الرسالة الاولي مقامات في العاقيد
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
بسم اللّه الرحمن الرحيم
فهرس الرسالة الاولي
«مقامات»
مقام: في توحيد الذات
مقام: في توحيد الصفات
مقام: في الصفات الذاتية و الصفات الاضافية و الصفات الفعلية
مقام: في توحيد الافعال
مقام: بيان الامر بين الامرين في الخلق الاول
مقام: بيان لا جبر و لا تفويض و اثبات الاختيار
مقام: بيان السرمد و الدهر و الزمان
مقام: بيان السرمد و الدهر و الزمان الحقيقيات
مقام: في توحيد العبادة في عرصة الکون
مقام: في توحيد العبادة في الشرع
مقام: بيان المراد من جهة العبادة و فيه مقدمات
مقدمة: في انه تعالي احد بسيط فلايدرک …
مقدمة: في ان غاية الخلقة التي هي المعرفة و العبادة يجب ان يصل اليها الخلق
مقدمه: کل شيء لايتجاوز ماوراء مبدئه
مقدمة: في ان الادراک اما بالانطباع او الاتحاد او الاحاطة و انه تعالي يدرک خلقه بالاحاطة
مقدمة: في ان الله لايکلف نفساً الا ما آتاها فلايأمر الخلق بمعرفة ذاته
مقدمة: في ان حقيقة معرفة الخلق لله تعالي هي معرفة الوصف
مقدمة: في الاحتياج الذاتي و الاحتياج الوصفي و ان الاول يکون بين المؤثر و اثره و الثاني بين المکمل و المتکمل
مقدمة: في توضيح الاحتياج الذاتي و الاحتياج الوصفي
مقدمة: في ان المحدود لايقدر التجاوز عن حده … و کيفية التأثير و التکميل
مقدمة: في ان لکل عالم افراداً هي ايدي مشيته في خلق ما يشاء بما يشاء فيما يشاء
مقدمة: في معني الصفة و الموصوف
مقدمة: في ان معرفة الله هي سبب لايجاد الخلق و علة له
مقام: في ان الله خلق لنفسه اقواماً جعلهم جاهه و وصفه و نوره و جعل معاملتهم معاملته و معاملته معاملتهم و و و ….
مقام: في بيان الفرق بين المعبود و جهة العبادة
الرسالة الاولى
مقامات
فى العقـايد
«* الرسائل جلد 2 صفحه 2 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه الذي قد علا علي كل شيء باحديته فهو علي كل شيء شهيد و بكل شيء محيط. فسبحانه عن وصف الواصفين قد تفرد في صفاته فلا شيء يماثله و توحد في افعاله فلا شيء يعاضده و قد اجري افعاله بما يشاء متي يشاء في من يشاء علي ما يشاء في احسن الوجوه فلا جبر فيها و لا تفويض و هو المعطي عباده ما يحتاجون فهو المعبود الممدوح فكل معبود مضمحل ماخلا وجهه الكريم.
و الصلوة علي من علا علي ما سواه و آله الذين هم شئون اطواره و مظاهر انواره في جميع القرون و شيعتهم الفاضلين من طينتهم الفاصلين من طريقتهم الواصلين بحقهم و حقيقتهم الشارعين لمشرع الهداية السالكين بالعباد سبيل اللّه سبحانه بعلم الرشد و الرعاية.
و لعنة اللّه علي من خالفهم في السلوك سلوك سبيل الرحمن و سلك مسالك الشيطان عدواناً و طغياناً.
و بعد هذه وجيزة مختصرة في اعتقاداتي كتبتها تذكرة لنفسي الخداعة قتلها اللّه سبحانه و رتبتها علي مقامات لسهولة البيان في كل مقام و علي اللّه التكلان فانه لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.
مقام: في توحيد الذات
قال سبحانه قل هو اللّه احد و قال سبحان ربك رب العزة عما يصفون و قال لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و قال الا انهم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 3 *»
في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط و قال علي كل شيء شهيد و قال وليه سبحانه9 لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و قال الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته. بالجملة، الايات و الاثار في هذا المقام اكثر من انتحصي و كتبت هذه تبركاً فبنص هذه الايات و الاخبار انه سبحانه احد و لايوصف و لاتدركه الابصار لاحديته الطاوية ماسواها من الوصف و الواصف و الموصوف و الادراك و البصير و البصر و المبصر لانها كلها محدود و كل محدود مركب من الحد و ما يحدد به و لايتجاوز الشيء ماوراء مبدئه و لايدرك ما نفذ في فهمه و ادراكه فالادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها كما قال مولانا صلوات اللّه عليه و آله. اذ الادراك لشيء فرع الغيرية و الغيرية فرع التمييز و التمييز فرع الصورة و الصورة فرع المادة و المادة و الصورة يشهدان بالاقتران و التركيب و هما يشهدان بالفعل و الانفعال و هما يشهدان بالحدوث فيمتنع ادراك الذات كما قال مولانا صلوات اللّه عليه و آله كل ما ميزتموه بأوهامكم فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم. فغاية معرفته سبحانه العجز و اليأس عن معرفته لان المشاعر كلها محدودة و لاتدرك الا محدوداً مثلها و ليس له سبحانه حد لعلوه عنه كما سئل عنه7 عن التوحيد فقال التوحيد ان لاتتوهمه و لايمكن ذلك الا بهتك الاستار و محو الاغيار و كشف الانوار كائنة ما كانت بالغة ما بلغت.
فاذا فعلت ذلك يمكنك الوصول الي ما تجلي اللّه سبحانه فيك و هو ايضاً آية من آياته من دون ملاحظة الائية و من دون التفاتك الي نفسك و ادراكك و شعورك بل بالتفاتك اليه سبحانه بأنتراه وحده وحده بحيث يمتنع معه غيره فاذا القيت نفسك و جميع مالك من المدارك في عرصة الامتناع البات و كذا جميع الخلق من اوله الي آخره و هتكت الاستار تراه سبحانه بعينه التي اعارتك لا بعينك اظهر من كل شيء و لا شيء سواه و يمتنع
«* الرسائل جلد 2 صفحه 4 *»
معه ما عداه و انت حينئذ لاتراه لانك لست في عرصته سبحانه بل هو يراه بل لا معني لرؤيته نفسه اذ لايعقل رؤية شيء من الاشياء نفسه فضلا عنه سبحانه بل هو هو ليس معه غيره قال7 اعرفوا اللّه باللّه و قال يا من دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته.
فاذا رام عاشقها نظرة | و لميستطعها فمن لطفها | |
اعارته طرفاً رآها به | فكان البصير بها طرفها |
قال7 محو الموهوم و صحو المعلوم و انت و جميع ما لك من المشاعر من الموهومات و مادمت انت ما لك([1]) باقياً يمتنع ادراكه سبحانه انت لاتحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الامال دونك و الاشارة الي نوع البيان ان كل متعدد كائناً ما كان يجمعها مطلق فوقها يصدق علي كل فرد بكله و ليس المقصود من المطلق جهة الجامعة لشيئين لانها مادتهما و لايصدق عليهما بجميع اقطارهما بل تصدق علي مادتهما دون صورتهما بل المراد منه انه يصدق علي افراده بجميع ما لها و بها و منها و اليها كالحيوان المطلق الصادق علي جميع الحيوانات و هو لايتحدد بحدود مادونه من الفرس و البقر و الغنم و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه و كذا الاجسام يجمعها جسم مطلق نافذ في جميع اقطارها و طواها طي الامتناع البحت البات بحيث اذا رئي@رأي خل@ تمتنع الاجسام معه و اذا رئيت@رأيت خل@ يمتنع معها الجسم و هكذا كل مرتبة من المراتب يجمع مادونه من الافراد و المقيدات حتي وصل الامر في كل رتبة الي مطلقه و لايبقي الا المطلقات و جميع هذه المطلقات ايضاً يجمعها مطلق واحد بجميع ما لها و فيها و منها و اليها و عنها و عليها من ذواتها و صفاتها و احوالها و افعالها و آثارها و اشباحها و اشباح اشباحها و رتبها و اوضاعها و كمومها و كيوفها و امكنتها و اوقاتها و نسبها و اضافاتها و اقتراناتها و كل ما يسمي باسم و يوصف بوصف لايبقي لها اشارة و كناية
«* الرسائل جلد 2 صفحه 5 *»
في ادق المعاني الا و ذلك المطلق اللابشرط نفذ فيها بحيث لايبقي شيء سواه و لا ذكر لماعداه لا عيناً و لا كوناً و لا امکاناً و لا صلوحاً و استجناناً و لا اعتباراً بحيث من الحيوث و اعتبار من الاعتبارات اذ جميع ذلك دونه و يوجد بايجاده و يظهر بتجليه لكل واحد واحد و فرد فرد به لا بنفسه و لايجري عليه ما هو اجراه بفعله و تجليه و لايعود فيه ما هو ابداه من غير مادة و صورة بل تجلي لها بها و بها امتنع عنها فهو داخل فيها لا كدخول شيء في شيء لانه يلزم التركيب و المظروفية و المحلول و تعالي عن ذلك و خارج عنها لا كخروج شيء عن شيء للزومه التركيب ايضاً في الخارج و المخرج عنه.
فاذاً كلها انواره و اسماؤه و صفاته و ظهوراته و تجلياته و هي هو وجوداً و عياناً و اثباتاً و ليست هو احاطة و كلا و جمعاً لان كل واحد منها مركب و يشترك مع غيره في مادة واحدة و يختلف بصورته عنه و هو تعالي عن التركيب و المادة و الصورة فكل ما يجوز في الخلق يمتنع في الخالق و كل ما يجب في الخالق يمتنع في الخلق فهو سبحانه خلو من خلقه و خلقه خلو منه و بينهما مباينة ذاتية ليس في الخلق من الخالق شيء ابداً و ليس في الخالق القديم الاحدي من الخلق الحادث المتكثر شيء ابداً فهو بريء عن خلقه منزه عنها و عن صفاتها و ذواتها و غيبها و شهادتها و مطلقاتها و مقيداتها و مؤثراتها و آثارها و فواعلها و مفعولاتها و عللها و معلولاتها و اسبابها و مسبباتها و وصولها و فصولها و قريبها و بعيدها و عاليها و دانيها و سعيدها و شقيها و نورانيها و ظلمانيها و اوائلها و اواخرها و انبيائها و شياطينها و مؤمنيها و منكريها و هكذا هو سبحانه بريء عن درجاتها و دركاتها و نسبها و اضافاتها و جميع ما لها مما يسمي بالشيء او يشار اليه بأدق الاشارة و يكني عنه بألطف الكناية. قال7 كل ما ميزتموه بأوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم لان التميز فرع الحد و الصورة و الصورة فرع المادة فكل مميز مركب من مادة و صورة لامحالة سواء
«* الرسائل جلد 2 صفحه 6 *»
كانتا كثيفتين او لطيفتين و تعالي ربنا عن خلقه و عن المادة و الصورة و التركيب و غيرها من صفات خلقه فرجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله فدليله آياته و وجوده اثباته.
فاذا كان سبحانه بريئاً عن حدود خلقه و عن خلقه و علا مكانه عنهم و لايتحدد بحدودهم فلاينتهي الي شيء من خلقه فلاينفذ في الامر و لمينفذ في الخلق و لاينفذ في الغيب و لمينفذ في الشهادة و لاينفذ في امكانات الخلق و لمينفذ في اكوانها و لاينفذ في اكوانها و لمينفذ في اعيانها و لاينفذ في اكوانها و لمينفذ في تشريعها و لاينفذ في ذواتها و لمينفذ في صفاتها و لاينفذ في افئدتها و لمينفذ في البابها و لاينفذ في البابها و لمينفذ في ارواحها و لاينفذ في ارواحها و لمينفذ في نفوسها و لاينفذ في نفوسها و لمينفذ في طبائعها و لاينفذ في طبائعها و لمينفذ في موادها و لاينفذ في موادها و لمينفذ في امثلتها و لاينفذ في امثلتها و لمينفذ في اجسامها و لاينفذ في اجسامها و لمينفذ في افعالها و لاينفذ في افعالها و لمينفذ في آثارها و لاينفذ في آثارها و لمينفذ في اشباحها و لاينفذ في اشباحها و لمينفذ في اشباح اشباحها الي ما لا نهاية لها و لاينفذ في كمومها و لمينفذ في كيوفها و لاينفذ في امكنتها و لمينفذ في اوقاتها و لاينفذ في جهاتها و لمينفذ في رتبها و لاينفذ في اوضاعها و لمينفذ في نسبها و اضافاتها و لاينفذ في جواهرها و لمينفذ في اعراضها و لاينفذ في وجوداتها و لمينفذ في ماهياتها و لاينفذ في موادها و لمينفذ في صورها و هكذا لاينفذ في شيء الا و نفذ في الاخر و ليس معني نفوذه في الاشياء كنفوذ شيء في شيء كنفوذ الماء في الطين او كنفوذ الماء في الماء او كنفوذ الروح في الجسم نعوذ باللّه بل نفوذه سبحانه نفوذ لا نهاية له بحيث اذا نفذ في شيء لايبقي له اسماً و رسماً و ذكراً و اثراً و ارسله الي عرصة الامتناع البحت البات فاذاً لا شيء سواه و هو الشيء بحقيقة الشيئية وحده وحده سبحانه سبحانه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 7 *»
سبحان من كان هكذا خلق الاضداد و برأ عن الانداد قريب بالكل بعيد عن الكل اقرب بالكل من نفسها و ابعد عن الكل بنفسه قريب لا بمداناة بعيد لا بمناءاة داخل في الكل خارج عن الكل قريب حين كونه بعيداً بعيد حين كونه قريباً داخل حين كونه خارجاً خارج حين كونه داخلا. فهو القريب و البعيد و العالي و الداني و تعالي عن القرب و البعد و العلو و الدنو فهو في كل مكان و لايخلو منه مكان فاذاً لا مكان داخل في كل شيء و لايخلو منه حروف الشيء فاذاً لا شيء ابداً قل اي شيء اكبر شهادة قل اللّه. لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير الا انه علي كل شيء شهيد. الا انه بكل شيء محيط. ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك؟ متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك؟ عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيبا.
و لقوله7 عميت عين لاتراك معني لطيف لا بأس بذكره و هو ان كل عين تراك و لمتخلق عين لمترك و الشاهد علي ذلك قوله7 تعرفت لكل شيء حتي لايجهلك شيء و قوله سبحانه كل قد علم صلاته و تسبيحه و ذلك لان وجود كل شيء ظهوره سبحانه و به تعرف نفسه له فلايجهله شيء و لايخفي عن شيء فخفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره فهو الظاهر لكل شيء به و هو اظهر منه سبحانه ما اعظم سلطانه و اعلي مكانه.
و هذا الوجود هو الوجود الحق الذي اشار اليه الشيخ اعلي اللّه مقامه بأنه لايعرف بكم و لا بكيف و لا بوقت و مكان و جهة و رتبة الي آخر كلامه رفع في الدارين اعلامه و هذا الوجود هو غاية الغايات و نهاية الاشارة و الكنايات و التعبيرات و التلويحات و ليس لمافوقه عبارة و كناية و اشارة اذ ليس فوقه شيء و جميع التعبيرات مستعارة له و لايقع عليه اسم و رسم و كناية و اشارة و كلها تقع علي مادونه من آياته و تجلياته و تستعار له بالنفي و الاثبات حتي لايزعم احد انه ليس بشيء و انه هو الشيء بحقيقة الشيئية
«* الرسائل جلد 2 صفحه 8 *»
فانه كلما كان الشيء اوسع قدراً و ابسط يكون اشد تأصلا و ثباتاً بحيث اذا ظهر عدم ماسواه و امتنع فسبحان من لايستعار له هذه التعبيرات و الاشارات فهو المنزه عن التنزيه و المبري عن التسبيح و المقدس من التقديس و الاشارة الي بيان تنزهه عن التنزيه و تقدسه عن التقديس ان الذات اذا ظهرت غيبت الصفات و لمتر الصفات بحيث تمتنع مع الذات و اذا ظهرت الصفات لمتر الذات لانها جلت عن الصفات فالصفات هي الذات وجوداً و عياناً و هي غير الذات جمعاً و كلا و احاطة.
و هذه ايضاً نسبة بين الذات و الصفات و بينهما يلحظ مغايرةما فاذا قلنا ليس نسبة بين الذات و صفاتها و لا ربط و لا مغايرة و لا مجانسة و لا مخالفة و لا مؤالفة و هكذا جميع الاضداد تنفي بين الذات و صفاته يعلم بالنظر الدقيق مغايرةما بينهما و هي محدودية الصفات و منزهية الذات عن حدود الصفات فسبحان من نفذ في الذات و الصفات و في محدودية الصفات و في منزهية الذات فلايمكن انيقال في حقه هو الصفات وجوداً و عياناً و اثباتاً و هو غيرها كلاً و جمعاً و احاطة فهو هو و ليس له تعبير و تنزيه و تقديس بل لايمكن انيقال هو هو في حقه فان هو هو مقام الذات المبراة عن الصفات التي غيبت الصفات فاذا التفتت اليها تراها بحيث يمتنع معها غيرها و اذا اغفلت عنها تري ماسواها فانك اذا اردتها تحتاج الي انتلتفت اليها فان التفتت اليها لاتري معها شيئاً و اذا اردت الصفات تلتفت اليها و تراها فأخبرني هذان يقعان علي شيء واحد بجميع الاعتبارات او علي اثنين و لو باعتبار؟ و لاتقدر انتقول بالاول و لابد لك انتقول بالثاني فسبحان من علا الذات و الصفات و علا امتناع الصفات في الذات فضلا عن نفيها فيها او اثباتها و طوي الكل و حواها يعني انه سبحانه طوي اللابشرط و بشرط لا و بشرط شيء اذ كل ذلك شرط تحقق مشروطه و لولا هذه الشروط الثلاثة لميتحقق مشروطها ابداً فوجود المقيد شرط@شرطه خل@ التقييد بالقيود و لو سلب عنه شرطه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 9 *»
لميبق علي ما هو عليه و هو التقيد بالقيود فاذا سلب القيد عن المقيد لايكون المقيد مقيداً بل يكون حينئذ مطلقاً فشرط تحققه و ثبوته التقيد و كذا وجود المطلق الذي هو بشرط لا شيء معه هو مشروط بشرط لايكون شيء معه و وجوده متوقف علي هذا الشرط النفيي العدمي و لولا هذا الشرط لميتحقق اصلا و ليس له ثبات مطلقاً لانه اذا سلب عنه هذا الشرط المنفي اما نزل عن مقامه و تسفل فيصير وجوداً مقيداً و اما صعد فيصير نعوذ باللّه وجوداً مطلقاً عن قيد الاطلاق فهذا النفي شرط ثبوته و وجوده في مقامه علي ما هو عليه و كذا وجود اللابشرط ايضاً اللابشرط شرط وجوده و لولاه لميتحقق و لميكن هوهو بل يصير هو غيره نعوذ باللّه اما تسفل فيصير بشرط لا او تصعد فيصير ما ليس له تعبير نعوذ باللّه و لايتجاوز الشيء ماوراء مبدئه و لايصير الخلق امراً و لا الامر حقاً و لا الحق خلقاً و هذه الشروط الثلاثة درجات الوجودات و نهاياتها و يمتنع عدمها للزوم الطفرة في الوجود فاذا علم ان اللابشرط ايضاً شرط و كل مشروط بشرط موصوف به و كل موصوف مركب لشهادة الموصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة انها غير الموصوف و شهادتهما بالاقتران و الانفعال و التركيب علم ان الوجود اللابشرط ايضاً مركب و كل مركب محتاج و كل محتاج حادث و هو غير القديم الازل البسيط الحقيقي القائم بالنفس و ان كان جميع هذه الاسماء تقع علي عنوانه و لاتليق به فسبحان اللّه عما يصفون و سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين.
مقام: في توحيد الصفات
بأنه سبحانه واحد في صفاته بفرده لا شريك له فيها
قال سبحانه ليس كمثله شيء و قال هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم فهو سبحانه بعد تجليه بالاحدية تجلي لها بالواحدية و هذا التجلي اعظم تجلياته سبحانه و اول ظهوراته تجلي له به و به امتنع
«* الرسائل جلد 2 صفحه 10 *»
عنه بل هو عين تجليه سبحانه و ليس التجلي شيء خارج([2]) عن ذات المتجلي به فاذا كان تجليه به بدون واسطة غيره اذ لا شيء سواه في رتبته و كل ماسواه يوجد به فليس تجليه به في وقت و لا في مكان و لا بشيء و لا لشيء و لا من شيء و لا علي شيء و لا في شيء فليس له كيف كما لا كيف له و ليس له كم كما لا كم له سبحانه و كلما يسمي باسم شيء فهو يوجد بواسطة هذه الظهور الاعظم الاعظم و كلها منطوية تحته بحيث لا شيء في رتبته سواه و انما بفعله و ظهوره يوجد ماعداه فله احدية بالنسبة الي مادونه من الصفات و ان كان متكثراً عند مافوقه و صفة منه سبحانه.
و لما كانت هذه الصفة غير ذاته القديمة سبحانه فتكون خلقه اذ لا ثالث بين القديم و الحادث كما قال7حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فاذا كانت صفته سبحانه خلقه و اشرف خلقه و الطفه و ابسطه و اوله و ذاته سبحانه بريئة عن خلقه عالية عنه تكون هذه الصفة هو الذي شهد بنفسه و قال انا الاول انا الاخر انا الظاهر انا الباطن و انا بكل شيء عليم و شهدت له الشمس فقالت السلام عليك يا اول السلام عليك يا آخر السلام عليك يا ظاهر السلام عليك يا باطن فهو7 ظهور اللّه الاعظم الاعظم و تجليه الاكرم. قال7 اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده و نور الذات غير الذات و هو ظهور الذات فاخترعهم اللّه سبحانه بهم و هم ايدي الرب في ايجاد انفسهم اذ ليس شيء فوق رتبتهم حتي يكون هو موجدهم و هم اول الخلق فهم العلة الفاعلية و المادية و الصورية بل و الغائية لانه سبحانه خلقهم لنفسهم بنفسهم من نفسهم علي صورة نفسهم لا لشيء غيرهم و به و منه و عليه لانه لا شيء غيرهم صلوات اللّه عليهم بل خلقهم اللّه سبحانه لا لنفسهم بنفسهم من نفسهم علي صورة نفسهم بل خلقهم لنفسه بنفسه من نفسه علي صورة نفسه فلايكونون الا للّه و باللّه و من اللّه و الي اللّه و علي
«* الرسائل جلد 2 صفحه 11 *»
صورة اللّه و المراد من نفسه سبحانه نفسه المنسوبة اليه لا ذاته سبحانه و نفسه المنسوبة ايضاً هم صلوات اللّه عليهم السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفها يطمئن و المراد من العين هو النفس و المراد من الصورة هو الصفة و صفته سبحانه العلم و القدرة و القوة فهم خلقوا علي صورة اللّه سبحانه اي علي صفة اللّه اي خلقوا عليماً قديراً قوياً قاهراً غالباً و هكذا جميع كمالات اللّه سبحانه كمالهم و كل ما له لهم لانهم ليسوا لنفسهم بل يكونون لربهم فلايظهرون الا ربهم و لايكونون الا هو فهم هو وجوداً و عياناً و ليسوا اياه احاطة و جمعاً. قال7 لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن الا انه نحن نحن و هو هو اي هو هو احاطة و نحن نحن محتوية بل يجري هذا الخبر في مقام منهم دون هذا المقام و في هذا المقام ليس لهم حيث لانفسهم بل كلهم للّه و باللّه و في اللّه و من اللّه و الي اللّه و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود بل لاتحسبهم ايقاظاً و هم رقود بل لاتحسبهم رقوداً و هم ايقاظ باللّه سبحانه فهم: مبدأ المبادي و غاية الغايات و نهاية النهايات و نهاية الكنايات و الاشارات و العبارات فلما كانو: اول ظهور اللّه سبحانه يكونون ابسط ظهور اللّه و اوسع بحيث حاووا و طاووا ملك اللّه سبحانه و استووا علي عرشه ليس شيء اقرب اليهم من شي آخر كما في دعاء رجب بهم ملات سماءك وارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت لان وجودهم: ليس لهم بل وجودهم للّه سبحانه فاذا ملاوا سماء اللّه و ارضه ملا اللّه السموات و الارض.
بالجملة جميع الصفات تحتوي تحت صفة واحدة و هي مستجمع جميعها لايشذ منها شاذ الا و نفذت فيه باحاطتها و ليس لها شريك في نفوذها كما ان زيداً يستجمع جميع صفاته لا شريك له فيها فهو القائم القاعد الماشي المتحرك الساكن المصلي المزكي المخمس الحاج المجاهد بوحدته و ان كانت الصفات بعضها غير بعض ممتاز عن الاخر بمادته و صورته فالقائم هو زيد المنصبغ في القيام و القاعد زيد المنصبغ في القعود و المصلي هو زيد
«* الرسائل جلد 2 صفحه 12 *»
المنصبغ في الصلوة و هكذا كل واحد من الصفات لايتجاوز مبدأه و مبدؤه هو زيد المنصبغ فيه و يرجع ضميره الي مبدئه لا الي زيد المطلق المبري عن تلك الصفات فان كان ضمير القائم مثلا يرجع الي ذات زيد لمايصدق عليه انه القاعد المصلي المزكي و لا شك انه هو القائم القاعد المصلي المزكي و هو بذاته بريء عن حدود كل واحد من صفاته@الصفات خل@ بل هو نافذ في جميعها بمادتها و صورتها فانه بالنسبة اليها له كلية و هيمنة يعطي تحته من صفاته اسمه و حده و يصدق علي الكل و استوي علي عرشها ليس شيء منها اقرب اليه من شيء آخر تجلي لها فأشرقت و طالعها فتلألأت فألقي في هويتها مثاله و اظهر عنها افعاله و مثاله لكل صفة عين تلك الصفة لا ذاته و لا شيء غيرها اي غير تلك الصفة لانها عنده مخلوق بنفسه و لا واسطة بينها و بينه فلايوجدها بفعل غيرها و هي فعله بنفسها و هي مخلوق لا من شيء و لا بشيء و لا في شيء و لا علي شيء بل هي بنفسها يده في ايجاد نفسها تجلي لها بها و بها امتنع منها فهي هو وجوداً و عياناً و ظهوراً و ليست هي هو احاطة و جمعاً و بطوناً فجميع الصفات يرجع ضميرها في ادق معانيها الي مباديها و هو بذاته نافذ في جميعها فزيد هو القائم القاعد المتحرك الساكن المصلي المزكي الصائم القاري الغازي الحاج بوحدته لا شريك له في ذلك احد.
