02-03 الرسائل المجلد الثانی – رسالة في شرح حديث المفضل و بيان اقسام الحجب ـ مقابله

الرسالة الثالثة

 

 

شرح

حديث المفضل;

و بيان اقسام الحجب

 

 

فهرس الرسالة الثالثة

شرح حديث المفضل عليه الرحمة و بيان اقسام الحجب

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

السؤال الاول: شرح الحديث المروي عن المفضل;

مصباح: شرح قول المفضل: قلت لمولانا7 الصادق الوعد منه الي الرحمة و قد خلوت به فوجدت منه فرصة اتمناها

مصباح: شرح قوله1: اسألک يا مولاي عماجري في خاطري من ظهور المعني لخلقه بصورة مرئية فهل الذات تتصور او تتجزي او تتبعض او تتحول عن کيانها او تتوهم في العقول بحرکة او سکون و کيف ظهور الغيب الممتزج بخلق ضعيف و کيف يطيق المخلوق النظر الي الخالق مع ضعف المخلوق

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي الالباب

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل علمنا صعب مستصعب و سرنا وعر بعيد علي اللسان ان يترجم عنه الا تلويحا و مايعرف شيعتنا بحسب درايتهم لنا و معرفتهم بنا و سحقاً لمن يروي ما لايدري و يعتقد ما لايتصرف في عقل و لاينضج في لب و ذلک ايمان اللسان و وعر الحواس و الحجة فيه علي صاحبه و ذلک ان القرآن نزل علي اياک اعني واسمعي يا جارة فاستمع لما يوحي اليک و انظر بعين عقلک و انصب بنور لبک و اسمع و ع فقد سألت عن بيان عظيم و حق يقين و سالقي منه سؤالا ثقيلا و هو الذي ضل في معرفته اکثر الخلق کثيرا الا من رحم ربک انه هو الغفور الرحيم و ما انبأ به الباقر7 الجابر من الوعر الاوعر الذي خفي عن العالم الا عن صفوة المخلصين و البلغاء المستحفظين الذي اخلصوا و اختصوا و شهدوا الحق بما عملوا و صدقوا بما عاينوا کماذکر في التنزيل قول السيد الامين و شهدوا بالحق و هم يعلمون انه الحق

مصباح: شرح قوله7: و الامر يا مفضل لطيف و سر هذا العلم غامض و اعلم ان الذات تجل عن الاسماء و الصفات غيب ممتنع لايمتنع عنه بالحق سر مستسر باطن و لايستر عنه خفي لطيف و لاشيء اعظم منه موصوف باتصافه له مشهور بآياته معروف بظهوراته کان قبل القبل و قبل ان يحيث الحيث بحيث لاحيث غيره و قبل المکان اذ لامکان الا ما کونه و هو الي ما لانهاية له لايحول عن حال و لاينتقل عن کيانه عماکان منه من کيانه و لايفتقر الي شيء فيستعين به و لاينتسب الي غيره فيعرف به بل هو حيث هو و حيث کان فلم‌يکن الا هو

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل ان الظهور تمام البطون و البطون تمام الظهور و القدرة والعزة (و القوة ظ) تمام الفعل و متي لم‌تکن کليات الحکمة تامة في بطونها تامة في ظهورها کانت الحکمة ناقصة من الحکيم و ان کان قادراً

مصباح: شرح قول المفضل: قلت زدني يا مولاي شرحاً يحيي به من قرب و تقرب من مشي بنورک و عرفک حقيقة المعرفة

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل ان ظهور الازل بين خلقه عجيب لايعلم ذلک الا عالم خبير و ان الذات لايقال لها نور لانها منيرة کل نور فلماشاء من غير فکر و لا هم اظهار المشية و خلق المشية للشيء و هما الميم و الشين فاشرق من نور ذاته نور شعشعاني لاثبت له الانوار غير بائن عنه فاظهر النور الضياء لمن تبين منه و اظهر الضياء ظلا فاقام صورة الوجود بنفسي الضياء و الظل و جعل النور باطنه و الذات منه مبدأها و کذلک الاسم غير متحد بنور بارئ خلقه بخلقه فاذا بطن ففي ذاته و غيبه و الذي ليس شيء کهو الا هو فتعالي الله العظيم

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل فقد سألت عن المشية کيف ابداها منشئها فافهم ما انا ذاکر لک يا مفضل فقد سألت عن امر عظيم ان مولاک القديم الازل تعالي ذکره يبدئ مشيته لم‌يزل بها عالما و کانت تلک الارادة من غير همة و لا حدوث فکرة و لا انتقال من سکون الي حرکة و لا من حرکة الي سکون لان القدرة طباعه و ذلک انه يظهر المشية التي هي اسمه و دل بها علي ذاته لا لحاجة منه اليه و لا غيب به فلما بدت بطبع الحکمة عند ارادته يکون الاسم والعلم بان الحکمة اظهار ما في الکيان الي العيان و لو لم‌يظهر ما علمه من غامض علمه الي وجود معاينة بعضها لبعض لکان ناقصا و الحکمة غير تامة لان تمام القوة الفعل و تمام العلم المعلوم و تمام الکون المکون

مصباح: شرح قوله7: فافتح يا مفضل قلبک لکلام امامک و اعلم ان النور لم‌يکن باطناً في الذات و ظهر منه و لا ظاهراً منه فبطن فيه بل النور من الذات بلاتبعيض و غائب في غيبه بلااستتار و مشرق منه بلاانفصال کالشعاع من القرص و النور من الشعاع لمولاک

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل اخترع الاسم الاعظم و المشية التي انشأت الاشياء و لم‌يکن للنور عند اختراعه الاسم زيادة و لا نقصان و الاسم من نور الذات بلاتبعيض و ظاهره بلاتجزي يدعو الي مولاه و يشير الي معناه و ذلک عند تغير کل ملة لاثبات الحجة و اظهار الدعوة و ليثبت علي المقر اقراره و يرد علي الجاحد انکاره فان غاب المولي عن ابصار خلقه فهم المحجوبون بالغيبة ممتحنون بالصورة

مصباح: شرح قوله7: التي ظهر بها الاسم ضياء نوره و ظل ضيائه الذي تشخص به للخلق لينظروه و دلهم علي بارئه ليعرفوه بالصورة التي هي صفة النفس و النفس صفة الذوات و الاسم مخترع من نفس الذات ذلک سمي نفساً و لاجل ذلک قوله تعالي و يحذرکم الله نفسه و انما حذرکم ان تجعلوا الميم مصنوعاً و الا لکان الذات محدثاً مصنوعاً و هذا هو الکفر الصراح

مصباح: شرح قوله7: و اعلم يا مفضل انه ليس بين الاحد و الواحد الا کما بين الحرکة و السکون او بين الکاف و النون لاتصاله بنور الذات قائمة بذاتها و هو قوله تعالي الم‌تر الي ربک کيف مد الظل و لو شاء لجعله ساکنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً يعني ما کان فيه من الذات فالصورة الانزعية هي الضياء و الظل و هي التي لاتتغير في قديم الدهور و لا فيما يحدث من الازمان فظاهره صورة الانزعية و باطنه المعنوية و تلک الصورة هيولي الهيولات و فاعلة المفعولات و اس الحرکات و علة کل علة لا بعدها سر و لايعلم ما هي الا هو

مصباح: شرح قوله7: و يجب ان يعلم يا مفضل ان الصورة الانزعية التي قالت ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرک ليست کلية الباري و لا الباري سواها و هي هو اثباتاً و ايجاداً و عياناً و يقيناً لا هي هو کلاً و لا جمعاً و لا احصاء و لا احاطة

مصباح: شرح قوله7@: قلت يا مولاي زدني شرحاً فقد علمت من فضلک و نعمک ما قصر عن صفة قال7 يا مفضل سل عما احببت قلت يا مولاي تلک الصورة التي رأيت علي المنابر تدعو من ذاتها الي ذاتها بالمعنوية و تصرح باللاهوتية قلت لي انها ليست کلية الباري و لا الباري سواها فکيف يعلم حقيقة هذا القول قال7 يا مفضل تلک بيوت النور و قمص الظهور و السن العبارة و معدن الاشارة حجبک بها عنه و ذلک منها اليه لا هي هو و لا هو غيرها محتجب بالنور ظاهر بالتجلي کل يراه بحسب معرفته و ينال علي مقدار طاعته فمنهم من يراه قريباً و منهم من يراه بعيداً

مصباح: شرح قوله1@: يا مفضل ان الصورة نور منير و قدرة قدير و ظهور مولاک رحمة لمن آمن به واقر و عذاب لمن جحد و انکر ليس وراه غاية و لا له نهاية

مصباح: شرح قوله1: قلت يا مولاي فالواحد الذي هو محمد فقال7 هو الواحد سمي و محمد اذا وصف

مصباح: شرح قوله1: قلت يا مولاي فعلي م بائن عن المعني وصف اسمه فقال7 الم‌تسمع الي قوله ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرک

مصباح: شرح قوله1@: فما باطن الميم فقال7 نور الذات و هو اول الکون و مبدع الخلق و مکون لکل مخلوق و متصل بالنور منفصل لمشاهدة الظهور ان بعد فقريب و ان ناي فمجيب فهو الواحد الذي ابداه الاحد من نوره و الاحد لايدخل في عدد فالواحد اصل الاعداد و اليه عودها و هو المکنون

مصباح: شرح قوله1: قلت يا مولاي يقول السيد الميم انا مدينة العلم و علي بابها فقال7 يا مفضل انما عني تسلسل نور الذي سلسل من نوره فمعني قوله7 و علي بابها يعني انه هو اعلي المراتب و باب لهم و منه يدخلون الي المدينة و علم العلم و هو المترجم بما يمده سيده من علم الملکوت و جلال اللاهوت

مصباح: شرح قوله1: فقلت يا مولاي يقول السيد الميم انا و علي کهاتين لاادري يميناً و لا شمالاً فاقرن بين سبابتيه

مصباح: شرح قوله7: اما سمعت قوله تعالي يريدون ان يفرقوا بين الله و رسله و قوله و يقطعون ما امر الله به ان يوصل و ايمائهما للعارفين ان يقال ان بينه و بين بارئه واسطة فلاجل هذا قال انا و علي کهاتين لانه بدء الاسماء و اول من يسمي فمن عرف الاشارة استغني عن العبارة و من عرف مواقع الصفة فقد بلغ القرار من المعرفة

مصباح: شرح قوله7: الم‌تسمع الي اشارات الاسم الي مولاه تصريحاً بغير تلويح حيث يقول انک کاشف الهم عني انت مفرج کربتي انت قاضي ديني انت منجز وعدي يکشف عن اسمه الظاهر بين خلقه فيقول انت علي اشارة منه الي مولاي فکانت الاشارة الي بابه انا مدينة العلم و علي بابها فمن اراد المدينة فليقصد الباب

مصباح: شرح قوله7: يا مفضل ان القديم هو هو بلاکيف لما شاء ان يظهر حجبات ذاته اخترع نوراً من نوره لا بائنا عنه

السؤال الثاني: شرح اقسام الحجب التي افادها الشيخ الاوحد­ في رسالته التي کتبها لميرزا جعفر بن الميرزا احمد المشتهر بالنواب

النوع الاول: حجب الاعراض

النوع الثاني: الحجب الجسمانية

النوع الثالث: الحجب المثالية

النوع الرابع: الحجب الهيولانية

النوع الخامس: الحجب الطبيعية

النوع السادس: الحجب النفسانية

النوع السابع: الحجب الروحانية

النوع الثامن: الحجب العقلانية

التاسع: حجاب النفس اي الحقيقة المحمدية9

حجاب المشية

الکشف العلمي و الکشف العياني

علامة الکشف الحق

نقل الحديث المذکور مسنداً من کتاب مخطوط

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 242 *»

 

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام علي خاتم النبيين و علي عترته الطاهرين و علي شيعتهم المخلصين الي يوم الدين.

اما بعد فان هذا الفقير الي اللّه الوحيد بهاء الدين محمد بن محمد سعيد اللاهيجي يرجو ان‏يكون ان شاء اللّه من الحزب الذين استيقظوا من رقدة الغفلات و تجنبوا عن دواعي الشهوات فاستجلبوا ضياء العلم و المعرفة و استنفروا عن الركون في ظلم الجهالة و السفه حتي اشتمل عليهم عناية اللّه الكريم و حاق بهم لطفه العميم فعرفوا حجة زمانهم و ناطق عصرهم و برهانهم و استضاؤا@فاستضاؤا خ‌ل@ بنور معرفتهم@معرفته خ‌ل@ و استبصروا بآياته و دلالاته فالحمد للّه الذي جعلني من محبي هذه السلسلة العلية و تابعي هذه الفرقة الناجية الزكية و بالجملة مازلت ابتهل الي اللّه تعالي ان‏يمن علي من جزيل نعمائه بأن‏يوصلني الي روضة من رياضه و ان‏يوردني الي منهل من بحوره و حياضه حتي ارتع من بدائع الخضر و الثمار و اتجرع من رحيق العلوم و الاسرار لكن الدهر الخوان لم‏يدع احداً الا و قد ملأ قصعته من نوائبه و اذاقه طعم غصصه و مكائده و مع ذلك كله ارجو من الكريم الذي لاينهر السائل و لايخيب الراجي الامل جل جلاله و عم افضاله ان‏يتيسر لي عن قريب ان شاء اللّه ورود ذلك المنهل الروي و الروض البهي المغنم الرابح@الرايح خ‌ل@ و الطيب الفائح العلم الباهر و الدر الفاخر و البحر الزاخر و الغيم الهامر

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 243 *»

الذي حق علي من اناخ ببابه و لاذ بجنابه ان‏يفتخر علي الغائب و الحاضر مولانا العليم و سيدنا الكليم اطال اللّه بقاءه و رزقني زيارته و لقاءه و ادحض عن وجه البسيطة اعداءه فيا مولانا و سيدنا و محيي نفوسنا و ان كان قد ابعدني الزمان عن التشرف بخدمتكم و التكرم بملازمتكم و حضرتكم لكن عوائد افاداتكم و فرائد افاضاتكم لم‏تزل تكشف عن قلوبنا الاغشية و تسكن اضطراب نفوسنا اضطراب الارشية فكنا نستبصر من لطائف اشاراتكم و نستنير من عذوبة عباراتكم الي ان استقر دواعي محبيكم([1]) و اجتمع عزائم مشتاقيكم ان‏نسأل من كريم بابكم شرح الحديث المفصل@المعضل خ‌ل@ لمولانا الصادق7 المروي عن المفضل بن عمر الجعفي; و سبب ذلك انا قد كتبنا ذلك الحديث الشريف قبل بسنتين او اكثر و انفذنا المكتوب الي حضوركم و استدعينا منكم ان‏تكشف منه الحجاب و تذلل لنا الصعاب فلم‏يظهر لنا منذ اثر من الوصول بل و لم‏يبرز بعد ذلك شي‏ء من الرسول فها قد كتبنا ذلك ثانياً و نلتمس و نستدعي منكم عاجلاً ان‏تشرح لمحبيكم ذلك الحديث الشريف لعلنا نحظ الاوفر من البيان المنيف و لو بسطتم في ذلك المقال و ازلتم منه الغوامض و جل الاشكال فقد بلغتمونا الي نهاية المقصود و غاية الامال اذ الكريم من لايبذل الا اضعاف السؤال و من اللّه التوفيق في المبدأ و المآل و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته.

اقول بوساطة آل الرسول عليهم الصلوة و السلام من اللّه تبارك و تعالي كما هو اهله ان‏يصلي عليهم و يسلم ان السبب في التعويق و التسويف لشرح ذلك الحديث الشريف الصعب المستصعب الذي لايحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن ممتحن عموم الظلام من الفراعنة اللئام المنكرين لفضائلهم الظاهرة للعوام من الخاصة و العامة فضلا عما استجن في صدور العلماء الاعلام و ليس ذلك لاجل الامتناع عن المبادرة الي الامتثال و لكني

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 244 *»

اري حال اهل الزمان لاتتغير الا زيادة في الطغيان في كل مكان و الانتظار يوجب حرمان اهل الايمان و ان قلوا و لاسيما مثل ذلك الجناب و لاسيما بعد الالحاح في طلب الفلاح و ايراء المصباح و اطفاء السراج لايضاح الصباح و علي اللّه قصد السبيل و اقامة الدليل و منها جائر و لو شاء لهداكم اجمعين و له المنة في الجذب لصفة التوحيد و لا حجة لاحد في الامتناع عن السلوك في السبيل حسبنا اللّه و نعم الوكيل نعم المولي و نعم النصير فاعنون لكل فقرة من فقرات ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه مصباحاً يستضاء به بحيث لايبقي مجال شك يعتريه.

مصباح

عن المفضل بن عمر الجعفي قال: قلت لمولانا7 الصادق الوعد منه الي الرحمة و قد خلوت به فوجدت منه فرصة اتمناها.

اعلم ايدك اللّه تعالي اولاً ان مضامين هذا الحديث الشريف من اولها الي آخرها مع اشاراتها اللطيفة كلها مطابقة للكتاب المستجمع علي تأويله و السنة المستجمع@المستجمعة خ‌ل@ علي تأويلها بحيث لايبقي للعارف فيها شك و ارتياب انها حق حقيق لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد كما ستعرف ان شاء اللّه تعالي في خلال البيان بأوضح التبيان فلاتحتاج في تصحيحه الي كتب الرجال المستحدثة و قد امرونا: في تصحيح الاخبار بالعرض علي الكتاب و السنة و قد صحح المتقدمون منا بذلك المعرض و لما يكتب كتاب في علم الرجال كما هو معلوم لدي اللبيب القريب من الحبيب و قد رآه قريباً و ان رأي القريب@الغريب خ‌ل@ بعيداً ضعيفاً لضعف عارض هو معروضه. بالجملة و لي نسخ عديدة تجتمع عندي و الحمد للّه و قد وجدت فيها اختلافاً قليلا في بعض كلماتها محمولا علي غلط الكتاب فاورد ما هو الموافق للصواب ان شاء اللّه تعالي.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 245 *»

و يظهر من قوله قدس سره الصادق الوعد منه الي الرحمة انه صدر منه7 اليه وعد الرحمة قبل ذلك و قد كان قدس سره مترقباً في انجازه منتظراً للفرصة متمنياً لها احياناً فوجدها و الحمد للّه حين ما وجدها في مجلس الانس الخالي عن الاغيار فسأله عما جري في خاطره من غبار الاشكال فاستنار من فيضانه الانوار بوعده السابق الذي هو جذبه اليه بكشف الاستار و محو الموهوم و صحو المعلوم كما افاض ابوه7 علي الجابر الجعفي و جده7 علي كميل بن زياد من قبل حين اردفه علي ناقته و قد اودع ذلك كل نبي و وصي في مستوده الممتحن قلبه للايمان به و عقده عليه ان هذا لفي الصحف الاولي صحف ابراهيم و موسي.

مصباح

قال قدس سره اسألك يا مولاي عما جري في خاطري من ظهور المعني لخلقه@معني الخلقة خ‌ل@ بصورة مرئية فهل الذات تتصور او تتجزي او تتبعض او تتحول عن كيانها او تتوهم في العقول بحركة او سكون و كيف ظهور الغيب الممتزج بخلق ضعيف و كيف يطيق المخلوق النظر الي الخالق مع ضعف المخلوق.

اقول اراد قدس سره من ظهور المعني ظهور الذات بقرينة قوله فهل الذات تتصور الي آخر قوله. و وجه اشكاله و ان كان خفياً علي عموم الناس و لكنه ظاهر للمقتبسين من المقباس لان مشاعر الخلق كلها محدودة و المحدود لايدرك الا محدوداً كما روي عن اهل العصمة و معدن الحكمة: انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها اماتري العين تدرك الالوان و الاضواء و هي لاتدرك الاصوات و سائر المحسوسات و السمع يدرك الاصوات و لايدرك غيرها و هكذا المشمومات و المذوقات و الملموسات بالنسبة الي سائر المشاعر و الحواس الظاهرة فالمشاعر الخمسة محدودة و المحسوسات الخمس ايضاً محدودة و الذات غير محدودة فلاتدرك

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 246 *»

بالمشاعر المحدودة فاللّه سبحانه ليس بلون و لا ضوء و لا صوت و لا رائحة و لا طعم و لا حر و لا برد و لا رطب و لا يابس و لا ملاسة و لا خشونة و لا خفة و لا ثقل و لا امثال ذلك فلايدرك سبحانه بشي‏ء من الاخماس و كذلك المشاعر المثالية محدودة كالمشاعر الظاهرة فالخيال يدرك التصورات الصورية و الفكر يدرك التصديقات التي هي اتصال الصور@الصورة خ‌ل@ المثالية بالمواد و انفصالها عنها في الايجاب و السلب و الواهمة تدرك المعاني المقترنة بالمواد كالمحبة و العداوة و امثالهما و الحافظة تحفظ تلك التصورات او التصديقات او التوهمات و العالمة تدرك العلوم المجردة و العاقلة تدرك المعاني المجردة و اللّه سبحانه ليس بصورة و لا معني و لا بمتصل بشي‏ء و لا منفصل عن شي‏ء و لا بمقترن بشي‏ء و لا بمجرد عن شي‏ء حتي يدرك بشي‏ء من هذه المشاعر كالمشاعر الظاهرة حرفاً بحرف اذ كل ما دل من الدليل علي سد سبيل المشاعر الظاهرة اليه سبحانه دل علي سد سبيل المشاعر الباطنة اليه سبحانه و كذلك النفوس تدرك المجردات الملكوتية([2]) و تطمئن عندها و ان اضطربت فيها العقول و العقول تدرك المعاني الجبروتية الكلية و تيقنت بها و اللّه سبحانه ليس بملكوتي و لا جبروتي حتي يدرك بالنفوس و العقول اذ كل جبروتي وعاؤه الجبروت محدود به كما ان كل ملكوتي وعاؤه الملكوت محدود به كما يكون كل ملكي وعاؤه الملك محدود به و ليست الذات محدودة بحد و لا وقت و لا مكان و لا بمقام و مرتبة من المراتب كائنة ما كانت بالغة ما بلغت من الدرة الي الذرة بل من الامر الي الخلق اذ كل شي‏ء من الاشياء وقع في مرتبة من المراتب و كانت تلك المرتبة مكان وقوعه و لايدرك ماوراء مبدئه و هو سبحانه فوق المبدأ و المنتهي و النهاية و الحد فالطريق اليه مسدود و الطلب مردود كما ورد في خطبة اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين.

فاذا كان الامر كذلك و هو كذلك بل فوق ذلك فان من عرفه غيره

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 247 *»

فهو محدود بل كل من وجد غيره فهو محدود و اللّه سبحانه ليس بمحدود و منتهي الحظ ما تزود منه اللحظ و المحدودات كلها لاتدرك الا محدوداً فعلي هذا يتراءي اليأس من المخلوق عن درك الخالق فهل يكون التوحيد مرتفعاً عن المخلوق فبم جاء الانبياء و المرسلون: و دعوا المخلوق الي بارئهم فجاء الاشكال و ضاق المجال بين ذين لدي من لم‏يستقر بين البين بالعادات و سائر المونسات التي ليست الا غروراً فهل يكفي التلفظ باللسان من غير عقد في الجنان و الايمان هو الاعتقاد في الجنان و العمل بالاركان و التكلم باللسان من عمل الاركان و هو من غير قصد في الجنان باطل عاطل لدي كل من انتحل بالاديان فتحير في هذا الميدان اللبيب الطالب للحبيب الذي لايقنع بالتقليد من غير تحقيق الحق الحقيق فهل الذات تتصور فتدرك بالمشاعر الظاهرة او الباطنة او تتجزي او تتبعض او تنقسم في اوهام المكلفين او تتحول من كيانها الي الخلق الضعيف او تمتزج به و قد جاءت الرسل تتري بالمعجزات و البيانات الواضحات و الابلاغ و الايضاح بما لا مزيد عليه لنفي هذه التوهمات الكاسدة و جحد هذه الخيالات الفاسدة فكيف المخلص للمخلصين و اين المفر للسالكين السائرين الذي ماجاء نبي و لا وصي نبي الا لاجل خلاصهم لما وجدوا متاع خلوصهم عندهم كما سأل سلمان و ابوذر و كميل بن زياد و امثالهم اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين كما وردت به الروايات مثل حديث النورانية و حديث كميل و كما سأل عنه الجابر الباقر7 و المفضل الصادق7 فأجابوهم و استجابوا لهم رحمة منهم عليهم صلوات اللّه عليهم كما يأتي ان شاء اللّه تعالي فترقب فانك ان كنت من اهل الاجابة اجيبت لك فانه قريب مجيب و بالاجابة جدير و لاينبئك مثل خبير.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 248 *»

مصباح

فقال7: يا مفضل ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي الالباب.

بأبي انتم و امي و نفسي و اهلي و مالي و اسرتي من ناطقين صادقين الوعد سابقين مبتدئين بالاحسان محسنين منجزين صلوات اللّه عليكم و علي ارواحكم و علي اجسادكم و علي اجسامكم و رحمة اللّه و بركاته فقد بين في هذه الاية بالتلويح الذي هو التصريح لاولي الالباب الواقفين علي الباب من غير حجاب كمال التبيين اشارة الي قوله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق أولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد. الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط و قد بدأ بقوله تعالي بالتصريح من غيرتلويح بأنه7 تكلم باللّه ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و لم‏يقرأ قوله تعالي سنريهم آياتنا الي آخرها لازالة ريبة لعل يفهمها السائل ان آياته تعالي غير نفس خلق السموات و الارض كالروح في الجسد فقرأ7 ان في خلق السموات و الارض الي آخرها ليعلم ان ظواهرها و بواطنها آيات لاولي الالباب فانها تجل من اللّه تعالي له بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فلم‏يبق7 باقية الا انه بينها في تلك الاية عرفها من عرفها و جهلها من جهلها و يأتي ان شاء اللّه بيان لذلك فيما بعد فترقب فانه قريب.

مصباح

قال7: يا مفضل علمنا صعب مستصعب و سرنا وعر بعيد علي اللسان([3]) ان‏يترجم عنه الا تلويحاً و ما يعرف شيعتنا بحسب درايتهم لنا و معرفتهم بنا و سحقاً لمن يروي ما لايدري و يعتقد ما لايتصرف في عقل و

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 249 *»

 لاينتضج في لب و ذلك ايمان اللسان و وعر الحواس و الحجة فيه علي صاحبه و ذلك ان القرآن نزل علي اياك اعني و اسمعي يا جارة فاستمع لما يوحي اليك و انظر بعين عقلك و انصب بنور لبك و اسمع و ع@اعي خ‌ل@ فقد سألت عن بيان عظيم و حق يقين و سالقي منه سؤالا ثقيلا و هو الذي ضل في معرفته اكثر الخلق كثيراً الا من رحم ربك انه هو الغفور الرحيم و ما انبأ به الباقر7 الجابر من الوعر الاوعر الذي خفي عن العالم الا عن صفوة المخلصين([4]) و البلغاء المستحفظين الذي اخلصوا و اختصوا و شهدوا الحق بما عملوا([5]) و صدقوا بما عاينوا كما ذكر في التنزيل قول السيد@سيد خ‌ل@ الامين و شهدوا بالحق و هم يعلمون انه الحق.

اقول الامر الصعب هو العسير([6]) و الامر المستصعب هو الذي وجدته صعباً و الوعر و الاوعر ضد السهل فعلمهم: و امرهم و حديثهم صعب مستصعب و وعر اوعر علي جميع اهل الباطل كائنين ما كانوا بالغين ما بلغوا لان علمهم و امرهم و حديثهم و سرهم نور و نور علي نور يقذفه اللّه في قلب من يحب و هم محبوهم: و اما غيرهم فأولياؤهم الطاغوت و لايحبهم اللّه ابداً كما قال تعالي اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور اي من ظلمات الجهل و الوهم و الشك و الظن و التخمين الي نور العلم و المعرفة و اليقين و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون فغير محبيهم غير محبوبين للّه تبارك و تعالي و انما مثل علومهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و انما يخشي اللّه من عباده العلماء و ليس لمن لم‏يخش اللّه علم و ان اغتر المغترون بوجود العلم عند غير محبيهم

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 250 *»

:. أماتري ان العلم غير العين و اللام و الميم بل هو معني مجرد عن هذه الحروف و يمكن ان‏يعبر عنه بحروف اخري من اي لغة من اللغات فتذكر ان ما عند غير اهل الحق هو العين و اللام و الميم فلم‏يعلموا من الكتاب و السنة الا رسمهما اي حروفهما و لم‏يعلموا حرفاً واحداً من المعاني المرادة للّه تبارك و تعالي كما روي انهم لايعلمون حرفاً من القرآن كما هو صريح القرآن و اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لايؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنة ان‏يفقهوه و في آذانهم وقراً فما وجد عندهم فهو الذي اشار اليه الصادق المصدق7 بعيد عن اللسان ان‏يترجم عنه الا تلويحاً و ما يعرف شيعتهم من ذلك التلويح بحسب درايتهم و معرفتهم لهم و بهم: لهم و بهم رحمهم اللّه.

