03-01 الرسائل المجلد الثالث – رسالة اجوبة مسائل المرحوم الشيخ المفيد ـ مقابله

 

 

الرسالة الاولي اجوبة مسائل المرحوم الشيخ المفيد

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الفهرس

 

فهرس الرسالة الاولي

جواب المسألة الاولي: بيان حقائق الفؤاد و العقل و النفس و الطبع و المادة و المثال و الاشارة الي الاخبار الواردة فيها و بيانها

بيان بعض الاصطلاحات کالعماء و الياقوتة و الغراب و الحمامة و الطاووس و امثالها بقدر الميسور

جواب المسألة الثانية: بيان معني ان الله سبحانه خلق للناس افئدة وصف نفسه بها بتوحيد الذات و عقولا وصف بها نفسه بتوحيد الصفات و ارواحاً وصف نفسه بها بتوحيد الافعال و نفوسا وصف نفسه بها بتوحيد العبادة. و بيان هذه التوحيدات علي طريقة المصنف اعلي الله مقامه من ذکر حقائقها دون الاقتصار بالالفاظ

جواب المسألة الثالثة: بيان معني انه خلق بالتوحيد اجسام الخلق و بالنبوة نفوسهم و بالائمة: عقولهم و بالشيعة افئدتهم

جواب المسألة الرابعة: بيان حقيقة الملائکة الاربعة و روح القدس و بيان اعوانها علي طريقة المصنف اعلي الله مقامه

جواب المسألة الخامسة: بيان حقيقة الملائکة و الشياطين و الجن و بيان المراد من صعود الشياطين قبل البعثة و عدمه بعدها و دفعهم بالشهب في الانسان الکبير و الصغير

جواب المسألة السادسة: بيان المراد من الذات و الهوية و الالوهية و الاحدية و الواحدية

جواب المسألة السابعة: بيان المراد من الظهور و الرجعة و بيان الاخبار الواردة بقدر الامکان

جواب المسألة الثامنة: بيان کيفية الموت و حالات القبر و نفخ الصور

جواب المسألة التاسعة: بيان مختصر من امر القيامة و حقيقة العود

جواب المسألة العاشرة: بيان المراد من البراني و الجواني في الصنعة الفلسفية

جواب المسألة الحادية‌عشرة: بيان المراد من ان افئدة الانبياء: خلقت من جسد فاطمة3 و بيان المراد من ذلک الجسد

جواب المسألة الثانية‌عشرة: بيان حقيقة النقباء و النجباء و العلماء

جواب مسألتين اخريين: الاولي: بيان حقائق الاراضي السبع و وجه وضع کل ارض في مقابلة السماء المخصوصة دون السماء الاخري

الثانية: بيان طريق التفکر في مسائل الحکمة العالية علي طريقة المصنف اعلي الله مقامه الالهية

 

 

و ليعلم القراء الکرام انه ما وصل الينا النسخ الاصلية من هذه الرسائل المبارکة و غيرها من تصنيفات المصنف اعلي الله مقامه و ما عثرنا عليها منها کلها نسخ مستنسخة و هي مخطوطة مغلوطة مختلفة فاضطررنا ان نعلق عليها و نشير الي بعض الاختلافات مما يؤدي الي تغير اللفظ او المعني و نصحح بعض الاغلاط (التي حدثت من النساخ کما يعرفها المراجع المنصف@المصنف ظ@) و نرمز لها بـ«ظ»

                                                                الناشر

«* الرسائل جلد 3 صفحه 2 *»

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و الصلوة و السلام علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

و بعــد يقول العبد الخاسر ابن محمد جعفر محمدباقر القهي قد طلب مني سلالة الاعاظم و نقاوة الافاخم صاحب الفطرة السليمة و السليقة المستقيمة ايده اللّه تعالي لفهم الحقائق المستودعة فيه و وفقه لما يحب و يرضيه شرح مسائل عويصة و حقائق عظيمة سهل سردها في الدفاتر تقليداً و عسر شرحها للخواطر تحقيقاً و انا لعمري لست من فرسان هذا الميدان و اني للذباب في مطار العقاب الطيران فان كنت سائلاً عنها احق و اولي من ان‏اكون مسئولاً ولكنه بحسن ظنه قد توسل و بصفاء سريرته استفصل و استغفر اللّه ربي من تبديل الحسن بالسوء في حقي و تحويل الصفاء بالكدورة في حقيقتي و هو قادر علي احسن ما يظنه في طويتي و اسأله الختام بانالة المرام انه قريب مجيب و لولا ما يظن في حقي الضنة لم‏اكتب في هذا المقام سطراً ولكن لاظهار جهلي ينبغي ان‏اسطر شطراً في غاية الاختصار لقلة ما حصل لي من البضاعة و كثرة ما يسر لي من الاضاعة مع تبلبل البال و اضطراب الخيال في جميع الاحوال و اسأل اللّه الوهاب ان‏يجمعه فيما يحب و يرضاه بحق محمد و آله الاطياب و شيعتهم الانجاب صلوات اللّه عليهم ما طلع نجم هداية و غاب فجعلت عباراته في فصول و عنونتها بـ«قال» و عباراتي في فصول بلفظ «اقول» ليتضح ما في البال من المأمول تأسياً بمشايخنا الفخام اجل اللّه شأنهم و انار برهانهم في جواب المسائل.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 3 *»

قال سلمه اللّه و ايده بعد التسمية و التحميد و الصلوة علي اهلها و اللعنة علي مستحقها: و بعد فالمأمول من جنابك ان‏تمن علي هذا المسكين ببيان مسائل مشروحة مكشوفة بقدر الامكان.

الاولي: بيان حقائق الفؤاد و العقل@العقل و الروح خ‌ل@ و النفس و الطبع و المادة و المثال و الاشارة الي الاخبار الواردة فيها و بيانها.

اقول: اعلم ان اللّه تعالي خلق الخلق لفائدة لحكمته المتقنة و تلك الفائدة هي المعرفة و العبادة كما قال تعالي ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و قال الامام7 اي ليعرفون([2]) و قال في القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و انت قد عرفت بحمد اللّه في مباحثات المشايخ اجل اللّه شأنهم و في كتبهم ان اللّه سبحانه احد لا غاية لنوره و لا نهاية لظهوره و له في كل رتبة نور و في كل مقام ظهور سواء كان في الكون ام في الشرع كما قال تعالي و ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و كما في الدعاء و بمقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك و كذا قال7 بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت فالذي يظهر من الايات و الاخبار و اعتبار عقول الاخيار ان مراتب الوجودات لاتعد و لاتحصي لعدم تناهي الرب جل و علا فهذه المراتب التي سميتها بعض المراتب التي لا نهاية لها فله سبحانه([3]) في كل تلك المراتب ظهور كوناً و شرعاً و ليس ظهوره فيها بنحو واحد اذ لو كان كذلك لم‏يبق

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 4 *»

مراتب و صارت مرتبة واحدة فله تعالي في كل رتبة ظهور بحسب تلك الرتبة فلذلك صارت الظهورات مختلفة و الانوار متعددة كلما تقرب اليه تكون اظهر و انور و كلما تبعد عنه تصير اخفي و اشد ظلمة و المراد من الظلمة و الخفاء هو التقيد بالقيود و التعقد بالعقود و الا لم‏يكن في الملك شي‏ء سوي ظهوره و لم‏يوجد ساتر ابداً لنوره لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته.

بالجملة فلما ظهر اللّه تعالي في كل مرتبة بحسبها جعل لاهل كل مرتبة مدركاً تدرك به انواره و تجلياته و آياته و مقاماته و لو لم‏يجعل فيهم ذلك المدرك لصار ظهوره في المرتبة التي لابد و ان‏تدرك به عبثاً و لغواً و لا شك ان المدرِك بالكسر لابد و ان‏يكون من جنس المدرَك بالفتح و الا لايمكن الادراك اماتري ان ذات اللّه سبحانه لما لم‏يكن من جنس المخلوقات لم‏يكن لهم ادراكها كما قال سبحانه لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و سر ذلك ان الادراك لايحصل الا بان‏ينفصل من المدرك شبح و ينطبع في المدرك و المشعر و يقوي ما فيه بالقوة من جنس ذلك الشبح الحاصل حتي صيره بالفعل فلو لم‏يكونا من جنس واحد لم‏يمكن الفعل و الانفعال و التأثير و التأثر و مثال ذلك للتوضيح ان العين لماكانت من جنس الالوان و ليس فيها لون خاص و فيها قوة التلون بجميع الالوان فاذا قوبلت الي ذي لون خاص كمل ما فيها من جنس ذلك اللون و استخرج ما فيها بالقوة الي الفعلية فاذا صارت بالفعل و تكون مطابقة لما في الخارج من جميع الجهات تدركها علي ما هي عليه بفضل الحياة التي فيها و تحكم علي ما في الخارج و لو لم‏تكن من جنس المرئيات لم‏يكن الادراك البتة كما ان ساير الحواس لما لم‏تكن من جنسها لكثافتها لم‏تنفعل من الالوان الخارجية و لم‏تدركها و كذا الروح البخاري لم‏تدركها للطافته بالنسبة اليها بالجملة فالمجانسة شرط بين@في خ‌ل@

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 5 *»

المدرك و المدرك بالمعاينة و لذا قال مولانا اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فاذا ثبت ذلك ثبت ان ادراك المراتب موقوف علي وجود مشاعر من جنسها و ليس جميع المشاعر حاصلة لجميع المواليد و لذلك تري الناس مختلفين في ادراك الامور و ليس كل احد حاذقاً بجميع الامور فمنهم من حذق في الامور الظاهرية و العلوم الشهادية و منهم من حذق في الامور الخفية و العلوم الغيبية دون الشهادية و منهم بارع@من بارع خ‌ل@ في الشعر و منهم عاجز مع ان كل واحد منها ذو حس و شعور واحد@واجد خ‌ل@ للالفاظ مدرك لمعانيها و مع ذلك يقدر علي نظمها([4]) واحد دون الاخر بالجملة اذا تأملت في الاشخاص تجد كل واحد منهم علي طبيعة خاصة به و سليقة خاصة به و تجد كل حزب بما لديهم فرحون و يستحسن كل طائفة اموراً و علوماً لايستحسنها قوم آخرون و ليس ذلك الا لاختلاف المشاعر و المدارك و كم من امور قد عجز عن بلوغها مشاعر اكثر الناس لايعرفون حسنها و لا قبحها مطلقاً لعدم ظهور مشعر من جنسها فيهم. بالجملة و ليس المقصود بيان هذه المطالب بالذات و انما اجري من باب المقدمة لما نحن بصدده فكل مشعر امر موهوبي و ليس كل من طلب امراً وجد و ان جد انك لاتهدي من احببت ولكن اللّه يهدي من يشاء بالجملة فباختلاف المشاعر تحكم علي اختلاف المدركات كما تحكم بان المبصرات غير المسموعات و هي غير المشمومات و هي غير المذوقات و هي غير الملموسات و المحسوسات غير المعقولات فاذا علمت ذلك فاعلم ان من المدركات الواقعة في الوجود المقيد بلحاظ هو الحقيقة المعراة عن الصور المادية الزمانية و البرزخية المثالية و المجردة الملكوتية و الرقيقة البرزخية و المعنوية الجبروتية و لابد في ادراكها من مشعر معري عن جميع تلك الصور اعطي من اعطي و فقد من فقد و اهل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 6 *»

تلك العرصة محمد و آل محمد: في مقام الاتحاد اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فهم: يدركون تلك الحقيقة علي ما هي عليه لانهم: معصومون عن الاعوجاجات مطهرون عن الانحرافات و الانصباغات التي هي لوازم المراتب التي هي دون تلك الحقيقة و تلك الحقيقة حقيقة بسيطة في عالم المقيدات نافذة في جميع مراتبها اعاليها و ادانيها و غيبيها و شهاديها و دهريها و زمانيها و ذواتها و صفاتها و جواهرها و اعراضها و افعالها و آثارها و اشباحها و قراناتها([5]) و نسبها و اضافاتها كلها بقضها و قضيضها بحيث تكون تلك الحقيقة و لايكون غيرها فهي داخلة فيها لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارجة عنها لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء داخلة فيها لا بممازجة خارجة عنها لا بمباينة بل لا غاية لدخوله و لا نهاية لخروجه كنهها تفريق بينها و بين ما دونها فهي كلها ممتنعة لدي سطوع جمالها مضمحلة عند ظهور جلالها لاتري@لايري خ‌ل@ في تلك العرصة الا نورها و لايسمع فيها الا صوتها وحدها وحدها لا ظهور لشي‏ء مطلقاً و لا نور لاحد ابداً ابداً و هي اوجد في جميع المراتب من انفسها فاذ لا شي‏ء سواها فاي شي‏ء يدرکها فهي لاتدرك الا بها و لاتدرك بمشعر من المشاعر التي دونها و هي الحقيقة التي سأل عنها كميل مولانا اميرالمؤمنين7 فقال كشف سبحات الجلال من غير اشارة الي قوله7 اطفئ السراج فقد طلع الصبح و المراد من اطفاء السراج اطفاء سراج المشاعر باسرها و لو كان لي مجال لارخيت عنان القلم في هذا المجال الا اني مشغول بجزاء الاعمال@اعمالي خ‌ل@ في جميع الاحوال بحيث لم‏يبق لي فراغ البال و سكون الخيال فاكتفي بما قدر لي و لا حول و لا قوة الا بالله المتعال فاهل تلك العرصة لايدركون تلك الحقيقة بغير تلك الحقيقة و دعويهم فيها سبحانك اللهم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 7 *»

في جميع الاحوال في الليل و النهار و دعاؤهم يا من دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته بك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و لولا انت لم‏ادر ما انت متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي يكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً فماكذب الفؤاد ما رأي لانه يري المرئي بنفسه لا بشي‏ء غيره حتي يحتمل في حقه الكذب ولكن المشاعر الدانية يحتمل لديه@لديها خ‌ل@ الكذب لانها ربما يوجد فيها الاعوجاجات و الانصباغات كالمرآة المعوجة الملونة فلاتحكي ما في الخارج علي ما هو عليه و لذلك قال سبحانه افتمارونه علي ما يري و هم يمارون البتة لانهم واقعون في ما دونه([6]) و لايمكن لهم التصديق بحقيقة الايمان و حظهم الاذعان لا المشاهدة بالعيان.

فهم: في هذا المقام لايجدون لانفسهم و لا لغيرهم اثراً ابداً و يرون بعين الفؤاد التي هي عين اللّه الناظرة كل الاشياء نور اللّه و ظهوره لا بالنورية و الظهورية لان المنير عندهم انور من نوره و الظاهر لديهم اظهر من ظهوره و هم يرون ذلك المقام علي ما هو عليه لانهم معصومون عن الخطاء خطاء اعوجاج المشاعر و انصباغها و ما هو عليه هو النفوس فيما سواه و البساطة التي لايضادها شي‏ء مما عداه و الظهور الذي لايبقي لشي‏ء ظهوراً ابداً ابداً فالحمد لله اولاً و آخراً و باطناً و ظاهراً فالله اللّه لايشرك به احداً احداً سبحانه هو الواحد القهار عباده بالموت و الفناء فهم: في هذا المقام ليسوا الا نوره و ظهوره و هو انور من نوره و اظهر من ظهوره و اوجد في مكانهما منهما فاذاً هو هو وحده وحده وحده فالسلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء و البيت الذي من دخله امن و عينه التي من عرفها يطمئن يا ابن آدم انا رب اقول للشي‏ء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 8 *»

كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‏ء كن فيكون و في الكافي في اخبار عديدة في باب اذي المؤمن مايتقرب الي العبد بالفرائض انما يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته و فيه من آذي لي ولياً فقد بارزني([7]) بالمحاربة و دعاني اليها. بالجملة اهل ذلك المقام لايرون الا اللّه و لايسلكون الا اليه و لايسألون الا منه و لايعاملون الا معه و لايريدون الا اياه و قولهم في آناء الليل و اطراف النهار يا نعيمي و يا جنتي@و جنتي خ‌ل@ و يا دنياي و آخرتي يمشون في الاسواق و لايمشون فيها بل يمشون في انوار اللّه و يعاملون الناس كساير الناس و هم لايعاملون الا اللّه تعالي و يسألون الناس و لايسألونهم و يعاشرونهم و هم لايعاشرونهم و يصافحونهم و هم لايصافحونهم لانهم يرون يد اللّه فوق ايديهم فكم من معترض يعترض عليهم بانهم مثله و كم من شامت يشمت بانهم شكله و اني و اني و كم من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون اللهم اجعلنا من مواليهم و محبيهم فان اولياءك لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ربنا عاملنا بفضلك و لاتعاملنا بعدلك يا كريم يا غفور يا رحيم انك ذو الفضل العظيم.

ثم دون ذلك مقام العقل الكلي المعنوي و ليس المراد به الكلي الذي عقول الاناسي افراده و ظهوراته بل المراد هو اول ما خلق@خلقه خ‌ل@ اللّه تعالي و هو مخصوص محمد و آل محمد: في الكلية و ليس له افراد حقيقة و انما الاربعة عشر سلام اللّه عليهم([8]) صاروا بهذا العدد في مقام نزولهم الي عالم النفس([9]) و اما هم في حقيقتهم هم نور واحد و طينة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 9 *»

واحدة ليس لها تعدد و اختلاف الاتري ان الاختلاف لايحصل الا بالامتياز و هو لايحصل الا بالصور و غاية سير الصورة الي مقام الروح الملكوتية و فوقها مقام الاجمال المحض و عدم الصور و شأنه ادراك المعني المعري عن الصور الزمانية و المثالية المادية و الملكوتية المجردة و الرقيقة الروحانية و آية ذلك فيك هو الشعور المحض قبل تعلقه بالعلوم النفسانية و البرزخية المثالية و الدنياوية الزمانية و هو مدرك للكليات و لايحضر محضره الجزئيات فشأنه ارفع و مقامه اعلي من حضور([10]) الاشياء لديه الا بعد نزوله في المراتب و تعلقه بالاداني فاذا تعلق بها يدرك كل شي‏ء في مقامه اي في مقام ذلك الشي‏ء فهو في مقامه يدرك مثلاً ان الكل اعظم من الجزء ولكن لايصعد الصورة الكلية و الصورة الجزئية الي عرصته فلايقدر ان‏يحكم بان هذا الشي‏ء المخصوص كلي و هذا الشي‏ء المخصوص جزئي و هذا جزء و هذا كل و يحتمل عنده ان‏يكون الامر بعكس ذلك و انما شأنه ادراك ان الكل اعظم من الجزء فقط و تمييز ان هذا كل و هذا جزء([11]) لايحصل الا بعد نزوله في عالم الصور اي عالم النفوس فيحكم فيها انه كل و انه جزء([12]) فهو يقدر علي اثبات وجوب وجود نبي مخبر عن اللّه سبحانه مثلاً ولكن تصديق نبي مخصوص ليس من شأنه لانه ليس فيه الصور حتي يحكم بينها بان هذه الصورة نبي و هذا ليس بنبي و هذا النفي و الاثبات في مقام الاختلاف الذي هو مقام النفس لا في مقام الايتلاف الذي هو مقام العقل و لايمكنه في مقامه نفي شي‏ء ابداً ابداً و اثبات شي‏ء ابداً ابداً و ليس ذلك الا لاجل عدم حضور صورة شي‏ء من النفي و الاثبات محضره فيمكنه تصديق نبي@شيء خ‌ل@ خاص جزئي بعد نزوله في مقام النفس و بعدم الفرق بين المقامين ضل كثير من الناس و اضلوا كثيراً عن سواء السبيل و ذهبوا الي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 10 *»

انسداد باب العلم و لامتناعه في الدقيق و الجليل فقالوا: علي الظن مدار العالم و اساس عيش بني آدم من اول وجود آدم الي ظهور خاتم الي انقضاء العالم. فرأوا في عقولهم الناقصة انه اذا سمع احد من الامام7 مشافهة يحمل عنده انه ليس بامام و@او خ‌ل@ لعله قد نام او لعله قد تخيل ما ليس له قيام في الخارج كما اختلط علي بعض الانام في الامراض الدماغية كالماليخوليا بحيث يري في الخارج اشياء لم‏تكن و هو صادق في جميع المقام و لايمكنه البت علي المرام الا ان الشيطان لعنه اللّه متقلب في ممالك بعض الموجودات جريان الروح في البدن و الدم في الاعضاء اعاذنا اللّه تعالي بفضله من وساوسه و هو يوسوس في كل احد بما يليق بحاله فيوسوس في صدور العلماء علي صورة العلم و القواعد العلمية و الا لايقدر علي الخديعة من غير مناسبة قريبة فقد مكر مكراً في خلع شجرة الدين من اصلها فان فروعها ينخلع بخلعها و هو العمل بالظن ولكن اللّه سبحانه يقول مكروا و مكر اللّه و اللّه خير الماكرين فاقام عمود الدين باقامة وجود المؤمنين الممتحنين فقالوا ان اليقين العقلي مما لايكلف اللّه به في جزئيات الشرع المبين ابداً و انما مراده بالعمل بالعلم هو العلم النفساني و هو حاصل و ميسر سرمداً.

