رسالة اجوبة مسائل السيد علي الزنوزي
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
فهرس الرسالة الثالثة
السؤال: ما المراد من السلسلة الطولية و انها في اي مقام اهي في الشرع و الکون و الامکان جميعاً ام في الشرع و الکون و ليست في الامکان ام في الشرع فقط و ليست فيهما؟
الجواب
السؤال: ما المراد من الشرع و الکون و الوجود الشرعي و الکوني و الشرع الوجودي و الکوني؟
الجواب
السؤال: اذا قلنا انها (السلسلة الطولية) ليست في الامکان فاي امکان هذا هو الراجح ام الجائز؟
الجواب
السؤال: ما الفرق بين الاثر و المؤثر و بين القطب و الدائرة؟
الجواب
السؤال: لماذا لميعدوا رضوان الله عليهم المشية من المراتب الثمانية لتکون مثلاً تاسع المراتب و لم صارت المراتب ثمانية لا زائداً عنها و لا ناقصاً؟
الجواب
السؤال: هل يجوز للعوام العمل بالجامع و الهداية ام يجب التفحص عمن له اهلية رواية الاحکام و ما حد التفحص اهو السفر الي البلاد النائية ام الاستعلام من الصادر و الوارد و بالمکاتبات؟
الجواب
«* الرسائل جلد 3 صفحه 152 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام علي سيد المرسلين محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.
اما بعد فيقول العبد المقصر القاصر محمد باقر غفر اللّه له و لوالديه و لجميع المؤمنين ان السيد السند و الولي العلي المستند المعتمد السيد علي الزنوزي لازال كاسمه علياً ارسل الينا الكتاب و امرنا فيه بالخطاب بشرح الجواب علي طريق الصواب فجعلت عباراته العلية مقدماً ليكون الجواب تاليه كما هو العادة من السادة و علي اللّه قصد السبيل باقامة البرهان و الدليل و منها جائر و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.
قال سلمه اللّه تعالي: بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه الذي جعل بيننا و بين القري المباركة صلوات اللّه عليهم قري ظاهرة و قدرنا فيها السير فيسير السائرون فيها ليالي و اياماً آمنين و الصلوة و السلام علي سيد الاولين و الاخرين محمد و عترته الميامين و علي العدول من شيعتهم الذين ينفون عن دين اللّه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و بعد فان المأمول من الجناب المعظم و المولي المكرم ذخر المتقدمين و فخر المتأخرين ادام اللّه ظلال افاضاته علي رؤس الايتام بحق اوليائه الكرام انيمنوا علينا ببيان السلسلة الطولية التي يتداولها المشايخ انار اللّه براهينهم و جعلنا من مواليهم و محبيهم في عباراتهم و رسائلهم ما حقيقتها و في اي مقام اهي في الشرع و الكون و الامكان جميعاً ام في الشرع و الكون و ليست في الامكان ام في الشرع فقط و ليست فيهما كما يشير اليه بعض عباراتهم اعلي اللّه مقامهم بل يصرح به مولانا الاكرم و مقتدانا الافخم
«* الرسائل جلد 3 صفحه 153 *»
قدس اللّه سره في رسالة الاميرزا مهدي.
اقول: و باللّه التوفيق المأمول بوساطة آل الرسول عليهم من الصلوات اسناها و من التسليمات ابهاها ان الطول واقع بين كل فاعل و فعله و كل مؤثر و اثره و كل علة و معلوله و امثال ذلك لايخص بفاعل و فعله دون فاعل و فعله و لايختص بمؤثر و اثره دون غيرهما و لايوجد في الوجود موجود الا انيكون فاعلاً لفعل او فعلاً لفاعل لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فتفطن ذلك و اعتبر من نفسك و من غيرك من الافاق و الانفس تجد كذلك ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فيكون الطول في الشرع شرعياً و في الكون كونياً و في الامكان امكانياً نعم ليس الشرعي كونياً و امكانياً و كذا العكس اما ما لميكن فاعلاً و لا فعلاً لفاعل فغير معقول و لا منقول فالمراد من الطول في اصطلاحنا هو صدور الفعل من الفاعل به لا بذاته اي ذات الفاعل و لا بشيء آخر سوي نفسه اي نفس الفعل كما تري ذلك في نفسك و في جميع الفواعل و افعالها فأنت اذا قمت تحدث قيامك بنفسه لا بشيء آخر من قعودك و سجودك و ركوعك و لا بذاتك فانك انت القاعد في قعودك و انت القائم قبل قعودك و قعودك غير قيامك مباين معه بتباين التناقض فضلاً عن تباين التضاد او التخالف اذ يمتنع انتكون قائماً حين كونك قاعداً فوجود قيامك مزيل لقعودك كما ان وجود قعودك مفني لقيامك فلو كنت انت بذاتك قائماً قاعداً لكنت في آن واحد موجوداً معدوماً و لايعقل ذلك عقلاً و نقلاً.
فأنت انت تحدث قيامك به دون غيره و تحدث قعودك به دون غيره و لاتأخذ من غير فعلك من سائر الاشياء من الدرة الي الذرة مادة لقيامك و قعودك و لا من ذاتك و لا من فعلك الكلي الذي له الصورة الكلية الاتري ان جميع قوتك و فعلك غير محصور بصورة قيامك او قعودك فتأخذ من فعلك المقيد بقيد القيام مادة لقيامك حين قيامك لا قبله فتحدثه به من
«* الرسائل جلد 3 صفحه 154 *»
مادته المقيدة التي هي ظهور من فعلك الكلي به و تصورها بصورته المخصوصة به لا علي احتذاء صورة اخري من صور سائر افعالك و ليست مادته قبل صورته مقيدة و لا صورته قبل مادته مشخصة و هما مساوقتان في الوجود كالكسر و الانكسار الا ان الكسر صادر من الكاسر و الانكسار صادر من المنكسر فمادة قيامك وجدت حين صورته و صورته وجدت حين مادته الا ان مادته وقعت في مقام اعلي يكون ظهورها بصورته و صورته ادني يكون تحققه بمادته في مكان وجوده و انت انت قبل انتحدث قيامك به و قبل انتحدث مادته بها و صورته بها اي بمادتها فهو شيء موجود ممتاز عن ماسواه من سائر افعالك و غيرها محدث لك و انت محدثه له به منه عليه فيه وحدك لا شريك لك و لو لمتحدثه لميكن و لمتكن مادته و لا صورته و لا وقته و لا مكانه و لا جهته و لا رتبته و لا شيء مما له و انما انت محدث جميع ذلك في وقت و مكان و جهة و رتبة في ملك اللّه ممهده لذلك بتقدير العزيز العليم لست محدثاً لها و لها محدث غيرك من امر اللّه تبارك و تعالي. بالجملة ليس شيء مما هو قيامك به هو مستغنياً عنك بحيث يمتنع صدور شيء منها من غيرك فتفطن تجد كذلك في احداثك سائر افعالك و تلك الافعال هي مفعولاتك المطلقة المصطلحة باصطلاح النحو و هكذا فعل كل فاعل في الافاق و الانفس في جميع المراتب من عرف ذلك في شيء من الاشياء عرف كيفية صدور الفعل من الفاعل في جميعها و من لميعرف ذلك في شيء من الاشياء لميعرف في شيء من الاشياء و انما يكون معرفته جهلاً مركباً يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئاً.
