الاكفان و شرح ذلك في كتاب الارشاد و لاتبقي باقية بعده فمسجد الكوفة محل سجود الولي و الامام بالحق امير المؤمنين عليه صلوات المصلين و محل سجود المأمومين المقتدين من شيعته کما ان يوم الجمعة يوم اجتماع المأمومين من اهل البلد و من اربعة جانب الي فرسخين و يوم الترافع و اقامة الشهود العدل عند الامام العدل7 و حضور قاضيه و حضور الخداد@الحداد خ‌ل@ و يوم الحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و امثال ذلك و اما اقتصاص بعض الحيوانات و الجماء عن القرناء فقد روي فيه بعض روايات عامية ليست من اهل العصمة: نعم ما كان منهم: ركوب الحاج و ذوي القربان قربانهم في الجنة و هي مركوبة لهم فتلك المركبات حقايق هذه القربانات كحقايق الاكفان لا صورها الدنياوية([19]) فهي تعود عود ممازجة لا عود مجاورة اذ الجنة مقام لقاء الرب جلّ‏شأنه فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً و لن‏ينال اللّهَ لحومُها و لا دماؤُها ولكن يناله التقوي منكم، و لباس التقوي ذلك خير و الحمد للّه و كفي و السلام علي اهل التقوي.

قال ايده اللّه تعالي: المسألة الثالثة؛ ان‏تمنوا علينا ببيان السلسلة العرضية و الطولية بلسان طبيعي كما يري في بعض دروسكم و مباحثاتكم شطر منها فالمرجو بيانها هكذا من البدو الي الختم و السلام عليكم و علي من احبكم و رحمة اللّه و بركاته.

اقول: قد علمتم بكثرة مشغلتي و اختلال حالاتي عن البسط في المقال فيما سألتم و قد سألتم البدء و الختم و هو سؤال عن جميع طبقات الخلق

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 215 *»

بمراتبها و في ذكرها بالتفصيل و اقامة الدليل و عدم الانس من اغلب الناس و عنادهم لمر الحق الحقيق مما لايجوز ولكنكم اهل للجواب لما فيكم الاعراض عن السراب و الملالة عن الجراب و الحمد للّه و قد كتبت في ذلك علي نحو الكلية رسالة مسماة بالتحفة النجفية لما كتبتها حين التشرف بتلك الحضرة العلية عليه و علي اخيه من قبل و زوجه و اولاده الطيبين الطاهرين آلاف التحية من اللّه جلّ‏جلاله كما هو اهله و كما هم اهله و فيها الغنية و البلغة لمن نظر و استبصر و الاشارة لاهل البشارة ان جميع النسب الكائنة بين الاشياء تؤل الي اربع لا خامس لها فهي اما نسبة محدود الي محدود آخر من جنسه او نسبة المحدودات المتجانسة الي غير محدود بحدودها ظاهر فيها علي السواء او نسبة الغيب الي الشهود و الروح الي البدن او نسبة مادة الشي‏ء الي صورته و وجوده الي ماهيته اما نسبة محدود الي محدود من جنسه و هي المسماة بالسلسلة العرضية الصرفة لوقوعهما في عرض واحد و عرصة واحدة فتلك النسبة هي نسبة بينونة العزلة لعزلة كل واحد عن الاخر بمادتهما و صورتهما و مكانهما و زمانهما و كل ما يمتاز به كل واحد عن غيره فلايعقل ان‏يكون احدهما فاعلاً و الاخر فعلاً له و احدهما علة و الاخر معلولاً له و احدهما مادة و الاخر صورة له و احدهما روحاً و الاخر بدناً له و ذلك كنسبة زيد الي عمرو و نسبة اب الي ابن و نسبة رجل الي امرأة و نسبة جماد الي جماد و نبات الي نبات و حيوان الي حيوان و انسان الي انسان و سماء الي ارض و كوكب الي كوكب و جبل الي جبل و هكذا و ذلك ظاهر مشهود و واضح لائح غير مستور ان احد المحدودين المباينين لو اعطي مادته او صورته او كليهما غيره لفني و غيره غير مفتقر الي مادة غيره و صورته و هو واجد لنفسه مادته و صورته فلايعقل ان‏يكون احدهما فاعلاً و الاخر فعلاً له بجميع معاني الفعل و معاني الفاعل.