بالجملة و تفصيل ذلك مشروح في علم الاصول و انما جري هذا القدر من البيان لبيان الفرق بين المشعرين العقل و النفس و لما كان ابتداء الكلام علي غير هذا المنوال فلنرجع الي تلك المقال لانها انسب باهل الحال فهم: في مقام العقل يشاهدون فضل اللّه سبحانه و لايتوجهون الي غيره ابداً ولكن لما كانوا في هذا المقام من البسائط العقلانية و هو حجاب تحتجب به الحقيقة الاولية كما قالوا و هو المحتجب و نحن حجبه يثبت لهم الانية و الماهية المعنوية و هي و ان كانت مضمحلة في جنب نور الحقيقة الا انها كانت و لما كان الشي‏ء بحقيقة الشيئية هو

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 11 *»

الحقيقة و ماسواها بالنسبة اليها موهومات صرفة و دعاوي بلا بينة فكانت حقيقتهم في هذا المقام دعاوي فحصل لهم في هذا المقام مقامان مقام اعلي و مقام ادني فاذا نظروا بعينهم التي اعارها اللّه اياهم يرون فضله و سعته و نفوذه و اذا نظروا بعينهم التي هي من عالم العقل رأوا انفسهم فحصل لهم حالات في هذا المقام كما روي لنا مع اللّه حالات هو فيها نحن و نحن فيها هو ولكن هو هو و نحن نحن فلما توجهوا الي اللّه تعالي و رأوا وجوداتهم منطوية([13]) تحت احديته و انوارهم خامدة عند سطوع نوره و ظهوراتهم خفية لدي ظهوره وجدوا اللّه تعالي بالعين المستعارة و اذا نظروا الي وجوداتهم و حسبوها ايقاظاً فاذا امعنوا رأوا انهم رقود و ان هم الا كسراب بقيعة بالنسبة الي ربهم يحسبه الظمآن ماء و شيئاً حتي اذا جاءه اي اذا امعن النظر فيه لم‏يجده شيئاً و وجد اللّه عنده فوفاه حسابه من جميع الجهات و اللّه سريع الحساب فلذلك تراهم: يستغفرون ربهم و ينسبون الي انفسهم الموبقات و المعاصي و هي ليست الا كسراب اذا عرفت المعني من الكتاب فهم ابداً يستغفرون من وجودهم و يعدون انفسهم معصية علي حذو قول الشاعر:

اذا قلت مااذنبت قالت مجيبة   وجودك ذنب لايقاس به ذنب

و سر ذلك ان الشي‏ء بحقيقة الشيئية هو الحقيقة فكل ماسواها يدعي الشيئية حقيقة و في مجلس الترافع يرتفع الدعاوي التي ليس لها بينة و يثبت الحق للحقيقة التي هي المالك وحده و هي المالك لما ملكهم و القادر علي ما اقدرهم عليه.

ثم دون ذلك مقام الروح الملكوتية البرزخ بين الكلية الجبروتية و الصورية المجردة و آية ذلك فيك علي سبيل المثل بنطاسيا([14]) الذي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 12 *»

ليس من عالم الزمان و ليس من عالم المثال و له حالة برزخية بين ذين و لهذا@لذا خ‌ل@ يري القطر خطاً و الشعلة الجوالة دائرة. بالجملة و هو مقام الانبياء: فهم لما بعدوا عن المبدأ بدرجتين اشرق عليهم الحقيقة بعد اشراقها في مقام العقل و انصباغها منه فهم باعلي مشاعرهم يصلون الي مقام الحقيقة الظاهرة في رتبتهم بواسطة@بوساطة خ‌ل@ العقل فهم ايضاً يريدون اظهار الحقيقة و اخفاء الانية لما تجلي في حقائقهم ارادة اهل العقل فحصل لهم باشراق العقل عليهم قوي و خاصيتان البقاء في الفناء و النعيم في الشقاء و الصبر في البلاء و الفقر في الغناء و العز في الذل و الخاصيتان الرضا و التسليم لانهم علموا: ان البقاء و الغني و العز و سائر الخيرات كلها للّه تعالي فلما وجدوا لانفسهم بقاء و غني و عزاً و علموا@عزاً علموا خ‌ل@ انها كلها فانية و انما البقاء الدائم و الغناء المستقر و العز الثابت للّه تعالي تركوا مقتضيات انياتهم و طلبوا تلك الصفات من اللّه باخفاء صفات انفسهم و طلبوا كل صفة في ضدها و سر ذلك ان البقاء الخلقي ليس الا كسراب و انما البقاء الحقيقي للّه الوهاب فلابد لطالب الحقيقة ان‏يفني نفسه حتي يجد ربه و ان‏يهتك الموهوم حتي يصل الي المعلوم و هكذا سائر الصفات.

ثم دون ذلك مقام النفوس و فيها الصور المجردة عن المواد البرزخية و الدنيوية و العلوم المنفصلة فلاهل هذا العالم قوي و خاصيتان كما عرفها امير المؤمنين7 العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و الخاصيتان النزاهة و الحكمة و ليس لهم ادراك تلك الحقيقة الا من وراء حجاب العقل و الروح فحظهم الاستدلال من الاثار الي المؤثر و دليلهم الان و الموعظة الحسنة و هم محرومون عن الوصول العياني و الخطاب الشفاهي ولكن لما كان النقباء في اعلي درجات ذلك العالم حصل لهم المقام البرزخي بين الانبياء و سائر الناس فهم ايضاً يطلبون من اللّه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 13 *»

تعالي ما يطلبه الانبياء و يظهر فيهم صفاتهم ايضاً فهم يطلبون البقاء في الفناء و النعيم في الشقاء و الصبر في البلاء و الغني في الفقر و العز في الذل و الرضا و التسليم بحسب مقامهم.

ثم دون ذلك عالم الطبيعة و هو عالم الجن و لهم ايضاً نفس ناطقة ظلية و لهم العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة الظلية و ان اردت ان‏تعرفهم و تعرف عالمهم فاطلب ذلك من نفسك لانك نزلت من العالم الاعلي و مررت بعالمهم فالمشاعر المثالية كلها من سنخ الجن و لذلك تقدر علي ادراكهم في المنام بعد الاعراض من هذا العالم و يمكن رؤيتهم لاصحاب الامراض المضعفة للدماغ الموجبة لاعراض الروح عن هذا البدن في الجملة و كذا يمكن لاصحاب الرياضات و السر في ذلك هو اعراض النفس عن البدن الظاهري و توجهها الي الابدان المثالية. بالجملة فهم نزلوا الي عالم المثال و لم‏ينزلوا الي ادني الدرجات مثل الانسان و سائر المواليد التامة فهم ناقصون البتة ولكنهم اجمع من الملائكة و لذلك عدهم المشايخ انار اللّه برهانهم اعلي من الملائكة.

ثم دون ذلك عالم المادة مقام الملائكة و هم خلق ناقصون لايستكملون ابداً و هم ارواح نورانية كما يأتيك في سؤالك من الملائكة الاربعة ان شاء اللّه.

ثم دون ذلك عالم المثال و هو عالم الحيوانات و لكل واحد منها قوي و خاصيتان كما شرحها اميرالمؤمنين7 فالقوي سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و الخاصيتان الشهوة و الغضب و كل ذلك موجود فيك لانك مررت بعالمها حين نزولك ففكر فيها تجدها علي احسن البيان و تقرأ حروف كل عالم بمشعر منك مجعول لك من ذلك العالم و لاتحسبن بناء([15]) الحكماء مسائل فقهية مستنبطة من ظواهر الالفاظ من غير فهم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 14 *»

معانيها مشاهدة حاشاهم من ذلك بل الحكماء الالهيون كل ما يقولون يقرؤن حروفها مشاهدة كما تقرأ الكتاب بل اوضح و اوضح:

اتزعم انك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر

كل ما طرق سمعك يمكنك الوصول اليه فان كان من العوالم العالية ففيك آيتها و ان كان من العوالم الدانية فانت محيط بها و لعمري و عمرك ليس لي مجال ازيد من ذلك و يأتيك في خلال البيانات الاتية ما يكشف عن بعض هذه المراتب ان شاء اللّه فترقب.

و اما طلبك الاخبار الواردة ففي الخبر المروي عن كميل كفاية و بلاغ و الحمد للّه و يعرف ترتب تلك العوالم من ترتيب بيانه7 الا انه ليس فيه الجن و الملك لانهم خلق ناقصون و ليسوا من المواليد التامة فلذلك اسقطهما المشايخ اجل اللّه شأنهم في بعض عباراتهم و كيفية خلقتهم مذكورة في الاخبار و ليس لي الان مجال التصفح، فعن كميل انه قال سألت مولانا امير المؤمنين7 اريد ان‏تعرفني نفسي قال يا كميل و اي نفس تريد ان‌اعرفک؟ قلت يا مولاي و هل هي الا نفس واحدة؟ قال7 يا كميل انما هي اربعة النامية النباتية و الحسية الحيوانية و الناطقة القدسية و الكلية الالهية و لكل واحد من هذه خمس قوي و خاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوي و خاصيتان ماسكة و جاذبة و هاضمة و دافعة و مربية و لها خاصيتان الزيادة و النقصان و انبعاثها من الكبد([16]) و الحسية الحيوانية لها خمس قوي سمع و بصر و شم و ذوق و لمس و لها خاصيتان الرضا و الغضب و انبعاثها من القلب و الناطقة القدسية لها خمس قوي فكر و ذكر و علم و حلم و نباهة و ليس لها انبعاث و هي اشبه الاشياء بالنفوس الملكية و لها خاصيتان النزاهة و الحكمة و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 15 *»

الكلية الالهية لها خمس قوي بقاء في فناء و نعيم في شقاء و عز في ذل و فقر في غناء و صبر في بلاء و لها خاصيتان الرضا و التسليم و هذه التي مبدؤها من اللّه تعالي و اليه تعود قال اللّه تعالي: و نفخت فيه من روحي و قال تعالي: يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضية و العقل وسط الكل انتهي. و حديث الاعرابي المروي عنه7 ايضاً شارح لتلك المراتب و فيه زيادة بيان ان شئت فراجعه.

قال سلمه اللّه تعالي: و كذا الاصطلاحات كالعماء و الياقوتة و الغراب و الحمامة و الطاووس و امثالها بقدر الميسور.

اقول: اراد بقوله سلمه اللّه كالعماء ذكر الاصطلاحات اكثر مما ذكره في سؤاله فاقول ان العماء المطلق و المجهول الكنه و عين الكافور تعبيرات من الحكماء عن الذات البحت البات اما اطلاق العماء فانه لاتدركه الابصار و المشاعر و هو يدرك الابصار فكل المشاعر اعمي من ادراكه و اما مجهول الكنه فهو ايضاً كذلك لانه لايعلم ما هو الا هو فهو مجهول الكنه و اما عين الكافور فلانه ليس له عين في هذه الدنيا و انما اتي به الملك من عالم الغيب و الجنة فهو اشارة عن انه غيب ممتنع لايدرك و يقال للعقل الدرة لان طبعها طبع الماء و هو العقل الذي به حيوة كل حي و لانها براقة لامعة ظاهرة لنفسها مظهرة لغيرها فكذا للعقل بريق و لمعان و اشراق الي العوالم التي دونه ظاهر لنفسه مظهر لغيره و لانه ليس لها لون كما ليس للعقل لون بناء علي ان البياض ليس بلون او لانها بيضاء كما ان العقل ابيض و لانه صلب لايميل الي معصية ابداً لانه الاسم الذي استقر في ظل اللّه و لايخرج منه الي غيره و يقال لعالم الروح ارض الزعفران لان طبعه حار رطب و الحرارة و الرطوبة تقتضيان الصفرة في اللون و لان بالروح

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 16 *»

نشاط البدن([17]) و انبساطه كما ان الزعفران ينشط([18]) و يفرح و امثال ذلك و يقال لعالم النفوس الزبرجدة الخضراء لتلألؤها و شفوفها عما وراءها كما روي انها يتلألأ بخفق و اما خضرتها فلاختلاط صفرة الروح الغيبي بسواد عالم المواد لانها واقعة بين العالمين و يقال لعالم الطبع الياقوتة لانها حارة يابسة و الطبيعة مقام الجن الذين خلقوا من نار بلا دخان و قد يطلق عليه الكثيب الاحمر لاجل ان الكثيب مرتفع من الارض و مقام الطبع في اعلي درجات عالم المواد و وجه الحمرة ظاهر لانها لون النار و يقال لعالم المثال الطير الاخضر لطيران الخيالات فيه و اما خضرته فلان المثال روح عالم الاجسام فلونه اصفر كالروح الملكوتية الا انه لسواد عالم الاجسام المخالط معه اخضر و يقال لجسم الكل جبل قاف لانه صلب كالجبل و في بعض الروايات حاف بالحاء المهملة لانه محيط بجميع([19]) الاجسام الجزئية و لعل المراد من لفظ قاف ايضاً ذلك. بالجملة و لها اسماء اخر سميت بها لمناسبة ما لايخفي علي المتأمل كبحر النون للعقل و بحر الصاد لعالم المثال و كبد الحوت لعالم المثال.

اما الطاووس و الديك و الحمامة و الغراب فهذه اصطلاحات اهل الاكسير في الربع الثالث من اعمالهم فانه يقطر نطفة المولود اولاً فيقطر منها الماء الرقيق يسمي بذي الوجهين ثم يقطر ثانياً و يستخرج منها ماء غليظ اشبه الاشياء بالزيبق الفرار الابيض يسمي بالحمامة و هي بيضاء ثم يقطر ثالثاً و يستخرج منها ماء اصفر يسمي بالديك و الزيبق الشرقي كما تسمي الحمامة بالزيبق الغربي ثم يقطر رابعاً و يستخرج منها ماء احمر يسمي بالطاووس و الفتي الشرقي و يبقي الثفل اسود و يسمي بالغراب فاذا

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 17 *»

ازيل عنه السواد بماء ذي الوجهين يسمي عقاباً و لكل واحد من هذه الاستعمالات وجه فمرة يشبه شي‏ء بشي‏ء للونه و مرة لطبعه و مرة لظاهره و مرة لباطنه و مرة للازمه و هكذا لاجل الرمز المطلوب في هذا([20]) العلم و ربما يطلق الطاووس و يراد به العناصر في الاخبار لتلونها و اختلافاتها كما روي في قصة صعود الشيطان الي الجنة لاغواء آدم7.

قال سلمه اللّه: الثانية ما معني ان اللّه سبحانه خلق للناس افئدة وصف نفسه بها بتوحيد الذات و عقولاً وصف نفسه بها بتوحيد الصفات و ارواحاً وصف نفسه بها بتوحيد الافعال و نفوساً وصف نفسه بها بتوحيد العبادة مع بيان هذه التوحيدات علي ما هو طريقكم@طريقتکم خ‌ل@ من ذكر الحقائق دون الالفاظ.

اقول: ليس المراد بالناس في هذه المواضع كل من يمشي علي رجلين فان الناس كلهم بهائم الا المؤمن و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و قال7 نحن الناس و شيعتنا اشباه الناس و سائر الناس نسناس فليس لكل احد فؤاد و عقل و روح و نفس و المراد بهذه المراتب هو المراتب الشرعية المفاضة من عند اللّه سبحانه علي الانسان الكوني و الانسان الكوني له مادة و صورة نوعية و مادة و صورة شخصية و كلها كونية فاذا اخذ في الصعود الي المبدأ الشرعي الذي هو الشارع يظهر له اولاً نفس فان لم‏يمنعه مانع من الصعود و صعد ظهر فيه الروح فان لم‏يمنعه مانع و صعد ظهر فيه العقل و صار من اولي الالباب فان لم‏يمنعه مانع و صعد ظهر فيه الفؤاد و صار عارفاً باللّه بعين اللّه سبحانه فالمراد من الناس الناس التامون الكاملون الجامعون لجميع المراتب و هم الائمة: ثم الانبياء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 18 *»

ثم الاولياء كل بحسب كثرة سيره الي المبدأ و قلته و انت تعلم ان الشي‏ء لايتجاوز ما وراء مبدئه لانه فيه معدوم او ممتنع كما تري ان الضمير المستتر في القائم لايرجع الي ذات زيد فانه لو رجع اليها لكان ذاتية زيد هو الظهور بالقيام فلم‏يمكنه الظهور لسائر@بسائر خ‌ل@ صفاته المتعددة فاذا ظهر بجميع صفاته علم انه في ذاته معري عن قيد القيام و عن قيد سائر صفاته فالقائم لايتجاوز مبدأه ابداً و هو زيد الظاهر بالقيام و هو المقيم و هكذا سائر صفاته فاذا عرفت ذلك في القائم بالنسبة الي زيد فاجر حكمها في كل ظهور بالنسبة الي الظاهر فيه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. و ما امرنا الا واحدة فزيد ايضاً لايمكنه التجاوز عن مبدئه ابداً و مبدؤه هو الرأس المتعلق به من المشية المتهيئ بهيئة الذي يوجد فيه حروف اصوله الزاي@الزاء خ‌ل@ و الياء و الدال فمبدأ زيد هو المزيد مثلاً لا الانسان المطلق فان ذات الانسان لو كان ذاتية@ذاتيته خ‌ل@ المزيد لصار المزيد صورته الذاتية و لو كان المزيد صورته الذاتية لكان اينما يوجد يوجد المزيد لان الصورة الذاتية محفوظة في ضمن جميع الظهورات كما تري الصورة الانسانية التي هي ذاتية الانسان محفوظة في ضمن جميع الافراد فمبدأ كل شي‏ء و كل ظهور لابد و ان‏يكون في اعلي مقامات ذلك الشي‏ء لا في المرتبة المطلقة العالية عليه كما عرفت فاذا كان الامر في فرد بالنسبة الي مطلقه علي هذا المنوال فما ظنك بالخلق الحادث بالنسبة الي ذات القديم فالخلق الحادث لايمكنه الصعود الي رتبة القديم([21]) ابداً و لايتجاوز ماوراء مبدئه و ليس مبدؤه القديم يقيناً و لا شك ان اللّه سبحانه امر الناس ان‏يوحدوه في ذاته و صفاته و افعاله و عبادته حيث قال قل هو اللّه احد في المقام الاول و ليس كمثله شي‏ء في المقام الثاني و هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 19 *»

عما يشركون في المقام الثالث و قال في المقام الرابع فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً فلابد في كل مقام من تعريفه سبحانه له بما يمكنه ان‏يعرفه اذ الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها فعرف ذاته للفؤاد الذي ليس له صورة و حد مطلقاً بالنسبة به بانه ذات احدية بسيطة و عرف صفاته للعقل الذي له صورة مجردة به بانه هو المتصف بجميع الصفات المسمي بجميع الاسماء وحده وحده و عرف افعاله التي هي آثار تلك الصفات و الاسماء المتعلقة بالمفعولات بالروح البرزخ بين المعني و الصورة بانها كلها افعال تلك الصفات و يجمعها فعل واحد و عرف المعبودية التي في مقام الامتياز من العابد في مقام الصور المجردة الممتازة بانه هو المعبود الحق و كل معبود مما دون العرش الي قرار الارض السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و اشرف من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته.

و ان اردت زيادة بيان فاعلم ان تلك المراتب مراتب متعددة و ان لم‏تك متعددة لم‏يعقل التفصيل فيها فان كانت متعددة فلابد لكل منها ما يخصه به يمتاز كل منها عن صاحبه و انت تعلم ان الذات البسيطة الحقيقية لايعقل فيها تعدد و حيوث و جهات و مراتب فما يجري فيه الحيوث و الاعتبارات و المراتب هو واقع دون عرصة الذات البحت البتة داخل في عرصة الخلق بالقول الاعم فاذا دخل عرصة الخلق و لو بالقول الاعم فلاتوحش فيه من وجود المراتب و الحيوث و الاعتبارات و اغبرة الكثرة و الاختلات بنحو اشرف و طرز الطف فاقول ان لكل شي‏ء كائناً ما كان بالغاً ما بلغ مما سوي الذات البحت البات في نظر من الانظار اربع مقامات بل خمس من مبدأ وجوده الذي هو ابسط ما يمكن في حقه الي منتهي شهوده الذي هو غاية كثرته و نهاية تفصله في ظهوراته و تجلياته فالمقام الاول مقام الذات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 20 *»

و المقامات الاربع مقام الصفات الا انها كلما تقرب الي الذات يصير جهة الكثرة و الاختلاف فيها ضعيفة و جهة البساطة و الايتلاف فيها قوية و كلما تقرب الي الكثرات و الظهورات يصير جهة الوحدة فيها ضعيفة و جهة الكثرة فيها قوية حتي اذا بلغ في غاية الكثرة و نهاية التعدد و الاختلاف.

