03-02 الرسائل المجلد الثالث – رسالة اجوبة مسائل ابي‌القاسم الحاج سعيد – مقابله

الرسالة الثانية اجوبة مسائل ابي‌القاسم الحاج سعيد

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

فهرس الرسالة الثانية

 

المسألة الاولي: ما معني غيبة‌ الامام7 اتجرد عن اللباس العنصري الدنيوي المحسوس و غاب عن الانظار الحيوانية و ذهب الي عالم المثال ام بنحو آخر؟ و علي الاول فما الفرق بينه7 و بين آبائه: و هم: باجمعهم مکملون فاعلون و هم القطب و القلب و المحرک في عالم الکون و الشرع

جواب المسألة الاولي

المسألة الثانية: ما معني ظهوره7 هل يظهر علي نظم السلاطين الظاهريين و الالات الظاهرة کالسيوف الحديدية و امثالها فما يفعل بالالات الافرنجية ام بالتصرف الباطني و علي الثاني لايحتاج الي الظهور و يجوز التأويل بظهوره (و نهيتنا عن التأويل) ام لا؟

جواب المسألة الثانية

المسألة الثالثة: هل يکون فرق بين الظهور و الرجعة ام لا بل هما مترادفان و هل هما في عالم الدنيا ام احدهما في الدنيا و الاخر في البرزخ

جواب المسألة الثالثة

المسألة الرابعة: ما معني قول المشايخ اعلي الله مقامهم ان للعالم غيبا و شهادة و لکل واحد منهما اربع مراتب مرتبة المادة النوعية و الصورة النوعية و المادة الشخصية و الصورة الشخصية فلعالم الغيب مادة نوعية و هي الفؤاد و صورة نوعية و هي العقل و مادة شخصية و هي الروح و صورة شخصية و هي النفس و لعالم الشهادة ايضاً اربع مراتب فمادته النوعية الطبع و صورته النوعية المادة و مادته الشخصية المثال و صورته الشخصية الجسم و الاشکال کل الاشکال انا نري الجسم و لانري مراتبه الثلث فوقه و کذا لانري مواليد کل واحد منها کالجن و الملائکة و لانري من الحيوانات الا ابدانها الجمادية فهي کلها من عالم الغيب و لم‌ عدوها من عالم الشهادة

جواب المسألة‌ الرابعة

المسألة الخامسة: هل يأتي وقت ان لايتصرف المثال في الجسم ام لا؟ فان کان الاول فهو علي خلاف الحکمة الطبيعية و ان کان الثاني فما معني قوله تعالي: يوم نطوي السماء الاية و قوله: کل شيء هالک الاية و قوله: کل من عليها فان الاية و قوله: بعد فناء الخلق لمن الملک اليوم و يقول لله الواحد القهار

جواب المسألة الخامسة

المسألة السادسة: بيان مقامات النقباء الکليين و الجزئيين و النجباء کذلک

جواب المسألة السادسة

المسألة السابعة: هل يجوز التوجه الي الله سبحانه بتوسط العالم التقي الورع الحکيم الزاهد في الدنيا و الراغب في الاخرة بحکم حديث من اصغي الي ناطق فقد عبده . . . الحديث؟

جواب المسألة السابعة

المسألة الثامنة: هل الخلق مکلفون بمعرفة النقيب الکامل و ليس فيهم مشعر معرفته (و هو المعري عن مدرکات جميع مشاعر الخلق) ام يکفي العلم للمستدل بان لهذا العالم محرکاً ما و هذا التوحيد توحيد عام و لا فائدة لقائله

جواب المسألة الثامنة

المسألة التاسعة: بيان الفرق بين العلم و المعرفة

جواب المسألة التاسعة

المسألة العاشرة: ما معني التوجه الي الله تعالي فهل يجب التوجه بجميع المشاعر الظاهرة و الباطنة و انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها

جواب المسألة العاشرة

المسألة الحادية‌عشرة: ما معني هذه الاية: الزاني لاينکح الا زانية او مشرکة الاية و ما معني: الخبيثات للخبيثين الاية؟ و عايشة کانت زوجة النبي9 و آسية زوجة فرعون لعنه الله

جواب المسألة الحادية‌عشرة

المسألة الثانية‌عشرة: بيان کيفية السير و السلوک في جميع المراتب و بيان کيفية السلوک مع الاخوان المؤمنين و مع المخالفين

جواب المسألة الثانية‌عشرة

 

 

 

 

الرسالة الثانية([1])

 

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 76 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه و سلام علي الذين([2]) اصطفي و الخزي و السوء علي من سلك سبيل الردي.

و بعد قد سألني بعض الاجلاء المؤمنين و الاخلاء المكرمين المعظمين عن بعض المعضلات التي وردت عليه فشرعت في الجواب معتذراً لديه من التسويف لما اصاب من البلايا العظيمة بالجرم الضعيف و الجسم النحيف فجعلت كلامه مقدماً ليكون الجواب تاليه فان وجد الادني دانيه فليطلب الاعلي من عاليه فان جعلت ظاهره السراب ظهوراً فقد اودعت في خلاله الشراب طهوراً فتجسس و لاتيأس فانه لاييأس من روح اللّه الا اليائسون الخاسرون و لاتزعم الجواب جراباً فانه لابد من الجراب للكلاب و المحمول فيه من اصاب الصواب من الخطاب و اللّه الموفق للصواب يصيب برحمته من يشاء و يصرفه عمن يشاء.

قال ايده اللّه تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و شيعتهم المنتجبين و لعنة‌ الله علي اعدائهم اجمعين. اما بعد فلما امرنا اللّه سبحانه بالسؤال بقوله تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون اسألك يا سيدي و مولاي و معتمدي و رجائي و شفيعي و ملجأي في آخرتي و دنياي ما قد اشكلت علي مدة مديدة و التمس من حضرتكم العالية و استدعي من جنابكم السامي ان لاتخيبني و لاتحرمني

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 77 *»

و تجيبني بالاجابة و لاتجيبني بجراب النورة و لاتمنعني الحكمة فكلما بينت و شرحت مقامات التوحيد و مراتب التفريد و غيرها ببيانات لائحة وافية شافية كافية التي لاترسم في كتاب و لاتسمع من خطاب فبين لي هذه المسائل ان شاء اللّه ببيان لايتطرق فيه اشكال فما بدأت به من فضلك فتممه و ما وهبت لي من كرمك فلاتسلبه لاني معول علي مواهبك و مفتقر الي رعايتك و هي هذه:

الاولي: ما معني غيبة الامام7 اتجرد عن اللباس العنصري الدنيوي المحسوس و غاب عن الانظار الحيوانية و ذهب الي عالم المثال اي الجابلقا و الجابرصا كما في الحديث ام بنحو آخر و علي الاول فما الفرق بينه7 و بين آبائه: و هم: باجمعهم مكملون فاعلون اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض و هم القطب و القلب و المحرك في عالم الكون و التأثير و التشريع كوناً و شرعاً لقوله7 كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين.

اقول: قد علمت ببركة المشايخ اعلي اللّه مقامهم ان القول ما قال آل محمد: و الحق معهم و فيهم و بهم و ماكان لغيرهم الخيرة من امرهم من التوحيد الي ارش الخدش فيجب علي من سواهم متابعتهم في جميع امورهم كائنة ما كانت بالغة ما بلغت فلو رضي اللّه جلّ‏شأنه لهم ما عليهم من العقول و الاحلام لماارسل اليهم الرسل و لماانزل عليهم الكتب و قد علمت و الحمد للّه ان اعظم الادلة الصادرة و احكم البراهين اللائحة الصادقة هي الضروريات التي هي المحكمات التي هن ام الكتاب و اصله و ماسواه هي المتشابهات التي يجب ردها اليهن فما وافقهن فهو المراد من اللّه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 78 *»

جلّ‏شأنه و ما خالفهن فهو من القاء الشيطان حيث اخبر اللّه جلّ‏شأنه به فقال و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته و قد اتخذها اللعين شباكاً لصيد اوليائه من الكافرين و المنافقين فالمؤمنون امتثلوا امر اللّه جلّ‏شأنه و جعلوا المحكمات امامهم و تمسكوا بانوارها في ظلمات المتشابهات و ردوها اليهن مستضيئين مدخلهم نور و مخرجهم نور و مسلكهم نور نور علي نور و اما الذين في قلوبهم زيغ عكسوا الامر فخالفوا امر اللّه جلّ‏شأنه فردوا المحكمات الي ماسواها من المتشابهات و جعلوها اصلاً اجتثت من فوق الارض ما له من قرار و قد اخبر اللّه جلّ‏شأنه حال الفريقين بقوله هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا و مايذّكّر الا اولوا الالباب ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب اي لاتزغ قلوبنا في اتباع المتشابهات و رد المحكمات اليها كما ازغت قلوب الذين في قلوبهم مرض بعد اذ هديتنا الي رد المتشابهات الي المحكمات. بالجملة و انت خبير بان احكم الحاكمين بين المؤمنين هو المحكمات التي وصل علمها اليهم اجمعين عالمين كانوا او جاهلين ان كانوا متدينين و لايعبأ بما سواهم و ان كانوا داخلين في زمرتهم ظاهرين و هي الضروريات المقررة من عند رب العالمين و قد اشتهرت في الافاق بين الناس اجمعين من المنتحلين بمذهب و دين فضلاً عن المؤمنين المستبصرين كما اذا سألت واحداً منهم عن واحد منها لاجابك بانه من دين اي فريق و ان كان بنفسه مخالفاً لذلك الطريق كما اذا سألت عن صلوة الظهر لاخبرك اهل كل دين بانها من عبادات المسلمين فلاتغفل من هذا المحكم المتقن المقرر المسدد و لعمري لايفقد شيئاً من وجدها و تمسك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 79 *»

بها و لايجد شيئاً من فقدها او لم‏يتمسك بذيلها.

فاذا تذكرت ذلك([3]) فاعلم ان من الضروريات المسلمة بين الفرقة الناجية الاثني‏عشرية ان لهم اثني‏عشر اماماً صلوات اللّه عليهم و الثاني‏عشر منهم عجل اللّه فرجه حي منتظر بحيث اذا سألت اهل الباطل لاخبروك بان معتقد الاثني‏عشري هكذا فضلاً عنهم بانفسهم فخذ بهذا الاصل الاصيل الذي يثبت به كل برهان و دليل و كل دليل مخالف لذلك فهو زخرف القول غروراً و لايتبعه الا الذين في قلوبهم زيغ ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويل المحكم الي المتشابه فلاتطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و كان امره فرطاً فاذا رأيت في بعض الاخبار انه صلي اللّه عليه و علي آبائه الطاهرين يكون ببلدة جابلقا و جابرصا فلاتزعم انه القي من نفسه البدن فصار ميتاً كما كان آباؤه ميتين و الفرق بينه و بين آبائه صلوات اللّه عليهم انه عجل اللّه فرجه حي و هم: ميتون كما قال اللّه تعالي جل‌شأنه انك ميت و انهم ميتون فان قرأت قوله جلّ‏شأنه([4]) لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون و قولهم: ان ميتنا اذا مات لم‏يمت و ان قتيلنا اذا قتل لم‏يقتل فاعلم ان معني حياتهم عند اللّه مرزوقين غير مناف لموتهم و قتلهم، الاتري ان اللّه جلّ‏شأنه يقول لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه@امواتا بل احياء خ‌ل@ فاثبت لهم القتل و هم: يقولون ان ميتنا اذا مات لم‏يمت و ان قتيلنا اذا قتل لم‏يقتل فاثبتوا: لانفسهم الموت و القتل فالموت و القتل الظاهري الذي القاء الجسد وقع عليهم: و لمايقع عليه7 و هو الفرق بينه و بينهم: و اما معني كونه7 في بلدة جابلقا و جابرصا فاعلم انهم: باجمعهم في حال حضورهم و حياتهم كانوا هناك و ليس

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 80 *»

ذلك المكان مخصوصاً به دون آبائه: و عالم جابلقا و جابرصا غير عالم المثال لان المراد بالامثلة هي الارواح المفارقة عن الابدان العنصرية فابدان آبائه: مفارقة عن ارواحهم المثالية فهم: مثاليون و اما حال حياتهم: كانوا غير مفارقين ابدانهم العنصرية و مع ذلك كانوا ببلدة جابلقا و جابرصا و لم‏يكونوا امواتاً و ارواحاً مثالية مفارقة فکذلك حاله7 الان كحالهم في حياتهم فيكون في ذلك العالم واقفاً علي الطتنجين ناظراً في المشرقين و المغربين متصرفاً فيما بين الصدفين ينحدر منه السيل سيل الامداد لاهل الاستعداد و لايرقي اليه الطير طيران الادراكات من الحواس و لمس الاخماس لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع كل يوم هو في شأن لايشغله شأن عن شأن و لولا ذلك المقام للحجة لايعقل ان‏يكون حجة لان وضعه لايصال اوامر اللّه سبحانه و نواهيه و قد علمت انهما غير صادرين منه لاحتياجه و اقتضائه و انما هما لاجل احتياج الخلق و اقتضائهم فامرهم اللّه سبحانه بمنافعهم و نهاهم عن مضارهم و لايعقل ان‏يكون الحجة7 جاهلاً بالمنافع و المضار اذ لو رضي بالجهل لكان الخلق بانفسهم جاهلين فلم‏يرسل اليهم الرسل تتري و لم‏ينزل عليهم الكتب مفصلة شطراً فالارسال و الانزال من عنده سبحانه ادل دليل و احكم برهان صادق علي عدم الرضا منه علي مكانهم في مقام الجهل اذ كان ذلك موجباً لهلاكهم و بوارهم و لو رضي بذلك لماخلقهم رأساً فلابد و ان‏يكون الحجة7 عالماً بجميع المنافع و المضار لكل احد في كل حال في جميع اقطار الارض من مشارقها و مغاربها بل في جميع اقطار السموات و ادوارها لانها كلها من لدن حكيم عليم و لايعقل في فعله لغو و لعب و انما ذلك من اقتضاء ذات اللعين الرجيم لتمام التدبير و كمال التقدير من المدبر الحكيم.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 81 *»

و بعين هذا الدليل يجب ان‏يكون معصوماً محفوظاً بعناية اللّه سبحانه مما يخالف مراده و رضاه فيجب ان لايكون عاصياً مخالفاً له سبحانه و لا ناسياً ما امره بايصاله و لا ساهياً و لا مخطئاً و بعين ما مر يجب ان‏يكون حاضراً ناظراً شاهداً متصرفاً فيما اراده اللّه سبحانه ان‏يبلغه اذ لولا ذلك لم‏يقدر علي الايصال و الابلاغ و لو لم‏يكن ذلك لصار الخلق لغواً و عبثاً و باطلاً ربنا ماخلقت هذا باطلاً فلو فرض شخص غير عالم لم‏يفرض له الحجية و كذا لو فرض ساهياً مخطئاً غير قادر علي الايصال و كذا لو فرض انه يشغله شخص عن شخص و يشغله الايصال الي شخص عن الايصال الي شخص آخر فيكون حجة لشخص دون شخص و كذا لو فرض انه يشغله عن الايصال الي حال من احوال شخص واحد حال اخري فيكون حجة في حال غير حجة في حال اخري و كذا لو فرض انه محبوس في سجن فلايكون حجة علي الخارجين منه و كذا لو فرض انه في مكان دون مكان او في زمان دون زمان فلايكون حجة في سائر الامكنة و الاوقات فاين قوله تعالي محتجاً سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فاين الايات التي في الافاق و الانفس و اين قوله7 بمقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك فيجب ان‏يكون الحجة7 آية له سبحانه في كل مكان ليعرفه به من عرفه و انكره به من انكره و جهله به من جهله و احبه به من احبه و ابغضه به من ابغضه و اطاعه به من اطاعه و خالفه به من خالفه و عبده به من عبده و عصاه به من عصاه و لا حول و لا قوة الا باللّه او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط. فبأي حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون. عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون لايستحسرون عن عبادته في الليل و النهار و لايفترون و يسبحونه و له يسجدون بينوا فرائضه و اقاموا حدوده و سنوا سنته و نشروا شرايع

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 82 *»

احكامه حتي صاروا منه الي الرضا و سلموا له القضاء.

و اما في ظاهر الامر الذي هو المتبادر الي الاذهان الذين يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون اين بيان الفرائض و اقامة الحدود و نشر الشرايع و السنن و قد انسدت ابواب العلوم و انمحت الاعلام و الرسوم و انطفت الانوار و خرب المنار و عمت الظلام و شملت سلطنة الطغام و غابت الشموس و طلعت العكوس و غربت الاقمار و شرقت الاشرار و خفيت الاسرار لغلبة الشرار فصارت الايدي من الجبار مغلولة و الحكام معزولة الي غير ذلك من الموهومات التي لايتجاوز المتوهمين و المشكوكات التي هي شبكات الرجيم و تعالي اللّه العليم الحكيم القدير الرؤف الرحيم عن ذلك بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء بهما يعطي و يمنع و يأخذ و يطلق و يبسط و يقدر و يبطش و يرحم قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء و تعز من تشاء و تذل من تشاء بيدك الخير انك علي كل شي‏ء قدير تولج الليل في النهار و تولج النهار في الليل و تخرج الحي من الميت و تخرج الميت من الحي و ترزق من تشاء بغير حساب فمن زعم غير ذلك فقد اعرض عن الكتاب و اقبل الي السراب و منع عن الشراب و وقع في التراب و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسي فلو كان الامر امراً ظاهراً يراه الاعين الحيوانية لم‏يخف علي ذي‌بصر و لم‏يكن الامر كذلك من لدن آدم علي نبينا و آله و عليه السلام الي الخاتم9 الي هذا الاوان الي ظهوره عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه فبيده ملكوت كل شي‏ء و اليه ترجعون و له بدن عنصري و لم‏يوجد آية او حديث و لو ضعيفاً او متشابهاً علي انه7 خلع عنه لباسه العنصري نعم له التصرف فيه كيف ما شاء و اراد شيخاً او شاباً او واحداً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 83 *»

او متعدداً كما فعل آباؤه: و ظهور اميرالمؤمنين7 في اربعين بدناً معروف و حكاية علي بن الحسين و محمد بن علي صلوات اللّه عليهما مشهور و ظهور علي بن موسي الرضا عليه و علي آبائه و ابنائه السلام لكل واحد من اوليائه بصورة خاصة غير مستور و قد سئلوا: عن القائم يظهر بأي صورة فاجابوا بانه يظهر بأي صورة شاء و ليس ذلك عليه بعزيز، فهذا القدر من البيان كاف لك ان شاء اللّه.

قال سلمه اللّه تعالي: الثانية: ما معني ظهور الامام7([5]) هل يظهر علي نظم السلاطين الظاهريين و الالات الظاهرة([6]) المحسوسة كالسيوف الحديدية و امثالها فما يفعل بالالات الافرنجية المبتدعة العجيبة الغريبة ام بالتصرف الباطني و علي الثاني لايحتاج الي الظهور انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و يجوز التأويل بظهوره و نهيتنا غالباً عن التأويل ام لا.

اقول: حاله عليه السلام و عجل اللّه فرجه في ظهوره كحال آبائه صلوات اللّه عليهم في حياتهم و حضورهم بلا تفاوت و تأويل الا انهم: وقعوا في الهدنة و دولة الباطل و هو7 يظهر في دولة الحق و ذلك لاختلاط الطينتين في حياتهم: لانه سبحانه قد قدر في عصرهم خروج المؤمنين و المؤمنات من اصلاب الكافرين و المنافقين و ارحام الكافرات و المنافقات فلذا امر اللّه سبحانه رسوله9 بقوله و مهّل الكافرين امهلهم رويدا فلذلك امهلهم و لم‏يهلكهم بل ملكهم و سلطهم حتي يميز اللّه الخبيث من الطيب كما ميز بينهما في زمن نوح علي نبينا و آله و عليه السلام حين دعا عليهم فقال رب لاتذر علي الارض من الكافرين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 84 *»

ديّاراً انك ان تذرهم يضلوا عبادك و لايلدوا الا فاجراً كفّاراً فاستجاب له دعوته و اغرقهم بالطوفان العام و لم‏يذر علي الارض من الكافرين ديّاراً و كذلك الامر في اول ظهوره عجل اللّه فرجه يدعو اللّه عزّوجلّ في طلب حقه فيما وعده و ذلك حين رأي اصلاب الخبيثين و ارحام الخبيثات خالية من الطيبين و الطيبات فيجيب دعوته و ينصره عليهم و يشف به صدور قوم مؤمنين فيصول عليهم صولات بالالات المعروفة الحديدية من السيوف و ساير الالات مما يتفرق به الصفوف و يهلكهم بايدي المؤمنين و يد اللّه فوق ايديهم فينصره و ينتصر به و يعينه اللّه بجنوده و جنوده الملائكة و الجن و السموات و الارضون و ما فيها من الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي و مايعلم جنود ربك الا هو و ذلك معني قوله تعالي هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون فقد روي عن الصادق7 و اللّه مانزل تأويلها حتي يخرج القائم7 فاذا خرج القائم7 لم‏يبق كافر باللّه و لا مشرك بالامام الا كره خروجه حتي لو كان كافر في بطن صخرة قالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني و اقتله و الاخبار في هذا المضمار اكثر من ان‏تحصي باختلاف يسير لفظاً متفقة معني متجاوزة حد التواتر فتدبر في خلالها و تنبه احوال الدنيا و احوال اهلها في ظهوره7 حيث تتكلم الجمادات و يسمع المؤمن صوتها و يفهم معناه فقولك ما يفعل بالالات الافرنجية العجيبة الغريبة عجيب غريب و جميع ما في العالمين آلاته7 و به تتحرك و تسكن و له التصرف الظاهري و الباطني اذ هو الولي المطلق و السلطان الحق في العالمين.