فاذا عرفت ذلك عرفت ان مراتب الطول لاتحصي و انما احصاها محدث الاشياء اذ هي جارية في جميع الاشياء و عددها بعدد الجميع عند محصيها و سر عد الثمانية يأتي انشاءاللّه لدي السؤال عنها فترقب نعم يمكن
«* الرسائل جلد 3 صفحه 155 *»
للعقل المستنير من النقل انيقسم الجميع بالانواع الثلثة المذكورة بالحصر اذ لكل شيء امكان و كون و شرع فامكانه هو الصالح للظهور بكون مخصوص و غيره الي ما لايتناهي و كونه هو المخصوص به دون غيره في عرصة النهاية و شرعه هو قبول امر الامر او التخلف عنه و لايوجد شيء في ملك اللّه تعالي لايوجد فيه هذه الثلثة فالقبول و التخلف فرعان لامر الامر فما لميقم الامر بالامر لايعقل القبول و التخلف و لاينقل قال تعالي كان الناس امة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين، فمنهم من آمن و منهم من كفر فقبل بعث النبيين ماكان الناس بمؤمنين و لا بكافرين و لا مطيعين و لا عاصين بل كانوا امة واحدة ممتازين غير مصورين بصورة الايمان و الكفر و النور و الظلمة فاذا اقام اللّه تعالي قائماً مقامه في الاداء و بشر و انذر بلسان بليغ صار المطيع مطيعاً و المتخلف متخلفاً و صار امره اي تبشيره و انذاره مادة طيبة طاهرة مطهرة فصارت في بطن القبول و الامتثال مصورة بالايمان المخصوص بالمتصور بها كقطر الماء في الاصداف دراً كما صارت في بطن التخلف مصورة بالكفر ففي بطن الافاعي صار سماً فسلاسل الايمان و النور في جميع المراتب واقعة بين الامرين و الممتثلين كما ان سلاسل الكفر و الظلمة واقعة بين المنكرين و تابعيهم و هما سلسلتان متقابلتان متضادتان و قد حدثتا بعد قيام القائمين مقام اللّه في العالمين و ليستا في كون الاكوان الذي كانوا فيه امة واحدة غير مؤمنين و لا كافرين و قد كانت اكوانهم امكاناً للقبول و التخلف و لاينافي ذلك كون اكوانهم آثاراً لمؤثرات كونية كما ان اقرارهم و انكارهم اثران لمؤثرات شرعية فتذكر ان للشارعين: اكوان هم بها كانوا و شرع هم به امروا و نهوا فصار امرهم مؤثراً لاثارة الايمان و الكفر في المتشرعين بالاقرار و الانكار كما ان اكوانهم كانت مؤثرة لاكوان المكونين و الفرق بين المقامين واضح لمريده فان المتخلف عن الشارع باق بعد تخلفه كما كان قبل وصول امر
«* الرسائل جلد 3 صفحه 156 *»
الشارع به و المتخلف عن امر المكون معدوم غير موجود و ذلك ظاهر انشاءاللّه.
بالجملة و للاكوان امكان ايضاً كما تري ان النطفة قبل تصورها في الارحام امكان تصلح انتصير ذكراً او انثي فاذا تصورت بصورة الذكورة في الرحم صارت ذكراً و اذا تصورت بصورة الانوثة صارت انثي و لها ايضاً مؤثر قد اثر فيها حتي جعلها نطفة بين الصلب و الترائب و هو غير مؤثر الاكوان الكونية و الاعيان الشرعية فان مؤثر النطفة قد اثر في الصلب و الترائب و مؤثر الاكوان قد اثر في الرحم و مؤثر الايمان و الكفر يؤثر بعد تعلق العقل و الشعور و الحلم بالاكوان فللمشية المطلقة رؤس بعدد ذرات الموجودات كل رأس متعلق بشيء خاص مخصوص به دون غيره بحيث لايصلح لانيتعلق بشيء آخر و ان كانت المشية المطلقة صالحة لانتتعلق بكل شيء كما صرح بذلك الشيخ الاوحد اعلي اللّه مقامه في الفوائد و شرحه و سائر كتبه حيث قال اعلي اللّه مقامه ما معناه ان المشية المطلقة تصلح لانتتعلق بزيد و عمرو و بكر و بحيوان و انسان و نبي و شيطان و بأثر و مؤثر كما قال اعلي اللّه مقامه في بيان رؤس تلك المشية ان الرأس المتعلق بخنصر زيد غير الرأس المتعلق ببنصره و قد فصل في ذلك تفصيلاً فاعرف من ذلك ان الرأس المتعلق بخلق النطف غير الرأس المتعلق بخلق الاكوان كما ان الرأس المتعلق بخلق الايمان و الكفر غير الرأسين المتعلقين بالنطف و الاكوان و كل رأس مخصوص بمرتبة من المراتب لايصلح لمرتبة اخري فالرأس المتعلق بالايمان و الكفر و جميع الشرعيات شرعي و الرأس المتعلق بالاكوان كوني كما ان الرأس المتعلق بالامكانات و النطف امكاني فاذا قال قائل ان المؤثر في الشرعيات يؤثر فيها و هو لايؤثر في الاكوان و الامكان لميكن مراده ان الاكوان و الامكان ليست بآثار لمؤثر بل مراده ان مؤثر الشرعيات شرعي لا غير كما ان
«* الرسائل جلد 3 صفحه 157 *»
مؤثر الاكوان كوني لا غير كما ان مؤثر الامكان امكاني لا غير كما اشار الي ذلك في الرسالة الموسومة بالسلسلة الطولية اعلي اللّه مقامه و زعم الزاعمون انه اعلي اللّه مقامه قد انكر التأثير في الاكوان و ربما اغتر المغتر من بعض عباراته اعلي اللّه مقامه بأنه قد انكر حيث عبر عن اقتضاء مرتبة من المراتب بأنه ليس فيها الترتب و انما هو واقع بين الاشياء المتعددة المتكثرة و قد عبر اعلي اللّه مقامه عن تلك المرتبة بالاكوان فزعم الزاعمون ان مراده اعلي اللّه مقامه هي الاكوان المتقابلة للاعيان او الامكان.