فاول مقامات الصفات مقام الهوية التي لشدة اتصالها بالذات صارت حاكية لها بحيث تفقد نفسها و تجد ربها فلاجل فقدها و عدم ظهورها في جنب الذات لايسمي بشي‏ء من الاسماء لان الاسم صفة للموصوف و الموصوف في هذا المقام مفقود ولكن لما كان شي‏ء غير الذات عند التحقيق و امعان النظر الدقيق مشيراً الي الذات قام في مقام الاشارة فوضع له لفظة «هو» ليطابق الباطن و الظاهر فالهاء لتثبيت الثابت اي الذات و الواو اشارة الي الغائب عن درك الحواس فهي تشير الي ان ذلك الثابت الذي قد ثبت بواسطة الهاء لايدرك بالاخماس لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير. فصفات القدس و التنزه عن شائبة الكثرة تقع في هذا المقام مثل السبوح و القدوس و السبحان و امثالها.

ثم دون ذلك مقام ادون لان فيه ذكر الكثرة اكثر و شائبة الاختلاف اظهر و ظهور البساطة اقل و هو مقام الالوهية المشتقة من اله بمعني تحير اي تحير فيه الخلائق فكما ان لفظ الالوهية مشتقة من اله بمعني تحير و التحير من صفات الخلق كذلك يشتق الالوهية الباطنية من الخلق ايضاً اي الكثرات صارت مبدأ اشتقاق هذا المقام و هذا الاسم لانه بسبب الكثرة يسمي بالاسم و يوصف بالحد و الرسم و ما وراء ذلك ليس له اسم و لا رسم لشدة البساطة المانعة من قبول الاسم فهنا مقام كلمة اللّه عزّوجلّ المستجمع لجميع الاسماء و الصفات فجميع الصفات الذاتية تقع فيه و هو يجمعها بكليته فيها كالعالم و القادر و الحي و جميع الصفات الاضافة تنتهي اليه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 21 *»

و جميع الصفات الخلقية ترجع اليه اذ هو المستعلي علي الكل اما بواسطة او بوسائط.

ثم دون ذلك مقام الاحدية الوصفية التي يوصف بها اللّه جلّ‏جلاله و عمّ‏نواله و هذه الاحدية غير الاحدية الذاتية اذ هي لاتقع صفة لشي‏ء بل و لا موصوفاً لشي‏ء و هي مقام الذات المستعلية علي جميع الصفات بحيث لا ذكر لشي‏ء منها فيها اذ كمال التوحيد نفي الصفات عنه فالمراد بهذه الاحدية الاحدية الوصفية النافذة في الكثرات السارية في المتعددات و شرط ظهورها وجود الكثرات لانه لو لم‏يكن الكثرات و المتعددات ففي اي شي‏ء سري و في اي شي‏ء نفذ و باي شي‏ء احاط فهي المحيطة بالكثرات النافذة فيها و كثرتها اكثر من كثرة المراتب العالية عليها و جهة الوحدة فيها اقل و اضعف لاتصالها بالكثرات و اقترانها بالمتعددات اماتري ان الكثرات تذاب و تضمحل فيها فهي ذات الذوات للذات التي هي كلمة اللّه فهي محل صفات الاضافة و النسبة كالسميع اذ لا مسموع و البصير اذ لا مبصر و العالم اذ لا معلوم و القادر اذ لا مقدور و امثال ذلك ولكنها لمايتعلق بالخلق فلما احدث الاشياء و كان المسموع و المبصر و المعلوم و المقدور وقع السمع منه علي المسموع و البصر منه علي المبصر و العلم علي المعلوم و القدرة علي المقدور فالصفات المقترنة بالخلق توجد عند وجود الخلق فهنا@فهيهنا خ‌ل@ مقام توحيد الافعال كالخلق و الرزق و الاماتة و الاحياء و امثال ذلك و المقامات العالية الماضية كلها مقام توحيد الصفات بانحائها و الذات العالية علي جميع الصفات مقام توحيد الذات.

بالجملة ثم دون ذلك مقام الكثرة و الواحدية و الصمدية و الصمد هو السيد المطاع يقصد اليه في الحوائج و هنا مقام العظمة و الكبرياء و الجمال و الجلال و الالاء و النعماء و الابتلاء و الاختبار و الامتحان و القبض و البسط و المنع و الاعطاء و امثال ذلك و في هذا المقام يتمكن العبد من

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 22 *»

العبادة و الانقياد لمولاه المعبود الحق و يتمكن الابق من الفرار و الانكار فيعاقب هذا بعصيانه و يثاب ذاك([22]) باطاعته و هنا مقام الخوف و الرجاء و طلب المنافع و دفع المضار و هنا مقام امكان الاقتراب لدي ذلك الجناب و التباعد و الارتياب و التخالف و الامتناع و مقام الباب المبتلي به الناس من اتاه فقد نجي و من لم‏يأته فقد هلك و هوي و مقام من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و ليس لي في هذا المقام بيان ازيد مما بان فانه كان للحيطان آذان فلابد من قبض العنان و يكفي ذلك لمن كان له عينان اذ ليس من قرية وراء عبادان عند اهل التحقيق و البيان و المشاهدة و العيان و الحمد للّه المنان. بالجملة كل امر نسبي صادر عن العباد لايتجاوز هذا المقام ان الينا ايابهم ثم ان علينا حسابهم و اما في ساير المقامات فلعمرك لايمكن امثال هذه المعاملات ابداً اذ كل فعل حسن او قبيح صدر عن اي شخص مؤمن او منافق مقبول لديها اذ هي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة اماتتفكر انك مأمور بان‏توحد اللّه سبحانه في افعاله و تعتقد بانه لا فاعل في الوجود الا اللّه هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عما يشركون و قال تعالي خلقكم و ما تعملون. بالجملة مقام العبادة مقام امتياز العابد من المعبود و الشاهد من المشهود و الا لايعقل العبادة في مقام ارتفع الامتياز و صار العابد و العبادة و المعبود مفقوداً و لنعم ما قال روحي له الفداء و نفسي له الوقاء جزاه اللّه من الايمان و المؤمنين احسن الجزاء في ارجوزته:

و من طوي الموصول و المفصولا   و الفعل و الفاعل و المفعولا
لم‏يتميز للاشارات فلا   يمكن ان‏يجعل جاهاً مثلا

فابتغوا اليه الوسلية و الجاه الذي يتوجه اليه الشرذمة القليلة و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 23 *»

لاتكونوا رعاعاً بلا راع اذ لابد من مدعو لكل داع و لكل صراخ من المستصرخين سمع واع اذ لايعقل التكليف بما لايستطاع. بالجملة ان اردت مشاهدة تلك المقامات في كل شي‏ء اذ:

و في كل شي‏ء له آية   تدل علي انه واحد

فاضرب لك مثلاً في نفسك فتفكر فيه و اتقنه و اجره فيما شئت من المراتب فانك لن‏تجد الحكمة مخصصة بشي‏ء ابداً ان كنت من ابنائها فاعلم انك عالم صغير كما ان العالم آدم كبير ففيك ما في جميع العالم مندرج كما قال الامير الخبير7:

اتزعم انك جرم صغير   و فيك انطوي العالم الاكبر
و انت الكتاب المبين الذي   باحرفه يظهر المضمر

فاقرأ حروف كتاب نفسك و اعلم ان لك ذاتاً مستعلية من صفاتك التي هي دون تلك الذات و حين التفاتك الي تلك الذات و لا التفات تجدها بريئة عن التعينات التي هي دونها منزهة عن الكثرات التي هي ظهورها بحيث لا ذكر لشي‏ء من تلك التعينات و الظهورات فيها لا ذكر نفي و لا ذكر اثبات فهي هي وحدها وحدها و يمتنع فيها ماعداها و يضمحل لدي سطوع انوارها التي هي نفسها ماسواها و كل ما لك من الصفات و الخصال و الظهورات من الاقوال و الافعال و الاشباح و الاثار بل و العلوم و الاعتقادات و كل ما تدرك او توهم بادق مشاعرك و اعلي مقامات مداركك من الحقائق الباطنية و المعارف الالهية من مسائل التوحيد و النبوة و الامامة و الولاية كلها دون تلك المقام و القول المطلق في هذا المقام كل ما تدرك او توصف او لاتوصف كلها تجلياتك و مما هو دون مقام ذاتك فهي كلها منطوية تحتها ممتنعة معها امتناع البحت البات فبتلك الذات عرف اللّه سبحانه بذاته لك بك فيك لا بمعني انه تدرك نفسك و تدرك تعريفه سبحانه لك بك فيك اذ لو كنت تدرك نفسك و تدرك تعريفه سبحانه لك بك فيك انما تدرك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 24 *»

بمشاعرك تلك المدركات و كلها تدرك بمشاعرك كلها من جنس مشاعرك و مشاعرك ظهوراتك و ما تدركها معلوماتك فهي كلها مخلوقات([23]) خلقت دون مرتبة ذاتك بل اذا وصلت الي ذلك المقام بلا وصول و عرفت ذلك بلا عرفان و تجد جميع الخلق ممتنعاً لدي ظهور الاحد الفرد بلا ظهور و هتكت الاستار و محوت الاغيار بلا هتك منك و محو من فعلك بل بجذب الاحدية ماسواها بحيث لايبقي سواها بنحو من الانحاء و الاعتبار@اعتبار خ‌ل@ من الاعتبارات و حيث من الحيوث و اشارة من الاشارات تجد احداً فرداً يمتنع معه ماسواه وحده وحده وحده لا بمعني انك تجده حاشا ثم حاشا بل انت و جميع ما لك و منك كلها ممتنع في هذه العرصة فكيف تجد انت شيئاً و لست انت بل هو يجد نفسه بلا وجدان فهو هو و ليس غيره معه و الغير ليس محض و عدم صرف و امتناع بحت فاذا وصلت الي هذه العرصة و تجد نفسك و غيرك مما سوي الذات البحت البات كلها ممتنعة وصلت الي مقام يوصفه الامام7 اعرفوا اللّه باللّه و تقدر علي قراءة هذه الاية الشريفة حق تلاوتها لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و ذكر اهل هذه العرصة و لا عرصة انت دللتني عليك و لولا انت لم‏ادر ما انت و متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي يكون@تکون خ‌ل@ الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبك نصيباً فهذا معني خلق اللّه للناس افئدة وصف نفسه لها بتوحيد الذات فان قدر اللّه سبحانه لك فهم ذلك فهمت ما قلت لك و الا فلاتتعب نفسك فان قدرت علي جمع هذه الكلمات المتضادة المتخالفة و وصول المراد منها و علامة ذلك ان‏تراها متوافقة متؤالفة فانت انت و ان اردت الوصول الي المراد باستنتاجه من الالفاظ فواللّه لاتزيد كثرة سيرك فيها الا بعداً و يكون قعودك في

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 25 *»

مقامك خيراً.

و اما معني ان اللّه خلق للناس عقولاً وصف نفسه لها بتوحيد الصفات فاعلم ان لك بعد مقام ذاتك التي عرفتها ان عرفت مقاماً هو مقام ظهورك الكلي و نورك الجلي الذي خفي فيه جميع الكثرات و استتر فيه جميع الصفات و الظهورات و ليس فيه ذكر لظهوراتك الجزئية الا ذكر نفي و هو صالح الظهور بكل واحد واحد منها و هو موجود قبلها كما يكون موجوداً بعدها و هو يعلم جميع مادونها من ظهوراتك الجزئية قبل كونها و وجوداتها و الفرق بين هذا المقام و المقام الاول ان في هذا المقام ذكر صلوح ظهوراتك الجزئية ذكر نفي و في المقام الاول ليس فيه ذكر لشي‏ء من الظهورات لا كلية و لا جزئية فمقامك الثاني مقام وساطتك الكلية بين ظهوراتك الجزئية و بين ذاتك و لا بين و محل وقوع اسماء ظهوراتك علي نحو الوحدة الواحدية فهو مستجمع لجميع شئوناتك و ظهوراتك يجمع الجميع و ليس عينها و لا غيرها لانه يصدق علي الكل و لايصدق كل واحد منها علي الكل و جميع ما لك من الظهورات فرعها و من تلك الظهورات ما تدرك في نفسك من العلوم التي تدرك بها جميع ما تدرك و منها ما تفعله بفعلك فيشتق من تعلق كل علم منك بمعلومك اسم لك و من تعلق فعل منك بمفعولك اسم لك فاذا تعلق علمك بالغيب يشتق منه عالم الغيب و اذا تعلق علمك بالشهادة يشتق منها عالم الشهادة و اذا تعلق علمك بالنحو و الصرف و المعاني و البيان و امثال ذلك يشتق منها الاديب و اذا تعلق علمك بالفقه الفقيه و اذا تعلق بالحكمة الحكيم و هكذا و اذا تعلق بامر التوحيد الموحد و اذا تعلق بامر النبوة المسلم و اذا تعلق بامر الامامة المؤمن و اذا تعلق بامر الولاية المسلّم و هكذا ينصبغ علمك المطلق في ضمن كل متعلق بصبغه و يمتاز بذلك الصبغ كل علم منك عن آخر و انت العالم المطلق الذي بكل شي‏ء عليم و انت اعلي مكاناً من کل ذلك اذ كلها ظهوراتك و آثارك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 26 *»

اوجدتها لا لشي‏ء و لا بشي‏ء و لا من شي‏ء و لا علي احتذاء شي‏ء بل تجليت لها لها و بها و منها و عليها.

بالجملة و اذا تعلق فعلك بمسترحم يشتق لك اسم الرحيم و اذا تعلق بمستعطف يشتق لك العطوف و بالمسترءف الرؤف و بالمستغفر الغفور و بالمستلطف اللطيف و اذا تعلق بالعدو و قهر العدو و غلب([24]) عليه المنتقم القاهر الغالب و هكذا يتعلق كل فعل منك بشي‏ء من الاشياء يشتق من ذلك الشي‏ء اسم خاص لك و انت القادر المطلق الذي علي كل شي‏ء قدير في رتبتك و تلك الاسماء المختلفة و الصفات المتمايزة كلها منطوية تحت سلطانك و انت المستولي علي الكل وحدك و انت الاولي بها من انفسها فاذاً انت المسمي بالاسماء وحدك وحدك المستجمع لجميع صفاتك التي هي كمالاتك و تلك الاسماء و ان كانت متعددة ولكنك بتعددها لم‏تتعدد انت انت وحدك صاحب صفاتك و صفاتك متعددة كل واحد منها غير الاخر كما ان قيامك غير قعودك و هما غير سجودك و انت لم‏تتعدد بتعددها بل انت المستولي عليها الظاهر منها بحيث انك انت الظاهر و ليس سواك شي‏ء فانت اظهر منها فانت القائم القاعد الساجد و كل ما سمعته من صفات اللّه او علمته او عرفته كلها([25]) تعرفه في هذا المقام اذ فوق ذلك مقام وحدتک التي ليست فيه الکثرات مطلقا و المقام الذي هو دون ذلک المقام مقام الكثرات و مباديها فالمقام المستجمع لجميع الصفات الذي لايعزب عن علمه مثقال ذرة في سموات الكثرات و ارضيها هو مقام العقل فوصف اللّه سبحانه بالعقول للعقول انه ليس كمثله شي‏ء و هو السميع العليم.

ثم دون ذلك مقام اقتران فعلك بالمفعولات و اقترانك([26]) بالكثرات

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 27 *»

و ذلك لان مقام الثاني الذي هو مقام عقلك مقام صلوح الظهور بكل واحد واحد من ظهوراتك و ليس لها فيه ذكر الا ذكر نفي و عدم و اما مقام اقتران فعلك بها مقام اثباتها في الجملة لا نفيها فمثال ذلك مثال المادة النوعية و المادة الشخصية فالمادة النوعية بنفسها لم‏تتعلق بالاشخاص ابداً كما مر تحقيقها مراراً و انما يتعلق بها ظهورها في الرتبة الدانية التي هي رتبة الاشخاص ولكنها في اعلي درجات رتبتها لا في ادناها و اعلي درجات الاشخاص مقام موادها الشخصية فكذلك لك مقام دون مقام عقلك الصالح الظهور بكل صفاتك و هو مقام تعلق روحك البرزخ بين المعني العقلاني و الصورة النفسانية و هو مقام تعلق فعل عقلك بصورك النفسانية التي هي صفاتك و كمالاتك فكل ما سمعته من تعلق فعل اللّه سبحانه بالمخلوقات فانما تدركه بهذا المقام اذ الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها و يجمع تلك الافعال المتعلقة بظهوراتك فعل واحد كلي صوري هو ظهور عقلك الكلي المعنوي فذلك معني ان اللّه سبحانه خلق للناس ارواحاً وصف نفسه بها([27]) بتوحيد الافعال.

ثم دون ذلك مقام ظهوراتك التي هي في عالم([28]) النفوس المجردة عن المواد و المدد الزمانية ففي هذا المقام تتفصل ظهوراتك و يتميز كل واحد منها عن الاخر فهنا صورة علمك بالتوحيد غير علمك بالنبوة و هما غير علمك بالولاية و هكذا هنا صلوتك غير صومك و هو غير حجك و هكذا و ليس هذه الكثرات المتمايزة في المقامات التي هي فوق هذا المقام بل هو مقام شخصيتك و امتيازك عن غيرك ليس الا في هذه الرتبة فانت اذا نزلت الي هذه الرتبة كنت انت انت و ان لم‏تنزل لم‏تكن انت انت فاذا نزلت الي هذه الرتبة تتخصص لك المراتب العالية و ان لم‏تنزل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 28 *»

ليست هي لك مطلقاً و من اقر بشخصيتك في هذا المقام و عرفك في هذه الرتبة فقد عرفك في المقامات العالية و اقر بها و من لم‏يعرفك هنا و لم‏يقر بك لم‏يعرفك في المقامات العالية و لم‏يقر بها فمن لم‏يعرفك هنا و جهلك او انكرك و هو يدعي عرفان شي‏ء في@من خ‌ل@ المقامات العالية فقد ادعي شيئاً لم‏يتحقق في الواقع الخارج و اتخذ هواه و خياله معروفه و ليس معروفه انت و لا شيئاً من مقاماتك لان المعرفة في كل مقام فرع التمييز و التمييز فرع الصورة و الاتصاف بالصفة و الامتياز عما هو غيره و اول مقام الامتياز مقام النفس و لا امتياز فوقها ابداً و جميع ما هو فوقها مندمج فيها فمن عرفك هنا عرفك هنالك و من جهلك هنا جهلك هنالك و من انكرك هنا انكرک هنالك و من عاملك هنا عاملك هنالك و من اطاعك هنا اطاعك هنالك و من عصاك هنا عصاك هنالك و هكذا بل ليس لك معرفة و اطاعة و عصيان الا هنا.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان اللّه سبحانه كلفك بان‏تعبده وحده و ان‏لاتعبد الشيطان كما قال الم‏اعهد اليكم يا بني آدم ان ‏لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و قال لتوضيح ذلك ان اللّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تتقون و قال الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالسوء و الفحشاء فوصف نفسه بصفات مخصوصة و وصف الشيطان ايضاً بصفات مخصوصة ليقدر المكلف علي التمييز بين اللّه سبحانه و تعالي بصفاته و بين الشيطان الرجيم بصفاته و امرك ان‏تتقرب الي اللّه تعالي و تتباعد عن الشيطان و تتوجه الي اللّه في عبادتك اياه عزّوجلّ و تعرض عن الشيطان و هكذا فمقام عبادتک مقام تمييزك الحق من الباطل و معرفتك المعبود الحق لتطيعه و معرفتك الشيطان و الالهة الباطلة لتعرض عنهم و لايمكن ذلك الا في مقام الامتياز بالبداهة و مقام الامتياز مقام النفس بالبداهة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 29 *»

عند اهل الحكمة فلابد في الحكمة من تعريف اللّه سبحانه نفسه للنفوس بما يمكن لها الوصول اليه و مايمكن@لايمکن خ‌ل@ لها الوصول@الوصول اليه خ‌ل@ ما يسكن في هذه العرصة كما قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فتجلي اللّه سبحانه في عالم النفوس بنفوس مخصوصة التي هي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن و جعلها جاهاً للعباد اذ لايمكنهم الوصول الي غير اللّه المتعال في المبدأ و المعاد و لايمكن لي تفصيل الحال فان كنت ممن سبقت له من اللّه الحسني رزقك ما هو في البال و اسأله@اسأل الله خ‌ل@ التوفيق في جميع الاحوال و اتمام نعمته علي المؤمنين في المبدأ و المآل انه قريب مجيب ذو الفضل العظيم. و لاتزعمن من هذه البيانات انه يجوز لاحد عبادة غير اللّه الحق فو الذي خلق محمداً و آله صلوات اللّه عليهم اجمعين لايجوز لاحد عبادة احد من الخلق سواء كان محمداً و آله: او غيرهم من ساير الخلق اجمعين ولكنه سبحانه لما علم ان خلقه مختلف المراتب علي لغات شتي و السنة مختلفة خلق لنفسه اسماء عند خلقه مختلفة المراتب علي لغات مختلفة و عرفهم تلك الاسماء في كل مقام يدعوه بها و الاسماء متعددة و هو الفرد الصمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و لايجب كتب جميع انحاء الاسماء بالمداد الاسود المعروف بل كتب كل اسم منه بقلم قدرته علي لوح الكائنات بحسب اقتضاء محله فمن جملة اسمائه اسماؤه المكنونة@المکونة خ‌ل@ التي هذه الاسماء المدونة فروع تلك الاسماء قال اللّه سبحانه للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه و قال7 نحن و اللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان‏تدعوه بها و الذين يلحدون في اسمائه هم الذين اشركوا او يشركون مع آل محمد: غيرهم لعنهم اللّه يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 30 *»