و اما التصريحات التي لم‏يظهر فيها روح المراد من اللّه تبارك و تعالي فذلك الذي اشار بقوله7 و سحقاً لمن يروي ما لايدري و يعتقد ما لايتصرف في عقل و لاينتضج في لب و ذلك ايمان اللسان و وعر الحواس في الجنان و الايمان هو الاعتقاد في الجنان و العمل بالاركان كما امر الملك المنان تبارك و تعالي فلاجل هذه اللطيفة رد علي المغرورين المقرين بالايمان في الاية الشريفة الصريحة قالت الاعراب آمنا قل لم‏تؤمنوا و لكن قولوا اسلمنا و لمايدخل الايمان في قلوبكم فالمؤمنون اولئك الذين كتب اللّه في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه فما اقر به المسلمون هو الحجة عليهم و لا فائدة فيه الا السحق الا من رحم ربك و كتب في قلبه الايمان فانه غفور رحيم في موضع العفو و الرحمة و موضعهما القلب المكتوب فيه الايمان فهو ارحم الراحمين في موضع العفو و الرحمة و اشد المعاقبين في موضع النكال و النقمة و موضعهما القلب الممحو منه الايمان و ان اقر به باللسان نعوذ باللّه تبارك و تعالي من الاقرار باللسان الذي هو الحجة علي صاحبه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 251 *»

من غير اعتقاد الجنان([7]) اللهم اني اسألك ايماناً تباشر به قلبي و يقيناً صادقاً حتي اعلم انه لن‏يصيبني الا ما كتبت لي فلاجل ذلك نزل القرآن علي اياك اعني و اسمعي يا جارة ليهلك من هلك عن بينة بالرواية و الاقرار باللسان و يحيي من حي عن بينة باقراء القلب اللسان بالاقرار فاستمع لما يوحي اليك في روعك و انظر بعين عقلك و انصت@انصب خ‌ل@ بنور لبك و اسمع بقبول ذلك و احفظه دائماً لتجد ما هنالك و لاتغترن بما سمعته الاذان و رأته العيون و احسته العوام كالمجنون من غير تدبر في المكتوم المكنون فهي مبذولة غير مأمونة من ريب المنون لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون صم بكم عمي فهم لايعقلون.

بالجملة، فلما وجده7 اهلا للاجابة اراد تهييجه بتقريره و تصديقه و تمكينه لتكوينه بقوله7 فقد سألت عن بيان عظيم و حق يقين الذي ضل في معرفته جميع اهل العالم الا من رحم ربك انه هو الغفور الرحيم و قد سأل عن ذلك المخلصون المرحومون و رحمهم اللّه تبارك و تعالي كمارحم الباقر7 الجابر و انبأه@انباءه خ‌ل@ به من الوعر الاوعر الذي هو الامانة التي عرضت علي السموات و الارض و الجبال فأبين ان‏يحملنها لصعوبتها و ثقلها فحملها الانسان الانيس الذي يونس الحق الحقيق الذي يستوحش منه الاكثرون فخفي عنهم لما لم‏يوجد عندهم المتاع من العزيز المطاع الذي هو الصواع الذي وجد في وعاء الاولين([8]) الصفوة المخلصين البلغاء في الصعود الي درجة المستحفظين الذين اخلصوا حتي آيس منهم اللعين و استثناهم من بين الخلق بقوله لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين المختصين برب العالمين الذين شهدوا بالحق و هم يعلمون انه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 252 *»

حق حيث عاينوا بالعيان ما لم‏تره العميان.

مصباح

قال7 و الامر يا مفضل لطيف و سر هذا العلم غامض و اعلم ان الذات تجل عن الاسماء و الصفات غيب ممتنع لايمتنع عنه بالحق سر مستسر باطن و لايستر عنه خفي لطيف و لا شي‏ء اعظم منه موصوف باتصافه له مشهور بآياته معروف بظهوراته كان قبل القبل و قبل ان‏يحيث الحيث بحيث لا حيث غيره و قبل المكان اذ لا مكان الا ما كونه و هو الي ما لا نهاية له لايحول عن حال و لاينتقل عن كيانه عما كان منه من كيانه و لايفتقر الي شي‏ء فيستعين به و لاينتسب الي غيره فيعرف به بل هو حيث هو و حيث كان فلم‏يكن الا هو.

بأبي انتم و امي و نفسي و اهلي و مالي و اسرتي بكم علمنا اللّه معالم ديننا ما اعظم شأنكم و اجل خطركم و اوفي عهدكم كلامكم نور و امركم رشد فاعلم ايها الطالب ان امثال هذه العبارات كثيرة في سائر اخبارهم و خطبهم التي صدرت عنهم: في بيان التوحيد و عيان التفريد كما لايخفي علي ذي اطلاع قليل فضلا عن كثير و لاسيما في خطب الامير المطلق اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين كقوله7 من وصفه فقد قرنه و من قرنه فقد حده و من حده فقد عده و من عده فقد ثناه و من ثناه فقد جزأه و من جزأه فقد الحد فيه و قوله7 كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران الممتنع عن الازل و امثال هذه التعبيرات عن@من خ‌ل@ الحجج علي البريات مما لايسعه المختصرات كثرة و جميع ذلك شرح قوله تعالي بأخصر البيان لمن له عينان في العيان ليس كمثله شي‏ء.

بالجملة، و المراد ان امثال هذه التعبيرات مطابقة لسائر تعبيراتهم التي صدرت في بيان التوحيد في شرح آية من الكتاب المجيد فلاتحتاج ان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 253 *»

شاء اللّه في تصحيحها بقواعد علم الرجال المستحدث الذي سمعته من افواه الرجال و قد رويت روايات كثيرة من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال و من اخذ دينه من الكتاب و السنة زالت الجبال و لم‏يزل فكفاك دليلا علي صحتها من اولها الي آخرها تطابقها الكتاب و السنة الجامعة و العقل المستنير من المنير و الاجماع من الفرقة المحقة الذي فيه المعصومون: كما تري ان شاء اللّه في بيان كل فقرة فقرة.

بالجملة، فان اردت شرح ذلك و نيل ما هنالك فاعلم ان كل محدود كائناً ما كان محصور في حده داخل فيه غير خارج عنه واجد له فاقد عادم حدود غيره و ذلك ظاهر غير خفي لدي ذي مسكة من الشعور فضلا عن اللبيب العليم الحكيم فهو من البديهيات الاولية التي لاتحتاج الي زيادة فكر ان شاء اللّه تعالي فلاجل ذلك صدر من كل مؤثر اثر خاص به دون غيره فأثر النار الحرارة و اليبوسة و اثر الماء البرودة و الرطوبة و اثر الهواء الحرارة و الرطوبة و اثر التراب البرودة و اليبوسة فالنار لما کانت محدودة بالحرارة و اليبوسة فاقدة للبرودة و الرطوبة لايعقل ان‌تصدر منها@منه خ‌ل@ البرودة و الرطوبة و يري الحكيم امتناع صدورهما منها لعدم وجودهما فيها كالفقير المعدم لكل شي‏ء يمتنع ان‏يعطي شيئاً و كذلك الماء لما كان محدوداً بالبرودة و الرطوبة يمتنع ان‏تصدر منه الحرارة و اليبوسة لعدم وجودهما فيه و كذا الهواء و التراب في اثرهما و امتناع صدور اثرهما فيمتنع ان‏تكون النار خالقة للماء و الماء خالقاً للنار و كذا الحال في كل محدود بحد يمتنع ان‏يصدر منه حد غيره كما يمتنع ان‏يصدر منه محدود غيره فأما الجسم لما لم‏يكن في ذاته محدوداً بحد الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة يصدر منه الحرارة و اليبوسة بالنار و البرودة و الرطوبة بالماء و الحرارة و الرطوبة بالهواء و البرودة و اليبوسة بالتراب من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة. الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس كما مثل

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 254 *»

بها7 للهشام فتبصر من هذا امرك فقد اخبرتك بكل خفي و جلي ان كنت من اهله و الا فذره في سنبله و لايخفي خافية ابداً الا و قد صرحت ببيانها في هذه الكليمات التي من البديهيات الاولية و قد عرف قدرها البصير و لاينبئك مثل خبير و ان اعرضت عنه الحمير.

بالجملة، فلاجل ما اشرت و اشربت و اوضحت و ابهمت يجب ان‏يكون مؤثر الاشياء غير محدود بحد من حدود الاشياء كائنة ما كانت بالغة ما بلغت لان اللّه سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً غير محدود قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه كما وردت به الرواية من اولي الدراية: فتفكر بالتدبر في خلق السموات و الارض و الافاق و الانفس بأن كل محدود منقطع عند حده محصور محبوس فيه فالذي لا حد له لا انقطاع له فلاينقطع عند الامكان و الكون و الخلق و الامر و النور و الظلمة و الخير و الشر و الغيب و الشهادة و المعني و الصورة و المجرد و المادي و الجوهر و العرض و المكان و الوقت و السرمد و الدهر و اللاهوت و الماهوت و الجبروت و الملكوت و الملك و الباقي و الفاني و القوي و الضعيف و اللطيف و الكثيف و الروح و الجسم و المحرك و المتحرك و الحي و الميت و الصحيح و المريض و البليد و النبيه و اللبيب و السفيه و العقل و العاقل و الجهل و الجاهل و القدرة و القادر و العجز و العاجز و الغنيٰ و الغنيّ و الفقر و الفقير و الموصوف و الصفة و الاصل و الفرع و الذات و الصفات و الحقيقة و السبحات و الوجود و الماهيات و الامکنة و الاوقات و البسائط و المركبات و الاباء و الامهات و السموات و الارضين و المتولدات و المؤثرات و الاثار و القوابل و المتأثرات و الفواعل و الافعال و المنفعلات و الانفعالات و الشواخص و الاشباح و الاظلال و ذوي الاظلال و هكذا فلاينتهي ما لا نهاية له الي شي‏ء من النهايات و المنتهيات و اللانهايات اذ كلها شي‏ء صادر من فعله و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه داخل في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء خارج عن الاشياء لا كخروج

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 255 *»

شي‏ء عن شي‏ء قريب منها لا كقرب شي‏ء من شي‏ء بعيد عنها لا كبعد شي‏ء عن شي‏ء عال في دنوه لا كعلو عال علي دان دان في علوه لا كدنو دان عن عال قريب لا بمداناة بعيد لا بمناءاة و هكذا في كل ما يسمع او يعقل او يفهم او يوهم او يدرك و خير الكلام كلام الملك العلام ليس كمثله شي‏ء و خير الكلام ما قل و دل و ما@فما خ‌ل@ اقل و ما ادل هذا القليل الذي ليس كمثله عديل و لا بديل فكل شي‏ء عال لايكون دانياً من حيث علوه و كل دان لايكون عالياً من حيث دنوه و كل قريب لايكون بعيداً من حيث قربه و كل بعيد لايكون قريباً من حيث بعده و هكذا الامر في عالم الخلق و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه. فاستتر لعظم نوره و خفي لشدة ظهوره. يا من دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته.

فاذا عرفت هذه الاشارات تبشر بالبشارات فسبحانه ما اعظم شأنه و ما اوسع قدره و ما انور نوره و ما اظهر ظهوره فلا نور الا نوره و لا ظهور الا ظهوره فلاجل ذلك قال7 ان الذات تجل عن الاسماء و الصفات اي ليس فيها اسم و لا صفة اذ ليس الا محض الذات و هو قول جده امير المؤمنين عليهما صلوات المصلين كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل فهذا معني قوله7 تجل عن الاسماء و الصفات و اما قوله7 غيب ممتنع لايمتنع عنه بالحق فكلام ما ابينه عن الحق و قد اشرنا آنفاً ان في عالم الخلق كل ما كان علي حال لايكون علي حال اخري نقيض حاله الاولي و لايجري ذلك علي الذات اذ لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته فبمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له كما وردت به الروايات العديدة عنه و عن آبائه و ابنائه: اذ ليس كمثله شي‏ء فكل ما يجوز في الخلق يمتنع في الخالق و كل ما ينبغي لعز جلاله يمتنع في الخلق ففي

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 256 *»

عالم الخلق الغيب غير الشهادة و هي غيره من حيث هو هو و من حيث هي هي و لكنه سبحانه تعالي عن ذلك فهو غيب ممتنع غير ممتنع بالحق و الحق ان غيبه من حيث غيبه عين شهوده من حيث شهوده فغيبه ليس كغيب الخلق و لا شهوده كشهوده اذ ليس كمثله شي‏ء فلا نهاية لغيبه فهو ظاهر و لا نهاية لظهوره فهو غائب و قد عبر عن ذلك في روايات كثيرة بدخوله في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خروجه عنها لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء فلما كان خارجاً عن كل شي‏ء يكون داخلاً في كل شي‏ء و لما كان داخلا في كل شي‏ء يكون خارجاً عن كل شي‏ء و الخلق ان كان داخلا لايكون خارجاً و ان كان خارجاً لايكون داخلا و لكنه سبحانه تعالي و تجل عن الدخول و الخروج فيكون دخوله عين خروجه و خروجه عين دخوله من كل جهة اذ لا نهاية لدخوله و خروجه و قل من يعرف ذلك و كثر من زعم التناقض و هو التؤالف الذي لا نهاية له فان عرفت ذلك فأنت انت و علي هذا النحو يجري سائر كلماته التامات كقوله7 سر مستسر باطن و لايستر عنه فعلي ما عرفت ان عرفت ان شاء اللّه كل سر باطن مستور فهو سبحانه تعالي من ان‏يحتجب بساتر اذ هو داخل في كل ساتر بلا نهاية فهو غير مستور لشدة لمعان النور و کذا قوله7 خفي لطيف و لا شي‏ء اعظم منه فخفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره فلا نور الا نوره و لا ظهور الا ظهوره كما ورد في الدعاء لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته فسبحانه ما اوسعه فانه لا نهاية لوسعته فهو الواسع لا واسع سواه و كل واسع محدود بعده و هو الذي لا حد له فلا شي‏ء اعظم منه.

و اما قوله7 موصوف باتصافه له اشارة الي انه سبحانه تجل عن الاتصاف بالصفة كما قال7 تجل عن الاسماء و الصفات و قد مرت الاشارة الي بيان ذلك فمعني انه موصوف باتصافه له مع انه في ذاته غير موصوف لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 257 *»

الصفة انه موصوف بنفس الاتصاف له اي للموصوف فتجلي له به لا بذاته كما ورد عنهم: تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و اما قوله7 مشهور بآياته فاشارة@فاشار خ‌ل@ الي قوله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فلا فرق بين الايات و بينه في مقام التعرف و التعريف الا انهم عباده و خلقه كما ورد في دعاء رجب يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك فمن لم‏يعرفها لم‏يعرفه و من انكرها انكره السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه كما ورد في الجامعة الصغيرة التي لا نكير لصحة صدورها عنهم:. الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط. فلا نهاية لاحاطته عليهم اي موجود في حضرتهم و غيبتهم كما ورد عن السجاد7 في تفسير قوله تعالي أولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد اي موجود في حضرتك و غيبتك فتلك الايات لا مخالفة لها معه و ان اللّه معهم بلا نهاية اذ هم المتقون المحسنون كما قال تعالي ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون اعضاد و اشهاد و مناة و اذواد و حفظة و رواد فبهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت فذلك الدعاء هو شارح قوله تعالي سنريهم آياتنا في الافاق الي آخرها و كذلك قوله7 معروف بظهوراته فظهوراته هي آياته التي لا تعطيل لها في كل مكان ملأت اركان كل شي‏ء حتي يتبين لهم انه الحق و ظهر ان لا اله الا انت كما ورد في الادعية المأثورة.

و اما قوله7 كان قبل القبل و قبل ان‏يحيث الحيث بحيث لا حيث غيره فاعلم ان القبل هو الوقت السابق كما ان البعد هو الوقت الاخر اللاحق و مطلق الوقت من جملة المخلوقات كالمكان و الاين و الحيث و اللّه سبحانه خلق الاشياء بأسرها لا من شي‏ء سوي نفس الاشياء التي خلقه@خلقها ‌خ‌ل@ بها و قد عبر الحكيم عن كيانه سبحانه في ذاته بكان و ليس مراده الفعل@فعل خ‌ل@ الماضي فان الماضي و فعله كالمستقبل و فعله

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 258 *»

حادث كسائر الاشياء فكان اللّه سبحانه قبل الوقت و ليس الوقت بعد ذلك القبل اذ لو كان القبل قبل الوقت لكان قبلا في مقابل البعد لا قبل القبل فالمراد بقبل القبل كونه في ذاته سبحانه من غير احتياج الي ظرف زمان فخلق القبل و جعله ظرفاً لما اوجده فيه و لايمر عليه الوقت كما انه سبحانه خلق البعد و جعله ظرفاً لمااوجده فيه و ليس البعد ظرفاً له فهو سبحانه كان قبل القبل كما يكون بعد البعد کماورد في الدعاء وجوده قبل القبل في ازل الآزال و بقاؤه بعد البعد من غير انتقال و لا زوال فليس قبل القبل و لا بعد البعد وقتين ظرفين متقابلين كالقبل و البعد اللذين هما الوقتان الظرفان المتقابلان فلما لم‏يكن لذاته سبحانه وقت مطلقا لم‏يكن قبل القبل و بعد البعد وقتين فقبليته و بعديته سبحانه كل واحد منهما عين الاخر من كل جهة فلا قبل له غير بعد كما لا بعد له غير قبل و هو الازل الذي عين ذاته سبحانه من كل جهة و لا جهة لان الجهات ايضاً من جملة الموجودات و كذلك المراد من قوله7 و قبل ان‏يحيث الحيث بحيث لا حيث غيره و قد عرفت ان شاء اللّه ان المراد من قبل القبل كيانه سبحانه من غير احتياج الي وقت فكذلك كان قبل الحيث و المكان اذ هما ايضاً من عالم الامكان و هو سبحانه غير محتاج الي حيث و مكان كما لايحتاج الي شي‏ء من الامكان فحيثه قبل الحيث الامكاني و كل ما كان غير محض وجوده كان من الامكان حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما كما حكم العقل به المطابق للنقل فقوله7 بحيث لا حيث غيره اي حيثه هو و هو حيثه و لا حيث غيره كما لم‏يكن شي‏ء غيره و هو هو وحده قبل القبل و بعد البعد و قبل الحيث و قبل الفعل و قبل الانفعال و كل شي‏ء حدث بفعله قبل الانفعال و بانفعال المنفعل بعد الفعل و هو سبحانه قبل القبل و بعد البعد من غير استمرار فسبحان من كان هكذا و لايكون هكذا غيره فما ابينه من بيان لمن له عينان و ان تحير فيه العميان و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و ان بان الامر

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 259 *»

اوضح من الشمس في الظهور.

و اما قوله7 و قبل المكان اذ لا مكان الا ما كونه فلان المكان سواء كان عرضياً انتقل منه الشي‏ء الي مكان آخر او ذاتياً كالحصة من الامكان فهو مما كونه اللّه سبحانه فهو هو قبل تكوينه كما هو هو حين تكوينه كما هو هو بعد تكوينه و هو لاينتقل من حال الي حال فهو في كل مكان بحيث لايحيط به مكان و هو مما كونه و اما قوله7 و هو الي ما لا نهاية له لايحول عن حال و لاينتقل عن كيانه عما كان منه من كيانه و لايفتقر الي شي‏ء فيستعين به و لاينتسب الي غيره فيعرف به بل هو حيث هو و حيث كان فلم‏يكن الا هو فأمثال هذه العبارات كلها كثيرة جداً في سائر اخبارهم و خطبهم و الادعية الواردة عنهم: و هي مطابقة للكتاب المستجمع علي تأويله و هو قوله تعالي قل اللّه خالق كل شي‏ء و من الاشياء التحول من حال الي حال و منها نفس الحال و منها المتحول و منها الانتقال و منها المنتقل و منها الحركة و منها السكون و منها المتحرك و منها الساكن و هكذا كل ما صدق عليه الشي‏ء فهو من جملة المخلوقات كائناً ما كان@ما کان و ان کان خ‌ل@ من المعاني المصدرية و الصور الذهنية الي المعاني العقلية كلها محدودة متناهية اذ كل واحد منها هو هو و هو غير غيره بالبداهة و كل محدود واجد حده فاقد حد غيره بالبداهة و الفاقد لشي‏ء لم‏يقدر علي احداث ما ليس له بالبداهة فهو عاجز عن احداث ما ليس له كما اشرنا اليه سابقاً فمحدث الكل غير محدود بحدودها لامحالة فليس كمثله شي‏ء و هو خالق كل شي‏ء لا نهاية له و هو فوق النهاية و عدم النهاية اذ عدم النهاية ايضاً نهاية في مقابل النهاية فهو فوق ما لايتناهي بما لايتناهي و من عرف ذلك عرف ان ما لا نهاية له لايعقل غيره اذ كل ما كان غيره موجود معه هو غيره و غيره غيره و كلاهما محدودان ممتازان فليس لما لا نهاية له غير موجود معه و غيوره تحديد لماسواه من المحدودات فليس معه حال حتي يتحول منها و لا حال اخري حتي يتحول اليها و ليس معه انتقال حتي

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 260 *»

ينتقل به و ليس غيره معه ممتازاً عنه فاقداً لما كان غيره واجداً له حتي يحتاج اليه و يستعين به فلم‏يكن معه شي‏ء حتي ينتسب اليه فيعرف به فهو هو حيث هو و حيث كان فلم‏يكن الا هو و ذلك بعض مقتضيات الحدوث الممتنع عن القديم@القدم خ‌ل@ و لولا خوف من فرعون و ملائه لارخيت العنان من القلم حتي تري ما لم‏تره العيون و لكني:

اخاف عليه من غيري و مني   و منك و من مكانك و الزمان

و مع ذلك كله ان سبقت لك من اللّه الحسني تفوز بالاوفر الاشهي و قد اشرت الي ذلك الاهني بل صرحت و اوضحت و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر و لا حول و لا قوة الا باللّه.

مصباح

قال7 يا مفضل ان الظهور تمام البطون و البطون تمام الظهور و القدرة و العزة([9])@العزة و القوة خ‌ل@ تمام الفعل و متي لم‏تكن كليات الحكمة تامة في بطونها و تامة في ظهورها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم و ان كان قادراً.

و اعلم ان هذه الفقرات ايضاً مطابقة للعقل المستنير و العقل المنير@النقل المنير خ‌ل@ كقوله تعالي و ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم و قوله تعالي أفرأيتم النشأة الاولي فلولا تذكرون و قوله تعالي و ما امرنا الا واحدة و قوله تعالي ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قوله7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية و ما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و قوله7 قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا و قوله تعالي في القدسي كنت كنزاً مخفياً فأحببت ان‏اعرف فخلقت الخق لكي‏اعرف فان رأيت التطابق طبقاً عن طبق لاتحتاج في تصحيحها الي شي‏ء من الموضوعات المستحدثة ان شاء اللّه تعالي فاعلم ان في خلق السموات و الارض و اختلاف اليل و النهار

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 261 *»

لايات لاولي الالباب فتفكر فيها بنظر الاعتبار و استعلام الحال من الملك الجبار حتي يفتح لك الابواب ابواب ملكوت السموات و الارض كما فتح للاخيار الابرار حتي تري المعني من كلام الحكيم العليم و لاينبئك مثل خبير.

فاعلم ان الحكمة ابراز ما في الكيان الي العيان و لولا ذلك لكانت الحكمة ناقصة من الحكيم فقدر اللّه سبحانه ان‏يكون لكل شي‏ء اثر و لولا ذلك لكان خلقته لغواً بلا فائدة فالعلة الغائية في الخلق اظهار آثاره و تعالي الحكيم ان‏يخلق شيئاً بلا اثر و ان‏ لايترتب عليه ثمر ثم اعلم ان الاثر من المؤثر الفاعل و ان كان موجوداً فلايظهر الا بقابل فلو لم‏يكن القبول من القابل لم‏يكن في وجود الفاعل و فعله ثمر فالثمر شي‏ء متولد بين فعل الفاعل و قبول القابل فحبة الاثر لابد و ان‏تزرع في مزرعة القابل لاجل حصول الثمر و هو العلة الغائية من الفاعل و حركته و من القابل و تحركه و هو الذي كان مقدماً في الوجود و صار مؤخراً في الشهود فاعتبر من دوران السموات علي الارضين لو لم‏يكن لاجل تجميد الجمادات و انبات النباتات و احياء الحيوانات و انشاء الاناسي لصار لغواً بلا فائدة و لو لم‏يكن النكاح لاجل التوليد او اللذة لصارت الالات من الرجال و النساء لغواً و لصار خلقة النطف بين الصلب و الترائب عبثاً و لو كانت الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي في القوي الكامنة الغيبية و لم‏يظهر في الخارج لكان وجودها في الغيب كعدمها و ان كانت في القوة و كذلك الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الربا و الزيادة و النقصان و ان كانت كامنة في صوافي العناصر ما لم‏تظهر في غلائظها التي هي القوابل كانت وجودها في الغيب كعدمها و كذا السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و ان كانت كامنة في الحيوة الفلكية ما لم‏تظهر في السامعة و الباصرة و الشامة و الذائقة و اللامسة البدنية العنصرية غير مميزة لكانت وجوداتها في الحيوة كعدمها لا فائدة

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 262 *»

فيها و كذا الخيال و الفكر و الوهم و الحفظ و امثالها التي كانت كامنة في صوافي الافلاك و غيبها ما لم‏تظهر في المتخيلة و المتفكرة و المتوهمة و الحافظة التي في الدماغ البدني العنصري لكان وجودها في عالم المثال غير مميزة كعدمها و لا فائدة فيها و ان كانت في قوة الروح الساهرة المثالية و كذا العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة ما لم‏تتعلق بالافراد المشخصة كان وجودها كعدمها و ان كانت في النفس الناطقة الانسانية موجودة غير مميزة و كذا الفناء في البقاء و النعيم في الشقاء و الفقر في الغني و العز في الذل و الصبر في البلاء ما لم‏تظهر في وجود الانبياء: لكان وجودها كعدمها و ان كانت في الروح الملكوتية موجودة غير مميزة و كذا العقل الكل ما لم‏يدبر الي العوالم الدانية التي هي المزارع له في عبادة الرحمن و اكتساب الجنان لكان في محله الاعلي مخفياً غير صاعد الي درجات العلي غير مقبل الي الامثال العليا و الكبرياء و الالاء و كذا لولا العبودية التي هي الجوهرة@جوهرة خ‌ل@ كنهها الربوبية لم‏يظهر آثار الربوبية من وجنات العبودية كما قال في القدسي كنت كنزاً مخفياً فأحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف فلولا المراد من الخلق معرفة الرب لكان الخلق عبثاً و تعالي الحكيم جل شأنه ان‏يخلق الخلق بلا فائدة.

بالجملة فاقتضت حكمة الحكيم جل شأنه ان‏تنزل العوالي في الاداني و تصعد منها و ان‏تدبر للاقبال الي لقاء ذي‏الجلال و يظهر ما في الكيان الي العيان فلو لم‏يكن النزول من العوالي الغيبية الي المهاوي الشهودية لم‏تظهر آثارها فيها و لكانت الحكمة ناقصة من الحكيم جل شأنه و ان كان قادراً كما عرفت مما بينا ان شاء اللّه تعالي فما لم‏يكن كليات الحكمة تامة في بطونها بايجاد الغيوب في محالها و تامة في ظهورها اي نزولها في الاداني و بروزها منها لكانت الحكمة اي ايجاد الغيوب من غير نزول و ظهور ناقصة من الحكيم و ان كان قادراً فالظهور تمام البطون و البطون

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 263 *»

تمام الظهور و القدرة تمام الفعل و الفعل تمام القوة فلابد في الحكمة من ايجاد الغيوب و الشهود و ادبارها و انزالها و ظهور آثارها فيه و اقبالها الي ديار المعبود و الرب الودود فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً و ان منكم الا واردها كان علي ربك حتماً مقضياً لتمام البطون الظهور و الظهور البطون ثم ننجي الذين اتقوا عن الركون الي المهاوي و نذر الظالمين فيها جثياً و ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون بمعية غير متناهية انما يتقرب الي العبد بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته كما روي([10]) في الكافي في ‏صفة المؤمنين فكيف يكون الامر في الولاة الواصفين لقدرته المعلنين لعظمته كما في دعاء رجب المرجب و كيف يكون الامر في الذي ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك بدؤها منك و عودها اليك من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و كما في الجامعة ايضاً و مقدمكم امام طلبتي و حوائجي و ارادتي في كل احوالي و اموري و هو قوله تعالي و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و هو العروة الوثقي التي لا انفصام لها طرف منها بيد اللّه و طرف منها بيديك ما ان تمسكتم بها لن‏تضلوا و جذبوك الي صفة التوحيد و جمال التفريد و يذرون الظالمين المنكرين لذلك فيها جثياً في خوضهم يلعبون لاهية قلوبهم و يحسبون انهم يحسنون صنعاً كل حزب بما لديهم فرحون و اما المؤمنون فبفضل اللّه و رحمته و حبله و عروته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون انا للّه و انا اليه راجعون. اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المفلحون.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 264 *»

مصباح

قال المفضل: قلت زدني يا مولاي شرحاً يحيي به من قرب و تقرب من مشي بنورك و عرفك حقيقة المعرفة.