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
يظهر في كل واحد من الصفات و من ايها نظرت نظرت اليه و من ايها دخلت دخلت عليه فانظر في نفسك و حاجتك اي شيء تريد فاطلب منه من بابه قال سبحانه وأتوا البيوت من ابوابها فان اردت العلم فاطلب منه باسمه العليم و ادع اسمه العليم حتي يعطيك و ان اردت الرزق فاطلب منه و ادع اسمه الرازق و هكذا فانه في ذاته بريء عن العلم و الرزق و غيرهما و هو عليم بالعلم في العلم لا في ذاته و رازق بالرزق لا في ذاته فأسماؤه ابوابه و وسائطه و وسائله قال سبحانه فابتغوا اليه الوسيلة فبدون الوسيلة لايمكن الوصول
«* الرسائل جلد 2 صفحه 13 *»
اليه بنحو من الانحاء و في طريق من الطرق و من رام غير ذلك فقد وقع في تيه الحيرة ابداً و لايعقل غير ذلك و لايمكن تعقل غير ذلك للعاقل كما نص عليه اللّه سبحانه و انبياؤه و رسله و اولياؤه فللّه الاسماء الحسني فادعوه بها قال7 نحن الاسماء الحسني التي امر اللّه انتدعوه بها.
بالجملة كل صفة بل كل شيء عند مؤثره القريب مخلوق بنفسه و هو بنفسه يد مؤثره في احداث نفسه و جميع ما له و به و منه و اليه و عليه يجري بنفسه عليه و في الخارج ليس الا شيئاً واحداً و لكن مخبره متعدد فان رأيت زيداً في القائم بحيث لاتري شيئاً غيره تخبر بأني رأيت زيداً و صدقت و لكن مارأيت الا زيداً المتهيء بهيأة القيام الظاهر بالقيام و انت لاتري القيام لان الظاهر اظهر من ظهوره من نفس ظهوره و نحن اقرب اليه من حبل الوريد و هو كناية عن انه اقرب اليه من نفسه و هو اولي به من نفسه النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم لانه هو الظاهر منهم و اظهر منهم فمن رآهم فقد رآه و من زارهم فقد زاره و من اطاعهم فقد اطاعه و من تخلف عنهم فقد تخلف عنه و من احبهم فقد احبه و من ابغضهم فقد ابغضه و من رآه فقد رأي الحق و من زاره فقد زار اللّه و من اطاعه فقد اطاعه و من احبه فقد احبه و من تخلف عنه فقد تخلف عنه من يطع الرسول فقد اطاع اللّه. مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي. ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه يد اللّه فوق ايديهم. في الزيارة من احبكم فقد احب اللّه و من ابغضكم فقد ابغض اللّه و من اعتصم بكم فقد اعتصم باللّه انتم السبيل الاعظم و الصراط الاقوم بأبي انتم و امي و نفسي و مالي.
بالجملة، الظاهر في الظهور اظهر من الظهور فزيد في القيام اظهر من القيام فاذا رأيته رأيته و لكن مارأيت الا زيداً القائم و ان غفلت عنه اي عن القائم و مارأيته و حينئذ رأيت المثال الملقي في هوية القيام مع الغفلة عن القيام و ان رأيته منصبغاً في هوية القيام ظاهراً به يعني رأيت القائم بأنه ظهور زيد و احد تجلياته و فعلياته رأيت الفعل و الفعل دون المثال فان المثال هو الفاعل المراد من اسم الفاعل و ان رأيت القائم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 14 *»
من حيث انه غير القاعد و النائم لا من حيث انه ظهور زيد و فعليته او مثاله الملقي في هوية ظهوره رأيت حينئذ نفس القائم و نفس القائم هو المفعول المطلق و هو قياماً و هكذا حال كل اثر عند مؤثره القريب و هو نفس مؤثره و لذا ورد من سر مؤمناً فقد سرني و من سرني فقد سر اللّه لان المؤمن بايمانه اثر النبي المطلق و شعاع ائمته: و الشعاع هو المنير وجوداً و ظهوراً فمن سر الشعاع سر المنير بلامجاز و سرور المنير هو سرور نوره و لايعقل سرور المنير الا سرور النور و نفس سرور المنير سرور النور و نفس سرور النور سرور المنير فان المنير منير بالنور و في النور و لولا النور للمنير لايكون المنير منيراً فالمؤمن هو نور الائمه: و كل مايضاف اليه يضاف اليهم من السرور و الخدمة و الاطاعة و الحب و الاتصال و كذا عكس ذلك الحزن و الدعة و التخلف و البغض و الانفصال و غيرها. قال7 انما سميت الشيعة شيعة لانهم خلقوا من شعاع نورنا و قال7 ان نور المؤمن لاشد اتصالا بنور اللّه من شعاع الشمس بالشمس و الاتصال الاشد من نور الشمس بالنسبة اليها هو اتصال لا نهاية له@لها خل@.
فكأنما خمر و لا قدح | و كأنما قدح و لا خمر |
بل لا قدح بوجه من الوجوه لان اللّه سبحانه ليس له شريك في مظاهره و تجلياته و المؤمن هو المظهر لله سبحانه و هو سبحانه موجود في حضرته و غيبته فان اللّه مع الذين آمنوا و ان اللّه مع الذين اتقوا و ان اللّه مع المتقين و ان اللّه لمع المحسنين و المؤمن هو المحسن المؤمن المتقي فاللّه سبحانه هو ظاهره و باطنه كما في القدسي انما يتقرب العبد الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته فاللّه سبحانه موجود به في حضرته و غيبته فهو لسانه و قلبه و نفسه و عقله و نوره فانه هو اظهر منه من نفسه فمن طعن علي المؤمن او رد عليه قوله فقد طعن علي اللّه و رد عليه قوله و كل عزيز غالب اللّه مغلوب.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 15 *»
بالجملة و ليس المقصود الان بيان ذلك و انما يجري الكلام لحلاوة هذه الاسماء العظام و انما المقصود انه سبحانه هو المتوحد في صفاته المتجلي فيها بها لا بنفسه لا شريك له ابداً فيها و كلها ظهوراته و آثاره و انواره و اطواره و شئوناته كل يوم هو في شأن و هو الظاهر في المظاهر و المؤثر في الاثار و المنير في الانوار و مطور الاطوار و هو الجليل بجلاله و الجميل بجماله و الكامل بكماله و كلها جلاله و جماله و كماله و هو اظهر من الكل من نفس الكل و اولي بالكل من نفس الكل و هو قبل الكل و مع الكل و بعد الكل و طواها و حواها بحيث لميبق في خلال الديار سوي الواحد القهار هو هو لا اله الا هو وحده وحده.
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
مقام
ان للّه سبحانه نوعان([3]) من الصفة صفة لايمكن سلبها عنه سبحانه ابداً في حال من الاحوال و آن من الانات كالعلم و القدرة و القوة و الحيوة و امثال ذلك فانه لايمكن سلب امثال هذه الصفات عنه سبحانه و يسمي هذه الصفات بالصفات الذاتية و هي عين ذاته سبحانه لا بمعني انها شيء و ذاته شيء آخر و هي عينها بل هي عين ذاته سبحانه بجميع الاعتبارات و كما لانقدر علي معرفة ذاته سبحانه لانقدر علي معرفة هذه الصفات ايضاً بوجه من الوجوه لانها ليست غيرها و هي عينها بكل الاعتبارات فذاته سبحانه عين علمه و علمه عين ذاته و هما عين بصره و هي عين سمعه و هي عين حياته و كلها عين كلها لا بمعني انه كل و له بعض بل بمعني انه سبحانه ذات احدية ليس معها شيء غيرها اذ غيرها خلقها و خلقها متكثرة متعددة مركبة و ليست هذه ببسيط احدي المعني.
و ان قيل ان كانت هذه الصفات عين الذات و الذات لاتدرك بوجه من الوجوه فكيف تقولون بهذه الصفات المتعددة ثم تقولون بأنها عين الذات؟
فجوابه انا لانثبت هذه الصفات المتعددة في الذات و لكن لمكنسة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 16 *»
الاوهام التي لو قلنا لها انه سبحانه بذاته بريء عن الصفات تزعم النقص في الذات و تزعم انها ليست بعالمة قادرة بصيرة سميعة حية قلنا انه سبحانه عليم قادر بصير سميع و لما علمنا ان هذه الصفات لها اضداد في الخلق كما ان ضد العلم الجهل و ضد القدرة العجز و ضد البصر العمي و ضد السمع الصمم قلنا ان هذه الصفات ليس لها اضداد و لما كان الصفات في الخلق متعددة قلنا ان صفات الذات ليست بمتعددة و ليست الا شيئاً واحداً احدي المعني فاذا قلنا انه عليم قدير بصير سميع لانقصد ان هذه الاسماء لها مشتقاً منه و لها مصدراً تصدر عنه بل قلنا هذه الاسماء لاجل الظن للمتوهم السوء و نستدركه بأنه سبحانه عليم اذ لا معلوم و قدير اذ لا مقدور و بصير اذ لا مبصر و سميع اذ لا مسموع فليس علمه سبحانه علم بالخلق و قدرته قدرة علي الخلق و بصره بصر يبصر به الخلق و سمعه سمع يسمع به الخلق اذ كلها عين ذاته و ليس الخلق في عرصة ذاته حتي علمه او قدر عليه او رآه او سمعه و الخلق كلهم معدومون ممتنعون في حضرته سبحانه فلايعقل هذه الصفات المتعددة في الذات علي ما يفهمه اهل الكثرة و التعدد فلو خلينا و طبعنا لنقول ان كمال التوحيد نفي الصفات عنه لامتناع الصفات في التوحيد و نفوذه فيها و احاطته و حوايته لها و نقول انه هو هو بسيط احدي لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات و لا في الارض و لا اصغر من ذلك و لا اكبر الا و هو ينطوي تحت جلال كبريائه بحيث يضمحل بل يمتنع في جنب سطوع نور جلاله.
بالجملة اذا قلنا انه سبحانه عليم و نستدرك بأن علمه عين ذاته و كذا سائر الصفات الذاتية نقول لا نهاية لعلمه سبحانه كما لا نهاية لذاته فلاينتهي الي مبادي الخلق و لا الي منتهاه و لا الي الامر و لا الي الخلق و لا الي ذواتها و لا الي صفاتها و لا الي انوارها و لا الي البابها و لا الي ارواحها و لا الي نفوسها و لا الي طبائعها و لا الي موادها و لا الي هيولاتها و لا الي صورها و لا الي اجسامها و لا الي نسبها و اضافاتها و اقتراناتها و اعتباراتها و لا الي كمها و لا الي كيفها و لا الي وقتها و لا الي مكانها و لا الي وضعها و لا الي
«* الرسائل جلد 2 صفحه 17 *»
جهاتها و لا الي رتبها و لا الي نسبة و كناية و اشارة بأدق الوهم و الاشارة و العبارة و لو كانت عرضاً و شبحاً و شبح شبح الي ما لا نهاية له. بالجملة وجب انيكون علمه سبحانه مطابقاً لمعلوماته في جميع الاقطار و الجهات مطابقة تامة كاملة فاذا جاءت المطابقة التامة ينفي المعلوم فاذاً علم و لا معلوم و كذا سمع و لا مسموع و بصر و لا مبصر فبعلمه الازلي الذي هو ذاته علم ماسواه من المشية الي المشاءات و ما سمي باسم الشيء فهو مشاء فعلم سبحانه عللها و معلولاتها و اسبابها و مسبباتها و فواعلها و مفعولاتها و سمواتها و ارضيها و المتولدات بينهما ذواتها و صفاتها من فؤادها و عقولها و ارواحها و نفوسها و طبائعها و هيولاها و صورها و اجسامها و متمماتها و مكملاتها و حدودها و اضافاتها و نسبها و اوضاعها و كل مالها و بها و عليها و فيها و منها و اليها و عنها و كل ما يتعلق بها لطيفاً كان او كثيفاً عالياً كان او دانياً سيداً او عبداً رباً او مربوباً سعيداً او شقياً مؤمناً او كافراً نوراً او ظلمة نورانياً او ظلمانياً عليينياً او سجينياً او مذبذباً بين ذلك يعلمه سبحانه بقضها و قضيضها لايعزب عن ربك مثقال ذرة. الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و هو علي كل شيء شهيد و بكل شيء محيط.
و هذه نبذة من شرح صفاته الذاتية و له صفات دون ذلك و تسمي بالصفات الاضافة لاضافتها الي الخلق كالعلم بالخلق و القدرة عليه و كذا البصر و السمع و هي صفاته التي تقترن بالخلق و هي غير ذاته سبحانه بل هي ايضاً صفاتها و نوع من انواع ظهوراتها و هي من حيث انفسها متحدة و من حيث تعلقها بالمتعلقات متعددة و في انفسها شيء صالح للظهور بجميع الصفات فهو عليم بكله قدير بكله بصير بكله سميع بكله لا بمعني التعدد بل هو مدرك مطلق فاذا تعلق بالمعلومات يشتق منه اسم العليم و اذا تعلق بالفعل و الايجاد يشتق منه اسم القدير و اذا تعلق بالمبصرات يشتق منه اسم البصير و اذا تعلق بالمسموعات يشتق منه اسم السميع و هكذا سائر الصفات حين تعلقه بها يشتق
«* الرسائل جلد 2 صفحه 18 *»
منه اسم خاص بكل واحد واحد فهو سبحانه عليم اذ لا معلوم قدير اذ لا مقدور و هكذا في المقام الاول فاذا احدث الاشياء وقع العلم منه علي المعلوم و القدرة علي المقدور و البصر علي المبصر و السمع علي المسموع كما ان روحك و نفسك مدركة مطلقة لاتخص بشيء مما هو دونها فاذا تعلقت بالمعلوم يشتق منها اسم العالمة عند المعلوم لا قبله و اذا تعقل بالوهم يشتق منها اسم المتوهمة عند التوهم لا قبله و اذا تعلق بالخيال يشتق منها اسم المتخيلة عند التخيل لا قبله و كذا اذا نظر من منظرة العين يشتق منها اسم الباصرة عند البصر و المبصر لا قبله و اذا نظر من منظرة الاذن يشتق منها اسم السامعة و السميع عند السمع و المسموعات لا قبلها فهذه الصفات صفات متعددة ممتازة عند التعلق بالمتعلقات و اما في النفس ليست بمتعددة بل هي متحدة بل ليست الا النفس و النفس بكلها عليمة قديرة بصيرة سميعة و علمها عين قدرتها و قدرتها عين بصرها و بصرها عين سمعها و كلها عين كلها لان النفس المدرك المطلق متي ظهرت بصفة خاصة تعينت بها و تسمي باسمها عندها لا عند نفسها فمبدأ كل صفة هو اعلي تلك الصفة يكتب في ناصيتها لا فوق ذلك و لايتجاوز الشيء ماوراء مبدئه فمبدأ الضرب مثلا هو اعلاه و هو ضرب لا فوق ضرب الذي ليس فيه حروف اصوله فمتي ذكر حروف اصوله ذكر فيه و متي لميذكر حروف اصوله لا ذكر له فيه ابداً ابداً فان فوق مبدئه الذي هو ضرب ليس فيه ضاد و راء و باء بل فيه فاء و عين و لام هي حروف مطلقة لاتختص بالضاد و الراء و الباء بل تعم النون و الصاد و الراء و سائر الافعال التي دونها فاذا ظهر في الضاد و الراء و الباء يشتق منه اسم ضرب عند ضرب تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و اذا ظهر في النون و الصاد و الراء يشتق منه نصر عند نصر لا فوقه و نفس نصر يد الفعل العالي في ايجاد نصر فان كل مؤثر قريب يوجد اثره القريب بنفس اثره لا بنفسه و كل اثر يد المؤثر القريب في ايجاد نفسه فالصفات لاتصعد الي ذات العالي المتجلي بل غاية سيرها
«* الرسائل جلد 2 صفحه 19 *»
الي مباديها و هي مثال العالي و ظهوره في رتبتها تجلي لها فأشرقت و طالعها فتلألأت فألقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله و الصفات هي ابواب العالي الي مادونه و ابواب ما دونه اليه فمن طلب الضرب فلابد له انيجيء الي الفعل الكلي من بابه الذي هو مثاله المنصبغ في الضاد و الراء و الباء و اذا طلب النصر لابد له انيأتيه من بابه الذي هو مثاله المنصبغ في النون و الصاد و الراء و هكذا كل ما طلب فليطلب منه من بابه فان مافوق الباب ليس فيه خصوصية شيء بل هو المعطي المطلق من كل باب شيئاً فمن طلب ذلك الشيء يأتيه حتي يعطيه و الا فلايعطيه فاللّه سبحانه باسمه الرحيم يرحم المؤمنين و باسمه المنتقم ينتقم عن الكافرين و هكذا بكل اسم منه يفعل فعلاً خاصاً و هو الفاعل المطلق لا شريك له في فعله و جميع اسمائه ظهوراته و هي ليست لانفسها بل كلها له و به بل كلها هو وجوداً و عياناً و ليست هو احاطة و جمعاً فلا شريك له في خلقه و لا شبيه له في عظمته.
و له ايضاً صفات اخري تسمي بالصفات الفعلية و هي التي تسلب منه سبحانه مرة و تثبت اخري كالخالق و الرازق و المحيي و المميت و المعز و المذل و امثال ذلك فانها ليست بذاتية يمتنع سلبها عنه حيناً كما قيل انه سبحانه لميخلق انساناً له الف رأس في عالم الظاهر و لميرزق الجاهل العلم و لميحيي الموتي حيناً و لميمت الاحياء حيناً و لميعزز الكافر و لميذلل المؤمن و هكذا امثال هذه الصفات صفات فعلية ليست بذاتية لانها لو كانت ذاتية لفنت الذات بسلبها عنها فهي صفات فعلية. بالجملة انه سبحانه بواحديته طوي جميع صفاته ذاتية و اضافية و فعلية و كلها منطو تحت احديته و واحديته فهو العالم القادر الحي حيث لا معلوم و لا مقدور و لا حي و هو العالم بخلقه و القادر عليه الخالق الرازق المحيي المميت لا شريك له و بذلك امرنا و نحن له مسلمون ان شاء اللّه.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 20 *»
مقام
في توحيد الافعال بأنه سبحانه بوحدته فعل الافعال كلها لا شريك له قال سبحانه انما الهكم اله واحد و قال أفرأيتم ما تحرثون؟ ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون؟ و قال أفرأيتم الماء الذي تشربون؟ ءأنتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون؟ و قال أفرأيتم النار التي تورون ءانتم انشأتم شجرتها ام نحن المنشئون و قال هو اللّه الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسني و قال هو الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه و تعالي عما يشركون و قال ان اللّه يمسك السموات و الارض انتزولا و لئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده و قال و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال و قال7 ما حاصله لايخلق الشيء من العدم الي الوجود الا اللّه و لايخرج الشيء من جوهريته الي جوهر آخر الا اللّه و الاشياء و ان كانت تصدر بأسباب و وسائط و لكن الاسباب ايدي الرب جل شأنه و ابي انيجري الاشياء الا بأسبابها و سبب کل شيء و ان کان من جنسه و سنخه و لكن كل سبب في كل مقام هو قدرة اللّه الظاهرة في تلك الرتبة و ظهوره سبحانه فيها و ليس مقام يخلو من ظهوره سبحانه و مقامات اللّه في كل مقام و مكان لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه رتقها و فتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه بهم ملأ سماءه و ارضه حتي ظهر ان لا اله الا هو كما في دعاء رجب فتحريك الاشجار و ان كان بالريح و لكن الريح تجلي اللّه سبحانه و ظهوره بهذه الحركة فمحرك الشجر هو اللّه سبحانه باسمه المحرك و اسمه المحرك هو الريح مثلا و لو لميتجل اللّه سبحانه في هذا المقام لخلا هذا المقام من مقاماته و يعطل منها و هو لا نهاية له لانه احد بسيط ظاهر في كل مقام و محل بذلك المقام تجلي له به و كذا اثارة الرياح و ان كانت بالابخرة و لكنها هي اسم اللّه سبحانه و تجليه و ظهوره في تلك الرتبة و بيده اثارة الرياح و يده الابخرة و هي سبب من اسبابه في الاثارة و كذا صعود الابخرة و ان كان
«* الرسائل جلد 2 صفحه 21 *»
بالشمس و بجذبها و تسخينها الرطوبات و تبخيرها و لكنها يده سبحانه في الجذب و التسخين و هكذا سائر الاسباب الظاهرة و الباطنة كلها ايدي مشيته و اكمام ارادته بها يفعل اللّه ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته فهو الفاعل المطلق و الصانع الحق يفعل ما يشاء بما يشاء فيما يشاء علي ما يشاء لا شريك له في ذلك كله فالزارع و ان كان ظاهراً هو الحارث و لكنه هو يده سبحانه في الزرع و هو الزارع حقيقة لا زارع سواه و كذا الماء الذي تشربون ءانتم انزلتموه من المزن ام نحن المنزلون بل هم المنزلون و ان كان ظاهراً من السحاب و من المزن و لكنه محل مشيته سبحانه في انزال المياه فتحسبهم اي الاسباب ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال كما نشاء و نريد.
بالجملة كل شيء بتحريكه سبحانه يتحرك و لولا تحريكه ليبقي كل شيء علي ما كان فان كل شيء هو هو و لايقتضي الا ما هو عليه و ما هو عليه يقتضي بقاءه علي حالة واحدة و تقتضي عدم تغيره من حالة الي حالة و عدم تحريكه و الحركة و ان كانت كامنة في مادته مستجنة فيها صالحة للبروز من القوة الي الفعلية و لكن ذلك لايكون الا بمحرك خارجي له فضل نور و حركة يقوي بفضل حركته الحركة الكامنة فيه و يخرجها من القوة الي الفعلية و هي بنفسها لاتقدر علي الخروج لانها بنفسها ليست الا قوة محضة في المادة و معني القوة هو العدم فالحركة معدومة في المادة و المعدوم بنفسه لايكون موجوداً لانه بنفسه لايقتضي الا العدم و القوة لانه لو كان يقتضي بنفسه خروجه عن القوة بدون المحرك الخارجي لكان يقتضي ذلك دائماً اذ هو هو دائماً و لو كان بنفسه يقتضي ذلك لمابقي قوة في مادته اصلا و لكان جميع قواته بالفعل و لكان لاينتظر لنفسه حدوث كمال و بروز جمال لانه هو هو بنفسه يقيناً و الفرض انه بنفسه يقتضي خروج كمالاته عنه من دون محرك غيره فيكون جميع كمالاته بالفعل دائماً و المشاهدة قضت ببطلانه لانه محسوس في جميع المواد انها بنفسها لاتقدر علي ظهور كمالاته و
«* الرسائل جلد 2 صفحه 22 *»
بروزها و الكمالات لاتقدر علي الخروج بنفسها فان معني المادة هو صاحبة القوة و معني القوة هو عدم الفعل و الظهور و لو كانت القوة هي الفعل لماكانت القوة قوة و لماكانت المادة مادة و لمابقيت مادة في العالم و لمابقيت قوة مطلقاً و المشهود خلافه و لايشك في ذلك ذو بصر فان العالم كلها مواد صاحبة القوة و الاستعداد و الذي لا قوة فيه بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات هو الاحد البسيط الحقيقي الذي طوي القوات و الفعليات و المواد و الصور كائنة ما كانت بالغة ما بلغت و اما سوي الاحد سبحانه ذو قوة و استعداد و لو باعتبار و حيث لانه غير البسيط و غير البسيط مركب لامحالة و كل مركب مركب من مادة و صورة و كل صورة هي فعلية المادة التي قد كمنت فيها ثم خرجت.
و اما ما روي عن اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين في عالم العلوي صور عالية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد فانما المراد من القوة و الاستعداد و المواد هي المواد الزمانية عن ذلك العالم و كذا القوة و الاستعدادات الدانية الزمانية لا مطلق المادة و القوة و الاستعداد فان كل شيء مخلوق و المخلوق مركب لامحالة كما قال7 ان اللّه لميخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته و الفرد هو البسيط العالم@القائم خل@ بالذات فلميكن شيء الا و هو مركب و له مادة و صورة و اجمال و تفصيل و معني الاجمال هو الصلوح المحض للظهور بالكمال و ليس شيء ليس له مادة و صورة قال تعالي و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون بأن لا زوج له لان بمضادته بين الاشياء علم ان لا ضد له و بمزاوجته بينها علم ان لا زوج له لان كل ما يمكن في الحادث يمتنع في القديم و كل ما يجب في القديم يمتنع في الحادث.
بالجملة ان القوة معدومة في المواد راقدة في كتم الصلوح و في الحقيقة هذا الصلوح صورة للمواد حاصلة لها و هي ايضاً محتاجة الي المصور الخارج يصورها بصورة الصلوح فالمواد لاتقتضي في نفسها خروج قواتها الي
«* الرسائل جلد 2 صفحه 23 *»
الفعلية و القوات ايضاً كذلك لان الاقتضاء اي اقتضاء خروج القوات الي الفعلية ان كان نفس المواد و القوات لكان يقتضي خروج القوة ازلا ابداً من دون ترقب و انتظار كما مر و هو ظاهر البطلان و ان كان ليس نفس المواد بل هو شيء خارج عن كينونة المواد يحدث من مكمل خارج ثبت المقصود و ذلك معني قوله7 و كل نعمك ابتداء و احسانك تفضل فان المواد و ان كانت قابلة لورود النعم و الاحسان عليها و لكن القابلية لاتوجب ذلك علي اللّه سبحانه و لاتستحقه ابداً ابداً لان القابلية هي الصلوح و هو القوة و معناها عدم الفعل و العدم لايستحق نعمة و احساناً فاذا انعم اللّه سبحانه و احسن فليس الا بفضله و جوده و كرمه و ليس الا ابتداء منه سبحانه و ليس يستحق احد شيئاً ابداً ابداً كائناً من كان بالغاً من بلغ فكل نعمه ابتداء و احسانه تفضل ربنا فاغفر لنا و ارحم و تفضل علينا بجودك و كرمك فانك انت المبتديء بالنعم قبل استحقاقها فابدأ لنا ما تحب و ترضي بمحمد و آله و اوليائه الطيبين الطاهرين المقربين صلواتك عليهم اجمعين و لعنتك و نكالك علي المعاندين ابد الابدين.
فتبين ان كل شيء بنفسه لايقدر علي خروج كمالاته و صفاته من قوته الي الفعلية و كذا الكمالات الراقدة الميتة لاتقدر علي حيوة نفسها و ايقاظها فلابد من محرك خارجي يحرك كل شيء فيتحرك به و الا فهو ساكن علي ما كان كالحجر الواقع في موضع ان لميحركه محرك واقع في محله ابد الابد الا انيحركه محرك و ما يري من حركة الابدان الظاهرة من دون محرك ظاهري فانما هو بأرواحها لا بأنفسها كما لايخفي علي ذيشعور و كذا ما يري من حركة السراج مادام له زيت فانها@فانما خل@ هي من السراج السابق اول مرة فان السابق يكون له كمال النار بالفعل و له فضل نور من نفسه فبفضل نوره و فعليته يقوي النار الكامنة في الزيت فتتقوي بها لانها راقدة تحت حجب الزيت فأيقظها السراج اليقظان او احياها
«* الرسائل جلد 2 صفحه 24 *»
و النار كامنة في الزيت لانه مركب من العناصر لامحالة و منها النار غاية الامر انها لشدة البرد و الرطوبات كانت مخفية كامنة فاذا اقترنها سراج حار يسخّنه و ينفي و يفني رطوباته و بفنائها تقوي ضدها و هو النار المغلوبة فاذا قويت اشتعلت في فورها و صارت سراجاً وهاجاً كسابقه لا فرق بينهما ابداً و اذا اشتعل السراج صارت النار الكامنة فيه بالفعل و هذه الفعلية ايضاً بفضل حرارتها تقوي النار الكامنة في بقايا الزيت فتكملت و صارت شعلة متجددة و الشعلة الاولي تصير هواء لضعفها و قوة الهواء فانها ايضاً مركبة من العناصر كالزيت غاية الامر ان النار فيها اقوي من البواقي فاذا جاور الهواء القوي قويت ما فيها من جنس الهواء و ضعفت ما هو بخلافه و لو من جهة فتصير بالمجاورة هواء كما يصير الزيت سراجاً.