فقولك و علي الثاني لايحتاج الي الظهور حق ولكن العالم الظاهر و اهله يحتاجان الي ظهوره و يسألان اللّه سبحانه بلسان دعوة القابلية الصادقة فيجيب اللّه سبحانه دعوتهما كما ان الباطن و اهله يحتاجان الي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 85 *»

ظهوره في بطونهما لتتميم التقدير و استخراج ما في كمون المكونات من الكمالات و لولا ظهوره في كل مقام بحسبه لاستخراج ما في الكيان الي العيان لصارت الخلقة و الحكمة ناقصة من الحكيم فالحكمة تقتضي الاظهار و الا لصارت لغواً بلا فائدة فما لم‏يكن كليات الحكمة تامة في ظهورها تامة في بطونها لكانت ناقصة بلا فائدة كما اشار اليه حديث المفضل الذي فيه من الاسرار ما لايتحمله الصدور يكاد سنابرقه يذهب بالابصار.

و اما قولك انما امره اذا اراد شيئاً فقد ورد في الزيارة ارادة اللّه في مقادير اموره تهبط اليكم و القضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم و الممحو ما لا استأثرت به سنتكم و انما تجري في القوابل علي حسب اقتضائها و اختلافها اذ لا اختلاف في نفس الامر لقوله و ما امرنا الا واحدة كالشمس الواحدة لها اشراق واحد و تربية واحدة مستوية علي عرش قوابل الارض فيصير بعضها جمادات باختلافاتها و بعضها نباتات باختلافاتها فانبت بعضها و افني بعضها و بعضها حيوانات بانواعها و اصنافها و اشخاصها و بعضها اناسي بتفاوت مراتبهم و مقاماتهم في صفاتهم و اخلاقهم فمنهم ابيض و منهم احمر و منهم اسود و منهم طويل و منهم قصير و منهم ذكر و منهم انثي و منهم فطن و منهم بليد و منهم شجاع و منهم جبان و منهم سخي و منهم بخيل و منهم غني و منهم فقير و منهم قوي و منهم ضعيف و منهم وضيع و منهم شريف و منهم صحيح و منهم مريض و منهم سعيد و منهم شقي و منهم عالم و منهم جاهل و منهم حكيم و منهم سفيه و منهم مؤمن و منهم كافر و منهم علماء و منهم حكماء و منهم ادباء و منهم فصحاء و منهم بلغاء و منهم شعراء و منهم فقهاء و منهم اصولي و منهم محدث و منهم بارع في النحو و الصرف و منهم في المعاني و البيان و منهم في المنطق و منهم في الكلام و منهم في الحكمة و منهم في الطب و منهم في النجوم و منهم في العلوم الغريبة كالكيميا و الليميا و الريميا و السيميا و الهيميا و منهم في العلوم الباطنة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 86 *»

و الاسرار و منهم في الظاهرة كما لايخفي و قس سائر الاختلافات الواقعة بين الموجودات و الحوادث علي ما مر و فكر في كل واحد منها بانه لو كان من عند الشمس لصار الكل كالكل الاتري الضياء الذي من عندها يكون علي السواء بالنسبة الي كل الفضاء فما من العالي هو المحفوظ في ضمن الكثرات ماتري فيه اختلافاً فما يكون مخصوصاً بشي‏ء دون شي‏ء ليس من المبدأ و هو من نفس الشي‏ء و لذلك لايوجد في شي‏ء آخر و ان كان ظهور الكل من الكل لايكون الا باشراق المبدأ الواحد ما اصابكم من حسنة فمن اللّه و ما اصابك من سيئة فمن نفسك. قل كل من عند اللّه فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثاً و شرح الجميع شرعاً و كوناً في جميع الاكوار و الادوار و الليل و النهار و الدنيا و الاخرة في هذه الاية المحكمة الشريفة فكذلك المبدأ الحقيقي الذي اليه الاياب و عليه الحساب صلوات اللّه عليه و علي آبائه الطيبين اذا ظهر عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه ينجي المؤمنين و ينعم عليهم باقتضاء اعمالهم([7]) بانواع النعيم و يهلك الكافرين و المنافقين بانحاء العذاب الاليم باقتضاء افعالهم([8]) فمنهم من اهلكهم بالجوع و الخوف و منهم بالهدم و الغرق و منهم بالطاعون و منهم بالخسف و منهم بالسيف و القتل بايديهم و ايدي المؤمنين حتي يملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً حتي لايبقي كلب و خنزير و ذو سم فضلاً عن سائر الاخابيث حتي ترعي الاغنام مع الذئاب و الفهود بحيث يجمعها المكان الواحد في الرقود:

گرگ با يوز و ديو‌@ديو و يوز خ‌ل@ با آهو   چمن سبزه‏زار مي‏بينم

و لم‏يفعل احد من الحجج: من آدم7 الي الان مثل ما يفعل عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه لما اشرنا اليه من اختلاط الطين فمهلوا بعضهم لمن في اصلابهم من المؤمنين الذين منهم النقباء و النجباء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 87 *»

و الاوتاد ثلثمأة و بضع‏عشر و امهلوا بعضهم لمنافع المؤمنين و دفع المضار عنهم لم‏يكونوا بالغيه الا بشق الانفس فمنهم اكرة الزراعات لهم و منهم عملة الصناعات لهم فلولاهم لماخلقهم رأساً ربنا ماخلقت هذا باطلاً و اما في عصر ظهوره عجل اللّه فرجه فيكثر اعداد المؤمنين و يخلو اصلاب المنافقين و الكافرين منهم و يكفوا بانفسهم مؤنتهم و يغنيهم اللّه كلاً من سعته فيصير وجود من سواهم لغواً بل فضلاً بل مخلاً فيجب في الحكمة هلاكهم و بوارهم و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام و هذا القدر من البيان كاف لمن له عينان و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و اليه ترجع الامور.

و اما جواز التأويل فاعلم انه لايجوز التأويل في شي‏ء من امور الدين الا ما اولوا: لا ما اوله المأولون قال تعالي و مايعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم و الراسخون هم الائمة: و تأويلهم يوجد في اخبارهم فما ليس فيها فهو ليس منهم ما قال آل محمد قلنا و ما دان آل محمد دنا: و الصلوة من اللّه تعالي و منا فما اوله المأولون المسمون بالبابية و بعض الفرق الصوفية من انه ظهر و عرفه من عرفه و انكره من انكره و انجي من انجي و اهلك من اهلك و سموا بعض الناس دجالاً و بعضهم سفيانياً و غير ذلك من المزخرفات الخرافات فذلك زخرف القول غروراً فانظر الي الاحاديث المروية و الاخبار الواردة التي روتها العامة و الخاصة التي بلغت حد الضرورة فضلاً عن التواتر معني حتي لاتزل قدمك بعد ثبوتها فمنها ما روي عن عبد العظيم([9]) الحسني رحمه اللّه قال قلت لمحمد بن علي بن موسي: اني لارجوا ان‏تكون القائم من اهل بيت محمد الذي يملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملت ظلماً و جوراً فقال7 ما منا الا قائم بامر اللّه ولكن القائم الذي يطهر اللّه به الارض من

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 88 *»

الكفر و الجحود يملؤها قسطاً و عدلاً و هو الذي يخفي علي الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه و يحرم عليهم تسميته و هو سمي رسول اللّه9 و كنيه و هو الذي تطوي له الارض و يذل له كل صعب يجتمع اليه اصحابه عدة اهل بدر ثلثمأة و ثلثة عشر رجلاً من اقاصي([10]) الارض و ذلك قول اللّه‏عزّوجلّ اينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعاً ان اللّه علي كل شي‏ء قدير فاذا اجتمعت له هذه العدة من اهل الارض اظهر اللّه امره فاذا كمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج باذن اللّه فلايزال يقتل اعداء اللّه حتي يرضي عزّوجلّ قال عبد العظيم يا سيدي و كيف يعلم ان اللّه قد رضي قال يلقي في قلبه الرحمة فاذا دخل المدينة اخرج اللات و العزي فاحرقهما انتهي. فانظر ماذا تري و تدبر في جوابه7 ما منا الا قائم بامر اللّه ولكن القائم الذي يظهر به الارض من الكفر و الجحود يملؤها قسطاً و عدلاً هو الذي يخفي علي الناس ولادته الي آخر قوله7. فسائر الحجج: قائمون بامر اللّه ولكنهم ما طهر اللّه بهم الارض من الكفر و الجحود و سائر الارجاس و الانجاس فالقائم الذي يطهر اللّه به الارض من الكفر و الجحود و الظلم و الجور و الطغيان هو المنتظر الموعود و ليس كل قائم بامر اللّه هو المنتظر فضلاً عن غير القائم فكل من ادعي ذلك و ليس له البينة و الدليل و البرهان و الشواهد المذكورة في الاخبار المتجاوزة حد التواتر فهو قائم بامر الشيطان عدو للرحمن اذ لو كان كل قائم بامر اللّه هو القائم المنتظر عجل اللّه فرجه و قد ملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً للزم ان لايكون في العالم ظلم و جور مطلقاً اذ لم‏يزل و لايزال في الارض قائم بامر اللّه حجة من عند اللّه عزوجل من عصر آدم7 الي ما بعده فلما ذا ملئت ظلماً و جوراً و لو كان المنكرون لكل قائم بامر اللّه عزّوجلّ هم الدجال و السفياني كما زعم المأولون فلم لم‏يقتل كل قائم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 89 *»

بامر اللّه دجاله و سفيانيه و لماذا قتله دجاله و سفيانيه نعم المدعي لمقام المنتظر هو الدجال و السفياني في كل عصر في التأويل كائناً من كان لان لكل موسي فرعون و لكل محمد ابوجهل و لكل علي ابوالفصيل و لكل قائم بامر اللّه دجال و سفياني ولكن القائم المنتظر عجل اللّه فرجه هو المتصف بالصفات المخصوصة المذكورة في الكتاب و السنة التي بلغت حد الضرورة فماذا بعد الضرورة من دليل ادل و احكم و اتقن و اعدل و افضل منها ولكنها لاتغن الايات و النذر عن قوم لايؤمنون الا ان‏يطهر اللّه بالمنتظر عجل اللّه فرجه الارض منهم و يشف به صدور قوم مؤمنين.

فلو كان الامر كما ادعوا فاين العدل و القسط الذي ملأ الارض و اين الظلم و الجور الذي رفع منها و اين القائم السلطان و اين الدجال المقتول و اخوه المقتول و اين الثلثمأة و بضع‌عشر و اين سلطنتهم و اين العدل الذي يرعي الغنم بمرئي الذئب و اين الذئب الذي لايفترس الغنم و اين الحية لايلسع غيرها و اين الصيحة و اين غلبة اهل الحق علي اهل الباطل فان كان كل ذلك مأولة فلم‏يبق لذي مقال مقال و لذي حجة حجة و كل احد يقدر ان‏يدعي الحق و كل اهل الباطل يدعون الحقية و لاتجد احداً يقول انا الباطل و آمنوا بي بأني حق فكل احد يقدر ان‏يدعي الحقية و يسمي منكريه دجالاً و سفيانياً و فراعنة و هذا الدجال و السفياني ايضاً يدعيان ان مسميهم بالدجال و السفياني هو الدجال او السفياني و الدجال و السفياني الحقيقيان ايضاً يدعيان انهما علي الحق فكل احد يقدر ان‏يدعي انه حق فاذا تكلم بالهذيان و زخرف القول يقول ان الحق ما تكلمت به و ان الباطل ما تكلم به غيري فاذا سئل عن شي‏ء مجهول له يقول لااري المصلحة في الجواب و اذا اجاب بالباطل يقول ان الحق هو جوابي و اجوبة غيري هي الباطلة و اذا تكلم بالسفه يقول انه الحكمة كما هو ديدن الملاحدة خصوصاً المسمون بالبابية فاذا سئلوا عن الدجال

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 90 *»

و السفياني اجابوا بانهما فلان و فلان و اذا سئلوا عن هلاكهما اجابوا ان فلاناً و فلاناً هلكا بسلب@بسبب خ‌ل@ الايمان به و اذا سئلوا عن سلطنة صاحبهم اجابوا بانها سلطنة باطنية و اذا سئلوا عن العدل الذي يملأ الارض اجابوا بان العدل و القسط ملأ ارض المؤمنين بصاحبهم و اذا سئلوا عن رفع الظلم و الجور اجابوا بانهما مرفوعان عن ارضهم و اذا سئلوا عن هلاك الدجال و السفياني و جنودهما اجابوا بانهم هلكوا بسلب@بسبب خ‌ل@ الايمان بهذا الشيطان و الكفر به. بالجملة ما وجدت قوماً اخذوا في طريق من الطرق و سبيل من السبل الباطلة الا بتركهم ضرورة من ضروريات دينهم و تمسكهم بمتشابه كما ان المؤمنين آمنوا في جميع القرون و الاعصار بمحكمات دينهم التي هي الضروريات و ردهم المتشابهات اليها فكن في جميع الاحوال متمسكاً بالضروريات المحكمات التي هن ام الكتاب و فصل الخطاب من اللّه الوهاب فكن كأنك مخاطب له في حضوره بين يديه يوحي اليك و يكلمك تكليماً و يؤاخذك بمخالفتك لها و هي الايات المحكمات التي اراكها في الافاق و في نفسك و اوصلها اليك و بلغها اياك و فهمك و عرفك اياها و هي القائمات مقام اللّه سبحانه في عرصتك و هو ظاهر فيها ظهورك في قيامك و قعودك فلذا قال سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم اي الذين في قلوبهم زيغ الا انه بكل شي‏ء محيط. فبأي حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون و كفي باللّه شهيداً اليس اللّه بكاف عبده فتمسك بها بارد القلب ثلج الفؤاد مطمئناً باللّه العزيز و استرح من اضطراب جميع الشكوك و الشبهات ان كنت من المؤمنين الامنين في حرم اللّه و حماه و قل الحمد للّه و لعمري ما سوي الضروريات كائناً ما كان و لو كان خارقاً للعادات كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 91 *»

فمما صار معناه ضرورياً من الدين فضلاً عن ضرورة المؤمنين ما روي عن الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص([11]) عن عمرو بن ابي‌المقدام عن جابر الجعفي قال قال لي ابوجعفر7 يا جابر الزم الارض و لاتحرك يداً و لا رجلاً حتي تري علامات اذكرها لك ان ادركتها اولها اختلاف ولد فلان و مااراك تدرك ذلك ولكن حدث به بعدي و مناد ينادي من السماء يجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح و يخسف بقرية من قري الشام تسمي الجابية و تسقط طائفة من مسجد دمشق الايمن و مارقة تمرق من ناحية الترك و يعقبها مرج الروم و يستقبل اخوان الترك حتي ينزلوا الجزيرة و يستقبل مارقة الروم حتي تنزل الرملة فتلك السنة يا جابر فيها اختلاف كثير في كل ارض من ناحية المغرب فاول ارض المغرب ارض تخرب الشام يختلفون عند ذلك علي ثلاث رايات راية الاصهب و راية الابقع و راية السفياني فيلقي السفياني الابقع فيقتتلون فيقتله و من معه فيقتل الاصهب ثم لايكون همه الا الاقبال نحو العراق و يمر جيشه بقرقيسا فيقتلون بها مائة الف رجل من الجبارين و يبعث السفياني جيشاً الي الكوفة و عدتهم سبعون الف رجل فيصيبون من اهل الكوفة قتلاً و صلباً و سبياً فبينا هم كذلك اذ اقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طياً حثيثاً و معهم نفر من اصحاب القائم7 و خرج رجل من موالي اهل الكوفة فيقتله امير جيش السفياني بين الحيرة و الكوفة و يبعث السفياني بعثاً الي المدينة فينفر المهدي7 منها الي مكة فبلغ امير جيش السفياني ان المهدي7 قد خرج من المدينة فيبعث جيشاً علي اثره فلايدركه حتي يدخل مكة خائفاً يترقب علي سنة موسي بن عمران7 و ينزل امير جيش السفياني البيداء فينادي مناد من السماء يا بيداء ابيدي القوم فيخسف بهم البيداء فلايفلت منهم الا ثلاثة يحول الله وجوههم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 92 *»

في اقفيتهم و هم من كلب و فيهم نزلت هذه الآية يا ايها الذين اوتوا الكتابَ آمِنُوا بما نزَّلنا مُصدقاً لِما مَعَكُم من قبلِ ان‏نَطمِس وُجُوهاً فَنَرُدَّها علي اَدبارها الآية قال و القائم7 يومئذ بمكة قد اسند ظهره الي البيت الحرام مستجيرا به ينادي يا ايها الناس انا نستنصر الله و من اجابنا من الناس فانا اهل بيت نبيكم و نحن اولي الناس بالله و بمحمد9 فمن حاجني في آدم فانا اولي الناس بآدم و من حاجني في نوح فانا اولي الناس بنوح و من حاجني في ابراهيم فانا اولي الناس بابراهيم7 و من حاجني في محمد9 فانا اولي الناس بمحمد9 و من حاجني في النبيين فانا اولي الناس بالنبيين اليس الله يقول في محكم كتابه ان اللّهَ اصطفي آدمَ و نُوحاً و آلَ ابراهيم و آلَ عمران علي العالمين ذريةً بعضُها من بعض و اللّه سميع عليم فانا بقية من آدم و خيرة من نوح و مصطفي من ابراهيم و صفوة من محمد9 الا و من حاجني في كتاب الله فانا اولي الناس بكتاب الله الا و من حاجني في سنة رسول الله و سيرته فانا اولي الناس بسنة رسول الله9 و سيرته فانشد الله من سمع كلامي اليوم لما ابلغه الشاهد منكم الغائب و اسألكم بحق الله و حق رسوله و حقي فان لي عليكم حق القربي برسول الله لما اعنتمونا و منعتمونا ممن يظلمنا فقد اخفنا و ظلمنا و طردنا من ديارنا و ابنائنا و بغي علينا و دفعنا عن حقنا و آثر علينا اهل الباطل فالله الله فينا لاتخذلونا و انصرونا ينصركم الله فيجمع الله له اصحابه ثلاث مائة و ثلاثة عشر رجلاً فيجمعهم الله له علي غير ميعاد قزع كقزع الخريف و هي يا جابر الآية التي ذكرها الله اينما تكونوا يأتِ بكم اللّهُ جميعاً ان اللّه علي كل شي‏ء قدير فيبايعونه بين الركن و المقام و معه عهد من رسول الله9 قد توارثه الانبياء عن الآباء و القائم يا جابر من ولد الحسين بن علي: يصلح له امره في ليلة فما اشكل علي الناس من ذلك يا جابر و لايشكلن عليهم ولادته من رسول

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 93 *»

الله9 و وراثته العلماء عالماً بعد عالم فان اشكل عليهم هذا كله فان الصوت من السماء لايشكل عليهم اذا نودي باسمه و اسم ابيه و اسم امه انتهي.

و لا بأس بالاشارة الي ايضاح بعض لغاته فالمارق هو الخارج من الدين و منه المارقون الذين خرجوا من دين اللّه و استحلوا القتال من خليفة رسول اللّه9 و الرملة موضع في طريق مصر و الصهبة الشقرة في شعر الرأس و الاصهب من الابل الذي يخالط بياضه حمرة و هو ان‏يحمر اعلي الوبر و الابقع المختلف اللون و البقع في الطائر و الكلب كالبلق في الدواب و قرقب بلد بالفرات و الحيرة هي البلد القديم بظهر الكوفة و البيداء ارض بين مكة و المدينة علي ميل من ذي الحليفة و تسمي بذات الجيش ايضاً و القزع القطع من السحاب و شبهوا بقزع الخريف لانه اول ظهور قطع السحاب في السماء.

بالجملة قد اخبروا: بقصته عجل اللّه فرجه و اشتهرت بين اهل الاسلام فضلاً عن اهل الايمان و قد كثر الاخبار باسانيد متعددة متجاوزة حد التواتر في كل جزئيات قصته عجل اللّه فرجه بين الخاصة و العامة و قد جمع بعضها في غاية المرام فمن رامها فليراجعها و قد صنف في ذلك بعض علماء العامة كتباً و رسائل و اثبتوا فيها الحق و ابطلوا الباطل من الاقاويل الباطلة من بعض المتوهمين منهم و لايشك في ذلك بعد الرجوع الي الايات المحكمة و الاثار المتقنة الا المبتلي بالسفسطة الحاصلة من الماليخوليا او الجاهل المعدم غير المراجع الي الايات و الاخبار فلابد له الظهور عجل اللّه فرجه كظهور آبائه الطيبين صلوات اللّه عليهم اجمعين و ساير الانبياء و المرسلين و الاوصياء المكرمين من غير تأويل لن‏تجد لسنة اللّه تبديلاً الا في السلطنة الظاهرة فهي مخصوصة به دون غيره حتي سليمان بن داود8 مع بسطه في السلطنة الظاهرة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 94 *»

و كان آية من سلطنته عجل اللّه فرجه لحصول التمييز بين الطيب و الخبيث في آخر الزمان دون زمان سليمان فتدبر في ذلك لئلاتكون من الهالكين ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب.