اقول مراده بالحيوة هو حيوة الايمان الباقية لا الحيوة الدنيا الفانية و ذلك قوله تعالي يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم فما دعا اليه اهل الحق هو المحيي بحيوة الايمان فالمؤمنون احياء و غيرهم اموات و من قرب او تقرب بمشيه بنور هدايته و عرفه حق معرفته يحيي بحيوة الايمان و المراد من حقيقة معرفته هو معرفته بالنورانية كما قال اميرالمؤمنين عليه و آله صلوات المصلين يا سلمان و يا جندب ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عز و جل و معرفة اللّه عز و جل معرفتي و شرح تلك المعرفة في كتاب اللّه عز و جل كما قال اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري الي قوله رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه الي آخر الاية و تلك المعرفة الحقيقية غير المعرفة بأنه ابو من و ابن من و اخو من و من اي قبيلة و اي بلد و بأنه عليم او حكيم او عدل او عابد او زاهد او شجاع او سخي او غير ذلك من الصفات التي لاتخفي علي المنتحل بعلم الانساب و القصص و الحكايات من اهل الاديان الباطلة بل المعرفة النورانية هي معرفة اللّه عز و جل كما شرح اللّه ذلك في كتابه العزيز لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و لولا خوف من فرعون و ملائه لارخيت العنان بأوضح البيان و لكن اللّه تعالي ابي ان‏يعبد في دولة الباطل الا سراً فلابد لاثارة الغبار في ابصار الاغيار لكيلايري العلم ذوجهل فيفتتنا و لكن لابد للاشارة لاولي الدراية من اهل الحكمة فكل من سبقت له من اللّه الحسني عرف المعني و علي اللّه قصد السبيل بانارة الدليل و كفي به شهيداً أليس اللّه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 265 *»

بكاف عبده فهو هادي الذين آمنوا الي صراط مستقيم و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

مصباح

فقال7 يا مفضل ان ظهور الازل بين خلقه عجيب لايعلم ذلك الا عالم خبير و ان الذات لايقال لها نور لانها منيرة كل نور فلما شاء من غير فكر و لا هم اظهار المشية و خلق المشية للشي‏ء و هما الميم و الشين فأشرق من نور ذاته نور شعشعاني لاثبت له الانوار غير بائن عنه فأظهر النور الضياء لمن@لم‌ ظ خ‌ل@([11]) تبين منه و اظهر الضياء ظلا فأقام صورة الوجود بنفسي الضياء و الظل و جعل النور باطنه و الذات منه مبدأها و كذلك الاسم غير متحد بنور بارئ خلقه بخلقه فاذا بطن ففي ذاته و غيبه و الذي ليس شي‏ء كهو الا هو فتعالي اللّه العظيم.

بأبي انتم و امي و نفسي و اهلي و مالي كلامكم نور و بيانكم نور علي نور قد ستر علي الاغيار لشدة الظهور و اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار الكائنة من الدخان و ذلك بأن اللّه مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم فكلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك فمدد الاولين من النور مدخلهم نور و مخرجهم نور نور علي نور و مدد الاخرين النار مخرجهم نار و مدخلهم نار و هي ظلمانية مظلمة ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم‏يكد يراها بخلاف النور الظاهر بنفسه المظهر لغيره فانه يكاد زيتها يضي‏ء فالزيت المضي‏ء هو بنفسه كالمصباح المضي‏ء و ان حصل المضي‏ء من المضي‏ء كما روي عن اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين انا من محمد كالضوء من الضوء و كما روي انفصل نورنا

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 266 *»

من نور ربنا كما ينفصل نور الشمس من الشمس فالشمس ظاهرة لنفسها مظهرة لغيرها كما ان شعاعها ظاهر لنفسه مظهر لغيره فهما نوران و لكن الشعاع نور علي الشمس المنيرة.

بالجملة قوله7 ان ظهور الازل بين خلقه عجيب لايعلم ذلك الا عالم خبير الي آخر قوله شرح قوله تعالي أو لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد و شرح قوله تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري الي آخر الايات للناقد البصير و لاينبئك مثل خبير و ان استنفر منه الحمير. فاعلم ان الظهور تمام البطون و البطون تمام الظهور كما مرت الاشارة لاهل البشارة في المصباح السابق و ليس الظهور كما زعمه الذين يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون فالمتبادر الي اذهانهم هو الخروج من الغياب الي الشهود او كشف الاستار عن وجه المشهود للشهود كطلوع الطالع و ظهوره من وراء السحاب بعد الغياب او ظهور اللون و الطعم و الرائحة و الصوت و الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و الحركة و السكون علي الاجسام بعد كمونها فيها او ظهور المعاني من الالفاظ او التصورات في الخيال و التصديقات في مآل البال او الملكات في النفوس او المعقولات في العقول او الحقائق في الالباب او غير ذلك مما حصل بعد الفقدان و وجد بعد الخفاء و العدم في الوجدان و كل ذلك مستلزم للحركة و الانتقال من حال الي حال و هو حال ظهور الحوادث من العدم الي الوجود و الغياب الي الشهود في كل عالم بحسبه و في كل شي‏ء بحسبه ليس@و ليس خ‌ل@ كذلك ظهور المعبود بين العباد و ابي اللّه ان‏يعرف بين اهل العناد الي يوم التناد و هو الخاصة للعباد المكرمين الذين لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون. لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فظهوره لهم بهم اقرب اليهم من حبل الوريد أولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 267 *»

من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏تجعل له من حبك نصيباً ليس كمثله شي‏ء و لا كظهوره ظهور و لا كنوره نور و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور من يضلل اللّه فلا هادي له و يذرهم في طغيانهم يعمهون.

و اعلم ان الظهور هو من طباع البطون و البطون هو من طباع الظهور فلاينفك الظاهر الباطن من الظهور كما لاينفك الظهور الظاهر من النور و النور اظهر من الظهور ظاهر في الظهور و البطون موجود في حضرته و غيبته بلا نهاية فليس شي‏ء الا هو وحده وحده لا شريك له و البطون غير الظهور كما ان الظهور غير البطون و هما مقترنان و هو الظاهر فيهما و في اقترانهما بلا نهاية و ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون بلا نهاية لعدم الشركة بينه و بينهم و لايسأمون عن عبادته في الليل و النهار و لايستحسرون و يسبحونه و له يسجدون و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود في القيام و القعود و الركوع و السجود و يقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال و هم في فجوة منه لا محرك لهم الا هو كما لا مسكن لهم الا هو و هو هو لا اله الا هو و هو المولي لهم و نعم المولي و نعم النصير كيف لا و هم بأنفسهم نوره و بأعينهم ظهوره من اراد اللّه بدأ بهم و من وحده قبل عنهم و من قصده توجه بهم و هو مولاهم اينما كانوا فهم بيوت النور و قمص الظهور اذن اللّه ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و لا حول و لا قوة الا بالله فان كشفت السبحات عنهم من غير اشارة يلحقك البشارة و تقول بك عرفتك و انت دللتني عليك و دعوتني اليك و لولا انت لم‏ادر ما انت.

و ذلك الظهور انور من كل نور من طلعة ذلك المستور بغير استتار لفقد الاغيار و وجود الجبار لمشاهدة الابرار و معاينة الاخيار و لكنه عجيب لدي كل منافق غريب و قد رآه بعيداً ابعد مابين السماء و الارض و نراه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 268 *»

قريباً اقرب من لمح البصر و الناظر و النظر ان الساعة آتية اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي و نحن اقرب اليه منكم و لكن لاتبصرون و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فتفكر في المبتدأ و خبره فان ظهور المبتدأ بالخبر و لولا الخبر فليس للمبتدأ وجود و لا اثر من حيث الابتداء و الانتهاء فانتهاء المبتدأ هو الخبر و ابتداء الخبر هو المبتدأ و الخبر هو المبتدأ عياناً و شهوداً و المبتدأ هو الخبر ظهوراً و وجوداً و كل ما تجده في المبتدأ و لم‏تجده في خبره و كذلك كل ما تجده في الخبر و لم‏تجده في مبتدئه فتذكر الغفلة التي صدرت عنك و ازلت قدمك و جعلت قضيتک كاذبة و قد زعمتها صادقة فاعلم بأن الصادقة صادقة ليس لوقعتها كاذبة اذا تطابقها من كل جهة في الخارج الواقع و ان تخالفا في ذهن السامع فربما عرف المبتدأ من غير حيث الابتداء و ربما عرف الخبر من غير حيث الخبرية فتفيده افادتك اياه و هدايتك له بأن زيداً قائم فلعله عرف زيداً و لم‏يعرف قيامه و لعله يعرف قائماً و لم‏يعرف بأنه زيد و اما في الخارج الواقع فزيد قائم فزيد مبتدأ و قائم خبره و المخبر عنه و حاكيه ليس سوي زيد فمبتدئيته من تمام خبريته و هو بطونه و خبريته من تمام مبتدئيته و هو ظهوره فلولا بطونه لم‏يكن ظهوره و لو لم‏يكن ظهوره لم‏يكن بطونه فكل واحد منهما من تمام الاخر و هما متضايفان قيام كل واحد يكون بقيام الاخر نعم لزيد ذات ليست بمبتدأ و لا خبر و ليس لهما فيها وجود و لا اثر لا اثباتاً و لا نفياً و لا ايجاباً و لا سلباً بل هو هو حيث هو و هما هما حيث هما و هو هما وجوداً و عياناً و هما اثنان و هو واحد و ليس الاثنان بواحد و ليس الواحد باثنين بالبداهة فلهما مع زيد حالتان حالة انهما زيد وحده وحده ليس عمرو بقائم و لا بمبتدأ و لا بخبر و حالة هما اثنان و ليسا بواحد بالبداهة فان عرفت هذه البداهة الواقعة التي ليست لوقعتها كاذبة التي اكاد اخفيها لتجزي كل نفس بما تسعي فأنت انت غير مستور عنك المستور لشدة الظهور

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 269 *»

و ان خفي علي العالمين من المنتحلين و قد جعل اللّه تعالي علي قلوبهم اكنة ان‏يفقهوه و علي آذانهم وقراً ان‏يسمعوه و علي ابصارهم غشاوة ان‏يبصروه. لاتعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور.

فاعلم بأنك مكلف بما آتاك اللّه جل و عز و جعله في وسعك اياً ما كان و ما لم‏يؤتك غير معقول و لا منقول ان‏يكون مكلفاً به و ما آتاك نفسك و افعالها و قد قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال و في انفسكم افلاتبصرون فتفكر في نفسك التي هي اقرب الايات منك فاذا عرفتها عرفت ربك كما روي من عرف نفسه فقد عرف ربه و كما روي اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه فأنت انت تفعل ما تفعل بقوتك و فعلك الكلي و انت بذاتك غير فعلك أماتري نفسك هي هي في حال ضعفك و قوتك فقوتك غير ذاتك و قد احدثتها بها لا بفعل غيرها و لا بشي‏ء سواها و انت تحدث قيامك و قعودك و سائر افعالك بالقوة التي قدرها اللّه لك بدؤها منك و عودها اليك و تلك القوة اثر صادر منك كأثر الشمس لها و كأثر السراج له كما اشار اليه الرضا7 تعليماً لعمران الصابي فقال تبصر من هذا امرك فالسراج في بدء اشتعاله له نور الي آخر دوامه لم‏يكن وقتاً من اوقات وجوده بلا نور و لكنه فعله و اثره بدؤه منه و عوده اليه فكذلك انت في بدء وجودك لم‏تكن بلا فعل فكنت اما ساكناً او متحركاً و هما صادران من فعلك الكلي بهما كما ان فعلك الكلي صادر عنك به لا بذاتك فأنت لو تحولت من ذاتك الي فعلك لصار فعلك موجوداً من غير فاعل فأنت انت موجود@موجودا خ‌ل@ بذاتك قبل فعلك و مع فعلك و بعد فعلك و لن‏تحول اليه ابداً بل انت محدثه به لا من شي‏ء خارج عنه كما انت ايضاً فاعل لحركتك و سكونك بفعلك الكلي لا بذاتك و لا بذات فعلك الكلي بل بفعلك الجزئي بنفسه فتحدث الحركة بها لا بالسكون و تحدث السكون به لا بالحركة فالحركة و السكون موجودان بأنفسهما لدي فعلك الكلي كما

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 270 *»

ان فعلك الكلي موجود بنفسه لديك قد احدثته به كما احدثت النية بنفسها لا بشي‏ء سواها و لا بذاتك اي لم‏تصر ذاتك نية اذ كنت انت و لا نية لك و قد احدثتها بها و انت انت و تفعل الافعال بها لا بذاتها بل بنفس تلك الافعال و تلك الامثال نضربها لك لتدرك من كل واحد شيئاً لاتدركه من الاخر و لاتزعم انها صدرت من غير قصد و علي العمد و القصد و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر و لا حول و لا قوة الا به.

فاعلم بأن ظهور الازل بين خلقه عجيب لايعلم ذلك الا عالم خبير بأن الظهور تمام البطون([12]) و لم‏يصر البطون ظهوراً كما لم‏يصر الظهور بطوناً بل الظهور بنفسه ظهور و البطون بنفسه بطون و الذات لا نهاية لها فلاتنتهي الي احدهما و لا الي مجموعهما و لاالي حدودهما و لا الي شي‏ء منهما كما انت لاتنتهي الي شي‏ء من افعالك كلية كانت او جزئية و هي ظهوراتك و انوارك و آثارك و علاماتك و آياتك و مقاماتك لكل واحدة منها مادة و صورة و ظاهر و باطن و هي اسماؤك المنبئة عنك الحاكية لك و صفاتك المتصفة بموصوفاتها و هي متعددة مركبة و انت انت وحدك لا تعدد فيك و لا شي‏ء مما انت مجريه في تلك العرصات و لايعود فيك ما انت مبديه فاعرف بهذه الايات التي تجدها في الافاق و في الانفس و في نفسك بأن الذات لا نهاية لها و لا تعدد فيها و لا تركيب ليس كمثلها شي‏ء تجري الاشياء بأسبابها و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته فبتسبيبها الاسباب علم ان لا سبب لها و بقضائها الفعل و الانفعال بين الفواعل و القوابل علم ان لا تفاعل لها و بمضادتها بين الاشياء علم ان لا ضد لها و بتشكيلها بينها علم ان لا ند لها و بتركيبها بينها علم ان لا تركيب لها فكل ما يمكن في الامكان و الاكوان و الاعيان و الذوات و الصفات و الجواهر و

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 271 *»

الاعراض و الشواخص و الاشباح و الاظلال الي ما لا نهايه ‏له يمتنع فيها و كل ما يجب فيها يمتنع في الاشياء و الاشياء هي المحدودات لها اسماء و صفات من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة قال7 لهشام بن الحكم يا هشام الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق الي آخره فتبصر من هذا امرك بأن النور اسم للظاهر بنفسه المظهر لغيره و الظلمة اسم لعكسه و السماء اسم للعالي و الارض اسم للداني و الروح اسم للغيب و الجسم اسم للمشهود و هكذا كل اسم لشي‏ء من الاشياء و هي حادثة سواء كان اسماً او مسمي و هي بكلها آثار لمشية@مشية خ‌ل@ اللّه جل جلاله و المشية و الاشياء كلاهما حادثان و لايجري شي‏ء منهما علي الذات كما لايعود فيها شي‏ء منهما و لا شي‏ء من غيرهما و هو لا اسم له و لا رسم بل ان قلت هو هو فالهاء و الواو كلامه فالهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب و الغائب غير الحاضر و كلاهما محدودان فأسماؤه تعبير و صفاته تفهيم لدي التعليم و التعلم عند العليم الحكيم الذي وضع كل شي‏ء في موضعه و كل اسم في مسماه فلايقال للذات نور لانها منيرة كل نور و لايجري عليها ما هي اجرته كما لايجري الحركة و السكون علي ذاتك اذ هما اثنان و انت واحد بل لايقال لها منيرة كل نور و لكنه7 اشار اليها بأنها منيرة كل نور لئلايزعم الزاعمون ان النور هو المستقل بذاته غير محتاج الي الذات التي لا نهاية لها فلذا عبر عنها بأنها منيرة كل نور كما عبر عنها بالذات مع انها صاحبة الصفات مع ان كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل كما روي عن اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين.

فلما شاء من غير فكر و لا هم اظهار المشية فأشرق من نور ذاته نور شعشعاني فلاتغفل من قوله7 و ان الذات لايقال لها نور فاعلم ان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 272 *»

المراد بالنور غير الذات بل هو نور الذات فالمراد به مبدأ المبادي و غاية الغايات و منقطع الاشارات و ذات الذوات للذات و منير الارضين في كل عالم و السموات و مابينهما من المتولدات و صفة ذلك النور في القرآن كما في التورية و الانجيل و الزبور. قال تعالي اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح الي آخر الايات فذلك الاسم للّه تعالي لكونه ظاهراً لنفسه مظهراً للسموات و الارض فذلك اسم من اسمائه تعالي كما ورد في الادعية يا نور يا نور  النور و قوله تعالي مثل نوره اي صفة نوره كقوله تعالي مثل الجنة التي وعد المتقون فيها كذا و كذا اي صفة الجنة كذا و كذا و قوله تعالي كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري الي قوله في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع الي قوله رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه الي آخر الايات اعدل عادل و اشهد شاهد و احكم حاكم و اصرح دليل و اوضح سبيل و اعظم حجة علي كل جاحد بأن المراد غير الذات المنزهة@المتنزهة خ‌ل@ عن مباشرة المذروءات و مجانسة المخلوقات فليست بذاتها محبوسة في زجاجة محبوسة في مشكوة محبوسة في بيوت متعددة نور علي نور مسمي باسم رجال رجل بعد رجل اي امام بعد امام كما روي في الكافي في باب منعقد لذلك فيها اخبار مبشّرة([13]) للاخيار منها ما روي عن ابي‏خالد الكابلي قال سألت اباجعفر7 عن قول اللّه عز و جل فآمنوا باللّه و رسوله و النور الذي انزلنا فقال7 يا باخالد النور واللّه الائمة من آل محمد9 الي يوم القيامة و هم واللّه نور اللّه الذي انزل و هم واللّه نور اللّه في السموات و في الارض واللّه يا باخالد لنور الامام في قلوب المؤمنين انور من الشمس المضيئة بالنهار و هم واللّه ينورون قلوب المؤمنين و يحجب اللّه عز و جل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم واللّه يا باخالد لايحبنا

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 273 *»

عبد و لايتولانا حتي يطهر اللّه قلبه و لايطهر اللّه قلب عبد حتي يسلم لنا و يكون سلماً لنا فاذا كان سلماً لنا سلمه اللّه من شديد الحساب و آمنه من فزع يوم القيامة الاكبر و منها ما رواه عن صالح بن سهل الهمداني قال قال ابوعبد اللّه7 في قول اللّه عز و جل اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فاطمة3 فيها مصباح الحسن المصباح في زجاجة الحسين الزجاجة کأنها کوکب دري فاطمة کوکب دري بين نسا‌ء اهل الدنيا توقد من شجرة مباركة ابرهيم7 زيتونة لا شرقية و لا غربية لا يهودية و لا نصرانية يكاد زيتها يضي‏ء يكاد العلم ينفجر بها و لو لم‏تمسسهم نار نور علي نور امام منها بعد امام يهدي اللّه لنوره من يشاء يهدي اللّه للائمة: من يشاء و يضرب الله الامثال للناس الي آخر الحديث الشريف.

فذلك النور بصريح الكتاب و شرح فصل الخطاب هو حقيقتهم: التي هي قبل جميع الاشياء من المشية الي المشاء كما اعترف به العامة فضلا عن الخاصة من انه9 اول ما خلق اللّه تعالي ليس قبله شي‏ء لا نور و لا ظلمة و لا وقت و لا مكان و لا غيب و لا شهادة و لا روح و لا جسم و لا سماء و لا ارض و لا شمس مضيئة و لا ارض مدحية و لا فاعل و لا قابل و لا والد و لا ولد بين الوالدين بل كان قبل الكان و قبل القبل اذ هو الاول الحقيقي الذي لا اول له فيصير اضافياً و قد اتفق الخاصة بأن الائمة الطيبين: كانوا من نوره و روحه و طينته كما ورد في مواضع عديدة و مواقع مجيدة اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة فكانوا: قبل الكان و قبل الكاف و النون المعبر عنهما بأمره تعالي كن كما روي عنهم: كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكونين موجودين فصفات التمكين للتكوين كانت للمكونين و هم غير مكونين عليهم صلوات المصلين فمن زعم انهم من جنس المكونين و اشترك معهم احد من المخلوقين فهو الكافر المشرك برب العالمين كما

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 274 *»

اخبر به الصادق الامين عليه صلوات المصلين كما يأتي في تفسير قوله تعالي و يحذركم اللّه نفسه و يحذركم ان تجعلوا الميم مخلوقاً و ذلك هو الكفر الصراح لدي من استضاء بنور ذلك المصباح و يهدي اللّه لنوره من يشاء و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و قد حقت الظلمات علي العميان و ان كان النور في اعلي درجات الظهور أولم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط.

بالجملة، و لاتزعم من ذلك ان النور هو اللّه تعالي لانه غير مكون كسائر المكونين بل هو اسمه و نوره لا ذاته و هي المنيرة له بأن‏جعله نوراً قبل جميع الانوار في جميع الاكوار و الادوار اذ به برزت الانوار في الاكوار بين الادوار و هو مع الدور قبل الدور و مع الكور قبل الكور و مع الطور قبل الطور فلايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و هو نور منير و قدرة قدير قبل المقدور و التقدير و ان لم‏يفهم الحمير فقد ابصر البصير بأن حكم المبادي غير حكم المنتهيات كما تري انه سبحانه بالحرارة يسخن و بالبرودة يبرد و هو بذاته ليس بحرارة و لا برودة و الحرارة بنفسها قبل المحرورات و بها صارت المحرورات موجودات و البرودة بنفسها قبل المبرودين و بها صاروا موجودين فليست الحرارة بمحرورين و لا البرودة بمبرودين كما كانت المفاعيل بالفعل موجودين و ليس الفعل بمفعول بل هو قبل المفعول و به صار المفعول مفعولا و كذا المشية غير الاشياء المخلوقة بها و هي القدرة و المخلوقات مقدورات بها قد كونها اللّه تعالي بها فهي بنفسها غير مكون بفعل غيرها بخلاف المكونات فانها مكونات بفعل هو غيرها و تلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون بأن نور الانوار و ظهور الجبار كائن غير مكون بنور آخر غيره كسائر الانوار فانها مكونات بنور غير انفسها فتوصيفه بصفات سائر المكونات هو الكفر الصراح كما يشير اليه الصادق الامين عليه و علي آبائه و ابنائه صلوات المصلين.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 275 *»

فلما شاء اظهار المشية اشرق من نور ذاته نور شعشعاني و هذا النور الشعشعاني غير نفس نور ذاته سبحانه بل نور النور و اشراق منه اشرق به لا بشي‏ء غيره كما انت تفعل ما تفعل بفعلك و لاتفعل فعلك بفعل غيره فنفس ذلك الاشراق هو المشية و هي المخلوقة بنفسها كما روي روايات كثيرة خلق الاشياء بالمشية و خلق المشية بنفسها فلما كانت موجودة بنفسها لا بشي‏ء غيرها فليست بمخلوقة مسبوقة بفكر و همّ و ارادة غير نفسها فهي بنفسها نفس شاء و نفس المشية كما تفعل افعالك بقوتك و لاتفعل قوتك بقوة غيرها و كما تفعل افعالك بنيتك و لاتفعل نيتك بنية غيرها و هي محدثة بها لا بشي‏ء سواها محتاجة اليك في احداثها لا من شي‏ء غيرها و لا بشي‏ء سواها و لا لشي‏ء غيرها و لا في شي‏ء عداها فهي الذكر الاول الذي به تذكر افعالك عندك فالمشية هي الذكر الاول للاشياء كما روي المشية هي الذكر الاول و الارادة هي العزيمة علي ما يشاء فلما كانت المشية هي اول الموجودات التي خلقت بنفسها ثم خلقت الاشياء بها لاتوجد فيها كثرة الا كثرة الانية و الموجودية و لاتجري عليها كثرات ماسواها التي هي اجرتها و لاتعود فيها ما هي ابدتها فلها في نفسها جهتان حيث الايجاد و حيث الانوجاد فلما كان ايجادها بنفسها لا بشي‏ء سواها كان انوجادها بنفس ايجادها فهي التعين الاول في ملك اللّه تعالي كان مع التعيين من اللّه و هما مساوقان في الوجود كالكسر و الانكسار ليس شي‏ء منهما قبل الاخر فصار الايجاد مادتها و الانوجاد صورتها و هما في غاية التناسب و نهاية التشاكل بل كانتا نصفين متضايفين بحيث كان وجود كل منهما بالاخر و هما شي‏ء واحد حقيقي لا تعدد فيه ابداً.

فان استشكلت في هذا المعني فتحيرت في ذلك المعمي فانظر في نفسك و تذكر قوله تعالي و في انفسكم أفلاتبصرون فان لك فعلا كلياً و قوة كلية ليس فيه شي‏ء من كثرات افعالك الجزئية من التعدي و اللزوم و الضرب

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 276 *»

و النصر و الحركة و السكون و القيام و القعود و القلبية و الجوارحية و ذلك الفعل فعل منك صادر عنك اوجدته به فان وجد هو بايجادك له به و ليس ايجادك له به قبل انوجاده و لا انوجاده قبل ايجادك و ليسا هما بشيئين متباينين بل كل واحد منهما موجود بالاخر و ليس فعلك الا فعلا واحداً حادثاً محتاجاً اليك له حيثان حيث الصدور و حيث الوقوع و الوجود فتبصر من هذا امرك فتذكر ان فعلك و مفعولك المطلق شي‏ء واحد له جهة اليك من حيث الصدور و الاصدار هو المسمي بفعل منك متحرك الفاء و العين و اللام كما له جهة الي نفسه و هي جهة الوقوع و الوجود و السكون فصار فعلا ساكن العين دون الفاء و اللام مشيراً الي احتياجه اليك اولا و آخراً و ظاهراً و باطناً الي حركتك و لا حول و لا قوة الا بك فالشي‏ء الحادث من فعلك هو مفعولك المطلق لا شي‏ء سواه و هو عين فعلك و تعين له و صورة و تأكيد بأنه غير غيره و غير ذاتك التي هي المحدثة له به.