قال سلمه اللّه: و الثالثة ما معني انه خلق بالتوحيد اجسام الخلق و بالنبوة نفوسهم و بالائمة عقولهم و بالشيعة افئدتهم؟

اقول: ما وجدته في بعض الرسائل ان بالاقرار بالتوحيد خلق اجسام الخلق و بالاقرار بالنبوة خلق نفوسهم و بالاقرار بالامامة خلق عقولهم و بالاقرار بالولاية ولاية الشيعة خلق افئدتهم لا بنفس تلك المقامات و قد وقع هذه العبارة علي ايدي بعض المعاندين و قدح بذلك قدحاً لجهله بالمسألة و عداوته و استكباره من السؤال عن اهل العلم فاعلم ان لهذه المسألة شرحين شرحاً لاهل الفصل و شرحاً لاهل الوصل و هما مطابقان في الواقع عند من نظر و تدبر في الحقائق اما شرحها لاهل الفصل انه لا شك ان الامر كلما كان اوضح و ابين كان ادراكه اسهل و كلما كان الامر ادق و اغيب كان ادراكه اشق و اتعب فاذا كان الامر واضحاً بيناً يدركه ادني الشعور و لايحتاج في ادراكه الي دقة نظر و فكر فيدركه الاغبياء جميعاً و اذا كان الامر خفياً لايدركه الا الازكياء فالجنس الاعلي ابداً اظهر من الادني و ابين كما اذا كان انسان ظاهراً من بعد من المسافة يدركه البصير بانه شي‏ء ظاهر في ذلك الموضع و ان لم‏يكن حديد البصر فاذا كان الناظر حديد النظر يدركه بانه ليس بجماد مثلاً و يدركه بانه نام ثم اذا كان الناظر احد نظراً يدركه بانه حيوان و اذا كان احد نظراً يدركه بانه انسان فالجنس الاعلي الذي هو جماديته يدركه ذو بصر ضعيف لشدة وضوحه ولكن لايدرك نماءه لضعف بصره و يدركه الذي هو اقوي بصراً منه بدرجة ولكن لايدرك حيوانيته لضعف بصره و يدركه الذي هو اقوي بصراً منه بدرجة ولكن لايدرك انسانيته لضعف بصره و يدركها البصير القوي النظر في غاية القوة فالبصير الثاني المقر بانه نام ابصر من الاول

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 31 *»

و اكمل في هذه الصفة و الثالث المقر بانه حيوان ابصر من الثاني و اقوي منه و اكمل و الرابع المقر بانه انسان ابصر من الثالث و اقوي منه بصراً و اكمل و اعلي درجة منه في الرؤية فاعتبر من المثل و فكر فيه حق الفكر بان الاظهر الاسهل@الاشمل خ‌ل@ الذي هو الجنس الاعلي في كل مقام و محل اسهل ادراكاً للمدركين و ان كانوا ضعيف النظر و الجنس الادني لخفائه و دقته لايدركه الا دقيق النظر و كذلك اذا كان في يدك ماس مثلاً عرفه كل احد بانه جسم ذو طول و عرض و عمق و لون و وزن و المدرك بانه معدني اقل و المدرك بانه معدني غير منطرق اقل منه و للمدرك@المدرک خ‌ل@ بانه ماس اقل من الكل و المدرك للدقيق الخفي([29]) المقر به اعلي مقاماً من المدرك للجلي@الجلي خ‌ل@ المقر به و ادق نظراً و ارق فكراً و احد ذهناً.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان معرفة ان لهذا الملك محرك@محرکا خ‌ل@ ما يحركه سهل ميسور لكل ذي مسكة و الاقرار به في غاية السهولة يدركه و يقر به العجائز فضلاً من اولي الغرائز و اما معرفة ان لهذا المحرك رضاً و غضباً و لابد و ان‏يصل الينا و لسنا بانفسنا انبياء متلقين من([30]) اللّه سبحانه فلابد في الحكمة ان‏يكون بيننا و بينه واسطة ذو جهتين يتلقي من جهة و يلقي من جهة امر خفي و ادق من الامر الاول البتة فالمدرك لهذا الامر المقر به اعلي درجة من المدرك للامر الاول البتة ثم معرفة انه لابد لكل نبي من وصي قائم مقامه في الاداء منصوب من عند اللّه محفوظ معصوم مما كرهه اللّه امر خفي@اخفي خ‌ل@ و ادق من الامر الاول و الثاني البتة فالعارف له المقر به ادق نظراً و فكراً من الاولين و اعلي مقاماً منهما البتة لان درجات الخلق تختلف بحسب اختلاف عقولهم فكلما كان الانسان اعقل كان اقرب الي المبدأ و اشبه كما لايخفي ثم معرفة انه لابد في كل عصر من علماء حكماء

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 32 *»

حاملين لاسرار النبوة و الامامة ناشرين لشرايع الدين قائمين مقام النبي و الولي8 راوين عنهما عاملين بمقتضي الرواية مجتنبين عن الرأي و الهوي و الدراية تابعين في جزئي الامور و كليها لمواليهم: مشايعين لهم حاملين لعلومهم و اسرارهم و غير ذلك مما ينبغي ان‏يتصفوا به ادق من المعارف السابقة البتة و لابد و ان‏يكون الانسان اعلم و اعقل من المقرين بالمعارف السابقة حتي يقدر علي معرفة ذلك و الاقرار به فالمقر لهذا الركن اعز و اقل و اعظم و اشرف من المقرين السابقين هذا و العارف بالنبي@للنبي خ‌ل@9 المقر به عارف باللّه مقر به لان النبي9 هو المخبر عن اللّه سبحانه فالعارف المقر بالنبي يلزمه معرفة اللّه و الاقرار به بخلاف المقر بالتوحيد وحده في ظاهر الامر فالمقر بالثاني مقر بالاول مع زيادة و العارف للامام7 المقر به عارف للنبي9 مقر به فهو مشارك لسابقه مع زيادة و العارف للشيعة المقر به عارف للامام و النبي8 مقر بهما مع زيادة هذا و العارف بالنبوة اعرف باللّه سبحانه من الجاهل بها و العارف بالامامة اعرف باللّه و النبي9 من الجاهل بالامامة و العارف باوليائهم اعرف باللّه و النبي و الامام:.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان في عالم الذر خلق اللّه سبحانه الخلق في المراتب المختلفة ففي كل مرتبة له امر و خلق فالامر المتعلق بخلق الابدان هو الامر العام الذي يشمل جميع الخلق و المؤتمر بذلك الامر جميع الخلق و المراد باقرارهم هو ايتمارهم و انوجادهم ليس ذلك الامر قبل ايتمارهم و ليس ايتمارهم قبل ذلك الامر بل هما متساوقان في الوقت ولكن الامر اعلي و الايتمار ادني كالكسر و الانكسار بلا تفاوت لامتناع تخلف المعلول عن العلة التامة و الامر المتعلق بخلق النفوس هو ذلك الامر الاول بعد انصباغه بصبغ النبوة و@و هو خ‌ل@ لايشمل جميع الخلق فهو مخصوص

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 33 *»

بالمقرين بالنبوة اي المنوجدين بذلك الامر فالمنوجدون بالامر الاول غير المنوجدين بالامر الثاني و هم اشرف من الاولين لان الامر المتعلق بهم اشرف من الامر المتعلق بالاولين لانصباغه بصبغ النبوة التي هي الاول وجوداً و الاخر([31]) ظهوراً و الامر المتعلق بخلق العقول هو الامر الاول بعد انصباغه بصبغ النبوة ثم انصباغه بصبغ الامامة و هذا الامر([32]) لايشمل خلق الاولين و الامر المتعلق بخلق الافئدة هو الامر الاول بعد انصباغه بصبغ النبوة ثم انصباغه بصبغ الامامة ثم انصباغه بصبغ الولاية و هو لايشمل خلق السابقين بل هو مخصوص باولي الافئدة و كيفية تعلق الامر في كل مقام علي نسق واحد و طور و طرز واحد لم‏يكن امر قبل خلق و لا خلق قبل امر كالكسر و الانكسار فالخلق في عالم الذر و في القيامة علي درجات عديدة كما اخبر اللّه سبحانه بقوله فهي كالحجارة او اشد قسوة و هم الذين ليس لهم قلوب يفقهون و هم ساكنون في عرصة جمادات ذلك العالم و ليس لهم سمع و لا بصر و لا فهم و لا ترقي مطلقاً و هم مخلوقون بالامر الاول الصرف الذي لم‏يخرج من كمونه كمال النبوة المعبر عنه بالتوحيد و منهم من تعلق بهم الامر الثاني و هم الذين صعدوا من رتبة الجماد و وصلوا الي رتبة النبات و هم الذين قال الله تعالي في حقهم و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم اللّه اني يؤفكون فهذه الاية جارية في حق المنكرين بامر الامامة و منهم صعدوا@من صعدوا خ‌ل@ من رتبة الجماد و النبات و وصلوا الي مقام الحيوانية حيوانية ذلك العالم و هم الذين قال اللّه تعالي في حقهم لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 34 *»

اضل اولئك هم الغافلون و هذه الاية جارية في حق منكري@منکري حب خ‌ل@ اولياء اللّه و بغض اعداء اللّه و اما الواقعون في الدرجة العليا فهم الانسان لانهم نور الانسان كما قال7 نحن الناس و شيعتنا اشباه الناس و ساير الناس نسناس و نزل فيهم انما يتذكر اولوا الالباب.

و اما شرح ذلك المقام لارباب الوصل([33]) و الاتصال الذين فيهم قال اللّه سبحانه و الذين يصلون ما امر اللّه به ان‏يوصل و قال و الذين آمنوا باللّه و رسله و لم‏يفرقوا بين احد منهم اولئك سوف يؤتيهم اجورهم و كان اللّه غفوراً رحيماً بعد قوله ان الذين يكفرون باللّه و رسله و يريدون ان‏يفرقوا بين اللّه و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون ان‏يتخذوا بين ذلك سبيلاً اولئك هم الكافرون حقاً و اعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً. و الذين ينقضون عهد اللّه من بعد ميثاقه و يقطعون ما امر اللّه به ان‏يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار. فاعلم ان هذه المراتب الاربع ليست منفصلة بعضها من بعض كانفصال زيد عن عمرو و كانفصال محمد9 عن علي7 و انفصال علي7 عن سلمان ظاهراً و سبب اشكال هذه المسألة بل ساير المسائل الحكمية ان المستمع يسمع الفاظاً منفصلة و يتبادر الي ذهنه ما يتبادر الي اذهان ساير العوام لانه يتبادر بذلك و يقع بذلك في المسائل الحكمية في تيه بعيد و واد سحيق و يتحير في ذلك و لم‏يقدر علي التخلص ان اسلم للناطق و كثيراً ما كثير من الناس خصوصاً ارباب الذكاوة و الفطنة ان لم‏يسلموا للمتكلم انكروا عليه اشد الانكار و من ذلك عدم اعتناء الحكماء التابعين لليونانيين بما ورد في الشرع المتين عن صاحب الدين المبين عليه صلوات المصلين من امور الاخرة و احوالات القيامة و اهوالها.

بالجملة فالنبي9 نور اللّه سبحانه و النور ليس شيئاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 35 *»

منفصلاً من المنير لانه اثره و المؤثر نافذ في جميع اقطار اثره بلا نهاية كما حقق في محله و كذلك الامام7 نور النبي9كما قال اللّه سبحانه النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و المراد بالمؤمنين المتصلين بالنبي9 هم الائمة: و النبي اولي بهم من انفسهم فهم نوره و ظهوره نافذ في جميع اقطارهم بلا نهاية و الشيعة شعاع الامام7 كما قال الله سبحانه انما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا فهم نور اللّه و هو وليهم في الدرجة الثالثة و هم نور النبي9 في الدرجة الثانية و نور الائمة: بلا واسطة كما قالوا: شيعتنا منا كشعاع الشمس من الشمس فهذه المراتب كلها نور و كل دانية منها اثر و نور للعالية منها و كل عالية منها منير للدانية نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و نور اللّه الاحد الفرد الصمد يعم جميع مخلوقاته و كلها انواره و اسماؤه ليس الا اللّه و صفاته و اسماؤه و انوار انواره و اشرف و اقرب اليه و افضل هو النبي9 و هو9 منير ما دونه و كلها انواره([34]) و ظهوراته و انوار انواره و اشرف و اقرب اليه و افضل هو الامام7 و هو7 منير ما دونه و كلها انواره و ظهوراته و انوار انواره و اشرف و اقرب اليه و افضل هو شيعته فالشيعة اشرف@هو اشرف خ‌ل@ جميع ظهورات الامام7 و ليس باشرف من الامام7 و هو7 اشرف جميع ظهورات النبي9 و ليس باشرف من النبي9 و هو اشرف انوار اللّه سبحانه و ليس باشرف من اللّه نعوذ باللّه و لابد من ضرب مثل في المقام لان الحق يظهر بالمثل و هو ان الماس اثر و ظهور من ظهورات المعدن غير المنطرق و له ظهورات عديدة ولكن اشرفها و اعلاها الماس

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 36 *»

و ليس الماس باشرف من المعدن غير المنطرق اذ لايعقل اشرفية الاثر بالنسبة الي مؤثره و المعدن غير المنطرق ظهور من ظهورات المعدن المطلق و هو اشرف من ساير ظهوراته فرضاً و ليس باشرف من مؤثره و المعدن المطلق ظهور العنصر المطلق و له ظهورات عديدة ولكن المعدن اشرف ظهوراته و ليس باشرف من العنصر فالماس اشرف جميع ظهورات المؤثرات جميعاً لا من المؤثرات انفسها([35]) و المعدن غير المنطرق اشرف من بعد الماس من جميع ظهورات المعدن المطلق و العنصر فرضاً لا من المعدن و العنصر و المعدن المطلق من بعد غير المنطرق اشرف جميع ظهورات العنصر لا من العنصر فالشيعة اشرف ظهورات الامام و النبي8 و التوحيد لا من الامام و النبي و التوحيد و الامام7 اشرف ظهورات النبي و التوحيد لا من انفسهما و النبي9 اشرف ظهورات اللّه سبحانه لا من اللّه نعوذ باللّه. فالفؤاد الذي هو اشرف المشاعر و اعلاها و اقربها الي اللّه سبحانه الذي هو المقدم وجوداً و المؤخر ظهوراً يجب ان‏ينوجد من اشرف الاوامر و اعلاها و اقربها الي اللّه سبحانه للزوم التناسب بين الفعل و المفعول و التصاقع بين القابل و المقبول و لايخفي ذلك علي ارباب العقول ان شاء اللّه تعالي و هو الاقرار بالشيعة الذي لايفقد الامام و النبي و الاحد الفرد الصمد اذ كلهم اولي به من نفسه و اظهر منه([36]) بلا نهاية انما وليكم اللّه و رسوله و المؤمنون و العقل الذي هو ادون من الفؤاد بدرجة يجب ان‏ينوجد من الامر الذي ادون من الامر المتعلق بالفؤاد بدرجة و هو الاقرار بالامام الذي لايفقد النبي و الاحد الفرد الصمد النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم. و ان اللّه لمع المحسنين و الروح الذي هو ادون من العقل يجب ان‏ينوجد من امر هو ادني من الامر المتعلق بالعقل

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 37 *»

و هو الاقرار بالنبي الذي لايفقد ربه و هو اولي به من نفسه اذ هو اول ظهوره و الظاهر اظهر في([37]) الظهور من نفسه و الجسد الذي هو اخس المراتب يجب ان‏ينوجد من ادني الاوامر و هو الاقرار بالتوحيد الذي ليس فيه كمال النبوة و الامامة و الولاية فالمقام الجامع لجميع المراتب هو مقام الركن الرابع و النور الساطع و الضياء اللامع الذي ظهر مؤخراً من المراتب السابقة و كان في الوجود مقدماً و المراتب السابقة ناقصة اما درجة او درجتين او ثلث درجات كما ان الماس كان مقدماً في الوجود مؤخراً في الظهور و جامعاً لجميع المراتب يصدق عليه اسم الماس و اسم المعدن غير المنطرق و اسم المعدن المطلق و اسم العنصر جميعاً و اما المعدن غير المنطرق مع خروج الماس عنه@منه خ‌ل@ ناقص لايصدق عليه اسم الماس و لايكون له هذا الكمال و المعدن المطلق مع خروج غير المنطرق منه ناقص ليس له كمال عدم الانطراق و العنصر مع خروج المعدن منه ليس له كمال المعدنية ناقص فان عرفت ان الشي‏ء لايتم الا في اربعة مراتب مرتبة الظهور و مرتبة الظهور من حيث الظهور و مرتبة البطون و مرتبة البطون من حيث البطون تعرف ان منكر المرتبة الرابعة منكر جميع المراتب الثلث في الواقع و اعتبر من عدم قبول توحيد اليهود مثلاً مع انكارهم النبي9 و عدم قبول توحيد اهل الخلاف و اقرارهم بالنبي مع انكارهم الائمة: و ذلك ليس محل انكار احد من العلماء فمن ذلك الباب ايضاً عدم قبول الاركان الثلثة الا بالاقرار بالرابع و السلام علي من اتبع الهدي.

قال سلمه اللّه: الرابعة ما حقيقة الملائكة الاربع و روح القدس كما هو دأبكم من بيان الحقائق و بيان اعوانها.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 38 *»

اقول: اعلم ايدك اللّه ان بين فعل العالي اللطيف و الداني الكثيف لابد من مناسبة لان الكثيف في غاية الكثافة لايتأثر من اللطيف في غاية اللطافة و بينهما مشاقة و منافرة تامة فلابد في خلق الحكيم من خلق بينهما مناسب لهما حكماً مصلحاً رابطاً بينهما يتلقي من الاعلي و يوصل الي الادني فاذا نظرنا الي العالم كلية رأينا اموراً اربعة جماً بين المتفرقات المتضادات كجمع النار الحارة اليابسة و الماء البارد الرطب و الهواء الحار الرطب و التراب البارد اليابس و الاباء العلوية و الامهات السفلية و المجردات الدهرية و الماديات الزمانية و قد سمي اللّه سبحانه هذا الجمع خلقاً و الامر الثاني الرزق و الامداد لما يتحلل آناً فآناً من ذلك الخلق لابقائه الي اجل معلوم و الامر الثالث تفريق المختلفات المذكورة في الامر الاول و ايصال كل شي‏ء الي اصله و تخليص الجواهر عن الاعراض و قد سمي اللّه سبحانه هذا التفريق موتاً و الامر الرابع جمع المؤتلفات و تركيب المتوافقات و تأليف الجواهر و المجردات و قد سمي اللّه سبحانه هذا الجمع بالحيوة لان الحيوة الواقعية هي الحيوة التي لا موت فيها و هي الحيوة الاصلية الاخروية فقال هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم و قد اجري اللّه سبحانه هذه الامور الاربعة علي ايدي وسائط اربعة تستمد من الفعل الكلي و تمد الاداني فالواسطة الاولي هو الملك الحامل للركن الايسر الاسفل من العرش المتصل بالماديات و هو المسمي بجبرئيل و الواسطة التي هي في مقابل الواسطة الاولي هو الملک الحامل للرکن الايسر الاعلي من العرش المتصل بالواسطة الاولي و هو المسمي بعزرائيل و الواسطة في الرزق هو الملك الحامل للركن الايمن الاعلي من العرش و هو المسمي بميكائيل و انما تقدم في هذا العالم العرضي لان الرزق لايمكن وصوله الي المستمد بعد موته و لو لم‏يكن الاعراض يجب ان‏يكون

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 39 *»

ظهور فعله بعد ظهور فعل جميع الوسائط كما في الاخرة فانه ظهر فعله بعد تأليف الاجزاء الاصلية فبعد تركبها و حصول الشخص منها يستمد الشخص و يمده ميكائيل فكما كان مقدماً في الوجود يظهر فعله في العالم الخالي عن الاعراض مؤخراً و الواسطة في تأليف الاجزاء الاصلية و تركيب الاشخاص هو الملك الحامل للركن الاسفل الايمن من العرش المتصل بالنفوس و هو المسمي باسرافيل.