بالجملة و الشعلة الثانية تقوي الحرارة الكامنة في بواقي الزيت فتصير شعلة ثالثة متجددة و تصير الثانية ايضاً هواء كالاولي و هكذا الي انيفني الزيت فيفني لقطع المدد فظهر ان السراج ايضاً شعلات عديدة متصلة تحرك بعضها بعضاً و لميتحرك شيء بنفسه فكل متحرك لابد له من محرك فان التحرك هو قبول الحركة و ما لميكن محرك قبل من اي شيء و كل ما يري في هذا العالم بل و سائر العوالم كلها متحركات فان كلها حادث محتاج الي الممد و مستمد من اللّه سبحانه و كل مستمد قبل الامداد و القبول هو الانفعال و لا انفعال الا بفاعل و ان كان كل واحد من المتحركات محركاً لما دونه و لكن ليس بمحرك مطلق لايحتاج الي محرك آخر بل يكون محتاجاً الي محرك آخر كما ان القلم متحرك بتحريك اليد و هي محركه بلا شك و لكن اليد ايضاً متحرك بتحريك الاعصاب مثلا و هي محركة لها و لكنها ايضاً متحركة بتحريك العضلات اياها و هي محركة لها و العضلات ايضاً تتحرك بتحريك المخ و هو محركها و لكنه ايضاً يتحرك بتحريك الروح البخاري و هي محركة له و لكنها ايضاً متحركة بتحريك الروح
«* الرسائل جلد 2 صفحه 25 *»
الغيبي و هكذا الي ان وصل الامر الي المحرك الذي يحرك بنفسه و ليس له محرك آخر و هو فعل اللّه سبحانه و مشيته التي بها تحركت المتحركات و سكنت السواكن صلوات اللّه عليها. في الزيارة بكم تحركت المتحركات و سكنت السواكن و قال7 نحن امره و حكمه فبهم يفعل اللّه ما يشاء و يحكم ما يريد و هم يد اللّه سبحانه في اجراء اوامره و نواهيه كونية و شرعية و هذه المتحركات العديدة لها حيثان حيث انفسهم و هو حيث المفعولية و الخلقية و حيث آئيتهم لله سبحانه و هو حيث الامرية و الفعلية و المحركية تجلي اللّه سبحانه لها بها في كل مكان و هذه الحيوث هي مقامات اللّه التي لا تعطيل لها في كل مكان و كلها اسماؤه سبحانه و صفاته و ظهوراته في كل مقام لا فرق بينها و بينه الا انها عباده و خلقه و ظهوره و نوره و اسمه و صفته و تعريفه رتقها و فتقها بيده بدؤها منه و عودها اليه اعضاد و اشهاد و حفظة و رواد فبها ملأ اللّه سبحانه سمواته و ارضيه تجلي لها بها فلا فرق بينه و بينها فهي هو وجوداً و عياناً و اثباتاً و ظهوراً و شهوداً و بروزاً و فعلية و نوراً و اسماً و صفة و تعريفاً و بها امتنع منها فليس هو هي احاطة و جمعاً و كلاً و وحدة و بساطة و تقدساً و تنزهاً فليس الا اللّه و صفاته و اسماؤه فاذا رأيت اللّه رأيت اللّه و لا صفة له معه و لا اسم فانه اظهر من الكل من انفسها و اذا رأيت الصفات رأيتها و ليس الا الصفات قال7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و ليس معني قوله7 حق و خلق ان مع الخلق الحق حاشا اذ الخلق ليس في عرصة الحق حتي يعد معه@و ليس معه خل اضافهتر داشت@ غيره شيء و هو هو و خلقه خلقه هو في رتبة ذاته و لا رتبة و خلقه في رتبة الحدوث، بل معناه ما مر من انه اذا رأيت اللّه رأيته و ليس شيء معه و ان رأيت الصفات رأيتها و ليس شيء غيرها.
بالجملة لا فاعل في الوجود الا اللّه سبحانه و هو بأحديته يفعل جميع الافعال و هو المحرك لا اله الا هو يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته
«* الرسائل جلد 2 صفحه 26 *»
لا شريك له في ذلك لا نبياً مرسلا و لا ولياً مرشداً و لا ملكا مقرباً و لا مؤمناً صالحاً و لا فاجراً طالحاً و لا كافراً عنيداً و لا شيطاناً مريداً و لا خلقاً فيما بين ذلك و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال. أفرأيتم ما تحرثون؟ ءانتم تزرعونه ام نحن الزارعون؟ اي هو الزارع وحده وحده و هو الفاعل خيراً او شراً نوراً او ظلمة و هو اجل من انيفعل في ملكه شيء بل هو بنفسه فاعل الافعال و مقلب الاحوال و جميع آلاته و ادواته و ابي في حكمته انيجري الاشياء الا بأسبابها و الاسباب هي صفاته و ظهوراته و فعلياته و الذات غيبت الصفات فهو بذاته يفعل ما يشاء بما يشاء فيما يشاء لا مانع من قضائه و لا راد لحكمه و لما كان الكلام في توحيد الافعال يناسب ذكر سر الاختيار في الاشياء علي قدر ما رزقنا اللّه ببركة اوليائه الاخيار الابرار صلوات اللّه عليهم ما كرّ الليل و النهار.
مقام
يعلم مما سبق ان اللّه احد بسيط قد طوي ما دونه حيث لا شيء سواه بوجه من الوجوه لا ذكراً و امكاناً و لا كوناً و عيناً و لااعتباراً من الاعتبارات حيث هو هو لا شيء معه و هو العدل الذي ليس شيء اقرب اليه من شيء اذ لا شيء فهو هو و ليس احد في عرصته حتي يجبره او يفوض اليه امره فلا معني للجبر و التفويض في هذا المقام و هو سبحانه قد تجلي اول ما تجلي بمشيته و فعله بنفس المشية لا بذاته و لا بشيء غير ذاته و لا بشيء غير ذات المشية اذ كل ما سواه كائناً ما كان خلقه و كل خلقه مخلوق بتلك المشية كما روي خلقت المشية بنفسها ثم خلقت الاشياء بالمشية و لماكانت اول تجل تجلي به اللّه سبحانه و اول ظهور من الاحد البسيط تكون اشبه الاشياء به و تكون في غاية البساطة الامكانية و ليس المراد بالشباهة شباهتها مع الذات بل المقصود شباهتها بأعلاها@و اعلاها خل اضافهتر داشت@ العلم الذي هو نفس المشية من حيث الاعلي و الا فلا شباهة لشيء مع الذات الاحدي البسيط الحقيقي.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 27 *»
بالجملة لماكانت المشية اول صادر و اول ظهور من اللّه سبحانه تكون ابسط ما يمكن فلها احاطة و نفوذ واحدية بالنسبة الي ما دونها من الاشياء بحيث طواها طي النفي و الاضمحلال فلا شيء ايضاً في رتبتها و عرصتها و هي هي لا شيء معها فيها فلايعقل جبر و تفويض في هذه الرتبة ايضاً فمن يجبر من؟ و من يفوض امره الي من؟ و اما بالنسبة الي اللّه سبحانه و الي فعله فلايعقل ايضاً جبر و تفويض لانه تجلي له به و هو يده في ايجاد نفسه و لايعقل اجبار الشيء نفسه و لايعقل التفويض اليه ايضاً لانه بذاته فقير الي اللّه سبحانه و ذاته هي الفقر الي اللّه سبحانه فكيف يعقل ان الفقير الذاتي الذي ذاته عين الفقر يفوض اليه امره.
بالجملة ان هذه المشية تجلت بالعقل الكل و هو عندنا ايضاً مخلوق بالنفس اذ كل اثر مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب فهو ايضاً يد المشية في ايجاد نفسه تجلت له به و هو عين تجليها و ظهورها و لايعقل ايضاً جبر و تفويض كما مر حرفاً بحرف فانه اذا كان الشيء نفسه فعل العالي في خلق نفسه لايعقل اجباره و كذا اذا كان نفسه هي الفقر الي العالي و هو بذاته قائم بالعالي لايملك لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً كيف يعقل التفويض اليه و العقول الجزئية حكمها عند العقل الكلي حكم العقل الي المشية فهي ايضاً ظهورات العقل و انواره و تجلياته و فعلياته تجلي لها بها و هي انفسها ايدي العقل في خلق انفسها فاذا كانت هي بأنفسها فاعل فعل العالي كيف يعقل اجباره اياها و كيف يعقل التفويض اليها و هي لاقوام لها الا بالتفاته و نظره و اذا اعرض عنها لعدمت فلا جبر و لا تفويض بالنسبة الي المشية و العقل و بالنسبة الي العقل و انواره و افراده ثم تجلت المشية بالعقل للروح الكلية بنفس الروح لا بالعقل و لا بشيء غير نفسها فهي ايضاً مخلوقة بالنفس و كذا الارواح الجزئية عندها مخلوقة بأنفسها تجلت لها بها و هي فعلها و حركتها في خلقها و ايجادها فلايعقل الجبر و التفويض
«* الرسائل جلد 2 صفحه 28 *»
ايضاً في تلك الرتبة لما مر حرفاً بحرف ثم تجلت بواسطة العقل و الروح للنفس الكلية بها و هي يدها في خلق نفسها و لا معني للجبر و التفويض فيها لما مر.
و كذا النفوس الجزئية ظهورات للنفس الكلية و اشباح منفصلة عن الشبح المتصل بالنفس و الشبح المتصل نافذ في اقطار الاشباح المنفصلة من جميع الجهات و لا نهاية لنفوذه فيها فهي ايضاً عندها مخلوقة بأنفسها و انفسها افعال النفس و حركاتها و صورها المتممة و وجودها من تمام النفس فلايعقل الجبر و لا التفويض لانها بخصوصياتها ليست في مقام النفس فمن يجبر من؟ و من يفوض امره الي من؟ و اما هي اي الظهورات في رتبها كلها مخلوقة بأنفسها تجري فعلها علي يديها فهي فاعل الفعل من حيث الاعلي و من جهتها الي النفس فلايعقل انها بأنفسها يجبر انفسها او يفوض امرها اليها اذ الجبر و التفويض يلزمهما التعدد و التميز بين الجابر و المجبور و بين المفوض و المفوض اليه و لايعقل التمييز و البينونة بين المؤثر و آثاره و لايعقل التعدد ايضاً بين الشيء و نفسه فلا جبر حينئذ و لا تفويض.
ثم تجلت بواسطة السوابق للطبع المطلق و هو ايضاً عند مؤثره مخلوق بنفسه فلا جبر في المقام ايضاً و لا تفويض لعين ما مر و كذا الطبايع الجزئية عنده مخلوقة بالنفس و هي فواعل فعله و هي انواره و ظهوراته و متمماته و لايعقل الجبر و التفويض.
ثم تجلت بالسوابق للمادة بالمادة و بالمادة للاهبية بالاهبية لا بالمادة فلا جبر و لا تفويض لما مر.
ثم تجلت بالسوابق للمثال بالمثال لا بالسوابق و لا بشيء غير المثال و بالمثال للصور الجزئية بالصور لا بالمثال فجميع هذه ايضاً مخلوقة عند المؤثر بنفسها فلا جبر و لا تفويض لما مر.
ثم تجلت بالسوابق للجسم المطلق بالجسم لا بنفسها و لا بنفس السوابق
«* الرسائل جلد 2 صفحه 29 *»
و كذا تجلت للاجسام الجزئية بالجسم بنفس الاجسام لا بنفس الجسم و لا بشيء غيره فهي ايضاً مخلوقة بأنفسها و هي ايدي الجسم في خلق انفسها تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و كلها انواره و جماله و جلاله و ظهوراته و تجلياته و فعلياته و صوره المتممة و اشباحه المنفصلة و كلها قائمة به لا تحقق لها الا بنظره و التفاته و توجهه و هي بأنفسها نظره و التفاته و توجهه اليها بها نظر اليها و بها توجه اليها و التفت و هي تنظر و تتوجه بأنفسها اليه و هي عين الجسم و نظره اليها.
اذا رام عاشقها نظرة | فلميستطعها فمن لطفها | |
اعارته طرفاً رآها به | فكان البصير بها طرفها |
بالجملة لا معني للجبر و التفويض في هذا المقام ايضاً لعدم التباين و التميز و لولا التميز لا ارتفع التعدد و اذا ارتفع التعدد فمن يجبر من و من يفوض امره الي من؟
ثم تجلت افراد كل واحد من هذه المراتب بحدودها و صفاتها و افعالها و تجلي كل واحد منها ايضاً بحدودها من الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و المكان و الوقت و سائر قراناتها و اضافاتها و نسبها و اوضاعها و اشباحها و اشباح اشباحها الي ما لا نهاية لها و كل ما لها و بها و منها و اليها و عليها و فيها و عنها فان كل هذه صور لمواد الافراد و صفاتها تجلت لها بها و بها امتنعت عنها و كل واحد منها يد العالي في ايجاد نفسه قد خلقه به بقدر قابليته و قبوله فان هذا شأن كل اثر بالنسبة الي مؤثره و كل نور بالنسبة الي منيره و كل وصف بالنسبة الي موصوفه و كل عرض بالنسبة الي جوهره و كل صفة بالنسبة الي ذاته.
بالجملة بهذه المراتب و ما فيها عمرت الديار من اول الخلق الي آخره و كلها مخلوقة للّه سبحانه و هو لاينتظر لنفسه و لايترقب انتظار خلق له بل جميع خلقه ما كان و ما يكون امراً كان او خلقاً كلها حاضرة لديه ابداً
«* الرسائل جلد 2 صفحه 30 *»
ابداً و لايمر وقت لايكون شيء من الاشياء في محله بل جميع الاشياء كلها جوهراً كان او عرضاً معني كان او لفظاً او كناية او اشارة كلها حاضرة لديه في محالها مستقرة في ظله سبحانه و لاتخرج منه الي غيره اذ لا غير ثابتة باقية دائمة ابدية ازلية و كلها كمالاته و ظهوراته و جماله و جلاله و صفاته و اسماؤه فليس الا اللّه و صفاته و اسماؤه فلايعقل في ملكه سبحانه جبر و لا تفويض و هو لايخلق في ملكه جبراً و لا تفويضاً و هذان اللفظان كلفظة شريك الباري و كلفظة الامتناع البحت لا يوجدان في الملك([4]) فمن اين الجبر و من اين التفويض؟ و لايقدر العاقل تعقل معناهما ابداً كما لايقدر تعقل شريك الباري و الامتناع و هذا هو سر الامر بين الامرين الذي لايشوبه رائحة الجبر و التفويض هذا في الايجاد الذي لا من شيء و كل ما خلق اللّه هكذا خلقه.
و اما الايجاد الذي من شيء و من مادة سابقة فهو في الخلق و بالخلق و في نسبة بعض الخلق الي بعض و قد يعبر عن الاول بايجاد المؤثر آثاره و عن الثاني بالتكميل و التكمل و هو نسبة بعض الخلق الي بعض فلايسأل في الاول عما يفعل و هم يسألون في الثاني فاللّه سبحانه لايسأل عما يفعل و هم اي الخلق يسألون عما فعلوا. فلنتكلم الان في الثاني و في الخلق الذي خلق من شيء و في نسبة بعض الخلق الي بعض حتي يندفع الجبر و التفويض في هذه الرتبة ايضاً كما يرتفع في رتبة الاولي و لا حول و لا قوة الا باللّه.
مقام
ان اللّه سبحانه اول ما خلق بمشيته هو الامكان و هو بحر يستغرق فيه جميع الممكنات و جعل فيه صلوح جميع الاشياء فان معني الامكان لايكون الا هكذا فهو صالح لانيتصور بجميع الصور و انيتطور بجميع الاطوار و هذا الصلوح هو الاختيار الذي جعله في جميع الاشياء فانه ليس شيء في ملك اللّه سبحانه لايكون ممكناً و معني الممكن انيصلح لانيصير كذا
«* الرسائل جلد 2 صفحه 31 *»
و لانيصير كذا فاذا صار كذا و@او خل@ كذا لايكون جبراً و لا تفويضاً فانه حين كونه كذا يمكن انيصير بخلافه فلايكون جبراً اذا صار كذا و لا تفويضاً لانه سبحانه جعله كذا و هو بنفسه لايصير كذا فاذا اراد شيئاً انيقول له كن و كن امره و ايجاده فيكون ذلك الشيء اي يقبل الكون و الوجود ففي هذا الخلق لايوجد شيء الا بفاعل و قابل و لولاهما لايوجد شيء اصلا و لايحدث حادث مطلقاً و ان كان في الخلق الاول الذي مر ذكره في المقام السابق ايضاً لايوجد شيء الا بفاعل و قابل و لكن ثمة القابل نفس الفاعل و هما شيء واحد منظراً و ان كانا اثنين مخبراً و لكن هنا هما متعددان ممتازان مخبراً و منظراً و يكون الفاعل يد اللّه سبحانه في استخراج القوات من القابل الي الفعلية و القابل يده في التمكين فالفاعل يده اليمني و القابل يده اليسري و يظهر افعاله من اليمني علي اليسري فلايجبر من يمر يده علي يده و يفعل بيده في يده و لايفوض اليهما امرها لانه هو يفعل باحدي يديه و يقبل باخري.
اما كيفية الفعل و الانفعال ان كل شيء فيه معني كل شيء لان كل شيء من الامكان و لكن بعض الخصال في البعض يكون بالفعل و البعض في البعض بالقوة فاذا اقترن صاحب الفعلية بصاحب القوة و طرح نوره الفاضل من فعليته علي ذي القوة تتقوي ما فيه من جنسه و خرج من العدم الي الوجود و من القوة الي الفعلية و لو لميكن في المادة شيء يجانس ما بالفعل لما خرج ابداً فاذا خرج ما يجانس الفعلية يعلم ان فيها شيء([5]) مما يجانس لكن لايقدر بنفسه علي الخروج لضعفه فاذا قواه مقو خارجي بفضل قوته و هو ايضاً يتقوي يخرج من الكمون الي البروز و من الخفاء الي الظهور كما ان الحلاوة تكون بالفعل للعسل و هي تكون بالقوة في الخل فاذا اقترانا يفعل العسل بواسطة صورته الحاصلة التي هي الحلاوة في مادة الخل و يقوي ما فيه من جنسه من الحلاوة و كذا الخل يفعل بصورته الحاصلة التي هي
«* الرسائل جلد 2 صفحه 32 *»
الحموضة في مادة العسل و يقوي ما فيه من جنسه من الحموضة فيحصل من بينهما حادث ثالث و ولد متولد منهما و هو السكنجبين الحاصل من بينهما اي بين الفاعل و القابل و ان كان كل واحد من العسل و الخل فاعلا و قابلا و لكن جهتهما الفاعلية غير جهتهما القابلية و المقصود ان الاثار تحدث بين فاعل و قابل فاذا كان الفاعل في غاية القوة و القابل في نهاية التمكين و الاستعداد حصل من بينهما ولد صالح في نهاية الاستقامة و لو كان في احدهما نقص حصل الولد ناقصاً فعلي حسب قوة الفاعل و استعداد القابل يحصل الحوادث و الاثار فلو كان جبراً لمايختلف الاثار فاختلاف الاثار و الحوادث ادل دليل علي الاختيار و کذا لو کان تفويضاً لماکانت تختلف الحوادث و اختلافها دليل الاختيار فاذا فعل الفاعل و انفعل المنفعل ظهر الاثر علي حسب الفعل و الانفعال فاذا كسرت انت و انكسر المنكسر حصل الكسر و الا لميحصل شيء فلولا كسرك و انكسار المنكسر لميكن الكسر كسراً ابداً فكسرك روح لميظهر الا بالانكسار و الانكسار جسد لايكون الا بالكسر و هما مساوقان في الوجود منظراً و ان كان الكسر مقدماً علي الانكسار وجوداً و الانكسار مؤخر عنه في المخبر فلولا ايجادك الكسر و لولا انوجاد المنكسر لميكن الكسر كسراً ابداً.
و الجبر هو ايجاد بلا انوجاد و التفويض هو انوجاد بلا ايجاد و هما غير معقول عند العقلاء و فعل الفاعل روح لايظهر الا في قبول القابل و قبول القابل جسد لايوجد الا بفعل الفاعل كما روي القدر في اعمال العباد كالروح في الجسد و كما ان الروح يؤثر في الجسد كذا الجسد يؤثر في الروح و ينصبغ الروح فيه و الاثر الحاصل بينهما مركب منهما كما ان النور المنعكس من المرايا الملونة ينصبغ في بطن المرايا و هو مركب من مثال الشمس الملقي في بطن المرايا و من انصباغ المرايا فصبغ النور المنعكس راجع الي المرايا و لايتجاوز عنها ابداً كما هو مشاهد محسوس و نفس النور راجع الي الشمس و لولا نور الشمس لايوجد نور منعكس
«* الرسائل جلد 2 صفحه 33 *»
ابداً و كذا لولا المرايا القابلة لايكون نور ابداً و لكن الاصباغ من المرايا و هي اولي بالاصباغ و الانوار من الشمس و هي اولي بها و هذا معني ما روي انا اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك مني و قال سبحانه: ما اصابك من حسنة فمن اللّه و ما اصابك من سيئة فمن نفسك فعصيان العاصي راجع اليه و لايتجاوز عنه فلايكون العاصي الا العبد الصباغ و طاعة المطيع من اللّه و الي اللّه و ليس منه لان غاية جهد المطيع ان لايصبغ فعل اللّه الظاهر به و هو لايفعل فعلا فاللّه اولي بها نعم قد تنسب الطاعة اليه لعدم حجبه فعل اللّه الظاهر به و لذا يجريه بها.
بالجملة نور فعل اللّه سبحانه ينصبغ في القوابل و يظهر علي حسب قبول القوابل و هي مختارة في قبولها اياه و لا جبر و لا تفويض في البين بل امر بين الامرين اوسع مما بين السماء و الارض و ليس الامر مركباً من الجبر و التفويض كما زعمه بعض المنتحلين بل هو امر غير الجبر و غير التفويض و هو الاختيار و الجبر هو الايجاد بلا انوجاد و هو ممتنع و التفويض هو الانوجاد بلا ايجاد و هو ممتنع و ليس الامر مركباً من الامتناعين و لايعقل ذلك و ليس معني الاختيار الانقطاع عن الفاعل الموجد و الاستقلال معه بالنفس فيما فعل كما هو المتبادر الي الاذهان الناقصة و لايوجد في ملك اللّه سبحانه اختيار بهذا المعني و هذا هو معني التفويض و التفويض هو الكفر و الشرك باللّه العظيم في الافعال و تعالي اللّه عن ذلك علواً كبيراً و ليس شيء في ملكه لايحتاج الي مدده ابداً و ليس له شريك في الملك بل معني الاختيار هو التمكن لفعل الفاعل و كل الخلق مخلوقون علي ذلك و جعل اللّه فيهم التمكن فاذا قبلوا ما قبلوا ليسوا بمجبورين و لا مفوض اليهم بل هم مختارون و باختيارهم قبلوا ما قبلوا.
فاذا كان معني الاختيار غير المعني المتبادر الذي هو التفويض المحض و معناه الحقيقي هو التمكن و القبول لفعل الفاعل فهم متمكنون فيما امرهم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 34 *»
اللّه سبحانه انيمتثلوا او ان يتركوا فهم قادرون علي الفعل بقدر ما اقدرهم اللّه سبحانه @و خل@ ليس لهم ما يشاؤن كيف يشاؤن فانهم ليسوا بمستقلين فيما يشاؤن و ليس الامر مفوضاً اليهم شيئاً ابداً و ما اقدرهم اللّه قدر مقدور محفوظ لايتجاوزون عنه ابداً و لايكلفهم اللّه سبحانه الا ما آتاهم و ما آتاهم قادرون علي اتيانه كما شاء اللّه و اراد فليس لهم انيطيروا الي السماء لانه لميجعل فيهم و لايفوض اليهم امرهم حتي يطيروا و ذلك الامر جار في الشرع الكوني الذي هو الايجاد من مادة سابقة كما قال سبحانه خلق الانسان من صلصال كالفخار. و خلق الجان من مارج من نار. و قال خلق الانسان من عجل و العجل هو الصلصال و هو الطين الذي هو مادة الانسان و كذا جار في الشرع الوجودي اي في افعال الانسان و سائر متحركات.
ففي الشرع الكوني اذا اراد اللّه سبحانه خلق انسان مثلا قبض لخلقه مادة مناسبة لصورة الانسانية و دبرها بأيدي شعلات الكواكب الفاعلة المناسبة لخلق الانسان و كمل تلك المادة الانسانية و هي ايضاً تتكمل بفعل الفواعل حتي قويت ما فيها من الانسانية المستجنة حتي صلحت للبروز و الظهور فظهر من تلك المادة الانسانية و لو لميتكمل المادة اي لمتقبل فعل الفاعل لماتظهر الانسانية منها ابداً و لايجبرها اللّه لانيصير انساناً و لايفوض اليها حتي يصير بدون فعل الفاعل انساناً كما لو اخذ مادة كثيفة كدرة التي لاتصلح لخلق الانسان و لاتقبل صورة الانسانية و دبرها لايصير انساناً ابداً لانها ليست بقابل للتصور بصورة الانسانية فمادة سائر الحيوانات مثلا ليست مقابلة@بقابلة خل@ لخلق الانسان لانها كثيفة كدرة و لاتطاوع فعل الفاعل كل المطاوعة حتي تصير انساناً و ان كان في امكانه البعيد ان يصير انساناً و الامكان البعيد لايختص بشيء دون شيء و هو ليس بمادة للحيوان و غيره بل هو صالح لخلق جميع الاشياء منه و هو ليس بمادة الشيء و مادة الشيء هو المقترن بصورته فان المادة و الصورة شيئان متضايفان كالابوة و البنوة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 35 *»
لايتحقق احدهما بدون الاخر فالمادة مادة في ضمن الصورة و الصورة صورة علي المادة و مع قطع النظر عن اقترانهما ليستا بمادة و لا صورة بل هما شيئان مستقلان في ملك اللّه سبحانه كما ان زيداً ابن عمرو ان تلاحظ نسبة ابنيته و عمرو ابو زيد لو تلاحظ نسبة الابوة و مع قطع النظر عن نسبتهما ليسا بأب و ابن و انما هما زيد و عمرو و كذا المادة و الصورة مادة و صورة اذا لوحظ اقرانهما و لولا ملاحظة الاقتران لميكونا بمادة و صورة فمادة الحيوان لاتصلح الا للتصور بصورة الحيوانية و مادة النبات لاتصلح الا للتصور بصورة النباتية و مادة الجماد لاتصلح الا للصورة الجمادية و كذا مادة الانسان لاتصلح الا للتصور بصورة الانسانية و لايليق لها التصور بصورة الحيوانات و النباتات و الجمادات و كل ما هو دونه في الرتبة و كذا لاتصلح للتصور بصورة النبوة و كذا مادة النبوة لاتصلح للتصور بصورة الخاتمية.