فان عرفت ذلك في نفسك مصدقاً لقوله تعالي و في انفسكم أفلاتبصرون فاعلم ان المشية للشي‏ء هي نفس ذلك الشي‏ء اعلاه الحركة الايجادية و ادناه القبول الانوجادي و كل فعل له مفعول مطلق لايوجد فعل في ملك اللّه تعالي من دون مفعول مطلق فكل شي‏ء مخلوق موجود بنفسه عند مؤثره القريب@القريب منه خ‌ل@ و ان كان موجوداً بغيره بوسائط عديدة عند مؤثره البعيد فالمشية المطلقة قد تعلقت بالشي‏ء المطلق و هما الميم و الشين و المادة و الصورة و جهة الرب و جهة النفس و جهة النور و جهة الظل و امثال ذلك فلما كان النور المشرق اشراقاً من النور الاول عبر عنه بالضياء ليعلم ان الضياء هو المقابل للظل لا النور الاول اذ الضياء و الظل كلاهما صادران منه بهما ليس شي‏ء منهما اقرب اليه من شي‏ء آخر فالظل عنده كالضياء ضياء داخل فيهما لا كدخول شي‏ء في شي‏ء خارج عنهما لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء موجود في حضرتهما و غيبتهما من غير تناه اليهما.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 277 *»

فان عرفت ما عر‌ّفت لك فقد علمت ظهور النور في الظاهر و الظهور و هو اوجد و اظهر منهما بلا نهاية فهو الصادق عليهما بلا تفاوت فالضياء ظاهر لنفسه مظهر لغيره و الظل ايضاً ظاهر لنفسه مظهر لغيره و هو غير الظلمة التي ليست بظاهرة بنفسها و لا مظهرة لغيرها. فتنبه بأن الظل هو الضياء الذي لايذهب بالابصار و الفرق بينه و بين الضياء انه يذهب بالابصار لشدة لمعانه و بروقه فلما اراد اللّه سبحانه ان‏يجعله معروفاً جعل له حجاباً للاراءة و الهداية و لولا ذلك لامتنع الادراك و قد اخبر في القدسي كنت كنزاً مخفياً فأحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف مطلقاً لقوله تعالي و ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون اي ليعرفون فذلك الظل هو ظل اللّه كما ان ذلك النور هو نور اللّه و بهاؤه و ضياؤه لا فرق بينهما كما عرفت ان عرفت فجميع الضياء محجوب بالظل و جميع الظل مستضي‏ء بضياء ليس شي‏ء منهما فارغاً عن الاخر و ذلك الذي اشار اليه النبي9 انا و علي كهاتين و جمع بين سبابتيه كما يأتي و هما الميم و الشين فالميم اشارة الي المشية التي صدرها الميم و الشين الي الشي‏ء كما هي صدره و هما الضياء و الظل و هما محمد و علي صلوات اللّه عليهما و آلهما فالميم محمد9 المبعوث علي رأس الاربعين الذي هو درجة الكمال و منتهي الصعود الي ذي‏الجلال و عدد الزبر و البينات مع ظاهر الميمين اثنان و تسعون عدد محمد9 و هو السيد الميم في الاخبار و الشين مقام الولاية المطلقة التي جرت في درجاتها شمس النبوة التي هي النور و السراج و المصباح الاول. قال تعالي و جعلنا الشمس سراجاً و قال انا ارسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً اليه باذنه و سراجاً منيراً و شرح ذلك كله في آية النور في كمال الوضوح و الظهور لمن جعل اللّه له من نور و درجات السير في فلك الولاية مطابقة للعالم الظاهر اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور و هي ثلث‏مائة و ستون درجة لكل

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 278 *»

برج من البروج الاثني‏عشر ثلثون درجة و هي عدد اللام التي هي اصل اسم الولي و قطبه و الشين بزبرها و بيناتها ثلث‏مائة و ستون و هي عدد الاسماء الحسني التي هي حقائق هذه الدرجات كما روي في الكافي في باب حدوث الاسماء عن ابي‏عبد اللّه7 قال ان اللّه عز و جل خلق اسماً بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق و بالشخص غير مجسد و بالتشبيه غير موصوف و باللون غير مسبوق منفي عنه الاقطار مبعد عنه الحدود محجوب عنه حس كل متوهم مستقر غير مستور فجعله كلمة تامة علي اربعة اجزاء معاً ليس منها واحد قبل الاخر فأظهر منها ثلثة اسماء لفاقة الخلق اليها و حجب واحداً منها و هو الاسم المكنون المخزون فهذه الاسماء التي ظهرت فالظاهر هو اللّه تبارك و تعالي و سخر سبحانه لكل اسم من هذه الاسماء اربعة اركان فذلك اثناعشر ركناً ثم خلق لكل ركن منها ثلثين اسماً و فعلاً منسوباً اليها فهو الرحمن الرحيم الملك القدوس الخالق البارئ المصور الحي القيوم لاتأخذه سنة و لا نوم العليم الخبير السميع البصير الحكيم العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم المقتدر القادر السلام المؤمن المهيمن البارئ المنشئ البديع الرفيع الجليل الكريم الرازق المحيي المميت الباعث الوارث فهذه الاسماء و ما كان من الاسماء الحسني حتي تتم ثلث‏مائة و ستين اسماً فهي نسبة لهذه الاسماء و هذه الاسماء الثلثة اركان و حجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الاسماء الثلثة و ذلك قوله تعالي قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن اياً ما تدعوا فله الاسماء الحسني انتهي و زيادة الاعداد علي الثلثين محمولة علي ان بعضها ذكرت لصفة الاسم@للاسم خ‌ل@ السابق كما ان جملة لاتأخذه سنة و لا نوم صفة او حال للحي القيوم.

بالجملة فتدبر في هذا الحديث الشريف بنظر الاعتبار و ان عمي عن

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 279 *»

فهمه الاغيار و شاهد المقصود بلا غبار بأن الاسماء كلها حادثة و هي غير الذات و قد اعترف العامة فضلا عن الخاصة بأنه9 اول الحوادث فهو الاسم المكنون المخزون عنده و نوره الذي اشرق منه نور آخر شعشعاني لاثبت له الانوار فقوله7 لاثبت له الانوار صفة للنور المشرق و المراد ان لذلك النور تأثير([14]) لحدوث الانوار منه و ذاتية بالنسبة اليها و هي آثاره و صفاته و الذات غيبت الصفات فما  ثبتت الصفات عند سطوع نور الذات و لاتقوم بازائها ابداً و ذلك حكم حتمي من الحكيم في كل ذات بالنسبة الي صفاته حتي ان صفاتك لاتقوم بازاء ذاتك و هي غيبتها ابداً ألم‏تر انها لاتعد مع ذاتك فذاتك ذات واحدة و صفاتك متعددة و الواحد يمتنع ان‏يكون متعدداً و المتعدد يمتنع ان‏يكون واحداً فكذلك الانوار المتعددة هي آثار و صفات لذلك النور المشرق و هو واحد لا تعدد فيه و لا تكثر و انواره متعددة تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها منها نور العلم و منها نور القدرة و منها نور الحكمة منها نور العزة و منها نور العظمة و منها نور الكرامة و منها نور الفضل و منها نور العدل و منها نور الهداية و منها نور الرحمة و منها نور العفو و المغفرة و منها نور الحلم و منها نور الانتقام و هو ارحم الراحمين في موضع العفو و الرحمة و اشد المعاقبين في موضع النكال و النقمة و قد عبر عن تلك الانوار في الحديث المعروف الذي رواه المجلسي رحمه اللّه في سبق نوره9 علي جميع الخلق ما يري و ما لايري من الدنيا و الاخرة و اللوح و القلم و المكان و الوقت بمراتب عديدة و قد عبر عن تلك المراتب بعشرين بحراً فنزل نورهم: في كل بحر الي تمام العشرين ثم نزل في اثني‏عشر حجاباً الي تمام الاثني‏عشر فان اردت التفصيل فعليك بشرح ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 280 *»

الحديث الشريف فان فيه الكفاية في الهداية([15]) لاولي الدراية و السحق لمن يروي ما لايدري و حجة لاهل الغواية.

بالجملة فان اردت عدد تلك الانوار فاعلم انها بعدد انوار الاسماء الحسني فتلك الانوار كلها آثار ذلك النور الساطع و الضياء اللامع و هو داخل فيها بلا نهاية و خارج عنها بلا غاية فما ثبت منها عنده ثابت و هي باطلة مضمحلة ماخلا وجهه الكريم فانه اعز من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته و ان كان كل واحد منها في مقامه نور منير و قدرة قدير قد تعلق بشي‏ء من الاشياء في احداثه حتي ان منها ما وضع علي النهار فأضاء و علي الليل فأظلم كما ورد في دعاء رجب.

بالجملة فالدرجات الكلية لذلك ثلث‏مائة و ستون و جزئياتها بعدد الموجودات و ذراتها لايعلمها الا هو و هي لفاقة الخلق اليها كما تري فاقة المكونات الي جريان الشمس في الدرجات الثلث‏مائة و الستين ماتي في خلق الرحمن من تفاوت و اما الاسم المكنون المخزون عنده فلا ذكر للخلق فيه ففاقتهم التي هي فرع وجودهم لا ذكر لها فيه البتة فافهم المراد ان كنت من اهل الرشاد و الاشارة اليه مقطوعة كما اشار اليه اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين كشف سبحات الجلال من غير اشارة فأبشر ان كنت من اهله و لايحصل ذلك لاحد الا بجذبه و اللّه ولي التوفيق و هو الولي و قلبه اللام ظاهرها حرف واحد و ظهورها ثلثون نعم الارض طيبة فما بثلثين من وحشة في الغيبة و انتظر للظهور في مقام التفصيل في مرتبة الشهود التي هي بعد الغيبة للشين و هي اللام في المرتبة اللاحقة كما كانت هي الجيم في المرتبة السابقة و هي الاشارة الي الاسماء الثلثة التي جعلت لكل واحد منها اربعة اركان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 281 *»

حتي صارت اثني‏عشر و الجيم هي الميم المثلث الكيان مربع الكيفية المحيطة بالقبضات العشرة التسعة الفلكية و الواحدة الارضية فعند تمام الثلث‏مائة و ثلثة عشر قيام القائم الحق و عند تمامها الي الستين قيام الرجعة و اختصاص الدولة فهنالك الوَلاية للّه الحق و اما قبل ظهور الدولتين فقد اكتفي كل ولي بثلثين لرفع الوحشة و هي المستقر للشمس و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم.([16]) قال تعالي الذي يريك حين تقوم و تقلبك في الساجدين و احتمل القيام قيامه الظاهر او الباطن الذي هو الرجعة عند تمام الشين التي هي انوار الميم حيث لاثبت لها الانوار و هي النور المشرق الشعشعاني الذي غير بائنة عنه الانوار بينونة العزلة التي هي توجب التحديد و ان كانت بائنة عنه ببينونة الصفة التي توجب الوحدة و جذب الاحدية لصفة التوحيد فان الذات غيبت الصفات كما اشرت اليه بالتلويح الذي هو ابلغ من التصريح و ضربنا لك المثال في نفسك التي هي اقرب الاشياء منك حتي يتبين لك انه علي كل شي‏ء شهيد و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون و مايعقلها الا العالمون.

فأظهر النور الضياء اي النور المشرق و هو غير النور الاول كما اشرت اليه سابقاً و هذا النور هو مبدأ الضياء و الضياء لن‏يبين منه كبينونة محدود عن محدود فان كل ما يبين عن كل شي‏ء ينقص من ذلك الشي‏ء بقدر ما يبين عنه و ذلك النور لاينقص([17]) منه@عنه خ‌ل@ شي‏ء بعد اظهاره الضياء فالضياء اثر ذلك النور كأثر الشمس من الشمس لاينقص منه@عنه خ‌ل@ شي‏ء كما انك بعد احداثك لقيامك به لاينقص منك شي‏ء بعد احداثك اياه و كذلك لن‏يبين الضياء من ذلك النور ببينونة عزلة كما اشرت اليه و عرفت ان شاء اللّه.

و اظهر الضياء ظلا و قد عرفت ان شاء اللّه ان الظل ايضاً هو الضياء الا ان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 282 *»

الضياء انور منه و لايكون هذا الظل ظلمة فان الظلمة ضد النور و الضياء و الضد فاقد لضده و لايعقل ان‏يكون الضد اثراً لضده و ان‏يكون مؤثراً لضده و ذلك ظاهر ان شاء اللّه. فالمراد من الضياء هو المادة و المراد بالظل هو الصورة و قيام الصورة بالمادة قيام تحقق عندنا كما ان قيام المادة بها قيام ظهور فتحقق الظل بالضياء و ظهور الضياء بالظل و الشي‏ء الموجود مركب منهما فان اللّه سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه فبتركيبه بين المركبات علم ان لا تركيب له كما روي جميع ذلك في اخبار عديدة.

فاقام صورة الوجود بنفسي الضياء و الظل كما اقام كل شي‏ء بنفس@بنفسي خ‌ل@ المادة و الصورة و هما ركنان منه قام بهما قيام ركن و المراد بلفظ الصورة هنا غير الصورة التي تحققها بالمادة بل المراد منها هو الموجود المركب من المادة و الصورة و الموجود المركب من الضياء و الظل.

و جعل النور باطنه اي جعل اللّه النور المشرق باطن الوجود القائم بنفسي الضياء و الظل اي الضياء و الظل كلاهما اثران له الا ان الضياء هو الاثر الاول و الظل هو الاثر الثاني منه و هو مؤثر لمجموعهما الذي هو الموجود القائم بهما و هو صفته كالقائم الذي هو صفة زيد و النور ذات لها اي جعل اللّه تعالي النور باطناً و ذاتاً منه@ذاتاً له منه خ‌ل@ مبدؤها اي من النور او من الباطن او من الذات مبدأ تلك الصورة التي هي القائمة بنفسي الضياء الظل فقيامها بالنور قيام صدور و قيامها بالضياء و الظل قيام ركن و لعل اختلاف الضمائر في قوله باطنه و الذات منه مبدؤها في التذكير و التأنيث من غلط الكتاب و الامر عندنا سهل فان المراد و له المنة معلوم.

و كذلك الاسم غير متحد بنور بارئ خلقه فالمراد بالاسم هو الصورة الموجودة القائمة بنفسي الضياء و الظل كما يأتي بعد ذلك تسميتها به فلما بين7 ان النور اظهر الضياء و الضياء اظهر الظل و الظهور

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 283 *»

غير بائن عن النور و غير متحد معه لانه اظهره اراد ان‏يبين ان نسبة الاسم الذي هو قائم بنفسي الضياء و الظل الي النور كنسبة الضياء الي النور فهو ايضاً غير متحد و لا بائن فقال7 و كذلك الاسم غير متحد بنور بارئ خلقه بخلقه فبارئ الخلق خلق الخلق بالخلق لا بذاته كما روي في اخبار عديدة خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فكذلك خلق النور بنفسه و خلق الضياء بواسطة النور بنفس الضيا‏ء لا بنفس النور و كذلك خلق الاسم بواسطة النور بنفس ذلك الاسم لا بنفس النور و انما سمي مجموع الضياء و الظل بالاسم كما سمي ظهور زيد في القيام بالاسم فالقائم اسم الفاعل و هو ذات ثبت لها القيام فالذات الظاهرة بالقيام هي ظهور زيد كالضياء و القيام هو الهيأة الممتازة عن القعود كالظل و الضياء و الظل هو الاسم كالقائم فاذا عرفت نسبة القائم الي زيد عرفت نسبة ذلك الاسم الي النور فذات زيد غير فعله و ليس بذاته قام و لا قعد فاذا قام بنفس القيام لا بذاته و لا بشي‏ء من سائر افعاله صار قائماً و هو مركب من ظهور زيد و من هيأة@و هيأة خ‌ل@ القيام و هو غير القاعد و هما اثنان بالبداهة و ذات زيد واحدة بالبداهة و الاثنان غير الواحد بالبداهة و الواحد غير الاثنين بالبداهة و الاثنان اسمان للواحد و الواحد هو المسمي فمن زعم ان المسمي اثنان فثنوي و من زعم ان الاسمين واحد فهو غير عاقل و من زعم ان المسمي ليس له اسماء فهو كافر و من زعم ان الاسم هو المسمي فهو مشرك و من عرف المسمي بأنه واحد و له الاسماء و اوقع الاسماء علي الواحد فهو عارف فاولئك هم المؤمنون حقاً و اولئك اصحاب اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين كما ورد في الكافي و هو الكافي للمكتفي. بالجملة فاذا لم‏يتحد الاسم بنور بارئ خلقه بخلقه فكيف يتحد ببارئه.

فاذا بطن الاسم ففي ذاته اي ذات الاسم و غيبه بطن و غيبه هو الضياء و كل ماسواه به استضاء و هو الضياء بنفسه عند نور بارئه فليس ضوء كضوئه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 284 *»

و هو الذي ليس شي‏ء كهو الا هو و هو اسم من الاسماء الحسني فوق جميع الاسماء كما قدمه في سورة التوحيد قل هو اللّه احد يا هو يا من هو يا من لا اله الا هو و هو المثل الاعلي للّه تعالي و ليس كمثله شي‏ء و للّه الامثال العليا و الكبرياء و الالاء و المثل الاعلي اعلي من سائر الامثال فليس كهو الا هو فاذا كان المثل الاعلي غير ذاته سبحانه فكيف كانت الامثال آلهة و من يقل منهم اني اله من دون اللّه فذلك نجزيه جهنم.

فتعالي اللّه العظيم ان‏يصير حادثاً و حدوث الاسماء و تعددها مما وردت به الاخبار و قد عرفت الابرار بعين الاعتبار و عرفوها للاخيار لدي الاستخبار بشواهد الآثار المملوة في الاسفار و ربما حملها الحمار من غير حمله الي اولي الايدي و الابصار ان في ذلك لذكري لمن اراد الديار للوصول الي الديار و يهدي اللّه لنوره من يشاء.

بالجملة فاللّه تبارك و تعالي هو الرحمن الرحيم و ليس الرحيم هو الرحمن كما ليس الرحمن باللّه و هو صفة له و الرحيم صفة صفته@صفة خ‌ل@ فاللّه اللّه و هو الواحد القهار فان عرفت فأنت ممن سبقت له من اللّه الحسني و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام و لولا خوف من فرعون و ملائه لارخيت العنان و ابي اللّه عن ذلك في زمن الطغيان و هو مسبب الاسباب من غير سبب فلاتيأسوا من روح اللّه انه لاييأس من روح اللّه الا الضالون.

مصباح

قال7 يا مفضل فقد سألت عن المشية كيف ابداها منشئها فافهم ما انا ذاكر لك يا مفضل فقد سألت عن امر عظيم ان مولاك القديم الازل تعالي ذكره يبدئ مشيته لم‏يزل بها عالماً و كانت تلك الارادة من غير همة و لا حدوث فكرة و لا انتقال من سكون الي حركة و لا من حركة الي سكون@السکون خ‌ل@ لان القدرة طباعه و ذلك انه يظهر المشية التي هي اسمه و دل بها علي ذاته لا لحاجة منه اليه و لا غيب به فلما بدت بطبع الحكمة عند ارادته يكون

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 285 *»

الاسم و العلم بأن الحكمة اظهار ما في الكيان الي العيان و لو لم‏يظهر ما علمه من غامض علمه الي وجود معاينة بعضها لبعض لكان ناقصاً و الحكمة غير تامة لان تمام القوة الفعل و تمام العلم المعلوم و تمام الكون المكون.

بأبي انت و امي و نفسي و اهلي و مالي و اسرتي بكم علمنا اللّه معالم ديننا و اصلح ما كان فسد من دنيانا كلامكم نور و امركم رشد فاعلم ايدك اللّه ان المقرين بأن اللّه تعالي لم‏يزل عالماً بجميع الاشياء كثيرون و المدركين لذلك قليلون@قليلون قليلون خ‌ل@ لايعلمه الا الراسخون فذلك الاقرار المبذول رواية و حجة علي من يروي لمن يدري و قد من اللّه تبارك و تعالي علي من يدري بحمل من يروي و لايدري فكان سحقاً لمن يروي و بشري لمن يدري فاسع فيما يروي لعلك تدري و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر.

فاعلم ان اللّه تبارك و تعالي ليس بعلم صوري انتزاعي الذي عرفه المعرفون بأنه حضور صورة الشي‏ء عند العقل او حصوله له او هو الصورة الحاصلة عنده و لا بعلم اشراقي و لا بعلم انفعالي و لا بعلم انطباعي كادراك البصر ما انطبع فيه و لا كادراك المشاعر و ادراكاتها سواء كانت ظاهرة او باطنة من الحس المشترك الي العقل الي مافوقه لان لجميع هذه العلوم محلا قد حل فيه ما فيه من العلم و قد قام كل علم بعالمه و العالم غير العلم بهذا الاعتبار و الحيث و ان امكن اتحادهما بحيث آخر و انت تعلم ان شاء اللّه ان الذات جل قدسها تنزهت ان‏تكون محلا لشي‏ء من الاشياء سواء كانت علماً او شيئاً آخر لعدم نهايتها و انقطاعها بجميع الحيوث و الاعتبارات فلم‏يبق سواها شي‏ء حتي صار حالا فيها او محلا لها فعلمه سبحانه علم محيط بجميع الاشياء من جميع جهاتها و اقطارها و هو غير حال فيها كما لايكون محلا لها و ذلك العلم علم احدي محيط بكل شي‏ء لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض سواء كانت الذرة المفروضة امكاناً او كوناً

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 286 *»

او جوهراً او عرضاً او روحاً او جسماً او مادة او صورة او وقتاً او مكاناً او جهة او رتبة او وضعاً او فعلاً او انفعالاً او جدة او غير ذلك فان الشي‏ء اعم الاشياء و ذلك العلم محيط بكل شي‏ء فذلك علم لا جهل فيه لانه علم الجهل و الجاهل به فلايفقد شيئاً ابداً ازلاً و ذلك قبل المشية و هي فعل اللّه و قدرته التي بها خلق الاشياء و هي ايضاً من جملة الاشياء المخلوقة الا انها مخلوقة بنفسها و سائر الاشياء مخلوقة بها كما روي خلق اللّه المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فذلك العلم قبل المشية و قبل الاشياء المخلوقة بها و ذلك القبل ليس بأول الاوقات اذ هي كلها مخلوقة بالمشية بعدها فذلك العلم محيط بجميع الاشياء من جميع جهاتها قبل الاشياء بالقبل الذي ليس من الاشياء اذ كل الاشياء معلومات له قبل وجوداتها فذلك القبل اذ لم‏يكن من الاشياء كان عين العلم المحيط بالاشياء فذلك العلم غير مخلوق و لا محدث اذ المخلوقات مبدؤها المشية و ليس لها قبل المشية وجود فمن زعم انه مخلوق محدث فقد زعم انه سبحانه جاهل بالاشياء ثم احدث العلم لنفسه فصار عالماً بها نعوذ باللّه فذلك هو الكفر الصراح فاذا عرفت ما بينت و اوضحت و اجملت ان شاء اللّه فلعلك عرفت ان حيث المعلومية للاشياء غير حيث الموجودية لانها لم‏تكن لها حالة غير معلومة عند اللّه سبحانه ازلا و لها حالة غير موجودة في غير امكنتها بالبداهة فالحالة الموجودة محدثة و حيث المعلومية غير محدثة و هي ازلا معلومة و لم‏يكن الموجودات ازلا موجودة فان عرفت ما عرفت فأنت انت و ان لم‏تعرف فقل:

قد يطرب القمري اسماعنا   و نحن لانعرف الحانه

و اياك و المبادرة الي الانكار فان@لان خ‌ل@ اللّه سبحانه دعاك بلسان جميع رسله الي الاقرار بأنه سبحانه عالم ازلا بجميع الاشياء و هي معلومات له ازلا قبل وجوداتها لايتغير العلم بها ازلا و لايتغير المعلومية منها ازلا قبل وجوداتها فلما شاء ان‏يحدثها احدثها فباحداثه لها كانت موجودة في محالها فكان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 287 *»

محل المشية قبل الاشياء و قبل محالها من غير همة و حدوث فكرة و لا انتقال من سكون الي حركة و لا من حركة الي سكون اذ كل ذلك مخلوقة بالمشية و كان محالها بعد المشية و كذلك كان محل الاشياء جميعاً بعد المشية فوقع بعدها كل شي‏ء في موقعه كما شاء و شاء كما علم و علم المشية قبل الاشياء ازلاً و علم الاشياء بعدها ازلاً و لما كان علمه اولي بالتصديق اذ لا جهل فيه فكما علم شاء و كما شاء خلق الاشياء كما علم فعلم بعلمه الازلي الذي قبل الاحداث و شاء بنفس الاحداث و نفس الاحداث معلومة له ازلاً و خلق الموجودات بالاحداث الذي هو نفسه بنفس الموجودات فهي ايضاً موجودات بأنفسها عند الاحداث كما ان الاحداث موجود بنفسه عند اللّه تبارك و تعالي و قد علمها ازلاً بأنها مخلوقة بالاحداث اذ القدرة طباعه كما ان المقدورية طباع المقدورات و علم ازلاً بأن طباع المشية القدرة كما علم ازلاً بأن طباع المقدورات المقدورية و علم ازلاً بأن المشية اسمه الذي به خلق الاشياء فجعله علي طبق علمه الازلي اسماً له اعظم الاسماء كما علمه من غير احتياج منه اليه لعدم انقطاعه لديه و موجوديته في حضرته و غيبته بل لفاقة الخلق اليه اذ لو لم‏يكن الاحداث لم‏يكن المحدثات و لفاقة الاحداث بنفسه اليه اذ لايعقل الاحداث بلا محدث فهو منبئ عن اللّه تبارك و تعالي لان الاسم ما انبأ عن المسمي كما عرّفه اميرالمؤمنين7 من السلام.

و قوله7 و لا غيّب به اشارة لاهل البشارة و الحمد للّه بأنه لايحتجب عن اسمه و ما غاب به كما في الدعاء انك لاتحتجب عن خلقك بل هو موجود في حضرته و غيبته كما ورد في تفسير قوله تعالي انه علي كل شي‏ء شهيد و هو الظاهر و الباطن ليس لنفس الاسم شي‏ء الا ما اعطاه فماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فينسب اليه ما ينسب الي اللّه. من يطع الرسول فقد اطاع اللّه.

و قوله7 و العلم بأن الحكمة اظهار ما في الكيان الي العيان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 288 *»

اي العلم الازلي و المراد ان العلم الازلي بأن الحكمة اظهار ما في الكيان الي العيان يقتضي اظهار المشية و اظهار الاشياء بها لامتناع الجهل و لو لم‏يظهر ما علمه من غامض علمه الي الوجود معاينة بعضها لبعض لكان ناقصاً و الحكمة غير تامة و قد علم بعلمه الازلي بأن النقصان ليس من صفته كما علم بأن الحكمة من جملة صفاته فامتنع النقصان و وجبت الحكمة فامتنع عدم اظهار المشية في محلها كما امتنع عدم اظهار الاشياء بها في محالها و كل ذلك من اقتضاء العلم الذي لا جهل فيه فلزم كونها في امكنتها موجودة بعد ما كانت في حضرة العلم معلومة مشاهدة بعضها لبعض معاينة كما تري لان تمام القوة الفعل و تمام العلم المعلوم و تمام الكون المكون و قد علم اولوا الالباب لزوم التضايف بين المتضايفين و لزوم اللوازم للملزومات و بالعكس و لزوم العلل المعلولات و بالعكس و كذلك الفواعل و المفعولات و الافعال و القوابل و المقبولات و الاسباب و المسببات و الشرائط و المشروطات و امثال ذلك بحيث اذا وجد احدهما وجد الاخر و اذا فقد فقد الاخر كما هو معلوم عند العقلاء فضلا عن الحكماء فكل واحد من المتضايفين من تمام الاخر و قد سري سر التضايف في جميع العوالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فالمالك مالك بالمملوك و بالعكس فالمالك الذي لا مملوك له ليس بمالك فان سمي به لكان جامداً غير مشتق فلا معني له و كذلك العالم و المعلوم و العلم و القادر و المقدور و القدرة و السلطان و السلطنة و الرعية و السيد و السيادة و العبد و العبودية و النبي و النبوة و الامة و الامام و الامامة و الشيعة و الاب و الابوة و الابن كالام و الامومة و الابن و الزوج و الزوجة و هكذا الامر من الدرة الي الذرة و من الامر الي الخلق بحيث لايقدر احد علي فرض شي‏ء غير متضايف لشي‏ء في عالم الامكان و لا اقل من كون المفروض ان‏يكون فاعلا فله فعل او فعلاً فله فاعل او مفعولاً فله فعل و فاعل.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 289 *»

فان قيل علي ما قلت يكون وجود كل من المتضايفين بوجود الاخر فما معني لقوله7 لو لم‏يكن كذا لكان ناقصاً و علي ما قلت لو لم‏يكن احد المتضايفين لكان الاخر معدوماً لا موجوداً ناقصاً.

فأقول ان ما قلت مما شهد بصحته العقل و النقل و لات حين مناص في رده فالمراد من قوله7 لكان ناقصاً هو ما بيناه سابقاً من كون الروح الغيبية لو لم‏تحل في البدن لكانت ناقصة غير سميعة و لا بصيرة و هكذا فاقتضت الحكمة حلولها لتصير كاملة سميعة بصيرة او المعني ان المتضايفين و ان كان وجود كل منهما بوجود@من وجود خ‌ل@ الاخر الا ان كل واحد منهما هو هو و هو غير الاخر بالبداهة فالفاعل فاعل و فعله فعله و مفعوله مفعوله فلو فرض وجود كل واحد بدون الاخر لكان ناقصاً فوجود كل واحد من تمام الاخر فبذلك ظهر معني بعض الروايات لمن نظر و انصف و اعتبر كقولهم: كان اللّه عالماً اذ لا معلوم و قادراً اذ لا مقدور و خالقاً اذ لا مخلوق و قد علمت ان شاء اللّه الان كما كان و لم‏يكن معه شي‏ء([18])  من المعلوم و المقدور و المخلوق المعدود معه في بساطته و لكن المعلوم معلوم في محله كالمقدور و المخلوق و المعلوم غير العالم و غير المقدور و غير المخلوق و لاتزعم من ذلك ان التضايف واقع في جميع المراتب حتي يقع في البساطة و التركيب و القدم و الحدوث و الغناء و الفقر و امثال ذلك فان التضايف واقع بين المعدودات المتكثرة فان وقع كل محدود في عده و عد معه غيره([19]) جاء التضايف الذي هو النسبة بين المعدودات فاذا ارتفع الحدود و المحدود و المعدود و لو بالاعتبار و الحيث ارتفع التضايف البتة فأين التضايف بدون المتضايفين فتدبر و انصف.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 290 *»

مصباح

قال7 فافتح يا مفضل قلبك لكلام امامك و اعلم ان النور لم‏يكن باطناً في الذات و ظهر منه و لا ظاهراً منه فبطن فيه بل النور من الذات بلا تبعيض و غائب في غيبه بلا استتار و مشرق منه بلا انفصال كالشعاع من القرص و النور من الشعاع لمولاك.