قال: الثالثة، هل يكون فرق بين الظهور و الرجعة ام لا بل هما مترادفان و هل هما في عالم الدنيا ام احدهما في الدنيا و الاخر في البرزخ.

اقول: بينهما فرق بين و ان لم‏يفرق بينهما سائر العلماء و لم‏يصرحوا بالتفريق الا مشايخنا الكرام اعلي اللّه مقامهم و رفع في الخلد اعلامهم فاعلم ان كليهما يكونان في الدنيا ان شاء اللّه تعالي علي تفصيل في الفرق بينهما و قد كتبت في ذلك رسالة لو راجعتها لم‏تكن محتاجاً الي السؤال بعد و الاشارة الي ذلك انه لما خلق اللّه تعالي الاناسي في عالمهم و هو عالم الذر كانوا امة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين فمنهم من آمن و منهم من كفر فلما انزلهم الي عالم المثال بعد كسرهم في الطبيعة اختلطت الطينتان فلما انزلهم نزلة اخري الي الدنيا التطختا ثانياً فلاجل ذلك حصل للمؤمنين بعض اقتضاءات طينة الكافرين و هي معاصيهم و حصل للكافرين بعض اقتضاءات طينة المؤمنين و هي طاعاتهم و قدر للمؤمنين ازواجاً و اولاداً كافرين و للكافرين ازواجاً و اولاداً مؤمنين فامهلهم لمنافع المؤمنين الي اجل مقدر فيميز اللّه سبحانه الخبيث من الطيب و ذلك حين خلو اصلابهم من الاطياب فلايبقي للّه جلّ‏شأنه فيهم حاجة في حكمة الخلقة و الامهال فيسلط اللّه تعالي عليهم السلطان الحق صاحب العصر و الزمان عجل اللّه فرجه فيقتلهم و يهلكهم بانواع البلايا و الحمد للّه فهذا معني ظهوره عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه و ملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 95 *»

و اما معني الرجعة فهو رجوع الارواح الي الابدان بعد فراغها منها كما ان معني المعاد عود الارواح الي الابدان بعد فراقها منها فلاجل ذلك سميت الرجعة بالساعة و القيمة و المعاد في كثير من الايات و الاخبار كما لايخفي علي المتدبر فيها و ذلك يوم حشر فوج من كل امة كما قال تعالي و يوم نحشر من كل امة فوجاً فذلك اليوم هو الرجعة التي هي القيمة الصغري و اما في القيمة الكبري يحشر جميع الامم باجمعهم بضرورة الاديان فضلاً عن الاسلام فضلاً عن الايمان و اما حشر فوج من كل امة و هو حشر الماحضين من كل امة لا جميعهم فقد صار من ضروريات اهل الايمان و الحمد للّه و ان لم‏يكن كذلك في صدر الاسلام فمن محض الايمان محضاً او محض الكفر محضاً يحشر في الرجعة من كل امة فيبقي المستضعفون من كل امة في قبورهم غير محشورين في الرجعة الي القيمة الكبري و قد شرحت ذلك في رسالة المعاد و غيرها فان شئت فراجعها و الاشارة الي ذلك ان سبب الموت في كل مقام تخلل الالات الجسمانية و اختلاف العناصر الغريزية الاصلية و الغريبة العرضية كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين في حديث كميل و الاعرابي بقوله و سبب فراقها اختلاف المولدات فاذا عرض علي العناصر الاصلية الغريزية احد الاخلاط الغريبة كدم غير طبيعي او بلغم غريب غير طبيعي او صفراء او سوداء كذلك يضعف البدن اول وهلة و ذلك لان حركته بالروح و هو بنفسه في نفسه لا حراك له كما هو مشاهد محسوس فاذا تخلل بين اجزائه و اعضائه الخلط الغريب لايقدر الروح علي السريان و النفوذ علي ما ينبغي لوجود المانع الغريب غير المناسب له غير الجاذب له فحينئذ يقل تعلق الروح المحرك للبدن المتحرك فيضعف عن الحركات الطبيعية العادية لامحالة فكلما ازداد الغريب كماً او كيفاً يزداد الضعف حتي يمرض فاذا عولج بالانضاج و الاسهال يصح البدن ثانياً لرفع المانع و دفعه و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 96 *»

تعلق الروح بالبدن ثانياً علي ما ينبغي فاذا غلب الغريب بحيث عجز الطبيب عن دفعه و استولي علي احد من الاعضاء الرئيسية و لاسيما علي القلب الذي هو محل انبعاث الروح فلايقدر بعد علي تبخير الدم لتعلق الروح به يفارق الروح و يخر البدن ميتاً بلا حراك فاذا فرض دفع الغريب بعد الموت بحيث يصير البدن علي ما هو عليه في حال الحيوة جامعاً للمقادير الكمية و الكيفية من الاخلاط الاصلية الغريزية يرجع اليه الروح كما كان اول مرة بلا تفاوت و هكذا تصرف المتصرفون: في الابدان و دفعوا الموانع الغرائب و جمعوا الاصول كماً و كيفاً و احيوا الاموات باذن اللّه تبارك و تعالي.

فاذا عرفت سبب تعلق الروح للبدن و سبب فراقها منها فاعلم ان الماحضين قد خلصت ارواحهم عن شوائب الغير و بقي ابدانهم مشوبة بشوب الاخلاط الغريبة و لذلك تري المؤمن صحيح الاعتقاد بحيث لايشوب في جميع معتقداته شوب الشكوك و الشبهات الفاسدة و مع ذلك كله لما كان بدنه مشوباً للاخلاط الغريبة يميل في بدنه الي المعاصي و ان كان بروحه كارهاً مبغضاً لجميع المعاصي و ذلك لان بدنه لايطاوع روحه لما فيه من الاعراض في ترك المعاصي فتصدر منه في بدنه و تري الكافر مع فساد اعتقاده قد يصدر منه في بدنه بعض الحسنات لما فيه من الاخلاط الطيبة الغريبة فلو لم‏تكن الغرائب في ابدان الماحضين لم‏يرد عليهم الامراض و قد علمت ان سبب الامراض هي الاعراض فان لم‏يكن لهم عرض لم‏يمرضوا و لم‏يموتوا فمرضهم و موتهم دليل وجود عرض غريب في بدنهم كما لايخفي ذلك علي من اخذ حظاً من العلم الطبيعي و علم الطب فاذا ماتوا بسبب اختلاف المتولدات الاصلية و العرضية و دفنوا في قبورهم و خد لهم من ارواحهم الي ابدانهم و تقوي ابدانهم شيئاً فشيئاً من ارواحهم و قويت بنيانهم دفعت اعراضهم من انفسهم و خلصت الابدان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 97 *»

مناسبة للارواح فجذبت اليها ارواحها فقامت حية بحيوة مستمرة الي نفخ الصور و صار خلوص الابدان من الاخلاط الغريبة سبب دوام اعمارهم الي ذلك الوقت فليس لهم في دوامهم ضعف و فتور و مرض فيعيشون في تلك المدة المديدة في الدنيا في الصحة و السلامة في جنتين مدهامتين و لهم رزقهم فيهما بكرة و عشياً و لهم فيهما ازواج مطهرة يري المؤمن من صلبه الف ولد فضلاً من اولاد الاولاد هذا حال المؤمنين الماحضين في الايمان.

و اما الكفار فكذلك يكونون في طول اعمارهم لخلاص ابدانهم من شوائب الغرائب الطيبة الا انهم مغلولون بايدي المؤمنين فيضربونهم و يعذبونهم بانواع الالام و اقسام الاسقام و يتمنون الموت في كل آن و حين و يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً و لايموتون لخلوص ابدانهم و لايحيون حيوة طيبة لانهم مغلوبون بايدي الغالبين من المؤمنين من الجن و الانس و الملائكة اجمعين في اعناقهم اغلال فهي الي الاذقان فهم مقمحون و يسحبون الي الاطراف للتعذيب و يكون تغذيهم بالقاذورات و العذرات و شربتهم الابوال من جنس ابدانهم و الحمد للّه نعوذ باللّه من النار و من غضب الجبار.

و اما المستضعفون فلايحشرون في الرجعة فيكون ابدانهم في قبورهم كالمدر و كذلك ارواحهم فيكونون في ابدانهم و ارواحهم مشوبين بالاعراض الي ان‏ينفخ في الصور و ذلك في انقطاع عالم الرجعة فاذا نفخ فيه مات الخلق باجمعهم فينفصل حينئذ كل وصل بين الارواح و بين الابدان و بينها و بين الارواح فكل شي‏ء هالك الا وجهه لا حاس و لا محسوس فاذا نفخ فيه اخري فاذا هم قيام ينظرون و ذلك بعد اربعمأة سنة ففي تلك المدة مخضت الارض مخض السقاء و حل كل عقد حتي اذا اتصل كل شي‏ء الي اصله فينعقد اجزاء كل شي‏ء علي الجزئية و يتصل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 98 *»

الاجزاء و يتركب منها المولود من غير عرض عارض لشي‏ء من الاشياء فيصير العالم عالم الاصول و ينقطع عالم الاعراض و لذلك يذبح الموت بين الجنة و النار لانقطاع سببه و هو الاعراض فاذن يحشر كل احد ماحضاً و غير ماحض بالجملة فعالم الرجعة بعينه عالم الدنيا له ليل و نهار و بكرة و عشي الا ان الدنيا هي دار اعراض ابدان الماحضين و غير الماحضين و الرجعة دار خلوص ابدان الماحضين دون غيرهم و دار تعلق روحهم ثانياً بابدانهم الخالصة و الاخرة دار خلوص ابدان جميع الناس اجمعين.

بالجملة و مما بينا لك لعلك عرفت انه يمكن ان‏يتخلص بدن من غير موت اضطراري حتي لايبقي بينه و بين روحه خلل ساد فلايجب ان‏يكون قيام الرجعة بعد موت جميع الماحضين و احيائهم ثانياً فكم مؤمن ماحض حي يتصل حياته بعالم الرجعة من غير موت اضطراري في اواخر الظهور فقد عرفت من هذا البيان ان شاء اللّه تعالي ان المراد بظهوره عجل اللّه فرجه ظهوره ببدنه الظاهري في هذه الدنيا كأبدان آبائه: يراه المؤمن و الكافر و كل ذي عين من الحيوانات يملأ الارض قسطاً و عدلاً بل كانوا بأنفسهم مظلومين محرومين مطرودين محبوسين ممنوعين مغضوبين و لايكون ظهوره7 بعد الموت من الماحضين و ان احيي بعضهم في ظهوره عجل اللّه فرجه و اما الرجعة فتقوم بعد موت الماحضين و تخلص ابدانهم و رجوع ارواحهم الي ابدانهم و ان اتصل اليها بعض الماحضين من غير موت و اما عالم البرزخ فهو غير الظهور و الرجعة كليهما فهو عالم الارواح المفارقة من الابدان فالابدان مقبورة في قبورها و تلك الارواح تطير في هواء عالم البرزخ و عالم المثال و تلك الارواح المثالية و هي حوامل للارواح الاخروية و قد يعبر عن تلك الارواح المثالية بالقوالب و الابدان للارواح الاخروية و بالحواصل من الطيور الخضر يكون فيها الارواح الاخروية فتدبر في خلال ما اختصرت

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 99 *»

لك يحصل لك الفرقان حتي تفرق بين الغيبة و الظهور و الرجعة و البرزخ و الاخرة و لو كان لي مجال ازيد او لم‏اشرح في سائر الرسائل الموضوعة لذلك لبسطت لك القول اكثر لكنك قد سمعت في المباحثات ما يكفيك الاشارة الي ما قصدت و الحمدللّه.

قال سلمه اللّه تعالي: الرابعة: ما معني قول المشايخ اعلي اللّه مقامهم و رفع في الخلد اعلامهم ان للعالم غيب و شهادة و لكل واحد منهما اربع مراتب مرتبة المادة النوعية و الصورة النوعية و المادة الشخصية و الصورة الشخصية فلعالم الغيب مادة نوعية و هي الفؤاد و صورته النوعية هي العقل و مادته الشخصية الروح و صورته الشخصية النفس و لعالم الشهادة ايضاً اربع مراتب فمادته النوعية الطبع و صورته النوعية المادة و مادته الشخصية المثال و صورته الشخصية الجسم و الاشكال و كل الاشكال علينا انا نري الجسم و لانري مراتبه الثلث فوقه مع انا نري مراتب الشي‏ء فيه و لا شك ان لكل واحد منها مواليد فلعالم الطبع مواليد و هم الجن و لانراهم فهم من عالم الغيب و لعالم المادة مواليد و هم الملائكة و لانراهم و لعالم المثال مواليد و هي الحيوانات و نحن لانري الا ابدانها الجمادية فهي كلها من عالم الغيب فلم عدوها من عالم الشهادة فبين لنا مرادهم اعلي اللّه مقامهم ببيان كاف حتي نفهم المراد ان شاء اللّه تعالي.

اقول: اعلم ان مادة الشي‏ء هو ركنه الاعلي و جهته من ربه و صورته ركنه الاسفل و جهته من نفسه و الشي‏ء مركب منهما و قيامه بهما قيام ركن كما ان قيام المادة بالصورة قيام ظهور و قيام الصورة بها قيام تحقق و قيام الاثر بمؤثره([12]) قيام صدور و لكل شي‏ء من الاشياء لابد من هذه القيامات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 100 *»

الاربعة و مثال ذلك السرير فهو مركب من الخشب و هو ركنه الاعلي و من الصورة السريرية و هي ركنه الاسفل و جهته من نفسه فقام السرير بمؤثره قيام صدور و قام بمادته و صورته قيام ركن و قامت مادته بصورته قيام ظهور و صورته بمادته قيام تحقق فتدبر في ذلك تجد كذلك و قد تري مراتب السرير فيه كما تري الخشب و صورته النوعية فيه و تري مادته الشخصية و صورتها فيه و من دقق النظر في الاشياء رأي كل شي‏ء علي طبق كل شي‏ء ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. و ما امرنا الا واحدة و قل من يعرف سر الخلقة و لذلك اختلف افهام الانام في كثير من الاشياء.

فاذا اردت ان‏تطالع ما طالعه الاقلون فاقطع نظرك عما اشتغل به الاكثرون و وقعوا فيما وقعوا فاعلم ان من الانظار ما هو ظاهر محسوس و منها ما هو خفي غير مأنوس اماتري ان الخشب الذي هو المادة النوعية للباب و السرير محسوس بعينه يعرفه كل من عرف الخشب ولكن المسقطي مثلاً مادته النوعية غير معروفة لاكثر الناس مع انهم يعلمون ان له مادة لامحالة فربما وقع فيها الالتباس هل يصنع من دقيق الحنطة او الشعير او الارز او النشاستج مع انهم عارفون بدقيق الحنطة و الشعير و الارز و النشاستج و لايعرفون مادة المسقطي لما استحالت عن عباطتها و اختلطت بسائر الاشياء اماتري المعادن كلها و انت لاتري موادها و لاتعلم ان كل واحد منها حصل من اي شي‏ء و ان علمت انها من العناصر مبهماً مجملاً فتدبر فكم من عارف بشي‏ء جاهل بمواده العالية و مراتبه المتعالية لما حصل لها التغيرات و الاستحالات التي لايعلمها الا اللّه تبارك و تعالي او من اشهدهم اللّه تعالي خلق السموات و الارض و خلق انفسهم فمن ذلك ما سألت عنها فاعلم ان جميع المواليد موادها من السموات و هي الاباء كما ان صورها من الارضين و هي الامهات كما ان مادة الاجنة من نطف آبائهم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 101 *»

و صورهم من ارحام امهاتهم هو الذي يصوركم في الارحام([13]) فمادة جميع النبات([14]) من الشمس لما تري من بروزها في الربيع و الصيف و فنائها في الخريف و الشتاء و مع ذلك لاتري بعينك الشمس في النباتات بل تراها فيها اذا جسست خلالها و تفحصت عن احوالها بعقلك لا ببصرك.

فاذا علمت ذلك فاعلم ان جميع المواليد معدومات في الماء و التراب و لابد من استخراجها منهما من فاعل غيرهما اذ لو كانا بانفسهما مخرجاً لما فيهما لاخرجا لانهما موجودان غير منتظرين لانفسهما فهما قابلان لفعل فاعل غيرهما فيهما و اعظم الفواعل في هذا العالم الشمس و هي الاب الاكبر و النير الاعظم فالقت نطفتها بوساطة آلاتها و هي شعلاتها الحارة اليابسة العالية المستعلية المتحركة في ارحام الارضين القابلة الساكنة تحتها و تلك النطفة علي طبع الفاعل الحار اليابس فوقعت في فضوة من فضوات الارض و انبتت نباتاً علي طبعها الحار اليابس كالدارصيني مثلاً و وقعت في فضوة اخري منها فانبتت نباتاً علي خلاف طبعها البارد الرطب كالبنفسج مثلاً و هما مادتهما من الشمس و صورتهما من طبع الارض و انت تري بعقلك ان مادتهما من اشراق الشمس و صورتهما من القوابل الارضية و انت لاتري ببصرك فيها الشمس بل و لاتري الماء و التراب فيهما بعباطتهما فان تدبرت بعقلك تجد ان الارزاق كلها في السماء و نزلت الي الارض و في السماء رزقكم و ما توعدون فو رب السماء و الارض انه لحق مثلَ ما اَنكم تنطقون فبذلك تعرف ان شاء اللّه تعالي ان كل ما في الارض نزل من العرش و هو الاب الاكبر الاول و هو المادة الاولي للاشياء اذ بحركته تحركت الشمس و القمر و ساير الكواكب فهو المادة الاولي بفعله و حركته النازلة الي الشمس و من الشمس الي ساير

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 102 *»

الكواكب و الي الارض و فيه تمثال كل شي‏ء كما في الخبر فهو المادة الاولي لما في الارض و الشمس هي المادة الثانية لها الاتري انه لو لم‏يتحرك لم‏يتحرك شي‏ء مما دونه فلم‏يظهر صورة من مادة و كذا اذا تحرك و لم‏تتحرك الشمس لم‏يتولد في الارض متولد فلم‏يوجد جماد و لا نبات و لا حيوان و لا انسان و لا شي‏ء من الاشياء مما قد تكون بين السماء و الارض و لا موادها و لا صورها فاذا دار العرش بنفسه و ادار السموات و القت ما فيها الي الارض و تخلت فالقت الارض ما فيها و تخلت فامني كل واحدة باقتران صاحبها و وقاعها لها فامتزجت النطفتان في فضوة من الفضوات و توارد عليهما الحر و البرد فانحلتا بالحرارة و انعقدتا بالبرودة حتي صار الانحلال طبيعياً فصارتا شيئاً واحداً و حبة واحدة اما للجماد او للنبات او للحيوان او للانسان و الي هنا قد تم نصف العمل بتمام الحجر المكرم و يكون بعد ذلك مخلقة و غير مخلقة بحدوث حادث او منع مانع و ذلك تقدير العزيز العليم و لاتزعم من ظاهر العلم ان الارض ايضاً مادة لشي‏ء مما فيها و عليها لانها بنفسها من غير القاء شي‏ء فيها من السماء ليست بذي اثر نعم اذا القت السماء في مرآتها عكساً من عكوسها حصل فيها اثر و هو ايضاً من السماء لا من الارض فتدبر في قوله تعالي و في السماء رزقكم و ما توعدون.

بالجملة فاذا عرفت ذلك ان شاء اللّه تعالي عرفت ما اذا قيل لك ان الشمس مادة للمكونات ان المراد انها بفعلها و شعاعها هي المادة لانفسها فليس في شي‏ء من جزء من ذات القرص كما يكون في السرير قطعة من نفس الخشب فتدبر في ذلك و كذلك اذا قيل ان العرش هو المادة الاولي للاشياء ليس فيها من نفس الفلك التاسع شي‏ء لكن الاشياء كلها خلقت من آثاره و آثار آثاره علي حسب قربها و بعدها بالنسبة اليه فاذا عرفت ذلك دنوت الي ما هنالك فاعلم ان اللّه سبحانه خلق بمشيته المطلقة ماسواها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 103 *»

و هو الوجود المقيد بالنسبة الي المشية فاذا تدبرت في هذا الوجود المقيد وجدته بتمامه لايخلو من فاعل و قابل لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فالفاعل مقتضاه الفعل كما ان مقتضي القابل القبول اي قبول فعل الفاعل كما ان مقتضي النجار النجارة و مقتضي الخشب قبول النجارة فتدبر ذلك تجد كذلك ثم تدبر في الفواعل و القوابل فتجد كثيراً منها فواعل نسبية و كذا القوابل فتجد الرياح مموجات فاعلة و البحار متموجات قابلة فاذا تدبرت في الرياح تجدها اهوية متموجة كالمياه المتموجة فكما ان المياه قوابل للتموج و هو فرع التمويج و هو من الرياح لا من نفس المياه كذلك الهواء لايكون له الحركة بنفسه و انما حركه غيره من شعلات الكواكب فهو محرك للماء متحرك بغيره فاعل بالنسبة الي الماء قابل بالنسبة الي فاعله فاذا تدبرت في ذلك عرفت ان الحركة غير نفس المتحرك ان وقعت عليه و قبلها تحرك و ان طارت سكن و لم‏يتحرك ثم تدبر في نفس الحركة فتجدها انها بسيطة ليس في نفسها ميل الي طرف من الاطراف فاذا تعلقت بالقوابل اللطيفة الخفيفة صعدتها و ان تعلقت بالكثيفة الثقيلة اهبطتها فانظر الي النبات و الي عروقه الناشبة@الناشئة خ‌ل@ الهابطة و الي فروعه الصاعدة حتي تجد الامر الواقع فاختلاف الحركات حصل من اختلاف القوابل و تعددت بتعددها فليس في نفسها اختلاف و لا تعدد.