بالجملة و لاتزعم ان هذه الحوامل اقوي من المحمولات كما هو الظاهر المتبادر لبعض الافهام بل تلك الحوامل اقوي من جهة ارتباط محمولاتها الي الاداني منها فميكائيل مقامه في اسفل العقل و اسرافيل مقامه في اسفل الروح و عزرائيل مقامه في اسفل النفس و جبرائيل@جبرئيل خ‌ل@ مقامه في اسفل الطبع و تلك الحوامل يجمعها حامل واحد مطلق و هو المراد بروح القدس كما روي ان الروح خلق اعظم من جبرئيل و كل واحد من الملائكة الاربع ظهور من ظهورات ذلك الروح الاعظم و قد يطلق عليهم اسم الروح القدس كما يصدق علي الافراد اسم مطلقها و من ذلك قد يطلق علي جبرئيل في بعض الاخبار و كل كلام صدق موافق للعقل صادر من اي شخص فهو من القاء روح القدس و نفخه مع ان الشخص الجزئي لايتعلق به الروح الكلي فالملائكة الجزئية كلهم من آثاره و شئوناته و ظهوراته يطلق عليهم الروح من باب صدق اسم المؤثر علي الاثر.

بالجملة و تحت كل واحد من هذه الاربع اعوان بعدد ذرات الموجودات يوصلون الامداد و الفيوضات من خالق البريات الي جميع العباد فمنهم حملة الخلق و منهم حملة الرزق و منهم حملة الموت و منهم حملة الحيوة فرئيس حملة الخلق جبرئيل و رئيس حملة الرزق ميكائيل و رئيس حملة الموت عزرائيل و رئيس حملة الحيوة اسرافيل و يتوارد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 40 *»

علي كل موجود جميع الاقسام الاربعة دفعة واحدة و لايمنع فعل واحد منهم فعل واحد لعدم التصادم بينهم في ورودهم علي الشخص كتوارد القوي الاربع في البدن الحيواني ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور و لاتزعم ان الاعوان كلها في درجة واحدة بل هم علي درجات عديدة بعدد اختلاف درجات الخلق فطائفة منهم سكنة العرش و طائفة منهم سكنة الكرسي و طائفة سكنة فلك الشمس و طائفة سكنة فلك القمر و طائفة سكنة فلك زحل و طائفة سكنة فلك المشتري و طائفة سكنة فلك المريخ و طائفة سكنة فلك الزهرة و طائفة سكنة فلك عطارد و طائفة سكنة كرة الاثير و طائفة سكنة كرة الهواء و طائفة سكنة كرة الماء و طائفة سكنة كرة التراب في كل عالم علي حسبه ففي هذا العالم الجسماني العرضي كلهم جسمانية و في المثال مثالية و في المادة مادية و في الطبع طبعانية و في النفس نفسانية و في الروح روحانية و في العقل عقلانية فسكنة العرش اربعة موكلة باربعة جوانب([38]) و تحت كل واحد منهم ثلثة عشر ملك و لكل واحد من هذه الملائكة اسم عام يصدق عليه من باب اطلاق اسم المؤثر علي الاثر و اسم خاص به يمتاز عن غيره و لايتجاوز ظهوراته الكلية عن هذا العدد في كل عالم بحسبه و سكنة الكرسي ثلث تحت كل واحد اربعة تحت كل واحد ثلثون ملكاً فذلك ثلثمأة ملك و ستون ملكاً و سكنة فلك الشمس ستة كلية يتعلق كل واحد بجهة من الجهات و سكنة فلك القمر اثنان كليان يتعلق واحد منهما بحيوة العلويات و الاخر بالسفليات. بالجملة لكل واحد من الافلاك سكنة متعلقة بتدبير الموجودات من الغيبيات و الشهاديات و ليس لي مجال تعدادها مع عدم الحاجة اليه فبذلك عمرت الديار و ظهر شئون فعل اللّه الواحد القهار و كل هذه الاملاك خدمة موالينا و ائمتنا سلام اللّه عليهم ما

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 41 *»

اختلف الليل و النهار كما روي ان الملائكة لخدامنا و خدام شيعتنا.

قال سلمه اللّه و ايده: الخامسة ما حقيقة الملائكة و الشياطين و الجن و ما المراد من صعود الشياطين قبل البعثة و عدمها بعدها و دفعهم بالشهب([39]) في الانسان الكبير و الصغير.

اقول: ان حقيقة الملائكة قوة رابطية نورانية روحانية بين فعل الفاعل و قبول القابل في كل عالم و في كل رتبة علي حسبها و هم خلق خارجي لهم مبدأ و منتهي و ليس كما زعمه الحكماء الاخذين من غير آل محمد: و هم غير صور الاشياء و قواها علي التحقيق كما تري ان الحموضة صورة الخمير لاتنفصل منه فاذا اقترن بالعجين لايعقل ان‏ينفصل منه صورته و تتعلق بالعجين فلابد بينهما من روحانية رابطة يربط فعل الخمير الي العجين و يستخرج من كمونه صورة مشابهة لصورة الخمير التي هي الحموضة و لو لم‏تكن تلك الروحانية لم‏يعقل تخلف العرض عن جوهره نعم تلك الروحانية ساكنة في الحموضة و لذلك يمكن رفع تلك الروحانية عن الحموضة ببعض الادعية و المناتر و انت تري ان الحموضة باقية بعد الدعاء و مع ذلك لايؤثر في العجين فلو كان الملك نفس الحموضة و هي باقية لكانت تؤثر في العجين البتة لامتناع تخلف الاثر عن المؤثر و من هذا الباب عدم تأثير السم في المسموم بالمنتر و الدعاء و عدم تأثير ضرر الغذاء في المتغذي@مغتذي خ‌ل@ بذكره البسملة فلو لم‏يكن الرابط غير صورة السم و الغذاء لم‏يعقل عدم تأثيرها في المستعمل بالدعاء مع وجودها بالمشاهدة و العيان و ذلك لانه روحانية خبيثة متعلقة بالسم فاذا دعوت اللّه سبحانه باسمه المكتوب في جبهة الملك يتعلق الملك و يغلب تلك الروحانية الخبيثة و يخرجه@يخرجها خ‌ل@ و يحول بين السم و بدن المسموم فلايضره شيئاً و من

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 42 *»

هذا الباب ايضاً رفع الامراض العظيمة المزمنة بالمناتر و الادعية الواردة عن اهل العصمة و الحكمة صلوات اللّه عليهم اجمعين فلو كان صورة الخلط غير المعتدل هي الممرض المؤثر لم‏يعقل رفع المرض بالدعاء و لابد في رفع كل مرض بالدواء و المشاهدة تحكم@يحکم خ‌ل@ علي خلاف ذلك و ان كان الدواء ايضاً يؤثر بواسطة الملك فاذا شاهدنا من غير مرة تأثير المناتر و الادعية من غير استعمال الادوية([40]) علمنا يقيناً من غير شك و ريب ان بين فعل الفاعل و قبول القابل روحانية خارجية من نفس الصورة و القوي الحاصلة للاشياء يمكن رفع خواصها بالمناتر و الادعية([41]) و ورود الادعية من اهل@اهل‌بيت خ‌ل@ العصمة المطلعين علي الحقائق صلوات اللّه عليهم لايبقي ريباً لشيعتهم المعتقدين بحكمتهم و اطلاعهم علي السرائر و انت تري ان المرض لايرتفع الا بقلع الخلط الذي هو سببه و ربما لايقلع الا بعد استعمال مسهلات في ايام عديدة بل في شهور و سنين عديدة و يمكن رفعه بدعاء في آن واحد او بصدقة واحدة او بغير ذلك من انحاء التدابير@التدبيرات خ‌ل@ التي هي بغير الادوية مع بقاء الخلط بالمشاهدة و من هذا الباب ايضاً معجزة الانبياء: في رفع الامراض المزمنة التي يعجز عن رفعها الحذاق من الاطباء البالغين في رفعها بالمعالجة كمعالجة عيسي7 الاكمه و الابرص و لا شك ان المعجز ليس امراً امتناعياً و لا شك انه لايتعلق بالمحال فيتعلق بامر روحاني غير صورة الاشياء و قواها قطعاً فذلك الامر الروحاني هو الملك الموكل بتدبير الامور و يمكن بعمل الطاعات انزاله و بعمل المعاصي اخراجه و اصعاده.

فاذا عرفت حقيقة الملائكة من غير شك و ريب سهل عليك معرفة حقيقة الشياطين بحكم المقابلة فان الملائكة جنود خلقهم اللّه سبحانه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 43 *»

للعقل و الشياطين خلقوا للجهل فكل امر محکم موافق للعقل الذي هو متابعة الشرع يجري بواسطة الملك تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون و كل امر مخالف للعقل الذي هو مخالفة الشرع الذي هو موافقة الجهل يجري بواسطة شيطان من الشياطين و من يعرض@يعش خ‌ل@ عن ذكر ربه@الرحمن خ‌ل@ نقيض له شيطاناً فهو له قرين فنوع خلق الملائكة و الشياطين علي وتيرة واحدة و هما من جنس واحد في نوع الخلقة فمن عرف هذا عرف ذاك و من عرف ذاك عرف هذا بلا تفاوت ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فيضل اللّه سبحانه من يشاء بايدي الشياطين و يهدي من يشاء بايدي الملائكة فلا فاعل في الوجود الا اللّه و اللّه خلقكم و ما تعملون هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شي‏ء سبحانه و تعالي عما يشركون و الملائكة طيبات متعلقة بالطيبات و الشياطين خبيثات متعلقة بالخبيثات ان اللّه لايظلم الناس شيئاً ولكن الناس انفسهم يظلمون. فالطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات و الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات.

و للملائكة و الشياطين استعمال غير ذلك و ان كانت مندرجة تحت هذا البيان بضرب من البيان لاهل العيان و هو ان كل ما هو من جهة النور و الخير ملك سواء كان من جماد او نبات او حيوان او جن او انسان و كل ما هو من جهة الظلمة و الشر شيطان سواء كان من جماد او نبات او حيوان او جن او انسان فمن هذا الباب اطلاق الملائكة العالين للائمة: و الكروبيين للانبياء: و الحجب للاناسي المؤمنين و اطلاق الشياطين علي الاول@الشيطان للاول خ‌ل@ و الثاني و الثالث كما قال سبحانه شياطين الانس و الجن. يوحون الي اوليائهم ليجادلوكم و ان اطعتموهم انكم لمشركون و اما علي الاطلاق الاول هم خلق ناقصون لايستكملون ابداً و ليس لهم قوة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 44 *»

الاستعداد و الترقي و التنزل ابداً لانهم رابطون بين الفعل و المفعول مأمورون بجهات تعلق الفعل فكما ان تلك الجهات ليست بمركبة كذلك المتعلق بها فكما لايمكن ان‏يصير اليمين شمالاً و العلو سفلاً كذلك لايمكن ان‏يصير جبرئيل مثلاً ميكائيل و خلقهم اللّه علي ذلك يوم الخلق الاول و لهم درجات مختلفة لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فمنهم ركوع لايسجدون و منهم سجود لاينتصبون و منهم حاملون لقوي الجمادات و منهم حاملون لقوي النباتات و منهم موكلون بالحيوانات و منهم موكلون بالاجنة و منهم موكلون بالاناسي و منهم موكلون بالانبياء: و منهم موكلون بالائمة سلام اللّه عليهم([42]) و ليس لهم رتبة مخصوصة بهم كرتبة الجمادات و النباتات مثلاً.

و اما ما سمعته من المشايخ انار اللّه براهينهم الجميلة او قرأت في كتبهم انهم قالوا في السلسلة الطولية ان مقام الملائكة في عالم المادة فالمراد ان لكل مخلوق في جملة العالم مقام فمقام الملائكة في عالم المادة في كل مقام و ليس معناه ان لها مقاماً كمقام الحيوان مثلاً و هو ليس في مقام الانسان فما فوقه و ليس في مقام النبات فما دونه بل في كل رتبة لابد لها من رابط بين الفاعل و القابل ففي كل رتبة ملك و رابط بحسبها فلايخص برتبة دون رتبة و مقام دون مقام فبهذه الملاحظة لم‏يعد السيد الاجل الاعظم اعلي اللّه مقامه الملائكة في السلاسل الطولية في بعض كلماته و لم‏يعد الجن ايضاً في السلاسل بهذه الملاحظة لانهم ايضاً ناقصون و ان كانوا بالنسبة الي الملائكة تامين ففي الجمادات مقامهم في موادها و في النباتات في موادها و في الحيوانات في موادها و في الاناسي في موادها و كذا الانبياء و الاولياء: فصدق ان مقامهم في كلية العالم في المادة بقول مطلق ولكن ليس معناه ما يتبادر الي بعض

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 45 *»

الاذهان ان مقامهم كمقام المتولدات مخصوص برتبة معينة فتبصر انت و لاتكن من الغافلين عن حقيقة المسألة.

و اما سر عد مقامهم في المواد دون الصور فللهرب مما ذهب اليه بعض الحكماء حيث زعموا ان المراد بالملائكة هو صور الاشياء خاصة و ليس لهم وجود غير الصور في النوع نوعية و في الشخص شخصية و انت عرفت مما مر ان لهم وجوداً خارجاً عن الصور بالمشاهدة و العيان فهم واقفون في اعلي الصور و اعلي الصور هي المادة و ليس المراد من المادة ايضاً في هذا المقام هو الامكان لان الامكان في نفسها فاقد لجميع الصور و الفعلية و الفاقد للشي‏ء لايقدر علي اعطاء شي‏ء بشي‏ء@لشيء خ‌ل@ و اخذ الامداد من العالي و ايصالها الي الداني فالمراد من المادة التي هي محل الملائكة جهة الرب و جهة المبدأ و هي بالفعل لا بالقوة و لو لم‏يكن لها فعلية لم‏يقدر علي التأثير في الغير فان فاقد الشي‏ء لايعقل ان‏يكون معطيه قطعاً فتلك المادة مادة بالفعل و فعليتها اشد استقلالاً من الفعلية الصورية سبعين مرة و في الواقع جميع الصور آثار تلك الفعلية اجرتها في لوح المواد الامكانية و حفظتها عليها فاذا رفعت يدها عنها عادت جميع الصور الي الامكان كما كان اول مرة ان اللّه يمسك السموات و الارض ان‏تزولا. و يمسك السماء ان‏تقع علي الارض الا باذنه و يمسك الاشياء باظلتها و المراد بالاظلة هو الملائكة التي هم مثال اللّه الملقي في هوية الاشياء و المراد بالهوية هو الصورة لانها بها يكون الشي‏ء هو هو و لو لم‏تكن([43]) الصورة لم‏يكن الشي‏ء هو هو فتجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله بواسطة المثال الملقي الذي هو الملك او اسمه المكتوب في جبهته و هو حقيقة الملك و الملك ظهور من ظهورات تلك الحقيقة و اسم الملكية يطلق علي انيتها و اسم اللّه يطلق علي حقيقتها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 46 *»

كما ان السماء يطلق علي كريتها و الجسم يطلق عليها علي حقيقتها فتبصر في المقام و لاتكن من حفظة الكلام لعلك تعرف المرام ان قدر لك الملك العلام بوساطة([44]) اوليائه الكرام عليهم الصلوة و السلام.

و اما الجن فهم من المتولدات الناقصة لم‏ينزلوا الي مقام التراب بخلاف المتولدات فانهم نزلوا من مقامهم الي رتبة التراب ثم صعدوا منها الي موطنهم بالكمال كما عرفت الحال في المباحثات و وصلت الي ما في البال و بخلاف الملائكة و الشياطين التي هي في مقابلهم في الدرجة فانهما ليستا من المتولدات و ليس لهما ابوان فالجن ليس له تعين قبل نزوله الي عالم المثال بخلاف الملائكة و الشياطين المقابلة لهم فانهم لهم@ليس لهم خ‌ل@ تعين قبل نزولهم من مقامهم بل ليس لهم نزول و صعود مطلقاً لدي ابناء الحكمة الاخذين من اهل العصمة صلوات اللّه عليهم اجمعين. بالجملة فهم سكنة عالم الطبيعة التي هي النار التي لا دخان لها و هي المارج من نار@النار خ‌ل@ و ليس لهم تعين قبل نزولهم الي عالم المثال الذي هو ادني من الطبيعة بدرجتين او اكثر ان اردت عد السموات و الارض من كل من الدرجتين كما ان الانسان نزل من عالمه الي عالم التراب و ليس له تعين قبل نزوله اليه فهم لما نزلوا من مقامهم عدوا من المتولدات في السلاسل الطولية مرة و لما لم‏ينزلوا الي التراب و كانوا ناقصين لم‏يعدوا فيها اخري فلا اختلاف بين كلام المشايخ انار اللّه براهينهم و الحمد للّه.

فلما دار الافلاك المثالية علي ارضيها التي هي عالم بنطاسيا و الحس المشترك بعد دوران سماء المادة علي ارضها و دوران سماء الطبيعة علي ارضها فكملت القبضات الارضية و عدلتها و مزجتها حتي حصل بين اجزائها تفاعل و تشابه و تشاكل و اتحاد اشرق عليها من عالم الطبع روح طبعاني و تعين في بطن ام الاجزاء و صار جناً من الاجنة فهو باق في عالم

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 47 *»

البنطاسيا ببقاء الاجزاء البنطاسيائية علي اعتدالها فاذا انحرفت عن الاعتدال و فسدت و تفرقت عاد تلك النفس الطبيعية الي عالمها عود مجاورة لانها واقعة في اعلي البرزخ و ليس في اعلاه تدرجات برزخية فهو محسوب من عالم النفوس التي ليس فيها تدرجات عرضية مطلقاً فلايمر عليها وقت ابداً عرضاً فلايعقل تفکک مولودها ابداً لانه لايمر عليه وقت غير الوقت الاول حتي يفككه فهو باق مخلد ابداً و ان اردت زيادة معرفة فعليك بالتفكر في خلق الانسان في عالم التراب و قس عليه الجن في الخلقة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و اذا اتقنت اطراف المسألة يسهل عليك الخطب في معرفة مسائل الرجعة ان شاء اللّه و ان اردت كيفية تعلق اشراق العالي بالداني فعليك بمطالعة الرسالة التي كتبتها في المعاد فانها تغنيك عن كثير من الالفاظ المعتادة استماعها التي لايمكنك التخلص منها الا ان‏يشملک عناية اللّه سبحانه و ليس لي مجال البيان اكثر مما بان. بالجملة لهم نزول و صعود و موت و حيوة و حشر و نشر كالانسان الا انهم لم‏ينزلوا الي التراب و سبب خلودهم عدم التدرج الوقتي في عالمهم فان كنت من اهل الحكمة فقد اوضحت لك المسألة و الا فلاتتكلفن فان اللّه لايحب المتكلفين و كان الشيطان المعروف من الجن ففسق عن امر ربه فطرده و لعنه نعوذ باللّه منه.

و اما معني صعود الشياطين قبل البعثة و عدمه بعدها و دفعهم بالشهب في الانسان الكبير و الصغير فاعلم ان الملائكة اضداد الشياطين كما عرفت آنفاً فايهما غلب علي شي‏ء يفر الاخر لامتناع وجود الضدين في محل واحد فاذا تعلق العقل الكلي@عقل الکل خ‌ل@ بالنبي9 في هذا العالم تتقوي الملائكة التي في السموات و طاوعتها السموات للطافة موادها و لم‏تطاوعها الارضون لكثافة موادها و كان فيها الشياطين الطبيعية العنصرية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 48 *»

فاذا صعدت الابخرة الي السماء ركبتها و قعدت تحت اشراق كوكب من الكواكب للسمع فتحترق بالنورانية التي في ذلك الكواكب و كانت السموات قبل تعلق العقل الكل@الکلي خ‌ل@ بها و ظهوره في هذا العالم في غاية الضعف فلم‏تقدر علي دفع الشياطين الارضية العنصرية عنها فسمعت من الملائكة لما بينهما من المناسبة الجنسية كما عرفت فاذا احترقت الابخرة بعد مدة مديدة نزلت الشياطين الي الارض و تعلقت بكاهن من الكهنة الذي يناسب مزاجه مزاج ذلك الشيطان و اوحي اليه في روعه ما استمع بسمعه الذي هو من جنسه و اخبره بالتقديرات الفلكية الملكية فربما وقع و ربما تخلف ان استنبط و قاس فلما قويت بنور العقل و استشرقت منه قويت قوتها الدافعة للمنافر المضاد الذي هو القوي العنصرية و الارواح المتعلقة بتلك القوي دفعتها فمن يستمع الان يجد له شهاباً رصداً لشدة قوة دافعتها بتقويها بالملك الذي هو من جنود العقل النازل بنزول العقل فكما ان الشياطين يصعدون بوساطة([45]) الابخرة العنصرية كذلك يدفعها الملائكة بواسطة@بوساطة خ‌ل@ الشعلات الفلكية و تحرق موادها.