بأبي انت و امي و نفسي و اهلي و مالي و اسرتي من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم اعلم ان الشي‏ء اذا خرج من شي‏ء تولد منه فتغير الشي‏ء عن كيانه و حصل له حالتان حالة الحمل و حالة الوضع كما اذا دخل فيه شي‏ء تغير ايضاً و حصل له حالتان حالة الانفراد و حالة الاقتران و لايعقل ذلك و لاينقل فيما لا نهاية له بكل اعتبار و لذا انزل اللّه تعالي قل هو اللّه احد اللّه الصمد و بينه بقوله لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد اذ كل شي‏ء تولد من شي‏ء و تولد منه شي‏ء فالاولاد اكفاء كالاباء و الفواعل اكفاء كالافعال و المفاعيل و الاصول و الفروع و الذوات و الصفات و الجواهر و الاعراض و الارواح و الاجسام و الشواخص و الاشباح و هكذا مما يري و لايري فما كان مثلها فهو مثلها في الحدوث و هو ممتنع للقديم فليس كمثله شي‏ء و لم‏يكن له كفو@کفوا خ‌ل@ فليس بمحل لشي‏ء فيكون المحال اكفاءه و ليس بحال فيكون الحوال اشباهه فالنور لم‏يكن باطناً فيه فظهر و لا ظاهراً منه فبطن فيه بل النور منه بلا تبعيض لان بعض الشي‏ء اذا انفصل عنه نقص و اذا اتصل ازداد و غائب في غيبه بلا استتار اي الذات غائبة في غيب النور بلا استتار لان الاستتار صفة الحوادث المحدودة المحجوبة و هي لا نهاية لها فليست بمحجوبة فلا ستر لها فتكون مستورة و مشرق منه بلا انفصال و هو بنفسه اشراق منه من غير اشراق آخر بلا انفصال لان كل منفصل محدود بانفصاله كما ان المتصل محدود باتصاله كالشعاع من القرص و النور من الشعاع

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 291 *»

لمولاك و هذا الكلام ظاهره انيق و باطنه عميق ليوصل كل ذي حق حقه و يسوق الي كل مرزوق رزقه كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظوراً فظاهره ان شعاع القرص اثر للقرص كما ان النور اثر للشعاع و لايوجد في الاثر شي‏ء الا ما احدثه المؤثر به كذلك النور الاول اثر للذات احدثه به و باطنه ان الذات لما كانت غير متناهية لاينسب اليها شي‏ء و لاتنسب([20]) الي شي‏ء اذ لا شي‏ء معها في عدم نهايتها اذ كل ما كان معه غيره كان محدوداً متناهياً فتلك النسبة المنسوبة بين القرص و شعاعه و بين النور و الشعاع هي النسبة بين ذلك النور و مولاك و هو نور مولاك.

مصباح

قال7 يا مفضل اخترع الاسم الاعظم و المشية التي انشأت الاشياء و لم‏يكن للنور عند اختراعه الاسم زيادة و لا نقصان و الاسم من نور الذات بلا تبعيض و ظاهره بلا تجزي يدعو الي مولاه و يشير الي معناه و ذلك عند تغير كل ملة لاثبات الحجة و اظهار الدعوة ‏و ليثبت علي المقر اقراره و يرد علي الجاحد انكاره فان غاب المولي عن ابصار خلقه فهم المحجوبون بالغيبة ممتحنون بالصورة.

مراده7 بالاسم الاعظم هو القائم بنفسي الضياء و الظل و هو المشية انشأت الاشياء و اخترعه النور و لم‏يكن للنور عند اختراعه الاسم زيادة و لا نقصان فكما ان الذات عند اظهارها النور ليس لها زيادة و لا نقصان لانها لم‏تلد لان المتولد المنفصل ينقص في الوالدة بعد زيادتها كذلك النور عند اختراعه الاسم لم‏يكن له زيادة و لا نقصان ماتري في خلق الرحمن من تفاوت كما انت اذا قمت و صرت قائماً فصار القائم اسماً لك من غير زيادة و لا نقصان فيك عند اختراعك القائم و كل اثر صادر عن مؤثره من

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 292 *»

غير زيادة و لا نقصان في نفس المؤثر لان الاثر ما بان من المؤثر حتي حصل منه النقص له بعد زيادة و ذلك معني قوله7 و الاسم من نور الذات بلا تبعيض اذ كل مبعض ينقص بعد التبعيض بخلاف المؤثر فانه احدث الاثر به من غير تبعيض و زيادة و نقصان و تغير و كذلك الاسم هو ظاهر النور كما ان القائم هو الظاهر منك و الظاهر ايضاً ظهر بنفسه من غير تجزي و تغير و تبعض يدعو الي مولاه كما ان القائم في قولك انا قائم خبر منك حاك راو عنك يدعو اليك كذلك الاسم يدعو الي مولاه و يشير الي معناه و ذلك عند تغير كل ملة اي قيام الاسم عند تغير كل ملة لانه جاء للتغيير بصورة آدم7 في عصره و بصورة نوح و ابرهيم في عصرهما و هكذا الي آخر الابد لابد من قيام قائم داع للّه سبحانه لاثبات الحجة و ايضاح المحجة قال7 الا و انا نحن النذر الاولي و نذر الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان و قال7 انا الذي اتقلب في الصور كيف اشاء من رآهم فقد رآني و من رآني فقد رآهم قال تعالي الذي يريك حين تقوم و تقلبك في الساجدين و لايعقل و لاينقل ان‏يثبت دعوة بغير داع قال تعالي اني جاعل في الارض خليفة فان غاب المولي فقد قام الخلفاء بين الناس ليثبتوا علي المقر اقراره و ليردوا علي الجاحد انكاره فالخلق محجوبون بغيبة المولي ممتحنون بالصورة العظمي.

مصباح

قال7 التي ظهر بها الاسم ضياء نوره و ظل ضيائه الذي تشخص به للخلق لينظروه و دلهم علي بارئه ليعرفوه بالصورة التي هي صفة النفس و النفس صفة الذوات@الذات خ‌ل@ و الاسم مخترع من نفس الذات ذلك سمي نفساً و لاجل ذلك قوله تعالي و يحذركم اللّه نفسه و انما حذركم ان‏تجعلوا الميم مصنوعاً و الا لكان الذات محدثاً مصنوعاً و هذا هو الكفر الصراح.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 293 *»

صلة الموصول اما اجزاء او ابعاض او المادة و الصورة و امثالها في التقدير فمادة ذلك الاسم ضياء نور الذات سواء كان النور الاول او الثاني الشعشعاني و صورته ظل الضياء و قد مرت الاشارة الي بيانهما فالضياء جهة الرب و الظل جهة النفس التي بها تشخّص للخلق لينظروا اليه و دلهم علي بارئه ليعرفوه و لولا ذلك الظل لاضمحلال@لاضمحل خ‌ل@ الضياء في النور و لم‏يتعين للظهور كما تري تعين كل شي‏ء بما به امتيازه عن غيره فاذا جاء التعين حصل التشخص في كل مقام بحسبه فأمكن الدلالة لوجود الدال الذي هو الدليل الذي هو التشخص و قد روي في القدسي كنت كنزاً مخفياً فأحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكي‏اعرف و كيفية الدلالة ظاهرة في كل خبر بالنسبة الي مبتدئه@مبتدائه خ‌ل@ من غير رمز فان الخبر هو المبتدأ الظاهر له به و المراد منه اي المبتدأ ايضاً موجود في حضرة الخبر و غيبته التي هي المبتدأ لعدم انقطاع المراد و عدم نهايته في كل مقام بحسبه بالنسبة الي المبتدأ و الخبر فان كنت من اهل الطريقة المستقيمة لسقيت ماء غدقاً فتلك الصورة هي المشية المخلوقة بنفسها و هي اول الموجودات و مبدأ الكائنات و بها كونت الموجودات في جميع الدرجات و هي صفة النفس التي هي صفة الذات قد تجلت لها بها و بها امتنعت منها من غير تغير زيادة و نقيصة و هي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن و هي قبل المشية و المشاءات و هي صفة القدس و التنزه عن المذروءات و ظهور القيومية علي الموجودات و غناؤه المطلق عن الكائنات قد ملئت بها الارضون و السموات و الايات و العلامات التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه انت دللتني عليك و دعوتني اليك و لولا انت لم‏ادر ما انت و ذلك كله موجود في الذكر الحكيم قد عرفه اهل الدراية و كان سحقاً علي اصحاب الرواية فانهم يروون ما لايدرون سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 294 *»

يتبين لهم انه الحق أو لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط.

و انت لو عرفت معني البساطة الحقيقية عرفت ان الاحاطة صفة المحيط و ليس بينها و بينه بينونة عزلة كبينونة المتباينين بل يكون البينونة بينونة صفة و من عرف ذلك عرف انه سبحانه لم‏يزل و لايزال محيطاً و الاحاطة صفة قيوميته علي ماسواه و بها عرف انه قديم فلو كان محدثاً لدل علي حدوث الذات و هو الكفر الصراح فيحذركم اللّه نفسه ان‏تجعلوها متصفة بصفة الحدوث فان اختلج الخليج تعدد القدماء فاقلع الشجر عن اصله و القم الحجر في فمه بأن التعدد واقع بين المتناهيات و غير المتناهي من كل جهة و لا جهة لايعقل التعدد فيه و لايوجد معه شي‏ء سواه كائناً ما كان و ما كان معه سواه فهو المحدود فلايعقل تعدد غير المتناهي و قد كان لم‏يزل و لايزال محيطاً و ليس معه شي‏ء حتي الاحاطة فان عرفت ما عرّفت فقد وصلت و الا فذره في سنبله و تضرع الي اللّه لجذبك و هو من فعله لا من فعلك و افعل بي ما انت اهله و لاتفعل بي ما انا اهله لسان الحال في جميع الاحوال و لا حول و لا قوة الا باللّه:

خليلي قطاع([21]) الفيافي كثيرة   و لكن ارباب الوصول قليل

و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر فكيف لرؤية الاقل اذ لم‏ير الاكثر([22]) فتلك النفس هي صفة الذات و هي ذات مشية اللّه و المشية صفتها و الاسم لها و لاتذهبن بك المذاهب بأنه اذا كان الاسم و الصورة و المشية صفة النفس و النفس صفة الذات فلابد و ان‏يكون@ان‌تکون خ‌ل@ المشية ايضاً غير محدثة و الا لدلت علي حدوث النفس التي دلت علي حدوث الذات و هو الكفر الصراح و ظواهر الاثار دلت علي حدوث المشية بنفسها

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 295 *»

و حدوث الاشياء بها فكيف التوفيق و اين التحقيق الحقيق بالتصديق و ازيل الوحشة بآثار مثلها دلت علي انه سبحانه لم‏يزل و لايزال قادراً و القدرة صفة غير مسلوبة عنه ازلا ابداً و ماكان و لايكون عاجزاً ازلاً ابداً و القدرة التي ضدها العجز هي القدرة الفعلية لا القدرة الذاتية اذ ليس لها ضد كما لا ضد للذات و القدرة الذاتية غير عارضة للذات اذ ليست بمحل العوارض فهي عينها فلاجل@و لاجل خ‌ل@ ذلك وردت آثار بأنه سبحانه عالم في ذاته بغير علم و قادر بغير قدرة اي بغير علم زائد علي ذاته و بغير قدرة زائدة عليها.

بالجملة فالقدرة التي قد تعلقت بخلق الاشياء فهي فعله و مشيته لا ذاته سبحانه فانها غير متعلقة بشي‏ء@بشيء من الاشياء خ‌ل@ لتنزهها و امتناع الاشياء لديها فالمشية و ان احدثها بها و لكنها محدثة قبل جميع الاوقات و الامكنة‏ و قبل القبل و البعد اذ هي كلها محدثة بها و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته فلم‏يكن وقت و لا مكان لم‏تكن فيهما المشية فلم‏تزل و لاتزال كانت قدرة مطلقة بها يفعل ما يشاء بما يشاء كيف يشاء و من الاشياء الاوعية و الاوقات و الامكنة للمخلوقات فلاتوحش استيناس آثار بآثار آخر و تجسس خلال الديار و ابتغ الامر المطلوب بين الامرين و لاتصعد الي احد الصدفين فتقع الي الطرفين الافراط و التفريط و احترز عن الغلو و التقصير و اقصد في مشيك في وسط المصير فان اليمين و الشمال مضلة و الطريق الوسطي هي الجادة النمرقة@و النمرقة خ‌ل@ الوسطي هي الممهدة للراحة يرد اليها الغالي و يلحق بها التالي.

فاعلم ان الشي‏ء اذا كان كان له ثلث مراتب و يمتنع ان‏يتخلف مرتبة عن مرتبة و يمتنع ان‏تكون مرتبة بدون المرتبتين و ذلك السر سار من اعلي درجات الوجود الي منتهي الشهود حتي اذا نظرت الي حجر واحد تراه ذاثلث مراتب مرتبة ذاته و مرتبة كونه امكاناً للحركة او السكون و مرتبة حركته او سكونه فمادام هو هو يكون له امكان الحركة و السكون و مادام امكاناً لهما يكون اما متحركاً او ساكناً و لو لم‏يكن ساكناً او متحركاً

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 296 *»

لم‏يكن امكاناً لهما و لو لم‏يكن امكاناً لهما لم‏يكن هو اياه فهو هو و امكانه فعله و قوته و قدرته و حركته او سكونه مفعوله و لايعقل كونه من غير فعله كما لايعقل فعله من غير مفعوله و مفعوله مفعوله و ليس بفعله و لا بذاته و فعله فعله ليس بذاته و لا بمفعوله و ذاته ذاته ليست بفعله و لا مفعوله و هذه المراتب الثلث ليست بثلثة اشياء متباينات كل واحدة منها محدودة بالاخري اذ كل محدود بحد غير مؤثر في محدود بحد آخر خارج عن حد الاول فتفكر في ذلك و لاتسامح و كأين من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فلاتكونن منهم و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون الذين شهدوا بالحق و هم يعلمون ان الامر واحد من عند الواحد جل شأنه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فاذا شهدت الامر بالحق لاتري فيه عوجاً و لا امتاً و علمت ان الذات غيبت الصفات فاذا رأيت الذات رأيت امتناع الصفات معها و اذا رأيت الصفات رأيتها انها نفس الاضافة الي الذات و هي صفة الذات و ليس لها حقيقة سوي نفس الاضافة فاذاً هي اشارة@الاشارة خ‌ل@ الي الذات غير مرية سواها حتي نفسها و كذا الصورة التي هي نفس الضياء و الظل صفة النفس التي هي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن و من آفات الجهالات امن و لم‏يشق بعد ابداً فتلك الصورة هي القائمة في كل مقام في كل مكان يعرفه بها من عرفه و انكره بها من انكره فكان في زمن آدم الي الخاتم9 لاقامة الحجة و ايضاح المحجة فكان مع كل نبي و وصي في الباطن الي ان صار وصي الخاتم9 في الظاهر و هو مع الدور قبل الدور و مع الكور قبل الكور لم‏يزل و لايزال ملك كريم لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و لا حول و لا قوة الا باللّه و انما عبر عن تأخر مقامه دون مقام الميم بالحدوث و اين الحدوث الذي في المحدثات و الاحداث الذي به حدثت الموجودات فهو خلق ساكن و امر ثابت لم‏يزل

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 297 *»

و لايزال و لكن لايدرك بالسكون لاضطراب العيون لئلايري العلم ذوجهل فيفتتنا قال7 الا و انا نحن النذر الاولي و نذر الاخرة و الاولي و يقول7 من اراد ان‏ينظر الي آدم و شيث فها انا ذا آدم و شيث و من اراد ان‏ينظر الي نوح و سام فها انا ذا نوح و سام الي آخر المقام هو الفاتح الخاتم كما في الزيارة بكم فتح اللّه و بكم يختم و لولا الخوف المحذور و الامر المقدور من فراعنة الاوعال و تبعة الدجال لارخيت عنان القلم و وضعت في الميدان القدم حتي تري الحال علي وضع المتعال و قد ابي اللّه ذلك في تلك الاحوال فرمزت و ابهمت و اوضحت و اجملت و لوحت و صرحت و اللّه يقول الحق و هو يهدي السبيل و قد اشار الي ذلك في قوله اللّه نور السموات و الارض الي قوله رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه فهو المحتجب و هم حجبه و حججه و خلفاؤه صلوات اللّه عليهم اجمعين.

مصباح

قال7 و اعلم يا مفضل انه ليس بين الاحد و الواحد الا كما بين الحركة و السكون او بين الكاف و النون لاتصاله بنور الذات قائمة بذاتها و هو قوله تعالي ألم‏تر الي ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلا يعني ما كان فيه من الذات فالصورة الانزعية هي الضياء و الظل و هي التي لاتتغير في قديم الدهور و لا فيما يحدث من الازمان فظاهره صورة الانزعية و باطنه المعنوية و تلك الصورة هيولي الهيولات و فاعلة المفعولات و اس الحركات و علة كل علة لا بعدها سر و لايعلم ما هي الا هو.

اعلم ايدك اللّه بنصره و بالمؤمنين ان الفرق بين الاحد و الواحد قد خفي علي المنتحلين فكم من زاعم من الاولين و الاخرين يزعمهما من المترادفات

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 298 *»

و قد يوجد من يزعم انهما من المتباينات فلا ذا و لا ذاك من وضع مولاك كما اشار اليه هناك فهما ليسا بشيئين و لا بشي‏ء واحد و لايطرق ذلك سمع احد الا سمع من القي السمع و هو شهيد فتدبر فيما اقول تصل المأمول و لاينبئك مثل خبير فاعلم ان الاحد ليس من العدد و الواحد اول العدد في مقام التفريق عند التحقيق فلذا قال تعالي و ماامرنا الا واحدة و لم‏يقل الا احد لان امره هو مشيته التي اول الموجودات خلقت بنفسها ثم خلقت الاشياء بها فهي صادرة عنه بنفسها كما ان فعلك الكلي صادر عنك به لا بفعل غير نفسه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و لذلك الفعل مادة و صورة لامحالة لان اللّه سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و لايعقل ان‏تكون مادته او صورته نفس الذات جل قدسه لعدم نهايته فلايكون حالا و لا محلا@و محلا خ‌ل@ لشي‏ء فذلك الواحد صفة له وصف به نفسه و هو الموصوف في صفته كما انت موصوف بصفتك في صفتك فتدبر في نفسك و صفتها تجده ما اردت من عرف نفسه فقد عرف ربه و لابد من بيان امر الصفة في الجملة لتكون علي بصيرة في المطلوب ان شاء اللّه.

فاعلم ان للصفة معنيين احدهما انها عارضة علي معروضها كالطول العارض علي الطويل فتلك الصفة مقترنة بمعروضها فبهذا المعني وردت خطب و اخبار عن الائمة الاطهار صلوات اللّه عليهم ان لاتصف اللّه سبحانه بها كما قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين كمال التوحيد نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهاة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل و المعني الثاني لها هو المصطلح في النحو كما تقول زيد العالم فالعالم هو الذات الظاهرة بالعلم و هو بمادته التي هي الجوهر و بصورته التي هي العلم کليهما كان صفة لزيد و تلك الصفة غير مقترنة بذات زيد ألم‏تر ان ذاته

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 299 *»

كانت قبل اكتساب العلم و لم‏يكن اذ ذاك علم ثم صارت بعد التعلم عالماً و صار العالم صفة لها غير مقترن بها فتدبر في ذلك لئلاتزل قدمك فانه من المزال لاهل الضلال و قد سبقت الحسني من اللّه من اراد هدايته لنوره فبهذا المعني يكون الواحد القائم بنفسي الضياء و الظل كما عرفت سابقاً صفة للاحد من غير اقتران فالاحد هو الواحد لا فرق بينه و بينه الا انه هو و الواحد صفته فالبينونة بينهما بينونة صفة لا بينونة عزلة اذ لايعقل و لاينقل كون شي‏ء من غير تكوين اللّه سبحانه فتدبر في صفة من صفاتك او صفات غيرك فأنت وحدك محدث لفعلك به دون غيرك كائناً من كان بل كائناً ما كان ففعلك منك لا من غيرك فلاجل ذلك صرت انت وحدك ذافعل ففعلك غير منفصل عنك و انت موجود في حضرته و غيبته و هو ظهورك و انت الظاهر له به و الظاهر اظهر من نفس الظهور لوجوده في حضرته و غيبته فان كنت من اهل قوله تعالي و الذين يصلون ما امر اللّه به ان‏يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب فاحذر كل الحذر الذين([23]) ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه و يقطعون ما امر اللّه به ان‏يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار و احذر كل الحذر من قوله تعالي يريدون ان‏يفرقوا بين اللّه و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض.

فاعلم ان الواحد هو صفة الاحد و اسمه و رسمه ان عرفته فقد عرفته و ان جهلته فقد جهلته فاذا عرفته عرفت انه موجود بلا نهاية في حضوره و غيبته فقد رأيته فيه فان لم‏تره و تري نفسي الضياء و الظل تري الواحد الذي هو صفة الاحد و قد مر في الفقرة السابقة انه صفة النفس و النفس صفة الذات فراجع فلاجل ذلك الاتصال المنفصل للانفصال قال7 ليس بين الاحد و الواحد الا كما بين الحركة و السكون فان ماسوي الحركة هو السكون و ليس بينهما فصل فاصل غير الحركة و السكون و كذا لا فصل بين الكاف و النون في قوله كن فيكون فلاجل هذا الاتصال الذي لا نهاية له

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 300 *»

لعدم نهاية الذات جل قدسه المشار اليه في قوله تعالي ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون قال7 لاتصاله بنور الذات و قد عرفت سابقاً ان نور الذات غير الذات فالمشية قائمة بنور الذات كالقائم الذي هو قائم بظهورك به لا بنفس ظهورك الكلي و تأنيث القائمة محتمل من الكتاب او الاشارة الي ان الواحد هو الصورة التي قامت بنفسي الضياء و الظل كما مر و دلالة الاية المستدل بها خفية في غاية الخفاء لمن دب و درج في جو السماء الا لمن سبقت له من اللّه الحسني.

و الاشارة لاهل البشارة من اولي الدراية لا لكل قارئ للعبارة معترف للرواية سحقاً له و حجة عليه ان الفعل و ان ظهر من الخلق كحدوث الظل بالضياء و ظهور الظل بالشمس@کحدوث الظل بالشمس و ظهور الظل بالضياء خ‌ل@ كما مر سابقاً و لكنه من فعل اللّه سبحانه وحده لا شريك له لا فاعل في الوجود الا اللّه و هو الفاعل@الخالق خ‌ل@ من غير شراكة لغيره و قد خلقكم و ما تعملون فالعمل و ان كان عملكم فهو مخلوق له مثلكم فالشمس و ضياؤها و الظل الممدود كلها من خلقه فهو سبحانه مد الظل وحده ثم جعل الضياء دليلا عليه لان الضياء او الشمس ظهور من ظهورات نور الذات و هو الظاهر فيهما فهو الفاعل لفعلهما فلاجل ذلك قال7 يعني ما كان فيه اي في الواحد من الذات و ذلك لعدم نهاية الذات فتحول بينه و بين قلبه او المراد بما كان فيه من الذات هو ذات المشية لا ذات النور و ذاتها هي الضياء و صفتها هي الظل كما مر و اما قوله7 فالصورة الانزعية هي الضياء و الظل تصريح منه من غير تلويح لمن اراد الصريح بأن الصورة الانزعية التي رأيت علي المنابر هي مشية اللّه سبحانه اذ هي الضياء و الظل كما مر و قد قامت الضرورة من المسلمين بجميع فرقهم بأن محمداً9 اول ما خلق اللّه و قد شهد الخاصة بأن اهل بيته: من طينته اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق فهم اول الخلق و اشرفهم و اقربهم الي اللّه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 301 *»

تعالي فهم المشية المطلقة للّه سبحانه و هم الواحدة في قوله تعالي قل انما اعظكم بواحدة و قوله و ما امرنا الا واحدة كما ورد نحن امره و حكمه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه ما نريد و هي لاتتغير في قديم الدهور و لا فيما حدث من الازمان اذ بالمشية خلق اللّه الاشياء و اجري بها كل تغير و حدوث و شي‏ء من الاشياء و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته فلايعقل التغير@التغيير خ‌ل@ فيها كما لاينقل كما اشرت اليه في الفقرة السابقة فظاهره صورة الانزعية و باطنه المعنوية فذكر الضمير مرة و انث اخري لجواز الرجوع الي ظاهر اللفظ و@او خ‌ل@ المعني و ظاهره@ظاهرة خ‌ل@ الانزعية عن غير اللّه تعالي و عن الشرك و المعاصي و النقائص لانه ظل اللّه و كمال اللّه الظاهر في عرصة الخلق فليس فيه شي‏ء من غير اللّه تبارك و تعالي فهو للّه و في اللّه و من اللّه و الي اللّه و باطنه المعنوية اي الضياء الذي ظهر من النور الاول فلولا الظل لم‏يكن له تعين فلم‏يكن التمييز بينه و بين النور الاول كما ان التمييز في كل مقام بصورة الشي‏ء لا بمادته و لذا قال تعالي و يصوركم في الارحام و لذا قال7 ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك فظاهره الامامة لجميع من سواه و ماسواه و به امتاز عماعداه اذ كلها مخلوقة به و هو مخلوق بنفسه و كل محدود و هو غير محدود و كل متناه و هو غير متناه فتعينه عدم التعين و نهايته عدم النهاية فمافوقه@مافوقه خ‌ل@ فوق ما لايتناهي بما لايتناهي و غيب ممتنع لايدرك فلاجل ذلك قال7 و تلك الصورة اي الصورة الانزعية التي هي الظل هيولي الهيولات و فاعلة المفعولات و اس الحركات و علة كل علة لا بعدها سر و لايعلم ما هي الا هو.

اعلم ان القدرة المطلقة و المشية الغير المتناهية هي علة العلل و اس الحركات و فاعلة المفعولات و هيولي الهيولات و مبدأ الخلق من اوله الي آخر المنتهيات من اتفاقيات العقول و النقول اما انها هي الذات او شي‏ء زائد علي الذات او هي غير الذات و غير زائد عليها بل هي مخلوقة

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 302 *»

بنفسها و الاشياء مخلوقة بها بأنفسها لا بنفسها مطرح للانظار و محط للافكار و مزلة الاقدام و مضلة الاعلام و الذي يساعده الاعتبار من المعقول و المنقول هو ثالث الاقوال و لعلك علمت الحال ببركة الاخيار الابرار و الاشارة الي نوع الاستدلال انه لايعقل التركيب و التحديد في الذات بوجه من الوجوه فهي غير متناهية الي شي‏ء من الاشياء سواء كانت فعلاً او مفعولاً او علة او معلولاً او سبباً او مسبباً او مبدأ او منتهي او اولاً او آخراً او ظاهراً او باطناً او مادة او صورة او مجرداً او مادياً او غيباً او شهادة او جوهراً او عرضاً او شاخصاً او شبحاً او غير ذلك مما يسمي بشي‏ء فلاتكون هي الا هي فليست حالاً في شي‏ء و لا محلاً له و لا عارضاً لشي‏ء و لا معروضاً له اذ لا شي‏ء سواها حيث هي مثبتاً و منفياً و لا ذكر لشي‏ء معها اثباتاً و نفياً فهذا من جهة العقل و اما من النقل فقد علمت و الحمد للّه انه وردت اخبار عديدة صحيحة متواترة بأن اللّه سبحانه خلق المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فهي اول الموجودات و مبدأ الكائنات و سبب الاسباب و علة العلل و هيولي الهيولات و اصل الاصول و اس الحركات و من جملة آثارها الفواعل فضلاً عن المفعولات فهي فاعلة المفعولات بها تحركت المتحركات و سكنت السواكن و العجب العجاب ان ذلك كله غير نكير لدي كل عاقل لم‏يتعمد علي الانكار و لكنه لما تكلم و ادعي لنفسه ما هو ثابت لها و قال انا مع الدور قبل الدور و انا مع الكور قبل الكور و قال انا مع كل نبي في السر و مع محمد9 في العلانية و قال الا و انا نحن النذر الاولي و نذر الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان صار محلا للانكار و الاستكبار و انها لكبيرة الا علي الخاشعين و سر ذلك مودوع عند الراسخين بأنه فصل الخطاب و الباب المبتلي به الناس من اتاه فقد نجا و من لم‏يأته فقد هلك و لولا ذلك فبم لم‏يستوحشوا من قيام جميع الخلق بأمر اللّه و هو غير اللّه و من كون الجميع آثاراً لمشية اللّه و هي غير اللّه و من نقش القلم و كتبه ما كان و ما يكون بأمر اللّه و من قوة

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 303 *»

الملائكة المقربين و تصرفهم في الاشياء و من قوة الحوت الحامل للثور و الثور الحامل للارضين السبع و امثال هؤلاء مما لم‏يستوحشوا فيما لهم و هم مخلوقون للّه و هم غير اللّه و لكنهم استوحشوا فيما للائمة: و هم سادة السادات فالاكثر هم المبادرون الي الانكار و ان اتفق الاقامة من البرهان بلسان الاخيار الابرار بحيث عجز قليل منهم عن الانكار اخذه الاستكبار و الادبار و تكرر القول بالاكثار مبادراً بأنهم فعلوا ما فعلوا باذن اللّه او بغير اذنه و العالم يعلم انهم: هم اذن اللّه و هم فعل اللّه و هم مشيته و ارادته و قدره و قضاؤه.