فبهذه القاعدة السديدة يعلم انه لاتصلح مادة شيء من الاشياء لانيصير مادة شيء اخر فان مادة كل شيء تصدق انها مادته اذا لوحظت مع صورته و صورة كل شيء صورته اذا لوحظت مع مادته فمادة زيد مادته في ضمن صورته و صورته صورته مع مادته و كذا عمرو و بكر و كل شيء مادته مادته لا مادة غيره مادته و صورته صورته لا صورة غيره صورته فكل شيء هو هو لايعقل انه غيره و غيره غيره و لايعقل ان غيره هو و اما سر ان المادة مادة في بطن الصورة و الصورة صورة بالمادة ان الصورة ليست الا كوامن المادة و قواتها الراقدة تحت حجابها فاذا صارت بالفعل بسبب من الاسباب لمتخرج من تحت سلطان المادة و لاتعد مع المادة بل هي فعلية من فعلياته و ظهور من ظهوراته الكامنة فيها و تلك الفعلية هي نفس المادة وجوداً و عياناً نعم هي ليست بمادة سعة و احاطة فلكل مادة صور مخصوصة التي قد كمنت فيها و ليس لها انيستخرج منها صور ليست فيها
«* الرسائل جلد 2 صفحه 36 *»
و ان كان الفاعل في نهاية القوة و القدرة فاذا تعلق فعل الفاعل بالمواد تكمل في كل مادة ما كانت فيها و يظهرها و لايخلق فيها ما ليس فيها و الحكمة هي ابراز ما قد كمن لا ايجاد ما لميكن فاذا تعلق فعل الفاعل الي مواد قد كمنت فيها صور الجمادية كملها و قواها حتي يبرزها و يظهرها و لايوجد فيها ما ليس فيها لان الفاعل سبحانه غني عن اجبار شيء و اظهار ما لميكن في شيء منه هو الجبر و تعالي اللّه سبحانه عن ذلك و قد اجري فعله علي الاختيار و هو لايحتاج الي ما ليس في شيء.
فاذا تعلق فعله سبحانه الي مواد قد كمنت فيها صور النباتية كملها و قواها حتي يظهرها فتصير نباتاً و اذا تعلق بمواد قد كمنت فيها صور الحيوانية كمل تلك الصور حتي يظهرها و كذلك اذا تعلق بمواد قد استجنت فيها صور الانسانية الكونية كمل تلك الصور و قواها حتي يظهرها فتصير انساناً و هكذا اذا تعلق بمواد استجنت فيها صور النبوة و ما فوقها كملها حتي يظهرها فالفعل من الفاعل امر واحد لا اختلاف فيه و انما الاختلاف في القوابل و المواد المختلفة كنور الشمس الواحد المنبسط علي الاشياء ليس فيه اختلاف مطلقاً لكن اذا قابلتها مرآة حمراء ينطبع ذلك النور في بطنها فيصير احمر و اذا قابلتها مرآة خضراء ينصبغ في بطنها و يصير اخضر و هكذا و ليس الاختلاف في النور المنبسط بل الاختلاف من المرايا و القوابل. قال سبحانه و ما امرنا الا واحدة فالامر الواحد ليس فيه اقتضاء مطلقاً من البياض و الحمرة و الصفرة و الخضرة و السعادة و الشقاوة و الحسن و القبح مطلقاً و انما الاقتضاء من القوابل المتكثرة المختلفة الاقتضاءات كما مثل له مكرراً فاذا لميكن للّه سبحانه اقتضاء و مشيته و امره واحدة متشاكلة شاملة لكل شيء منبثة في فضاء المرايا الامكانية كنور الشمس و لا حاجة له الي ايجاد ما لميكن في شيء فلميوجد في مادة كثيفة اللطافة و كذا العكس و لميوجد في مادة نباتية كثيفة الحيوان و كذا العكس و هكذا لميوجد في مادة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 37 *»
كثيفة حيوانية الانسان و ما فوقه بل يظهر و يكمل كل شيء كامن في اي مادة كانت و ذلك معني قوله سبحانه معاذ اللّه اننأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذاً لظالمون فما وجد اي متاع مستجن في اية قابلية اخذه و اظهره و اوجده و خلقه علي حسب المتاع المستجن من الحسن و القبح و معاذ اللّه انيأخذ متاع الحسن في مادة القبح و انيأخذ متاع القبح عند مادة الحسن و انيأخذ متاع السعادة عند المادة المستجنة فيها الشقاوة و انيأخذ متاع الشقاوة عند المادة المستجنة فيها السعادة و لو فعل ذلك لزم منه الظلم و الحاجة و الاقتضاء و الاختلاف نعوذ باللّه و لذا قال سبحانه انا اذاً لظالمون اي لولا متاعنا عند احد فنأخذه عنه انا اذاً لظالمون.
و قال سبحانه معاذ اللّه اننأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فحصر و اكد انا نأخذ مادة فيها متاعنا و لولا متاعنا فيها لمنأخذه فعلم ان اخذ المادة لاجل المتاع الذي عندها و ليس كل متاع عند كل مادة بل كل مادة لها قوات خاصة قريبة الي الفعلية ليست في الاخري و ان كان كل قوة في كل مادة بالامكان البعيد عن الفعلية كما ان للحديد قوات خاصة به لايوجد في غيره و لاتوجد قوات غيره فيه و له قوات يستخرج و يصنع منه ما يصنع و لايمكن ما يصنع منه يصنع من الذهب و الفضة و كذا العكس و هكذا كل قوة في العالم خاصة بمادة مخصوصة ليست في غيرها و ان كان يمكن مثلا انيدبر الحكيم الحديد و يغيره عما كان عليه و يرده الي امكان صالح بأنيتلبس صورة الذهبية او غيرها و بعد استحالته الي الذهب يصنع منه ما يصنع من الذهب و حينئذ لايصنع من الحديد شيئاً بل يصنع من الذهب و الحديد حديد مادام علي ما هو عليه فاذا تغير و فسد عن كيانه و صار شيئاً آخر لميكن هوهو بل يكون ذهباً مثلا فعلم من ذلك ان الحديد ليس بقابل للتصور بصور ما يصنع من الذهب و لا العكس كما هو مشاهد محسوس فليس كل شيء فيه معني كل شيء بهذا المعني و ان كان كل شيء فيه معني كل شيء
«* الرسائل جلد 2 صفحه 38 *»
بالامكان و لايجدي نفعاً بأن كل شيء فيه معني كل شيء بالامكان البعيد و كل شيء هو هو بفعليته الخاصة به التي هو @هي خل@ قوة ما يصنع منه و لولا فعليته لايكون هو اياه و لايكون له اسم و لا صفة مع قطع النظر عن الصورة فلايمكن لقائل انيقول لم لميجعل اللّه سبحانه الحديد ذهباً لان الحديد اذا كان حديداً كان علي ما هو عليه من خصاله و مع قطع النظر عما هو عليه لايكون حديداً فلايمكن للعاقل انيقول لم لميجعل اللّه سبحانه هذا الشيء شيئاً آخر و لم لميجعل الحديد ذهباً و لم لميصنع منه مايصنع من الذهب لانه ليس فيه ما كان كامناً في الذهب.
فاذا كان الامر كذلك اذا طلع نور مشيته سبحانه و انبسط في فضاء القوابل المتكثرة المختلفة الغير المتناهية خلق كل شيء علي حسب مادته التي كمنت فيها صور خاصة لاتكون في غيرها و لايجبر شيئاً و لايفوض امره الي شيء بل هو بوحدته موجد الاشياء و الاشياء منوجدة علي ما هي عليه لا علي ما هو عليه لان الاقتضاءات المختلفة ليست في الواحد البسيط الاحدي المتشاكل الاجزاء و لا اجزاء و انما الاقتضاءات و الاختلافات و التكثرات كلها من القوابل المختلفة المتكثرة كما ان نور الشمس المنتشر المنبث في فضوات القوابل الارضية واحد متشاكل الاجزاء ليس فيه تعدد و كثرة و اختلاف و اقتضاء و ليس له قرابة مع شيء دون شيء و لا له اجتناب من شيء دون شيء و لايكون اقرب الي شيء دون شيء و لايكون ابعد من شيء دون شيء و لا له ميل بشيء دون شيء و لا له كراهة من شيء دون شيء و لا له مجانسة بشيء دون شيء و لا له مضادة بشيء دون شيء.
بالجملة، ليس له اختلاف و لا اقتضاء مطلقاً ابداً ابداً بل هو شيء واحدي بسيط متشاكل الاجزاء بل ليس له اجزاء لان الاجزاء ثبت له اذا تعلق بالقوابل المختلفة فيصير في بطن القوابل صاحب الاجزاء فالقوابل بعضها قريبة و بعضها بعيدة اي بعضها يحكيه و بعضها لايحكيه و بعضها ينفعل منه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 39 *»
و بعضها لاينفعل و الابعاض المنفعلة كل واحد منها منفعلة علي حسبه لا علي حسب النور لان النور واحد و لو انها انفعلت علي حسبه لمااختلفت و تكثرت فاختلافها ادل دليل علي ان انفعالها علي حسب قبولها فبعضها انفعل منه و ترقي حتي وصل الي رتبة الجماد و لايتجاوز تلك الرتبة لعدم لطيفته اكثر من ذلك بالامكان القريب الي الفعلية و بعضها انفعل منه و ترقي و تجاوز حد الجماد و وصل الي رتبة النبات و وقف في تلك الرتبة و لميتجاوز منه لعدم لطافته و عدم رطوبته و مطاوعته لفعل الفاعل اكثر من ذلك و ان كان فعل الفاعل دائم التعلق بكل شيء و لكن ليس فيه قابلية مجيبة لدعوة الداع اكثر فوقف و لميصعد و لايقدر علي الصعود اكثر و لايكلف اكثر لانه لايكلف الا ما اوتي و بعضها انفعل منه و ترقي و صعد حتي تجاوز عن حدود الجمادية و النباتية و وصل الي درجة الحيوان المتحرك بالارادة و لكن لايمكنه الصعود منها لعدم اللطافة المجيبة اكثر من ذلك فوقف في تلك الدرجة و لميصعد و لايكلف بالصعود اكثر لانه لايكلف الا ما اوتي و مااوتي الا مادة الحيوانية التي كمنت فيها خصال الحيوانية من السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب و ليس في تلك المادة بالامكان القريب الي الفعلية غير هذه الخصال فلايمكنه الترقي اكثر و بعضها انفعل منه و لبي و سار اليه اكثر حتي جاوز هذه المراتب و وصل الي مقام الانس و الانسانية الكونية و وقف في ذلك المقام لعدم قابليته اكثر من ذلك و بعضها انفعل منه و ترقي اكثر و هكذا البواقي حرفاً بحرف ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و اختلاف و نوع خلقته علي شرع سواء فارجع البصر هل تري من فطور.
بالجملة علم من ذلك ان لا جبر و لا تفويض في كون الاشياء و كل شيء يشتعل من نار مشيته سبحانه بحسب قبوله و مطاوعته لها و ينصبغ الفعل في بطن القابل و يظهر الاثر من القوابل بحسب قبولها كما ان النار شيء وحداني
«* الرسائل جلد 2 صفحه 40 *»
بسيط و لكن يختلف في بطن قوابل الادهان المختلفة الالوان و يظهر الاثر بحسب الوان الادهان فيظهر من الدهن الاصفر نور اصفر و من الدهن الاحمر نور احمر و من الدهن الاخضر نور اخضر فالنور مشترك في الكل و هو واحد و هو مثال النار و لكن الصفرة و الحمرة و الخضرة من الدهن و الي الدهن و ليس في النار و مثالها لون مطلقاً فالاختلاف من الدهن و الاتحاد من النار و ان كان الاختلاف لايظهر الا بالنار و لولا النار لما كان شيء من الاختلافات اصلا و كذا لولا الادهان المختلفة الالوان لماكان نور اصفر و اخضر و احمر فلا جبر لان الاختلافات كلها من الادهان و الي الادهان و لا تفويض لان الفعل و المشية و القدرة كلها من اللّه سبحانه وحده لا شريك له و كذا كما لايكون الجبر و التفويض في نفس الاشياء و ايجادها لايكون في الافعال الصادرة منها كما مثلنا فيختلف الصناعات و المكاسب بحسب الاشخاص المشتعلة من مثال اللّه سبحانه فالصفراوي لايصنع الا الصناعات العالية التي تناسب النار و الدموي لايفعل الا ما يناسب الهواء و البلغمي لايفعل الا ما يناسب الماء و السوداوي لايفعل الا ما يناسب التراب و يختلف الافعال بحسب اختلاف تركيب الاشخاص من الاخلاط و غلبة كل واحد علي الاخر فكما لا غاية لانواع التراكيب لا غاية لسلق الاشخاص كما هو ظاهر ليس بخفي و كل شخص يفعل ما يناسبه.
فظهر من ذلك ان للشرع الكوني دخل عظيم([6]) في الشرع الوجودي من السعادة و الشقاوة و من الطاعات و المعاصي و لذا روي السعيد من سعد([7]) في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه فعلي اي نحو تتصور الجنين في البطن اذا ولد و كبر عمل بمقتضاه لامحالة و لذا يكون ولد الزنا غالباً معانداً لاهل البيت: و لولا تأثير اصل نطفته لماكان
«* الرسائل جلد 2 صفحه 41 *»
معانداً غالباً و لذا وقتوا: للجماع اوقاتاً معينة و امكنة معينة و نهوا عن اوقات و امكنة معينة في اخبار كثيرة بأنه لو قضي بينكما ولد في يوم كذا و ليلة كذا و ساعة كذا لصار كذا و كذا و لذا ايضاً امروا: بتزويج الصالحات و نهوا عن الطالحات و امروا بتزويج ذات صفات خاصة و نهوا عن تزويج ذات صفات خاصة كما لايخفي في اخبار متظافرة و لولا تأثير جميع ذلك في الولد لماحثوا: هذا المبلغ علي ذلك.
و لو قيل ان في الشرع الكوني لا جبر و لا تفويض كما تقول لان الاثر يظهر بحسب فعل الفاعل و انفعال المنفعل اما بعد انعقاد الاثر علي صورة خاصة لايمكنه التخلف عنها و لايمكنه خلع صورته و لبس صورة اخري فعلي هذا لايمكن للصفراوي انيتخلف من الصفراء و خصالها و خواصها و كذا الدموي و البلغمي و السوداوي لايمكنه انيتخلف عنها و عن خواصها و لوازمها و كذا ولد الزنا ايضاً لايمكنه التخلف عن مقتضي نطفته الخبيثة الشقية و علي هذا لماكان اللّه يكلفهم بالسعادة و بالطاعات و هو لايكلف نفساً الا ما آتاها و لميؤتهم السعادة في اصل كينونتهم و اذا كان كذلك لماكانوا عاصين معذبين لان اللّه سبحانه عدل و لايؤاخذهم بما لميكن في وسعهم و علي ذلك لزم ابطال النار و لزم ابطال خلود الكفار و عذاب العصاة فيها بل لزم الاجر و الثواب و دخول الجنة لهم نعوذ باللّه و هو خلاف ضرورة جميع المليين و خلاف الكتاب و السنة و ان قلتم انهم لميمكنهم خلاف كينونتهم و لكن اللّه سبحانه يكلفهم خلاف ذلك و ان لميمتثلوا لعذبهم لزم الجبر و الظلم و تعالي اللّه عن ذلك.
فالجواب ان اللّه سبحانه خلق في هذا العالم الظاهر اولا جمادات و ليس لها روح و نفس مفارقة عن جسدها و لايمكن لها بأنفسها التخلف عما كانوا عليه الا بمحرك خارجي فلايكلفها تغييرها عما كانوا عليه اذ لايعقل ذلك فان الشيء الواحد لايقدر علي تغيير نفسه الا انيغيره غيره و ليس
«* الرسائل جلد 2 صفحه 42 *»
للجمادات نفس ممتازة و روح ممتاز حتي يغير روحها جسدها فلايكلفها ذلك فهي لاتكلف الجذب و الهضم و الامساك و الدفع و الزيادة و النقصان فهي كما تري لا تكلف الا ما آتاها و ما آتيها قبولها لفعل فاعل خارجي فتكلف بها و تمثل ذلك كما تري ثم خلق النباتات و جعل فيها روحاً مفارقاً لجسدها في الجملة بحيث تجذب و تمسك و تهضم و تدفع و تزيد و تنقص فكلفها ذلك و هي تمتثل و لايكلفها الحركة من مكان الي مكان و غير ذلك مما لايكون في وسعها ثم خلق الحيوانات و جعل لها روحاً مفارقاً اكثر من النباتات في الجملة و جعل النبات لها لباساً ساتراً كما جعل الجماد لباس النبات فجعل الحيوان يسمع و يبصر و يشم و يذوق و يلمس و يرضي و يغضب فيكلفه تلك الخصال و لميسألهم عما لميجعل فيهم فلميسألهم لم لمتتفكروا و تتذكروا و غير ذلك مما لميجعل نصيب لهم فلميسأل الاسد مثلا لم صرت مفترساً شجاعاً و لم تكون غضوباً و لم تفترس البهائم و غير ذلك من خصاله و هكذا سائر الحيوانات اذ ليس فيها روح سوي روح الحيوة فلاتكلف ما لميأتها و كل مكلف يكلف انيربي ما هو دونه و لايكلف انيربي نفسه اذ لايعقل انيتصرف الشيء في نفسه و نفسه هي هي و لايعقل التربية الا بين اثنين احدهما يربي و الاخر يربي فكل ما يري من الحركات لاتكون الا بمحرك خارجي و الشيء بنفسه في نفسه لايقدر علي الحركة و الفعل و التصرف و بهذا يظهر ان المحرك هو اللّه سبحانه لا غير.
بالجملة فالحيوان لايمكنه التصرف في نفسه لعدم الروح النفساني. و ما يري منه من الحركات انما هو حركات طبيعية من روحه الحيواني في جسده ايضاً و الجسد بنفسه لا حراك له ابداً فالاسد لايمكنه التخلف عن مقتضي الصفراء و خصالها و البهائم لايمكنها التخلف عن مقتضي البلغم و خصاله اما الانسان فليس كذلك بل له روح نفساني فوق روحه الحيواني و روح الحيوان يكون مركباً له يركبه و يذهب به متي شاء و اراد و يمكنه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 43 *»
التخلف عن صفات الطبائع الاربع و يمكنه اعتدالها و لذا يكلف بتربية الطبائع و تدبيرها و اعتدالها و كلفه اللّه بما هو في وسعه و ما آتاه فالانسان الصفراوي يمكنه التخلف عن صفات الصفراء لان روحه النفساني فوق الصفراء و مالك لها و هي مركبها و يمكنه العمل بمقتضي البلغم او الدم او السوداء كما هو مشاهد محسوس و يري كل احد في نفسه انه في حال شدة الغضب يمكنه الحلم لو شاء و اراد مع ان الغضب من خصال الصفراء و الحلم من صفات([8]) البلغم و كذا البلغمي يمكنه التخلف عن خصاله و يكتسب خصال خلط آخر و الحيوان لايقدر و لذا لايكلف فولد الزنا مثلا يمكنه اكتساب السعادة و الايمان و الولاية اذ روحه روح نفساني مختار غالب علي طبائعه كما يقدر انيرجع من الغضب الي الحلم فاذ لميكتسب السعادة بسوء اختياره مع اختياره و قدرته يصير كافراً جاحداً باختياره و قدرته و يستوجب الخلود في النار لانه مختار علي قبول الشقاوة و يمكن انيؤل امره الي انيكاد انلايقدر علي اكتساب السعادة لسوء اختياره اولا و هو لاينافي الاختيار فكان عاقبة الذين اساءوا السوأي انكذبوا بآيات اللّه و كانوا بها يستهزءون.
فجميع الاشقياء قادرون علي اكتساب الولاية و السعادة لان روحهم روح خلقه اللّه سبحانه صالحاً لانيصير سعيداً و لانيصير شقياً فاذا شقي شقي باختياره ليستوجب العقاب الدائم و لايخلقه اللّه سبحانه اولا شقياً حتي لايقدر علي التخلف عنه بل خلقه قابلا لكل صورة فاذا دعا داع الحق تصور بأي صورة اختار من السعادة و الشقاوة فكان الناس امة واحدة في الكون كلهم قابلون للسعادة و الشقاوة فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين فهدوا النجدين و السبيل فبعد ارسال الرسل و انزال الكتب و هداية السبيل و اتمام الحجة و ايضاح المحجة يكون اما شاكراً و اما كفوراً فالشقاوة و السعادة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 44 *»
تكونان في دعوة الشارع و في الشرع و لايكون في اصل الايجاد فان في اصل الايجاد كانوا امة واحدة بنص الاية كما يفهمه العقل المستقيم فطينة الطيبة و طينة الخبيثة وجدتا في الشرع بعد ابلاغ الحجة لا قبله فما ورد من ان المؤمن خلق من طينة الجنة و الكافر خلق من طينة النار فمعناه بعد القاء الشرع لا قبله اذ لا سعادة و لا شقاوة في الكون قبل الشرع كما هو ظاهر و هذا معني كلام الشيخ الاوحد روحي لتربته الفداء ان الناس في عالم الذر كانوا مميزين غير مصورين اي كانوا مميزين زيداً و عمراً و بكراً بجميع مراتبه الكونية غير مصورين بصورة السعادة و الشقاوة فاذا قام الداعي و دعا الي اللّه سبحانه يصيرون باجابتهم و انكارهم سعيداً و شقياً فخلق لهم بعد الاجابة و الانكار طينة العليين و السجين.
و من المعلوم ان عالم الذر يكون فوق هذا العالم الجسماني العنصري العرضي و ثبتت الدعوة في ذلك العالم و اجاب من اجاب و انكر من انكر قبل عالم الطبائع فبعد نزولهم الي هذا العالم لميكونوا مجبورين في الطبائع بل كانت نفوسهم من عالم الدهر فوق عالم الزمان و عالم الدهر اقوي و الطف من عالم الزمان سبعين مرة بل اكثر و اكثر و كذا النفوس الدهرية اقوي من هذه الطبائع و بعد تعلقها بالطبائع لمتكن مقهورة مجبورة فيها فولد الزنا و ان كان ينعقد نطفته بخلاف رضاء اللّه سبحانه و لكن نفسه نفس دهرية لمتكن مقهورة تحت نطفته بالكلية بل لايصدق بما كذب به من قبل في عالم الدهر و في عالم الذر و النفوس فلميكونوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل.
و لما انتهي الكلام الي الدهر و الزمان اري اناكتب في حقيقتهما و السرمد شطراً بقدر ما رزقني اللّه ببركة اوليائه الكرام: و يقتضي بسط ذلك في الكلام رسم مقام.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 45 *»
مقام
قد يطلق السرمد و الدهر و الزمان و يراد منها السرمد الاضافي و الدهر و الزمان الاضافيان و قد تطلق هذه و يراد منها وقت المشية و وقت الافئدة و العقول و النفوس و الاجسام العرضية فأوقات هذه مختصة بها و لاتطلق علي غيرها اذ وقت كل شيء جزء ماهيته و كينونته فلايوجد جزء شيء في شيء آخر فوقت كل عالم من تلك العوالم مختص بعالمه فيناسب انيرسم لهذا المعني مقام آخر و اما السرمد و الدهر و الزمان الاضافية فتوجد في جميع العوالم من الدرة الي الذرة فربما يكون شيء واحد سرمدي باعتبار، دهري باعتبار، زماني باعتبار، بل كل شيء توجد فيه هذه الحالات الثلث اذ كل شيء له اعلي و اسفل و له مؤثر و اثر.
بالجملة بيان كل واحد من الزمان و الدهر و السرمد بهذا المعني ان نسبة ظهورات ذات بعضها الي بعض زمان و نسبة الظهورات الي الذات او نسبة الذات الي الظهورات دهر و نسبة تلك الذات في نفسها عند انفسها سرمد فوقت الاوصاف زماني و وقت الذات سرمدي و وقت الامداد النازلة من الذات الي الظهورات دهري و هذه النسب الثلث تجري في كل ذات و صفات@صفاته ظ@ و مطلق و مقيداته و منير و انواره و اشعته و شاخص و اشباحه و مؤثر و آثاره و جنس و انواعه و نوع و اصنافه و صنف و اشخاصه و شخص و افعاله و فعل و آثاره و اثر و اشباحه و اشباح اشباحه الي ما لا نهاية لها فاذا مثلنا هذه النسب الثلث بالانسان فنقول ان الانسان في نفسه وقته السرمد و بالنسبة الي افراده و امداده اليها و ظهوره فيها فوقته الدهر و نسبة كل فرد من افراده الي آخر زمان و كذا كل فرد من افراده توجد فيه هذه الاحوال الثلث فزيد مثلا في نفسه عند نفسه وقته السرمد و هو بالنسبة الي ظهوراته من القيام و القعود و السجود و غيرها له ذاتية فالامتدادات الحاصلة من ترتب ظهوراته بالنسبة اليه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 46 *»
او الامتدادات المنتزعة من ترتب امداده الي ظهوراته دهر و نسبة كل ظهور من ظهوراته الي كل زمان و كذا اذا نسبت المعدن المطلق الي الذهب و الفضة و النحاس و غيرها و لاحظت الامدادات النازلة منه اليها و انتزعت امتدادات الامداد حصل لك الدهر و اذا نسبت الذهب الي الفضة و غيرها حصل الزمان و اذا نظرت الي المعدن في نفسه عند نفسه وجدت وقته السرمد بالنسبة الي ما دونه و كذا اذا نسبت كل نوع من انواع المعادن الي ما يصنع منه وجدت هذه الاحوال الثلث فهذه الحالات الثلث لاتختص بعالم دون عالم بل توجد بين كل ذات و صفاته سواء كانت تلك الذات سرمدية امرية او دهرية عقلانية او روحانية او نفسانية او طبيعية او مادية او مثالية او زمانية جسمانية عرضية متي وجدت ذات و صفة وجدت هذه الحالات الثلث كائنة ما كانت.
و رأيت بعض اخواننا عرف هذه الحالات الثلث في عالم الاعراض العنصرية و زعم انه قد انفتح عليه ابواب الدهريات الحقيقية و السرمديات و حصل له مدرك يدرك به السرمديات و الدهريات غافلا ان هذه الحالات في العرضيات يدركه كل من له بصر ظاهري عرضي حتي العوام و الاطفال، غاية الامر ان الاطفال غافلون عن هذا الاصطلاح و هو يعلم الاصطلاح و لا فضل لمن سمي شيئاً باسم و هو يعلم اصطلاحه و غيره لايعلم اصطلاحه و كلامها يرون شيئاً واحداً.