و من اخذ عنه اعلي اللّه مقامه بالمشافهة و العيان علم ان مراده اعلي اللّه مقامه من لفظ الاكوان هو كون الاشياء من حيث هي هي من دون ملاحظة النسب بينها و ليس مراده من الاكوان الاكوان المتقابلة للاعيان و الامكان و مراده اعلي اللّه مقامه ان الترتب واقع بين المرتبتين من حيث كون احدهما مؤثراً و الاخر اثراً له كما ان العلو و الدنو واقعان بين العالي و الداني من حيث كونهما جسماً و جوهراً قابلاً للابعاد فالجوهر القابل للابعاد معني ليس في ذاته و كونه هو اياه علو و لا دنو و ان كان هو الموجود في السماء و الارض فليس جوهرية الارض و ابعادها آثاراً من جوهرية السماء و ابعادها فهما من حيث كونهما اياهما ليس احدهما مؤثراً و الاخر اثراً له و ان كانت المحدثات الارضية السفلية كلها آثاراً من الاباء العلوية السماوية من حيث تأثير السماء في الارض و تأثر الارض من السماء و قل من فرق بينهما فعبر اعلي اللّه مقامه عن كون الاشياء في انفسها هي هي مع قطع النظر عن الترتب بينها بالاكوان و تعلق به من تعلق من الاعيان في اثبات انكاره التأثير في ماسوي الشرعيات و حاشا انيكون كذلك فقولكم ام الشرع فقط و ليست فيهما كما يشير اليه بعض عباراتهم اعلي اللّه مقامهم بل يصرح به مولانا الاكرم و مقتدانا الافخم قدس اللّه سره في
«* الرسائل جلد 3 صفحه 158 *»
رسالة الاميرزا مهدي راجع اليكم صادر عنكم و اختصاص السلسلة الطولية بالشرع فقط دون الاكوان و الامكانات غير مشاراليه من المشايخ و لا مصرح به من مولانا الاكرم اعلي اللّه مقامهم نعم انه اعلي اللّه مقامه صرح في تلك الرسالة و غيره بأن سلسلة النور و الظلمة واقعة في الشرع دون الكون و استدل بقول الشيخ اعلي اللّه مقامه علي مراده بأنه قال مؤمنوا الاناسي آثار للانبياء: و كفارهم آثار رؤساء الضلال و هكذا يقيد الايمان و الكفر و الخبث و الطيب اثبت السلسلتين المتقابلتين في الشرع كما اشار اليه الشيخ اعلي اللّه مقامه و صرح بمراده المشاراليه في تلك الرسالة اعلي اللّه مقامه بالجملة فالطول واقع في الشرائع و الاكوان و الامكانات الجائزة بأسرها كما عرفت.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الجمادات هي المتولدات بين السماء و الارض بدوران السموات و طرح اشعة كواكبها عليها و حل يوابسها في رطبها بالحرارة الفلكية و عقد رطبها في يابسها بالبرودة و القاء امثلتها و آثارها فيها الي انتبلغ قبضة من قبضاتها الي منتهي التدبير علي حسب التقدير فتصير جماداً من الجمادات منسوباً الي كوكب من الكواكب فالجمادات الباردة اليابسة كالرصاص الاسود منسوبة الي زحل البارد اليابس و هو مربيها و هي آثار له و الحارة الرطبة منسوبة الي المشتري و هو مربيها و هي آثار له كالابيض و الحارة اليابسة في الغاية منسوبة الي المريخ الحار اليابس و هو مربيها و هي آثار له كالحديد و الحارة اليابسة المعتدلة منسوبة الي الشمس و هي المربية لها و هي آثارها كالذهب و الحارة الرطبة المعتدلة منسوبة الي الزهرة كالنحاس و الباردة الرطبة غير النضيجة منسوبة الي عطارد كالزيبق و الباردة الرطبة النضيجة المعتدلة منسوبة الي قمر و هو مربيها و هي آثار له كالفضة و هكذا الامر في المعادن غير المنطرقة و سائر الجمادات كالاحجار المعروفة فكل واحد
«* الرسائل جلد 3 صفحه 159 *»
منها بحسب طبعه و خواصه المضبوطة في كتب الطب و امثالها منسوب الي كوكب من الكواكب و هو مؤثر فيه و ذاك اثره و ربما سمي اثر كل كوكب باسم ذلك الكوكب كما لايخفي علي من اطلع من علم الصناعة و اصطلاحات اهله فالفلزات السبع مسميات بأسماء مؤثراتها من الكوكب و لعلك علمت ان النباتات هي صوافي العناصر كما صرح به اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين و الافلاك بأسرها هي صوافي العناصر و لذلك صارت عالية محيطة و صارت العناصر دانية محاطة فظواهر الافلاك و جسمانياتها هي النبات الصافي قد ظهر فيه الجذب و الامساك و الهضم و الدفع الاتري انه يجذب اليه اللطائف كالابخرة و يدفع عنه الغلايظ الثقيلة كالاحجار و ينضج الاثمار و يهضمها و يمسك المياه في ارحام الازهار و بطون القشور الي انينضجها و ما تري في النباتات السفلية من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و النما و الزيادة و النقصان كلها من التأثيرات الفلكية المتر انها لاتنبت في الشتاء و تصير غثاء احوي بالجملة و تأثير العلويات في السفليات مما هو مشاهد لاينكره عاقل فضلاً عن العالم الماهر فلو لميكن الافلاك لميكن جبل و لا حجر و لا شيء من الجمادات فهي كلها آثار للنبات الذي هو جرم الافلاك و جسمها و هو مؤثر لها.