و اما نسبة المحدودات المتعددة الي غير محدود بحدودها فهي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 216 *»

المسماة بالطولية الصرفة و ذلك كنسبة كل مطلق عن حدود ظاهر فيها لا كظهور محدود منها في حدوده لخروجه منها لا كخروج محدود عن محدود مبائن معزول و ذلك كنسبة كل فاعل الي فعله بجميع معاني الفعل و الفاعل فالفعل بمادته و صورته و جميع ما هو به هو صادر عن فاعله مستغن به عن غيره فهو غير مبائن عنه عزلة و ان كان غيره صفة اذ صفته ان‏يوجد بفاعله بجميع ما به هو هو و اوجده فاعله به و هو بنفسه اوجده او هو صفة و الفاعل متصف بها و موصوف له و الموصوف غير صفته و الصفة غير موصوفها بغيرية الصفة لا بغيرية العزلة فالموصوف غير كل صفة من صفاته لانه واحد و صفاته متعددة و الواحد غير المتعدد و المتعدد غير الواحد و كل صفة من صفاته غير صفة اخري له بمادتها و صورتها و جميع ما به هي هي مباينة عن غيرها بينونة عزلة و هي كلها و بعضها و موادها و صورها و جميع ما به هي هي صادرة عن موصوفها غير مباينة عنه بينونة عزلة فهي هو وجوداً و عياناً و شهوداً و ظهوراً لا فرق بينه و بينها و هي غيره احاطة و وحدة و دخولاً في الكل و خروجاً عن الكل بدخول عين خروج و خروج عين دخول فهي عباده و صفاته و اسماؤه لا ذاته و ذلك كزيد و قيامه و قعوده و ركوعه و سجوده و حركته و سكونه فهو القائم القاعد الراكع الساجد المتحرك الساكن و هو واحد و هي متعددات و هي غيره و هو غيرها وحدة و كثرة.

و اما نسبة الغيب الي الشهود فالغيب غير الشهود بداهة و الغيب غيب ابداً بالنسبة الي شهوده و الشهود شهود ابداً بالنسبة الي غيبه كالروح و الجسد فالغيب([20]) القي فعله في هوية البدن و اظهر منه افعاله في عالم البدن فلا حراك للبدن الا بالروح و لا تعين للروح في فعله الخاص الا في البدن فاذا نطق البدن كشف عن نطق الروح و اذا سكت كشف عن سكوت الروح و هكذا حركته حركتها و سكونه سكونها و امره امرها و نهيه نهيها و معاملته معاملتها و مبايعته مبايعتها و هكذا في جميع ما اظهرتها في

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 217 *»

عالم البدن و هي غيب و البدن في عالم الشهادة في كل غيب و شهادة علي حسبهما فتلك النسبة تسمي بالقشر و اللب و التنزل و المتنزل و النزول و الصعود و قد تسمي بالسلسلة العرضية لتقارب الروح و البدن و تشاكلهما و تشابههما و تناسبهما و كونهما من عرض واحد و عرصة واحدة و هي عرصة الامكان الجايز و لكون الروح غيباً محركاً للبدن و البدن ظاهراً متحركاً بها سميت بالسلسلة العرضية المترتبة لترتب فعل البدن علي فعل الروح بخلاف العرض الواحد الذي وقع فيهما زيد و عمرو و لعدم ترتب فعل زيد علي فعل عمرو و قد تسمي بالطولية في مقابلة العرضية الصرفة للامتياز بينهما و لاجل افاضة الغيب العالي المتصرف جميع فيوضه الي الداني المستفيض المسخر الذي لا حول له و لا قوة الا بالعالي القادر القاهر فلاتغفل و لاتكن من الغافلين لتفوز مع الفائزين و قل الحمد للّه رب العالمين.

و اما نسبة المادة الي الصورة فالمادة اعلي رتبة من الصورة و ان كانتا متضايفتين الا ان قوام الصورة و تحققها بالمادة و ظهور المادة و تعينها بالصورة في كل مقام بحسبه و هما معاً ركنا شي‏ء واحد و بهما صار كل شي‏ء نفسه و كل شي‏ء زوج تركيبي و جريان امرهما في كل مقام علي حسب ذلك المقام لايخلو من اشكال و ضلت فيه الاحلام و زلت فيه الاقدام فان اردت تفصيل ذلك فعليك بالرسالة المسماة بالكليات بالجملة فهذه السلاسل الثلث واقعة في كل مقام كما ان النسب الاربعة واقعة في كل مقام فعليكم بالتدبر و التفكر و علي اللّه قصد السبيل و الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين و قد وقع الفراغ عصر الجمعة الخامس و العشرين من الجمادي الاخرة من شهور سنة 1297 حامداً مصلياً مستغفراً.

 

 

([1]) اجوبة مسائل المرحوم الحاج محمد صادق الكرماني. الناشر

([2]) بأني اردت ان‏اروعهم. خ‌ل

([3]) المقروء. خ‌ل

([4]) المصرحين. خ‌ل

([5]) يوم القيمة. خ‌ل

([6]) و قد استحق لاجل موجب النار. خ‌ل

([7]) عليم حكيم. خ‌ل

([8]) النفس. خ‌ل

([9]) فبما. خ‌ل

([10]) الاعتقادات. خ‌ل

([11]) من. خ‌ل

([12]) افرأيتم. خ‌ل

([13]) الباطنية. خ‌ل

([14]) عن النفس. خ‌ل

([15]) و هو بالهزل. خ‌ل

([16]) اذ. خ‌ل

([17]) لايعقل انفصاله. خ‌ل

([18]) واقع. خ‌ل

([19]) الدنيوية. خ‌ل

([20]) فالروح. خ‌ل