بالجملة و اما السرمد و الدهر و الزمان الحقيقيات فبيانها يقتضي رسم مقام آخر ليكون ممتازاً عن غيرها و لايختلط الاصطلاحين فيختلط المعني.
مقام
لما كان لكل موجود من الموجودات وقت و هو من متممات قابليته و ماهيته و لايوجد خلق الا و له وقت فلما كانت الموجودات علي سبيل الكلية لها اعلي و اسفل و مابين ذين سمي كل من ذلك باسم خاص يمتاز عن غيره
«* الرسائل جلد 2 صفحه 47 *»
فسمي وقت كل من الثلثة باسم خاص يمتاز عن وقت غيره فسمي الاعلي بالمشية و الفعل و الامر و سمي وقته بالسرمد و سمي([9]) بالعقل و النفس و الطبع و المادة و المثال و سمي وقتها بالدهر و سمي الاسفل بالاجسام العرضية الدنياوية من عرشها الي ارضيها و سمي وقتها بالزمان فكما لايصعد الاعراض الجسمانية من رتبتها الي الجواهر الحقيقية لايصعد وقتها ايضاً الي وقتها بهذا الاصطلاح و اما بالاصطلاح الاول الذي قد مر ذكره في المقام السابق يطلق علي جميع هذه العوالم كما مر.
بالجملة قد اختلفت العلماء في معني الزمان كثيراً و لايجدي نفعاً في ذكر اقوالهم و اما الذي يؤخذ عن اللّه سبحانه و عن اوليائه: ببركة مواليهم الطيبين الطاهرين روحنا فداهم هو الامتداد الحاصل من مبدأ وجود الشيء الي فنائه فكلما كان الشيء اشد تركيباً و ابعد انفكاكاً كان زمانه اطول و كلما كان ارخي تركيباً و اسرع فناء كان وقته اقصر فوقت كل شيء و زمانه يختلف بحسب اختلاف شدة تركيب الشيء و رخاوته فكلما كان الشيء اشد تركيباً كان اكثر دواماً و امتداداً و اطول زماناً و لما كان هذا العالم العرضي شيئاً علي شيء عالماً واحداً و شيئاً واحداً قل اعراضه بالنسبة الي جميعه لا بالنسبة الي ابعاضه و اجزائه اذ فيها يتخلل الاعراض كثيراً و هي سبب فناء ابعاضه آناً فآناً كما هو مشاهد و جميع العالم شيئاً علي شيء لايتخلل الاعراض بين اجزائه و لذلك يشتد تركيبه و يدوم الي نفخ الصور فوقته ايضاً يطول الي يوم النفخ و هذا هو الزمان المختلف فيه العلماء فالامتداد المنتزع من اول هذا العالم الي آخره هو الزمان و الليل و النهار و الاسابيع و الشهور و الاعوام و القرون مكائيل الزمان كما روي عن آل اللّه الاطهار: فجميع هذا العالم من مبدئه الي منتهاه عالم الزمان و وقته الزمان و لابعاضه حصة من الزمان بحسب شدة تركيب ذلك
«* الرسائل جلد 2 صفحه 48 *»
البعض و رخاوته فينقسم الزمان علي الزمانيات بقدر الحصة اللائقة بكل فرد فكل فرد كان تركيبه اشد و اقوي كان دوامه اكثر و زمانه اطول كما مر آنفاً و كلما كان رخو التركيب سريع الانقضاء و الفناء كان زمانه اقصر و اما الدهر فهو مختص بالعوالم العالية كما ان الزمان مختص بعالم الاجسام الدنيوية العرضية فالامتدادات المنتزعة من مبدأ شخص الي منتهاه هو دهره و وقته الدهري و الاشخاص الدهرية ليست كالاشياء الزمانية في المدة لان مدة الزمانيات عرضية لكل واحد ابتداء كون و انتهاء كون و هو فساده بحسب العرض.
و اما في الدهر ابتداء كل شخص و انتهاؤه طولي لا عرضي و لذلك ليس لهم فناء في ذلك العالم فيصيرون دائماً مادام ملك اللّه و اما الزمانيات فليس كذلك كما تري يتغير الاشياء يوماً فيوماً و اما العوالم التي تكون في اسفل الدهر و ان كانت دهرية و لكن لما كانت تتعلق بعالم الزمان تكون ايضاً زمانية فتكون برزخاً بين الدهر الحقيقي و الزمان الحقيقي و لذلك ينفي و يفني اهل عالم المثال في نفخ الصور ايضاً كما يفني اهل عالم الزمان فعالم الدهر الحقيقي اسفله عالم الطبائع عالم الاجنة و اعلاه عالم الافئدة و اما السرمد فهو وقت المشية و هو عالم الامر و هو فوق عالم الخلق دهرياً كان او زمانياً و ليست فيه امتداد عرضي و لا طولي بل هو فوق العرض و الطول. بالجملة هذان المقامان رسما بمناسبةٍما قليلة فلذلك لايناسب المقام ازيد من ذلك البيان فلنرجع الي ما كنا فيه.
*« مقام: في توحيد العبادة في عرصة الکون »*
مقام
في توحيد العبادة في الكون بأنه سبحانه هو المعبود وحده لا شريك له احد في الكون و لايعقل الشريك له سبحانه قال تعالي يسبح للّه ما في السموات و ما في الارض الملك القدوس العزيز الحكيم و قال سبح للّه ما في السموات و ما في الارض و هو العزيز الحكيم. له ملك السموات و الارض يحيي و يميت
«* الرسائل جلد 2 صفحه 49 *»
و هو علي كل شيء قدير. هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم. و قال سبح للّه ما في السموات و ما في الارض و هو العزيز الحكيم. و قال يسبح للّه ما في السموات و ما في الارض له الملك و له الحمد و هو عي كل شيء قدير و قال كل قد علم صلاته و تسبيحه و في الدعاء سبحان من دانت له السموات و الارض بالعبودية و اقرت له بالوحدانية و شهدت له بالربوبية و في الاخر: تعرفت لكل شيء حتي لايجهلك شيء و في الصحيفة: فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و يكفينا دليلا واحد@واحدا خل@ من هذه الايات الدالات المحكمات و السنن الجامعة التي لايخالفها احد من العلماء المعروضة علي الكتاب الموافقة له و الشاهدة عليه.
و بيان ذلك بقدر ما رزقنا اللّه تعالي ببركة اوليائه الكرام: و يسر لنا ان اللّه سبحانه احد بسيط لا نهاية لبساطته و لا غاية و ليس شيء معه في رتبته قد طوي احديته جميع ملكه بحيث لا يخرج@ تحت سلطانه شيء اذ لا شيء فجميع ماسواه من خلقه ممتنع في ذاته امتناع البحت البات فلا شيء في عرصة الذات و لا عرصة ابداً ابداً فضلا عن اجابته و انكاره و كفره و ايمانه ففي عرصة الذات لا شيء يخالفها ابداً فتجلي سبحانه بلا كيف لمشيته و فعله و ظهوره و امره فلايتغير عما كان عليه اذ ليس كان و لا ما عليه فلايتجلي بحركة بعد سكون و لا بنطق@ينطق خل@ بعد سكوت و لا بحال بعد حال و لا بكون بعد امكان و لا بتفصيل بعد اجمال و لا بصورة بعد مادة و لا بصفة بعد ذات و لا بعرض بعد جوهر و لا بفعل بعد قوة و لا بأثر بعد مؤثر و لا بشبح بعد شاخص اذ كل ذلك و امثالها من خلقه قد توجد بفعله بعد فعله و ذاته سبحانه ذات لايتغير و لايتبدل فليس الا حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما اذ لا بين و لا غير فتجلي لفعله بفعله و نفس فعله تجليه سبحانه له به كما روي تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فلا واسطة بينه سبحانه و بين فعله ابداً فلايكون تجليه في وقت اذ لا وقت قبل الفعل و لا في مكان اذ لا مكان و لا في جهة و لا في رتبة اذ
«* الرسائل جلد 2 صفحه 50 *»
لا جهة و لا رتبة و لا في كم و لا كيف اذ لا كم و لا كيف لانه سبحانه بذاته ليس بهذه بداهة و ليس بينه و بين خلقه شيء فليست هذه بشيء ابداً الا بفعله بعد فعله فليس هذا التجلي بشيء اذ الذات ليست بآلة لشيء بداهة و ليس شيء سوي نفس التجلي و لا لشيء و لا في شيء و لا علي شيء و لا من شيء الي غير ذلك مما سمي باسم شيء فليس له قبل ليس فيه ثم كان بعد بل هو كينونة قديمة ازلية قائمة بنفسها لكن لغيرها. قال7 انا الذات انا ذات الذوات للذات و هذا التجلي هو اطوع الاشياء للّه سبحانه و هو ليس له بل هو للّه و باللّه و لايملك لنفسه نفعاً و لا ضراً بل اللّه سبحانه اقرب اليه منه لانه ليس الا ظهوره و نوره و صفته لايخالفه مثقال ذرة ابداً لانه ليس له شيء يعطيه غيره سبحانه فليس شيء اعبد و اطوع منه للّه سبحانه و لايغفل طرفة عين عنه اذ لو غفل لعدم بأسره.
ثم تجلي سبحانه بذلك الفعل العقلي@للعقل خل@ الكلي المعنوي و نسبة هذا العقل بالمشية كنسبة المشية الي اللّه سبحانه فهو عندها مخلوق بالنفس لا بالمشية بل بالمشية التي هي ظهور المشية الاولي و هي نفس العقل و ليس العقل الا نور المشية و ظهوره فليس له ايضاً شيء يعطيه غيرها و كل نعمه و فيوضه و امداده منها ابتداء فلايملك لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا يخالفها شيء ابداً اذ ليس شيء لمتعطه و كل ما تعطيه تعطيه علي حسب رضاها و محبتها و مطلوبها فلايخالفها شيء كيف و هو هي وجوداً و عياناً و اثباتاً و لايخالف الشيء نفسه فهو اطوع الاشياء بعد المشية بدرجة للّه سبحانه و هو عند اللّه لايستكبر عن عبادة اللّه([10]) و لايستحسر لانه بعبادته له يمسك نفسه و حياته حياته بالعبادة و لولاها لمايبقي طرفة عين ثم امره اللّه سبحانه بالنزول الي منتهي ملكه فأجابه اجابة ليس اسرع منها في الملك فنزل بظهوره في عالم الارواح و لبس لباساً روحانياً فقام روحاً مطيعاً للّه سبحانه و من امر اللّه سبحانه لايسبقه بقول و هو بأمره يعمل و نفس كينونته ظهور
«* الرسائل جلد 2 صفحه 51 *»
العالم الاعلي و نوره بل هو بنفسه عقل ظاهر و ليس الا ظاهر العقل فلايفعل الا باشارة العقل و رضاه و يمسك نفسه بالعبادة و ثباته به.
ثم تنزل الي عالم النفس بواسطة الروح و لبس لباس النفس و تتصور بصورتها فهي منه بمنزلة اللباس له يتحرک بتحريكه اياه و يسكن بسكونه و هي ليست الا صورة له و هو يظهر بحسب رضاه و يتصور كما شاء بأمر اللّه سبحانه فلاتعقل المخالفة في هذا العالم ايضاً.
ثم ظهر بلباس الافراد الكونية بواسطة النفس فصار بظهور النفس للافراد افراداً مميزة زيداً و عمراً و بكراً و غيرهم من افراد الانسان و يظهر في اية صورة شاء و اراد بحسب ميله و رضاه علي حسب ما امره اللّه سبحانه فيعبد اللّه سبحانه كما شاء اللّه و اراد منه في ذواتهم فذواتهم كلها مطيعة لامر اللّه سبحانه لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون و يظهرون و لو لميفعلوا ما امرهم لفنوا بأسرهم لان عين نفوسهم قبول لامر اللّه سبحانه و قابل فكيف يقدرون علي التخلف و العصيان اذ الشيء يحب نفسه و هي احب الاشياء عنده فكيف يصير سبباً لفنائها و فسادها و ان هذا الا محض البيان و اطراد الكلام و الا هذا العالم فمافوقه عوالم باقية دائمة و لايعقل فناؤها اذ كلها علي حسب مراتبهم ظهور اللّه سبحانه الباقي الدائم الذي لايزول و وجهه الذي لايحول فهم بأنفسهم نفس العبودية و العبادة.
ثم ظهر بواسطة الافراد في لباس الافعال ففعل ما فعل بأيدي الافراد ما شاء و اراد كما شاء اللّه و اراد فهم بأمره دون قوله مؤتمرون و بارادته دون نهيه منزجرون لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون فيفعل كل علي حسب ما اراد اللّه سبحانه في كينونته و طبعه فكل من غلب عليه النار مثلا يفعل الافعال التي من مقتضي ناريته و كل من غلب عليه الهواء اكثر يفعل بمقتضي الهوائية من الاعمال و كل من غلب عليه الماء اكثر يفعل علي طبق مقتضاه و كل من غلب عليه التراب اكثر فعل ما من مقتضاه و كل من غلب عليه السموات
«* الرسائل جلد 2 صفحه 52 *»
اكثر فعل بما من مقتضاها و كل من غلب عليه الارضون فعل ما من مقتضاها كل يحول حول امره لايخالفه ابداً احد و كلهم معصومون عن العصيان و المخالفة سبحان من دانت له السموات و الارضون بالعبودية و اقرت له بالوحدانية و شهدت له بالربوبية؛ فعبده الكافر بكفره كما يعبده المؤمن بايمانه فكلاهما مؤمن به او كلاهما خلقه ليس واحد منهما بمؤمن و لا كافر فلايبعد الكافر عنه بكفره بل يتقرب اليه مسرعاً لايستكبر و لايستحسر كما ان المؤمن يتقرب الي اللّه و هو اجل و اعظم من انيوجد احد في ملكه يخالف امره و حكمه حاشا ثم حاشا بل كلهم مسرعون اليه متقربون مطيعون كافراً كان او مؤمنا كيف لا و لايقدر احد من خلقه مخالفة اوليائه العظام: و هم خلقه و عباده كما في الزيارة الجامعة المستجمع عليها طأطأ كل شريف لشرفكم و بخع كل متكبر لطاعتكم و خضع كل جبار لفضلكم و ذل كل شيء لكم فاذا كان هذا حال اوليائه بالنسبة الي الاشخاص بل الاشياء فكيف كان حالهم بالنسبة الي اللّه سبحانه فكل قد علم صلاته و تسبيحه مؤمناً او كافراً فترك الصلوة الشرعي صلوة في الكون و التشبيه تسبيح فسبح للّه ما في السموات و ما في الارض كما مر في صدر المقام من الايات المحكمات و الاخبار المتوافقات.
بالجملة ثم نزل بواسطة الافراد بعد ان كان كل واحد منهم كلمة تامة باقية دائمة الي عالم الاعراض الجائية الذاهبة فنزل اولا الي عالم الطبائع ثم الي عالم الهباء ثم الي عالم المثال ثم الي عالم الاجسام فنزل من درجات سلم السموات الي الارضين فنزل الي العرش ثم الي الكرسي ثم الي فلك الشمس ثم الي سائر الافلاك ثم الي النار ثم الي الهواء ثم الي الماء ثم الي التراب فمن هذا التراب الي الطبائع كلها ميادين سيره و عوارض شخصه ففي كل عالم من هذه العوالم العرضية اذا نزل لحقه ما يقتضي في ذلك العالم و اكتسب اكتسابات لاتعد و لاتحصي فاذا اخذ صاعداً منها هارباً
«* الرسائل جلد 2 صفحه 53 *»
الي وطنها الاصلي و مألفه الجبلي ترك ما لحقه من اعرض هذه المهاوي كلا في موضعه الا ما رضيت نفسه به فانه من نفسه و الي نفسه فلايفارقه البتة ربنا اغفر لنا ذنوبنا و اسرافنا في امرنا و اجعلنا مبغضين لاعمالنا بحق الحق.
بالجملة ليس المقصود بيان كيفية الصعود و لكن قد يجري شيء اتفاقاً بمناسبة ما و المقصود كيفية نزول العقل الكوني في هذه العوالم و تعميره جميع تلك العوالم بنوره و ظهوره فعمرها كما شاء و اراد بمشية اللّه سبحانه و رضاه فلميخلق شيئاً يكرهه فكما خلق خلقه بارادته و رضاه و محبته من ذواتهم و صفاتهم و موادهم و صورهم و افعالهم و آثارهم و اشباحهم و كل ما لهم و بهم و منهم و اليهم و عليهم و لديهم و كل ما ينسب اليهم بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث و اعتبار من الاعتبارات و فرض من الفروض كلها مرضية له قد خلقها بمشيته و معني مشيته محبته فلما كان الخلق مفعول مطلق([11]) لامره الفعلي فاذا شاء شيئاً فيصير شيئاً فيصير محبوباً فكان هو محباً له فلايعصيه في الكون شيء ابداً ابداً يا من الظلمة عنده ضياء و الكفر ايمان و الترك العمل هذا في الاناسي و مافوقه.
و اما نفس هذه العوالم و اهلها المتوطنين فيها المبتدين منها العائدين اليها فيظهر بعد بيان و هو ان علة كل شيء لابد و انيكون من جنسه و سنخه و لولا ذلك لماانفعل المنفعل من علته كما تري من عدم الانفعال الكثيف الجسماني عن اللطيف الجسماني كما ان النار التي توقد تحت القدر الكثيف تنفذ منها و تصعد الي مركزها و لمتنفعل القدر لكثافة القدر و لطافة النار و لما كان الماء الذي في القدر يكون فيه لطافة ما ينفعل قليلا و يطاوعه شيئاً يسيراً و اما اجزاء الهبائية الدخانية البخارية لما كانت في نهاية اللطافة بالنسبة تشايع النار و تطاوعها و تصعد معها الي قرب مركزها و كذا لاينحت الخشب الا بآلة من الحديد و لاينحت بآلات@بالآلات خل@ النحاسية اللينة مع ان الاجسام
«* الرسائل جلد 2 صفحه 54 *»
كلها من سنخ واحد و جنس واحد فكيف اذا كانت العلة من الارواح اللطيفة الرقيقة النافذة و المعلول من الاجسام الكثيفة و لذا تحتاج الارواح العالية في تصرفاتها في الاجسام الذاتية الي برازخ و وسائط و لاتقدر علي التصرف فيها بدون الوسائط لعدم مطاوعة الكثائف لا لنقصان في قدرتها و لذلك تري ان الروح الملكوتية تتعلق اولا بالروح الحيوانية بواسطة الطبع الفاصل بينهما ثم تتعلق بواسطة روح الحيوان الي رتبة روح النباتية التي اكثف منها قليلا بدرجة ثم تتعلق بوساطتها الي الروح البخاري الذي هو بدن النبات ثم ظهر بوساطة كل ما تقدم الي المخ الذي هو الطف الاعضاء ثم تتعلق بواسطته بالنخاع الذي هو دونه بدرجة ثم بواسطته تتعلق الي الاعصاب اللينة ثم الي الغليظة منها بدرجة ثم الي العضلات ثم الي اللحم ثم الي الرباطات ثم الغضاريف ثم الي العظام ثم الي الاعضاء ثم الي كل البدن ثم تتصرف في الاشياء الخارجية ايضاً بواسطة آلات خارجية في كل شيء ما يناسبه و ذلك مشهود لمن كان له ادني شعور.
فيجب انتكون العلة من صقع المعلول و الفاعل من عرصة المفعول و لايمكن انتكون العلة من عالم اعلي و المعلول من عالم ادني لان العالي ينفذ في اقطار وجود الداني و هو يتأثر منه دائماً([12]) اذ لا تصادم بينهما ابداً و انما التصادم يقع بين المتجانسين كالحجر و الحجر او يكون احدهما اكثف من الاخر قليلا بدرجة كالحجر و الماء لا بين الحجر و النار و بين الاجسام الكثيفة و الروح اللطيف و لذا يجب انيكون كل اثر عند مؤثره القريب مخلوقاً بنفسه و ذلك سر سار في جميع الاشياء من الدرة الي الذرة و ذلك سر قوله تعالي: و ماارسلنا من رسول الا بلسان قومه و سر قوله تعالي: و لو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و للبسنا عليهم ما يلبسون و سر قوله: هو الذي بعث في الاميين رسولاً منهم اي من جنسهم و سر قوله: انا بشر مثلكم و سر قوله:
«* الرسائل جلد 2 صفحه 55 *»
رسول من انفسكم فاذا كان الامر كذلك يجب انتكون المشية الموجدة للعقول عقلانية و للارواح روحانية و للنفوس نفسانية و للطبع طبعانية و للمواد مادية و للامثلة مثالية و للاجسام جسمانية و للكليات كلية و للجزئيات جزئية و للذوات ذاتية و للصفات اثرية و للجواهر جوهرية و للاعراض عرضية و للاشباح شبحية و لاشباح الاشباح الي ما لا نهاية مثلها فكما كانت المراتب يتدرج من المبدأ الاول الي آخر الذرة كذلك رؤس المشية المتعلقة بالاشباح تتدرج فكما ان العقل مخلوق بواسطة المشية عند اللّه سبحانه لا بنفس المشية بل بظهور المشية في عالمه و ظهورها في عالمه نفسه فتجلي له به و به امتنعت عنه كذلك كل عالم بالنسبة الي عاليه مخلوق بنفسه فاذا كان الامر كذلك فيتحتم انيكون الرأس من المشية المتعلق بعالم الطبع طبعانياً فتجلي له به و به امتنع عنه و تجليه له لما كان بنفسه لا بنفس الرأس فلايكون بينه و بين الطبع واسطة و فصل اذ ليس ثالث بين المؤثر و الاثر فتجلي اللّه سبحانه له به و به امتنع عنه و اليه حاكمه فجميع ما في عرصة الطبع ظهور اللّه سبحانه و نوره و النور لايخالف منيره بوجه من الوجوه اذ لو خالفه بنحو من الانحاء يجب انتكون جهة المخالفة من اثر مؤثر آخر نعوذ باللّه و لا مؤثر غيره سبحانه فالطبع و ما فيه عابد للّه ساجد معصوم.
ثم تنزل الطبع في عالم المواد فصار مادة نوعية بنزوله قد لبس صورة الكلية النوعية و تلك المادة و الصورة كلاهما من فيض الطبع و اعطائه و هو بنفسه لايتنزل و لايتغير عما كان عليه بريء عن صفات المادة و الصورة ظاهر بهما جميعاً ثم اخذ للاجسام الجزئية حصة من تلك المادة و الصورة معاً و البس عليهما صورة شخصية فصارتا في ضمن الصورة الشخصية مادة شخصية و كما ان المراتب العالية لاينزل بنفسها في مقام الداني كذلك المادة النوعية بنفسها لاتهبط و انما تهبط بظهورها و نورها لكل جزئي و كل جزئي بمادته و صورته معاً ظهور المادة النوعية و نورها و شبحها المنفصل من
«* الرسائل جلد 2 صفحه 56 *»
شبحه المتصل الذي هو صورة النوعية و ليس لها اي للاجسام شيء لاتعطيها و هي لاتخالفها مثقال ذرة لا في السموات و لا في الارض فهي كلها عباده المكرمون لايسبقونه بالقول اذ ليس لهم شيء يكون من عطاء غيره سبحانه فكلا نمد هؤلاء و هؤلاء اي الطيبات و الخبيثات من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً و في اي صورة ما شاء ركبها فهي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة فلاتري في الكون غير عابد اذ كلها ساجدة للواحد سواء كان حيواناً مثالياً او نباتاً جسمانياً او جماداً جسدانياً او غيرها من البرازخ اذ كلها خلق مخلوق خلقه اللّه علي اي صورة ما شاء سواء كانت الصورة حسنة شرعية او قبيحة سعيدة او شقية من النفوس الي الاجسام العرضية اذ هي قبل كونها ليست بشيء و بعد كونها كونها اللّه سبحانه كما شاء و اراد و احب فليس في الكون شيء غير مطيع و اللّه سبحانه اعز و اجل و اعظم من انيوجد احد في ملكه ينازعه قهر بعزته الاعزاء و تواضع لعظمته العظماء فبلغ بقدرته ما يشاء و كل قد علم صلاته و تسبيحه و ان من شيء الا يسبح بحمده و ذل له كل شيء. ليس الاختلاف في اللّه و لا في و انما الاختلاف فيك يا علي.
مقام
في توحيد العبادة في الشرع ثبتنا اللّه تعالي بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الاخرة و جعلنا من المتمسكين بولاية اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين لانها لكبيرة الا علي الخاشعين بأنه سبحانه هو المعبود الحق المستحق للعبادة لا غير@لا غيره خل@ و كل معبود مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز من انيصف الواصفون كنه جلاله. قال سبحانه ألماعهد اليكم يا بنيآدم انلاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين. و اناعبدوني هذا صراط مستقيم و قال قل يا ايها الكافرون
«* الرسائل جلد 2 صفحه 57 *»
لااعبد ما تعبدون و لا انتم عابدون ما اعبد و لا انا عابد ما عبدتم و لا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم و لي دين. و قال: قل أغير اللّه ابغيكم الهاً و هو فضلكم علي العالمين. و قال ان وليي اللّه الذي نزل الكتاب و هو يتولي الصالحين. و الذين تدعون من دونه لايستطيعون نصركم و لا انفسهم ينصرون و قال و اما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ باللّه انه سميع عليم. ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون و قال: قل انما انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً و لو شاء رجل ايراد شاهد من الكتاب علي هذا المقام للزمه ايراد جميع الكتاب لان كلها نزل من عند اللّه سبحانه الحق فكفي بما ذكر عماسواها و الشواهد المجملة المفصلة علي هذا المقام نزول جميع الانبياء و الاوصياء و الاولياء و كتبهم و شرائعهم بل لايعلم احد الا قليل مقام السابق و جل الناس ما يتكلمون يتكلمون في هذا المقام فيجب لبيان هذا المقام ايراد مقدمة تكون عين المراد و هي:
ان العبادة فعل العبد كما هو ظاهر بيّن و لاتقع الا علي جهة خاصة و المعبود غير العبد و غير العبادة التي هي فعل العبد بالبداهة كما انك لو اشتريت عبداً تصير انت ربه و انت غير عبدك و عبادته لك افعاله الصادرة عنه كما امرته و هي ايضاً غيرك و غيره و لابد لافعاله و خدماته من جهة الخدمة تقع عليها خدماته و هي اما بدنك او بيتك او عيالك او مواشيك او مزارعك او غير ذلك مما يتعلق بك و هي غيرك البتة فهذه تسمي جهة الخدمة اما بيتك و عيالك و غيرهما فظاهر انها جهة الخدمة و اما بدنك فلا بأس بالاشارة اليه انه ايضاً جهة و هي انك انت المخدوم لا غير و انت في عالمك الاصلي اي عالم النفوس او مافوقها و قد تلبست بألبسة عرضية ليست منك و لا اليك بدؤها من غيرك و عودها الي غيرك و هي لباس الحيوة العرضية المثالية و لباس النبات الجسمانية و لباس الجماد الجسدانية الزمانية فهذه الالبسة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 58 *»
الثلثة لك كالقميص و القباء و العباء و هي ليست منك و لا اليك و انما هي مملوكك كالبيت و الدار و سائر مماليكك الدنياوية فهي ايضاً جهات خدمتك فاذا كنت من عالم الارواح تكون انت المخدوم و كل ما كانت دونك من النفس الي الجسم الدنياوي جهاتك و اذا كنت من عالم العقول تصير ما هو دونك من الروح الي الجسم الدنياوي جهاتك و اذا كنت من عالم الافئدة تصير ما هو دونك من العقل الي الجسم جهاتك و اذا كنت من اهل المقامات و تكون علامات اللّه و اسماءه و صفاته يصير مقام الفؤاد فمادونه جهات خدمتك و هكذا كلما رفعت مقاماً يصير مقام الداني لك لباساً و جهة لظهورك فيها ففي هذه الدنيا العرضية ليس لك جهة اشرف و اعلي و اقرب من بدنك و ليس لاحد سبيل اليك اقرب من هذا البدن.