و اما النباتات فهي آثار للحيوان بمعني ان الحيوة كانت في غيب النبات كما تري من حال الاجنة التي في ارحام الامهات انها كانت عند مسقط النطفة جماداً فتصير شيئاً بعد شيء نباتاً بلا حيوة الي انيبلغ النبات مبلغ الكمال فيظهر فيه الحيوة و يمتنع انيصير الجماد حيواناً قبل صعوده الي درجة النبات فبذلك يستدل بأن الحيوة تكون اعلي درجة من النبات فانه لو كانت في درجة النبات لصار الجماد حيواناً قبل البلوغ الي درجة النبات و النبات اذا بلغ مبلغ الكمال و صعد الي منتهي السير و عرج الي عرشه ظهر فيه الحيوة لامحالة لعدم المانع من ظهورها فيه و انت تعلم
«* الرسائل جلد 3 صفحه 160 *»
ان الافلاك بلغت الي غاية الصعود الجسماني بحيث لميبق فضاء الا انها ملأته و لميكن لمحدب العرش الجسماني خلأ و لا ملأ فاقتضي الصعود الذي هو الغاية و النهاية انيظهر في الصاعد روح الحيوة فصارت الافلاك بصعودها حية بالحيوة الغيبية ايها الخلق المطيع الدائب السريع دليل علي الحيوة و الشعور و بروزها من الخفاء الي الظهور و انت تري النبات بعد ظهور الحيوة فيه صارت فيه مؤثرة بحيث اذا فارقت عنه لايبقي فيه الجذب و الامساك و الهضم و الدفع كما تري عياناً من فساد جسم الحيوان الذي هو النبات بعد مفارقة الحيوة عنه فما تري من حركات الافلاك و دورانها و طرح شعلاتها و انوارها الي الارض فهي من تأثير الحيوة المشتعل في دخان جرمها و جسمها كما تري من حركات الحيوان المعروف و تعرف انها من آثار روحه فلو لمتكن حية بالحيوة لمادارت و لماتحركت كما تري من سكون الحجر فما لميحركه محرك خارج عن نفس الحجر من انسان او حيوان او ريح او ماء او غير ذلك لماتحرك الحجر فلذلك الافلاك محركها روحها لا جسمها كالحيوان المعروف و لولا المانع من الاشتغال بأهم الامور في تفصيل الحال لفصلت ما في البال الي المجال ولكن الاشارة كافية لاولي الدراية. بالجملة فما كان في الافلاك من الحركات الظاهرة من الطلوع و الغروب و الباطنة من الجذب و الدفع و الامساك و الهضم و امثالها كلها من آثار الحيوة فهي المؤثرة و النباتات آثارها.
فان قيل ان المتولدات السفلية كلها من آثار العلويات فلماذا قلت ان الجمادات آثار للنبات و النباتات آثار للحيوة.
اقول ذلك كذلك الا ان المراد بيان مراتب المؤثرات و لولا ذلك لكان جميع الموجودات آثار([1]) للمشية المطلقة بلا ريب ولكن المقصود بيان مراتب المؤثرات و آثارها و مواقعها من القرب الاقرب الي المشية
«* الرسائل جلد 3 صفحه 161 *»
و البعد الابعد الذي هو المنتهي فالمؤثر القريب للجمادات هو النبات و ان كانت الحيوة ايضاً مؤثرة فيها بواسطة النبات كما كانت المشية مؤثرة فيها بوسائط عديدة. بالجملة فالمرتبة القريبة من الجمادات هي النبات و القريبة من النبات هي الحيوة و هي بعيدة عن الجمادات بدرجة هي النبات بالجملة فأنت بعد ما عرفت ان السموات بلغت في الصعود غايته فاعلم ان المراتب الغيبية كلها قد تعلقت بها كما تري في الانفس حرفاً بحرف ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فتري النطفة اذا صعدت في اطوارها صارت علقة و هكذا الي انبلغت الي الغاية و كسيت لحماً فتلك المراتب بتمامها مراتب النبات فظهرت بعد ذلك الحيوة و لماتظهر فيه السمع و البصر و الشم و الذوق الي انتولد من البطن الي الخارج فظهرت فيه و ليس فيه التمييز فيميز شيئاً بعد شيء و لمايظهر فيه الخيال و الفكر و امثالهما الي انظهرا فيه شيئاً بعد شيء و لماتظهر فيه النفس القدسية الي انظهرت شيئاً بعد شيء و لمايظهر فيه روح النبوة الي انظهر شيئاً بعد شيء في الانبياء: و لمايظهر فيه عقل الكل الي انظهر فيه شيئاً بعد شيء في الائمة: و لمايظهر الفاتح الي انظهر فيه في الخاتم9 شيئاً بعد شيء فتعلم بذلك ان تلك المراتب كانت في ملك اللّه تعالي و ظهر كل دان بالجسم اول مرة و ما يليه بعده و هكذا الي ان المقدم في الوجود صار مؤخراً في الظهور فاعتبر من ذلك و تبصر من قوله7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا.
فاعلم ان الحركات و الاثار كلها تنتهي الي الواحد القهار به تحركت المتحركات و سكنت السواكن و هو محرك الكل غير متحرك من شيء و كل المتحركات قبلت الحركة منه بلا واسطة او بواسطة او بوسائط فأول ما تحرك بحركته العقل ثم الروح الملكوتية تحركت بحركة المحرك بواسطة العقل المتحرك فدارت سمواتها علي ارضها و تولدت بينهما
«* الرسائل جلد 3 صفحه 162 *»
المواليد الروحانية فتلك الحركات من عرشها الي فرشها الي مواليدها الي حركات مواليدها من آثار المحرك و هو مؤثرها به تحركت متحركاتها و سكنت سواكنها لا حول لها و لا قوة الا به ثم تحركت النفس بتلك الحركة بواسطتين و دارت سمواتها علي ارضها و تولدت المواليد فجميع الحركات من سموات عالم النفس و ارضها و مواليدها و افعال مواليدها كلها من المحرك الاول بوساطة العقل و الروح فهي آثار منفصلة من عالم الروح بلا واسطة و هي مؤثرها القريب و ان كانت آثاراً لمؤثرها البعيد ايضاً بواسطتين كما ان الكتابة اثر القلم و هو مؤثرها القريب كما انها اثر لروح الكاتب بواسطة الجسد و اليد ثم تحركت الطبيعة بحركة المحرك الاول بثلث وسائط فما وجد فيها من الجان و بنيه كلها من آثار النفس و هي المؤثرة القريبة لها ثم المادة تحركت بأربع وسائط و تولدت فيها المواليد و هي آثار قريبة للطبع و هو مؤثرها القريب ثم تحرك المثال بخمس وسائط و حدث فيها المواليد الحيوانية و هي آثار قريبة للمثال و هو@هي خل@ مؤثرها القريب ثم تحرك الجسم بست وسائط فدار العرش و الافلاك علي الارضين فتولدت بينهما الجمادات و قد عرفت سابقاً ان ظواهر الافلاك هي صوافي الاجسام و هي النبات فهو المؤثر القريب لها و هي آثارها القريبة و ان كانت آثاراً للمحرك الاول بسبع وسائط و ما تري فيه من النباتات المعروفة و الاناسي و غيرهم فظواهر ابدانهم هي الجمادات و هي اثر النبات الذي ظاهر الافلاك و اما النباتية التي كالروح فيها فهي اثر للحيوة التي هي روح الافلاك نزلت في غيب اشعة الكواكب الي الارض و اثرت في الجمادات و مخضتها مخض السقاء حتي تفصلت الاجزاء اللطيفة كالزبد عن الغليظة كالرائب الراسب المسمي بالدوغ الفارسية الا ان الاجزاء اللطيفة في النباتات منتشرة في الاجزاء الكثيفة كالدهان في الحبوب كاللوز و الجوز و السمسم و امثالها يستخرج بأدني علاج
«* الرسائل جلد 3 صفحه 163 *»
بحركة و كذلك الحيوة التي في الحيوان هي اثر لمرتبة عالية و هي المادة و كذلك التصورات و التصديقات التي في الاناسي المعروفة ملكات و آثار من الطبع كما ان التوهمات آثار للنفس كما ان العلوم الدهرية التي من النفوس القدسية آثار للروح الملكوتية كما ان البقاء في الفناء و النعيم في الشقاء و الصبر في البلاء و العز في الذل و الفقر في الغناء التي هي صفات الانبياء: آثار للعقل الذي هو اثر امر اللّه و روحه التي نفخت في العقل الذي هو وسط الكل بدؤه من اللّه و عوده اليه.