فاذا عرفت ذلك فاعرف ان ماسوي نفس الحركة هي القوابل المتحركة بتلك الحركة و هي الفعلية المحضة و بها صارت الامكانات بالفعل في كل مكان بحسبه و ظهرت في كل مقام بحسبه فظهرت في عالم الاجسام بالحركات الجسمانية و في المثال حركات مثالية و في النفس نفسانية و في العقل عقلانية و تلك الحركة في نفسها ليست بعقلانية و لا نفسانية و لا مثالية و لا جسمانية فهي في نفسها يمكن ان‏تكون عقلانية او نفسانية و هكذا الي الجسمانية اي يمكن ان‏تظهر في كل عالم بحسب ذلك العالم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 104 *»

و رتبتها في نفسها فوق جميع المراتب و عالمها فوق جميع العوالم اذ لو كانت محبوسة في مقام لم‏يمكن لها النفوذ في غيره كما هو حال كل محدود محبوس فتدبر في ذلك كمال التدبر حتي تجد احاطتها بكل شي‏ء و سعتها و وسع كرسيها السموات و الارض و الغيب و الشهادة فيرجع اليها الامر كله فكل حركة راجعة اليها صادرة منها فهي مادة المواد و اصل الاصول كما ان الحركات الجسمانية کلها راجعة الي العرش صادرة منه و هو المادة الاولي لساير الحرکات سواء كانت اينية او وضعية او ظاهرية او باطنية كحركة الحرارة و البرودة من القوة الي الفعلية او حركة الاصوات من قوة الاجسام الي الفعلية او حركة الطعوم و الروايح من القوة الي الفعلية او حركة الالوان و الضياء و الظلمة الي الفعلية اذ به تحركت المتحركات و سكنت السواكن و جميع ماسواه ابواب فيضه في اجراء فعله فتدبر في الظاهر حتي تجد الباطن قال مولينا الرضا7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا. ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور.

ثم اعلم ان المراتب القابلة لها مقامان غيب و شهادة فالشهادة سميت بالمادي و الدنيا ايضاً كما ان الغيب مسمي بالمجرد و الاخرة ايضاً فالمراد بالدنيا هي دار الفناء و المراد بالاخرة هي دار البقاء و المراد بدار الفناء ما كان فيه مرور الاوقات فاذا جاء وقت فات وقت لامحالة كما تري عياناً مضي الاوقات الماضية و فنائها و فناء ما فيها من الحوادث في الحال و ستصير الحال ايضاً ماضياً فانياً في حال اخري و هكذا و هذه الحالة ظاهرة في هذا العالم و كمثله عالم المثال و البرزخ ايضاً فانك تجد مشاعرك المثالية المتكونة فيه لها بداوات و مرورات ماضية فانية و انتظارات و ترقيات مستقبلة فما كان فيه البداوات كان فيه المواضي و يكون فيه استقبالات و ذلك دليل الزوال و الفناء و اما الاخرة فهي دار القرار و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 105 *»

ليس فيها فناء و زوال و وجدوا ما عملوا حاضراً و لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها فدار الفناء من هذه الدار الي المثال و هي شهادة الغيب و دار القرار من النفس الي الفؤاد و قد ظهر الحركة المطلقة في الغيب بحسبه و في الشهادة بحسبها كما مر فاول تعينها في عالم الغيب بالفؤاد و ظهور ذلك التعين في العقل اذ به اعتقلت الحركة و ظهرت به كما ان الحركة الجمسانية لاتظهر الا بالجسم و نفس تلك الحركة لم‏تظهر في شي‏ء و لم‏تنزل بذاتها كما ان العرش في هذا العالم لم‏ينزل بنفسه و لم‌تكن مواد المتولدات قطعة منه ولكنها حصلت و تولدت منه بواسطة او وسائط كما اشرت اليه سابقاً.

بالجملة فصار العقل بعد تحركه من تلك الحركة مادة اولية للاشياء فيه و بما فيه من الحركة تحركت الارواح و بها و بما ظهرت فيها تحركت النفوس و الي هنا قد تم مراتب الغيب و التجرد و لكل مرتبة من المراتب الاربع عرش و كرسي و افلاك و عناصر و متولدات كأهل عالم الاجسام حرفاً بحرف ولكن لم‏تظهر الحركة في الادني الا بعد ظهورها في الاعلي كما لم‏تظهر الحركة في الماء ما لم‏تظهر في الهواء و هكذا كل دان بالنسبة الي عاليه حتي انتهي الامر الي العرش فبحركته تحركت الاشياء دونه الي قرار الارض السابعة السفلي و اشار الي هذا المعني بقوله تعالي ان يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد علي ظهره بالجملة فظهرت الحركة بوساطة تمام مراتب الغيب في بدو عالم الشهادة و هو المسمي بالطبع و له ايضاً مراتب من العرش الي الفرش و بينهما مواليد و هم الجن و لما كان متصلاً بالغيب كان يجري فيه من الدوام و البقاء كما في الغيب و يجري التدرجات فيما دونه الي هذه الدنيا فبالطبع و بما فيه من الحركة تحركت المادة و فيها ايضاً مراتب فهذه المادة هي المادة الثانية كما ان العقل هو المادة الاولي كما ان العرش في هذا العالم هو المادة الاولي و الشمس هي المادة الثانية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 106 *»

و السر في تسمية بعض المراتب العالية بالمادة دون بعض مع ان كل عالم@عال خ‌ل@ بالنسبة الي مادونه له مادية ان بعض المراتب قد غلب فيه البساطة الفعلية و بعضها قد غلب فيه التركيب اي تركيب الفعلية بالقابلية و بعضها بين بين فما كان فيه البساطة و التركيب بين بين ناسب ان‏يسمي بالمادة دون غيرها فلاجل ذلك يسمي الجوهر مع قطع النظر عن الصورة بالهيولي فاذا البس([15]) الهيولي الصورة تسمي الهيولي في ضمن الصورة بالمادة فاذا لوحظ العالم و قسم بالغيب و الشهادة كان في الغيب مقام المادة كما كانت في الشهادة فالمركب من الغيب و الشهادة كالانسان له مادتان مادة من الغيب و هي الاولي و مادة من الشهادة و هي الثانية و مع ذلك ليس له من نفس الاولي و الثانية شي‏ء كما لم‏يكن للمتولدات الجسمانية من نفس العرش و الشمس قطعة و ان لهما منهما ما ظهرت فيها من تأثيرهما و هما اصل التأثير بحيث لو سكنا لم‏يوجد متولد مطلقاً بالجملة فالمراد من المادة في العالمين ما بينت لك و ذلك لاينافي عدم وجود نفس المرتبة العالية في مواليد المرتبة الدانية كما شرحت و اوضحت و علي ما شرحت عرفت ان لكل شي‏ء من الموجودات الجسمانية اثر من العقل الاول الذي هو وسط الكل و اثر من المادة الثانية كما ان لها اثر من العرش و اثر من الشمس الا ان العقل غير مقارن لها كالمادة الثانية بخلاف العرش و الشمس فانهما مقارنان لانهما من جنس المواليد جسمانيان و ان لهما وسائط الي المواليد كالعقل و المادة الثانية و قد فرق ساير الحكماء ايضاً بين الفاعل المقارن و غير المقارن و هذا القدر من البيان كاف لك ان شاء اللّه مع ما سمعت منا في المباحثات و لقد علمت ان البلايا بانواعها واردة و مدافعتها مانعة من البسط في البيان اكثر مما بان.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 107 *»

قال سلمه اللّه تعالي: الخامسة، هل يأتي وقت ان لايتصرف المثال في الجسم ام لا فان كان الاول فهو علي خلاف الحكمة الطبيعية و ان كان الثاني فما معني قوله تعالي يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب و ما معني كل شي‏ء هالك الا وجهه و ما معني كل من عيها فان و يبقي وجه ربك ذو الجلال و الاكرام و ما معني قول اللّه بعد فناء الخلق لمن الملك اليوم فلايجيبه احد و هو سبحانه يقول للّه الواحد القهار.

اقول: تصرف كل عال في دانيه من المراتب المتنزلة اي السلسلة العرضية المترتبة كالمثال و الجسم كان و يكون دائماً لا انقطاع له ابداً و ذلك لان الشي‏ء مادام باقياً يكون له فعل و اثر لامحالة كما بيناه في المباحثات و سمعت منا شفاهاً كما اذا كان جسم موجوداً لابد له من حركة او سكون و لايمكن ان‏يكون الجسم موجوداً من غير فعل سواء كان حركة او سكوناً و كذا اذا كانت النار موجودة لابد لها من فعلها الذي هو الحرارة و هكذا كان الامر في كل شي‏ء حتي ان انفعال المنفعل هو فعله الذي لابد له منه فاذا كان الامر كذلك فاعلم ان كل عال([16]) بالنسبة الي دانيه دائم الفعل و كل دان بالنسبة الي عاليه دائم الانفعال فمن جملة ذلك انفعال الجسم و فعل المثال ماداما موجودين نعم بينهما حالات و احكام و اقتضاءات لابد من التنبيه و الاشارة اليها و مثال ذلك للايضاح ان النار اذا اثرت في الشمع لينته في الجملة و لما تظهر فيكون المرئي هو مرئي الشمع لغلبته عليها و خفائها فيه فاذا دام اثرها عليه اذابه و لما تظهر النار لمغلوبيتها و غلبته ايضاً ولكنه شابهها في بعض الخصال فاذا دام اثرها عليه بخرها و لماتظهر عليه ولكن البخار اشبه بها من الشمع المذاب و هو اشبه بها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 108 *»

من الجامد فاذا دام فعلها عليه دخنه و لماتظهر@لمايظهر خ‌ل@ عليه ايضاً في اول تكونه حتي اذا غلبت عليه اشتعلت فيه فتظهر حينئذ النار و يخفي الدخان و ذلك لغلبة النار و مغلوبية الدخان و البخار و المذاب و الجامد.

فاذا عرفت المثال الذي ضربته لك و تدبرت فيه عرفت الحالات بين كل فاعل و قابل و تلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. و ما امرنا الا واحدة فاذا تدبرت ذلك فاعلم ان كلما دام فعل الفاعل علي القابل ازداد تأثيراً ففي اول التأثير يكون الفعل في الدرجة الاولي في القابل فاذا دام الاثر في الوقت الثاني علي القابل حصل فيه درجتان لما كان فيه في الوقت الاول و ازداد في الوقت الثاني و هكذا ففي الوقت الثالث حصل فيه ثلثة اضعافه و في الرابع اربعة اضعافه و هكذا الي غير النهاية ليس لمحبتي غاية و لا نهاية ان الي ربك المنتهي و لا نهاية له فاذا عرفت ذلك فاعلم ان هذا العالم الجسماني في بدو تأثير المثال فيه كانت الغلبة للجسم و ان اثر فيه المثال كما ضربت لك المثال فاذا دار عليه دورة ثانية ازداد المثالية فيه درجة و خفي الجسمانية درجة و هكذا ولكن من بدو دورانه الي الان كانت الغلبة لدولة الباطل الجسمانية الي ظهور القائم عجل اللّه فرجه و سهل مخرجه فذلك وقت غلبة الحق المثالي علي الباطل الجسماني فقل في دولته7 جاء الحق و زهق الباطل و انمحت آثاره و خربت عمرانه و عفت رسومه و طوي اللّه جلّ‏جلاله سمواته و ارضيه بظهور الحجة7 كطي السجل للكتب و رفع الظلم و الجور من الارض بعد ما ملئت و صارت الارض غير الارض الاولي فانها ارض ظلم و جور و كذا السموات غير السموات الاولي لانها دارت علي ارضها و اعانت الظالمين علي ظلمهم و طلعت الشمس من مغربها بعد غروبها في دولة الباطل فدارت السموات الجديدة بكواكبها علي الارض الجديدة و اهلها دورة جديدة هي دورة القسط

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 109 *»

و العدل و الامن و الايمان.

بالجملة فان شئت قلت ان الارض هي الارض الاولي الا انها ملئت ظلماً و جوراً و كذا السموات و ان شئت قلت انهما انمحت آثارهما و خربت بنيانهما و خلقت ارض جديدة و سموات جديدة فدارت السموات علي الحق و سكنت الارض علي الحق و عامل اهلها علي الحق بالحق للحق فالمادة الجسمانية في كلتا الحالتين واحدة و انهما زالت عنها الظلم و الجور و ملئت قسطاً و عدلاً([17]) في الحالة الثانية فكانت الصورة الاخري غير الاولي لان صورة الاولي هي الظلم و الجور و صورة الاخري هي القسط و العدل فكانت المادة واحدة و الصورة متعددة و هكذا تكون حال سموات عالم الرجعة و ارضيه فتكون هي هي مادة و هي غيرها صورة و هكذا تكون حال سموات عالم الاخرة و ارضيه فهي هي مادة و هي غيرها صورة و هكذا حال اهل تلك العوالم فهم هم مادة و قد تغير لهم الصورة و ليس ذلك الا لاجل فعل الفواعل دائماً و انفعال القوابل مستمراً و تكون الغلبة في المآل للفواعل بحيث تنجذب اليها القوابل حتي القوابل التي تكون بالنسبة الي مادونها فواعل حتي تنتهي الامور الي الواحد القهار فذلك هو الوجه الباقي بعد فناء كل شي‏ء فهنالك الولاية للّه الحق جلّ‏جلاله و عمّ‏نواله فلايبقي لباطل غلبة و لا ولاية و سلطنة الا و هو مغلوب مغلول و الحمد للّه الا الي اللّه تصير الامور انا للّه و انا اليه راجعون ان الي ربك المنتهي. ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم. اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم و امره اليكم صلوات اللّه عليكم.

بالجملة و ذلك كله لاينافي وجود شي‏ء في مكانه و وقته دون مكان غيره و وقته فتدبر ثم تفكر في معني الفناء و لاتزعم ان معناه في جميع المراتب ما يتبادر الي الاذهان فانه بمعني العدم و اعادة المعدوم مما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 110 *»

لايجوزه عقل السليم([18]) و لايتعلق به فعل الحكيم تعالي عما يصفه المشبهون علواً كبيراً و ليس في محال القول حجة و لا في المسألة عنه جواب و لا للّه في معناه تعظيم كما روي عن معدن العلم و منبع الحكمة صلوات اللّه عليه. فتفكر انك اذا كسرت الكأس و جعلتها قطعاً عديدة ثم وضعت كل قطعة في موضعها و وصلت بينها فقد اعدتها علي ما كانت من قبل بعد ما كسرتها و افنيتها و افسدتها بخلاف ما اذا جعلتها تراباً كساير الاتربة ثم اصبت عليه الماء الجديد و جعلتهما طيناً ثم قصعت قصعة اخري فانك حينئذ قصعت قصعة اخري غير الاولي و لم‏تعد الاولي فانها عدمت و لايمكن تعلق فعلك باعادته و ان صنعت القصعة الثانية علي صورة القصعة الاولي الاتري ان الاشجار تثمر كل سنة ثمرة و ثمراتها في السنوات متشابهة و مع ذلك كانت الثمرات في السنوات الماضية مأكولة مدفوعة و هي غير الثمرات السنوات الاتية فانها لما اكلت فان فرضت المأكولة المدفوعة وقعت في عروق الشجرة و جذبتها اليها و اثمرت في سنة اخري لم‏تعد الاولي فانها استحالت عذرة و تعلق بها حكم النجاسة ثم استحالت تراباً و تعلق بها حكم الطهارة الي ان‏صارت شجراً و ثمراً آخر و قل من ميز بين الامرين فلاتغفل انت و لاتكن من الغافلين.

فاعلم ان المراد من فناء الخلق و اعادتهم هو اماتتهم و احياؤهم لا اعدامهم و احداثهم ثانياً فان المحدث الثاني غير المعدوم الاول و لاتزر وازرة وزر اخري بخلاف الاحياء بعد الاماتة فان الحي الثاني هو الميت و هو الحي الاول فالمادة في الحالات الثلث باقية غير مستحيلة الي شي‏ء آخر و ان اختلفت صور الحالات الثلث فصورة الحالة الاولي صورة الحيوة الدنيا و صورة الموت غير صورة الحيوة الدنيا و كذا صورة الحيوة الاخري هي غير صورة الحيوة الدنيا و موتها و المادة في جميع

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 111 *»

الحالات واحدة اما منعمة([19]) او معذبة اماتعلم ان الميت منعم ان كان مؤمنا و معذب ان كان كافراً و لاتزعم ان روحه منعمة او معذبة و ان جمسه لايحس بنعمة و لا الم اماتعلم ان لقبر المؤمن اخدوداً الي الجنة و يصل الي بدنه الروح و الريحان و يتنعم بها و ان لقبر الكافر اخدوداً الي جهنم([20]) و يصل الي بدنه من فوحها و حرها و يتألم بها و شرح ذلك مما يطول و قد شرحت ذلك في الرسالة الموضوعة في المعاد ان شئت فراجع اليها تجدها وافية كافية ان شاء اللّه.

فمن الاشياء ما طرأ عليه الفناء بمعني العدم كالحوادث الماضية الدنيوية فلاتعود ابداً في حال و لا استقبال و ان كانت مرسومة في اوقاتها الماضية و منها ما طرأ عليه الفناء و الهلاك بمعني الموت لا بمعني العدم كما اشرت اليه فليست المباينة و التقابل بين الموت و الحيوة تقابل العدم و الملكة كما زعمه الزاعمون و قد اشار الي ذلك قوله تعالي خلق الموت و الحيوة فالموت مخلوق كالحيوة بخلاف العدم و الوجود فالوجود مخلوق و العدم ليس محض لم‏يتعلق به الجعل فالتقابل بين الموت و الحيوة تقابل الاتصال و الانفصال و الحل و العقد الاتري الماء و الجمد و المذاب و المحلول فانهما جوهران موجودان و ان كان صورة الاذابة غير صورة الحل فافهم ما لم‏تجد في كتاب و لم‏تسمعه من خطاب فالذهب المحلول في بعض المياه الحادة ذهب ميت لانفصال كل جزء منه عن كل جزء بحيث اذا نظرت الماء تري الماء و لاتري من الذهب شيئاً و قد يزعم الزاعم انه ماء صرف ليس فيه شي‏ء من الذهب فكم من شاهد مشاهد يشهد بنفي الذهب و هي عند العارف العالم غير مقبولة و هو يعلم ان فيه الذهب بالفعل و يشهد شهادة مقبولة ولكنه مقبور مستور بحجاب الماء غرق فيه كالمقبور المحجوب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 112 *»

في التراب و غيره فاذا احيي المحيي ذلك الميت المستور بالمخض و التحريك حتي يتصل كل جزء منه بكل جزء ينفصل بكله عن الماء فيصير ذهباً حياً غير مقبور كما كان اول مرة فالمراد بهلاك الاشياء في بعض المواضع هو موتها و المراد من موتها حلها في اتربة قبورهم او في المياه او في الاهوية او في النيران او في السماء او في الارض فلذلك يحييهم اللّه المحيي جلّ‏جلاله بعد هلاكهم و موتهم و ينعم علي اهل النعيم و يعذب اهل الجحيم و ذلك تقدير العزيز العليم و تدبير المدبر الحكيم لا ما ذهب اليه المشبهون بانه يرجع الي ذاته كل خلقه فيفني الخلق باجمعهم و يبقي الذات وحده نعوذ باللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين فقالوا:

و ما الناس في التمثال الا كثلجة   و انت لها الماء الذي هو نابع
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه   و يوضع حكم الماء و الامر واقع

و قد صرحوا علي هذه الريبة بانقطاع العذاب و صيرورته عذباً و في ذلك ابطال ارسال الرسل و انزال الكتب و هو قول طائفة من اليهود حشرهم اللّه معهم حيث اخبر اللّه سبحانه عنهم بقوله و قالوا لن‏تمسنا النار الا اياماً معدودة قل اتخذتم عند اللّه عهداً فلن‏يخلف اللّه عهده ام تقولون علي اللّه ما لاتعلمون بلي من كسب سيئة و احاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون فتدبر في الاية و قول اليهود لعنهم اللّه و رده سبحانه عليهم عليهم اللعنة و تعجب ممن اتبعهم من اهل الاسلام و استدلالهم بالادلة العقلية علي زعمهم التي هي الادلة الجهلية بان العذاب هو القسر و القسر الابدي محال فله انقطاع لامحالة و ان طال مدته و قد اولوا الخلود بطول المدة و استشهدوا بالاحقاب التي في الاية و هي جمع الحقب و الحقب ثمانون سنة او ثمانون الف سنة فله انقطاع في المآل او اولوا بانه لاينافي خلودهم فيها انقطاع عذابها بصيرورتهم متطبعاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 113 *»

بطبعها كما قال في كتابه المسمي بعين اليقين:

«ثم ليعلم ان الالم عقلياً كان او حسياً لابد و ان‏يزول يوماً و يؤل الي النعيم و لو بعد احقاب لان القسر لايدوم و الهيئات المضادة للحق غريبة عن جوهر النفس فلذا ما تلزمها قال الشيخ في فصوص الحكم اما اهل النار فمآلهم الي النعيم لكن في النار اذ لابد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب ان‏يكون برداً و سلاماً علي من فيها و هذا من نعيمهم و قال في موضع آخر منه الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد و الحضرة الالهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد بل بالتجاوز فلاتحسبن اللّه مخلفَ وعده رسله و لم‏يقل وعيده بل قال و يتجاوز عن سيئاتهم و يصدقه ما رواه شيخنا الصدوق في كتاب التوحيد عن مولينا الصادق7 عن آبائه قال قال رسول اللّه9 من وعده اللّه علي عمل ثواباً فهو منجز له([21]) و من اوعده علي عمل عقاباً فهو بالخيار و قال في الفتوحات([22]) يدخل اهل الدارين فيهما السعداء بفضل اللّه و اهل النار بعدل اللّه و ينزلون فيهما بالاعمال و يخلدون فيهما بالاعمال و يخلدون فيهما بالنيات فيأخذ الالم جزاء العقوبة موازياً لمدة العمر في التنزل في الدنيا فاذا فرغ الالم حصل لهم نعيم في الدارين يخلدون فيهما حيث انهم لو دخلوا الجنة تألموا لعدم موافقة الطبع الذي جبلوا عليه فهم يتلذذون بما هم فيه من نار و زمهرير و ما فيها من لدغ الحيات و العقارب كما يلتذ اهل الجنة بالظلال و النور و لثم الحسان من الحور لان طبايعهم و تقتضي@طبايعهم تقتضي خ‌ل@ ذلك الاتري الجعل يتضرر بريح الورد و يلتذ بالنتن و قال ايضاً ان النار قد تتخذ دواء لبعض الامراض و هو الداء التي لاتشفي الا بالكي من النار كقوله فتكوي بها جباههم و جنوبهم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 114 *»

فقد جعل اللّه النار وقاية في هذا الموطن من داء هو اشد من النار في حق المبتلي به الي قوله فدفع بدخولهم النار يوم القيمة داء عظيماً اعظم من النار و هو غضب اللّه و لذلك يخرجون بعد ذلك من النار الي الجنة كما جعل اللّه في حدود الدنيا وقاية من عذاب الاخرة».