و المراد بالشهاب هو اشراق الكواكب الذي يثقب تلك الابخرة و يفرقها و المراد بتلك الشياطين المحترقة هي الشياطين العنصرية التي هي من الارض الاولي و اما الشياطين التي تسكن سائر الاراضي تصعد الي السماء لان بواطن السماء لم‏تستشرق الان و تستشرق في الرجعة ان شاء اللّه تعالي كما ستشرق([46]) الارضون و اشرقت الارض بنور ربها. و اما في الانسان الصغير فتصعد الشياطين الي سموات وجوده التي هي خيالاته و عقائده فيوسوسون له في الاعمال و العقائد جميعاً و يمنعونه من الاعمال الصالحة و العقائد الحقة فان استولي عليه شياطين الارض الاولي دعته الي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 49 *»

الاعمال التي عملت اقرانه و معاشروه و الي العقائد التي اعتقدوها يميل مع كل ريح اتباع كل ناعق و ان استولي عليه شياطين الارض الثانية دعته الي اعمال عملت معاشروه و اعتقادات اعتقدوه@اعتقدوها خ‌ل@ و لايقبل الحق فاذا دعي الي الحق قال انا وجدنا آباءنا علي امة و انا علي آثارهم مقتدون في الاعمال و الاعتقادات جميعاً و اذا استولي عليه شياطين الارض الثالثة الذين يسكنون في الاخلاط يدعونه في الاعمال و الاعتقادات الي ما هو من جنسها في الصفراوية و البلغمية و الدموية و السوداوية و اذا استولي عليه شياطين الارض الرابعة ارض الشهوة دعته الي اعمال و اعتقادات تقتضيها شهوته و لايقبل الحق الواقع و اذا استولي عليه شياطين الارض الخامسة ارض الغضب دعته الي مقتضي تلك الارض يغضب علي كل احد حتي الانبياء: و اذا استولي عليه شياطين الارض السادسة ارض الالحاد يعمل و يعتقد خلاف الحق ابداً و يحرف الكلم عن مواضعها و لايصدق الحق ابداً الا ان‏يشاء اللّه و اذا استولي عليه شياطين الارض السابعة ارض الشقاوة لايكاد يصدق اهل الحق ابداً و لايصغي اليهم سرمداً و لايرضي بصحبتهم مطلقاً فضلاً عن تصديقهم بخلاف شياطين ارض الالحاد فانهم يصغون الي الحق و يطالعون الكتب و يحرفون الكلم عن مواضعها بالحيل العلمية.

فاذا ادركه عناية اللّه سبحانه التي هو العقل و تفكر في نفسه و تبصر في امره و رأي من نفسه انه عبد عاجز فقير محتاج خلقه خالقه و هو ارسل اليه الرسل و انزل معهم الكتب فبينوا الخير و الشر و الصلاح و الفساد في الدنيا و الاخرة اعتقد اولاً ان الاعمال الصالحة هي التي امر بها النبيون و الاعتقادات الحقة هي التي اعتقدوها و لايعتقد غير ذلك فذلك الذي انبعث فيه نبي عقله و اشرق علي سموات عالمه فان يصعد اليها صاعد من الشياطين التي هي ساكنة في اراضي وجوده يطردهم بشهب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 50 *»

الادلة و البراهين الحقة فلايقدرون علي القاء شبهة في اعتقاداته التي هي سموات وجوده ولكنهم في ارض وجوده يفسدون و يعدونه و يمنونه و يمنعونه من الاعمال الصالحة و ربما يلقونه في الاعمال([47]) الطالحة مع عدم اعتقاده و تأذيه فاذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون في ترك العمل المخالف لما امرهم اللّه او مبصرون بان ذلك من عمل الشيطان و اذا استولي عليه الملائكة حتي غلبت علي شياطين ارضه و اخلصوا المملكة للعقل الخالص و قتلوا الشياطين من اطراف وجوده و لايمكن ذلك الا بقتل العقل نفسه الامارة بالسوء التي تلك الشياطين كلهم من اظلاله فاذا قتل قتلت الشياطين كلهم اجمعون فذلك الشخص حينئذ يصير من الواصلين الي عرصة الرجعة الجزئية و ذلك انموزج الرجعة الكلية و قتل النبي9 الشيطان الاعظم بحيث يصير السموات و الارض في ذلك اليوم طيبة طاهرة من كل رجس و نجس و خبيث و ذي سم و عيب و لهو و لعب فاذا اردت الاطلاع علي كيفية اوضاع الرجعة ففكر في نفسك تجدها مكشوفة لك غير مستورة عنك و اسع في الوصول اليها في وقتك و تضرع الي اللّه سبحانه و استعن به و اسأله النجاة قبل موتك فانه قريب و العمل قليل و الامل كثير و المسافة بعيدة و قطاع الطريق عتيد اللهم عفوك عفوك فاعف عنا و اغفر لنا برحمتك يا ارحم الراحمين.

بقي هنا شي‏ء ينبغي التنبيه عليه ليكون مغنياً من بعض المسائل الاتية المسئول‏عنها ان شاء اللّه تعالي و هو انه اذا سمع الانسان سماء و ارضاً في مقابلها زعم السماء@ان السماء خ‌ل@ كهذه السماء و الارض كهذه الارض فتحير في سر عد سماء خاصة في مقابلة ارض خاصة فاقول ان السموات التي تسمعها في مقابلة الارضين سماواتها و ارضوها كلها شرعية اصطلاحية و ليست كونية

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 51 *»

معروفة بين العوام فالسماء الاولي الكونية يمكن ان‏تصير سماء شرعية او ارضاً شرعية مع انها في كلا الحالين سماء كونية فالسماء الاولي الكونية التي هي الحيوة الكونية للانسان اي منتهي شعوره الانساني الذي هو في غاية الضعف و ليس المراد حيوة حيوانية العرضية كما زعمه الاكثرون اذا عملت بمقتضي الشرع و اعتقدت ما يقتضي الطريقة الحقة صارت سماء شرعية و حيوة شرعية يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم و ان استنكرت و استكبرت صارت ارضاً شرعية و موتاً شرعياً و نفساً شرعية و هكذا السماء الثانية الكونية التي في الانسان الكوني يمكن ان‏تكون سماء شرعية بمتابعة الشرع فتسمي حينئذ بسماء الفكر و يمكن ان‏تصير ارضاً ثانية و تسمي بارض العادة حينئذ و هكذا الي ان‏يصل الامر الي السماء السابعة و الارض السابعة فتكون كلاهما سماء كونية تصير بسبب الطاعات سماء و بسبب المعاصي ارضاً و بادني تدبر و تفكر تقدر علي وجه مناسبة مقابلة كل ارض و سماء ان شاء اللّه تعالي.

قال سلمه اللّه تعالي: السادسة ما المراد بالذات و الهوية و الالوهية و الاحدية و الواحدية كما بينتم في الدروس.

اقول: ما مر في المسألة الثانية كاف في المقام ان شاء اللّه تعالي.

قال سلمه اللّه تعالي: السابعة ما المراد بالظهور و الرجعة حقيقة وليكن في ذلك بيان الاخبار الواردة بقدر الامكان و اليسر.([48])

اقول: ليس لظهور الامام عليه السلام عجل اللّه فرجه تأويل مطلقاً فيظهر ان شاء اللّه بهذا البدن العنصري العرضي و يسل السيف المعروف من الحديد المعروف بلا تأويل و يقاتل اعداءه كما يقاتل هذه السلاطين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 52 *»

المعروفة و يسلط علي الدنيا و يستولي علي اهلها و يملأ الارض قسطاً و عدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً و لايجوز التأويل مطلقاً في اصل القضية و صرف الامر الي عالم آخر غير هذا العالم المحسوس و قد رأيت@لقيت خ‌ل@ بعض المأولين و رأيته قد تصلب في تأويل اصل القضية بعقله الناقص و من راجع الاخبار لايبقي له شك و ارتياب في ان هذا الظهور لايكون الا في هذا العالم الذي نحن الان فيه بلا ستر و غبار كظهور الشمس في رابعة النهار نعم يوجد في بعض@يوجد بعض خ‌ل@ الاخبار في بعض الامور الجزئية ما يتحمل التأويل كطلوع الشمس مثلاً من المغرب و امثاله ولكن القضية في نفسها لاتقبل([49]) التأويل ابداً و من استدل برأيه هلك و من تمسك في اموره بآل محمد: نجي ولكن المأول يأول و لا سبيل الي صرفه الا هداية من اللّه او سيف الامام7 او عذاب في الاخرة اعاذنا اللّه سبحانه مما كرهه بحق محمد و آله الطيبين صلوات اللّه عليهم اجمعين.

و اما حقيقة الرجعة فلعمري ان فهمها غير ميسور لعامة الخلق و ادراكها غير مبذول فالالفاظ الواردة في الاخبار مشهورة معروفة حتي صارت اليوم و الحمد للّه حد الضرورة كالاخبار الواردة في امر الاخرة ولكن معناها كمعناها غير معروفة لدي اكثر الناس. فاقول ان المراد بالرجعة هو رجوع ارواح الماحضين الي ابدانهم الاصلية البرزخية كما ان المراد بالبرزخ هو حال مفارقة الارواح البرزخية من الابدان البرزخية و سبب فراقها تحلل الاعراض البرزخية في الابدان و خلط طينة المؤمن بطينة الكافر و طينة الكافر بطينة المؤمن فاذا دارت الافلاك البرزخية علي ارضها و مخضتها مخض السقاء و جمعت الاجزاء الاصلية الي اصولها كما اجتمعت اجزاء الزبد في السقاء فترجع اجزاء بدن الكافر التي هي مختلطة ببدن المؤمن الي بدن الكافر و ترجع اجزاء بدن المؤمن التي هي مختلطة ببدن الكافر الي بدن المؤمن كما قال اللّه سبحانه ليميز اللّه الخبيث من الطيب

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 53 *»

و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم فاذا رجع كل جزء و طينة([50]) الي اصله تعلق روح كل بدن الي بدنه فيرجع الروح الطيب الي البدن الطيب فلايصدر منه الا الاعمال الطيبة الصالحة و يرجع الروح الخبيث الي البدن الخبيث فلايصدر منه الا الاعمال الخبيثة فيومئذ يشتد الغضب علي الكفار من دون شوب الرحمة لخلوصهم في الغي و الضلالة و الخبث و يخص الرحمة بالمؤمنين من دون شوب الغضب لخلوصهم في الطيب و الهدي و العمل بمقتضي مرضاة اللّه سبحانه فيختض الجنة بالمطيعين و النار بالملحدين بخلاف الحيوة الدنيا فان كلاً الفريقين مختلطين@مختلفين خ‌ل@ فبسبب الاختلاط يصيب المؤمن بعض المؤلمات بسبب بعض اعماله السيئة التي تصدر منه بسبب العرض المخالط الذي اصله من الكفار و يصيب الكافر بعض النعماء بسبب بعض اعماله الحسنة العرضية التي تصدر منه بسبب خلط طينة المؤمن به فاذا خلص كل منهما من شوب الاخر خلص لهما الجزاء.([51])

و ان اردت معرفة تخلص الابدان البرزخية عن اعراضها فاعلم ان الابدان البرزخية بعد خروج الارواح منها ليست كالابدان العرضية الدنياوية بلا حيوة مطلقاً و لا احساس بل لها حيوة‏ما و حس‏ما و لولا ذلك لم‏تكن قابلة لافاضة الارواح اليها ثانية بعد مفارقتها عنها و ذلك معني ما روي انه يخد من الجنة الي قبر المؤمن خداً يروح بدن المؤمن و يخد من النار الي قبر الكافر خداً يولم بدنه فلو لم‏يكن للابدان البرزخية حيوة‏ما و حس‏ما لم‏يتأثر بدن المؤمن من ريح الجنة و لم‏يتروح منها و لم‏يتألم بدن الكافر من فوح جهنم و لم‏يعذب منها فاذا كان في بدن المؤمن حس‏ما و فيه من اعراض طينة الكافر يتقوي يوماً فيوماً بريح الجنة التي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 54 *»

هي من جنس طينته و الاخدود الذي يخد بينه و بين الجنة هو روحه و هو سبيله الي الجنة فبوساطة روحه يتروح من الجنة دائماً و يتقوي به دائماً و يتعلق روحه به دائماً و ينتظر خروج الاعراض منه ليستولي عليه و يظهر آثاره منه كما يحب و يرضي و اما قبل خروج الاعراض لايقدر الروح علي الاستيلاء في بدنه و لاينفذ في جميع منافذه و جميع اقطاره لوجود العرض الذي هو كالسدة المانعة من نفوذ الروح في الاعضاء كما تري من يد المرتعش و بدن الفالج و تري انه يحب الحركة الارادية المستقيمة ولكن بدنه لايطاوعه لوجود الاعراض الخارجة مزاجها عن مزاج بدنه فيظهر افعاله افعالاً طبيعية او مشابهة لها و اما اذا خرجت الاعراض غير الطبيعية بالمسهل يستولي الروح علي بدنه و يظهر آثاره منه علي حسب ارادته فكذلك الابدان البرزخية مختلطة باعراضها فلايتعلق الروح الطيب بالبدن الخبيث و بالعكس للزوم التناسب بين الروح و بدنه فاذا استمد بدن المؤمن من الجنة يوماً فيوماً بواسطة@بوساطة خ‌ل@ الاخدود الامداد الذاتية المناسبة له يتقوي يوماً فيوماً و كلما يتقوي درجة تتقوي جميع قواه فتتقوي جاذبته و ماسكته و هاضمته و دافعته يوماً فيوماً كلما وضعت لهم حلماً رفعت لهم علماً او بالعكس ليس لمحبتي غاية و لا نهاية فاذا تقوي بدنه درجة يدفع عن نفسه الاعراض العارضة و كلما يشتد التقوي يوماً فيوماً يشتد القوي في افعالها يوماً فيوماً فيدفع عن نفسه الاعراض اكثر فاكثر حتي لايبقي شي‏ء من الاعراض الخارجة عن طبيعته التي هي طبيعة الجنة يستولي عليه روحه و يعانقه و ينفذ في جميع اقطاره و منافذه دفعة واحدة كاستيلاء النار بالدخان المحمي و لاينتظر بعد التطهير طرفة عين فيقوم بدنه حياً بحياته و يطيع اللّه سبحانه في آناء ليله و اطراف نهاره و لايأخذه نوم غفلة و لا  سنة طرفة عين فاذا صار جميع اعماله خالصة لوجهه([52])

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 55 *»

الكريم يجود بجوده عليه من النعماء الخالصة عن شوب الاكدار فيسير في الجنة ليلاً و نهاراً و فيها ما تشتهيه الانفس و تلذ الاعين ما لا عين من الاعين الدنياوية رأت و لا اذن من الاذان سمعت.

و اذا عرفت كيفية تعلق روح المؤمن ببدنه فاعرف كيفية تعلق روح الكافر ببدنه بحكم المقابلة فيقوم الناس لرب العالمين و ذلك يوم الجمع اي جمع الابدان و الارواح([53]) و يوم القيمة الصغري التي هي آية الكبري و يوم نبعث من كل امة فوجاً ممن يكذب بآياتنا اذ غير الماحضين ينتظرون القيمة الكبري فيوم الرجعة اي يوم رجوع كل روح الي بدنه الذي هو من طينة روحه فيرجع الروح الطيب ببدنه الطيب و الروح الخبيث ببدنه الخبيث من غير مخالطة خبيث بطيب او طيب بخبيث فيومئذ يميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم فهنالك الولاية للّه الحق و لاوليائه سلام اللّه عليهم اجمعين بخلاف الحيوة الدنيا فانها يستولي عليها الشيطان و مردته لعنهم اللّه بعدد ما في علمه.

و ان قلت اذا كان الامر كذلك فلم يتعلق الارواح الطيبة بالابدان المختلطة في هذه الدنيا و بالعكس قلت حاشا و كلا لايتعلق الروح الطيب بالبدن المختلط في هذه الدنيا ايضاً كمال التعلق و الاستيلاء التام و بالعكس بل يتعلق الروح الطيب بتلك الطينة الطيبة المخالطة و لايقدر علي كمال التعلق لمخالطتها فلذلك يصدر من المؤمنين بعض المعاصي لعدم استيلاء ارواحهم بابدانهم و حين المعصية يفر منهم ارواحهم الذاتية و يتعلق بهم ارواح خبيثة و ذلك معني قوله7 لايزني الزاني و هو مؤمن فلايعصي العاصي بقول مطلق و هو مؤمن و العاصي هو الطينة الخبيثة بواسطة@بوساطة خ‌ل@ روح خبيثة@خبيث خ‌ل@ و كلاهما عرضيان@عرضان خ‌ل@ للمؤمن و كذلك الامر بالعكس في الكافر

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 56 *»

اماتري البدن الصحيح يتعلق به الروح الصحيح و يصدر منه الافعال الصحيحة فاذا مرض بسبب خلط متعفن يتعلق بذلك الخلط المتعفن روح متعفن و يصدر منه الافعال المشوشة فلايتكلم احد بالهذيان و هو صحيح فلاتغفل و تدبر فيوم التمييز يرجع كل شي‏ء الي اصله و يظهر سر قوله تعالي ليميز اللّه الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه علي بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم و سر قوله تعالي الخبيثات للخبيثين و الخبيثون للخبيثات و الطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات اولئك مبرؤن مما يقولون اي الطين الخبيثة للاشخاص الخبيثين و الارواح الخبيثين و الاشخاص الخبيثون و الارواح الخبيثة للطين الخبيثة و الطين الطيبة للاشخاص الطيبين و الارواح الطيبة و الاشخاص الطيبون للطين الطيبة.

بالجملة فذلك اليوم يوم يرون الملائكة و يوم يرون الملائكة لا بشري يومئذ للمجرمين و يقولون حجراً محجوراً و قدمنا الي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً اصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً و احسن مقيلاً و يوم يبدل اللّه سيئات المؤمنين حسنات@الحسنات خ‌ل@ و حسنات المنافقين سيئات@السيئات خ‌ل@ لرجوع كل شي‏ء الي اصله فذلك يوم العدل للمنافقين و يوم الفضل للمؤمنين و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم رب عاملنا بفضلك و لاتعاملنا بعدلك يا كريم. بالجملة، و يري الناس ذلك اليوم الجن و يجالسونهم و يكالمونهم و يؤاكلونهم للطافة ابدانهم و مشاعرهم و مداركهم و كذلك اهل الدنيا ايضاً في ذلك اليوم يرون الملائكة و الجن و ساير المؤمنين و الكافرين الراجعين الي الدنيا للطافة مشاعرهم و انجذابها الي الغيب و عدم مخالطة الطين بعضها في بعض و ان عرفت ما قلت لك تعرف انه يمكن لاحد اليوم معاينة ذلك العالم مع انه في هذا البدن العرضي اذا خلص بدنه الاصلي البرزخي عن مخالطة طينة الكافرين فهو اليوم رجع روحه الي بدنه و يسير في ارض الرجعة و يري الملائكة و الجن و المؤمنين المرتحلين

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 57 *»

و غير ذلك و يعاشرهم و يجالسهم و يكالمهم و يعلمهم و يتعلم منهم و يسأل الائمة: عما يحتاج و يجيبونه مشافهة كما ان اهل الدنيا في ذلك اليوم يصلون الي الرجعة و يرون اهلها فمثلهم في ذلك اليوم مثل الجني الذي يري الجن مع انه الان في بدنه العرضي فاذا صار احوال ابدان عامة الخلق في يوم من الايام الاتية حال بدن الجني اليوم يرون ما يري الجني اليوم و هذا القدر من البيان كاف لمن كتب اللّه تعالي له فهم هذه المسألة و هو يكتفي بالاشارة و غيره لايقنع بالف عبارة و لايفهم المراد الي يوم التناد و اما بيان الاخبار الواردة في الظهور و الرجعة فانا الان مبتلي بزيارة بعض الاقارب الذين هم كالعقارب في قرية مشومة ليس فيها من كتب الاخبار كتاب و لااملك الا نفسي و اخي فافرق بيننا يا ربنا و بين القوم الظالمين برحمتك و فضلك يا ارحم الراحمين ولكنك لاتجد خبراً من الاخبار الواردة مخالفاً لما سمعته ان شاء اللّه تعالي و يوافق كلها بل يجمع بين مختلفاتها ان فهمت المراد.

قال سلمه اللّه تعالي: الثامنة كيفية الموت و حالات القبر و نفخ الصور.