بالجملة و الاثار في تلك المراتب كلها اشباح منفصلة عن المؤثرات في مرايا القوابل المتدرجة من لدن الحقيقة المحمدية9 الي هذا العالم المحسوس اثر كل عال انطبع في مرآة عالم ادني منه بدرجة كانطباع الشبح في المرآة و الدنيا مزرعة الاخرة لابدان تزرع حبة الاخروية في دنياها في قوس النزول بالجملة فمطلق الاثار في تلك المراتب آثار لمطلق المؤثر العالي و طيباتها للمطلق الطيب و خبيثاتها للمطلق الخبيث و شرائعها للشارع و اكوانها آثار للمكون و امكانها آثار للمطلق الممكن فتدبر في قوله تعالي كان الناس امة واحدة و قوله فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين و قوله فمنهم من آمن و منهم من كفر و قوله الطيبات للطيبين و قوله الخبيثات للخبيثين و قوله7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة فتدبر و تذكر ايضاً ان من الاثار آثار صدرت من المؤثر بجميع ما ينبغي لها في ظهورها و بروزها حتي المرآة التي انطبع فيها المثال غنية بمؤثرها عن غيره غير محتاجة الي مرايا مباينة منها كقيامك و قعودك و حركتك و سكونك و امثال ذلك من الافعال اللازمة فان كل واحد منها فعل منك من حيث الصدور و مفعول منك من حيث الوقوع فتقول قمت قياماً فقمت فعل منك مضمر فيه انت اي انا و قياماً مفعول مطلق منك و
«* الرسائل جلد 3 صفحه 164 *»
مصدر صدر من فعلك و هو مرآة و محل لفعلك احدثته بفعلك به لا بذات فعلك و لا بذاتك و لا بشيء من سائر مصادر سائر افعالك بل تجليت بالتجلي له به منه فيه كما تجليت بفعلك له به منه فيه لا بذاتك و لا بسائر افعالك ففي افعالك اللازمة لاتحتاج الي مرآة مباينة معزولة عنك فان المرايا ايضاً مصنوعات منك و هي المفاعيل المطلقة لافعالك اللازمة و لك افعال متعدية كضربك و نصرك و امثال ذلك ففي ظهور تلك الافعال و اظهارك اياها تحتاج الي مرايا مباينة معزولة عنك مصنوعة لغيرك بها ظهرت مفعولاتك المطلقة المتعدية فضرب زيد عمراً ضرباً فضرباً هو مفعولك الحقيقي الذي احدثته به و عمراً هو مفعولبه لا مفعول مطلق فما لمتفرق بين المفاعيل المطلقة و بين المفعولبه لاتكاد انتدرك الحقائق فلما اراد انيفرق بينهما من اراه اللّه حقائق الاشياء كما هي صار هدفاً لسهام الطعن بألسنة حداد و الفرق بين الافعال اللازمة و الافعال المتعدية مما لاينكره العباد في البلاد فمن لميجعل اللّه له نوراً فما له من نور و اليه ترجع الامور. بالجملة فنفس المرايا و القوابل متنزلة من الدرة الي الذرة و ليس النسب بينها الا انيكون كل عال لباً و دانيه قشراً له فأما الاثار فهي من المحرك الاول ظهرت في كل شيء و في كل محل بحسبه فسالت الاودية بقدرها و لا حول و لا قوة الا باللّه «فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا» و ليس لي مجال التفصيل ازيد و كأين من مسألة لاينحل الا بالمشافهة و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر.
قال سلمه اللّه تعالي: و ما المراد من الشرع و الكون و الوجود الشرعي و الكوني و الشرع الوجودي و الكوني.
اقول: المراد من مطلق الكون و الشرع في الاصطلاح هو المادة المشتركة و الصورة المميزة فما به الاشتراك في كل مقام هو الكون و الوجود و ما
«* الرسائل جلد 3 صفحه 165 *»
به الامتياز هو الشرع فان كانا في الكون فهما كونيان و ان كانا في الشرع فشرعيان فالحيوان الناطق في المثل وجود كوني مشترك بين جميع الافراد و صورة زيد و عمرو شرع كوني بها امتاز زيد عن عمرو فاذا قام الشارع و امر و بلغ امره الي زيد و عمرو صار امره البالغ اليهما امراً واحداً لا اختلاف فيه فذلك الامر الواحد من حيث الوحدة كون شرعي و وجود شرعي فاذا امتثل زيد امره و امتنع عمرو صارالواحد الذي هو الوجود الشرعي في بطن امتثال زيد ايماناً له و في بطن امتناع عمرو كفراً له فبتينك الصورتين امتاز المؤمن الذي هو زيد عن الكافر الذي هو عمرو فهاتان الصورتان اي صورة الامتثال و الامتناع شرع وجودي اي شرع شرعي في مقابل الشرع الكوني.
قال سلمه اللّه تعالي: و اذا قلنا انها ليست في الامكان فأي امكان هذا هو الراجح ام الجائز.