و قال المحقق الكاشي([23]) في شرحه للفصوص: «ان اهل النار اذا دخلوها و تسلط العذاب علي ظواهرهم و بواطنهم ملكهم الجزع و الاضطراب يلعن بعضهم بعضاً متخاصمين متقاولين كما ينطق به كلام اللّه في مواضع و قد احاط بهم سرادقها فطلبوا ان‏يخفف عنهم العذاب او ان‏يقضي عليهم كما حكي اللّه عنهم بقوله يا مالك ليقض علينا ربك او ان‏يرجعوا الي الدنيا فلم‏يجابوا الي طلباتهم بل اخبروا بقوله لايخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون و خوطبوا بمثل قوله: انكم ماكثون. اخسئوا فيها و لاتكلمون فلما يئسوا و وطئوا انفسهم علي العذاب و المكث علي مر السنين و الاحقاب و تعللوا بالاعذار و مالوا الي الاصطبار و قالوا سواء علينا اجزعنا ام صبرنا ما لنا من محيص فعند ذلك رفع اللّه العذاب من بواطنهم و خبت نار اللّه الموقدة التي تطلع علي الافئدة ثم اذا تعودوا بالعذاب بعد مضي الاحقاب الفوه و لم‏يتعذبوا بشدته بعد طول مدته و لم‏يتألموا به و ان عظم ثم آل امرهم الي ان‏يتلذذوا به و يستعذبوه حتي لو هب عليهم نسيم من الجنة استكرهوه و يعذبوا به كالجعل و تأذيه برائحة الورد لتألفه بنتن الارواث و القاذورات».

و قال القيصري: «اعلم ان من اكتحلت عينه بنور الحق يعلم ان العالم بأسره عباده و ليس لهم وجود و لا صفة و فعل الا باللّه و حوله و قوته و كلهم محتاجون الي رحمته و هو الرحمن الرحيم و شأن من هو موصوف بهذه الصفات ان لايعذب احداً عذاباً ابدياً و ليس ذلك المقدار من العذاب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 115 *»

الا لاجل ايصالهم الي كمالاتهم المقدرة كاذابة الذهب و الفضة بالنار لاجل الخلاص مما يكدرها و ينقض عيارها فهو يتضمن اللطف و الرحمة كما قيل:

و تعذيبكم عذب و سخطكم رضي   و قطعكم وصل و جوركم عدل»

و قال ايضاً: «ان العذاب بالنسبة الي العارف الذ و احلي في النار بسبب الاعمال السيئة عذب من وجه و ان كان عذاباً من وجه كما جاء في الحديث ان اهل النار يتلاعبون فيها بالنار و الملاعبة لاتنفك عن التلذذ و ان كان معذباً لعدم وجدانه ما امن به من جنة الاعمال التي هي الحور و القصور بالنسبة الي قوم و بطلب استعدادهم البعد من الحق و القرب من النار الي ان قال و بالنسبة الي المنافقين الذين لهم استعداد الكمال و استعداد النقص و ان كان اليماً لادراكهم الكمال و عدم امكان الوصول اليه لهم ولكن لما كان استعداد نقصهم اغلب رضوا بنقصانهم و زال عنهم تألمهم بعد انتقام المنتقم من تعذيبهم فانقلب العذاب عذباً كما يشاهد ممن لايرضي بامر خسيس اولاً ثم اذا وقع فيه و ابتلي و تكرر صدورها منه تألف به و اعتاد فصار يفتخر به بعد ان كان يستقبحه و بالنسبة الي المشركين الذين يعبدون غير اللّه من الموجودات فيسلم منه لكونهم حصروا الحق فيما عبدوه و جعلوا الاله المطلق مقيداً و اما من حيث ان معبودهم عين الوجود الحق الظاهر في تلك الصور فمايعبدون الا اللّه كان العذاب عظيماً لكنهم لم‏يتعذبوا به لرضاهم ما فيه فان استعدادهم يطلب ذلك كالاتوني يفتخر بما هو فيه و عظم عذابه بالنسبة الي من يعرف ان وراء مرتبتهم مرتبة و انواع العذاب غير مخلد علي اهله من حيث انه عذاب لانقطاعه لشفاعة الشافعين و آخر من يشفع هو ارحم الراحمين كما جاء في الصحيح لذلك ينبت الجرجير في قعر جهنم و بمقتضي سبقت رحمتي غضبي([24]) و قال استاذنا سلمه اللّه ان

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 116 *»

الاصول الحكمية دالة علي ان القسر لايدوم علي طبيعة و ان لكل موجود غاية يصل اليه يوماً و ان الرحمة الالهية وسعت كل شي‏ء كما قال جلّ‏ثناؤه عذابي اصيب به من اشاء و رحمتي وسعت كل شي‏ء و عندنا ايضاً اصول دالة علي ان الجحيم و شرورها دائمة باهلها كما ان الجنة و نعيمها و خيراتها دائمة باهلها الا ان الدوام لكل منهما علي معني آخر و اشار دام ظله بذلك الي عدم المنافاة بين عدم انقطاع العذاب عن اهل النار و بين انقطاعه عن كل واحد من اهلها في وقت فافهم».

الي ان قال: «و مما استدل به علي ذلك في الفتوحات قوله تعالي اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون و ما ورد في حديث النبوي لم‏يبق في النار الا اهلها الذين هم اهلها و ذلك لان اشد العذاب علي احد مفارقة وطنه الذي الفه فلو فارق النار اهلها ليعذبوا باغترابهم عما اهلوا له و ان اللّه قد خلقهم علي نشأة تألف ذلك الموطن قال استاذنا دام‏ظله هذا استدلال ضعيف يبني علي لفظ الامي الاهي و الاصحاب (كذا) و يجوز استعمالها في معني آخر من المعاني النسبية كالمقارنة و المجاورة و الاستحقاق و غير ذلك و لانسلم ايضاً ان مفارقة الموطن اشد العذاب الا ان‏يراد به الموطن الطبيعي و اثبات ذلك مشكل و الاولي في الاستدلال علي هذا المطلب ان‏يستدل بقوله تعالي و لقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن و الانس الاية فان المخلوق الذي غاية وجوده ان‏يدخل في جهنم بحسب الوضع و القضاء الرباني لابد ان‏يكون ذلك الدخول موافقاً لطبعه و كمالاً لوجوده اذ الغايات كما مر كمالات للوجودات و كمال الشي‏ء موافق له لايكون عذاباً في حقه و انما يكون عذاباً في حق غيره ممن خلق للدرجات العالية الي ان قال و ليعلم ان بين نعيم اهل الجنة و نعيم اهل النار عند افاضة الرحمة عليهم بوناً بعيداً و لهذا ينبت في قعر جهنم الجرجير و لاينبت الورد الفرفير فان نعيم اهل النار رحمة ارحم الراحمين بعد الغضب و العذاب و نعيم اهل الجنة من حضرة الرحمن الرحيم و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 117 *»

الامتنان الجسيم و الاولي كالقشر للثاني لكثافة ذلك و لطافة هذا كالتبن و النخالة للحمار و البقر و لباب البر للانسان و البشر الي ان قال فعمرت الداران و سبقت الرحمة الغضب و وسعت كل شي‏ء جهنم و من فيها و قال صاحب الفتوحات و قد وجدنا في نفوسنا ممن جبل علي رحمته لو حكمه اللّه في خلقه لازال صفة العذاب عن العالم و اللّه قد اعطاه هذه الصفة و معطي الكمال احق به و صاحب هذه انا و امثالي و نحن عباد مخلوقون اصحاب اهواء و اغراض و لا شك انه ارحم بخلقه منا و قد قال عن نفسه جلّ‏علاؤه انه ارحم الراحمين فلا شك انه ارحم بخلقه و نحن عرفنا من نفوسنا هذه» انتهي بعض كلامه لانه سبب التطويل بايراد تمامه.

فانظر ماذا تري من زخرف القول غروراً و هو قول اليهود كما حكي اللّه عنهم بقوله و قالوا لن‏تمسنا النار الا اياماً معدودة قل اتخذتم عند اللّه عهداً فلن‏يخلف اللّه عهده ام تقولون علي اللّه ما لاتعلمون بل يقولون علي اللّه ما لايعلمون اذ ليس لهم عهد من عند اللّه تعالي اما قولهم بعدم منافاة خلود اهل النار و انقطاع عذابهم بصيرورته عذباً بعد الاحقا‏ب فقد رده قوله تعالي و في العذاب هم خالدون و قوله تعالي و يوم نبعث من كل امة شهيداً ثم لايؤذن للذين كفروا و لا هم يستعتبون و اذا رأي الذين ظلموا العذاب فلايخفف عنهم و لا هم ينظرون فاني لهم التخفيف و اني لهم من مهلة([25]) فضلاً عن انقطاع عذابهم فضلاً عن صيرورته عذباً نعوذ باللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين فتدبر قوله تعالي الذين كفروا و صدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون و الذي يعتاد شيئاً فشيئاً كما ضربوا له الامثال من خسائس الاعمال و استعمال السم القتال يهون عليه ذلك الامر الخسيس يوماً فيوماً و كذا تأثير السم في البدن فيكون تأثير الشي‏ء المخالف للطبع في اول وروده عليه اشد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 118 *»

تأثيراً ثم بتكرار وروده يصير شديداً ثم يصير خفيفاً شيئاً فشيئاً حتي يصير بتكراره معتاداً ثم يصير لذيذاً كما هو شأن العاملين للاعمال المستعملين للاشياء كما لايخفي ذلك علي ذي مسكة من الحجي فضلاً عن العلماء فضلاً عن الحكماء فما معني قوله تعالي فلايخفف عنهم و ليس في عدم التخفيف التشديد و الزيادة و غاية عدم التخفيف ان‏يكون الثاني كالاول و الثالث كالاول و الثاني و هكذا فما معني قوله تعالي زدناهم عذاباً فوق العذاب و ما معني قوله تعالي كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و علي ما زعموا و تخيلوا و قاسوا اهوال اهل الاخرة باحوال اهل الدنيا([26]) يلزم ان‏يخفف عنهم العذاب تدريجاً الي ان‏يصير عذباً فلم لايخفف و لم يزداد عذاباً فوق عذاب([27]) و لم يبدل جلودهم ليذوقوا العذاب؟

و اما قولهم و انواع العذاب غير مخلد علي اهله من حيث انه عذاب لانقطاعه بشفاعة الشافعين و آخر من يشفع هو ارحم الراحمين فقد رد عليهم عليهم ما عليهم قوله تعالي فماتنفعهم شفاعة الشافعين و انما تنفع شفاعتهم للمذنبين من اهل الحق و هم الذين علي عقائد حقة و لهم ذنوب كما قال تعالي ان اللّه لايغفر ان‏يشرك به و يغفر مادون ذلك لمن يشاء و اما قولهم و آخر من يشفع هو ارحم الراحمين فكأنهم آمنوا ببعض الكتاب و كفروا ببعضه فهو ارحم الراحمين في موضع العفو و الرحمة و اشد المعاقبين في موضع النكال و النقمة فقد رد عليهم قوله تعالي غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب فمن زعم انه غافر الذنب و ليس بشديد العقاب او انه شديد العقاب و ليس بغافر للذنب فلم‏يعرفه فهو كما قال ان اللّه لايغفر ان‏يُشرَك و به و يغفر مادون ذلك لمن يشاء فتدبر قوله اولئك الذين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 119 *»

اشتروا الحيوة الدنيا بالاخرة فلايخفف عنهم العذاب و لا هم يُنصرون و اني يخفف عنهم و اني ينصرون و من يخفف و من ينصرهم ايكون المخفف الناصر لهم منزل القرآن و قد اخبر عن نفسه بانه غير مخفف عنهم العذاب و لا ناصر لهم فان قالوا انه غيره فقد اشركوا به و ان قالوا انه هو منزل القرآن و قد اخبر عن نفسه بما اخبر فما يقول هؤلاء عليه اهم اعلم بما في نفسه ام هو اعلم و قد قال المسيح7 تعلم ما في نفسي و لا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب فتعجب من معتقدات مقلدي اليهود و تمسك بالعروة الوثقي من الرب الودود هذا.

و الشفيع هو المقترن و الذات البسيط لايقترن بشي‏ء و الا لماكان بسيطاً فلايعقل ان‏يكون شفيعاً و الشفعاء انبياؤه و رسله و اولياؤه: و ليسوا بشافعين للكفار و المنافقين و هم مقرون بذلك يوم الدين فيقولون و ما لنا من شافعين و لا صديق حميم هذا و الشفيع يشفع لصديقه و حميمه لا لعدوه و خصيمه و قد قال تعالي ان اللّه عدو للكافرين و قال اللّه ولي الذين آمنوا يُخرِجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون و قال ذلك بأن اللّه مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم. فبأي حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون و قد صرح في آيات عديدة محكمة مخبراً عن نفسه بما يريد من اخلاد المعاندين في العذاب المهين.

و اتقوا يوماً لاتجزي نفس عن نفس شيئاً و لايقبل منها عدل و لاتنفعها شفاعة و لا هم ينصرون. ان الذين كفروا و ماتوا و هم كفار اولئك عليهم لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين خالدين فيها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 120 *»

 لايخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون. كيف يهدي اللّه قوماً كفروا بعد ايمانهم و شهدوا ان الرسول حق و جاءهم البينات و اللّه لايهدي القوم الظالمين اولئك جزاؤهم ان عليهم لعنة اللّه و الملائكة و الناس اجمعين خالدين فيها لايخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون. ان الذين كفروا بعد ايمانهم ثم ازدادوا كفراً لن‏تقبل توبتهم و اولئك هم الضالون. ان الذين كفروا و ماتوا و هم كفار فلن‏يقبل من احدهم ملأ الارض ذهباً و لو افتدي به اولئك لهم عذاب اليم و ما لهم من ناصرين. تري كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم انفسهم ان سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون. و اذا رأي الذين اشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك فالقوا اليهم القول انكم لكاذبون و القوا الي اللّه يومئذ السَلَم و ضل عنهم ما كانوا يفترون الذين كفروا و صدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذاباً فوق العذاب بما كانوا يفسدون. و الذين كفروا لهم نار جهنم لايُقضي عليهم فيموتوا و لايُخَفَّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور و هم يصطرخون فيها ربنا اخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل ا و لم‏نعمِّركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير. فمن كفر فعليه كفره و لايزيد الكافرين كفرهم عند ربهم الا مقتاً و لايزيد الكافرين كفرهم الا خساراً. ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار و لن‏تجد لهم نصيراً.

فتدبر في تلك الايات البينات و امثالها المحكمات التي لايتحملها المختصرات هل تجد لعذاب الكافرين و المنافقين انقطاعاً او تجد لهم شفيعاً او ناصراً معيناً او مغيراً لعذابهم عذوبة نعوذ باللّه من بوار العقل و الجهل المركب الذي سموه بالعقل و جعلوا ادلته اصولاً حكمية و ادلة عقلية علي انقطاع عذاب الكفرة الفجرة و المنافقين و المشركين و الفراعنة و الدجاجلة و الطواغيت و صيرورته عذباً و ليس ذلك الا لعدم اعتنائهم بالشارع و الضروريات التي القي بين ظهراني الخلق الذي هي عين الحق و حق الحق فماذا بعد الحق الا الضلال فلذلك آل امرهم الي ما آل باستبدادهم بجهلاتهم و قياساتهم حيث قاسوا اهل الاخرة باهل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 121 *»

الدنيا و اوقاتها باوقاتها فلو علموا ان اوقات الاخرة مستقرة ثابتة ليس لها مضي و فناء و انقطاع لماقالوا ما قالوا و لماقاسوا كابليس ما قاسوا و قد اخذ كبيرهم من اليهود ما اخذ و قلده من قلد و العجب من المقلدين الذين يعدون انفسهم من الامامية الاثني‏عشرية فاذا سألتهم عن كبيرهم الذي علمهم الكفر و الزندقة اكان نبياً او وصي نبي او تابعاً لاوصيائه قالوا لا و مع ذلك قلدوه في اكثر المسائل الحكمية علي زعمهم.

بالجملة فالمراد من الهلاك في بعض المواضع ما يقابل النجاة فالكافرون هالكون و المؤمنون ناجون فليس معني هلاكهم الا خسرانهم و عقابهم كما ان معني نجاة المؤمنين انتفاعهم و ثوابهم فكل شي‏ء هالك الا وجهه ليس معناها فناء الخلق اجمعين بهذا اللحاظ بل معناها ماذا بعد الحق الا الضلال فالمراد بالوجه الباقي وجهه الذي يؤتي منه كما ورد عن اهل العصمة: و هو وجه النجاة و له مقامات بعدد مقامات الخلق فله مقام في الفؤاد و هو المعرفة و يقابله هلاك الجحود و له مقام في العقل و هو اليقين بالحق و الباطل و يقابله هلاك الشك و الظن في الحق او الباطل و له مقام في النفس و هو العلم بالحق و الباطل و يقابله هلاك الجهل بهما و له مقام في العاقلة و هو السعادة و يقابله هلاك الشقاوة و له مقام في العالمة و هو وضع كل شي‏ء في موضعه بمقتضي امر اللّه سبحانه و يقابله هلاك الالحاد و اهله الذين يحرفون الكلم عن مواضعه و له مقام في الواهمة و هو الميل الي المعاني الحقة و يقابله هلاك الغضب و له مقام في المادة الثانية و هو محبة الحق و يقابله هلاك الشهوة و له مقام في الخيال و هو تخيل الصور الحسنة و يقابله هلاك الطبع و له مقام في التفكر و هو تصديق الحق و يقابله هلاك اختيار العادات عليه و له مقام في عالم الحيوة التي امروا ان‏يستجيبوا له اذا دعا لها و يقابله هلاك الغفلة و له مقام في الصفراء و هو الغضب للّه و يقابله هلاك الغضب لغير اللّه و له مقام

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 122 *»

في الدم و هو المعاشرة للّه و يقابله هلاك المباشرة لغير اللّه و له مقام في البلغم و هو الحلم و الصبر للّه و يقابله هلاك النفاق و له مقام في السوداء و هو التفرغ و الانزواء و الخلوة للمناجاة و يقابله هلاك الوحشة و الوساوس في الحق و له مقام في البصر و هو النظر في خلق السموات و الارض و ما بينهما بالعبرة و يقابله هلاك النظر اليها بالغفلة و له مقام في السمع و هو سماع الحق و يقابله سماع اصوات الملاهي و الغناء و له مقام في الشم و هو شم ما يؤمر به و يقابله هلاك المنهي عنه و له مقام في الذوق و هو اكل الحلال و يقابله اكل@هلاک اکل خ‌ل@ الحرام و له مقام في اللمس و هو مس ما امر به و يقابله هلاك ما يقابله.