بالجملة فالمشية حدثت بنفس@بنفسي خ‌ل@ الضياء و الظل و الضياء جهتها الي النور الاول و الظل جهتها الي سائر الخلق و الضياء هو المعنوية الباطنة و الظل هو الانزعية الظاهرة و ليس بعدها سر اذ هي السر الساري في الاسرار من غير ستر و لا غبار و ان لم‏يعرفه الاغيار و الحمد للّه و كان قبلها سر و هو نور الانوار و سر السر و سر مقنع بالسر محجوب بغير حجاب مستور من غير حجب باب قد خفي لشدة نوره و استتر لعظم ظهوره غيب ممتنع لايدرك من غير غياب و لا امتناع تراه الاعين البصيرة و وعاه السمع الواع عميت عين لاتراه و لايزال عليها رقيباً و خسرت صفقة عبد لم‏يجعل له من حبه نصيباً و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و لا حول و لا قوة الا باللّه.

مصباح

قال روحي فداه عليه و علي آبائه و ابنائه سلام اللّه و يجب ان‏يعلم يا مفضل ان الصورة الانزعية التي قالت ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك ليست كلية الباري و لا الباري سواها و هي هو اثباتاً و ايجاداً و عياناً و يقيناً لا هي هو كلاً و لا جمعاً و لا احصاء و لا احاطة.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 304 *»

فلعلك@لعلک خ‌ل@ عرفت مما اسلفنا من الايضاح في الافصاح لمن اطفأ السراج لوضوح الصبح ان اللّه سبحانه فوق ما لايتناهي بما لايتناهي فلايخلو منه مكان و لا زمان و لا شي‏ء من عالم الامكان و الاكوان و الاعيان فلم‏يوجد شي‏ء من الاشياء الا و هو داخل فيه لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارج عنه لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء فليس شي‏ء عينه لانه محيط بجميع الاشياء احاطة لاتتناهي و ذلك الشي‏ء غير محيط بسائر الاشياء بل هو محدود في حده خارج عن جميع حدود ماسواه و كما لم‏يكن ذلك الشي‏ء عينه لنهايته و عدم نهايته لايعقل و لاينقل ان‏يكون غيره بالمباينة و العزلة كبينونة فرد عن فرد و عزلة كل واحد عن غيره او صنف و صنف آخر او نوع و نوع او جنس و جنس او كمباينة فرد و صنفه او صنف و نوعه او نوع و جنسه و لاتزعم انه لا مباينة بين الفرد و صنفه الي الجنس اماتري ان الفرد ليس بصنف و الصنف ليس بنوع و النوع ليس بجنس فتنبه انه سبحانه فوق ما لايتناهي بما لا يتناهي فكيف يعقل ان‏يكون شي‏ء غيره بغيرية توجد في ملك اللّه و لو بحيث من الحيوث و اعتبار من الاعتبارات كما لم‏ينقل ما من نجوي ثلثة الا هو رابعهم و لا خمسة الا هو سادسهم و لا ادني من ذلك و لا اكثر الا هو معهم بمعية غير معية شي‏ء مع شي‏ء بل بمعية غير متناهية حقية لا حقيقية و هي فوق ما لايتناهي بما لايتناهي.

فان عرفت ما اقول عرفت انه لايري فيها نور الا نوره و لايسمع فيها صوت الا صوته و عرفت معني قوله7 تعرفت لكل شي‏ء حتي لايجهلك شي‏ء و ان لم‏تعرف المحكم من القول فذره في سنبله و لاتبادر الي الانكار فتحتجب بالاغيار بلا غبار@بلااغيار خ‌ل@ كالمغرور بالسراب و السراب سراب ليس بسراب@بشراب خ‌ل@ و لا سراب هناك و لا شراب و اللّه سريع الحساب فاذا حصل لك الانس بأن كل شي‏ء في ملك اللّه كائناً ما كان ليس بكلية غير المتناهي و لا غير المتناهي سواه فليس عينه و لا غيره للزوم التحديد و النهاية في خلاف هذا التقدير

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 305 *»

في غير المتناهي و لاتستوحش من كون الصورة الانزعية ليست بكلية الباري@باري خ‌ل@ و لا الباري سواها لعدم نهاية الباري و نهاية الصورة الانزعية كما عرفت ان شاء اللّه ان تلك النسبة واقعة بين المتناهي و غير المتناهي.

و هنا دقيقة خفية جلية علية من عرفها لم‏يشق ابداً و من لم‏يعرفها ضل و غوي كما اخبر به اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين في ذات اللّه العليا و الاشارة الي ذلك لاهل البشارة ان الباري جل جلاله و عم نواله هو اللّه الرحمن الرحيم العالم القادر الحي القيوم الدائم و هكذا الي آخر اسمائه تعالي و تلك الصورة الانزعية مفعوله المطلق تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و هي ان كانت مركبة من الضياء و الظل و لكنها غير محدودة بالباري جل جلاله فلا تناهي له بالنسبة اليه و له جميع الكمالات فهو ذات مستجمع لجميع الصفات الكمالية سبوح قدوس عن صفات النقص فهو عالم لا جهل فيه و قادر لا عجز فيه و حي لا موت يعتريه و هذا@هکذا خ‌ل@ الي آخر الاسماء الحسني فهو المسمي بها المتصف بها القدوس عن اضدادها و تلك الصفات الكمالية محفوظة في اثره كما ان زيداً في القائم بجميع ما له فلا فرق بينه و بينها الا انها@انه خ‌ل@ اثره و بينونتها بينونة صفة لا بينونة عزلة كما عرفت سابقاً ان شاء اللّه فالقائم و ان كان ذاتاً ثبت لها القيام مركب من ظهور زيد و قيامه الا انه صفة زيد لا عين زيد و لا غيره و ليس زيد محدوداً بها منفصلا عنها فهي هو لا شي‏ء سواه و لايوجد فيها ماعداه عياناً و اثباتاً و ايجاداً اذ ليس في خلالها سوي زيد و هي غيره و ليست هي بعينه كلا و لا جمعاً و لا احاطة اذ هو القاعد الراكع الساجد ايضاً و ليس القائم بقاعد و لا راكع و لا ساجد و قد وجد في القائم جميع ما لزيد في نفسه من العلم و القدرة و السمع و البصر و الحيوة و امثال ذلك فمن عرف القائم عرف زيداً و من جهله فقد جهله السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 306 *»

من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و من تولي فماجعلناك عليهم حفيظاً و الذين يصلون ما امر اللّه به ان‏يوصل يريدون ان‏يفرقوا بين الله و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يقطعون ما امر اللّه به ان‏يوصل و مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي انك لاتهدي من احببت و لكن اللّه يهدي من يشاء ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه فوق ايديهم ان اللّه اشتري من المؤمنين انفسهم و اموالهم بأن لهم الجنة يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون و ما تشاؤن الا ان‏يشاء اللّه. بالجملة فالايات و الاخبار و الادعية و الخطب و الزيارات مشحونة بالمراد لمن اراد اللّه هدايته لنوره و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

مصباح

قال المفضل: قلت يا مولاي زدني شرحاً فقد علمت من فضلك و نعمك ما اقصر عن صفته. قال7يا مفضل سل عما احببت قلت يا مولاي تلك الصورة التي رأيت علي المنابر تدعو من ذاتها الي ذاتها بالمعنوية و تصرح باللاهوتية قلتَ لي انها ليست كلية الباري و لا الباري سواه فكيف يعلم حقيقة هذا القول؟ قال7 يا مفضل تلك بيوت النور و قمص الظهور و السن العبارة و معدن الاشارة حجبك بها عنه و دلك@ذلک خ‌ل@ منها اليه لا هي هو و لا هو غيرها محتجب بالنور ظاهر بالتجلي كل يراه بحسب معرفته و ينال علي مقدار طاعته فمنهم من يراه قريباً و منهم من يراه بعيداً.

فلما استزاد قدس سره و نور ضريحه شرحاً لذلك افاض7 عليه بجوده و كرمه فقال: يا مفضل تلك بيوت النور الي آخر البيان ليريه المقصود بالعيان فلربما يزعم من بيانه السابق ان الصورة الانزعية واحدة

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 307 *»

شخصية مخصوصة بأميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين فأفاض7 عليه رحمة بأن تلك الصورة الانزعية و ان كانت واحدة و لكنها وحدة نوعية لا الشخصية و لها ظهورات عديدة كلها صورة انزعية كل واحد منها بيت من بيوت النور الواحد المستعلي علي الكل و هم بيوت اذن اللّه ان‏ترفع و يرفع فيها اسم ذلك الواحد بالغدو و الاصال ليقوم كل واحد في عصر من الاعصار خليفة اللّه الواحد القهار كما قال انا الذي اتقلب في الصور كيف اشاء من رآهم فقد رآني و من رآني فقد رآهم فلاجل ذلك افاض7 عليه و علي العالمين بلفظ الجمع في البيوت و القمص و الالسن فتلك المجموع هي المقامات و العلامات التي وصلت في دعاء رجب لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك فتقها و رتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك و تلك المقامات هي الايات التي نزلت من عند اللّه تبارك و تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد. الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط و هي التي نزلت بالنور في النور اللّه نور السموات و الارض مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري الي قوله في بيوت اذن اللّه ان‏ترفع الي قوله رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه فتلك الصورة الانزعية هي البيوت و هي الرجال اما النبيون فأنا و اما الصديقون فأخي علي اما الاول فهو الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل و المهيمن علي ذلك كله و اما اوصياؤه:فهم خلفاؤه في ذلك كله كما تزورهم بكم فتح اللّه و بكم يختم فهم حبل اللّه المدود بينه و بين سائر الخلق كما قال و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و اما انفسهم صلوات اللّه عليهم فغير معتصمين بالحبل بل معتصمون باللّه كما قال و جاهدوا في اللّه حق جهاده هو اجتباكم و ماجعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سميكم المسلمين

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 308 *»

من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم و تكونوا شهداء علي الناس فأقيموا الصلوة و آتوا الزكوة و اعتصموا باللّه هو موليكم فنعم المولي و نعم النصير فهم المجاهدون في اللّه حق جهاده و هم المجتبون من بين الخلق و هم بنو ابراهيم دون جميع الخلق و قد سماهم ابوهم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول9 شهيداً عليكم و يكونوا: شهداء علي الناس و هم مقيموا الصلوة و مؤتوا الزكوة اشهد انك قد اقمت الصلوة و آتيت الزكوة و هم المعتصمون باللّه و هو مولاهم فنعم المولي و نعم النصير فلايسبقهم في ذلك سابق و لايلحقهم لاحق فهم لسائر الخلق حبل اللّه الممدود و امروا بالاعتصام به من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه و هم العروة الوثقي لا انفصام لها فهم مولي الخلق اجمعين و ناصرهم كما ان اللّه مولاهم و ناصرهم فنعم المولي و نعم النصير انما وليكم اللّه و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة و يؤتون الزكوة و هم راكعون و نزلت الاية في اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين باتفاق الخاصة و العامة و قد وردت روايات ان الائمة: كلهم آتوا الزكوة حال الركوع و اللّه ولي الذين آمنوا بذلك و ان الكافرين لا مولي لهم فهم: مولي الخلق اجمعين و اللّه مولاهم فهم معدن الاشارة للخلق كما انهم السن العبارة من اللّه لانهم تراجمة وحي اللّه و هم حجاب اللّه بينه و بين خلقه فهو المحتجب و هم حجبه و هم الادلاء اليه لا هم هو و لا هو غيرهم كما قالوا: لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن و لكن نحن نحن و هو هو فان اردت العيان من البيان فأعرض عن العميان المنكرين مزيليهم من المراتب التي رتبهم اللّه فيها.

فاعلم ان المحدودين كانسان و انسان او حيوان و حيوان او نبات و نبات او جماد و جماد و امثال ذلك من المتباينات لايعقل كما لاينقل ان‏يكون احدهما علة و الاخر معلولها او مؤثراً و الاخر اثره او فاعلاً و الاخر مفعوله

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 309 *»

او صانعاً و الاخر مصنوعه او خالقاً و الاخر مخلوقه و هكذا و ذلك لان كل واحد من المحدودين امتاز عن صاحبه بما يخصه و من البديهيات ان المخصوص بالشي‏ء لايوجد في غيره و غيره فاقده فكل من المحدودين واجد لما له فاقد لما للاخر و لايعقل كما لاينقل ان‏يكون الفاقد للشيء معطيه لشي‏ء آخر كما ان الفقير الذي ليس له شي‏ء لايقدر علي اعطاء شي‏ء لشي‏ء و ذلك من البديهيات ان شاء اللّه لديك فالحكم العقلي البتي كالحتم النقلي القطعي ان‏لايكون الفاعل و مفعوله متباينين معزولين بل يجب بحكم العقل و النقل ان‏يكون الفاعل واجداً لمفعوله غير فاقد له في مقامه اي مقام مفعوله و المراد بالمفعول هو الذي لا وجود له الا بايجاد الفاعل و هو المفعول المطلق كزيد قام قياماً فصار قائماً فزيد هو الفاعل و قام فعله و قياماً مفعوله و ليس بين زيد و فعله و مفعوله تباين كما لم‏يكن بين فعله و مفعوله تباين فكل ما يوجد في مفعوله فهو يصل اليه من فعله ففعله واجده فكل ما يوجد في فعله فهو يصل اليه من زيد فهو واجده فليس بين هذه المراتب الثلث بينونة عزلة و حد فاصل مانع بل يكون بينها بينونة صفة فكل عال اصل و كل دان صفة لعاليه و كذا القائم الذي صار قائماً هو الذات الظاهرة بالقيام مركب من ظهور زيد مع قيامه و زيد ليس بمركب من ظهوره و قيامه فزيد غير القائم لعدم تركبه من ظهوره و قيامه لانه مركب من الحيوة و النطق و مع ذلك كله زيد هو القائم وحده وحده لان القائم هو الحيوان الناطق المتشخص بصورة زيد فللقائم مع زيد حالات هو فيها هو و هو هو لان غير زيد ليس بقائم في قيامه و هو قائم في قيامه وحده مع@و مع‌ خ‌ل@ ذلك كله هو غير زيد رتبة لانه وجد من ظهوره مع قيامه الذي هو ظهور ظهوره و لم‏يوجد زيد من ظهوره و ظهور ظهوره فزيد زيد و القائم قائم فنحن نحن و هو هو فليس القائم بكلية زيد لانه كان قبل القائم بالحيوة و النطق و ليس بسوي القائم لانه هو القائم وحده و القائم هو اسم زيد و صفته التي بها وصف

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 310 *»

نفسه لك بأنه قائم و دلك به انه قائم و هو وسيلتك الي زيد و هو حجابه الذي به احتجب عنك و هو غير محجوب بالحجاب لانه اظهر من الحجاب من نفس الحجاب ليس للحجاب ظهور الا ظهور زيد و ليس له شي‏ء ما ليس لزيد فهو اظهر من الظهور و الحجاب فان عرفت الحجاب بكشفه عن المحتجب فقد وصلت الي الحقيقة المطلوبة من غير حجاب و لاغلق باب من غير اشارة الي شي‏ء سوي المكشوف عنه بلا اضطراب و هو غير محجوب انت لاتحتجب عن خلقك الا ان‏تحجبهم الامال دونك.

فان عرفت ما عرفت فاحمد اللّه و الا فاسأله لاصلاح سريرتك فانك ان لم‏تره فهو يراك فلاتيأس من مولاك فانه لاييأس منه الا الكافرون و احذر عن الاعراض او الاعتراض فتقع عن مقامك الذي قمت فيه ابعد مما بين السماء و الارض و اللّه ولي التوفيق و عليه قصد السبيل و هو ارحم الراحمين و اكرم الاكرمين و الحمد للّه رب العالمين فمن يري ذلك بعيداً فنراه قريباً و الحمد للّه انه قريب مجيب.

مصباح

قال روحي فداه و فدا من والاه عليه و علي آبائه و ابنائه الصلوة و السلام من اللّه جل جلاله و عم نواله يا مفضل ان الصورة نور منير و قدرة قدير و ظهور مولاك رحمة لمن آمن به و اقر و عذاب لمن جحد و انكر ليس وراه غاية و لا نهاية.

المراد بالصورة هو الصورة الانزعية و قد علمت مما سبق ان المشية هو التعين الاول و لها جهتان جهة الي ربها و هي الضياء و جهة الي نفسها و هي الظل و هي قائمة بنفسي الضياء و الظل كما عرفت سابقاً و قد عرفت ايضاً انها الصورة الانزعية فلايبقي لك اشكال ان شاء اللّه بعد ذلك بأنها نور منير و قدرة قدير لانها هي القدرة المطلقة التي لا نهاية لها و لا غاية

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 311 *»

وراءها اذ الغاية و النهاية من جملة الاشياء المخلوقة بها فلايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته و لاتزعم النور و القدرة و امثالها@امثالهما خ‌ل@ كالمشية و الارادة في هذا المقام المعني المصدري الذهني العرضي كما هو المتبادر في المعاني المصدرية فتذكر بأنها هي جوهر الجواهر و اصل الاصول بل هي المجوهر للجواهر فكونت الاكون فتكونت و عينت الاعيان فتعينت و اينت الاين و كيفت الكيف و هكذا سائر الاشياء صارت بها اشياء فلو كانت مثل شي‏ء من الاشياء لم‏يصدر منها الاشياء كما ان كل شي‏ء من الاشياء لم‏يصدر منه الاشياء فالذي صدر منه الاشياء ليس كشي‏ء من الاشياء فمن ذلك عرف معني الذي ورد في الاخبار لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فبهذا المعني عرفت ان ظهور مولاك ايضاً ليس بأمر عرضي و معني مصدري بل جوهر خارجي عرفه من عرفه و اقر به فصار رحمة له و انكره من انكره فصار عذاباً عليه فالسلام علي نعمة اللّه علي الابرار و نقمته علي الفجار باب النبي المختار المبتلي به الناس من اتاه فقد نجا و من لم‏يأته فقد هلك باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فنطق ذلك النور بلسان كل نبي و وصي و ولي و ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فمن صدقه نجا و من تخلف عنه هوي و ذلك النور غير النور الشعشعاني كما انه غير النور الاول ظهر منه النور قال7 ان امرنا هو السر و سر السر و سر مقنع بالسر و قد عرفت معني بينونة الصفة و فرقت بينها و بين بينونة العزلة ان شاء اللّه فكل سر ادني صفة سر اعلي فلايلزم التعطيل للاعلي اذا نسب الفعل الي الادني ألم‏تعلم انه تعالي يتوفي الانفس حين موتها و يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم و تتوفاكم الملائكة فأفعال الملائكة ظهور فعل ملك الموت و فعله ظهور فعل اللّه و فعل اللّه تعالي مشيته و هي ظهور النور الشعشعاني و هو ظهور النور الاول و هو ظهور الذات الاحدي سبحانه و تعالي و لا حول و لا قوة الا باللّه.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 312 *»

مصباح

قال المفضل قدس سره قلت يا مولاي فالواحد الذي هو محمد فقال7 هو الواحد اذا سمي و محمد اذا وصف.

فالسؤال استفهام و استعلام بأن الواحد الذي عرفته لي بأنه نور الذات سبحانه الذي هو محمد المعروف9 فأجاب7 بأنه9 هو الواحد اذا سمي و محمد اذا وصف و يحتمل كون الموصول في العبارة من زيادة الكتاب و كانت العبارة فالواحد هو محمد استفهاماً بالجملة و محمد9 صفة للواحد كما عرفت سابقاً معني الصفة فهو صفة اللّه سبحانه وصف به نفسه و اثني عليه و امر الخلق بالثناء عليه فهو محمود اللّه و محمود الخلق فجي‏ء لاظهار محموديته من الطرفين من باب التفعيل المفيد للتكثير في الثناء عليه9 و مقامه مقام المحمود المطلق اقامه مقامه في سائر عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الواحد القهار كما وصفه امير المؤمنين عليه صلوات المصلين في خطبة الجمعة و الغدير و لواء الحمد الذي به صار محمداً9 بيد اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين فمن استظل بظل ولايته الذي هو ظل الضياء المحمدي امن من الفزع الاكبر و من استكبر و استدبر وقع في مهاوي السقر اذ الضياء لايعرف الا بالظل و محمد9 لايعرف الا بعلي كما لايعرف اللّه الا بمحمد9 قال9 انا مدينة العلم و علي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها.

مصباح

قال1: قلت يا مولاي فعلي م بائن عن المعني وصف اسمه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 313 *»

فقال7 ألم‏تسمع الي قوله: ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك@غيب لايدرک خ‌ل@.

فاستعلم ايضاً و استفهم بأن الموصوف بمحمد هو المعني المقصود للعابد و المعبود و الساجد و المسجود و كفي به في الغيب و الشهود فما شأن علي7 أهو بائن عن المعني المقصود وصف اسم المقصود ام هو متصل بالمعني و له مدخلية في فهم المعني قال7 ألم تسمع الي قوله و في اتيانه بالي اشارة الي الاصغاء الذي هو الاستماع عن تدبر و فكر ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك @غيب لايدرک خ‌ل@ و باطنه محمد9 و هو غيب لايدرك الا بعلي الذي هو ظاهره و وصيه و خليفته و نفسه الظاهرة للخلق كما دلت عليه آية المباهلة باتفاق من الخاصة و العامة كما وردت روايات عديدة من الطرفين و كذا الحال في سائر الائمة: كما اخبر به الخبير و لاينبئك مثل خبير الذي يراك حين تقوم و تقلبك في الساجدين و عني بهم الائمة الطاهرون لانه لايمسه الا المطهرون المعصومون فهم اهل بيت النبوة و موضع الرسالة و مهبط الوحي و معدن الرحمة و اصول الكرم و قادة الامم و الكرم و الرحمة و الوحي و الرسالة و النبوة و امثالها ارواح من عند اللّه سبحانه نفخت فيهم كما نفخت في آدم7 شأن منها و قال فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس لم‏يكن من الساجدين و اتباعه من الجاحدين لعنة اللّه عليهم اجمعين. بالجملة، فأفاض7 عليه الرحمة بأنه7 غير بائن عن المعني و غير واصف اسمه باللسان من غير عقد في الجنان بل هو المتصل الواصف له بأنه ظاهره و هو باطنه9 و امر اللّه تعالي ان‏يوصل بينهما و لولا مبادرة الانكار من الاشرار لكان حرياً كشف الاسرار بالاصرار و في هذا المقدار كفاية للابرار و علي اللّه قصد السبيل و منها جائر.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 314 *»

مصباح

قال1: فما باطن الميم؟ فقال7: نور الذات و هو اول الكون و مبدع الخلق و مكون لكل مخلوق و متصل بالنور منفصل لمشاهدة الظهور ان بعد فقريب و ان نأي فمجيب فهو الواحد الذي ابداه الاحد من نوره و الاحد لايدخل في عدد فالواحد اصل الاعداد و اليه عودها و هو المكنون.

و في زيارة آل يس: القضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم و الممحو ما لااستأثرت به سنتکم و هذه الزيارة مما لم‏يكن لاحد من علماء الشيعة الاثني‏عشرية نظر فيها و هي المتلقي بالقبول حين برزت من الناحية المقدسة الي زماننا و الحمدللّه فانس الوحشة بهذا الانيس و لاتكن من اتباع ابليس و ان كثروا فلايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأويهم جهنم و لبئس المهاد و كن علي بصيرة في الدين باتباع البراهين ان كنت من الصادقين و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن قليل و المؤمن اقل من الكبريت الاحمر فهل رأي احدكم الكبريت الاحمر؟ فلايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله فان الناس اجتمعوا علي مائدة شبعها قليل و جوعها طويل و قليل من عبادي الشكور و الي اللّه ترجع الامور فمن كان له منه لمعة من النور من الدليل فهو علي سواء السبيل و من لم‏يجعل اللّه له نوراً من الدليل فماله من نور و ان سلك في السبيل من غير دليل كالعميان في بيان الفيل و كثر بينهم القال و القيل و البصير يراهم علي الحال و اعتبر منهم المقال و لايعتني بهم في حال من الاحوال و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون فان كنت من اهل الديار فابتغ الوسيلة الي الديّار و هي الدليل البالغ الواضح الظاهر ظهور النار علي علم بل اوضح و انور و اظهر و اقوم فأصغ لما اقول تنل المأمول ان سبقت لك من اللّه الحسني ان شاء اللّه.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 315 *»

فاعلم انه لايعقل كما لاينقل ان‏يوجد شي‏ء في ملك اللّه تبارك و تعالي او يؤثر الا باللّه سبحانه فان احديته قد طوي علي الجميع بحيث لايعقل كما لاينقل التفويض و تعطيل الذات الاحدية التي لا نهاية لسعتها بل هي فوق ما لايتناهي بما لايتناهي فكل فاعل او صانع او مؤثر او غير ذلك فعل و صنع و اثر به و بحوله و قوته وحده وحده لا شريك له ثم اعلم ان الاحدية الحقية مخصوصة بالحق لاتوجد في شي‏ء من الاشياء من مبدأ الخلق الي منتهاه فان وجد في الخلق احدية اضافية@في الخلق احدية فهي احدية اضافية خ‌ل@ بالنسبة الي الداني و هي آية من آيات الاحدية الحقية كما روي عنهم: ان اللّه سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و لايعقل ان‏يوجد غير متناهيين كما لاينقل فان الاثنين اثنان محدودان كل واحد غير الاخر فلم‏يكونا غير متناهيين فالاحاد هي الاحاد و العلامات واحدات حقيقية آحاد اضافية قد انطوت تحت الاحد او لم‏يكف بربك انه علي كل شي‏ء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محيط فمن عرف معني الاحاطة المطلقة الحقية عرف ان كل ما صدر من الاحاد الاضافية صادرة من الاحد الحق كما ان نفس الاحاد الاضافية صادرة منه سبحانه فلايلزم من احياء عيسي الموتي تعطيل له سبحانه كما لايلزم من اماتة ملك الموت تعطيل له سبحانه و هو الذي خلق الموت و الحيوة و الحي و الميت و القابض و النافخ خلقكم و ما تعملون فنفخ اسرافيل و قبض عزرائيل كنفسهما مخلوقان للّه سبحانه لاحاطته الحقية و كذا المشية و الاثار الصادرة منها كلاهما مخلوقان له سبحانه لاحاطته و جميع الاشياء آثار للمشية المطلقة و لايلزم من ذلك تعطيل الذات و المشية غير مستقلة نفسها في التأثر و الفعل في آثاره كما لم‏تكن انت مستقلا بنفسك في افعالك و آثارك لا حول و لا قوة الا باللّه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت لان نسبة جملة ماسواه اليه علي السوي لعدم نهايته فلا نسبة لشي‏ء معه فاذا عرفت ذلك سهل لك الوعر الاوعر و ذل لك

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 316 *»

الصعب المستصعب في امرهم: و ان كان امرهم سراً و سراً مستسراً و سراً مقنعاً بالسر فلايلزم من ذلك كونهم آلهة من دون الله كما لايلزم تعطيل الذات في كونهم: اول ما خلق اللّه لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق و لايطمع في ادراكهم طامع.