و لماكان هذا البدن و ان لميكن منك و لا اليك لايتحرك الا بتحريكك و لايسكن الا بتسكينك اياه فلاينطق و لايسكت و لايمشي و لايسكن و لايأمر و لاينهي مجملا لايتحرك و لايسكن الا باشارتك و ارادتك فيصير جهتك اذ من المعلوم ان لا نطق و لا سكوت و لا حركة و لا سكون ارادية للجمادات فاذا تحرك جماد او يسكن من ارادة و حكمة يظهر ان فيه روحاً حكيماً مريداً فاذا تحرك لميتحرك و اذا سكن لميسكن بل الذي فيه يحرك و يسكن و هكذا كلما استولي روح فوق جسد او روح فوق روح و سخر مادونه بحيث لايبقي لمادونه حركة و اقتضاء و اطاع مافوقه يصير احكامه كلها احكام مافوق ذلك لا احكامه و هذا هو احد معاني و مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي لانه سبحانه استولي عليه استيلاء لا نهاية له ابداً فصار هو سبحانه اولي به من نفسه بلانهاية اذ لو بقي شيء منه غير مستولي نعوذ باللّه لايصير نبياً من عند اللّه سبحانه بل يصير نبياً منه سبحانه و من غيره نعوذ باللّه و لايجتري مجتر ملحد انيقول هو من عند اللّه و من عند غير اللّه فضلا عن المؤمن المسلم و قد قال سبحانه: و نحن اقرب اليه من حبل الوريد و هو كناية عن انه اقرب
* الرسائل جلد 2 صفحه 59 *»
اليه من نفسه فاذا صار كذلك صار كما قال: ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و لايختص ذلك بالنطق كما عرفت كما قال: و مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي و قال في حقه و حق اوصيائه: لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون كما ان الجسد الجمادي لايسبق الروح النفسانية و هو بأمرها يعمل ما يعمل و يترك ما يترك و بسط ذلك يقتضي رسم مقام عليحدة.
مقام
ان الجمادات التي تري بهذه العيون العرضية الدنياوية و تلمس باللامسة الدنياوية اذ الالات تشير الي نظائرها لا حراك لها من انفسها ابداً بالبداهة كما تري فاذا دار عليها السموات دوراً و طرحت انوارها و اشعة كواكبها عليها قرن بعضها ببعض و حلها بعضها في بعض فاختلطت و امتزجت و اعتدلت و اتحدت فصلحت لانتصير نطفة لخلق كون من الاكوان فاذا دارت السماء عليها و طرح نوراً من انوارها التي تكون ايدي الرب جل شأنه في اخراج ما قد كمن و استجن فيها فوقع ذلك النور علي تلك النطفة و اخرج بفضل ما يكون فيه بالفعل ما يكون فيها بالقوة و هي قوة النباتية التي فيها كامنة و في تلك الاشعة بالفعل لان الافلاك كلها نبات بالفعل فاذا اعتدل مزاج تلك النطفة تعلق بها روح النباتية الكامنة فيها فجعل يجذب و يهضم و يمسك و يدفع و يزيد و ينقص فاذا استولي علي هذا الجماد روح النباتية تخلع عنه اسمه الجمادي و رسمه و تعطي اسمه السامي عليه فيدعي في جميع اقطاره و في جميع اقطار العالم بالنبات بحيث اذا استعمل عليه بعد اسم الجماد احد يكذبه كل احد فيصير نباتاً شرعاً و عرفاً و لغة بحيث اذا نذر احد سقي نبات و سقي هذا الجماد اي هذا النبات وفي بنذره و قبله اللّه منه و اثابه عليه.
فلو جلس جالس ففكر و قدر و نظر بأن الروح النباتية لاتري بهذه العيون الدنياوية و ما تري من هذه الجماد الان ما نراه قبل ذلك و انما هذا
«* الرسائل جلد 2 صفحه 60 *»
جماد لا نبات و انما النبات فيه و في بطنه و لايمكن الوصول اليه كذبه جميع العقلاء بل جميع الناس وعدوه مريضاً بمثل مرض الماليخوليا و ان صدق في استدلاله و لكن النبات لما كان متعالياً عن نيل الابصار و المشاعر العرضية اقام هذا الجماد مقامه في الاداء لينال اليه ايدي الضعفاء و اعطاه اسمه و رسمه اتماماً للنعمة و ايضاحاً للحجة و يصير الامر الان اذا اراد احد اثبات ان ما يري بهذه الاعين انما هو جماد لا نبات يحتاج الي دليل و برهان و لايصدقه كل من له عينان بل يصدقه من كان له قلب فهيم و طبع مستقيم و هو يفهم ان هذا المحسوس المرئي جماد و انما النبات يلبسه لانه يراه حين قطعه عن مبدأ الفيض يبقي كما كان اول مرة بحيث لايكون فيه بعد صفات النبات من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الزيادة و النقصان. فبهذا البرهان يعلم الفطن ان الروح النباتية غير هذا المحسوس حين كونها معه و بعد المفارقة نعم اقامته مقامها في هذه الدنيا اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط بها الحواس الظاهرة.
و كذلك اذا اعتدل مزاجها اكثر مما كان في النبات و رق و لطف تعلق به غيب الافلاك من الحيوة فيصير حيواناً متحركاً و يحصل له بعد الخصال النباتية صفات الحيوان من السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب فاذا استولي علي هذا المحسوس المرئي روح الحيوة و لايبقي له اثر و فعل ابداً لان اثره السكون و عدم الانتقال و عدم وجود الصفات الحيوانية و خواصها فاذا نراه يتحرك و يتنقل و يسمع و يبصر و يشم و يذوق و يلمس و يرضي و يغضب نعلم انه ارخي عنانه الي ما هو فوقه و ترك خصاله فاذا ظهر منه خصال الحيوة نعلم انها من مقتضي الحيوان لا من مقتضاه فاذاً يصير جميع ما يضاف اليه ما يضاف الي الحيوان لانه لايبقي مقتض يقتضي شيئاً و كل ما يقتضي يقتضي الحيوان فاذا تحرك لميتحرك بل يتحرك الحيوان كما اذا سكن لميسكن و انما يسكن الحيوان اذ ليس له
«* الرسائل جلد 2 صفحه 61 *»
لنفسه شيء حتي نفسه كما تري انه سلب عنه اسم الجماد و النبات و وقع عليه اسم الحيوان و يظهر منه خصاله و صفاته فيصير حيواناً شرعاً و عرفاً و لغة بحيث اذا نذر احد تعليف حيوان و علف هذا الجماد المتحرك بتحريك الحيوان وفي بنذره و قرره جميع العلماء و العقلاء و الاولياء و الانبياء: علي ذلك و يستوجب الثواب من عند اللّه سبحانه مع ان روح الحيوة غير هذا المحسوس حين كونها معه و بعد فراقها عنه.
و كذلك الامر اذا اعتدل مزاجه و صفي و رق و لطف اكثر مما كان قبل بحيث يليق انيكون([13]) مرآة صافية لتعلقات النفوس الدائمة الباقية تعلق به واحد من تلك النفوس بحيث يسلب عنه اسم الجماد و النبات و الحيوان و يتشرف باسم الانسان الذكور الفكور العليم الحليم النزيه النبيه الحكيم بحيث اذا مشي يقال مشي الانسان و اذا سكن سكن الانسان و اذا قام يقال قام الانسان و اذا قعد يقال قعد الانسان و هكذا كل ما ظهر منه و ينسب اليه ينسب الي الانسان فاذا رأيته رأيت الانسان و اذا اعطيته اعطيت الانسان و اذا آذيته آذيت الانسان و اذا زرته زرت الانسان و هكذا جميع معاملاته معاملات([14]) الانسان مادام الانسان تعلق به في هذه الدنيا و العجب ثم العجب من ان جميع ما هو مختص به يصير منسوباً الي الانسان كما تقول ان الانسان يسمع و يري و يشم و يذوق و يلمس و يرضي و يغضب و ما هذه الا صفات الحيوان و خصاله مخصوص به من خاصة لاترتقي منه ابداً ابداً و كذا تقول الانسان يأكل و يشرب و يمسك و يهضم و يدفع و ينمو و يهزل و ما هذه الا خصال النبات و خواصه لاترتقي منه قدماً و كذلك تقول الانسان حسن او قبيح او طويل او قصير او حار المزاج او بارد و غير ذلك من خواص الاجسام العرضية من الكم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 62 *»
و الكيف و المادة و الصورة و الزمان و المكان و الجهة و الرتبة.
و ليس ذلك الا ان كل ما هو دون شيء لايبقي لنفسه اثراً عند ما هو فوقه حتي نفسه فاذا فنت نفسه عند سطوع([15]) نور العالي فنت خصالها البتة لانها تابعة لها و ليس معني الفناء عدم المحض هيهنا بل معني الفناء اضمحلال الداني عند سطوع([16]) نور العالي و مشايعته له و متابعته و مطاوعته و عدم ميله عنه و عدم رأيه و هواه و الخيرة من نفسه كالمرآة الصافية المستقيمة التي تحكي الشاخص شعراً شعراً كما هو لا كالمرآة الملونة المعوجة فانها علمت من الشاخص شيئاً و غابت عنها اشياء فتحكي شيئاً ما من الشاخص علي قدر صفائها و كدورتها فتحكي ان ماوراءه شيء ما و لكن تلونه في بطنها و تعوجه بحيث لميرض الشاخص انتسابه الي ما فيها و يبري منه و يتنزه عنه.
بالجملة، اذا صفي مرآة هذه المراتب المذكورة و اعتدل مزاجها و صح منهاجها اكثر مما كان قبل ذلك تعلق بها روح الايمان و استولي علي عرشها و جلس علي سرير السلطنة في ممالكها و ارسل رسله و سفراءه في اطراف بلدانها و استقل بالحكم و اذن مؤذنه في عماراتها العالية بأن الامر امر السلطان العادل الرؤف الرحيم و الحكم حكمه فانقادت رقابهم عند ظهور نور جماله و ذلت اعناقهم عند سطوع كوكبة جلاله و خمدت آثارهم عند تلالؤ ضياء انواره بحيث غابت نفوسها و خفيت عند طلوع اشراقه سلب عن جميع تلك الديار اسماؤها و خفيت آثارها بالكلية و يناد المنادي@المناد خل@ من كل مكان باسم الديار و صفاته و خصاله كما مر.
فاذا اعتدلت المرايا اكثر و صفت و رقت و لطفت و استقامت حتي تصير قابلة لتعلق روح اعلي تعلق بها روح العلم فينادي المنادي في اقطار تلك الممالك نداء العلم و العليم كما مر و اذا اعتدلت اكثر من ذلك بحيث تصير قابلة لروح السلطنة و الحكومة و التصرف فيما كان و ما يكون تعلق بها ذلك
«* الرسائل جلد 2 صفحه 63 *»
الروح فصار ما صار و ينادي مناديه في العمران بما كان.
و اذا اعتدلت و صفت اكثر مما كان تعلق بها روح النبوة فقام نبياً من الانبياء: و ينادي المنادي في جميع مراتبه الدانية بأنه:
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
فاذا اعتدلت اكثر مما قبل تعلق بها روح الامامة و ينادي منادي الامام في اقطار الممالك باسم الامام بأن علياً امير المؤمنين ولي اللّه7 فاذا اعتدلت اكثر تعلق بها روح الخاتمية عليه و آله آلاف الصلوة و التحية فقام الخاتم في جميع المراتب و اذن المؤذن في جميع تلک المراتب بأشهد ان محمداً رسول اللّه9 فاذا اعتدلت تلك المراتب بحذافيرها اكثر تعلق بها روح من امر اللّه سبحانه و هو روح اسماء اللّه و صفاته فيقوم المنادي و يؤذن في الممالك بأشهد ان لا اله الا اللّه بأعلي صوته فينفذ تلك النداء في جميع المراتب التي دونه من غيبها و شهادتها و جواهرها و اعراضها حتي اعراضها الدنياوية و اسمع السامعين بأن كل معبود مما دون عرشه الي قرار ارضه السابعة السفلي باطل مضمحل ماخلا وجهه الكريم فانه اعز و اجل من انيصف الواصفون كنه جلاله او تهتدي القلوب الي كنه عظمته و الحمد للّه الذي من علينا باظهار نوره في جميع العوالم حتي ظهر ان لا اله الا اللّه في كل مقام حتي في عرصة الاعراض اذ كلنا عباده و هو رؤف رحيم بعباده فظهر بيننا منادياً بأن من رآني فقد رأي الحق و ينادي الاخر بأن بنا عبد اللّه و لولانا ماعبد اللّه و بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه و ينادي الاخر بأن لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن لكن هو هو و نحن نحن و ينادي الاخر بأن انتقل في الصور كيف اشاء من رآهم فقد رآني و من رآني فقد رآهم الي ان قال فانا نظهر في كل زمان و وقت و اوان في اي صورة شئنا باذن اللّه عز و جل و قال الا و انا نحن النذر الاولي و نذر
«* الرسائل جلد 2 صفحه 64 *»
كل زمان و اوان.
بالجملة، ليس المقصود ايراد مثل هذه العبارات و لكن قد جرت و المقصود اثبات توحيد العبادة في الشرع و نحتاج في اثباته الي ذكر مقدمات اخر.
مقدمة
قال سبحانه: لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين: الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته فلا شك و لا ريب ان اللّه سبحانه احد بسيط قد احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه و معني البسيط الحقيقي انيكون غير مركب اذ كل مركب يحتاج كل من شطري وجوده الي شطر آخر و يحتاج الي مطلق فوقه يوجده و يصدق علي شطري وجوده علي السواء فلا صورة للبسيط تحدده سواء كانت صورة اطلاقية او صورة امكانية نفيية او صورة حقيقية اطلاقية او صورة معنوية او صورة رقيقة او صورية او طبيعية او مادية او مثالية او جسمانية او ذاتية او وصفية او غيبية او شهادية او امرية او خلقية او نورية او منيرية او جوهرية او عرضية او غير ذلك مما كان له صورة و لو باعتبار و حيث اذ كل ذلك تركيب بل كل ما دخل عرصة الوجود العام الشامل للجواهر و الاعراض و نسبها و اضافاتها و حيوثها و اعتباراتها و كل ما لها و بها و اليها و عليها و لديها و غير ذلك مما يسمي باسم و اشارة و كناية في غاية الدقة و الخفاء كلها شيء لها مادة و صورة و ما يلزمهما كلها غير البسيط فالبسيط لايحد بحد ابداً ابداً و كل ماسواه يحد بحد ما فاذ لا حد له فيكون كل ما سواه سواء عنده و قام لديه اول الخلق و اعلاه كما يقوم آخر الخلق و ادناه فيكون نسبة النسب و الاضافات اليه كنسبة اشرف الموجودات لديه ليس شيء اقرب اليه من شيء و كل ما سواه قائمون لديه بمحضر واحد
«* الرسائل جلد 2 صفحه 65 *»
في صف واحد لايكون شيء ابعد من شيء فقام زيد و قام قيامه كزيد بل قام نسبة القيام الي زيد كزيد و قام وجود زيد و قام عدم وجوده علي حد سواء و لايمنعه شيء عن نفوذه اذ لا صورة له فلايمنعه صورة عن مادة و لا مادة عن صورة و لا شيء عن شيء فينفذ في اقطار الوجود بلا نهاية اذ ليس لها نهاية.
فاذ نفذ كذلك لايبقي لشيء من الاشياء اسم و رسم لانه نفذ في الاسم و الرسم و لايبقي وجود و عدم اذ نفذ فيهما و فيما بينهما فاذاً ليس شيء سواه هو هو لا بمعني ان الاشياء كلها هو و هو كل الاشياء سبحانه و تعالي بل هو نافذ في كلية الكل و الكل اذ لا كلية و لا كل فهو اذ ذات([17]) هو لا ذكر لغيره معه لا باثبات و لا بنفي اذ نفذ في الاثبات و النفي اذ لا اثبات و لا نفي فهو هو احد بسيط طوي ماسواه طي الامتناع البحت البات حيث هو فلايكون هناك حتي يتقرب اليه او يتبعد عنه فاذاً لا نسبة ابداً فهو حيث هو لايضاف الي شيء فلايقال ربنا مثلا و لايضاف اليه شيء فلايقال عباده اذ هو نافذ في كليهما اذ لا هما و يقاس عليهما باقي الاضداد و المختلفات و لاينسب الي شيء و لاينسب اليه شيء و لايصدر منه شيء و لايصدر من شيء و لايكون علة لشيء و لا معلولا لشيء و لا مادة لشيء و لا الشيء مادته و لا صورة لشيء و لا الشيء صورته و لايفعل شيئاً و لايكون فعلا لشيء و لايصلح لظهور لشيء و لايكون ظهور شيء و لايكون مطلق شيء و لايكون الشيء مطلقه و لايكون بمقيد مطلق و لا المطلق مقيده و لايكون علي شيء و لايكون عليه شيء و لايكون لشيء و لايكون الشيء له و لايكون بشيء و لايكون الشيء به و لايكون من شيء و لايكون الشيء منه و لايكون في شيء و لايكون الشيء فيه و لايكون ظاهراً لشيء و لايكون الشيء مظهره و لايتجلي لشيء و لايكون تجلي شيء اذ لا شيء سبحانه ليس خلواً من ملكه و ليس ملكه خلواً منه بل يكون خلواً من ملكه اذ لا ملك و لايكون ملكه خلواً منه اذ لا ملك ايضاً داخل في الاشياء لا كدخول
«* الرسائل جلد 2 صفحه 66 *»
شيء في شيء خارج عن الاشياء لا كخروج شيء عن شيء قريب بالكل لا بقرابة بعيد عن الكل لا ببعد و ابانة اذ لا كل داخل حين كونه خارجاً خارج حين كونه داخلا عال عن الكل لا بعلو دان بالكل لا بدنو هو الذي في السماء اله و في الارض اله اذ لا سماء مبنية و لا ارض مدحية.
بالجملة ليس المراد هنا بيان ماهيته سبحانه و قد يجري الكلام علي اكثر من قدر الحاجة و المراد انه سبحانه لايدرك و لايحس و لايجس اذ انه احد و ليس للخلق انيصعدوا اليه حتي يعرفوه و يعبدوه و هو لايتغير و لايتبدل و لاينزل الي المراتب الخلقية بذاته فيشاهدوه لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا اللّه الملك الجبار فاذاً كيف يعرفه احد او يعبده فالطريق اليه مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته اما آياته فقد يأتي تفصيلها اما وجوده فقد بان ثبوته بأنه هو الشيء بحقيقة الشيئية فانه اذ هو لا شيء ليس غيره هو هو احد صمد لميلد و لميولد و لميكن له كفواً احد.
مقدمة اخري
لا شك و لا ريب انه سبحانه حكيم قد خلق الخلق و احكم الصنع و اتقن فلايلهو و لايعبث فخلق الخلق لغاية اذ لولا الغاية للزم العبث و اللغو و سبحانه عن ذلك علواً كبيراً كما قال ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و قال في القدسي كنت كنزاً مخفياً فأردت اناعرف فخلقت الخلق لكياعرف. فخلق الخلق للعبادة و المعرفة اذ هما غايتاه و معلوم ان الغاية مما يجب انيصل اليه الخلق اذ لو لميصلوا اليها ليست لها فائدة و ذلك غير معقول.
مقدمة اخري
كل شيء لايتجاوز ماوراء مبدئه و ذلك ايضاً مما لا شك فيه عند من له
«* الرسائل جلد 2 صفحه 67 *»
قلب او القي السمع و هو شهيد. لانه فيما وراء مبدئه معدوم و المعدوم ليس بشيء يدرك شيئاً و ذلك احد معاني قوله7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فلا شك ان الخلق الحادث ليس له شيء من ذات القديم حتي تحدده فتعرفه و ليس نظيراً للذات الاحدي البسيط حتي يشير اليه اذ للخلق نور يدرك به الحقائق و ليس الاحد بحقيقة من الحقائق حتي يصل ذلك النور و ليس للخلق مقام اعلي من ذلك النور و له عقل يدرك به المعاني الكلية و اللّه سبحانه ليس بمعاني و له روح يدرك به الصور الرقيقة و اللّه سبحانه ليس روحانياً رقيقاً و له نفس يدرك به الصور النفسانية و ليس الاحد نفسانياً و له عاقلة يدرك بها العقول الجزئية و هو ليس بعقول و له عالمة يعلم بها الصور البرزخية و هو ليس بصورة و له واهمة يدرك بها المعاني الجزئية و هو ليس بالمعاني الجزئية و له متفكرة ترتبط بين الصور الخيالية و هو ليس بالصور الخيالية و له متخيلة ينطبع فيها اشباح ما ينطبع في الحواس الظاهرة و هو ليس بأشباح و له حواس ظاهرة فله بصر يدرك به الالوان و الاضواء و الاشكال و هو سبحانه ليس بلون و لا ضوء و لا شكل و له سمع يدرك به الاصوات المظغطة من الهواء و هو سبحانه ليس بهواء و له شم يدرك به الروائح و هو سبحانه ليس برائحة و له ذوق يدرك به الطعوم و هو سبحانه ليس بطعوم و له لامسة يدرك به الكميات و الكيفيات من الاوزان و المقادير و من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و امثالها و هو سبحانه ليس بشيء منها و ليس للانسان غير هذه المشاعر المحصورة و اللّه سبحانه ليس من جنس احد منها كما هو مشاهد محسوس و لذا قال سبحانه لاتدركه الابصار و قال وليه عليه و آله السلام رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 68 *»
مقدمة اخري
و هي ان اللّه سبحانه عليم خبير شاهد يعلم مشاهدة ان خلقه عاجز عن نيل ادراكه و قد اخبر بذلك في كتابه العزيز لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و هو يدرك الابصار بأحد المعاني حال و تلك الحال علة لعدم ادراك الابصار اياه لان معني ادراك الخالق خلقه ليس بالانطباع و الاتحاد يقيناً فينحصر الامر في الادراك بالاحاطة و معناه انه ينفذ في الابصار و المشاعر بلا نهاية فاذاً يدركها كل الادراك الحقيقي التام الكامل و في قوله و هو اللطيف الخبير اشارة الي هذا المعني عند من كان من اهل المعني لان اللطيف الحقيقي هو الذي ينفذ بلا نهاية.
و لما جري القلم بذكر الادراك بالانطباع و الاتحاد و الاحاطة لا بأس بذكر علة الانحصار فأقول لا شك ان الافراد التي هي ظهورات مطلق واحد تجلي لها بها و بها امتنع عنها لكل واحد منها مشعر يدرك به سائر الافراد و له ايضاً مشعر يدرك به ظهور المطلق الاعلي في نفسه و له ايضاً مشعر يدرك به ظهورات نفسه و تطورات ذاته فينحصر الامر الي هذه الثلثة لا رابع في البين لمن كان ذا عينين اما الاول الذي هو ادراك بعض الافراد بعضاً بأنينفصل من البعض اشباح من شبحه المتصل فينطبع في احد مشاعر البعض التي تناسب الشبح الاتي فينطبع المشعر بانطباع الشبح و لما كانت المشعر ظهور([18]) من ظهوراته منطوية تحت احاطته يدرك ذلك الظهور منصبغاً بالشبح الاتي فيدرك من كان في عرضه و عرصته و يسمي هذا الادراك بالادراك بالانطباع كما ان لزيد شبح متصل به هو صورته المتصلة الملتصقة به فلما انفصل من ذلك الشبح المتصل شبح منفصل و وقع في مرآة عين عمرو
«* الرسائل جلد 2 صفحه 69 *»
فتنصبغ العين بذلك الشبح فينطبع منها الي الروح البخاري و ينطبع منها الي الخيال و الخيال شأن من شئون نفس عمرو و هي محيطة به فتدرك في خياله بالاحاطة و ان شئت تسمي هذا الادراك ادراكاً بالاحاطة و ان شئت تسمي بالاتحاد لان ظهور شيء لايعد مع شيء فهو يدركه بالاتحاد الا ان التقسيم الاول ابين و اوضح.
و اما الثاني الذي هو الادراك بالاتحاد هو ادراك الداني للعالي و لا شك ان العالي في ذاته لاينزل باحاطته الي رتبة فرد من افراده و ظهور من ظهوراته بل يتجلي في الداني بنفس الداني له كما قال7 تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فاذا ادرك الداني ظهور العالي الذي هو نفسه ادرك نفسه اي لايفقد نفسه اذ لا معني ادرك نفسه فيسمي هذا الادراك ادراكاً بالاتحاد.
و اما الثالث الذي هو الادراك بالاحاطة كمثل ادراك زيد قيامه و قعوده و ركوعه و سجوده و غير ذلك من اشباحه المنفصلة من ظهوره الكلي الذي هو شبحه المتصل فهو بأحديته الاضافية التي تحيط بصفاته تدرك صفاته علي ما هي عليه بنفوذه فيها و طيه لها طياً لا نهاية له فلايفقد شيئاً من صفاته فيسمي هذا الادراك الادراك بالاحاطة اذ ليس للظهورات وجودات معزولة عن الذات حتي ينفصل منها اشباح تقع في الذات بل ليست هي الا تمثلات الذات و ظهوراتها و هي هو وجوداً و اثباتاً و عياناً و ظهوراً و ليست هي هو احاطة و لا جمعاً و لا كلا و لا هيمنة.
بالجملة، و المقصود الاصلي ان اللّه سبحانه يعلم ان لخلقه مشاعر محدودة لمتدرك الا اوصافاً محدودة و هي لاتدرك ذاته ابداً ابداً كما قال7 كلما ميزتموه([19]) في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم و قال رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي
«* الرسائل جلد 2 صفحه 70 *»
المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله دليله آياته و وجوده اثباته و قوله7 و وجوده اثباته احد معانيه ان وجوده عين اثباته و ليس اثباته بشيء غير وجوده كما قال7 في الدعاء دل علي ذاته بذاته و تنزه عن مجانسة مخلوقاته.