بالجملة فذلك الوجه الباقي في كل عالم و في كل شخص و في كل عضو و في كل وقت و في كل مكان و في كل رتبة و في كل جهة و في كل وضع و في كل شي‏ء و يقابل هلاك كل مقام ما يقابله و هو الوجه الذي يؤتي منه كما ورد و منها المراد هلاك الاثار و اضمحلالها عند ظهور المؤثرات فالمؤثر الاول هو الوجه الباقي بعد فناء كل شي‏ء و منها فقدان الحول و القوة من كل شي‏ء و له الحول و القوة وحده لا شريك له و كل تلك المعاني واقع في جميع المراتب في جميع الاحوال الا ان الخلق مختلفون في ادراك ذلك و وجدانهم فمنهم من ادركه في الدنيا و منهم من ادركه في البرزخ و منهم من ادركه في الظهور و منهم من ادركه في الرجعة و منهم من ادركه في نفخ الصور و عامة الخلق يدركون في النفخ الكلي و هو يوم رجوع كل شي‏ء الي اصله فكم من شي‏ء لشي‏ء من شي‏ء آخر في الدنيا الي يوم النفخ فيومئذ لا انساب بينهم و لايتسائلون فينقطع نسب كل كافر عن كل مؤمن و نسب كل خبيث عن كل طيب فيومئذ الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات و يزول دار الاعراض بأسرها و يقوم القيمة الكبري اذا الشمس كورت و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 123 *»

اذا النجوم انكدرت و اذا الكواكب انتثرت و يوم نطوي السماء كطي السجلّ للكتب و تبدل الارض غير الارض اي غير ارض الاعراض و السموات كذلك فهنالك الولاية للّه الحقّ جلّ‏جلاله و ينقطع الدول([28]) الباطلة التي هي من دار الاعراض.

قال سلمه اللّه: السادسة، بين لنا مقامات النقباء الكليين و الجزئيين و النجباء كذلك.

اقول: النقباء هم جواهر اوائل العلل و اسماء للغوث الاعظم و التجلي الاكرم اليهم الاياب و عليهم الحساب ينحدر منهم سيل الامداد و لايرقي اليهم الراقي من العباد لايسبقهم سابق المقيدات و لايلحقهم لاحق الكثرات بهم تحركت المتحركات و سكنت السواكن لو كان البحر مداداً لكتب اوصافهم و فضائلهم لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلماتهم و لو جئنا بمثله مدداً و هم الاسماء العظمي و الكبرياء و الالاء و الامثال العليا للّه تعالي فكتب اللّه بأيدي قدرته بهم علي سرادق عرش ملكه فوجدت و علي جباهها فاحدثت و علي اركان عرشه فاستقرت و علي اجنحة الثمانية و جوانحها فاحتملت و علي بروج كرسيه فارتفعت و علي درجاتها فاستوت و جعلها مجاري الكواكب فاستدارت و جرت بهم حيث شاؤا و ارادوا و مايشاؤن الا ان‏يشاء اللّه تعالي فاشرقت الارضون بنورهم و فاز الفائزون بكرامتهم فحدثت الموجودات بأسرها من فواضل ظهورهم من الجمادت و النباتات و الحيوانات و الاناسي و البرازخ و ساير الموجودات في كل عالم بحسبه و هذه الدنيا بأسرها حدثت بعد تمام المراتب و هم الدرجات عند اللّه تعالي يدلجون بين ايدي المدلجين و هم الغاية ليس لمحبتهم النهاية و لهم في مقامهم حالات و هم الايات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان سنريهم آياتنا

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 124 *»

في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فعرفه بهم من عرفه و جحده بهم من جحده و علمه بهم من علمه و جهله بهم من جهله و آمن به بهم من آمن و كفر به بهم من كفر اطاعه بهم من اطاعه و بمعصيتهم عصاه من عصاه و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و للبسنا عليهم ما يلبسون مجللون بالسحاب محتجبون بالحجاب باطنهم الرحمة للاحباب ظاهرهم من قبله([29]) العذاب مسددون للاصحاب حافظون للكتاب مخاطبون الخطاب فاصلون الخطاء من الصواب هادون للطالبين مضلون للظالمين و الضالين الراصدون بالمرصاد الشاهدون اعمال العباد في جميع البلاد من اليوم الي يوم التناد اليهم الاياب و عليهم الحساب لم‏يجر وصفهم من قلم كما لم‏يظهر من فلق فم.

فمنهم كليون و منهم جزئيون و بين الكلية و الجزئية درجات عند اللّه سبحانه فالواقع في اعلي الدرجات الساكن فيها هو الكلي الحقيقي و ماسواه هو الاضافي الذي هو الجزئي فالحقيقي هو الحقيقة المحمدية9 و المنحطون عن ذلك لهم حالات في الخلسات فمنهم الغالب عليهم ذلك و منهم بالعكس حتي انتهي الامر الي جزئي عرض له حالة واحدة في مدة العمر فأهل الحال كل واحد منهم في شأن من الشئون اما في السماء او في الارض او في البر او في البحر كخضر و الياس8 او في عصر او في مصر و اما الكلي فلايشغله شأن عن شأن و لا سماء عن ارض و لا عصر عن عصر و لا مصر عن مصر و هكذا و قد يطلق الكلي علي الغالب عليه الحالات و الجزئي علي غيره كما اشرنا اليه و الحمد للّه و الايات الدالة و الروايات الواردة و الادلة العقلية من الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن و الادلة الافاقية و الانفسية في كل مرتبة من المراتب اكثر من ان‏احصيها و اللّه الموفق لاهله و هو ولي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 125 *»

التوفيق.

و اما النجباء فهم اصحاب العلوم و الكتاب المرقوم و الخطاب المرسوم المسددون المؤيدون المستمدون الممدون مقامهم الوساطة و معانهم الاحاطة و هم السحاب الهاطل و الحجاب الشامل و الباب المبتلي به الناس من اتاه فقد نجي و من لم‏يأته فقد هلك و هوي و وقع في الالتباس و استحوذ عليه الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس فأوقعه في القياس فقاس السراب بالماء المعين و الباطل بالحق المبين فجعل للّه انداداً و لاوليائه اضداداً فبين مشرك اشرك و بين جاحد كفر و ادبر و هم الكتاب الناطق و الخطاب اللاحق و القرآن الجسيم و الفرقان الكريم كما قال الحكيم العليم جلّ‏شأنه بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و مايجحد بآياتنا الا الظالمون فهم الرق المنشور و البيت المعمور و السقف المرفوع و البحر المسجور و هم وجه اللّه اللامع و نوره الساطع و عينه الناظرة و اذنه السامعة و يده الباسطة الباطشة و جنبه العلي و رسمه الجلي و اسمه الولي و وصفه الصفي و نعته الرضي و ذكره الخفي و ورده الجلي خلفاؤه الجالسون علي عرشه المتصرفون في فرشه القائمون بأمره الحاكمون بحكمه كما انزل اللّه سبحانه الي نبيه9 من غير ريب و لا شك و لا ظن و لا هوي و لا رأي من انفسهم ابداً ان اللّه اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعداً عليه حقاً في التورية و الانجيل و القرآن و من اوفي بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به و ذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف و الناهون عن المنكر و الحافظون لحدود اللّه و بشر المؤمنين. الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 126 *»

الدنيا و في الاخرة الزاهدون في الدنيا الراغبون في الاخرة يذكّر اللّه رؤيتهم و يزيد في العلم منطقهم و يرغّب في الاخرة عملهم.

فاول درجات صعودهم درجة الحيوة التي قال اللّه سبحانه يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم فاذا استجابوا للّه اجابهم اللّه تعالي بروح الحيوة حيوة الايمان و هي المكتسبة بعد الحيوة الطبيعية و هي روح من امر اللّه فينفخ فيهم فينظر بعينهم و يسمع باذنهم و يتحرك بجوارحهم فيعطي و يمنع بأيديهم و ينتقل بأرجلهم كما ان الروح الطبيعي يصدر منه الاثار الطبيعية في البدن بالبدن و في مشاعره بها او بالعكس فان حركة البدن بأسرها للروح فبهذا اللحاظ يدرك البدن بمشاعره ما ادرك بفضل ادراك الروح فبالروح يبصر عينه و به يسمع اذنه و يتحرك ساير اعضائه([30]) و جوارحه فبهذا اللحاظ ورد الوارد انما يتقرب الي العبد بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته فاذا سار صاعداً حصل له التفكر بذلك الروح بعد التفكر بروح الحيوة الطبيعية كما انه نظر بعينه و سمع باذنه بعد نظر الحيوة الطبيعية و سمعه به ثم اذا سار صاعداً حصل له الخيال كذلك ثم حصل له الوهم كذلك ثم حصل له العلم كذلك ثم حصل له العقل كذلك ثم اذا سار هكذا صاعداً حصل له المحبة كذلك و استأنس في ظلال المحبوب و آثر المحبوب علي ماسواه ثم اذا سار كذلك حصل له النفس الملكوتية كذلك بعد النفس الملكوتية الطبيعية ثم اذا سار حصل له العقل الجبروتي كذلك ثم اذا سار حصل له القلب و هكذا سار الي ما لا نهاية و حصل له شي‏ء في سيره الي ما شاء اللّه فهو محدث في مراتبه بجميع مشاعره مفهم ملهم بالهام اللّه تعالي فلايخطر بباله الا و الملك حامله او يسدده

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 127 *»

امامه او نبيه8 او الهمه اللّه تعالي من وراء تلك الحجب الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون فهم علماء حكماء كادوا من الحكمة ان‏يكونوا انبياء لانهم صعدوا من الارضين الي السموات فانقطع عنهم آثار الشكوك و الشبهات و الجهالات و الوساوس و الخطرات من اهل الارضين الذين هم الشياطين جنود ابليس و قد يئس اللعين من اغوائهم لما رأي فيهم من عظمة رب العالمين فقال لجنوده اني اري ما لاترون اني اخاف اللّه رب العالمين و قد حكي اللّه تعالي عنه بقوله لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فهم المخلصون بالكسر و الفتح و الراضون المرضيون الداخلون في عباده المكرمين الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون.

فهم الواقفون علي نقطة العلم التي كثرها الجاهلون الفائزون بالعمل الخالص للّه تعالي به الا للّه الدين الخالص فبه حصل لهم علم التوحيد بالعيان الذي عين الرحمن اعارها لهم فبها رأوا ما رأوا و ماكذبوا ما رأوا و بها ادركوا صفاته كلاً في مقامه فأدركوا صفات الذات في مواقعها و القدس في مواقعها و الاضافة في مواقعها و الافعال في مواقعها و العبادة في مواقعها و بلغوا بذلك قرار المعرفة كما روي من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و بها ادركوا مقام الفعل و اول التعين و مبدأ التبين بمراتبه ثم ادركوا بها مقام الوجود و الحقيقة التي اشار اليها اميرالمؤمنين7 حيث قال نور اشرق من صبح الازل ثم ادركوا بها الدهر و الدهريات من الجبروت و الملكوت الي الملك و البرازخ في جميع المراتب ثم العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر في كل مرتبة من المراتب ثم معرفة آثار كل شي‏ء فحصل لهم علم الحكمة الطبيعية ثم معرفة آثار كل شي‏ء في كل شي‏ء ثم معرفة حصول كل شي‏ء حدث بين شيئين او بين ثلثة او اربعة و هكذا الي الف او

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 128 *»

الف الف الي ما لا نهاية فحصل لهم نوع علم الضم و الاستنتاج اذ لايحصل بتمامها بتفاصيلها الا للمحيط الحقيقي او الاضافي بالنسبة اليها.

فمن حيث نظرهم الي تأثير عنصر في عنصر في الكم و الكيف من دون ارتباط العلويات بها او ارتباط ظواهرها الظاهرة فيها اي في العناصر حصل لهم علوم منها الكيميا و الليميا و تكون كل مكون عنصري من البخار و الشهب و امثالها و السحاب و الرعد و البرق و الغيث و الثلج و الجمد و البرد و علم كيفية تكون الجمادات بأسرها و المعادن بتمامها و سبب انطراقها و عدم انطراقها و حصول بعضها من بعض و علم الفلاحة و الزراعات و كيفية نشو الحبوب و النطف للنباتات و كيفية انباتها و جذبها و امساكها و هضمها و دفع اعراضها و تحليل ما يتحلل منها و تخلف ما يتخلف في مقامها و كيفية ربائها و نموها و ذبولها و هزالها ثم من حيث نظرهم الي تعلق الروح الفلكي الي الجسم العنصري يحصل لهم علوم منها علم تكون الحيوانات من بدو تكون نطفها الي تمام خلقتها و كيفية اكلها و شربها و حركتها و سكونها و نومها و يقظتها و شهوتها و غضبها و اسباب ذلك كلها و حرصها و بخلها و منعها و انسها و وحشتها و صحتها و مرضها و حياتها و هلاكها و اسباب ذلك كلها فمن حيث نظرهم الي الحصة الخاصة منها في نوع الانسان يحصل لهم علوم منها علم تكون ما يشترك الانسان مع سائر الحيوانات و ما يمتاز به عن غيره و كيفية عروض الاعراض له و زوالها و اسباب ذلك كلها فعلموا بأن كل عرض له عرض من اي رتبة من المراتب الوجودات و عرفوا بدأها و عودها و اقتضاءاتها مما يغير فطرة التي اللّه فطر الناس عليها و ما لم‏يغير و ما يضعفها و ما يقويها و ما يهلكها و ما ينجيها من اقتضاءات الحر و البرد و الرطب و اليابس و من اقتضاءات البسائط الاربعة و الاخلاط الاربعة و من اقتضاءات انفرادها و تركيبها و من اقتضاءات الجمادات و النباتات و الحيوانات كل واحد منها من جهاتها المختلفة و حيوثها و اعتباراتها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 129 *»

في اختلافات امكنتها و اوقاتها و حالاتها فيحصل لهم علم الطب الكلي العام الشامل الذي من جملته هذا الطب المعروف علمياته و عملياته و الستة الضرورية و زيادتها و نقصانها اللتان هما سبب الانحراف و المرض و الهلاك و حد وسطها و الاقتصاد فيها الذي هو سبب الصحة و جريان الافعال الطبيعية علي ما تقتضي الاوامر الشرعية و الرضي السبحاني.

و من حيث نظرهم الي اقتران كل مكلف من الناس بشي‏ء من اشياء العالم و منافعه و مضاره بالنسبة اليه سواء كان سبيل وصولها اليه سمعه او بصره او شمه او ذوقه او لمسه او دخوله او خروجه او اقباله او ادباره او تيامنه او تياسره او تفوقه او تسفله او اتصاله او انفصاله او استعماله او تجنبه او توجهه او اعراضه من علو او سفل او يمين او يسار في ليل او نهار من اولهما او وسطهما او آخرهما او اواسط تلك الاوقات او في مكان من سفر او حضر او حال من حالاته في الازمنة و الامكنة اذ ربما يكون شي‏ء نافعاً في حال ضاراً في حالة اخري او في مكان دون مكان او في زمان دون زمان او في سن دون سن او مع ضم شي‏ء اليه الي غير ذلك مما لايتحمل منه السرد في الكتاب لاسيما اذا كان المراد منه الاختصار و في كل تلك الانظار لهم نظر الهي نبوي علوي صلوات اللّه عليهما و آلهما و يكون ذلك منهم بمطابقة الشرع الانور علي ما وضعه اللّه سبحانه فحصل لهم حقيقة علم الفقه اذ هو العلم بالمنافع و المضار و المنافع ما جعله اللّه نافعاً و المضار ما جعله اللّه ضاراً للانسان فلابد في علمهما من الرجوع الي الوحي الذي يوحي الي النبي9 اذ من سواه ليس بنبي بعده فلايمكن الاطمينان بما رأي لامحالة فمن حيث نظرهم الي الاحكام الخمسة من حيث صدورها من الشارع حصل لهم علم الاصول اي اصول الفقه و من حيث علم المكلف بها حصل لهم علم الفقه الظاهر([31]) و لابد من المطابقة بينهما فالاول هو

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 130 *»

العلم بكيفية معاملة الرب للعبد و الثاني هو العلم بكيفية معاملة العبد للرب فلابد من قبول عمل العبد مطابقة عمله لما اراد الرب.

و من حيث نظرهم الي الصفات الباطنية و منافعها و مضارها للانسان في وقت من الاوقات او مكان من الامكنة او حال من الاحوال حصل لهم علم الطريقة و ذلك كالمحبة و العداوة و الزهد و الرغبة و البخل و السخاوة و الجبن و الشجاعة و الحقد و الحسد و الصفي و الرحم و الشدة و الرقة و القساوة و السعادة و الشقاوة و الجد و المسامحة و الصدق و المماطلة و النشاط و الكسالة و امثالها مما لايتحمله الرسالة اذ كل ذلك و امثاله ممايكون نافعاً بالنسبة الي شخص ضاراً بالنسبة الي شخص آخر نافعاً بالنسبة الي شي‏ء ضاراً بالنسبة الي شي‏ء نافعاً في وقت ضاراً في وقت آخر نافعاً في مكان ضاراً في مكان نافعاً في حال ضاراً في حال و من حيث نظرهم الي الصفات الحسنة النافعة و الاعمال الصالحة بأنها صدر من المبدأ الحق و الخير المطلق و هي آثاره و الاثر يشابه صفة المؤثر و المؤثر هو الذات الظاهرة للاثر به له فيه منه اليه عليه و قد غيبت الصفات عند سطوع نور جماله و ظهور جلاله حصل لهم علم الحكمة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه السلام علي الاصل القديم و الفرع الكريم. سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط.

ثم من حيث نظرهم الي الفعليات مع قطع النظر عن المواد حصل لهم علم المقادير و علموا بذلك اقتضاء كل شي‏ء في نفسه لو خلي و طبعه فاذا اقترنت كل واحدة مع غيرها و حدث بينهما متولد منهما و اقتضي امراً ثالثاً غير اقتضائهما عرفوا حكم الاول و الثاني فلم‏يحكموا علي الاول حكم الثاني و لا العكس و كم من اختلاط وقع بينهما من اشياء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 131 *»

عديدة فحصل من بينهما شي‏ء واحد منظراً و كأين من اختلاط وقع بين مرتبتين او ثلث مراتب او اربع او خمس و هكذا و حصل بينهما شي‏ء واحد منظراً و له مخابر عديدة و لكل واحد من المخابر حكم من حيث نفسه و حكم من حيث الاختلاط و حكم من حيث الاختلاطين و ثلثة و اربعة و هكذا و قد زعم الجاهلون الذين يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا ان له حكماً واحداً و قد علم الراسخون ان له احكاماً مختلفة في مراتب متشتتة في حالات عديدة لكل حالة حكم خاص بها كما كان لكل مرتبة فكم من مؤمن خالص للّه سبحانه في نهاية الحسن و الجمال و الكمال و الجلال و سعة الملك و الاحاطة في عالمه الذاتي و قد لحقه الاعراض في مراتب عديدة و حالات مختلفة صارت سبباً للاعوجاجات و سوء الخلق و قبح المنظر و ضيق في المعيشة و الفقر و الفاقة و المرض و العاهة في الدنيا و دار الاعراض و الخلط و اللطخ و كم من منافق كان في الدرك الاسفل من النار في ذاتيته في غاية الضيق و الضنك و قبح الخلق و الخلق و قد لحقه الاعراض في المراتب و الحالات صارت سبباً لثروته و سعادته و رفاهته و حسنه و جماله و كماله و جلاله في المراتب العرضية و دار الاعراض و لم‏يعرف الذين يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا وجوه ذلك و ربما يحكمون بعلم القيافة و امثاله من استقامة الظواهر علي استقامة البواطن و من اعوجاجها علي اعوجاجها كما استدل به في الاسفار و غيره في الكتب علي محاسن عشق المردان، بالجملة و قد قسم الاحكام قسمين نوعاً اولية و ثانوية في المرتبة الذاتية و العرضية و يجري في كل واحدة منهما حكمها و لايجري فيها حكم الاخري ابداً كما ان للملح في ذاتيته حكم في طعمه و هو الحموضة و في لونه و هو الحمرة و في اختلاطه بالمياه حصل له طعم الملوحة و لون البياض مثلاً و كم من زاعم يزعم ان لونه البياض و طعمه الملوحة او منه ما يكون ابيض و منه ما يكون اسود

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 132 *»

و احمر.