فاذا علمت ذلك فاعلم ان محض الذات ليست الا هي و ليس فيها شي‏ء من الاشياء لانها فوق ما لايتناهي بما لايتناهي فأول ما تجلي له به لا بذاته هو نور الانوار و لايقال للذات نور لانها منيرة كل نور فذلك النور هو ظهوره له به بالاحدية الحقة ثم بذلك النور تجلي بالنور الثاني له به لا بذات النور الاول و لا بمحض الذات و هذا النور هو النور الشعشعاني كما اشار اليه في صدر الخبر لمن استخبر دون من ادبر و استكبر و قال انه سحر يؤثر ان هذا الا قول البشر ساصليه سقر و هذا النور هو النور الواحدي و له احدية اضافية بالنسبة الي المشية فمادونها من الاشياء ثم ظهر من هذا النور ضياء و ظهر من الضياء الظل و قامت بهما المشية كما مر في صدر الخبر و ظهر لمن ابصر و انصف و اعتبر كما دل عليه الاثر في زيارة آل يس القضاء المثبت ما استأثرت به مشيتكم و الممحو ما لااستأثرت به سنتكم فالمشية فعل الواحد و الواحد ظهور الاحد و هو صفة الذات المتعالية عن الصفات بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فباطن الميم نور الذات و باطن باطنه لايعلمه الا الذات و هو اول الكون و مبدع الخلق الذي من جملته@جملة خ‌ل@ المشية و مكون لكل مخلوق و المشية ايضاً مخلوقة و هي الاول باتفاق الخاصة و العامة و متصل بالنور الاحدي اذ لو كان منفصلا عنه كانفصال المتباينين امتنع ظهوره منه كما عرفت سابقاً منفصل لمشاهدة الظهور استتر لعظم نوره و خفي لشدة ظهوره و ذلك لاحديته الاضافية و عدم نهايته الحقيقية ان بعد فقريب و ان نأي فمجيب لانه داخل في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارج عنها لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء فهو في كل مكان بحيث

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 317 *»

لايحويه مكان فقريب في بعده مجيب في علوه يا محمد يا علي اكفياني فانكما كافياي كما ورد في صلوة الحاجة و رواه الحر في الوسائل صلوات اللّه عليهما و آلهما الطيبين فهو الواحد الحقيقي الذي ابداه الاحد من نوره و هو المكنون المخزون عنده و هو اعظم الاسماء حقيقة و لا اسم فوقه اياب الخلق اليه و حسابهم عليه و هو اصل الاسماء و الاعداد و اليه عودها و نسبة الاصل و الفرع و الاول و الاخر و مابينهما الي الاحد الذي ابداه متساوية و لا نسبة هناك لشي‏ء لان نفس النسبة ايضاً شي‏ء و هي بين الاشياء لا بينها و بين الاحد و عرف ذلك البصير و ان انكره ذو رمد «قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد» و من لم‏ينكر الحديث الذي رواه المجلسي رحمه اللّه في خلقتهم: و نزولهم في عشرين بحراً ثم نزولهم في اثني‏عشر حجاباً ثم سجودهم للّه سبحانه و عرقهم حياء و قطر العرق الي مائة الف و اربعة و عشرين الف قطرة و خلق كل نبي من الانبياء: من قطرة من القطرات المقطرة هان له الامر و سهل له الخطب في امرهم صلوات اللّه عليهم.

مصباح

قال قدس اللّه سره: قلت يا مولاي يقول السيد الميم انا مدينة العلم و علي بابها فقال7: يا مفضل انما عني تسلسل نور الذي سلسل من نوره فمعني قوله7: و علي بابها يعني انه هو اعلي المراتب و باب لهم و منه يدخلون الي المدينة و علم العلم و هو المترجم بما يمده سيده من علم الملكوت و جلال اللاهوت.

اي عني جريان نور علم علي صلوات اللّه عليه الذي جري من نوره9 و التعبير بالتسلسل و الجريان اشارة الي علمه7 هو الماء الذي به حيوة كل شي‏ء في الكون و الشرع كما قال تعالي و جعلنا

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 318 *»

 من الماء كل شي‏ء حي و قال يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم و كماقال7 ينحدر عني السيل و لايرقي الي الطير و قد فسر قوله9 بأعلي المراتب للتنبيه بأنه عليّ مطلق صلوات اللّه عليه اذ كل علي بالنسبة الي الاعلي منه دنيّ فعلوه علو اضافي الا من كان علوه علواً حقيقياً فانه الاعلي الحقيقي فأول ما اختار لنفسه سبحانه العلي العظيم كما قال الرضا7 و انه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم كما ورد في زيارته صلوات اللّه عليه ليعلّم الخلق الكتاب و الحكمة و يترجم المراد من المريد و هو المراد و هو المريد كما في خبر المعراج انت المراد و انت المريد بما يمده سيده9 و قد علّمه ظاهر الوحي و باطنه و محكمه و متشابهه و تأويله و تنزيله بحيث لم‏يبق رطب و لا يابس الا اودعه فيه و جعله نفسه و خليفته في امته و امته جميع ماسوي اللّه لقوله تعالي تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً فهو صلوات اللّه عليه و آله يكون للعالمين هادياً و نصيراً كما قال9 انا المنذر و علي الهادي في تفسير قوله تعالي انما انت منذر و لكل قوم هاد و هو النصير كما جاء به جبرئيل7 فقال يا محمد،

ناد علياً مظهر العجائب
  تجده عوناً لك في النوائب

صلوات اللّه عليهما و آلهما اما علم الملكوت الذي امده سيده هو علم القرآن الذي فيه تبيان كل شي‏ء و قد انطوي فيه علم ما كان و ما يكون الي يوم القيامة و بيده ملكوت كل شي‏ء و هو المالك لها و ماسواه ملكه و انما جي‏ء بالواو و التاء في مثال فعلوت للمبالغة و ظهور المالكية و الملكية في الغيب الباطن الذي هو مشهود العارفين و اما جلال اللاهوت فهو فوق العلم فضلا عن علم الملكوت و الجلال هو الذي يكشف عنه السبحات من غير اشارة كما هو المذكور في حديث كميل حيث قال7 كشف

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 319 *»

سبحات الجلال من غير اشارة اذ لم‏يبق في ذلك المقام مشير و لا اشارة لظهور المشاراليه في غيبتهما و حضرتهما و ذلك مقام الوصول الحقيقي و البقاء في الفناء المحض فصار بذلك ممسوساً كما روي علي ممسوس في ذات اللّه فلم‏يبق له شي‏ء الا و قد صار ذلك الشي‏ء للّه وحده لا شريك له و اللاهوت ايضاً مبالغة في فنائه عن نفسه بالكلية و بقائه بربه بالكلية فأقبل بكله اليه ففقد نفسه و وجد ربه فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً فصارت معرفته بالنورانية هي معرفة اللّه عزوجل و معرفته@و معرفته عزوجل معرفته خ‌ل@ و صار الجهل به الجهل به و الانكار له الانكار له السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه فصاروا محلاً لجميع الاسماء الحسني كما وردت متواترة ان اللّه سبحانه اعطاهم جميع اسمائه الحسني و آتاهم ما لم‏يؤت احداً من العالمين و قد جاء في لغة العرب لاه بمعني اله فصار بالالف و اللام اللّه و ان الي ربك المنتهي و السلام علي من عرف الكلام و اعترف بالمرام@بالمراد خ‌ل@ فمن لم‏يأخذ عنهم لم‏يأخذ عن النبي9 الذي هو المدينة لما اراد اللّه و من لم‏يأخذ عنه9 لم‏يأخذ عن اللّه عز و جل. ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا. من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و من اطاعه9 اخذ عن خلفائه: و من تولي عنهم فقد تولي عن اللّه و لا حول و لا قوة الا باللّه.

مصباح

قال قدس سره: فقلت يا مولاي يقول السيد الميم انا و علي كهاتين لاادري يميناً و لا شمالاً فأقرن بين سبابتيه.

قوله قدس سره لاادري من باب الافعال اي ما علم بيمينه وحدها و لا بشماله وحدها فما اقرن بين اصبعي يمينه او بين اصبعي شماله كالسبابة و الوسطي لعدم تساويهما في الطول و القصر و العظم و الصغر بل اقرن بين

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 320 *»

سبابتيه يميناً و شمالاً و كلتا يديه يمين لتساويهما من كل جهة تعليماً لاسرار شتي لو كان البحر مداداً لكلمات اللّه لنفد البحر قبل ان‏تنفد و ماكان كافياً للمؤمنين هو الذي اشار اليه الصادق الامين عليه صلوات المصلين في المصباح الاتي فترقب.

مصباح

فقال7: ليس مقدار احد من اهل العلم ان‏يفصل بين الاسم و المعني غير ان المعني فوقه لانه نور الذات اخترعه فليس بينه و بين النور فرق و لا فاصل و لاجل ذلك قال انا و علي كهاتين اشارة منه الي العارفين ان ليس هناك فصل و لو كان بينه و بينه فصل لكان شخصاً غيره و هذا هو الكفر الصراح.

قد عرفت مما بينا ان الاسم الحقيقي هو الذي انبأ عن المسمي و لايشارك فيه احد سوي المسمي و هو صفة لموصوفه([24]) لايوصف بها غيره كالقائم الذي هو صفة زيد و اسمه فأنبأ عن زيد بأنه طويل او قصير او احمر او ابيض او بصير او اعمي او سميع او اصم او حسن او قبيح او حسن الخلق او سيئه او عالم او جاهل او دني او فاضل او  سخي او  بخيل او شجاع او جبان و هكذا كل كمال لزيد او نقص جميعها ظاهر من القائم الذي صفته و اسمه لا فرق بينه و بينه الا ان زيداً اعلي من القائم و القائم ظهوره بالكمال هو هو وجوداً و عياناً و هو غيره كلاً و جمعاً و احاطة و الاحاطة هي من لوازم رتبة ذات زيد فلاينزل الي القائم الذي لايحيط بالقاعد فماسوي الاحاطة ينزل الي القائم الذي هو اسم زيد و صفته و ليس القائم غير زيد بالمباينة او العزلة كمباينة زيد عن عمرو و لكن البينونة بينهما بينونة صفة فلايعقل كما لاينقل ان البينونة بين الاسم و المسمي و الصفة و الموصوف و العلة و المعلول و الفاعل و

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 321 *»

المفعول بينونة عزلة كالبينونة بين المتباينين المحدودين فكل واحد من المحدودين قد امتاز عن صاحبه بما يخصه فالمخصوص بأحدهما مفقود في الاخر فلما كان مفقوداً فغير معقول و منقول ان‏يقدر علي احداث ما لم‏يكن له في الاخر فلايعقل كما لاينقل ان‏يكون صانعاً للاخر و الاخر واجد لما هو مخصوص به فلايوجد في صاحبه فلم‏يكن مصنوعاً له عقلا و نقلا و كل ذلك مشاهد عند العقلاء و لايعبأ بالسفهاء فالفاعل الذي هو زيد و القائم هو اسمه و صفته لا فصل بينهما الا ان المعني فوق الاسم فلاجل ذلك قال روحي له الفداء و عليه و علي آبائه و ابنائه الثناء ليس مقدار احد من اهل العلم ان‏يفصل بين الاسم و المعني غير ان المعني فوقه اي فوق الاسم لانه اي الاسم من نور الذات كما ان القائم من نور ذات زيد و نوره قدرته علي القيام فلما قام صار قائماً و كذا الحال في جميع العوالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فالاسم المخترع ليس بينه و بين المخترع بالكسر فرق فاصل و لاجل ذلك قال9 انا و علي كهاتين اشارة منه9 الي العارفين ان ليس هناك فصل و لو كان بينه و بينه فصل لكان شخصاً مبايناً فلم‏يكن اسماً له كما ان زيداً لم‏يكن اسماً لعمرو و هذا هو الكفر الصراح لدي من استضاء من هذا المصباح.

مصباح

قال7: اماسمعت قوله تعالي: يريدون ان‏يفرقوا بين اللّه و رسله و قوله: و يقطعون ما امر اللّه به ان‏يوصل و ايمائهما للعارفين ان‏يقال ان بينه و بين بارئه واسطة فلاجل هذا قال: انا و علي كهاتين لانه بدء الاسماء و اول من يسمي فمن عرف الاشارة استغني عن العبارة و من عرف مواقع الصفة فقد بلغ القرار من المعرفة.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 322 *»

فلما افاض عليه و علي آبائه و ابنائه السلام عليه قدس سره اراد تقريره علي ذلك بعد التسليم فأفاد له بآيات اللّه للتفهيم و كتب الايمان في قلبه بعد الاذعان فقال اماسمعت قوله و قد سمعه فأراد ان‏يسمعه بقبول القلب فاستشهد بالايات الحقة ليصير من الذين شهدوا بالحق و به يعملون و ايماء الايتين للعارفين انور من الشمس و اوضح من الامس بأنه لايعقل ان‏يقال ان بين الاسم و المعني و الصفة و الموصوف واسطة و فاصلة كما عرفت ان شاء اللّه و لاجل هذا قال9 انا و علي كهاتين لان لايزعم انهما متباينين في العالم الاعلي لانه بدء الاسماء و اول من يسمي و الاول الحقيقي واحد و البدء الحقيقي واحد و لايعقل ان‏يكون اثنين كما لاينقل. قال تعالي و ما امرنا الا واحدة و ذلك الاول هو الاعلي و هو العالي و العلي الحقيقي كما شهد به العقل و النقل كما في الكافي في باب حدوث الاسماء عن ابن سنان قال: سألت ابا الحسن الرضا7 هل كان اللّه عز و جل عارفاً بنفسه قبل ان‏يخلق الخلق؟ قال: نعم. قلت: يراها و يسمعها قال: ماكان محتاجاً الي ذلك لانه لم‏يكن يسألها و لايطلب منها هو نفسه و نفسه هو قدرته نافذة فليس يحتاج الي ان‏يسمي نفسه و لكنه اختار لنفسه اسماء لغيره يدعوه بها لانه اذا لم‏يدع باسمه لم‏يعرف فأول ما اختار لنفسه العلي العظيم لانه اعلي الاشياء كلها فمعناه اللّه و اسمه العلي العظيم هو اول اسمائه علا علي كل شي‏ء و عن ابي عبد اللّه7 اسم اللّه غير اللّه الي قوله7 و اللّه يسمي بأسمائه و هو غير اسمائه و اسماؤه غيره و عنه7 اللّه مما هو مشتق يا هشام اللّه مشتق من اله و اله يقتضي مألوهاً و الاسم غير المسمي فمن عبد الاسم دون المعني فقد كفر و لم‏يعبد شيئاً و من عبد الاسم و المعني فقد اشرك و عبد اثنين و من عبد المعني دون الاسم فذاك التوحيد أفهمت يا هشام؟ قال: قلت زدني. قال7 للّه تسعة و تسعون اسماً فلو كان الاسم هو المسمي لكان كل اسم منها الهاً و لكن اللّه معني يدل عليه بهذه

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 323 *»

الاسماء و كلها غيره يا هشام الخبز اسم للمأكول و الماء اسم للمشروب و الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق أفهمت يا هشام فهماً تدفع به و تناضل به اعداءنا الملحدين؟ فانظر الي هذه الاخبار بنظر الاعتبار و جس@جسس خ‌ل@ خلال الديار و اطلب فيها الديار لتصير من الابرار الاخيار و ذر الذين يلحدون في اسمائه غلواً او قلواً ذووا عيون كالحمار فانه لاتعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور فمن كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي.

فاعلم ان الغيرية بين الاسماء و بينه تعالي ليست كالغيرية بين المحدودات اذ لو كان كذلك لكانوا اشخاصاً عديدة و المعني ايضاً شخصاً محدوداً و ذلك هو الكفر الصراح كما حكم به الصادق الامين عليه صلوات المصلين و لكن الغيرية هي غيرية الصفة لا العزلة كما عرفت ان شاء اللّه فهي هو وجوداً و عياناً و هي غيره كلا و جمعاً و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيامة اعمي و اول الاذكار هو العلي الاعلي لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق لانه الاول الحقيقي فليس بكلية الباري و لا الباري سواه فمن لم‏يعرفه لم‏يعرف اللّه و من عرفه فقد عرف اللّه و ليس لماوراءه اسم و لا مسمي و هو اول من يسمي و باطنه غيب ممتنع لايدرك الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته و من عرف مواقع الصفة بلغ القرار من المعرفة.

و لقوله9 انا و علي كهاتين احتمال آخر صدقاً و عدلا و هو ان‏يشير الي تساويهما صلي الله عليهما و آلهما في الاسمية للمسمي الواحد جل شأنه كما ستعرف عن قريب ان شاء اللّه تعالي كالقائم و القاعد المتساويين في الاسمية لزيد فالقائم زيد كالقاعد و كل ما انبأ به القائم من زيد انبأ القاعد منه بلا تفاوت و الفرق بين زيد و بينهما هو بينونة الصفة لا العزلة فهما اثنان و زيد واحد كما روي اولنا محمد و اوسطنا محمد و

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 324 *»

آخرنا محمد و كلنا محمد9 و ان كانوا في مقام الفرق كل واحد غير الاخر كالقائم و القاعد و الراكع و الساجد بالنسبة الي زيد فللّه الاسماء الحسني فادعوه بها قل ادعوا اللّه او ادعوا الرحمن اياً ما تدعوا فله الاسماء الحسني و قد قال الصادق الامين عليه صلوات المصلين نحن واللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان‏تدعوه بها فمن عرف الاشارة استغني عن العبارة اي من تلك الاشارة التي اقران السبابتين استغني عن التعبير و من عرف مواقع الصفة اي موقع القيام و القعود و الركوع و السجود و علم@اعلم خ‌ل@ ان الفاعل هو القائم لا ذات زيد اذ لو كان ذات زيد هو مرجع ضمير قام لامتنع قعوده كما ان القائم من حيث هو قائم امتنع ان‏يكون قاعداً من حيث كونه قاعداً بخلاف زيد فانها بكلها قاعد و المراد من الكل هنا انه لا ينقص من زيد شي‏ء و لايزاد عليه شي‏ء حين كونه قائماً و هكذا حين كونه قاعداً و ليس المراد احاطة زيد فجميع كمالات زيد ظاهر في القائم الا القعود و امثاله كما انها كلها ظاهر في القاعد الا القيام و امثاله. بالجملة، فمرجع الضمير في زيد قام هو زيد الظاهر بالقيام لا ذات زيد و مرجع الضمير في زيد قعد هو اعلي القعود اي هو زيد الظاهر بالقعود لا ذات زيد فان القضية الصادقة هو المطابق للواقع و ذات زيد في نفسه ليست بفعله سواء كان كلياً كقدرته المطلقة او جزئياً كقيامه و اما القضايا الكاذبة فليست بمحل نظر من العقلاء النبلاء العلماء فزيد في ذاته هو هو و فعله الكلي هو الذي به يقدر علي كل شي‏ء و من@شيء من خ‌ل@ افعاله الجزئية فزيد القادر علي كل شي‏ء من افعاله هو@فهو خ‌ل@ مرجع الضمير في زيد يقدر ان‏يقوم و يقعد لا ذات زيد فان ذاته ربما كانت عاجزة لا قادرة و كذلك مرجع الضمير في افعاله الجزئية هو اعلي مراتب تلک الافعال لا الفعل الکلي فزيد يقدر ان‌يقوم و يقعد ليس مرجعاً لضمير زيد قائم فان زيداً يقدر ان‏يقوم بالامكان و زيد قام بالضرورة و الضرورة و الامكان مختلفان بالبداهة.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 325 *»

فاذا عرفت ذلك تبينت لك ما هنالك اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور فالخبز اسم للمأكول فما اكل هو الخبز و مرجع الضمير في اكل هو الخبز لا العنصر و الماء اسم للمشروب فالذي شرب هو الماء و هو مرجع الضمير في شرب لا العنصر و لا الجسم و لا شي‏ء آخر سوي الماء و كذلك الحال في الثوب اسم للملبوس و النار اسم للمحرق كما علمه العليم الحكيم الصادق الامين عليه صلوات المصلين الهشام و هو تمام الكلام و الكلام التمام و من لم‏يعرف ذلك لم‏يصل الي المرام و هو المراد من قوله هنا من عرف مواقع الصفة بلغ القرار من المعرفة و القرار من البئر هو المنتهي و قعرها الذي ينبع منه الماء و المعرفة بئر عميقة قعرها و قرارها موقع نشو الصفة التي هي الماء النابع من موقعه و قراره فالنار اسم للمحرق الحار و الماء للبارد الرطب و الهواء للحار الرطب و التراب للبارد اليابس و ليس شي‏ء من ذلك اسم لمطلق العنصر او لمطلق الجسم و مطلق العنصر فوق الاربعة و كل واحد اسم له كما ان الجسم اسم لما هو اعم من الفلكي و العنصري فليس بذاته مرجع الضمائر من الفلكيات و العنصريات. نعم، هما اسمان له منبئان عنه و كذا مابينهما من الاجسام. بالجملة:

فعبرت عن قصدي بليلي و تارة   بهند و ما ليلي عنيت و لا هندا

مقتدياً بالمقتدي العادل الصادق البار الامين عليه صلوات المصلين للتبيين و التعيين للمؤمنيين المخلصين الخبز اسم للمأكول طرداً للمنافقين مع انه هو المأمول للمنتجبين و الحمد للّه رب العالمين.

مصباح

قال عليه و علي آبائه و ابنائه الصلوة و السلام: ألم‏تسمع الي اشارات([25])

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 326 *»

الاسم الي مولاه تصريحاً بغير تلويح حيث يقول انك كاشف الهم عني انت مفرج كربتي انت قاضي ديني انت منجز وعدي يكشف@ثم يکشف خ‌ل@ عن اسمه الظاهر بين خلقه فيقول انت علي اشارة منه الي مولاي فكانت الاشارة الي بابه انا مدينة العلم و علي بابها فمن اراد المدينة فليقصد الباب.

فان كنت من اهل الديار فأصغ الي كلام الديار فانه كلام الملك الجبار ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي بلسان فصيح من غير تلويح حيث صرح بأنه9 هو الاسم المشير الي بابه فيما اراد لانه المبلغ الي العباد فلم‏يأمر بأمر الا و هو مؤتمر به احسن الايتمار و قد كان منه صدر كلام الجبار أتأمرون الناس بالبر و تنسون انفسكم فأراد المدينة و طلب متاعها فقصد الباب و شرع في الخطاب بأنت كذا و كذا و كذا و قد رآه ممسوساً في ذات اللّه غير محبوس في حدود حاجبة اذ ليس له حجاب لعدم النهاية غير محسوس بنفسه اذ نفسه نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن فقال ما قال و لم‏يبال لانه له المخرج في كل حال لدي من لم‏يتحمل او تحمل و تجمل و تجلل و تلك الاشارات مروية في الروايات عند العامة سحقاً لعدم درايتهم و لدي الخاصة بشراً لدرايتهم لروايتهم فهو المحتجب و هم حجبه كزيد المحتجب و القائم الحجاب من غير اشارة الي نفس الباب لان نفسه هي النسبة الي ما فيه و ليست بشي‏ء سواه و لايشير الي ماعداه فهي هو ظهوراً لاجل الامر و النهي و الهداية و هي غيره صفة لا عزلة غياباً و بطوناً فاذا وصلت الي الباب فقف و قل اشهد ان لا اله الا اللّه و اذا دخلت فكبر مائة تكبيرة و خير الزيارة فقدان المزور فانه هو الظاهر فيه و اظهر منه فهو المزور فقال لك اياي زرت و ثوابك علي و مثابك([26]) علي([27]) و هو المولي في الولي بالولي لا بالعدو و ذلك بأن

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 327 *»

الله مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم و لكن نولي بعض الظالمين بعضاً اللّه ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الي الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون انا للّه و انا اليه راجعون لرجوعنا الي الخلفاء الذين جاؤا من عند اللّه تبارك و تعالي لا من غيره أفمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع أمن لايهدّي الا ان‏يهدي فما لكم كيف تحكمون علي الله الذي ما جعل لهم الخيرة من امرهم و هو الذي يخلق ما يشاء و يختار لاتعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور و الي اللّه ترجع الامور.

مصباح

ثم قال7 يا مفضل ان القديم هو هو بلا كيف لما شاء ان‏يظهر حجاب ذاته اخترع نوراً من نوره لا بائناً عنه.

هذا ختام به ختم الكلام من الملك العلام و قد عرفه الاعلام و منع عنه اللئام و لو علم اللّه فيهم خيراً لاسمعهم و لو اسمعهم لتولوا. و اذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لايؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنة ان‏يفقهوه و في آذانهم وقراً و اذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا علي ادبارهم نفوراً فأصغ لما اقول و اطلب في خلالها المأمول و ان اعرض عنه اهل العالمين الا المؤمنون الممتحنون فاذا نظرت اليهم تراهم فريقين فرقة منهم اتخذوا لانفسهم الهاً محدوداً كالفاخور و زعموا الخلق كالفخار و ربما اغتروا بالظواهر كقوله خلق الانسان من صلصال كالفخار و خلق الجان من مارج من نار. يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون و قد عرفت مما سبق ان المحدودين المتباينين لايعقل كما لاينقل ان‏يكون احدهما خالقاً و الاخر مخلوقاً له و فرقة منهم عرفوا هذا المحذور فقالوا من كان غيره موجود فهو هو و هو غير غيره

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 328 *»

فهو مركب من حيثين و هما حيث نفسه و حيث هي غيره غير@هي غير غيره خ‌ل@ كما ان غيره ايضاً مركب من الحيثين فالبسيط الذي لا تركيب فيه ليس بغير الاشياء فاذا@فاذ خ‌ل@ لم‏يكن غيرها للزوم التركيب يكون عينها و قد استدلوا علي مطلبهم بتعبيرات مختلفة عن مقصودهم و قد قام في مقابلهم قائم من اهل الحق و ردهم بأن كثرة الاشياء مما لاتنكرون فما كان عينها لايخلو اما ان‏يكون عينها من كل جهة بكل اعتبار بحيث لا فرق بينه و بينها بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث فهو متكثر بمقدار كثرتها و اما ان‏يكون عينها من جهة و غيرها من جهة اخري فيصير ذا جهتين فهو مركب منهما و قد اختار ما ليس فيه الاخطار و هو ان البسيط بسيط ليس فيه شائبة الكثرة و التركيب فليس بعينها للزوم الكثرة و لا بغيرها للزوم التحديد و التركيب و قل من يعرف المراد من كلام هذا الاستاد اعلي اللّه مقامه حتي ان الاخذين عنه سمعوا و فرحوا من حيث لايشعرون و يحسبون انهم يحسنون و كل حزب بما لديهم فرحون. الا من اتي اللّه بقلب سليم و هو علي صراط مستقيم قل بفضل اللّه و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون و هو الذي جاء به الانبياء و قام به الاوصياء و اخذ به الاولياء: و جهل به الاعداء و غفل عنه السفهاء و ان سموا بالعلماء الحكماء الا انهم هم السفهاء و لكن لايشعرون فالذي جاء من عنده الانبياء و جعل لنفسه الخلفاء و لم‏يجي‏ء من عنده السفهاء و انزل و ماارسلنا من رسول الا ليطاع باذن اللّه و انزل لاتطع منهم آثماً او كفوراً و لاتطع المكذبين و لاتطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا و انزل كونوا مع الصادقين و انزل قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين و انزل من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و انزل ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و انزل ألم‏اعهد اليكم يا بني آدم ان‏لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و انزل ان اللّه لايأمر بالفحشاء و المنكر و انزل الشيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء و المنكر.

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 329 *»

بالجملة امثال هذه الايات كثيرة و القرآن نزل من اوله الي آخره في هذا المطلب و ماجاء نبي و لا وصي نبي و لا ولي الا في ذلك ان هذا لفي الصحف الاولي صحف ابراهيم و موسي و الذي تصفه بصفات([28]) الكمال و تقدسه عن كل نقص هو الذي اقام الانبياء و الاوصياء: مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار. يا ايها الانسان انك كادح الي ربك كدحاً فملاقيه. فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً و العمل الصالح الذي يرفع الدعاء بل سائر الاعمال هو ان‏تعرف ان القائم صفة زيد و اسمه و تتوجه به اليه و تدعوه به و تبدأ به و تقدمه بين يدي حوائجك في الدنيا و الاخرة و تعرف بأنه هو و هو غيره لا فرق بينه و بينه الا انه احدثه به من نوره غير بائن عنه و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام او سلم تسليماً ليسلم و صلي اللّه علي محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

 

قال ايده اللّه: يا مولانا بعد ما كتبت هذا الحديث الشريف خلجني بالبال ان‏اذيله بسؤال آخر من ذلك المفضال و هو ان سيدنا العظيم و مولانا البدل العليم الشيخ الاعظم الاوحد و الملاذ الافخم الامجد روحي له الفداء اعلي اللّه مقامه و نور براهينه و احكامه افاد في الرسالة التي كتبها لميرزا جعفر بن المرحوم الميرزا احمد المشتهر بالنواب معني الكشف و اردفه بتقسيم الحجب علي اقسام حجب عقلية و حجب روحية و حجب نفسانية و حجب طبيعية و حجب هيولانية و حجب مثالية و حجب جسمانية و حجب عرضية و حجب النفس و اجمل البيان في تعريف الاقسام و قال في آخره: كلما فرقت@خرقت خ‌ل@ حجاباً انكشف لك ماوراء@ماوراءه خ‌ل@ حتي تصل الي حجاب النفس فاذا خرقته عرفت ربك. انتهي كلامه روحي فداه فالمرجو من كريم بابكم ان‏

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 330 *»

تشرح لهذا العبد الذليل اولا تعريف كل واحدة من تلك الحجب ثم تبين كيفية الخرق و ما به يتوصل الي ذلك بالبيان الشافي للعلة و الشرح الراوي للغلة اطال اللّه بقاءكم و رزقني لقاءكم و دفع عن وجه الارض اعداءكم بحق محمد و عترته الطيبين الطاهرين.