مقدمة اخري
انه سبحانه عدل لايظلم الناس شيئاً لاسيما يكون رؤفاً بعباده رحيماً فلايأمره بأمر لايطيقونه و ما لميؤتهم. فلايأمرهم بمعرفة ذاته و التوجه اليها و قد اخبر بأنه لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار فلايكلف اللّه نفساً الا وسعها و لايكلف اللّه نفسا الا ما آتاها و معلوم ان الناس لميؤتوا ذات اللّه سبحانه و ليست في وسعهم اذ ماكان في وسعهم لابد و انيكون مما يسعهم الوصول اليه بأسهل وجه لانه سبحانه رؤف رحيم و ليست هذه الايات و الاخبار ادلة نقلية نقلدها من حيث لانعلم و ذلك ظن الذين كفروا و ما هكذا الظن بهم لانهم: اصل العقل و نفسه كما ثبت في محله لمن كان عقل و كلامهم كلام عقلي برهاني و له نور رباني و اما كلام ربهم رب كلامهم لانه نور السموات و الارضين فكلامهم كلام عقلاني و برهان متقن صمداني و فرقان بين الحق و الباطل و نور وحداني و لايخصص كلماتهم بشيء ابداً ابداً و لكن كل ذلك عند من سبقت له من اللّه الحسني و له نور و من لميجعل اللّه له نوراً فما له من نور و زعموا ان الكتاب و السنة دلائل نقلية و كلمات الحكماء بزعمهم دلائل[20] عقليه كلا و هم لايعلمون الا ظاهرا من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 71 *»
مقدمة اخري
ان معرفة الشيء لاتخلو من ثلثة اقسام كما مر في المقدمة السابقة من امر الادراكات الثلثة معرفة بالاحاطة و هي مخصوصة بالرب تعالي لانه علي كل شيء شهيد و بكل شيء محيط فهذا القسم من المعرفة للعباد بالنسبة الي خالق البريات مرفوع بداهة لانهم لنيبلغوا كنه ذاته و لميحيطوا به و ذلك مما لايحتاج الي برهان ازيد من ذلك عند من له عينان فبقي لنا القسمان المعرفة بالاتحاد و الانطباع و كلاهما معرفة وصفية لا ذاتية اذ معرفة الداني للعالي لاتكون الا بأنيوصف له العالي نفسه و يظهر له بظهور حتي يتحد مع ذلك الوصف و الظهور فيعرف العالي في الظهور لا في الذات بالذات و اما معرفة الداني من كان في عرصته من الظهورات فهي المعرفة بالانطباع بأنينفصل عن ظهور شبح من شبحه المتصل به فينطبع في مشاعرك فتنصبغ فتعرف فاذا استعمل لفظ المعرفة بيننا لايخلو من هذين القسمين كما نعرف محالية القسم الاول و انحصارها في الاقسام الثلثة فيكون معرفتنا سواء كانت اتحادية او انطباعية معرفة وصفية لا ذاتية اللّهم الا بالنسبة الي ظهوراتنا الدانية عن ذواتنا و ليس ذلك بمحل الانتزاع فمعني معرفتنا لشيء و حقيقة معرفتنا له هي معرفة الوصف لا غير.
بل اقول معرفة الوصف هي معرفة لا غير اذا استعملنا معرفة الذات و نستعمل لان الذات غيبت الصفات فاذا نظرت الي زيد في القائم و رأيت القائم و علمت ان القائم ظهور من ظهورات زيد و صفة من صفاته يوجده بتمامه لا من شيء و كل ما له و به و منه و اليه و عليه و فيه و لديه و كل ما به القائم قائم من زيد لا من شيء خارج و علمت انه هو الظاهر بالقائم لا غيره و علمت ان الظاهر في الظهور اظهر من الظهور و ابين و اوضح و علمت ان الذات غيبت الصفات و اذا جاءت الذات امتنعت الصفات علمت ان معرفة القائم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 72 *»
مع قطع النظر عن الخصوصيات و كشف سبحات الجلال من غير اشارة معرفة حقيقة زيد و لا سبيل الي حقيقته سوي هذا الطريق القويم و الصراط المستقيم.
بالجملة فغاية معرفتنا معرفة الاوصاف كما ظهر لمن نظر و فهم و ابصر كما قال7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و قال ابوه8 رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله، من يطع الرسول فقد اطاع اللّه، من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم. و انتم نور الاخيار لا غيركم و حجج الجبار.
مقدمة اخري:
الاحتياج احتياجان: احتياج ذاتي و احتياج وصفي و الاحتياج الذاتي هو الذي لايكون للشيء من حيث هو هو قوام و بقاء الا انيعطي ربه نفسه له به و اما الاحتياج الوصفي هو انيكون الشيء من حيث هو هو موجوداً قائماً بمؤثره و لكن يفقد كمالا من الكمالات الكامنة فيه و يعدم جمالا من الجمالات المستجنة و هو يكون بالفعل لظهور آخر فيقترن هذا الظهور بالكمال الحاصل له بذلك الظهور الذي ذلك الكمال فيه بالقوة فيقوي بفضل ما له بالفعل ما يكون في الاخر بالقوة و يخرجه الي الفعلية فيصير مثله ذا كمال بالفعل كالعجين الذي فيه الحموضة بالقوة اذا اقترن به الخميرة التي فيه الحموضة بالفعل فبفضل ما لها بالفعل يستخرج ما يشاكل له كالعجين فيصير العجين مثلها خميرة ذا فعلية فالاحتياج الذاتي لايكون الا بين المؤثر و الاثر و الاحتياج الوصفي لايكون الا بين المكمل و المتكمل و المؤثر يوجد اثره لا من شيء سابق علي اثره مطلقاً مدة و صورة و هو ايجاد ما لميكن لانه تجلي لاثره بنفس اثره لا بذاته فأثره بنفسه يد المؤثر في ايجاد نفسه فتجلي له به لا بنفسه و لا بشيء آخر.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 73 *»
و اما المكمل لايوجد المتكمل ابداً و كلاهما وصفان موجودان لمؤثر واحد يعطي اسمه و حده اياهما@ايهما خل@ جميعاً و هما ظهوران له عبدان خاضعان الا ان المكمل صفته العليا و يده اليمني و المتكمل صفته السفلي و يده اليسري و كلما اراد انيفعل في اليسري يفعل باليمني و هو بنفسه في نفسه منزه عن مباشرة فعل في مفعول بل المباشر هو الفاعل فقط و الفاعل و المفعول عبدان له ليس احدهما اقرب اليه من آخر ابداً و يظهره المفعول كما يظهره الفاعل و هو علي كل منهما شهيد و محيط علي نهج واحد و لا فخر لاحدهما عنده مطلقاً علي الاخر فاذا قال الفاعل انا ظهور المؤثر بالفاعلية اجابه المفعول انا ظهوره بالقابلية و هو الفاعل باحدي يديه و القابل باخري و الفاعل و القابل عنده سواء كلاهما عبدان معصومان مطهران مطيعان منقادان كما شاء و اراد. نعم مفاخرة للفاعل علي المفعول عند موازنة المفعول الي الفاعل لا موازنتهما معاً مع المؤثر فالفاعل يفاخر القابل بأن له قوة و قدرة و كمال و جمال و جلال([21]) و كذا و كذا الي جميع ما له و ليس لك يا ايها القابل و يا ابن آدم المطلق انا رب ذو صفات كمالية اقول للشيء كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشيء كن فيكون و كل ما لي بالفعل تكون فيك بالقوة و اذا احببت صفاتي كن مثلي تحصل لك صفاتي لاني اخوك و ابن ابيك آدم المطلق روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي و مادتك من مادتي و كنا مشتركين في المادة مختلفين في الصورة انا متصور بالصور الكمالية و انت متصور بالصور الدنيئة الدنياوية و انت تقدر علي التخلي عن الرذائل و التحلي بالفضائل و التصور بصور الاوائل لان جميع ذلك مودوع فيك مستجن اذا اطعتني فيما امرتك انا استخرج من خزانة مادتك و اسلمتكها و ذلك معني ما روي ليس العلم في السماء فينزل عليكم و ليس في الارض فيصعد اليكم بل هو مكنون مخزون عندكم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 74 *»
تخلقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم و لعل هذه العبارات منقولة عما روي.
مقدمة اخري
لايعقل تحصيل الحاصل و انما التحصيل للشيء المفقود بداهة فالاحتياج الذاتي الذي هو كون الاثر لدي المؤثر ظهوراً له لايحتاج الي شيء آخر اذ هو هو و هو لايحصل نفسه ابداً لانه حصل له ابداً باعطاء مؤثره و هو لايحتاج في كونه هوهو الي شيء خارج ابداً و انما ذاته عين الاحتياج الي مؤثره و الاحتياج عين ذاته ليس بينهما فصل و حد و هذا الاحتياج غير الاحتياج الوصفي المعروف المطلوب فليس معني الاحتياج الذاتي فقدان شيء كما مر و هذا الاحتياج واقع بين الاثر و المؤثر ابداً بحيث لو فرض طرفة عين قطع الامداد الذاتي من المؤثر لاثره لفني و عدم بالكلية و اما الاحتياج الوصفي هو انيكون الشخص موجوداً فاقداً لكمال اذا ظفر به صار ذا كمال و الا يكون موجوداً غير كامل و بقطع الامداد الوصفي يعدم الوصف لا المكون الخارجي و هذا الاحتياج واقع بين المتكمل و المكمل و المحتاج و الغني و العبد و الرب و الطالب و المطلوب و غير ذلك مما يقع بين المتضايفين كما ان زيداً في كونه زيداً لاينتظر انيصير زيداً بعد و هو في كونه هو هو لايحتاج الي شيء آخر سوي ربه الذي اوجده لا من شيء ظهر له به و به امتنع عنه فلايحتاج و لايطلب من مؤثره شيئاً غير نفسه و عين وجوده فقر و احتياج الي مؤثره و لايقدر مسألة اخري سألها من مؤثره غير نفسه فهو لايسأل ربه المؤثر له الا مسألة واحدة دائمة و لايعطي ربه الا تلك المسألة و تلك المسألة نفسه لا شيء آخر اما عدم قدرته سؤالا غير نفسه عن مؤثره لاجل انه بعينه ظهور مؤثر له به و ليس مؤثره محدوداً به حتي يقدر انيسأله شيئاً و انما السؤال يقع بين المحدودين الممتازين احدهما غنياً و الاخر فقيراً و يكون كلاهما مشتركين في المادة ممتازين
«* الرسائل جلد 2 صفحه 75 *»
في صورة الغني و الفقر فيمكن حينئذ السؤال و هو لايقع الا بين الفاعل و القابل و المكمل و المتكمل كما ان زيداً موجود و لكن كان فقيراً فسأل غنياً يغنيه و معطياً يعطيه شيئاً فأي شيء طلبه و دعا ربه يعطيه كما انه اذا لميكن سعيداً يسأل السعادة و ان لميكن مؤمناً يسأل الايمان و ان خاف عذاب الاخرة يسأل فكاك رقبته عنه و ان اشتاق الي الجنة يسأل انيعطيها و ان يرجو لقاء ربه يدعو لقاءه و غير ذلك من السؤالات الوصفية التي تقع بين الفاعل الكامل و بين القابل الناقص.
و هذه هي الحكمة التي هي ابراز ما قد كمن لا ايجاد ما لميكن، فلينظر الناظرون وليتبصر المتبصرون الغير الغافلين في هذه الدقيقة هل احد يقدر حمد من نفذ فيه و في حمده و في لسانه و في حركة لسانه و في صورته و في نفسه و في كل ما له و به و منه و فيه و عليه و عنده و لديه بحيث هو اظهر منها بغير تحديد و لا نهاية لاظهريته منها سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد للّه رب العالمين. فالحمد مخصوص لرب العالمين و هو الفاعل الحق و الولي المطلق الذي لا اله الا هو العزيز الحكيم الذي يمكن العبادة له و الاستعانة منه و الخوف و الرجاء منه و الذي نفذ في جميع ذلك لايمكن عنه سؤال ذلك.
مقدمة اخري
ان لكل شيء حد محدود([22]) لايقدر التجاوز عن ذلك و ذلك بديهي ان شاء اللّه و الاحد الحقيقي لا حد له حتي الاحدية للزوم التركيب المنافي للقدم و ذلك ايضاً بديهي ان شاء اللّه و معلوم ان العبد ما لميكن في مكان لايكلف بشيء في ذلك المكان اذ هو بنفسه معدوم في ذلك المكان فضلا عن افعاله الصادرة عنه و ذلك بديهي ايضاً ان شاء اللّه و الخلق كلهم معدومون
«* الرسائل جلد 2 صفحه 76 *»
في مشية اللّه سبحانه ممتنعون في ذاته سبحانه اذ لو كانوا فيها للزم التركيب تعالي اللّه عن ذلك فماداموا منفيين او ممتنعين لايعقل الامتثال و العبادة لانها فرع وجودهم و وجودهم ممتنع منفي و اما في رتبتهم و مقامهم يكونون موجودين مكلفين و يجب انيكون المكلف غير المكلف و المكلفبه حتي يعقل انيأمر هو بشيء و يأتمر احد بما امر و ذلك لايمكن الا انيكون الآمر آمراً و المؤتمر مؤتمراً و الامر امراً و ذلك لايمكن الا انيكون جهة كل واحد غير جهة الاخر لامحالة حتي يمكن الايتمار و الامر.
و من طوي الموصول و المفصولا | و الفعل و الفاعل و المفعولا | |
فلايميز بالاشارت (ظ) فلا | يمكن انيجعل جاهاً مثلا |
فجميع الاحتياجات و السؤالات و غيرها من المعاني الوصفية كلها راجعة الي المكمل لا الي المؤثر بل الي المؤثر لا المكمل لان المؤثر الظاهر بالتكميل و هو اظهر من المكمل لان الظاهر في الظهور اظهر من الظهور و زيد في القيام اظهر من القيام البتة الا انه هو الظاهر بالمتكمل و هو اظهر من المتكمل ايضاً فالافعال كلها راجعة اليه سواء كانت افعالا فعلية او افعالا انفعالية لا شريك له و اما اذا طلب احد افعاله الفعلية لابد له انيأتي الي وصفه المكمل لانه سبحانه ابي انيجري الاشياء الا بأسبابها و سبب كل شيء بابه و امر اللّه سبحانه انتأتوا البيوت من ابوابها.
اما كيفية تأثير المؤثر في اثره و تكميل المكمل في المتكمل ان المؤثر يوجد اثره لا من شيء سابق علي الاثر بل تجلي له به و به امتنع عنه فيصير الاثر ظاهر المؤثر و تمثله و وجوده و عيانه و نفسه و عينه له مادة و صورة كلاهما من اعطاء المؤثر و ظهوره و بتلك المادة و الصورة تم الشخص لاينتظر في تمام نفسه شيئاً آخر ابداً و يسمي تلك الصورة بالشبح المتصل به لكن لايصير الشخص بتلك كاملا لان كمال الشيء بأنيكون ظاهراً في الاشياء العديدة و الظهورات الكثيرة و كلما يكون الشخص اكثر ظهوراً
«* الرسائل جلد 2 صفحه 77 *»
و اشد نورا يكون ابسط و اوسع و اشبه بصفة اللّه سبحانه و مشيته الواسعة فاذا تم الشخص بمادته و صورته المتصلة به تجلي بتلك الصورة و بذلك الشبح المتصل بظهورات عديدة و انوار متكثرة و تسمي هذه الانوار بالاشباح المنفصلة و نسبة تلك الظهورات و الاشباح المنفصلة الي الشبح المتصل كنسبة الشخص التام الي مؤثره حرفاً بحرف ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و اختلاف فتجلي الشبح المتصل للاشباح المنفصلة بها لا بنفسه و بها امتنع عنها كما ان زيداً بمادته و صورته يكون اثراً لمؤثره خلقه به لا بشيء آخر فيصير زيداً تاماً لاينتظر في زيديته الي شيء خارج ابداً و لكن بعد صيرورته زيداً تاماً لايصير كاملاً كما تري انه زيد و لكن لايكون نجاراً و حداداً و صياغاً و عالماً و مؤمناً و غير ذلك من الصفات الكونية و الشرعية فاذا ظهر بالنجارة و تجلي بالحدادية و الصياغة يسمي زيداً نجاراً حداداً صياغاً و ان لميظهر بتلك الصفات لايسمي بتلك الصفات مطلقاً و كذا اذا تعلم العلم و ظهر فيه و اذا آمن و تجلي بالايمان يصير عالماً مؤمناً و الا لميكن الا زيد فاذا ظهر بهذه الصفات يصير كاملاً مشابهاً لمشية اللّه سبحانه الكاملة بقدر ظهوره في الصفات فالنجار و الحداد و الصياغ و العالم و المؤمن اشباح منفصلة عن شبحه المتصل الكلي الصالح للظهور بهذه.
و اما كيفية التكميل و التكمل انه لما وجد المكمل بمادته و صورته لا من شيء كما مر و ظهر بشبحه المتصل به في اشباحه المنفصلة بقدر سعته كما مر و كذا وجد المتكمل بمادته و صورته المتصلة به من مؤثره لا من شيء و ظهر في ظهوراته المنفصلة كما مر حرفاً بحرف الا ان المكمل بعد تمامه ظهر في الاشباح الكاملة العالية الفاعلة و المتكمل بعد تمامه ظهر في الاشباح الناقصة الدانية القابلة اذ كلاهما ظهوران للمطلق العالي و لما كان المطلق لا نهاية لكمالاته و وسعته و احاطته ظهر بالكامل الفاعل و بالناقص القابل لان لايخرج من تحت سلطانه و سعته شيء فيحدد و يميز بذلك الشيء فيركب
«* الرسائل جلد 2 صفحه 78 *»
و هو تعالي عن التركيب و الاحتياج فالناقص ناقص بالنسبة الي الكامل و كذا الكامل كامل بالنسبة الي الناقص و كلاهما كمال بالنسبة الي العالي في الدعا: يا من الظلمة عنده ضياء.
بالجملة فاذا ظهر كل من المكمل و المتكمل بأشباحهما المنفصلة و اقترن شبح من المكمل بشبح من المتكمل و لما كان هما من جنس واحد الا ان للكامل صفة حاصلة و للمتكمل صفة كامنة راقدة تحت مادته استخرج المكمل بالقاء مثاله علي مثال المتكمل ما يكون فيه بالقوة من جنس ما يكون له حاصلا فيصير ما فيه كامن حاصلا له فيصير مثله ذا فعلية حاصلة فألقي في هويتها اي في هوية القابل التي هي مثاله ايضاً مثاله فأظهر عنها افعالها الكامنة الراقدة كما ان السراج الكامل القي شبحه علي الزيت الناقص و استخرج ما فيه من جنسه فيصير سراجاً وهاجاً مثله قائماً مقامه و ليس المتكمل اثراً للمكمل مطلقاً كما هو ظاهر بين كما تري ان السراج الثاني ليس بأثر للسراج الاول مطلقاً اذ المؤثر و الاثر لايريان بمشعر واحد و هما يريان بعين واحدة و مشعر واحد بل ربما يصير السراج الثاني اقوي و انور من المكمل اعني السراج الاول بسبعين درجة اذا كان زيته اكثر و اقوي منه كما هو مشاهد محسوس عند من له حس و كذا المتعلم ربما يصير اعلم من المعلم بسبعين درجة ان كانت زيت قابليته اكثر و اقوي منه و هكذا سائر الخصال كما هو ظاهر لذي شعور.
و لايعقل انيصير الاثر مؤثراً ابداً و النور منيراً و المقيد مطلقاً و الشبح شاخصاً فالفرق بين المؤثر و الاثر و بين المتكمل و المكمل كالفرق بين السماء و الارض بل ابعد اذ المكمل و المتكمل كلاهما اثران لمؤثر واحد عبدان خاضعان مطيعان له مشتركان في المادة متخالفان في الصورة و ليس المراد من اشتراك المادة هنا المادة المقترنة بالصورة بل المراد هي المادة العليا التي يعبر عنها بالطبيعة و الا فالمادة المقترنة بالصورة لايشترك
«* الرسائل جلد 2 صفحه 79 *»
فيها احد احداً في ملك اللّه سبحانه لان المادة المقترنة بالصورة مادة تكون تلك الصورة و امثال تلك الصورة ايضاً كامنة فيها فبهذا المعني لايقبل المواد اللطيفة الا صوراً لطيفة و المواد الكثيفة الا صوراً كثيفة لان المادة بهذا المعني مادة في الصورة و الصورة صورة علي المادة و هما متضايفان لايمكن سلب احدهما عن الاخري ابداً و لايصلح مادة احد انتتصور بصورة احد في ملك اللّه سبحانه.
مقدمة
فاذا ثبت ان الاكتسابات الوصفية لاتكون الا بين الفاعل و القابل و المكمل و المتكمل فأقول ان مطلق كل عالم سواء كان نورياً او عقلياً او نفسياً او طبعياً او مادياً او جسمياً له احدية و هيمنة علي افراده يعطي تحته اسمه و حده سواء كانت لطيفة طافية او كثيفة راسبة و كلها ظهوراته و تمثلاته و لما كان كلها ظهوره و نوره يسري سره في كله الا انه لايتحمل جميع اسراره بالفعل لضيق وجوداتها و اتساع وجودها فلذلك يصير بعض اسراره في بعض الافراد بالفعل و باقيها فيها بالقوة و يصير بعض اسراره التي خلاف الاسرار الاولي في بعض آخر بالفعل و باقيها فيها بالقوة فاذا ارتفع المانع من ظهور المستجنات لظهرت البتة و يمكن رفع الموانع بمعالجات هيأها اللّه سبحانه لذلك اي لاظهار المستجنات و جعل سبحانه نفس تلك اسباب ظهور المستجنات بعضها من بعض لانه سبحانه تنزه عن مجانسة مخلوقاته و تقدس عن ملائمة كمياتها و كيفياتها فجعل بعضها لبعض فتنة و لولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و مساجد يذكر فيها اسمه فجعل كل واحد من الافراد في ابراز ماقد كمن و قد كمن في كلها ما في كلها اذ:
كل شيء فيه معني كل شيء | فتفطن و اصرف الذهن اليه([23]) |
«* الرسائل جلد 2 صفحه 80 *»
كما روي عنه7:
أتزعم انك جرم صغير | و فيك انطوي العالم الاكبر | |
و انت الكتاب المبين الذي | بأحرفه يظهر المضمر |
فيظهر المضمرات الكامنة بأحرف صور المظهرات الحاصلة فكل شيء يكون باباً و سبباً لكل شيء بفاضل انواره الحاصلة ما استجن في كل شيء فجعل اللطائف ايديه الملطفة في استخراج ما يشاكلها من الكثائف و كذا الكثائف ايدي ارادته المكثفة في استخراج ما يشاكلها من اللطائف و الذي خرج من القوة الي الفعلية يكون بمنزلة الولد الحاصل من هذين الابوين اللطيف و الكثيف فيختلف ولد الاثر بين الفاعل و القابل فاذا كان الفاعل في نهاية القوة و القدرة و القابل في نهاية المتابعة و المشايعة خرج الولد في نهاية الحسن الذي يريده الفاعل و اذا كانا في نهاية الضعف حصل ولد الاثر في نهاية الضعف و بين ذين مراتب لاتعد و لاتحصي و الولد الحاصل من الابوين اشرف من الابوين لامحالة لاحاطته عليهما و اجتماعهما فيه كما ان السكنجبين الحاصل من السكر و الخل اشرف منهما لان كل واحد منهما لايكون فيه الا صفة واحدة اما حلاوة او حموضة و لكن السكنجبين جامع لسر الحلاوة و الحموضة فيكون اشرف منهما لبساطته و عدم حده النسبي.
بالجملة ليس المراد هنا بيان ذلك و المراد ان لمطلق كل عالم افراد([24]) هي ايدي مشيته و اكمام ارادته في خلق ما يشاء بما يشاء فيما يشاء فجعل اللطائف و السموات يده اليمني الفاعل المكمل و الكثائف و الارضين يده اليسري القابل المتكمل فدارت السموات الفاعلة علي الارضين المنفعلة و طرحت اشعتها عليها فحركتها و مخضتها مخضاً فخلط بعض اجزائها في بعض فتشاكلا فتعانقا فتمازجا فتفاعلا فتوحدا فصار ولداً من الاولاد المكونة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 81 *»
فأول ولد يولد بين الفواعل و القوابل هو الجماد الذي اشبه من ابويه بالمطلق العالي في الجملة لانه لا صورة لها بالنسبة و لذلك ايضاً بالنسبة الي والديه له جامعية لسرهما فله احاطة و عدم حد مثل حدهما فاذا دارت السموات دوراً ثانياً علي تلك الجمادات الصافية اللطيفة و القي عليها مثالها فكملتها بفضل قوة امثلتها حتي استخرجت النباتية الكامنة التي اعلي من الجمادية و اذا دارت علي النباتات دوراً ثالثاً بفضل امثلتها الملقاة عليها استخرجت الحيوة الراقدة تحت حجاب النباتي و تلك الامثلة الملقاة من نور القمر فاذا دارت دوراً آخر علي الحيوة الراكبة علي النبات الراكب علي الجماد فألقي فلك العطارد مثاله عليها تعلقت عليها انوارها فحصل لها المتفكرة الكامنة فيها اي في الحيوة و اذا دارت علي هذا المجموع دوراً آخر القي عليها فلك الزهرة مثالها و استخرج منها ما يكون من جنسها و هي المتخيلة و فعلها الخيال كما ان فعل المتفكرة الفكر و كذا اذا دارت دوراً آخر القي فلك المريخ مثالها عليها و استخرج منها ما يكون من جنسه و هو المتوهمة و فعلها ادراك المعاني الجزئية المستنبطة من ترتب صور الخيالة و اذا دارت دوراً آخر القي فلك المشتري شعاعه عليها و استخرج ما يكون فيها من جنسه و هي العالمة و فعلها ادراك الصور الجزئية العارية عن المواد الزمانية و اذا دارت دوراً آخر القي عليها فلك الزحل مثاله فاستخرج ما فيها من جنسه و هي العاقلة و فعلها ادراك معاني الجزئية التي هي معاني تلك الصور المجردة و اذا دارت دوراً آخر القي عليها فلك الشمس مثالها و استخرجت ما فيها من جنسها و هي المادة الثانية السارية فيما ذكر النافذة فيها و محلها منها محل القطب من الرحي و اذا دارت دوراً آخر القي عليها الكرسي مثاله و استخرج ما يجانسه و هي صدر ذلك المركب و فعله ادراك الصورة الكلية و اذا دارت عليها دوراً آخر القي العرش مثاله عليها و استخرج ما يكون فيها من جنسه و
«* الرسائل جلد 2 صفحه 82 *»
هو قلب ذلك المركب و فعله ادراك المعني الكلي هذا اذا كان المركب يطاوع افعال جميع الافلاك فاذ([25]) لميطاوع فربما وقف عند فلك القمر و ربما وقف عند فلك عطارد و ربما وقف عند فلك الزهرة و هكذا و قلّ من يكون فيه جميع ما في عالم الاجسام فيه بالفعل فضلاً عن انيكون جميع ما في العالم فيه بالفعل من الاجسام الي الافئدة و ما فوقها.