بالجملة فمن حيث نظرهم في عالم الاجسام مع قطع النظر عن المواد حصل لهم علم الجسم التعليمي العام الذي من جملته التعليمي الخاص الذي من جملته علم الهندسة فمن حيث نظرهم الي مدارات الكواكب و مروراتها و اجتماعها و افتراقها و حجب بعضها و احتجاب بعضها يحصل لهم علم الهيئة و من حيث نظرهم الي وقوع الارض في محلها و كذا الافلاك كل واحد في محله يحصل لهم علم المجسطي و من حيث نظرهم الي مقادير الحركات المختلفة من الكواكب و نسبة بعضها ببعض بالمحاسبات و تحصيل التعديلات و من حيث نظرهم ايضاً الي طبايع الكواكب و البروج و المنازل و الدرجات و تعلقاتها بالسفليات و منسوباتها و تأثيرها فيها و تأثرها منها يحصل لهم علم النجوم. ثم من حيث نظرهم الي كيفية التأثير و التأثر و الفعل و الانفعال يحصل لهم علم الاشباح و العكوسات العامة و يكشف لهم ان كل شي‏ء مرآة لاثر كل شي‏ء من جهة من الجهات و ان كان هذا الشي‏ء ايضاً مرآة له من جهة كالمرآتين المقابلتين تنطبع هذه مع ما فيها في تلك و تلك مع ما فيها فيها و تجذب هذه شبح تلك و تنجذب تلك اليها علموا بذلك كيفية انجذاب الارواح السماوية الي القوابل الارضية التي كالمرايا كالمرآة الموضوعة تحت الشمس و انطباع نورها فيها و صدور فعل منها كفعلها بحيث لا فرق بينها و بينها الا في الاصلية و الفرعية و علموا بذلك ان الهيئات السفلية بل حركاتها و سكوناتها و اوضاعها و جهاتها بل الوانها و طعومها و البستها و بخوراتها و انوارها و ظلماتها و اذكارها و اورادها و تخيلاتها و تصوراتها و تناسبها و تنافرها للعلويات يحصل لهم علوم غريبة كالسيميا و الهيميا و التسخيرات و امثالها و يحصل لهم من اوضاعها علوم.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 133 *»

فمن حيث نظرهم الي النقاط الاربع و تولد سائر النقاط منها من ضربها في نفسها يحصل لهم علم الرمل و كيفية الحكم بالحوادث الاتية و المغيبات من الاشكال الستة عشر لعلمهم بتناسب كل شكل لكل كرة و انطباع عكسها فيه و جذبه له فكما يكون في الكليات الجسمانية ستة عشر شكل منها التراب و الماء و الهواء و النار يوجد ذلك في النقاط الاربع فمنها نار و منها هواء و منها ماء و منها تراب فيكون في العناصر علي ترتيبها و في الافلاك علي ترتيبها و في الشهادة علي ترتيبها و في الغيب علي ترتيبها و هي سارية في الافلاك و العناصر و الغيب و الشهادة فمن الاشكال ما هو تراب و منها ما هو ماء و منها ما هو هواء و منها ما هو نار و منها ما هو قمر و منها ما هو عطارد و منها ما هو زهرة و منها ما هو فلك شمس و منها ما هو فلك المريخ و منها ما هو فلك المشتري و منها ما هو فلك زحل و منها ما هو كرسي و منها ما هو فلك البروج و منها ما هو فلك المنازل و منها ما هو عرش و منها ما هو مستقر العرش و هو الماء الذي به حيوة العرش فمادونه الي الفرش فكما ان العارف بشي‏ء من الجسمانيات و خواصه و آثاره يحكم بأثره عند اقترانه بشي‏ء من القوابل يحكم العارف بأثر كل شكل اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فيري كل شي‏ء في كل شي‏ء و سر كل شي‏ء في كل شي‏ء فاذا نظروا الي عالم النقاط وجدوها عالماً برأسه كهذا العالم و استدلوا بأوضاعها علي ما شاؤا كما استدلوا بأوضاع هذا العالم فلاجل ذلك صاروا قادرين علي الاستدلال علي كل شي‏ء بكل علم من المعلوم اذ كل علم عالم برأسه فيه اشباح سائر العلوم و امثالها.

و اذا نظروا الي عالم الخيوط وجدوا ايضاً عالماً برأسه و ان كان نظرهم فيها يدور علي ثلثة عشر شكلاً علي ان الافلاك تسعة و العناصر اربعة و اذا نظروا الي عالم الحصيات وجدوها ايضاً عالماً برأسه و ان كان نظرهم يدور علي تسعة اشكال علي ان المؤثرات تسعة و هي الافلاك و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 134 *»

يمكن لهم ان‏يستدلوا بأربعة اشكال علي ان كل شي‏ء مربع الكيفية و بثلثة علي ان الشي‏ء مثلث الكيان او باثنين علي ان لكل شي‏ء مادة و صورة او غيب و شهادة او بواحد علي انه آية للّه سبحانه ظاهر في ظهوراته و هكذا يجدون كل شي‏ء و لو كان فعل شخص عالماً برأسه كساير العوالم و يجرون حكمه في كل العوالم علي حسبها و لو كان نعق غراب او صوت باب و من ذلك علم التفألات و التطيرات و آثارها في الكائنات لارتباط جميع اجزاء الملك بجميع اجزائه لانها بكلها صادر من الحق الواحد النافذ امره فيها و هو واحد و ما امرنا الا واحدة، ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و ما يري من تفاوت فهو لقصر النظر و ضعف البصر و ذلك لان الجاهل اذا سمع ان النار حارة و الفلفل حار زعم ان حرارة الفلفل يجب ان‏تكون كحرارة النار تدرك باللمس و كذا اذا سمع ان للحروف طبايع مع ان ذلك من البديهيات عند اهلها من غير نكير مع انها غير ملموسة فكذلك لكل عالم بل لكل شي‏ء عرش و كرسي و افلاك و عناصر و ان كانت غير محسوسة عند من علم ظاهر الحيوة الدنيا و هو غافل عن بواطنها و اسرارها و العالم عالم بأنها كلها صادرة عن امر واحد و مشية واحدة و قد سري سرها في كل شي‏ء بحسبه من غير تفاوت.

بالجملة، و لهم صلوات اللّه عليهم علوم بأنظارهم في الاشياء و اعتبارهم و رؤيتهم آية من آيات اللّه سبحانه التي جعلها في الافاق و الانفس في الغيب و الشهادة و من جملة ذلك علم الحروف([32]) و الكلمات فمن حيث نظرهم اليها من حيث وقوعها في اي بيت من البيوتات الثانية و العشرين و اي صفحة و اي جزء و كيفية اخذ المداخل الاربعة و استخراج الاساس و اخذ نظيرة مناسبة للمطلب من النظائر السبعة و جمع الاساس و النظيرة و ضربهما و اخذ التتمة و اخذ تتمة التتمة و اخذ تتمة التتمتين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 135 *»

و اخذ الحاصل و اخذ القوي و المستحضرة و المستحصلة ثم اخذ النظيرة منها ثم الصدر و المؤخر ان احتيج في ادوار اقلها سبعة و استخراج الجواب الصواب لكل سؤال بالقواعد الجفرية اما بقاعدة او بضم قاعدة بقاعدة او قواعد يحصل لهم علم الجفر و من حيث نظرهم الي كيفية البسط و الحذف و الجمع و المناسبة بين المقصود و الحرف المحدود و عد المعدود و حذف المطرود لتمام المقصود في الغيب و الشهود و كمال التأثير لتعلق نور المنير يحصل لهم علم التكسير الذي هو الاكسير الكبير الذي هو اعظم و اعظم و اكرم من المعروف من الاكسير لاسيما بعد استخراج الملائك و الارواح الذين هم ايادي الرب في التأثير كتأثير الروح في البدن علي اليسير من غير عسير و من حيث نظرهم اليها و الي قواها و وضعها في الالواح بحيث يوافق كل سطر و قطر من كل جانب لتمام النظام لنيل المرام يحصل لهم علم الاعداد الذي هو نظير سابقه في السداد و فيه من التصرفات في الان الواحد ما لايكون للسبع الشداد الا بعد كرور الادوار و لايخلوا بعد ذلك من الاعراض و الاكدار بخلاف ذلك لخلو الاغيار و غلبة قدرة الجبار علي اهل الديار من الدار و الديار.

و من حيث نظرهم الي مزاجها و قواها و تناسبها و تنافرها و تجانسها و تشاكلها و تناكرها يحصل لهم علم التركيب تركيب الحروف بحيث تصير اسماً عظيماً للعظيم لكل مطلب عظيم الي ان‏بلغ الي الاسم الاعظم للامر الاعظم و ذلك اشرف العلوم الحرفية و استر الرسوم الصرفية لانها بعد التركيب تصير مؤثرة فيما ركبت له من غير شرط سواها فتؤثر عن قصد و عن غير قصد و عن اقبال و ادبار سواء صدرت من الاخيار او الاشرار او الابرار او الفجار او المؤمنين او الكفار كالنار تحرق اليابس من الخشب من غير تعب و نصب سواء قصد القاصد او لم‏يقصد و سواء قصد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 136 *»

الخير او الشر الفاسد و من هذا القسم قسم علي يد الشيطان و اوليائه في مقابلة اولياء الرحمن لا من الاسم الاعظم الحقيقي الواقعي الباطني فانه مخصوص باوليائه جلّ‏ذكره موضوع علمه عماسواهم مرفوع فهمه عما عداهم مستور عن الاغيار و ان اوضح محجوب عن الاشرار و ان اعلن الموضح و علي اللّه تعالي ستره و ان سطر و اخفاؤه و ان ظهر و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و هو قوله تعالي في وعده الصدق الذي يسكن اوليائه و يطمئنون و اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لايؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنة ان‏يفقهوه و في آذانهم وقراً و اذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولّوا علي ادبارهم نفوراً و بذلك عاش اهل الحق في الدنيا و ان قلوا و كثر الاعداء و لا قوة الا باللّه.

و من حيث نظرهم الي اصولها و اعراضها الطارية([33]) لافادة معني من المعاني المحتاج اليها يحصل لهم علم اللغة و الصرف و من حيث نظرهم الي اختلاف اواخر يحصل لهم علم النحو و من حيث نظرهم الي المعاني و المناسبة بينها و بين الحروف فعلموا ان اي لفظ ادل علي المعني المقصود و اي لفظ لم‏يدل و اي لفظ محكم و اي لفظ متشابه يحصل لهم علم البلاغة و من حيث نظرهم مع ذلك الي اقتضاء المقام يحصل لهم علم الفصاحة و من حيث نظرهم الي المعاني اللغوية و العرفية و الشرعية و اختلاف اهل البلدان و الاعصار في استعمالاتهم يحصل لهم الكلام اي التكلم بمقتضي المكان و الزمان و حمل الالفاظ علي المعاني المستعملة المختصة و عدم حملها علي المعاني اللغوية او علي غير المصطلح و ذلك علم لطيف شريف قد زل فيه الاقدام من الاعلام في كثير من العلوم و لاسيما في الفقه و من حيث نظرهم الي المعاني الكلية و الجزئية يحصل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 137 *»

لهم علم المنطق و علم المناظرات و اقامة الدليل و احقاق الحق في كل مطلب بحسبه و ابطال الباطل و من حيث نظرهم الي اقتضاء الاوامر و النواهي يحصل لهم علم اصول الفقه و من حيث نظرهم الي اقتضاء کيفية الامتثال يحصل لهم علم الفقه و من حيث نظرهم الي مصاديق الالفاظ و دلالتها عليها و مفاهيمها و معانيها يحصل لهم علم المجادلة و الحكمة الظاهرة و من حيث نظرهم الي الامر المحتمل يكون احدي الاحتمالات طريق السلامة و سبيل النجاة و الباقي علي نحو الاحتمال و الخطر يحصل لهم علم الموعظة و من حيث نظرهم الي حقائق الاشياء من حيث القاء مثال اللّه سبحانه فيها و كونها بحقائقها نفس الاضافة الي اللّه سبحانه و هي منطوية عند سطوع نور المثال العالي يحصل لهم علم الحكمة الالهية التي منّ اللّه تعالي بها علي عباده الصالحين دون العالمين و ان كانوا علماء حكماء بحيث يكونوا للشعر شاقين كانوا عنها غافلين و قد فضلهم بها علي العالمين و ذلك قوله و من يؤتي الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً فصاروا بها من الراسخين في العلم المستثنين و الحمد للّه رب العالمين.

و من حيث نظرهم الي المقامات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان فيعرفون بها اللّه سبحانه و انه علي كل شي‏ء شهيد و انه بكل شي‏ء محيط يحصل لهم علم البيان الاعلي الاعلي الذي ليس له منتهي و هو منتهي المنتهي بلا انتهاء من غير انتهاء و هو انتهاء الانتهاء بتناه بلا انتهاء.([34]) و من حيث نظرهم الي انتفاء الاشياء بتمامها في جنب العظمة و الكبرياء التي هي رداء اللّه سبحانه و اضمحلالها بأسرها عند السلطنة العامة و الهيمنة المطلقة و القدرة المستطيلة الشاملة الواسعة الواسطة التي هي العلة الفاعلة و القوة الكاملة و السبب الاول بلا اول و الفيض الاقدم و المن الاعظم الاكرم الاجل الادوم يحصل لهم علم المعاني العليا التي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 138 *»

هي الاعلي من العليا و الدنيا. و من حيث نظرهم الي تعلقها العام المجمل و اشراقها التام غير المفصل يحصل لهم علم الابواب و باب الابواب من وراء الحجاب الذي هو المحتجب و الشمس التي هي المستترة المجللة فوق السحاب. و من حيث نظرهم الي ذلك الجناب بأنه السحاب الممطر لانواع الفيوض المظهر لاضراب السنن و الفروض المنحدر عنه السيل لايرقي اليه الطير في المقيدات بأنحائها من وجوداتها و ماهياتها و مجرداتها و مادياتها و جواهرها و اعراضها و فواعلها و مفعولاتها و اصولها و فروعها و مؤثراتها و آثارها و شواخصها و اشباح اشباحها@و اشباحها و اشباح اشباحها خ‌ل@ الي ما لا نهاية لها كلها صادرة عن حكمه فهي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة و لايبقي ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا كفار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الا و هو واقف لدي بابه لائذ بجنابه مقر بافتقاره معترف باحتقاره عارف بأنه لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع يحصل لهم علم الامامة العامة و الامارة الشاملة و الرياسة التامة و السياسة الكاملة.

و من حيث نظرهم الي الودق الهاطل و القطر النازل من ذلك السحاب و النور الساطع و الضياء اللامع من وراء الحجاب و الوجود المفاض و الجود من الفياض المجموع في الحياض بقدر معلوم الجاري في الرياض برسم مرسوم من الدرة الي الذرة يحصل لهم علم الحقيقة المسئول عنها عن اميرالمؤمنين عليه و آله صلوات المصلين فذلك هو النور الذي اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره و كليات تلك الهياكل ثمانية او سبعة او خمسة علي اختلاف الانظار من الابرار الاطهار عليهم صلوات الجبار فمن حيث نظرهم الي اعالي ذلك المقام يحصل لهم معرفة حقيقة القرآن الذي هو قراءة الرحمن و ربما استمعوا الكلام من المتكلم و القي في

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 139 *»

روعهم ما اذا طفح منهم القي في روع الملائكة بل هو آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم. و من حيث نظرهم الي اوساطه يحصل لهم علم النون و الدواة الاولي و من حيث نظرهم الي اسافله يحصل لهم علم القلم و من حيث نظرهم الي ما كتبه القلم يحصل لهم نوع علم ما يسطرون و ذلك نوع من علم ما كان و ما يكون في اللوح المحفوظ و علم الاول و علم الاخر الذي علمه سلمان اعلي اللّه مقامه و هو علم محمد و علي صلوات اللّه عليهما و آلهما و منه علم المنايا و البلايا العامة العالية و بذلك صاروا محدثين مفهمين اما من العالين كما روي في حق سلمان اعلي اللّه مقامه من حدثه قال7 حدثه امامه7 و كما حدث النبي9 و الحسن7 من حدثاه او من الكروبيين او من دونهم اذ هم الذين استقاموا فتتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في الحيوة الدنيا و في الاخرة.

و من حيث نظرهم الي الرقايق يحصل لهم معرفة حقيقة النبوات و الولايات و استيلاء الجبروت و الكبرياء علي الاشياء و عرفوا بذلك الاقتضاء بحكم القضاء في جريانه علي الامضاء في اللوح المحفوظ الذي لايمحي منه حرف من الحروف الفانية من نفسها الباقية بربها في معني البقاء في الفناء و النعيم في الشقاء و الصبر في البلاء و الفقر في الغناء و العز في الذل و التسليم و الرضا و من حيث نظرهم الي الكتاب المسطور في الرق المنشور و البيت المعمور تبين لهم الشاهد من المشهود و الامر من المأمور([35]) بامتياز العابد من المعبود و التابع من المتبوع و المطيع من المطاع و السميع الواع الي الداع من المتمرد الملحد المكار الخداع وجوه يومئذ ناضرة الي ربها ناظرة. و وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 140 *»

قترة و قد حصل لهم العلم اليقين و الحلم المتين و الذكر الحكيم و الفكر الوسيم و النباهة و النزاهة و الحكمة من الحكيم و فازوا بالوصال و افاضوا علي من اراد الاتصال و طردوا الاغيار بايثار الغبار بحكم الجبار فهنالك الولاية للّه الحق له الامر و الحكم و اليه المصير في اقامة الحدود و اجراء الاحكام الاولية الواقعة بحكم العليم الخبير بشهادة العباد علي انفسهم بما لهم و عليهم باقتضاء الخاص و العدل العام لدي العلام بوضع الموازين و الوزن بالقسطاس المستقيم من المقيم و الخلود في دار النعيم للمؤمنين و اخلاد المعاندين في الجحيم و العذاب الاليم من الكفار و المنافقين و الفجار المشركين من الجن و الانس من الاولين و الاخرين.

و من حيث نظرهم الي الياقوت الاحمر و الانتشار و الاذابة بنظر الهيبة من القهار الاكبر يحصل لهم العلم بالاحكام الثانوية للنفوس الملكوتية و احكام اللطخ و الفسخ و النسخ و الاثبات و المحو و ان منكم الا واردها كان علي ربك حتماً مقضياً ثم ننجّي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثيّاً و قد استولي الشيطان في تلك العرصة علي اوليائه بعد الامهال من الرحمن بعد الاستكبار و استحوذهم فدعاهم و اجابوه و استنصرهم فاعانوه و قد صدق عليهم ظنه فاغواهم اجمعين الا عباد اللّه المخلصين فصاروا مذللين مقهورين و ناجوا ربهم بلسان المبتلين رب اني مسني الشيطان بنُصب و عذاب فظهر الفساد في البر و البحر باستيلائه علي العباد في جميع البلاد و طفق في الجولان و شرع في الاضلال بالخذلان فـ :

تغيرت البلاد و من عليها   و وجه الارض مغبر قبيح

و قد مد الجور باعه بكثرة اتباعه مخلصين له الدين باتباع الهوي الذي هو اصله و هو فرعه فلايريدون الا ما اراد لعنه اللّه غير ممنون و هم غير مشركين له بشي‏ء مما سوي ذلك الهوي خالصين مخلصين له مشتاقين الي وصاله و لو بالتمسك بالمتشابهات من الكتاب فما كان للّه فهو يصل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 141 *»

الي شركائهم ساء ما يحكمون بها لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و انما هو من القائه لعنه اللّه في دعوة كل نبي و تمنيه لقوله و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته الي آخر الايات المحكمات التي هن ام الكتاب و قد امهله الي الوقت المعلوم و ذلك اليوم ينصرم دولته و ينهدم بنيانه عند رؤيته اللّه في ظلل من الغمام في رجعة الرسول و آله صلوات اللّه عليهم فهرب من جيشه و قد استولوا و قالوا اين تريد و قد استحكم لنا الغلبة و الاستيلاء فقال اني اري ما لاترون اني اخاف اللّه رب العالمين و قبل ذلك الوقت يكون له و لاوليائه لعنهم اللّه الجولان بالخذلان اما بالشقاوة او بالالحاد او بالغضب او بالشهوة او بالطبع او بالعادة او بالضعف و البلادة و هي الطبقات الكلية من طبقات الهوي المتشعب في الاهوية المردية في الهاوية النار الحامية فلما عرفوا اقتضاء الهوي الكلي الذي هو بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يراها صعدوا منها و خالفوها و اتبعوا رضوانه و التجأوا الي وثيق اركانه و تجنبوا دار الغرور و تجافوا ما مآله الي الفناء و الدثور و توجهوا الي دار السرور و لو كانوا كأحد من الناس في الظهور معلقون بالملأ الاعلي و ان كان ابدانهم العرضية مغلولة بالاغلال مرتهنة بالاعلال في جميع الاحوال لايجدون لانفسهم ملجأ و لا منجي و لا مونساً و لا حبيباً و لا جليساً الا اللّه و اولياؤه: و هو كاف عبده يكفيه و بلقاء اوليائه يونسه و من ايدي اعدائه ينجيه بهم و هم غير مهملين لمراعاته و لا ناسين لذكره و لولا ذلك لاصطلمته اللأواء و احاطت به الاعداء و هو خائف يترقب لعناية مولاه منقطع عماسواه و يباشر الناس كانسان مباشر للافاعي و الحيات و يؤذونه و يتأذي منهم في مأكله و مشربه و منامه و يقظته بلدغها و سمومها و هو هارب منهم لئلايعرفوه فيلعب فيهم ليحسبوه منهم كلعبهم لعله ينجو

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 142 *»

و لو عرفوه لقطعوه ارباً ارباً و ماامهلوه ساعة و قد ابي اللّه سبحانه ان‏يعبد الا سراً.