اقول: مراده انه اذا قلنا ان السلسلة الطولية ليست في الامكان فأقول اما في الامكانات الجائزة فقد مر الجواب بأنها واقعة بينها اللهم الا ان سلسلة النور و سلسلة الظلمة متقابلتين الممتازتين ليستا في الاكوان و الامكانات الكونية بل كلتاهما في الشرع المقابل للكون نعم في الشرع المقابل للكون ايضاً كون شرعي و امكان شرعي كلها من عند الشارع7 فربما عبر الحكيم عن ذلك بالامكان و الاكوان و الاعيان و مراده الشرعيات المتقابلة للاكوان و لايعلم رطنه الا ولد بطنه و اما عدم الترتيب في الطول و العرض في الامكان الراجح فمعلوم عند من له ادني مسكة فانه في نفسه يصلح لانيتعلق بالمؤثر و اثره و الذات و صفته و الفاعل و فعله و الجوهر و عرضه و هكذا جميع ما يسمي باسم شيء فهو اثر صادر عنه و كل ذرة منه يصلح للانسان و الحيوان و النبات و الجماد
«* الرسائل جلد 3 صفحه 166 *»
و الروح و البدن و المجرد و المادي و العقل و الجسم و النبي و الشيطان و الاول و الاخر و المبدأ و المنتهي و النور و الظلمة الي ما لا نهاية له كما صرح به الشيخ الاوحد اعلي اللّه مقامه في ملحقات الفوائد ان شئت فراجع.
فأين الترتب في مقام يكون الترتب و المترتب فيه علي السواء و انما الترتب واقع بين المتعددات و لا تعدد فيه و لا كثرة اذ لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه اما في ماسواه فلا شك ان اول ما خلقه اللّه مقدم و الثاني مترتب عليه و الثالث مترتب عليهما و الرابع في رابع الدرجات و الثلثة مقدمة عليه كمراتب المعدودات فالالوف مترتبة علي المآت و هي علي العشرات و هي علي الاحاد و كذا درجات الاحاد الي انينتهي العد الي الواحد الحقيقي فانه لميسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايساويه شيء فلكل واحد من تلك المراتب مادة و صورة بحسبه لاتصلح المادة للتصور بصورة اعلي منه او اسفل فالمادة اللطيفة تصلح للصورة اللطيفة و لاتصلح للصورة الغليظة و المادة الغليظة تصلح للصورة الغليظة و لاتصلح للصورة اللطيفة في جميع المراتب من الدرة الي الذرة فالمادة العقلانية الجبروتية تصلح للصورة المعنوية المجردة عن المواد و الصور الملكوتية الي الجسمانية الملكية و لاتصلح لصورة من الصور التي البست علي المواد الملكوتية الي الملكية و المادة الجسمانية الغليظة تصلح للصورة الغليظة الملكية و لاتصلح لشيء من الصور العالية عن المواد الملكية فالموجودات الملكية آثار للموجودات الملكوتية و الموجودات الملكوتية آثار للموجودات الجبروتية و جميع ذلك متساوي النسبة الي كل ذرة من الامكان الراجح فنسبة الطول واقعة بين الامكانات الجائزة و اكوانها و اعيانها و شرائعها جميعاً و لايعقل عندنا وجود شيئين او اشياء متصاقعة الا انتكون جميعها منطوية تحت احاطة محيط قد
«* الرسائل جلد 3 صفحه 167 *»
احاط بجميع جهاتها سواء كان الشيئان امكانين او كونين او شرعين «فان كنت ذا فهم تشاهد ما قلنا» و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام.
قال سلمه اللّه تعالي: و ما الفرق بين الاثر و المؤثر و بين القطب و الدائرة.
اقول: مرة يطلق القطب و يراد منه المؤثر و الاثر و يراد منه الدائرة كما صرح به الشيخ الاوحد اعلي اللّه مقامه في الفوائد و شرحه حيث قال مفصلاً كل شيء كرة فقال ما معناه ان كل صفة من صفات زيد كرة مجوفة تدور علي زيد و قد فصل في ذلك تفصيلاً فعلي ذلك يكون زيد هو القطب و هو المؤثر و صفاته كرة مجوفة تدور عليه من جميع جوانبها و هكذا حال دوران الاثار علي المؤثرات الي انينتهي الامر الي الصمد الذي هو المصمت الحقيقي الذي لا جوف له و جميع ماسواه مجوف يدور علي مصمت اضافي له جوف ايضاً بالنسبة الي ما يدور عليه و ربما يطلق القطب و يراد منه المبدأ و الدائرة و الكرة و يراد منها المنتهي كالقلب و سائر الاعضاء و الفرق بين الاطلاقين واضح ان شاء اللّه فان القلب و ان كان مبدأ للحيوة السارية في الاعضاء الا انه ايضاً عضو من الاعضاء و مقامه مقام انا بشر مثلكم يوحي الي ان الحيوة كيت و كيت فمن ارادها لابد له انيتوجه الي ليصل اليه فمن اراد غير ذلك فقد ضل في المسالك و لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله و سبيله القطب و القلب وحده وحده من عرفه فقد عرفه و من انكره فقد انكره و من جهله فقد جهله و السلام خير ختام.
قال سلمه اللّه تعالي: و لماذا لميعدوا رضوان اللّه عليهم المشية من المراتب الثمانية لتكون مثلاً تاسع المراتب و لم صارت المراتب ثمانية و لا زائداً عنها و لا ناقصاً و استدعاء معاشر المخلصين انيبين مولانا ادام اللّه
«* الرسائل جلد 3 صفحه 168 *»
ظله هذه المعاني و المسائل ببيان واضح و تبيان لائح يقرب الي مشاعرنا العليلة و افهامنا الكليلة بضرب الامثال من الافاق و الانفس لتقريب التفهيم.