اقول: اما كيفية الموت فاعلم ان الارواح الغيبية تتعلق بالبدن مادام البدن صحيحاً مواجهاً الي تلك الارواح فاذا انحرف البدن بالاسباب المفنية التي هي قرانات الكواكب التي هي ايدي الرب جلّ‏شأنه في اجراء افعاله و بلغ في غاية الانحراف و عدم المواجهة الي تلك الارواح تصرف العناية منه و تتوجه الي عوالمها فيخر البدن بلا حراك فيعود كل جزء منه الي اصله بمرور الايام و الليالي فسبب الموت تخلل آلات البدن و فسادها و انحرافها لاتقوي الارواح و تجردها كما زعم بعض الحكماء و الشاهد علي ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 58 *»

موت الاطفال و المستضعفين الذين ليس فيهم نفس([54]) قوية مجردة فالمشاهدة تكذبهم@يکذبهم خ‌ل@ و ليس الامر الا كما قال امير المؤمنين7 في حديث الاعرابي و كميل سبب فراقها اختلاف المتولدات فاذا حضر الموت حال الاختلال و الاختلاف و انصرف الروح في الجملة عن الظاهر ظاهر الحيوة الدنيا و التفت الي المثال يري اهلها كما تري في المنام بعد انصراف روحك عن الظاهر و كما يري الجني الجن فيري الاموات و من يحبه من الاولياء: بصورة حسنة في غاية الحسن علي حال رأفة و رحمة كما ظن في حقهم و يراهم عدوهم علي صورة العداوة و الخشونة في غاية الهيبة كما ظن في حقهم فان اللّه عند ظن عبده ان خيراً فخيراً و ان شراً فشراً.

يا حار همدان من يمت يرني   من مؤمن او منافق قبلاً

و يري الملك الموكل بتفريق المختلفات التي تألفت بالعرض و هو شأن من شئون عزرائيل و ظهور من ظهوراته فيسمي بعزرائيل من باب اطلاق اسم المؤثر علي الاثر فيراه علي صورة حسنة ان كان مؤمناً او علي صورة مهيبة ان كان منافقاً فيفرق بين روحه و بدنه هذا مجمل القول في امر الموت و اما تفصيله فيقتضي رسم كتاب مفصل و ليس لي مجال و اكون الحال في غاية تبلبل البال و اسأل اللّه الجواد الكريم تبديل حالي الي احسن الاحوال انه قريب مجيب.

و اما حالات القبر فاعلم ان المتبادر الي اذهان العوام ليس الا هذه الحفرة التي تري اعينهم و ليس عندهم للقبر معني غيرها و ليس الامر كذلك و ليس المتبادر الي الاذهان حجة علي احد من المسلمين لان الاذهان بالبداهة ليست بمعصومة نعم ما يجب تصديقه و الاعتقاد به هو ما صار حد الضرورة و هو لفظ القبر و اما الموضوع‏له فلايجب في تعينه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 59 *»

تصديق ما يتبادر الي اذهان العوام بالضرورة فانه يلزم التنافي بين الاخبار الواردة في اهوال القبر و احواله اماتسمع ان قبر المؤمن يوسع عليه بقدر مد بصره و قبر الكافر يضيق عليه كما يضيق الارض بالوتد و ربما يدفن المؤمن في جنب الكافر او في قبره الظاهر المتبادر فكيف تتفق الاخبار في هذه الاحوال و يخد للمؤمن في قبره من الجنة خداً لترويحه بريح الجنة و يخد للكافر خداً من النار لتعذيبه و يملأ قبره ناراً فكيف يتفق ذلك الاحوال و هذه القاعدة جارية في جميع الاخبار الواردة في احوال عالم الغيب فان الغيب مستور عن نظر العوام فليس فهمهم فيه مراداً لصاحب الكلام و انما الحجة كلامه الذي وصل الينا بوساطة الرواة الي ان صار حد الضرورة فسلم الروايات اولاً تسليماً و اعترف بالفاظها و معانيها المرادة منها فان عرفت المعني فاحمد اللّه و الا فيكفيك التسليم في ايمانك بان ما يقصده الشارع7 من هذه العبارات حق و من رجع الي الاخبار و تتبع فيها بعين الاعتبار علم ان المراد منها غير ما يتبادر الي اذهان العوام بلا غبار بحيث يمكن للمتتبع دعوي الاجماع بل و الضرورة علي ان المراد منها غير ما يتبادر الي الاذهان الناقصة فاذا عرفت ذلك فاعلم انه اذا فسر العالم تلك الاخبار و تري ان تفسيره غير ما يتبادر الي اذهان العوام لاينبغي لك ان‏تتهمه بانه يأول الاخبار او يرتكب المجاز نعوذ باللّه فانه ان كان من العلماء الراسخين في التمسك باهل‌البيت: يفسر كلامهم علي الحقيقة الواقعية دون التأويل و المجاز فانه لايجوز التأويل و الاخذ بالمجاز مادامت السبل الي الحقيقة واضحة و طرقها لائحة و ان لم‏يفهم العامي ذلك التفسير و زعم انه تأويل لما رأي انه مخالف لما في ذهنه الناقص.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان القبر ما يدفن فيه الشخص فقبر كل شي‏ء و كل شخص ما يدفن فيه ذلك الشي‏ء و ذلك الشخص خاصاً به دون غيره و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 60 *»

يجب ان‏يكون المدفون و المدفون‏فيه من جنس واحد و سنخ واحد حتي يمكن تواري المدفون في المدفون‏فيه اماتري انه لايمكن تواري العقل و حبسه في الصندوق المصنوع من الالواح الخشبية لانه مجرد و الصندوق مادي و لايعقل تواريه فيه و لايمكن لك حبس خيالك الذي هو اعلي درجة من هذه الاجسام العنصرية في البيوت العنصرية و هو يسير في عالمه و يجي‏ء و يذهب و ان احاط ببدنك العنصري حيطان محكمة و هي محكمة لبدنك و هو محبوس فيها لكونهما من جنس واحد و لم‏يحبس خيالك فيها لعدم المجانسة فيجب ان‏يكون القبر مجانساً لصاحبه و الا لم‏يكن القبر قبره فيجب ان‏يكون قبر الجماد جمادياً و النبات نباتياً و الحيوان حيوانياً و الانسان انسانياً و المادي مادياً و المجرد مجرداً([55]) و العرض عرضياً و الجوهري@الجوهر خ‌ل@ جوهرياً و الزماني زمانياً و البرزخي برزخياً و الدهري دهرياً و الملكي ملكياً و الملكوتي ملكوتياً و الجبروتي جبروتياً و النور نورانياً و الظلمة ظلمانياً و الكافر نارياً سجينياً و المؤمن نورانياً عليينياً و الصغير صغيراً و الكبير كبيراً و هكذا فقبر زيد مخصوص به و قبر عمرو مخصوص به و ان دفنا في حفرة واحدة و انت ان عرفت زيداً علي الحقيقة الزيدية يمكن لك ان‏تعرف قبره بحقيقة القبرية و ما لم‏تميز زيداً الاصلي الذاتي الذي هو الموضوع‏له للفظ زيد عند اللّه و رسله: عن الاعراض التي ليس منه بدؤها و لا اليه عودها لايمكن لك ان‏تعرف قبره المخصوص به دون غيره فاسع في معرفة الحقائق و ميزها عن الاعراض لتكون من الفائزين فقبر زيد ما دفن فيه زيد لا ما دفن فيه الاعراض و كما ان زيداً في غيب هذه الاعراض كذلك قبره في غيب هذه الحفرة لا نفس الحفرة كما لايكون زيد نفس الاعراض فالانسان اذا اعرض عن هذه الاعراض يدفن عرضه في الاعراض و بدنه الاصلي البرزخي في قبره الاصلي الهورقلياوي و ان عرفت بدنه

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 61 *»

الاصلي كما مر في مسألة الرجعة تعرف قبره الاصلي فيوسع عليه بقدر مد بصره ان كان مؤمناً و يضيق عليه ان كان كافراً و سبب رجوع الروح الي بدنه في القبر انه اذا انتزع من البدن و يرد دفعة في عالم لم‏يره من قبل يتوحش توحشاً عظيماً بحيث ينسي نفسه و هو المراد بسجوده للّه سبحانه تحت عرشه فاذا مكث مدة و انس في الجملة انساً يلتفت الي نفسه و يرتفع من سجوده و لقرب مفارقته من جسده و انسه به يطلب جسده كمال الطلب و يجسس عنه فيجده في قبره فيتعلق به و يحيي جسده به و ينفذ فيه في النصف الاعلي منه الذي يتصل بالمثال و النصف الادني يبقي بلا حيوة و هو الذي يتصل بالزمانيات و بملاحظة جميع الاعراض نصفه الادني فلذلك لايحيي الذي في القبر العرضي لان جميعه نصف عرضي مخلوط بالنصف الاصلي و بلحاظ نصفه الادني هو المتصل بالزمانيات و نصفه الاعلي هو المتصل بالمثاليات و لكثرة اختلاط الادني بالاعراض لايقدر الروح النفوذ فيه و لقلتها في النصف الاعلي ينفذ فيه في الجملة فاجاب الملكين ما اجاب فاذا استراح في الجملة و رأي منزله كثيفاً بسبب خلط الاعراض المنافية([56]) لمزاج ذلك الروح فيعرض عنه و يطير في فضاء المثال في سمائه ان كان مؤمناً و في ارضه ان كان كافراً و يخر الجسد في قبره و يتلاشي في تراب المثال و يرجع كل جزء منه الي اصله فترجع الاجزاء الطيبة المستودعة في الكفار الي المؤمن و ترجع الاجزاء الخبيثة المختلطة لبدن المؤمن الي الكافر بمرور ايام البرزخ و لياليها حتي يقوم الساعة و القيمة الصغري الي الرجعة.

و ان سمعت انه دفن البدن في القبر لذهاب الاعراض الدنياوية منه فليس علي ظاهره ايضاً فربما يقال انه تلاشي البدن الدنياوي يخرج من كمونه البدن البرزخي و بكل ذرة متلاشية يجمع ذرة من البدن البرزخي و ليس الامر كما يتبادر الي ذهنك فان ما يتبادر الي ذهنك مناف لجميع حالات البرزخ اماتري انه يمكن في ساعة واحدة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 62 *»

زمانية تقطيع بدن الميت و ترميله و تتريبه بحيث يصير كالتراب المحض و هو مع ذلك بدنه البرزخي مختلط ببدنه الزماني العرضي و لابد في استخراجه منه مرور ايام عديدة فالمراد بالاعراض الزمانية ما يكتسبه البدن البرزخي من تلك الاعراض لا نفس الاعراض بل لايمكن عند التحقيق خلط الاجزاء الاصلية بالاجزاء العرضية ابداً ابداً اماتعتبر من عدم امكان خلط الهواء مع التراب مع انهما جسمان من عرصة واحدة فكيف يمكن خلط الاجزاء البرزخية بالاجزاء العرضية او خلط الاجزاء الاخروية بالاجزاء البرزخية فالمراد من خلط العالي بالاعراض الدانية منه هو اكتسابات العالي من الداني و تلك الاكتسابات انصباغات حصلت للعالي لتعلقه و ركونه الي الداني فكلما يكون الانسان اقل تعلقاً و ركوناً الي الداني يكون تخلصه منه اسهل و زمان التخلص اقل و كلما يكون الانسان اكثر ركوناً و تعلقاً الي الاعراض يكون التخلص منها اتعب و وقته اطول سواء كان تلاشي البدن العرضي في سنة او الف سنة فان اردت التخلص منها فاسع في عدم الركون اليها فانها كالزبد يذهب جُفاء و اما ما ينفع الناس و هو التوجهات الي المبادي العالية و الاعتقادات الصحيحة و الاعمال الصالحة فيمكث في الارض. و هذا القدر من البيان يكفي لمن كان له قلب و عينان في معني القبر علي نهج الاجمال و من اطلع علي حدود الكلام و تجسس في زواياه وصل الي غاية المرام و علي اهل الفهم و ابناء الحكمة السلام.

و اما حقيقة الصور و نفخه فاعلم ان الصور سور بين الرتبتين العالية و الدانية و له رأسان رأس الي الاداني و رأس الي الاعالي فرأسه الذي الي الاداني له وجوه عديدة و لكل وجه فوهات بعدد الافراد الذين في الرتبة الدنيا فاذا اراد اسرافيل افناءهم نفخ في الصور نفخة الصعق و يجذب نفسه فينجذب اليه في عقد الصور جميع الخلق اهل كل رتبة في عقدة من عقده فاذاً لا حاس و لا محسوس و ليس شي‏ء سوي الصور لان مقامه مقام الطبيعة

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 63 *»

المطلقة في كل مقام بحسبه و مقام الطبيعة مقام نفي الاعداد و اضمحلالها عنده و فناؤها لديه فهنالك قال اللّه سبحانه بلسانه الذي هو الصور او صاحب الصور لمن الملك اليوم فلايوجد من يجيبه فقال سبحانه او يقول اين الجبارون اين المتكبرون اين الذين اكلوا رزقي و عبدوا غيري ثم يقول بلسانه الملك للّه الواحد القهار و ان اردت فهم ذلك المعني علي الحقيقة دقق النظر و استعمل الفكر في مقام كل طبيعة بالنسبة الي ظهوراتها تجد المعني و تصل الي المراد ان شاء اللّه تعالي و لاينبغي لاحد التصريح اكثر مما صرحت و استغفر اللّه و اسأله ان‏يعمي ابصار الناظرين عن هذه المعمي الا الذين هم يريدون الفهم قربة الي اللّه تعالي فاذا اراد اسرافيل بارادة اللّه تعالي احياء الهلكي نفخ باذن اللّه نفخة الدفع و لايدفع الي العالم الذي يجذب منه بل يجذب منه و يدفع الي الاعلي فاذا هم قيام ينظرون و اشرقت الارض بنور ربها فيجذب من الدنيا و يهلكهم في صوره و يدفعهم الي البرزخ و يجذبهم من البرزخ و يدفعهم في عرصة القيمة الكبري فالرأس الواسط بين الدنيا و البرزخ غير الرأس الواسط بين البرزخ و الاخرة و لكل رأس طرفان و لكل طرف وجوه و لكل وجه فوهات و ثقب بعدد ذرات الموجودات.

و ان اردت معاينة ذلك في نفسك الان فاعلم ان اللّه سبحانه([57]) خلق المنام آية ليوم القيمة و قال اللّه يتوفي الانفس حين موتها و التي لم‏تمت في منامها فسمي النوم الوفاة فلما اراد سبحانه توفيك في منامك امر روحك الذي هو اسرافيل اعضائك و نفخ في صور قلبك الصنوبري نفخة الصعق فانجذبت الارواح المتفرقة في كل عضو من اعضائك و اجتمعت في صور قلبك و تخر اعضاؤك صعقاً بحيث لا حاس بينها و لا محسوس فاذا اراد اللّه احياءك ثانياً في عالم المثال امر روحك بان‏ينفخ في صور قلبك نفخة الدفع فيدفع مشاعرك الخيالية في عرصة المثال فاذا هم اي مشاعرك قيام ينظرون و يرون

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 64 *»

عالم المثال و لاينكرون من انفسهم شيئاً فانت حي في يقظتك و لاتحس في اول نومك و هو اول وصولك الي المثال فان حالك فيما بين النوم و اليقظة حال وقوعك في الصور في عالم الطبيعة لاتحس من المحسوسات الدنياوية و لا المحسوسات المثالية فاذا نفخ نفخة الدفع فتقع في عالم المثال و تحيي ثانياً بعد موتك فيما بين النوم و اليقظة تدرك الامثلة و هذا القدر من البيان كاف ايضاً ان شاء اللّه في معني الصور و حقيقته.

قال سلمه اللّه تعالي: التاسعة مختصر من امر القيمة و حقيقة العود.

اقول: مختصر امر القيمة انه يوم الجمع يجتمع([58]) فيه الخلائق اجمعون دفعة واحدة و من الغرائب انهم يموتون بالتدريج و يحشرون دفعة واحدة و سر ذلك علي نهج الاشارة لاولي الدراية ان اوقات العوالم الدانية لاتمر علي اهل العوالم العالية فاذا مات الانسان في سنة معينة و مر علي ذلك سنون عديدة مرت السنون علي بدنه الزماني و لم‏تمر علي روحه المثالي ابداً فيمكن لك ان‏تقول يموت الاناسي في هذه الدنيا بالتدريج و يقومون في المثال دفعة واحدة ان عبرت عن وقت المثال بوقت الزمان و كذلك يموت الاناسي في البرزخ بالتدرجات البرزخية و يحشرون دفعة واحدة و ان اردت ازيد من ذلك فعليك بمطالعة الفصول المهمة فانها مغنية و الحمد للّه عن امثال هذه المشكلات و اوردت فيها امثلة و بيانات مختلفة في هذه المقامات بحيث لاتحتاج معها الي غيرها. بالجملة فتجتمع([59]) الناس ثلثة اقسام كلية و بينها برازخ الي ما شاء اللّه فصنف منهم متوجهون الي اللّه سبحانه معرضون عماسواه غير ملحدين في اسمائه غير مشركين باوليائه فهم يدخلون الجنة بغير حساب و لاينشر لهم كتاب و لا ميزان و لايرون اهوال القيمة مطلقاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 65 *»

جعلنا اللّه فداهم و صنف منهم معرضون عن اللّه ملحدون في اسمائه مشركون باوليائه مؤثرون اعداءه علي اوليائه عن عمد منهم فهؤلاء ايضاً لايقام([60]) لهم ميزان و لاينشر لهم ديوان و لا كتاب و يدخلون النار بغير حساب نعوذ باللّه و نستجير به من ذلك الاحوال و الاهوال و صنف منهم مذبذبون بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء فاولئك لهم سوء الحساب و نشر الكتاب و نصب الميزان فاما يعذبهم بذنوبهم بعدله او يتوب عليهم بفضله و كرمه انه ذو الفضل العظيم و المن الجسيم و انه هو الغفور الرحيم.

و اما حقيقة العود فاما يراد به عود اشخاص عالم اعلي الي اوطانهم الاصلية بعد نزولهم في المراتب العرضية و اما يراد به عود الارواح الذاتية الي ابدانهم الذاتية بعد خلع الاعراض عن الارواح و الابدان اما عود الاشخاص الي اوطانهم الاصلية فلايكون الا بعد خلع الاعراض عن انفسهم في الوجود الخارجي فلايمكن لاحد هذا العود الا بعد النفخ الكلي و اما النفخات الجزئية فهي سبب الوصول العلمي و العود الوجداني كما يحصل للكاملين الذين يموتون بالموت الاختياري و اما الوصول الحقيقي فلايمكن الا بعد الموت الاضطراري و هو حاصل لكل من الناقصين و الكاملين و طبقات الاعراض للانسان ثلث كلية و اما جزئياتها اكثر من ان‏تحصي فالثلث الدنيا و زمان الرجعة و البرزخ و للانبياء: اربع تلك الثلث و عالم النفوس ولكنهم لايلقون اللباس النفساني عنهم ابداً اذ لايمكن ذلك اللهم الا ان‏يراد بالالقاء معني غير الالقاء الظاهري بخلاف الاناسي و للائمة: خمس تلك الاربع و لباس عالم الارواح و هم: لايلقون لباس النبوة و النفساني ابداً و انما الملقاة من الاعراض هي اعراض المراتب الثلث حسب و اما معني عود الارواح الي الابدان فقد مر شرحه في مسألة الرجعة فارجع اليها و قس كيفية رجوع الاخروي عليها

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 66 *»

فانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و اختلاف غاية الامر ان الاعراض البرزخية لابد من ازالتها كالاعراض الدنيوية فمن عرف كيفية ذلك عرف كيفية ذلك و من لايعرف لم‏يعرف.

قال سلمه اللّه تعالي: العاشرة ما المراد من البراني و الجواني في كتب المشايخ.