اقول اما شرح تلك الحجب فاعلم ان الاقسام الثمانية او التسعة كليات الحجب المانعة للوصول بلا كيف و لا اشارة و جزئياتها لاتحصي عدداً و قد قدر اللّه النزول فيها للجميع كما قال و ان منكم الا واردها كان علي ربك حتماً مقضياً و قد احب الصعود منها و لم‏يحتم كما قال تعالي ثم ننجي الذين اتقوا و نذر الظالمين فيها جثياً فالنوع الاول حجب الاعراض و المحتجبون بها هم الذين طلبوا عرض هذا الادني و قنعوا بها و لم‏يريدوا الا متاع الحيوة الدنيا من كان يريد حرث الاخرة نزد له في حرثه و من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها و ما له في الاخرة من نصيب و هذا النوع ينقسم الي اقسام سبعة سبعة ابواب لجهنم و قد فصل المشايخ اعلي اللّه مقامهم في ذلك تفصيلا و لاسيما في رجوم الشياطين و قد فصل اعلي اللّه مقامه في الارضين السبع و اشرت اليها في الدرة النجفية فلسنا نحتاج الي شرحها مكرراً اما وجه التسمية بالاعراض فظاهر لان الساكنين فيها اما يريدون المأكول او المشروب او الملبوس او المساكن او المناكح او الحشم@او الخدم و الحشم خ‌ل@ او المناصب او الرياسات الظاهرة و الباطنة و امثال ذلك و جميع ذلك من الاعراض الدنيوية مثل الحيوة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فأصبح هشيماً تذروه الرياح اما الزبد فيذهب جفاء.

و النوع الثاني الحجب الجسمانية من السموات باختلافاتها و كواكبها و اشراقاتها و الارضين من تلالها و جبالها و سهلها و برها و بحرها و اهويتها و نيرانها و مابينهما من الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي بأجناسها و انواعها و اصنافها الي اشخاصها الي اعضائها و اجزائها فانها كلها لها

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 331 *»

اعراض و اصول فالاعراض منها ماتراها من كونها علي صورة من الصور و فعلية من الفعليات يمكن زوالها و تغيرها عن كيانها الي صورة@صورة اخري خ‌ل@ من الصور و فعلية اخري من الفعليات بحيث لايعقل ان‏يقوم شي‏ء منها علي ما كان فهي صالحة للتغير من كيانها الي كيان آخر الي ما لا نهاية لها و توجد فيها الاصول الجسمانية غير متغيرة عن كيانها الي كون آخر فلها جوهر له كم و كيف و جهة و رتبة و مكان و زمان لم‏تزل و لاتزال كذلك و هي الاجسام الاصلية الدنيوية و لاتقدر ان‏تتصور قبضة من قبضات تلك الاجسام من غير كم في الطول و العرض و العمق و من غير كيف و جهة و رتبة و مكان و زمان تدبر تجد.

و النوع الثالث الحجب المثالية بأقسامها المختلفة التي ادناها اعلي من محدب محدد الجهات و هي التي تراها في المرايا و علي ان كل شي‏ء وجد في الجسم يوماً ما و فقد يوماً ما فهو من اسفل المثال و لما كان من المثال و نزل الي الجسم سمي عرضاً لعروضه عليه و زواله عنه فله عرضية بالنسبة الي الجسم جوهرية في عالمه الاصلي و هو عالم المثال. بالجملة و اوسطها الحيوة الحيوانية التي لها قوة السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و اعلاها التصورات و التصديقات صورية كانت او معنوية تفكر في نفسك تجدها.

و النوع الرابع الحجب الهيولانية و الهيولي في اللغة هي@هو خ‌ل@ القطن الذي هو اصل الغزل و النسج في الملبوسات فشبهوا اصل الامثلة بالهيولي و سموه بها فأنت اذا تفكرت في ما لك من ذلك تجد@تجده خ‌ل@ كذلك فكما تري الجسم اصلا للصور الجسمانية و له جوهرية بالنسبة اليها تري ايضاً كذلك جوهراً قابلا للسمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس اذا نزل في السامعة و الباصرة و الشامة و الذائقة و اللامسة فان عدمت في بدن صار ذلك الجوهر قابلا غير قادر علي ادراك المحسوسات فتفكر في واحد من المشاعر الظاهرة و

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 332 *»

اغمض العين تجد الروح عاجزاً عن ادراك الالوان و هو موجود في بدنك و كذلك الحال في التصورات و التصديقات لها جوهر قابل فيه قوة الجميع في عالمه و صارت لها بالفعل في محالها كما صار الابصار للحيوة بالفعل في العين حرفاً بحرف و الملائكة المدبرات لهذا العالم ساكنات في عالم الهيولي من صعد اليها رآها و لاتزعم ان تعينات الهيولي في التصورات و التصديقات فقط فانها تعينات حصلت في المواليد و لها تعينات قبل المواليد كما ان للعناصر و الافلاك تعينات قبل المواليد الجسمانية و لها تعينات ثانية في المواليد فكذلك الحال في عالم المثال تعينات مثالية للمواليد و تعينات سابقة عليها هي التعينات الملكية ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فتدبر و لاتسامح تجد كذلك.

النوع الخامس الحجب الطبيعية و المراد بالطبيعة هنا غير الطبائع المعروفة في العقاقير و الاخلاط و البسائط الجسمانية بل المراد مبدأ عالم الشهادة المتصل بعالم الغيب فلما كان مبدأ@مبدءاً خ‌ل@ كان علي طبع النار التي كانت في اعلي درجات العناصر و لكن ترتيبها غير ترتيب العناصر الظاهرة فترتيبها النار ثم الماء ثم الهواء ثم التراب علي ترتيب عناصر عالم الغيب الفؤاد ثم العقل ثم الروح ثم النفس فالنفس تراب عالم الغيب و الروح هواؤه و العقل ماؤه و الفؤاد ناره و ربما الحق الفؤاد بعالم الامر فجعل العقل الذي هو الماء مبدأ لعالم@مبدء العالم/مبدءا لعالم خ‌ل@ الغيب و حمل علي ذلك اول ما خلق اللّه العقل او الماء فجعل ناره من مبدأ عالم الشهادة و هي الطبيعة و قد لوحظ في هذا النظر اسرار جمة ليست هذه العجالة موضع بيانها. بالجملة فلما كانت الطبيعة مبدأ@مبدءً خ‌ل@ صارت علي طبع النار و عبرت بالكثيب الاحمر و الياقوتة التي نظر اللّه تعالي اليها بنظر الهيبة فذابت و مقام ذوبانها مقام الماء التي سلط عليه الريح فتموج و ازبد فمقام الماء مقام الهيولي التي مادة عالم الشهادة و مقام الريح مقام الروح المثالي و مقام الزبد الذي هو التراب مقام عالم الجسم

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 333 *»

بأسرها من عرشها الي فرشها علي ماتري و له في نفسه سموات و ارضون و نيران و اهوية و مياه و اتربة. بالجملة فالطبيعة في نفسها نار بلا دخان و هي المارج من النار لما كانت متصلة بالغيب فليس فيها تدرجات زمانية و لا مثالية كعالم الغيب فالتدرجات المدركة من الماضي و الحال و الاستقبال وقعت فيما دونها كالليل و النهار و الغدو و العشي و امثالها و قد تعينت بعد التعلق بمادونها بتعينات مادونها كمادونها فحصلت لها تعينات اولية كتعينات البسائط من السموات و الارضين علي ما تري في هذا العالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و تلك التعينات تعينات حرفية ملكية كتعينات الحروف بالنسبة الي الكلمة و لها تعينات ثانية هي التعينات المتولدة كتعينات الكلمات المتولدة من الحروف و هي التعينات الجنية فالجان هم المواليد اصولهم من عالم الطبيعة بعد نزولهم الي عالم الحيوة العامة الدنيوية المعبر عنها بالحس المشترك في الاناسي.

و النوع السادس الحجب النفسانية التي نزلت منها الاناسي الي هذه الدنيا و يصعدون اليها و سميت بعالم النفس اي نفس الانسان و عينه و ليس لهذا العالم فناء و لا زوال ابداً لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و وجدوا ما عملوا حاضراً بخلاف مادونها و دون الطبع فان مواضي تلك العوالم فانية و حالاتها كائنة و استقبالاتها منتظرة تفكر في بدنك و حياتك و تصوراتك و تصديقاتك تجدها كذلك فلانطيل الكلام و الاشارة كافية لاهلها ففي هذا العالم ايضاً جوهر له تعينات اولية كما عرفت سابقاً هي تعينات ملكية و تعينات ثانوية هي تعينات اشخاص الاناسي بعد نزولهم الي هذه الدنيا.

و النوع السابع الحجب الروحانية و المراد بالروح هنا الروح الملكوتية دون الارواح الدانية و هي الروح من امر اللّه تعالي التي نفخت في الانبياء: كما قال تعالي فاذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين و كما قال تعالي و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 334 *»

الكتاب و لا الايمان فذلك الروح روح العلم بجميع الخيرات و الشرور و كل ما يحتاج اليه الامة من الحلال و الحرام و المنافع و المضار و الحدود و الاحكام من الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الاباحة و كل ما يحتاج به الامة و هذا العلم مخصوص بالحجج: من الانبياء و المرسلين و الاوصياء المرضيين دون اهل العالمين بالغاً ما بلغوا الي درجة العلم كبلعم و افلاطون الا من اخذ العلم عنهم: اماتري الناس كلهم اجمعين عاجزين عن وجه حلية شي‏ء و حرمته بلونه او بطعمه او برائحته او بصورته@بصوته خ‌ل@ او بحره و برده و رطوبته و يبوسته و خواصه المجربة فالعلم بجميع المنافع و المضار مخصوص بالحجج:. بالجملة، ففي هذا المقام ايضاً جوهر له تعينات اولية ملكية و تعينات ثانوية شخصية فالمتعينون بالتعينات الثانوية هم الانبياء و الحجج: و المتعينون بالتعينات الاولية هم الكروبيون من الملائكة و الكروب فعول للمبالغة لشدة قربهم الي المبدأ.

و النوع الثامن الحجب العقلانية و مقام العقل مقام الوسط الحقيقي كما روي العقل وسط الكل و هو مقام النفخ و النافخ لا المنفوخ فيهم ففي هذا المقام ايضاً جوهر له تعينات اولية كما له تعينات ثانوية كما مر ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فالمتعينون بالتعينات الثانوية هم الاربعة عشر صلوات اللّه عليهم و ذلك واحد من مقاماتهم و المتعينون بالتعينات الاولية هم الملائكة العالون المستثنون بقوله بيدي استكبرت ام كنت من العالين و هم غير مأمورين بالسجود لادم الذي من مواليد عالم الكروبيين و رئيس هؤلاء العالين هو روح القدس الذي ذاق من حدائقهم الباكورة و تلك الحدائق فوق عالم العقل و لهم: مقامات في تلك الحقائق و مافوقها.

و تاسع الحجب هو حجاب النفس و المراد بالنفس هنا غير النفس

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 335 *»

الملكوتية بل المراد هو الحقيقة المحمدية9 باحدي المعاني و هي حقيقة الوجود المقيد من الدرة الي الذرة المعبر عنها بالفؤاد و الماء النازل من سحاب المشية و هو ماء الوجود الذي تلبس بألبسة المقيدات في مقامها لا في مقامه بل تجلي لها بها و بها امتنع عنها و اليها حاكمها

و ينبغي لك ان‏تتذكر ان المشية ايضاً حجاب و كل ما كان غير ذات@الذات خ‌ل@ البحت البات حجاب و هو المحتجب و ينبغي كشف جميع الحجب من غير اشارة لانها كلها موهومات ينبغي محوها لانها بأنفسها ليس محض و ممتتنع صرف و وجودها و حقيقتها نفس الاضافة الي الغير فحقائقها الدعاوي فكيف لاتكون دعاويها دعاوي و محاسنها مساوي فكيف لاتكون مساويها مساوي.

و لكشفها من غير كشف و لا اشارة بالاشارة طريقان كشف علمي برهاني و كشف ذوقي عياني اما الذوقي منهما فالطريق الاقرب هو الخلوص ثم السلوك بمقتضي اوامر الشارع7 علي ما هو المقرر في كتب العلماء الابرار و الحكماء الاخيار من العمل بالواجبات و ترك المحرمات و استدامة العمل بالمستحبات و النوافل مهماامكن و ترك المكروهات ماامكن بل ترك كثير من المباحات ماامكن و تيقن بلاريبة بأنه لو كان طريقاً اقرب منها لهدي اللّه تعالي اليه بلسان حججه: اذ لايعقل كما لاينقل البخل منه و من حججه: فمن ابتغي وراء ذلك طريقاً فاولئك هم العادون اذ لا حق الا من عند اللّه تعالي و ما عنده هو ما عند رسوله9 و ما عنده هو ما عند خلفائه الصادقين المعصومين: و قد بينوا فرائضه و اقاموا حدوده و نشروا شرائع احكامه و سنوا سنته@سننه خ‌ل@ حتي صاروا منه الي الرضا صلوات اللّه عليهم.

ثم اعلم ان الكشف اتفق لاهل الحق و الباطل و علامة الكشف الحق هو الموافقة للكشف البرهاني قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين فما لا برهان له لا صدق فيه فذلك اضغاث

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 336 *»

الاحلام لا سبيل الي المستغاث العلام فالقاصد و القصد و المقصود جميعاً في النار. انتم و ما تعبدون من دون اللّه حصب جهنم فان كنت من اهل الديار فاقتف الاثار و ابتغ الديار و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا. و لاتمش في الارض مرحاً انك لن‏تخرق الارض و لن‏تبلغ الجبال طولا فتمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها و اعتصموا بحبل اللّه جميعاً و لاتفرقوا. بالجملة، و اما الكشف البرهاني فما افصح به المفصح الفصيح في الفصول اعلي اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه ففيه الكفاية لاولي الدراية و الحمد للّه. فعليك بالاستكشاف منه فانه كشاف شاف كاف ان شاء اللّه تعالي و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين و قد وقع الفراغ من ذلك المصباح عصر يوم السبت الثالث‏عشر من شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة خمس و تسعين بعد المأتين و الالف (1295) بقلم العبد المقصر القاصر محمد الباقر في همدان صانها اللّه تعالي من الطوارق حامداً مصلياً مستغفراً.([29])

@مقابله اين حديث به دليل نداشتن نسخه خطي با نسخه چاپي الرسائل 2 انجام يافت@

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 337 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

يروي([30]) عن الشيخ الثقة ابي الحسين محمد بن علي الحلي عن شيخه السيد ابي‏عبد اللّه الحسين ابن حمدان([31]) الخصيبي قال حدثني جعفر بن مالك الفزاري الكوفي عن عبيد اللّه بن يونس الموصلي عن محمد بن صدقة العبدي عن محمد بن سنان الزاهري عن صفوان بن يحيي الكوفي عن المفضل بن عمر الجعفي قال قلت لمولانا الصادق الوعد منه الي حمد([32]) و قد خلوت به فوجدت منه فرصة اتمناها اسألك يا مولاي عما جري في خاطري من ظهور المعني طلقته([33]) بصورة مرتبة([34]) فهل الذات تتصور او تتجزي او تتبعض او تتحول عن كيانها او تتوهم في العقول بحركة او سكون و كيف ظهور الغيب الممتزج بخلق ضيعف و كيف يطيق المخلوق النظر الي الخالق مع ضعف المخلوق فقال: يا مفضل ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لايات لاولي الالباب. يا مفضل علمنا صعب مستصعب و سرنا وعر بعيد علي اللسان ان‏يترجم عنه الا تلويحا و مايعرف شيعتنا بحسب درايتهم لنا و معرفتهم بنا و سحقا لمن يروي ما لايدري و يعتقد ما لايتصرف في عقل و لاينتضج([35]) في لب و ذلك ايمان اللسان و وعر الحواس و الحجة فيه علي صاحبه و ذلك ان القران نزل علي اياك اعني و اسمعي يا جاره

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 338 *»

فاستمع لما يوحي اليك و انظر بعين عقلك و انصب([36]) بنور لبك و اسمع و ع فقد سألت عن بيان عظيم و حق يقين فسالقي منه سؤالا ثقيلا و هو الذي ضل في معرفته خلق كثير الا من رحم ربك انه هو الغفور الرحيم و ما انبأ به الباقر7 الجابر من الوعر الاوعر الذي خفي عن سائر العالم الا عن صفوة المخلصين و البلغاء المستحفظين الذي اخلصوا و اختصوا و شهدوا الحق بما عملوا و صدقوا بما عاينوا كما ذكر في التنزيل قول السيد الامين و شهدوا بالحق و هم يعلمون انه الحق و الامر يا مفضل لطيف و سر هذا العلم غامض و اعلم ان الذات تجلي عن الاسماء و الصفات غيب ممتنع لايمتنع عنه بالحق([37]) و سر مستسر باطن و لايستر عنه خفي لطيف و لا شي‏ء اعظم منه موصوف باتصافه له مشهور بآياته معروف بظهوراته كان قبل القبل و قبل ان‏يحيث الحيث بحيث لا حيث غيره و قبل المكان اذ لا مكان الا ما كونه و هو الي ما لا نهاية له لايتحول عن حال و لاينتقل عن كيانه عما كان منه من كيانه و لايفتقر الي شي‏ء فيستعين به و لاينتسب الي غيره فيعرف به بل هو حيث هو و حيث كان فلم‏يكن الا هو و اعلم يا مفضل ان الظهور تمام البطون و البطون تمام الصمت و القدرة و العزة تمام الفعل و متي لم‏تكن كليات الحكمة تامة في ظهورها و تامة في بطونها كانت الحكمة ناقصة من الحكيم و ان كان قادراً. قال المفضل: قلت زدني يا مولاي شرحا يحيي به من قرب و تقرب من مشي بنورك و عرفك حقيقة المعرفة. فقال7: يا مفضل ان ظهور الازل بين خلقه عجيب لايعلم ذلك الا عالم خبير و ان الذات لايقال لها نور لانها منيرة كل نور فلما شاء من غير فكر و لا هم اظهار المشية و خلق المشية للشي‏ء و هما الميم و الشين فاشرق من ذاته نور شعشاني([38])

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 339 *»

لاثبت([39])  له الانوار غير بائن عنه فاظهر النور الضياء لمن تبين منه و اظهر الضياء ظلا فاقام صورة الوجود بنفسي([40]) الضياء و الظل و جعل النور باطنه و الذات منه مبدؤها و كذلك الاسم غير متحد بنور بارئ خلقه بخلقه فاذا بطن ففي ذاته و غيبه و الذي ليس شي‏ء كهو الا هو فتعالي اللّه العظيم يا مفضل فقد سألت عن المشية كيف ابداها و منشيها فافهم ما انا ذاكره لك يا مفضل فقد سألت عن امر عظيم ان مولاك القديم الازل تعالي ذكره يبدي مشيته لم‏يزل بها عالما و كانت تلك ارادة من غير همة و لا حدوث فكرة و لا انتقال من سكون الي حركة و لا من حركة الي سكون لان القدرة طباعة([41]) و ذلك انه يظهر المشية التي هي اسمه و دل بها علي ذاته لا لحاجة منه اليه و لا غيب([42]) به فلما بدت بطبع الحكمة عند ارادته يكون الاسم و اعلم بان الحكمة اظهار ما في الكيان الي العيان و لو لم‏يظهر ما علمه من غامض علمه الي وجود معاينة بعضها لبعض لكان ناقصا و الحكمة غير تامة لان تمام القوة الفعل و تمام العلم المعلوم و تمام الكون المكون فافتح يا مفضل قلبك لكلام امامك و اعلم ان النور لم‏يكن باطنا في الذات و ظهر([43]) منه و لا ظاهرا منه فبطن فيه بل النور من الذات بلا تبعيض و غائب في غيبه بلا استتار([44]) و مشرق عنه بلا انفصال كالشعاع من القرص و النور من الشعاع لمولاك يا مفضل اخترع الاسم الاعظم و المشية التي انشأت الاشياء و لم‏يكن للنور عند اختراعه الاسم زيادة و لا نقصان و الاسم من نور الذات بلا تبعيض و ظاهره([45]) بلا تجزي

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 340 *»

يدعو الي مولاه و يشير الي معناه و ذلك عند تغير كل ملة لاثبات الحجة و اظهار الدعوة و ليثبت علي المقر اقراره و يرد علي الجاحد انكاره فان غاب الولي عن ابصار خلقه فهم المحجوبون بالغيبة ممتحنون بالصورة يا مفضل التي اظهرها الاسم ضياء نوره و ظل ضيائه الذي تشخص به الخلق لينظروه و دلهم علي بارئه ليعرفوه بالصورة التي هي صفة النفس و النفس صفة الذات و الاسم مخترع من نفس الذات ذلك سمي نفسا و لاجل ذلك قوله تعالي و يحذركم اللّه نفسه و انما حذركم ان‏تجعلوا محمدا مصنوعا و الا لكان الذات محدثا مصنوعا و هذا هو الكفر الصراح و اعلم يا مفضل انه ليس من الاحد و الواحد الا كما بين الحركة و السكون او بين الكاف و النون لاتصاله بنور الذات قائمة بذاتها و هو قوله تعالي الم‏تر الي ربك كيف مد الظل و لو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا يعني ما كان فيه من الذات فالصورة الانزعية هي الضياء و الظل و هي التي لاتتغير في قديم الدهور و لا فيما يحدث من الازمان فظاهره صورة الانزعية و باطنه المعنوية و تلك الصورة هيولي الهيولات و فاعلة المفعولات و اس الحركات و علة كل علة لا بعدها سر و لايعلم ما هي الا هو و يجب ان‏يعلم يا مفضل ان الصورة الانزعية التي قالت ظاهري امامة و وصية و باطني غيب منيع لايدرک ليست كلية الباري و لا الباري سواها و هي هو اثباتا و ايجابا([46]) و عيانا و يقينا لا هي هو كلا و لا جمعا و لا احصاء و لا احاطة. قال المفضل قلت يا مولاي زدني شرحا فقد علمت من فضلك و نعمك ما اقصر من صفته. قال7 يا مفضل سل عما احببت. قلت يا مولاي تلك الصورة التي رايت علي المنابر تدعو من ذاتها الي ذاتها بالمعنوية و تصرح باللاهوتية قلت لي انها ليست كلية الباري و لا الباري سواها فكيف يعلم بحقيقة هذا القول؟ قال7 يا

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 341 *»

مفضل تلك بيوت النور و قمص الظهور و السن العبارة و معدن الاشارة حجبك بها عنه و ذلك منها اليه لا هي هو و لا هو غيرها محتجب بالنور ظاهر بالتجلي كل يراه بحسب معرفته و ينال علي مقدار طاعته([47]) فمنهم من يراه قريبا و منهم من يراه بعيدا. يا مفضل ان الصورة نور منير و قدرة قدير و ظهور مولاك رحمة لمن آمن به و اقر و عذاب علي من جحد و انكر ليس وراه غاية و لا نهاية. قلت يا مولاي فالواحد الذي هو محمد فقال7 هو الواحد اذا سمي و محمد اذا وصف. قلت يا مولاي فعلي منه بائن عن المعني وصفه([48]) اسمه فقال الم‏تسمع الي قوله ظاهري امامة و وصية و باطني غيب لايدرك؟ قلت يا مولاي فما باطن الميم؟ فقال7 نور الذات و هي اول الكون و مبدع الخلق و مكون لكل مخلوق و متصل بالنور منفصل لمشاهدة الظهور ان بعد فقريب و ان نأي فمجيب فهو الواحد الذي ابدأه الاحد من نوره و الاحد لايدخل في عدد فالواحد اصل الاعداد و اليه عودها و هو المكنون قلت يا مولاي يقول السيد الميم انا مدينة العلم و علي بابها. فقال7 يا مفضل انما عني به تسلسل نور الذي سلسل من نوره فمعني قوله7 و علي بابها يعني انه هو اعلي المراتب و باب لهم([49]) و منه يدخلون الي العلم و علم العلم و هو المترجم بما يمده سيده من علم الملكوت و جلال اللاهوت. فقلت يا مولاي يقول السيد الميم انا و علي كهاتين لاادري يمينا و لا شمال فاقرن بين سبابتيه فقال7 يا مفضل ليس مقدار احد من اهل العلم ان‏يفصل بين الاسم و المعني غير ان المعني فوقه لانه من نور الذات اخترعه فليس بينه و بين النور فرق و لا فاصل فلاجل ذلك قال انا و علي كهاتين اشارة منه الي العارفين ان

 

 

«* الرسائل جلد 2 صفحه 342 *»

 ليس هناك فصل و لو كان بينه و بينه([50]) فصل لكان شخصا غيره و هذا هو الكفر الصراح اماسمعت قوله ان‏يفرقوا بين اللّه و رسله و قوله و يقطعون ما امر اللّه به ان‏يوصل و ايمائهما للافعال([51]) ان‏يقال بينه و بين بارئه واسطة و لاجل هذا قال انا و علي كهاتين لانه بدو الاسماء و اول من تسمي فمن عرف الاشارة استغني عن العبارة من عرف مواقع الصفة بلغ القرار من المعرفة الم‏تسمع الي اشارات الاسم الي مولاه تصريحا بغير تلويح حيث يقول انك كاشف الهم عني و انت مفرج كربتي انت قاضي ديني و انت منجز وعدي ثم يكشف عن اسمه الظاهر بين خلقه فيقول انت علي اشارة منه الي مولاي فكانت الاشارة الي بابه انا مدينة العلم و علي بابها فمن اراد المدينة فليقصد الباب ثم قال يا مفضل ان القديم هو هو بلا كيف لما شاء ان‏يظهر حجاب ذاته اخترع نورا من نوره لا بائنا عنه و السلام.

وجد هذا الحديث الشريف بخط السيد الجليل سيد مرتضي صاحب مواعظ العارفين رفع اللّه في الجنان مقامه.

 

 

[1] محبتکم. خ‌ل

[2] الملکية. خ‌ل

([3]) عن اللسان. ظ (منه اعلي اللّه مقامه)

[4] المختصين. خ‌ل

([5]) علموا. ظ (منه اعلي اللّه مقامه)

[6] العسر. خ‌ل

[7] في الجنان. خ‌ل

[8] الاقلين. خ‌ل

([9]) و القوة. ظ (منه اعلي اللّه مقامه)

[10] کما ورد. خ‌ل

([11]) لن. ظ (منه اعلي اللّه مقامه)

[12] من تمام البطون. خ‌ل

[13] مستبشرة. خ‌ل

([14]) تأثيراً. ظ

[15] و الهداية. خ‌ل

[16] الحکيم. خ‌ل

[17] لاينتقص. خ‌ل

[18] شيء معه. خ‌ل

[19] في حده و عد مع غيره. خ‌ل

[20] لاينتسب. خ‌ل

[21] اصحاب. خ‌ل

[22] الاکثرون. خ‌ل

[23] من الذين. خ‌ل

[24] صفة الموصوف. خ‌ل

[25] اشارة. خ‌ل

([26]) مآبك الي. ظ

[27] الي. خ‌ل

[28] بصفة. خ‌ل

([29]) ايها القارئ الكريم انا وجدنا هذا الحديث الشريف في كتاب مخطوط مكتوب في سنة 1295 بالاسناد الاتي و قدمناه للطبع احياء للفضائل و خدمة للثقافة الدينية و للباحثين الكرام. الناشر

[30] روي. خ‌ل

[31] ابن احمد. خ‌ل

[32] الرحمة. خ‌ل

[33] لخلقته. خ‌ل

[34] مرئية. خ‌ل

[35] لايتضح. خ‌ل

[36] و انصت. خ‌ل

[37] باطن. خ‌ل

[38] من نور ذاته نوراً شعشعانياً. خ‌ل

[39] لاتثبت. خ‌ل

[40] بنفي. خ‌ل ـ بنفس. خ‌ل

[41] طباعه. خ‌ل

[42] لاغيبت. خ‌ل

[43] فظهر. خ‌ل

[44] بلااستار. خ‌ل

[45] ظاهرة. خ‌ل

[46] ايجادا. خ‌ل

[47] طاقته. خ‌ل

[48] وصف. خ‌ل

[49] باب الميم. خ‌ل

[50] بين بارئه. خ‌ل

[51] للعارفين. خ‌ل