اقول: اما عدم عد المشية من المراتب فلان المراتب لايعقل انتكون مراتب و لاينقل الا انيكون لكل مرتبة ما يختص بها و المخصوص بشيء مخصوص به وجد فيه غير موجود في شيء من الاشياء فان ما يوجد في الاشياء غير مخصوص بشيء دون شيء و ذلك معلوم لدي العاقل فضلاً عن العالم الكامل و لعلك عرفت ان المشية اول التعين و ابسط ما يمكن في الامكان لا نهاية لها و ليس لها شيء مخصوص الا عدم النهاية فلذا يكون نسبتها الي الاشياء علي السواء ليس شيء اقرب اليها من شيء آخر اذ لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته و يكون مما هي اجرته المراتب و لوازمها و المخصوص بكل واحدة منها دون اخري فلايعود فيها ما هو من آثارها بأنفسها لا بذات المشية و نفسها فلذا لمتعد من المراتب المخلوقة بها بنفسها اي بنفس المراتب و مع قطع النظر عن هذه الحكمة فلا شك ان المشية هي المؤثرة لجميع الاشياء و جميعها آثارها و لكنها ليست بنفسها متناهية الي مرتبة من المراتب المخلوقة بها حتي يقال من هنا الي هنا مرتبة المشية فلاتعد رتبتها عند عد المراتب المخلوقة بها فلاتكون تاسعاً و لا عاشراً فالتاسع ما يكون بعد الثامن و قبل العاشر كما ان الثامن ما يكون قبل التاسع و بعد السابع و انت تعلم ان شاء اللّه ان نسبة جميع المراتب متساوية الي المشية فلاتكون تاسعاً نعم لها احاطة بالجميع و الجميع قائم بها قيام صدور بلا شك فان شئت انتعبر عن احاطتها بقسم تاسع فتذكر قوله تعالي حيث نفي ذلك المعني بالتوبيخ و حكي عن النصاري حيث قالوا ان اللّه ثالث ثلثة فاللّه سبحانه و ان كان مؤثراً للاشياء
«* الرسائل جلد 3 صفحه 169 *»
ولكنه ليس بثالث ثلثة ولكنه كان رابع ثلثة كما قال مايكون من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الا هو معهم فان عرفت الفرق بين المقامين فقل ان المشية التي هي آية اللّه في ملكه هي تاسعة الثمانية و ثامنة السبعة و سابعة الستة الي انها ثالثة الاثنين و ثانية الواحد لا ثانية الاثنين و لا ثالثة الثلثة و هكذا.
بالجملة و اما سر عد مراتب الخلق الي الثمان فلاجل ان انواع المخلوقات تنحصر الثمانية الاول هو الاول الفاتح الخاتم بكم فتح اللّه و بكم يختم، اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة ثم الثاني الانبياء: ثم الثالث الاناسي ثم الرابع الجن باعتبار او الملك باعتبار ثم الخامس الملك باعتبار او الجن باعتبار آخر ثم السادس الحيوانات ثم السابع النباتات ثم الثامن الجمادات و ليس في ملك اللّه تعالي موجود آخر سواهم و اما الشياطين فليسوا قسماً آخر سواهم فانهم ان كانوا من الجن فهم الكفار و الفسقة منهم و ان كانوا من الانس ايضاً فهم الكفار و الفسقة منهم و اما يأجوج و مأجوج ايضاً من الشياطين جنياً كانوا او انسياً و ليس في ملك موجود سوي المخلوقات الثمانية و سائر الموجودات فهي اما مادة او صورة او كم او كيف او وقت او مكان او جهة او رتبة او وضع او اضافة او نسبة او فعل او انفعال او جدة او امثالها فهي من فروع تلك الثمانية او اصولها و اما الحور و الغلمان فهم مخلوقات من اعمال العباد فتنبه فلاجل ذلك عدوها ثمانية و ربما عدوها سبعة من مرتبة الانبياء الي الاسفل بملاحظة جعل الحجج في المرتبة الواحدة و هي مقام الحجية من الانبياء و الائمة: و ان كانوا من مرتبتين في اصل الخلقة و ربما حذفوا المركبات الناقصة كالجن و الملك فعدوها خمساً كما صرح به السيد النبيل اعلي اللّه مقامه كما حذفوا البرازخ كالمعادن.
«* الرسائل جلد 3 صفحه 170 *»
بالجملة ليس في زيادة عد المراتب علي الثمان و النقصان عنها منقصة في الدين و لكل ملاحظة كتاب و سنة المتر الشيخ الاوحد اعلي اللّه مقامه قد عد في الفوائد عوالم عديدة باختلاف الملاحظات فقد عد عالمين و ثلثة عوالم و اربع عوالم و هكذا و ليس في عد عالمين تناف لعد الثلثة و لا الثلثة لعد الاربعة و هكذا فان كنت من اولي الالباب فابتغ اللباب و دع القشور و ان كنت من اهل القشور فتقشر و دع اللباب و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام.
قال سلمه اللّه تعالي: و ايضاً هل يجوز للعوام كأمثالنا العمل بالجامع و هداية العوام في هذه الايام ام يجب التفحص و التجسس ممن له اهلية الرواية لاحكام الامام عجل اللّه فرجه و عليه و علي آبائه افضل السلام و ما حد التفحص و التجسس اهو السفر الي البلاد النائية ام الاستعلام و الاستخبار من الصادر و الوارد و بالمكاتبات و المأمول المرجو من اخلاق الكرام ان لايخيبوا الايتام و انيبينوا بياناً يكشف عن وجوه المسائل اللثام كما هو دأبهم الشريف في بيان المسائل و جواب الرسائل ادام اللّه ايام افاضاتكم و افاداتكم و يرحم اللّه عبداً قال آميناً و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.
اقول: بلي يجوز العمل بالجامع و الهداية و امثالهما الي قيام القائم عجل اللّه فرجه عليه و علي آبائه السلام و وجه الجواز بل وجه الحتم و الوجوب بالنسبة الي كتب الاخبار ان مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه عقلاً و نقلاً و اتفاقاً ان كل ما اراد اللّه تعالي من عباده من مراداته لاتوجد عند احد من الخلق الا عند من اوحي اليه و هو الخاتم9 فمن رام انيصل الي مراد اللّه تعالي في حقه من غير الاخذ عنه9 فقد رام محالاً و اقام نفسه مقامه حيث ادعي الوصول الي مراد اللّه
«* الرسائل جلد 3 صفحه 171 *»
في حقه بغير وساطته9 ثم مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه عند الاثنيعشري ان الائمة: هم تراجمة وحيه و السنته@السنة خل@ المبينة المبلغة المفصحة الموضحة لعباده فعليهم البيان و البلاغ و الافصاح و الايضاح و علينا الاطاعة و الانقياد و الامتثال و التسليم من دون وجدان حرج في انفسنا مما قضوا فمن رام الوصول الي ما عند الرسول9 بغير وساطتهم: فقد رام محالاً و حرم لنفسه حراماً و احل حلالاً بغير وحي من اللّه تعالي ثم مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه ان التبيين و التبيلغ و الايضاح منهم: لايوجد الا في اقوالهم و اخبارهم فمن رام الوصول الي مراد اللّه في حقه من غير اقوالهم و اخبارهم فقد رام محالاً لان كل احد يقدر انيدعي اني آخذ منهم في الباطن من غير الاخذ بأقوالهم و في ذلك فساد العباد و خراب البلاد كما هو ظاهر لاولي الالباب ثم مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه انا غير مشافهين لهم: للتلقي و الاستماع فلابد في الحكمة من وجود رواة صادقين لنكون في الاخذ عنهم من الامنين و قد رأينا اللّه تعالي يقول كونوا مع الصادقين فقد اخبر اللّه تعالي بايجاد الصادقين في كل آن و حين اذ لميعقل كما لمينقل الكون مع الصادقين مع فقدهم في آن و حين و قد رأينا القول من الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين مطابقاً للكتاب المبين ان لنا في كل خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين فمادام المكلفون باقياً يجب عليهم انيصدقوا قول اللّه تعالي و اقوال حججه: و يعتقدوا وجود الصادقين.