اقول: هاتان الكلمتان من اصطلاحات الفلاسفة فان عملهم علي قسمين فاما يكون جميع اجزاء عملهم من الاول الي الاخر في المراتب الثمانية من مادة واحدة بحيث لايحتاجون الي ادوية سوقية مطلقاً فذلك العمل يسمي عندهم بالجواني لان كل ما يحتاجون اليه حاضر في فضاء عالمهم و جوه و لايحتاجون الي السوق و خارج عالمهم و اما يكون اجزاء عملهم من السوق و ليست من مادة واحدة فيشترون الروح من السوق و النفس و الجسد من السوق و يدبرون فيها تدبيراً و يشكلون بينها([61]) تشكيلاً و يقربون امزجتها تقريباً فيخلطونها تخليطاً فتتداخل و تتفاعل و تتمازج فتتحد فيحصل لهم الحاجات و يسمي هذا العمل بالبراني لانهم يحتاجون في تحصيل الاركان الي البر اي السوق الخارجي فاذا عرفت ذلك فاعلم ان كل ما كلف اللّه سبحانه به عباده يجب في الحكمة ان‏يكون مما يمكن ان‏يصلوا به و يتصفوا به اذ لايعقل التكليف بما لايطاق فجعل للّه سبحانه جميع ما كلف خلقه به في بعض الافراد بالفعل و جعلهم يده الفاعلة في استخراج ما في كيان ساير الافراد الي العيان و لولا ذلك لامتنع خروج القوي بنفسها من المواد مواد الافراد لانها حين كانت فيها تكون معدومة و لايعقل خروج المعدوم بنفسه انت ماكونت نفسك و ماكونك من هو مثلك من المعدومات فلابد في استخراج ما في الكيان الي العيان من مخرج خارجي يكون فيه ما يراد

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 67 *»

استخراجه بالفعل حتي يستخرج ما يريد من الاكوان بفضل ما له بالفعل و هذا حكم حتم محكم و قضاء متحتم مبرم و قاعدة كلية في جميع العالم في جميع الامور لايختص بوقت دون وقت و لا بمكان دون مكان ابد الابد و لاترتفع ابداً و لاتنسخ بمرور الدهور فلابد في كل عصر من بشير من اللّه سبحانه نذير يدعو الي اللّه علي بصيرة متصف بصفات اللّه بالفعل و متخلق باخلاق اللّه ليتصف الخلق بصفاته التي هي بالفعل بصفات اللّه و يتخلقوا بتخلقه باخلاق اللّه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم اللّه و لولا هؤلاء لاندرس آثار النبوة و الولاية و اسرار التوحيد و لصار خلق الخلق بلا فائدة و لساخت الارض باهلها و لم‏يبق الخلق طرفة عين في الدنيا و الاخرة فالاعمال الصادرة عن هؤلاء اعمال جوانية و افعال ذاتية لايحتاجون الي من سواهم لان كل ما يريد اللّه منهم صار فيهم بالفعل فيستمد مراتبهم الدانية من مراتبهم العالية و يمد و يفيض مراتبهم العالية علي مراتبهم الدانية بخلاف ساير الخلق فان فيهم جميع ما اريد منهم بالقوة و لابد في استخراجها من التقرب الي هؤلاء و التوجه اليهم لانهم جاههم و وجه الههم و ظاهره فيهم و لسانه الامر الناهي و سمعه الواعي و عينه الناظرة و يده الباطشة و نفسه النفيسة و ذاته العلية الشريفة و حبله المتين و شرعه المبين و دليله القويم و صراطه المستقيم و نبأه العظيم و آيته الكبري و علامته العظمي موقع الاشارات و موضع الكنايات و محل الخطابات و مرد العبادات@العبارات خ‌ل@ بدر الدجي كهف الوري نور العالم و ظهور اللّه الظاهر بين ظهراني بني‌آدم قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين في وصفه و نعته انتجبه في القدم علي ساير الامم اقامه مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا اللّه الواحد القهّار. انما يتقرب الي العبد بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 68 *»

و ان سألني اعطيته و ان سكت عني ابتدأته من آذي لي ولياً فقد ارصدني([62]) بالمحاربة و دعاني اليها. بالجملة و ليس وراء اللّه منتهي و لا حول و لا قوة الا باللّه فالاعمال الصادرة عن المتمسكين بهؤلاء كلها اعمال امتثالية و افعالهم افعال اكتسابية برانية يحتاجون الي غيرهم في كل حاجة و يستضيئون بغيرهم و يستنيرون بسراجه و هذا القدر من البيان كاف ان شاء اللّه لمن كان له عينان فلنقبض العنان فانه كان للحيطان آذان و السلام علي اهل الكشف و العيان و اللّه هو المستعان.

قال سلمه اللّه تعالي: و الحاديةعشر ما المراد بان افئدة الانبياء: خلقت من جسد فاطمة سلام اللّه عليها و ما المراد بذلك الجسد.

اقول: المراد من جسد فاطمة روحنا لها الفداء و عليها التحية و الثناء جسدها الاصلي لا العرضي و المراد بجسدها الاصلي هو ما انتهي اليه وجودها و ختم عليه شهودها و هي بنفسها واقفة في ادني درجة اهل البيت: و الانبياء: خلقوا من فاضل نورهم و ذلك الفضل لابد و ان‏ينفصل من ادني درجاتهم اذ فضل ساير درجاتهم لايتعدي الي غيرهم و هو مخصوص بانفسهم الشريفة لايلحقه لاحق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع فالفضل الذي يمكن لغيرهم الوصول اليه هو الفضل الخارج عن ذاتيتهم و ذلك الفضل شبح منفصل من الشبح المتصل بهم في ادني درجات وجودهم الذي هو متصل بغيرهم و ذلك المقام مقام جسد فاطمة3 لانه ليس لهم درجة ادني من ذلك فاول ما خلق من بعد خلق ائمتنا: هو فؤاد الانبياء اذ ليس بين المنزلتين ثالث و لاتوجد افئدتهم من جسدها بل توجد من نور جسدها و ذلك النور هو حقيقتهم تجلي جسدها له به و به امتنع عنه فهم: آثار جسد فاطمة روحنا لها الفداء و

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 69 *»

عليها التحية و الثناء و انواره و افئدتهم اول فيض افيض عليهم و ساير مراتبهم من تفاصيل ذلك النور المنفصل و ان اردت مشاهدة ذلك فاعلم ان هذه القاعدة جارية في كل اثر بالنسبة الي مؤثره فالاثر ابداً مخلوق من نور جسد المؤثر و نفس الاثر نور جسد المؤثر و جسد المؤثر ادني درجاته و منتهي مراتبه و لابد من ضرب مثل لك لتكون علي بصيرة في المسألة مكشوفة لك جميع اطرافها فاعلم ان لزيد مراتب عديدة و آخر مراتبه جسده و له شبح متصل به هو مؤثر جميع آثاره من القائم و القاعد و غيرهما من آثاره فاعلي درجات القائم الذي هو اقرب مقاماته لدي المؤثر اي لدي شبحه المتصل هو فؤاده و هو الشبح المنفصل من شبحه المتصل و ليس شبحه المتصل نفسه فؤاد القائم اذ لو كان كذلك لكان ذاتية شبحه المتصل فؤادية القائم و لو كان كذلك لكان اينما يوجد يوجد فؤاد القائم و الحال انه يوجد في القاعد ايضاً و في ساير آثاره و لم‏يوجد فؤاد القائم فيها ففؤاد القائم لايصعد الي نفس شبحه المتصل البتة فهو من نور الشبح المتصل و ذلك النور هو اعلي مقامات القائم و كلما يشتبه عليك المسألة استكشف مشكلاتها من الفكر و النظر في نسبة القائم الذي هو اثر زيد الي جسد زيد الذي هو مؤثره.

قال سلمه اللّه تعالي: الثانية‌عشر ما حقيقة النقباء و النجباء و العلماء. فهذه اثنتاعشرة مسألة بعدد الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين و احسن@فاحسن خ‌ل@ بتعليمها علي الحقيقة و الواقع كما احسن اللّه الكيف بكشفها لك فاني لااقتصر بمجرد الالفاظ و الاصطلاحات و لم‏ار من يشرح تلك المطالب و امثالها علي الحقيقة غير جنابكم و اسأل منك بحق الائمة الاثني‏عشر صلوات اللّه عليهم ان‏تشرح هذه المسائل كما هو المأمول بل يكون علي نحو يفهم منه ما لم‏يذكر مماذكر علي السهولة و ان لاتنساني@لاتنسيني خ‌ل@ من صالح الدعاء ان شاء اللّه تعالي و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 70 *»

اقول: استغفر اللّه ربي مما تزعم في حقي و اسأله خيراً مما تظنه فانه قريب مجيب و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم اما حقيقة النقباء و النجباء و العلماء فشرحها في الفوائد مكشوفة و لايمكن لي بيانها مشروحة خوفاً من فرعون و ملائه ولكني اجمل لك قولاً مجملاً يندرج فيه جميع فضائلهم الظاهرية و الباطنية و هو ان النقباء هم جواهر اوائل العلل و الحكام بالقسط عن عمد منهم و قصد ابواب اللّه المفتوحة و وجوهه المشهودة المعروفة المجهولة و اسماؤه العظيمة و آياته الكريمة بحيث يكون ذو الباب و يمتنع الباب و ذو الوجه و يمتنع الوجه و المسمي لا اسماء و ذو الاية و لا آية و ان اردت الاشارة الي نوع العبارة فاعلم ان كل عالم من العوالم مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب و لايحتاج في نفسه الي شي‏ء لم‏يكن فيه و هو في مقامه آية الحق و علامة الغني المطلق ففيه الفواعل و المفعولات و القوابل و المقبولات و العلل و المعلولات و الاسباب و المسببات و الافعال و المنفعلات و القادرون و المقدورات و الاغنياء و الفقراء و الاقوياء و الضعفاء و الارباب و الرعايا و السادات و الخدام الي غير ذلك من الامور الاضافية كلها فيه كما تري في هذا العالم المشهود و ذلك لانه تعالي احد كامل و خلقه خلق تام كامل:

و في كل شي‏ء له آية   تدل علي انه واحد

فاذا كان الامر كذلك فاعلم ان عالم الانسان ايضاً كذلك تام كامل و كل ما ينبغي له موجود فيه فله محرك يحرك بنفسه و متحركات تتحرك بفضل حركته كما ان العرش محرك في نفسه و ساير المتحركات به تتحرك و المحرك هو علة الحركات و لو لم‏يكن لم‏يتحرك شي‏ء من مقامه و المراد بالحركة هو جميع انحاء الحركات و التغيرات حتي الحركة من العدم الي الوجود فانه لو لم‏يكن محرك خارجي يبقي القوي في المواد و هي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 71 *»

بنفسها لايعقل خروجها لانها بنفسها لم‏تكن فالمحرك للكل هو النقيب الكلي و مقامه مقام العرش في ذلك العالم ليس وراءه خلاء و لا ملاء مطلقاً ثم دونه الكرسي و هو الواسطة الكبري بينه و بين ساير الموجودات ارسله اللّه بشيراً و نذيراً و داعياً الي اللّه باذنه و سراجاً منيراً كلياً فذلك مقام حقيقة النجابة الكلية ثم دون ذلك مقام الشمس شمس ذلك العالم و هي تحكي انوار العرش المنصبغة في بطن الكرسي و هو مقام النقابة الجزئية و هو شأن من شئون تعلق الكرسي بالاداني و لما كان يحكي السراج الذي في بطن الكرسي يسمي بالسراج و في الواقع هو شأن من شئون الكرسي تابع له مستمد منه.

ثم دون ذلك مقام القمر قمر ذلك العالم و مقام النجابة الجزئية و هو يحكي ظاهر الكرسي بوساطة الشمس فلذلك يسمي باسمه و ساير الافلاك ايضاً شئون الشمس ينصبغ نور الشمس في بطونها فيظهر منها انوار مختلفة لاحتياج الخلق المتكثر الي انحاء الاستمدادات فان شئت فسم اهل العرش بالنقباء و اهل الكرسي بالنجباء و اهل ساير الافلاك بالعلماء و ان شئت فسم اهل العرش بالنقباء الكليين و اهل الكرسي بالنجباء الكليين و اهل فلك الشمس بالنقباء الجزئيين و اهل فلك القمر بالنجباء الجزئيين و اهل ساير الافلاك بالعلماء لانهم كلهم شئون تعلقات الشمس و القمر كليهما لانها موادها من الشمس و حياتها من القمر و ان شئت فسم المتعلمين من السموات من اهل الارض بالعلماء ان لم‏يكن مرايا وجودهم منصبغة بالاصباغ الارضية و الاراء العرضية و الاجتهادات المحرفة لانوار السموات و كان دينهم و ديدنهم ما قال آل محمد قلنا و ما دان آل محمد دنا و ما سكتوا: سكتنا كما ان المرآة الصافية المستقيمة الموضوعة تحت الشمس المواجهة لها تقول ان الشمس تقول انا مضيئة انا مدورة انا صفراء و هكذا ولكنها ان كانت عوجاء كدرة تقول ان الشمس تقول انا كدرة انا معوجة و هي

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 72 *»

كذابة مكذبة قد حرفت الرواية و عملت بالدراية فكل ما تقول تقول من نفسها و تحسب انها تحسن صنعاً فكل ما تخبر بها تخبر عن نفسها و ليس لها خبر من السموات العلي و السلام علي من اتبع الهدي هداية السموات و ان شئت ان‏تعرف اوصاف النقباء فاعلم انهم اهل الامر و الحكم و النجباء اهل العلم المطلق و ليس تعلمهم تدريجي تحصيلي بل خلقهم اللّه دراكاً كما خلق البصر دراكاً و الاذن دراكة فلايحتاج البصر في ادراك المبصر الي تعلم جديد يوماً فيوماً بل كلما يواجه شيئاً يبصره و قد تعلم يوم اول كلمة واحدة و هو الابصار المطلق فيبصر في جميع الاحوال من دون تعلم جديد من غيره و اما مثل العلماء مثل العميان يتعلم اللون الاصفر و لايعلم الاحمر و يحتاج الي توصيف جديد فاذا تعلم ذلك لايعلم وصف الخضرة فيحتاج الي تعليم جديد و هكذا يتعلم مادام حياً و يحتاج في كل الاحوال و هو جاهل في التحقيق عن حقيقة الحال و ليس في ذهنه و خياله معني الصفرة و الحمرة و الخضرة ابداً و انما يوصف اوصافها توفيقاً و تقليداً فان كان توصيفه مطابقاً لما سمع من العليم البصير يكون علي سلامة في التوصيف و لايكذبه البصير فانه بنفسه علمه التوصيف و ان رأي و اجتهد و قاس و تعدي من الاوصاف المسموعة فقد هوي و هلك لانه ليس له مدرك يدرك به.

قال سلمه اللّه تعالي: و ازيد علي هذه المسائل بسؤال مسألتين اخريين@اخروين خ‌ل@ ليتم السبع المثاني. الاولي ما حقائق الاراضي السبع علي نحو كمال الوضوح و وجه وضع كل ارض في مقابلة السماء المخصوصة دون السماء الاخري.الثانية ما طرق التفكر في حل هذه المسائل و ما سبيله علي نحو مشيتم فيه و السلام.

اقول: هذا آخر مسائله سلمه اللّه تعالي و مراده بالسبع المثاني محض تطابق عدد مسائله فكأنه ذكر ذلك تيمناً و اما الجواب عن المسألة الاولي فقد مر

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 73 *»

ذكرها في المسألة الخامسة فراجع فتدبر تجد كل ما تحتاج فيها و ليس لي فراغ تكريرها و تفصيلها ولكني اوردت لک هناك مجملاً يغنيك عن كثير من التفاصيل ان شاء اللّه و اما طريق التفكر في المسائل الحكمية الالهية([63]) فاسع اولاً ان لايكون غرضك في التفكر الدنيا الفانية و لاتجعل غاية همك ما لم‏يجعله اللّه له فان هموم الناس في تحصيلهم تحصيل الدنيا فان حصلت لهم من غير هذا المسلك يتركونه و يدورون مدار حصول الدنيا فلاتكن منهم فان العمر اعز و اشرف من ان‏يضيع في تحصيلها و المؤمن المعتقد بان وراء هذه الدار داراً يكون ذلك منه عن بصيرة و يقين من غير ذكر لفظ تقليداً و علم انها دار قرار ان اطاع اللّه سبحانه فيما امر يصل الي نعيم بلا زوال و ان عصاه يقع في نار غضبه دائماً و علم بالعلم اليقيني من غير تقليد انه ان وقع في الجحيم لايمكنه التخلص منها مادام ملك اللّه و ليس له([64]) منتهي فواللّه لايقدر علي الصبر و الاكتفاء بحصول الدنيا و لايملك نفسه في تسكينها علي طلب الدنيا و ترك الاخرة و كل من ترك الاخرة و آثر الدنيا عليها فواللّه ليس ذلك الا لاجل عدم اليقين بها و مع اليقين لايمكن السكون في طلب الدنيا و الركون الي ما فيها و العاقل المتدين لايؤثر الدنيا الفانية علي الاخرة الباقية و هو يري ليلاً و نهاراً زوال نعيمها و يري ان نعيمها عذاب لانها اما اكل و شرب و نكاح او رياسة ايام عديدة علي رؤس العوام كالانعام فيري ان غاية اكله غائط و غاية شربه بول و غاية نكاحه مني و هل للغائط و البول و المني لذة و هل يلتذ منها الا غافل او جاهل و غاية الرياسة ليست الا الجلوس في صدر المجلس و الدخول فيه و الخروج منه قبل القوم و تقبيل بعض الحمير يديك و توصيفهم عليك و غير ذلك مما شاع و ذاع حتي صار هذه المنكرات معروفاً

 

 

«* الرسائل جلد 3 صفحه 74 *»

في جميع الاصقاع و من مشي علي خلاف ذلك عد من السفهاء او الجاهلين نعوذ باللّه و هل في ذلك كله ان حصل ترق في نفسك او زيادة في ايمانك و انت مرتحل عن قريب من هذه الدار الي دار القرار و ليس فيها حمير يرأسونك@يترأسوک خ‌ل@ فيها ملائكة غلاظ شداد لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون. فاجعل همك في تحصيلك الفهم و العمل بما فهمت و ان لم‏تجعل همك كذلك فو اللّه جهلك خير لك من علمك و قعودك خير من تحصيلك فلاتتعب نفسك و استرح في فراغ البال و رفاهة الحال و لا حول و لا قوة الا باللّه المتعال و اسأله العفو عن جميع ما علم و ان لايجعل ما قلت حجة علي في المآل بحرمة([65]) محمد و آله الطيبين الطاهرين و شيعتهم المنتجبين و بعد خلوص نيتك فاسع في المسائل الحكمية في تحصيل الكليات فان الجزئيات غير متناهية و معرفة جزئي‌ما لايغنيك عن جزئي آخر و ليس لك في تحصيله الا نفسه و لاتقدر علي تحصيل كلها مع انها لا نهاية لها و انت متناه و اما القاعدة الكلية المطابقة للكتاب و السنة و العقل ان حصلتها حصلت لك الجزئيات التي تحتها و ان كانت غير متناهية و بهذه القواعد الكلية طار و ارتفع في العلم من طار في اخصر وقت و بجهلها وقع من وقع و لو حصل في عمره. و قد حصل الفراغ من تحريرها اول الشهر الربيع الاول من شهور سنة «1279» تسع و سبعين بعد المأتين و الالف في قرية منحوسة ليس فيها احد من الرفقاء و انا مرتحل عن قريب منها ان شاء اللّه و الحمد للّه اولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين و شيعتهم المنتجبين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين و التمس من المؤمنين الرفقاء دعاء يكون ذخيرتي ليوم معادي ان شاء اللّه تعالي.

 

 

([1])  اجوبة مسائل الفاضل المرحوم الشيخ المفيد احد تلامذة المصنف­.

[2] ليعرفوني. خ‌ل

([3]) تعالي شأنه. خ‌ل

([4]) لنظمها. خ‌ل

([5]) اقتراناتها. خ‌ل

([6]) دون ذلك. خ‌ل

([7]) ارصدني. خ‌ل

([8]) صلوات اللّه عليهم. خ‌ل

([9]) النفوس. خ‌ل

([10]) ظهور. خ‌ل

([11]) جزؤه. خ‌ل

([12])  جزؤه. خ‌ل

([13]) مطوية. خ‌ل

([14]) البنطاسيا. خ‌ل

([15])  بيان. خ‌ل

([16]) قال7 و انبعاثها من الكبد لانه اراد شرح النباتية التي في الانسان لا مطلق النبات و لا شك ان محل الروح الطبيعي هو الكبد. منه اعلي اللّه مقامه.

([17]) بساط البدن. خ‌ل

([18]) يبسط. خ‌ل

([19]) بساير. خ‌ل

([20]) ذلك. خ‌ل

([21]) القدم. خ‌ل

([22]) هذا. خ‌ل

([23]) مخلوقاتك. خ‌ل

([24]) غلبت. خ‌ل

([25]) كلا. خ‌ل

([26]) اقترابك. خ‌ل

([27]) لها. خ‌ل

([28]) لها. خ‌ل

([29]) الدقيق للخفي. خ‌ل

([30]) عن. خ‌ل

([31]) المؤخر. خ‌ل

([32]) هو. خ‌ل

([33]) الوصول. خ‌ل

([34]) افراده. خ‌ل

([35]) في انفسها. خ‌ل

([36]) اظهر منه منه. خ‌ل

([37]) من. خ‌ل

([38]) جوانبه. خ‌ل

([39]) بالشهاب. خ‌ل

([40]) الدواء. خ‌ل

([41]) الدعاء. خ‌ل

([42]) عليهم السلام. خ‌ل

([43])  فما لم‏تكن. خ‌ل

([44])  بواسطة. خ‌ل

([45]) بواسطة. خ‌ل

([46]) تستشرق. خ‌ل

([47])  الافعال. خ‌ل

([48]) التيسير. خ‌ل

([49]) لايتحمل. خ‌ل

([50]) كل طينة. خ‌ل

([51]) الاجزاء. خ‌ل

([52]) لوجه اللّه. خ‌ل

([53]) في الارواح. خ‌ل

([54]) النفس. خ‌ل

([55]) دهرياً. خ‌ل

([56]) الارض المثالية. خ‌ل

([57]) سبحانه و تعالي. خ‌ل

([58]) تجمع. خ‌ل

([59]) فتجمع. خ‌ل

([60]) لايقوم. خ‌ل

([61]) فيها. خ‌ل

([62]) بارزني. خ‌ل

([63]) العالية. خ‌ل

([64]) لها. خ‌ل

([65]) بحق. خ‌ل