بالجملة و لذلك العالم عرش و كرسي و سموات و ارضون علي ما تري في هذا العالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قد حصل لهم في كل مرتبة علم من العلوم حتي وصلوا الي عالم الحيوة السارية في هذا العالم فعرض علي الخلق عارض آخر ثم نزلوا الي هذا العالم عالم الخلط بعد اللطخين و ارتفع بينهم العلم و انسد بابه و قام مقامه الظن و التخمين و آثروا الشك و الريب علي اليقين و عانقوا البقرات و الظباء بدلاً من الحور العين و عاشروا البغال و الحمير عن الولدان المخلدين و اختاروا الاحجار علي الياقوت و اللؤلؤ و المرجان و النقوش علي الاشجار بالطيور علي انحاء الالحان و الاموات علي الاحياء و ان الدار الاخرة لهي الحيوان فمن حيث نظرهم الي هذا البلوي و سماعهم هذه الغوغاء في ظلمات بعضها علي بعض احتجبوا بالحجاب و الحنوا بالخطاب فصاروا ابواباً بواطنها فيها الرحمة رحمة العلم و اليقين و الايمان و الاذعان لامناء الرحمن و ظواهرهم من قبلها العذاب لاهل السراب فأنسوا بما استوحش منه الاكثرون و استلانوا عند ما استصعبه الاولون و الاخرون و اخذوا علومهم عن الصادقين و نظروا بعين اللّه سبحانه علي ما اراهم في العالمين علي الوضع الالهي المحمدي العلوي عليهما و آلهما افضل الصلوات من المصلين فلذلك لايكادون يخطئون في نوع علم من العلوم و ان كانوا عن الجزئيات بتفاصيلها لعدم الحاجة اليها غافلين و لم‏يفلت منهم انواع العلوم و اقسام الرسوم لكونهم واقفين علي نقطة العلم الواحدة التي كثرها الجاهلون و حصول الوصول الي مرتبة النفس القدسية و الملكة الراسخة فلاجل ذلك رأوا سراً واحداً سارياً في المراتب و ان تعددت و امراً واحداً صادراً من عند الواحد جلّ‏شأنه في المقامات و ان تكثرت.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 143 *»

فمن حيث نظرهم الي ذلك الامر الواحد الساري في الموجودات مارأوا في خلق الرحمن من تفاوت و اختلاف و يحصل لهم علم الايتلاف و يقدرون علي الاستدلال بكل علم بكل معلوم و اقامة البرهان علي كل شي‏ء بكل علم و قد اصابوا في كل ذلك فمن ذلك العلم ما روي نحن نتكلم بالكلمة و نريد منها سبعين وجهاً لنا من كلها المخرج فمن جملة علومهم علم التأويل و هو علم شريف وسيع اوسع من كل علم فيمكن الاستدلال به بالطب للفلسفة و بالعكس و بالنجوم عليه و بالعكس و بالحروف عليه و بالعكس و بالفقه علي المسائل الحكمية و بالعكس و بكل علم علي مسائل ساير العلوم و من ذلك المرموزات في العلوم المكتومة فما اوسعه من علم و من علومهم علم الباطن و علم باطن الباطن الي سبعة ابطن او سبعين او بعدد مراتب تنزلات الوجود الي عالم الشهود و من علومهم علم تأويل الباطن و باطن التأويل و هو اوسع من التأويل المعروف و من علومهم علم الظاهر و هو الذي يشاركون فيه من سواهم و من علومهم علم ظاهر الظاهر و هو علم وسيع مرموز و يجري في المراتب كلها فيكون ظاهر الظاهر و ظاهر الباطن و ظاهر التأويل و هكذا و اجمل لك القول بأنهم الواقفون علي نقطة العلم و حقيقة السارية في المراتب و المقامات فلايفلت عنهم شي‏ء من العلوم انواعها و لايمكن شرح اوصافهم في الدفاتر لو كان البحر مداداً لشرح فضائلهم لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً نعم لهم درجات في كثرة العلوم الجزئية و قلتها و فوق كل ذي علم عليم و لو من جهة من الجهات و جزئي من الجزئيات فهم بين كلي و جزئي و ادني درجاتهم انهم عدول اصحاب العلوم ينفون عن الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين من التوحيد و صفات التفريد بأنحائها و النبوة و صفاتها و الولاية و صفاتها و النقابة و صفاتها و حقيقة المبدأ و المعاد و الحقيقة و الطريقة و الشريعة و احكامها فينفون عن

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 144 *»

ذلك كله تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين بالبراهين التي توقف الطالبين للحق علي اليقين و ان انكر الجاحدون و قد تواترت الاخبار لفظاً و معني في هذا المضمار و الحمد للّه و قد اجمعت@اجتمعت خ‌ل@ الامة المرحومة بأن الحق لايرتفع من الدنيا الي يوم القيمة و من المعلوم انه لابد لاحقاق الحق و ابطال الباطل من مقيم و لكل نبأ مستقر مادام التكليف باقياً فلذا روي في اخبار عديدة عن اهل العصمة: ان لنا في كل خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و بشهادة اهل العصمة: الذين لم‏ينطقوا عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و بوحي اللّه تبارك و تعالي و شهادته انهم عدول محفوظون عن الكبائر و الصغائر و قد رآهم اللّه تعالي بحفظه حيث امرهم و ما رآهم حيث نهاهم كما روي في وصف شيعتهم: في تفسير الامام7 و بشهادته و شهادة اولي العلم القائمين بالقسط: انهم علماء حكماء اذ لايقدر الظان ان‏يسد باب احتمال الخلاف في المسائل فاذا جاء الاحتمال و لو ضعيفاً بطل الاستدلال فبقيت الشبهات علي حالها و كذا الشبهات الحكمية لايرتفع عن الدين بالعلوم الظاهرية فلابد لرفعها عن الدين من الحكماء البالغين فهم علماء حكماء عدول حقيقيون غير مظهرين للعدالة في ملأ من الناس و هم في الخلوات عباد الوسواس الخناس فلابد لحفظ الدين من العدول و العلماء الراسخين و هم بشهادة اللّه تعالي و شهادة خلفائه: كانوا و يكونون كائنين و الحمد للّه رب العالمين.

ثم اعلم ان كل نقيب نجيب لامحالة اذ لايعقل الوصول الي الدرجات العالية الا بالعلم و العمل و ليس كل نجيب نقيباً بل النجيب الكلي نقيب و لو جزئياً و ليس النجيب الجزئي نقيباً و ان كان من العدول النافين عن الدين تحريف المحرفين بحسب الاصطلاح الخاص في مقام الامتياز اذا

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 145 *»

اجتمعا اختلفا و اذا اختلفا اجتمعا.

السابعة: هل يجوز التوجه الي اللّه سبحانه بتوسط العالم التقي الورع الحكيم الزاهد في الدنيا و الراغب في الاخرة بحكم هذا الحديث من اصغي الي ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و ان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ام لا.

اقول: اعلم ايدك الله تعالي ان اللّه سبحانه جعل التأثير بمقتضي التدبير في الفعليات و لم‏يجعله في القوة و الامكان فلو سلكت ما طلبت مسالك القوات يئست و خسرت نعوذ باللّه الم‏تر ان الدهن قابل للاشتعال و الاضاءة بعد الاشتعال الذي هو الفعلية و اما قبل الاشتعال فلم‏يكن له ضياء فمن طلب الضياء من الدهن قبل الاشتعال فقد خسر و خاب و من طلبها من الشعلة فقد وصل الي الباب و اتصل الي الجناب و فاز بنيل المطلوب في المآب فليس كل شي‏ء بباب في افاضة انواع الفيوض من الوهاب تعالي شأنه الا ما جعله فيه بالفعل و ذلك سر سار في الغيب و الشهود في جميع المراتب ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم ان من كان جميع ما تطلب فيه بالفعل هو الغوث الاعظم صلوات اللّه عليه و علي آبائه الطيبين الطاهرين. و من سواه من مواليه كل واحد منهم يحكي عن شأن من شئون كمالاته لا جميعها فهم فيما هم عليه من الفعلية ابوابه و وسائله دون ما كان فيهم بالقوة فلايجوز التوجه المطلق اليهم فتدبر و لاتزل قدمك بعد ثبوتها.

الثامنة: هل الخلق مكلفون بمعرفة النقيب الكامل الذي هو اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء المتصرف في الملك و الملكوت و المهيمن علي الناسوت و الجبروت و ليس فيهم مشعر معرفته لان الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها و هو المعري عن الصور المثالية المقدارية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 146 *»

و الصور المعنوية النفسانية و الخيال لابد له من التصور و كذلك المشاعر العالية لابد لها من التعقل و هو المبري من مدركات جميعها ام يكفي العلم للمستدل بأن لهذا العالم محرك‏ما و هذا التوحيد توحيد عام لا فائدة لقائله.

اقول: الناس في درجات معارفهم مختلفون و كل حزب بما لديهم فرحون لايكلف اللّه نفساً الا ما آتاها و لايكلف اللّه نفساً الا وسعها فمن آتاه اللّه سبحانه شيئاً فقد آتاه فلم‏يخف عليه ذلك فليس كل احد مكلفاً بكل شي‏ء و اما قولك و هو المعري من الصور المثالية الي آخر قولك فليس كذلك بل هو الحي في البدن الجمادي العرضي الدنيوي فضلاً عن التعري عن الصور المثالية فما فوقها فهو المستوي علي سرير السلطنة في كل عالم بحسبه عرفه من عرفه و جهله من جهله و من اراد ان‏يعرفه نفسه يعرفه و ليس عليهم قبل تعريفه نفسه ان‏يعرفوه و عليهم اذا عرفهم نفسه ان لاينكروه و لايجحدوه و يكفي للذي بلغه ان للغوث الاعظم صلوات اللّه عليه و علي آبائه ابواباً صادرين عن امره عجل اللّه فرجه التصديق و الاذعان لاوصافهم و فضائلهم و الانتظار لظهورهم في ظهوره عجل اللّه فرجه و المانع من ظهورهم قبل ظهوره عجل اللّه فرجه هو المانع من ظهوره فهم رجال الغيب في غيبته و اعوانه و انصاره في ظهوره صلوات اللّه عليه و علي آبائه و العلم بوجودهم و الاقرار بفضلهم([36]) و الاذعان لامرهم و الاستمداد منهم فيه من الفوائد التي لايجري به القلم و لايخرج من فلق فم؛

و ما عسي ان‏اقول في ذي معالي   علة الدهر كلها احديها

التاسعة: ما الفرق بين العلم و المعرفة.

اقول: هما من الكلمات التي اذا اجتمعت اختلفت و اذا اختلفت اجتمعت

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 147 *»

ففي مقام الفرق مرة يستعمل العلم في مقام الوصف و المعرفة في مقام المشاهدة و العيان كما وصف لك بلد بأنه كذا و كذا فتعلم به و لاتعرفه و ربما مررت به و انت لاتعرفه فاذا سرت اليه بعد الوصف و تصل اليه و تعلم انه هو الموصوف تعرفه و تشاهده عياناً فللعيان درجات بحسب سير السالكين الي ان‏يسير السائر الي الموصوف المحبوب و يصير بحيث يفقد نفسه و يجد المحبوب الي ان‏يري المحبة حاجبة بينه و بينه ثم يفقد بانطوائه في احاطته و بقي به في فنائه فلايجد نفسه و لا محبته و لا شيئاً غير الموصوف فهو هو لا شي‏ء غيره فهذه الحالة تسمي بالمعرفة عند العارفين و الحمد للّه رب العالمين.

العاشرة: ما معني التوجه الي اللّه تعالي فهل يجب التوجه بجميع المشاعر الظاهرة و الباطنة و انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها.

اقول: سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط فان كنت من اهل الديار فانظر الي الديار في كل دار و الا فان لم‏تك تراه فانه يراك فتضرع اليه حتي تلقاه و لا حول و لا قوة الا باللّه.

الحادية‌عشرة: ما معني هذه الاية الزاني لاينكح الا زانية او مشركة و الزانية لاينكحها الا زان او مشرك و ما معني الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات و عايشة كانت زوجة للنبي9 و آسية زوجة فرعون لعنه اللّه.

اقول: اما الاية الاولي فهي نازلة في اهل مكة في بدو الاسلام و كانوا

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 148 *»

يومئذ شاهرين مشتهرين بالزنا من غير ستر ذكوراً و اناثاً مشركين مشتركين في الفعال و كانوا يهجون رسول اللّه9 في اشعارهم المتداولة بينهم في تلك الاحوال و الافعال المنكرة و كانوا يستهزؤن به و بالاسلام فنزلت الاية تضييقاً عليهم لئلاينكح فيهم مسلم ثم نسخ بعض الاية بقوله تعالي في المائدة و المحصنات من الذين اوتوا الكتاب و بقي بعضها علي حاله و هو عدم جواز تزويج المؤمنات للمشركين و الكفار و ان كانوا من اهل الكتاب و اما تزويج الزاني و الزانية و تزوجهما بغيرهما ان كانوا مسلمين فقد اختلف فيه الاقوال و القول الاحوط الاقوي هو القول بجوازه بعد التوبة لا قبلها هذا ما ذهب اليه المفسرون و الفقهاء حيث جعلوا النفي في مقام النهي و علي هذا يرد اشكال في الاستثناء و هو جواز نكاح الزاني المسلم للزانية و المشركة و جواز نكاح الزانية المسلمة للزاني و المشرك بمقتضي الاستثناء و هو غير جائز في الجملة بالاتفاق لان الاحكام جارية في المسلمين علي النسق الواحد و لايجوز نكاح المسلمة للمشركين بالاتفاق زانية كانت او محصنة و الذي يظهر بعد التدبر ان النفي باق بمعناه الحقيقي فلما كان حرمة نكاح المؤمنين و المؤمنات بالمشركات و المشركين معلومة بقوله تعالي و لاتَنكحوا المشركات حتي يؤمنّ و لاتُنكحوا المشركين حتي يؤمنوا و بقوله تعالي و لاتُمسكوا بعصم الكوافر و كذا حرمة نكاح الزانية و الزاني قبل التوبة او كراهته لما كانت معلومة باخبار النبي9 حيث اخبر اللّه سبحانه عن حال المؤمنين و المؤمنات بأنهم بعد علمهم بالتعليم و التكرهة ما خالفوا امر اللّه سبحانه و انما خالف امره الفسقة و الفجرة بعد علمهم و هم ليسوا بمؤمنين و ان كانوا مسلمين كما ورد الفرق بين المؤمن و المسلم في كثير من الاخبار بأن الاول لايذنب ذنباً و الثاني لايزني الزاني و هو مؤمن و لايسرق السارق و هو مؤمن فقوله تعالي الزاني لاينكح الا زانية او مشركة الي قوله و حُرِّم ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 149 *»

علي المؤمنين اخبار عن حال المؤمنين و الفاسقين بأن الاولين غير مخالفين و الاخرين مخالفون افمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لايستون فليس في الاستثناء جواز النكاح بل اخبار عن حال الزناة و حرم ذلك علي المؤمنين فتدبر.

و اما الاية الثانية فاعلم انها جارية في عالم التفريق و التفصيل و التمييز دون عالم الخلط و اللطخ و المزج و ذلك حين ما اخبر اللّه به بقوله ليميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم و اما قبله الذي هو عالم الاعراض و الاغراض الذي هو الدولة الباطلة و الدنيا الزائلة فقد اتصلت الاضداد و تفرقت الانداد فكم من مؤمن طيب متزوج للكافرة الخبيثة و بالعكس و كم من خبيث يتولد من طيب و بالعكس يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و حصل الانساب بين الاضداد و يومئذ لا انساب بينهم و لايتسائلون و اشار الي ذلك قوله تعالي خالصة يوم القيمة فقبل ذلك اليوم غير خالصة فافهم.

الثانية‌عشرة: ارجو من جنابك السامي ان‏تبين لي كيفية السير و السلوك في جميع المراتب لعل اللّه يوفقني ان‏اعمل ببعض الاوامر و انزجر عن بعض النواهي و بين لي كيفية السلوك مع اخواننا المؤمنين و المخالفين فاسلك بنا سبيل الوصول و سر بنا في اقرب طرق الحصول اللهم انا نشكو اليك فقد نبينا و غيبة ولينا و كثرة عدونا و قلة عددنا و شدة الفتن بنا و تظاهر الزمان علينا. ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب. اللهم لاتجعلني من المعارين و لاتخرجني من حد التقصير يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك.

اقول: اعلم وفقك اللّه تعالي لمرضاته ان كل مجهول لك مرفوع عنك و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 150 *»

ان كل معلوم لك مكلف به فالمعلوم حاصل لك فاسع كل السعي في العمل بمقتضي علمك فبادر الي الفرائض و تجنب المحرمات سواء كانت ظاهرية او باطنية و اد الفرائض في اوقاتها بل اوائلها و لاتؤخرها الي اواخرها و لاتترك السنن ما امكنك و اترك المكروهات ما استطعت و كن في جميع احوالك في المستحبات و المكروهات و المباحات و المأكل و المشرب و المنكح و الملبس و النوم و اليقظة و الحركة و السكون بين الافراط و التفريط و اقصد في مشيك في جميع المراتب و اخفض من صوتك في جميع المقامات و جالس الاخوان المؤمنين الذين فوقك ما قدرت فانهم بوجودهم يقوونك في العلم و العمل و جانب المخالفين و احذر منهم حذارك من الذئب الضاري ما استطعت فانهم يغوونك و جالس الضعفاء ما فرغت مما اهمك فانهم ان كانوا من المحبين ينتفعون منك في العلم و العمل و ان كانوا من المخالفين لعلهم بمجالستك ان‏يصيروا من الموافقين و من احياها فكأنما احيي الناس جميعاً و ذلك من فضل اوقاتك كما ان الزكوة من فضل اموالك فلاتضيع نفسك لاصلاح غيرك في شي‏ء من الاوقات بل في شي‏ء من الاشياء و كن في جميع احوالك ذاكراً للّه تعالي و توجه اليه بآل محمد: و لاسيما بقائمهم عجل اللّه فرجه و قل لهم بفعلك و حالتك انا مقدمكم بين يدي طلبتي و حوائجي الي اللّه تعالي في الدنيا و الاخرة و تذكر قول اللّه ءاللّه اذن لكم ام علي اللّه تفترون في كل حال لتصير من الذاكرين اللّه كثيراً في نفسك بل ساير مراتبك و تضرع اليه موقناً بأنه شاهد علي كل نفس و اذكر الدعوات المذكورة في آخر كلماتك باللسان و الجنان. فهذا مجمل القول الذي قد تفرعت عليه المفصلات فان شئت فراجع اليها و انا معذور عن البسط في المقال و انت مصدق لي ان تأملت الاحوال و قد تم في السبت السادس من شهر ربيع المولود من شهور سنة 1293 حامداً مصلياً مستغفراً.

 

([1])  اجوبة مسائل العالم العامل المرحوم ابي‌القاسم الحاج سعيد احد تلامذة المصنف اعلي اللّه مقامه.

([2]) عباده الذين. خ‌ل

([3]) بذلك. خ‌ل

([4]) عزّوجلّ. خ‌ل

([5]) القائم عليه السلام و عجل اللّه فرجه في ظهوره. خ‌ل

([6]) الظاهرية. خ‌ل

([7]) فعالهم. خ‌ل

([8]) فعالهم. خ‌ل

([9]) العبد العظيم. خ‌ل

([10]) اقصي. خ‌ل

([11]) و لمان كان الحديث في نسختنا مغلوطاً و يخالف بعض الفاظ الحديث الموجود في الاختصاص نقلناه من الاختصاص المنشور من مكتبة الصدوق سنة 1379. ناشر

([12]) بالمؤثر. خ‌ل

([13]) في الارحام ما يشاء. خ‌ل

([14]) النباتات. خ‌ل

([15]) لبس. خ‌ل

([16]) عالم. خ‌ل

([17]) القسط و العدل. خ‌ل

([18]) سليم. خ‌ل

([19]) متنعمة. خ‌ل

([20]) النار. خ‌ل

([21]) منجر وعده. خ‌ل

([22]) فتوحاته. خ‌ل

([23]) القاساني. خ‌ل

([24]) رحمته غضبه. خ‌ل

([25]) اني لهم مهلة. خ‌ل

([26]) باحوال الدنيا. خ‌ل

([27]) العذاب. خ‌ل

([28]) الدولة. خ‌ل

([29]) قبلهم. خ‌ل

([30]) يتحرك اعضاؤه. خ‌ل

([31]) الظاهري. خ‌ل

([32]) عالم الحروف. خ‌ل

([33]) الظاهرية. خ‌ل

([34]) من غير انتباه و هو انتهاء الانتباه بلا انتهاء. خ‌ل

([35]) و المأمور. خ‌ل

([36]) بفضائلهم. خ‌ل