بالجملة و مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه ان الصادق اذا قال ثم مات لايصير صدقه كذباً و قوله باطلاً و لولا ذلك لامتنع الاخذ بقول الرواة السابقين الاموات اللاحقين([2]) الاحياء و تري العلماء الاحياء رووا عن
«* الرسائل جلد 3 صفحه 172 *»
الاموات في جميع القرون و الاعصار و لولا ذلك لامتنع الاطلاع علي ما مضي و لميرض اللّه بذا و لنيرض بعد ذا ابداً فكل صادق كان قوله صدقاً حياً و ميتاً و كل كاذب كاذب حياً و ميتاً فمن كان دينه انيأخذ بقول المعصوم و يروي قوله7 فهو صادق حياً و ميتاً و من كان دينه انيعمل بالقواعد الموضوعة من عند غير المعصوم كاذب حياً و ميتاً. فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الجامع و الهداية من الكتب التي ليس فيها كذب و افتراء علي اللّه تعالي و قد افتي فيهما بالنصوص الخاصة الا في مواضع عديدة افتی بالعمومات لعدم وجدانه النص الخاص فهما غير منسوخين الي قيام القائم عجل اللّه فرجه عليه و علي آبائه السلام و قد صرح بذلك جمع من المعاصرين من اهل الحق من العلماء الاعلام ان لميكونوا جميعاً و ما تري من القول بعدم جواز تقليد الميت فهو مبني علي جواز استعمال الظن و جواز تقليد الظان الذي رأي الرأي و الاجتهاد بالادلة الظنية الاجتهادية و الادلة العقلية و القوانين الموضوعة و اما علي عدم جواز القول بالظن و وجوب الاخذ من اللّه تعالي بالقطع و اليقين بوساطة الرسول الامين و الائمة الميامين عليهم صلوات المصلين و لو بوساطة الصادقين في كل آن و حين بتقرير رب العالمين و تصديقه و تسديده فلايبقي اشكال للمؤمنين في اخذهم عنهم آمنين عن الوهم و الشك و الظن و التخمين و الحمد للّه رب العالمين.
و ان قلت فعلي هذا يجوز الاخذ عن كل كتاب كان كالكتابين من سائر العلماء قلت نعم قد اصبت و وصلت و لا شك في ذلك، هذا و بعد تجويز الحي بجواز الاخذ عن اي كتاب لايبقي اشكال لان المقلد قد اخذ عن الحي فلميقلد الميت فلايبقي ريبة شيء من الاشكال و لنا اننقول ان القول بجواز تقليد الميت و عدم جوازه قول صادر عن المصادر ولكن لا فائدة فيه ابداً ابداً فان هذه المسألة ليست من شأن المقلدين فهمها و
«* الرسائل جلد 3 صفحه 173 *»
اختيارهم جوازه او عدم جوازه فهي مطرحة لانظار العلماء البالغين حد الاستقلال من غير تقليد فكل واحد منهم منع الجواز و اخذ عنه المقلد فقد اخذ عن الحي و كل من جوز و اخذ عنه الاخذ فقد اخذ عن الحي فاي ميت جاز تقليده ام لميجز بالجملة فهذه مسألة اجتهادية و ليست بتقليدية و قد جوزنا الاخذ بقول الثقات حياً كانوا او امواتاً فيما رووا دون ما رأوا احياء كانوا ام امواتاً و هو قول الحجة عجل اللّه فرجه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا و هو الحجة و الحمد للّه.
و اما في الدراية دون الرواية فيجوز رد الدراية في النظريات من الحي و الميت اذا علم الخطاء في درايته كما روي خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا و كما روي فيما سوي الكتاب المستجمع علي تأويله و السنة المستجمع علي تأويلها وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له ثم اعلم ان الراوي الذي يجوز الاخذ عنه هو المؤمن الثقة سواء روي رواية او الف رواية و لايجب انيكون راوياً لجميع ما صدر عنهم: كما علمت من حال الرواة الذين كانوا في زمن المعصوم7.
بالجملة و قد استغنيت بالكتابين عن التفحص عن كثير من المسائل و الحمد للّه فان احتجت يوماًما في مسألة ليست فيهما و احتجت الي التفحص فاعلم ان الابتداء بالنعم و اظهار الحجة و ايضاح المحجة علي اللّه تعالي لا عليك فاذا ابتدأ بارسال الرسل و عرفهم اياك بالادلة و البراهين فعليك بعد اقامته الدليل و البرهان بالاذعان لا قبل ذلك و كذلك اذا نص الرسول بنصب الحجة بعده و عرفه لك فعليك بالاذعان بعد البيان من اللّه تعالي و هكذا الحال حال الثفات الصادقين الرواة فاذا عرف صادقاً لك فعليك بعد التعريف تصديقه فان كان الصادق المصدق عن اللّه تعالي الذي ابتدأ اللّه تعالي بتعريفه لك بأي سبب كان و هو مسبب الاسباب في
«* الرسائل جلد 3 صفحه 174 *»
بلدك فخذ عنه بارد القلب ثلج الفؤاد باطمينان منك من اللّه المنان فان كان في البلدان النائية فعليك بالاخذ عنه بأي نحو كان و ربما تحتاج الي المسافرة اليه و لو بالصين فيما تحتاج اليه بالسماع عنه اذ ليس كل ما تحتاج اليه يكتب في الكتاب و لا كل ما يكتب يفهم من غير خطاب اماتري الكتب العلمية مبذولة متداولة و قل من يعرف منها المراد. بالجملة ولكن جميع ذلك عليك بعد البيان من اللّه تعالي فاحترز عن طريقة من لميعرف الطريقة فساروا سيراً في القفار و البلدان باحتمال كون كامل فيها فساروا الي آخر الاعمار في الخيبة و الخسران كحافر حفر كل موضع من الارض باحتمال كون كنز مدفون تحته و قد علم المؤمن العارف العاقل ان الحجة من اللّه اظهر من الشمس في رابعة النهار غير مستور تحت القفار و لا محجوب في غار و علي اللّه قصد السبيل و ايضاح الدليل قبل الطلب من العبد الذليل و منها جائر و لو شاء لهديكم اجمعين و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين و قد فرغت منه في اوائل العشر قبل العشرين من رجب من سنة 1295 حامداً مصلياً مستغفراً.