و بالجملة اذا صار جميع ما في المركب بالقوة بالفعل يصير ذلك المركب اعلي و اشرف و اقوي و اقدر و اقهر و اوسع من جميع بسائطه اذ كل واحد من بسائطه مصور بصورة خاصة فاعل فعل واحد و لايقدر علي انيفعل الاخر فلايقدر العرش انيفعل فعل الكرسي و كذا العكس و هما لايقدران انيفعلا فعل الافلاك و كذا العكس و هي لاتقدر انتفعل فعل العناصر و كذا العكس و اما المركب من الجميع بحيث يصير سر جميعها فيه بالفعل يفعل فعل العرش و الكرسي و الافلاك و العناصر جميعاً و بذلك يصير اشبه الكل بالاحد الطاوي لكل ذلك لان الاحد الطاوي يفعل بكل واحد فعلا و لما كان طاوياً للكل كان فعل الكل فعله فهو الفاعل بجميع الافعال بآلاته و اسبابه و ليس لكل آلة و سبب انيفعل فعل الكل و اما ذلك المركب يفعل فعل الكل اذ فيه من الكل شيء و لذلك صار ابسطها و اشرفها و اعلاها و اشبهها بالاحد الطاوي فلذلك صار آية الاحد و علامته و وجهه و نوره و تمثله و نفسه و عينه و عنوانه و هكذا سائر التعبيرات و ليس كذلك واحد من البسائط لا العرش و لا الكرسي و لا الافلاك و لا العناصر كما هو مشاهد محسوس.
فاذا بلغ امر المركب هذا المبلغ يصير عناية الاحد الطاوي كلها اليه لانه هو محل نظره و مجلي جميع شئونه و مظهر جميع انواره فهو الغاية المنظورة من خلق جميع البسائط لولاك لماخلقت الافلاك فاذا وجد مركب هكذا يقوم بين سائر الافراد الناقصة و يدعوهم
«* الرسائل جلد 2 صفحه 83 *»
الي نفسه و الي اللّه الاحد جل شأنه فمن اطاعه من الافراد اطاع اللّه سبحانه الاحد و من عصاه عصي اللّه سبحانه الاحد و لا سبيل للافراد الناقصة الي اللّه سبحانه الا بسبيل ذلك المركب اذ لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار اذ الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها.
و الذي اقام مقام جميع المراتب لايكون الا المركب من الجميع فتدرك مشاعر كل رتبة ما هو من جنسهم و يمكن لهم انيعرفوه و يأتوه@يؤتوه خل@ و يسألوه و ذلك المركب هو مقامات اللّه سبحانه في كل مكان يعرفه به من عرفه لا تعطيل له في كل زمان و اوان من عرفه عرف اللّه و من جهله جهل اللّه و من اطاعه اطاع اللّه و من عصاه عصي اللّه و هكذا كل ما يضاف اليه يضاف الي اللّه سبحانه و كل ما يضاف الي اللّه يضاف اليه و ليس للّه سبحانه اسم جامع لجميع الصفات الكمالية الا ذلك المركب فما يضاف اليه ليس مطابقاً لما يضاف الي اللّه سبحانه بل ما يضاف اليه ما يضاف الي اللّه سبحانه فهو بنفسه ظهور اللّه بالمضاف اليهية فمن اراد اللّه بدأ به و من وحده قبل عنه و من قصده توجه اليه و من تولي عنه تولي عن اللّه سبحانه هب تولي عنه من تولي فبأي جهة و بأي شيء بعده يؤمنون و يستمدون؟ أمن العرش الذي يفقد جميع الفعليات الا فعلية واحدة؟ ام من الكرسي الذي هو كالعرش له صفة واحدة؟ ام من الافلاك التي كذلك؟ او من العناصر الكثيفة التي لاتكون لها الا صورة الانفعال من الجمادات و الاحجار و المعادن؟ ام من النباتات و الاشجار؟ ام من الحيوانات كالبقر و الغنم و الكلب و الخنزير و غيرها؟ و كل ما ذكر تكون رتبتها دون الانسان بمراتب شتي ام من الاناسي العاجزين المماثلين له في العجز؟ ام من الامثلة؟ ام من الاجنة التي هي دونه؟ و ليس في الملك الا هذه و امثاله. ام يستمد من الاحد الذي لاتدركه الابصار و المشاعر؟! فليس لهم ملجأ الا الي ذلك النور الذي هو نور السموات و الارض
«* الرسائل جلد 2 صفحه 84 *»
فأين يذهبون؟ ان هو الا ذكر للعالمين فبأي حديث بعده يؤمنون؟ قال سبحانه من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و قال ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و قال ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه و قال نبيه9 من رآني فقد رأي الحق و قال وليه صلوات اللّه عليه في صفة النبي9استخلصه في القدم علي سائر الامم اقامه مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار اي لاتدرك الاحد المحيط الابصار المحاطة الظاهرية و لاتحويه خواطر الافكار اي المشاعر البرزخية لان المحيط لايحاط و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار اي المشاعر الحقيقية لان الحق لايتمثل بالحقيقة لا اله الا اللّه الملك الجبار اي الذي لا اله الا هو هو الملك الجبار و الاحد لايوصف سبحان ربك رب العزة عما يصفون لشهادة كل صفة انها غير الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير الصفة و شهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل فكمال التوحيد نفي الصفات و ان لاتتوهمه كما علمنا اللّه بلسان وليه الناطق بالحق صلوات اللّه عليه و آله و الحمد للّه علي نعمائه و له الشكر علي افضاله.
بقي هنا شيء و هو ان المركب من الاشياء الممتزجة المنفعلة بعضها من بعض لايمكنه تأثير خاص بل تأثيره ايضاً مركبة كما ان السكنجبين الحاصل من الخل و السكر لايمكنه تأثير الخل وحده و لا تأثير السكر وحده بل يكون تأثيره كنفسه ايضاً مركب بين الحلاوة و الحموضة فمن احتاج الي الحموضة المحضة او الي الحلاوة المحضة لايغنيه السكنجبين يقيناً و الحكمة لايخصص بشيء ابداً ابداً من الدرة الي الذرة فالمركب من مجموع الملك لاينبغي له الا تأثير مجموعي و التأثير المجموعي لايليق به الا المركب من المجموع و لا شك ان مراتب الخلق متفاوتة جداً جداً و كل منها يحتاج الي ما يشاكله و حفظ الصحة لايكون الا بالمثل فيجب
«* الرسائل جلد 2 صفحه 85 *»
انيكون مدد اللطائف لطيفاً و الكثائف كثيفاً فأهل الافئدة لايقنعون بالمدد العقلي و اهل العقول لاينبغي المدد الفؤادي لهم و لايقنعون بالامداد الروحية و النفسية و كذا اهل الارواح و النفوس لايليقون بالامداد الفؤادية و العقلانية و لاينبغي لهم الامداد مما يكون لما دونهما و هكذا يجري هذا الحكم في كل ذرة من الملك هذا، و المركب لايمكنه ادراك شيء خالص بل يدرك شيئاً مجانساً له اذ الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها فكيف المخلص؟
فالجواب لا شك فيما ذكر من الايراد و لكن لنا دقيقة يحصل بها المراد و هي ان المركب من اللطيف و الكثيف و من العالي و الداني ليس حكمه كحكم المركب من اللطيفين او من الكثيفين فلايجري حكم السكنجبين مثلا علي ذي المراتب من المركبات و شرح ذلك ان بدن الانسان مركب من العناصر الاربعة بعد صيرورتها الي الكيان الثلثة و يتحلل آناً فآناً و يستمد من الاغذية الخارجية بدلا لما يتحلل منه و من المعلوم ان الاشياء الخارجية ليست مشاكلة لبدن الانسان و انما تتشاكل به تدريجاً كما نري انه اخذ من الاشياء الخارجية فمضغها اولا في فيه و تحصل لها مشابهة ما ثم ازدردها و ارسلها الي المعدة فطبختها و نضجتها فتدفع فضولها الي الامعاء ثم الي الخارج و ارسل صوافيها الي الكبد فطبختها الكبد بقوتها التي استودعها اللّه فيها فتصير اشبه لبدن الانسان مما قبل ذلك و يسمي هذا المطبوخ في الكبد كيموساً كمايسمي المطبوخ في المعدة كيلوساً و هذا الكيموس لها ثلث مراتب كما يكون لكل مركب ثلث كيان ماء و دهن و ملح فيميز مميزة الكبد بين صافيها و طرطيرها و لكل واحد منهما ايضاً كيان ثلثة و لما كانت الطبيعة محتاجة الي هذه الطراطير الكبد لمتدفعها الي الخارج الا الطرطير المائي الذي فيه البورقية و فيها فساد البدن فتدفعها من طريق الكلية الي المثانة الي الخارج و يبقي ما ليس فيه البورقية
«* الرسائل جلد 2 صفحه 86 *»
في اجواف الاعضاء لترطيب الاعضاء و يسمي هذا الطرطير بالبلغم و هو الطرطير المائي و اما الطرطير الدهني فتدفعها الطبيعة الي المرارة و ذخرتها لاحتياجها اليها في ترقيق الدم و توسيع المجاري الضيقة و تغسيل الامعاء لحدتها و تسمي بالصفراء الطبيعية و تدفع الارضية الي الطحال و خزنتها فيه لاحتياجها اليها لتحليل الغذاء الوارد الي المعدة بصبها فيها و لدغدغة فم المعدة للتنبيه بالجوع و لغسل المعدة من الاخلاط اللزج متشبثة بسطحها و غير ذلك من الحوائج و يسمي هذا الطرطير بالكون الارضي و الملحي و السوداء الطبيعية عند الاطباء و هذه الطراطير الثلثة لاتتركب بعضها مع بعض لاحتياج الطبيعة الي كل فرد فرد منها بفردانيته ثم ترسل الصافي من مجاري الجداول و العروق الي الاعضاء فتطبخه الاعضاء مرة اخري فتدفع طراطيره الثلثة الزائدة عن حاجة البدن عرقاً و وسخاً و شعراً و تمسك ايضاً هنا بعض الطراطير لاحتياجها اليه كما تمسك اولا لترطيب الاعضاء و تنفيذ الغذاء و تفتيح المسام كما مر في الكبد و هذه الطراطير ايضاً لاتتركب و لاتمتزج لاحتياج البدن الي كل فرد فرد منها بانفرادها ثم ترسل الباقي الصافي الخالص من مجاري العروق الشعرية الي الاعضاء فتتصرف فيه قوة المشبهة ثم تتصرف فيه قوة المصورة فيصير جزء البدن بعد ذلك فالبدن مركب من هذا الجوهر الخالص الصافي لا من الصفراء و البلغم و السوداء الفاضلة الطبيعية المدخرة لمصالح شتي فحينئذ اذا اراد المريد انيفعل فعلا مائياً خالصاً او نارياً خالصاً او ترابياً خالصاً يمكنه باجرائه علي ايدي تلك الطراطير المنفردة الغير المختلطة المدخرة لذلك و صارت تلك الطراطير حية بفضل حيوة البدن و ظلها كما نري انه اذا حصل خلط في المعدة لزج و يبقي فيها مدة يصير دوداً حياً بفضل حيوة البدن.
بالجملة، فاذا اراد المريد آثار الغضب في ممالك البدن اشرق علي مرة
«* الرسائل جلد 2 صفحه 87 *»
الصفراء فتذاب و تشتعل و تسري الي كل الاعضاء و تشايعها الاعضاء لانها اذا اشتعلت تؤثر في نفس الاعضاء بسخونتها فتسخنت الاعضاء كما ان الدواء الحار تسخنها فصارت الصفراء حينئذ كالخميرة في العجين فتكمل البدن بفضل ما فيها بالفعل ما فيه بالقوة و تستخرجها الي الفعلية فيصير حينئذ جميع البدن حاراً مشتعلا بالغضب و كذا اذا اراد الحلم اشرق علي البلغم و يرسله الي سائر الاعضاء و يحدث الحلم و اذا اراد الجبن حرك السوداء و يرسلها الي الاطراف و يحدث الجبن و اذا اراد الشهوة اشرق علي الدم و احدثها كما مر في الغضب حرفاً بحرف و ان لميكن في البدن هذه الطراطير منفردة خالصة غير ممتزجة لايمكنه افعالا خالصة صرفة البتة فاذاً ارتفع الاشكال و الحمد للّه فاذا ارتفع الاشكال في جميع المراتب ان شاء اللّه لان الحكمة لاتخصص بشيء اذا جري حكمه في شيء من الاشياء يجري في جميعها بلا اشكال.
فنقول اذا صعد الجماد و صفي و اعتدل يظهر فيه روح النباتية و هي بعد ظهورها منه مااستغني منه لانها من صوافي العناصر و مددها منها و لابد لها من الاستمداد منها فبعد ظهورها لمتدفع الجمادية و لمتخلعها و كذا اذا لطفت النباتية و ظهر منها روح الحيوة لمتستغن منها بل يحتاج اليها و الي الجمادية ايضاً فيستمد منهما و يظهر افعالها منهما و لولاهما لمتستمسك نفسها و كذا اذا لطفت هذه الثلثة الي ان تعلق بها نفس الانسانية لميستغن عنها الانسان مادام في الدنيا و يحتاج اليها في اجراء افعاله في الدنيا و اكتساباته منها من العلوم التي في متعلقاتها و هكذا الامر في الانسان فما فوقه و كل رتبة دانية يد للعالي في اجراء فعله في الداني و في عرصة الداني و الداني خالص في دنوه محض لايمازج العالي ابداً فاذا اراد العالي فعلا خالصاً محضاً في مرتبة من المراتب يتجلي بفضل حياته بما له في تلك الرتبة و انما يجري فعله علي يد ما يكون فيها كما روي تجلي
«* الرسائل جلد 2 صفحه 88 *»
لها فأشرقت و طالعها فتلألأت فألقي في هويتها مثاله فأظهر عنها افعاله. نعم، لو لميكن للعالي في رتبة الداني مظهر او مرآة يظهر فيها لميظهر منه فعلاً و اثراً في تلك الرتبة لانه بعد خلع اللباس الداني عن نفسه يتمحض فيما له من العوالم و يتوجه الي ربه بالكلية فلايتصرف في الداني بعد ذلك و ذلك سر وجوب وجود شخص متلبس في رتبة الداني في جميع القرون و الاعصار لئلاينقطع الفيض من الداني و لو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و للبسنا عليهم ما يلبسون و لذا روي لنتخلو الارض من حجة لكي ان زاد المؤمنون شيئاً ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و لولا ذلك لالتبس علي المؤمنين امورهم و في اخري لولا ذلك لساخت الارض بأهلها انتهي. ماارسلنا من رسول الا بلسان قومه.
مقدمة اخري
اذا ظهر و تبين من المقدمة السابقة ان المعرفة لاتقع علي ذلك([26]) من الذوات ابداً ابداً و انما تقع علي الصفات و الاثار و التجليات و الايات و العلامات و العنوانات و غير ذلك من العبارات المتشتتة الظواهر المتوحدة المعني كما قال سبحانه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و لميقل سنريهم ذاتنا و قال وليه صلوات اللّه عليه و آله الطريق مسدود و الطلب مردود دليله آياته و وجوده اثباته فاذا كان الامر كذلك فلنطلب الان معني الصفة و الموصوف و الاية و ذيالاية و الاثر و المؤثر و العلامة و ذيالعلامة و ان تقدم شطر من ذلك و لكن نطلب ازيد من ذلك فنقول ان علامة الشيء عند العرب و العجم و عند جميع الناس ما يخبرك عن الشيء بحيث اذا تراها تعرف ذا العلامة بكنه معرفته و قد تسمي العلامة بالانموزج فأنت اذا اردت بيع الحنطة و عندك انبار منها لميطلع عليها
«* الرسائل جلد 2 صفحه 89 *»
احد تقبض قبضة منها و تريها علي المشتري و تقول ان لي انباراً من ذلك الجنس فيراها المشتري و يشتري الانبار او بعضها و انت اذاً صدقت و صدقك المشتري و غيره علي ذلك بل و صدقك اللّه و رسوله و المؤمنون و اما اذا كان عندك انبار من الحنطة مثلا و تقبض قبضة من الشعير او غير ذلك من الحبوب غير الحنطة و تعرفها للمشتري و تقول ان لي انباراً من ذلك الجنس كذبت حينئذ و كذبك اللّه تعالي و رسوله و المؤمنون و جميع الناس لانها لاتتصف بصفة الحنطة يقيناً و تعد خائناً خاسراً فاسقاً و تتضيع و تفتضح عند اللّه سبحانه و عند رسوله و المؤمنين و الناس اجمعين.
فاذا كان الامر كذلك فما ظنك باللّه الرؤف العطوف الهادي الغير المغري بالباطل هل تعرف نفسه لك و يريك آياته في الافاق او في نفسك علي خلاف ما هو عليه من الصفات الكمالية و الانوار الجمالية مما ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله او يريك آيات واضحات و علامات نيرات كما هو اهله و كما اختار لنفسه فاختر لنفسك ما يحلو فيجب انيكون الاثار علي صفة المؤثر لامحالة و الا لميكن الاثار آثاره بل تكون آثار غيره و الاثار هي تمثلات المؤثر و الصفات ظهوراته و هي هو وجوداً و عياناً و اتحاداً و ليست هي هو احاطة و كلاً و جمعاً. قال7 لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن لكن هو هو و نحن نحن فللصفات مع الذات حالات فيها هي هو و هو هي وجوداً و ظهوراً و ليست هي هو كلاً و جمعاً و احاطة فهي هي في تلك الحال و هو هو و الظاهر في الظهور اظهر من الظهور و الذات في الصفات اظهر من الصفات فاذاً لاظهور و لا صفات فالذات غيبت الصفات كمال التوحيد نفي الصفات عنه اماتري ان زيداً في القيام اظهر من القيام و ليس القيام الا زيد المتهيئ بهيأة القيام([27]) و هو اظهر من القعود لان القعود ليس الا زيد المتهيئ بتلك الهيأة و هو
«* الرسائل جلد 2 صفحه 90 *»
اظهر من الركوع و السجود لانهما ليسا الا زيد المتصف بتلك الصفة فاذاً لا قيام و لا قعود و لا ركوع و لا سجود.
ما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
نعم القيام غير القعود و هما غير الركوع و السجود و لكنها ليست بغير زيد فغيوره تحديد لماسواه لا اله الا اللّه وحده وحده.
مقدمة اخري
لا شك ان الناس مكلفون بمعرفة اللّه سبحانه و عبادته في كل زمان و اوان و لاتخص بزمان دون زمان بالاجماع و الكتاب و السنة قال سبحانه ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و قال الامام7 اي ليعرفون فمادام الخلق خلقاً يجب عليهم معرفته سبحانه و غاية خلق الخلق هي المعرفة و العبادة و لولاهما ليبقي الخلق بلا غاية و الخلق بلا غاية لايصدر من الحكيم البتة فلولا ان اللّه سبحانه يحب المعرفة و العبادة لايخلق شيئاً ابداً للزوم اللغو و العبث و الحكيم تعالي عن ذلك علواً كبيراً ربنا ماخلقت هذا باطلا فاذا خلق الخلق لاجل المعرفة لايعقل انيكلفهم بها في زمان دون زمان و عصر دون عصر. في القدسي: كنت كنزاً مخفياً فأحببت اناعرف فخلقت الخلق لكياعرف و بعد تأويل الجملة بالمفرد بواسطة ان المصدرية يصير المعني: كنت كنزاً مخفياً فأحببت المعرفة فخلقت الخلق لاجل المعرفة فجعل المعرفة سبباً لايجاد الخلق و علة له فلايوجد موجود بدون الايجاد و لا معلول بدون العلة و ذلك مبرهن مشروح في محله ان اللّه سبحانه بذاته مقدس عن مباشرة الخلق و ايجاده لانه لايتغير و لايتبدل و الخلق يتغير و يتبدل دائماً فيجب انيكون العلة من صقع المعلول و لولاهما لماكان المعلول معلولاً كما هو مشاهد ان شاء اللّه ثبتنا اللّه بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الاخرة و جعلنا من المتمسكين بعروة محمد و آله الطاهرة ما
«* الرسائل جلد 2 صفحه 91 *»
طاشت النقطة في الدائرة صلوات اللّه عليهم اجمعين.
و هذه مقدمة سهلة الالفاظ و الظواهر، صعبة المعاني و البواطن و واللّه انها لكبيرة الا علي الخاشعين الذين سبقت لهم الحسني من رب العالمين قد جعل اللّه سبحانه الفاظه سهلة مجمعاً عليها بين الطوائف لتكون ارشاداً للمسترشدين و حجة علي الجاحدين ليحيي من حي عن بينة و يهلك من هلك عن بينة و لرب مفصل جعله اللّه سبحانه مخزوناً في المجملات ليحفظ و ليصل الي اهله من دون توحش و اضطراب و يحرم الاجنبي عنه و قد كانت تلك المجملات حجة عليه عند انكار فروعها و تفاصيلها فقد انكسرت ظهور المنافقين المظهرين للاسلام بين المسلمين حيث انكروا تمام الكلمة التامة و بقية اللّه فجعلهم اللّه اوعية من السوء يملؤها علماً ليكون حسرة عليهم يوم القيامة. اللّهم لاتجعلنا من المعارين و لاتخرجنا عن حد التقصير لانك انت بالاجابة جدير بمحمد و آله و شيعتهم الانجبين يا اكرم الاكرمين و يا ارحم الراحمين و لاتشمت بنا اعداءنا يا خير المسئولين و اوسع المعطين و افعل بنا ما انت اهله و لاتفعل بنا ما نحن اهله و مستحقه فانك ذو الفضل العظيم.
مقام
فنقول بعد هذه المقدمات المسددة التي لايتطرق فيها شبهة و لا شك و لا ريب ان اللّه سبحانه لما كان متعالياً من انيدركه مدارك المدركين او يصل اليه معرفة العارفين او يقع عليه عبادة العابدين لمينزل عن مقامه الي مقام خلقه حتي يعاينوه فيعرفوه و لا سبيل لهم اليه ليشاهدوه خلق لنفسه اقواماً فجعلهم جاهه و وصفه و نوره و وجهه و جعل معاملتهم معاملته و معاملته معاملتهم و جعلهم وكراً لمشيته و ممكناً لارادته و مقدراً لتقديراته و حاكماً لقضائه فاذا اراد شيئاً حرك من سرائرهم ما استبطن فيهم فيجري
«* الرسائل جلد 2 صفحه 92 *»
بأيديهم ما اراد اجراءه و نسب كل ذلك الي نفسه لانهم صلواته عليهم نفسه و عينه فمن اراد من خلقه معاملة معه يعامل معهم و من تولي و اعرض عنه اعرض عنهم و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيامة اعمي. قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيرا في ظاهر الحيوة الدنيا فأجابه بانه کذلك اتتك آياتنا فنسيتها اي ترکتها فـكذلك اليوم تنسي اي تترك و اولئك الاقوام لايكونون من ادني الخلق و اسفلها بداهة لانه سبحانه اراد من العباد التخلق بأخلاقه و اخلاقه السعة و الاحاطة و النور و الخير و العظمة و العزة و الكبرياء و غير ذلك من صفاته العليا التي وصف نفسه بها و اسفل الخلق اضيقه و شره و اظلمه و اذله و احقره أفمن يهدي الي الحق احق انيتبع امّن لايهدّي الا انيهدي؟ و كذا لايكونون من اواسط الخلق للزوم المحذور فيكونون من اعلي الخلق و اشرفهم و اكرمهم و اوسعهم عند اللّه و اعلاهم و اولهم.
و الاول باجماع اهل الاسلام محمد صلوات اللّه عليه و آله و باجماع الشيعة اولاده الطاهرون من طينته و نوره فهم جميعاً اول الخلق و اعلاه كما في الزيارة الجامعة المجمع عليها المقررة المسددة من عند اللّه سبحانه اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض فجعلهم اللّه جاهه الذي لو ظهر بنفسه يقوم فيه كما ظهر بنفسه و قام فيه و امر من سواهم بطاعتهم و الانقياد لهم و عبادتهم و جعل جميع ما يضاف اليهم ما يضاف اليه و ما يضاف اليه ما يضاف اليهم فقال اطيعوا اللّه و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم و قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و من تولي فماارسلناك عليهم حفيظاً و في الزيارة من اطاعكم فقد اطاع اللّه و من عصاكم فقد عصي اللّه و في دعاء الاذن في الدخول في حرم الحسين7 الذي قد دعا به جميع الشيعة من العلماء و الحكماء و العرفاء في جميع الاعصار و لميجسر ناصب علي محوه و حكه و ان حكوا نظيره من
«* الرسائل جلد 2 صفحه 93 *»
زيارة ابيه علي7 و هو: عبدك و ابن عبديك المقر بالرق و التارك للخلاف عليكم و معلوم ان فعل العبد هو العبادة لا غير و لكن العبادة هنا هي الطاعة كما ان الطاعة هي العبادة و كذا في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و في زيارة السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و في زيارة مولانا امير المؤمنين7 السلام علي نفس اللّه القائمة فيه بالسنن و عينه التي من عرفه يطمئن و هذه العين ليست ببصر لانه قد رأوه في حياته7 و لميطمئنوا بل معني العين هنا هو النفس لانك اذا طلبت شيئاً و تري عينه تطمئن و ان لمتر عينه لمتطمئن البتة لان معرفة شيء لايصير سبباً للاطمينان في شيء بل الاطمينان يحصل في معرفة الشيء نفسه.
و هذه المعرفة هي المعرفة بالنورانية لا معرفة ظواهرهم التي يرونها كل احد مؤمناً كان او كافراً او منافقاً بل حيواناً و لايري تلك النورانية الا المؤمن الخالص في محبته و لا كل من يدعي ولايتهم و قد انكر فضائلهم و تلك النورانية هي التي علمها7 لسلمان و ابيذر روحي فداهما حيث قال7 يا سلمان و يا جندب ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عز و جل و معرفة اللّه عز و جل معرفتي و ليس المقصود ان معرفتهم معرفة و معرفة اللّه معرفة اخري و معرفتهم معرفته و مثل معرفته. تعالي اللّه و تعالوا عن ذلك اذ ليس معرفة شيء معرفة شيء آخر ابداً ابداً هل تكون معرفة زيد معرفة عمرو و معرفة الحر معرفة البرد و معرفة الحلاوة معرفة الحموضة و معرفة الاحمر معرفة الاسود؟ حاشا و كلا. بل معرفة كل شي معرفة نفسه لا معرفة شيء آخر ابداً و ما هكذا الظن بهم: فتكون معرفتهم عين معرفته و ليس للّه سبحانه معرفة الا معرفتهم و ليس لهم معرفة الا معرفة اللّه عز و جل. فمن رآهم و لمير اللّه لميرهم و انما يري شيئاً آخر و سماه اياهم و هم بريئون من شيء لايري فيه اللّه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 94 *»
سبحانه و لايمكن لاحد ممن عرفهم كما هم ظهروا له انيراهم و لميري اللّه و ذلك محال و لايمكن لاحد ممن عرف اللّه سبحانه انيعرف اللّه سبحانه و لميعرفهم كيف لا و هم ظاهر اللّه سبحانه في سمائه و ارضه كما في دعاء رجب: بهم ملات سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت و يا ليت عرفت لحن العبارة حيث يقول سماءك و ارضك و لميقل: السماء و الارض و ماعرفته ان كل مطلق يملا سموات افراده و ارضها حتي يظهر انه ليس في ديار الافراد غير ديار المطلق كما تري ان الجسم المطلق يملا سماءه و ارضه حتي لظهر انه ليس الا الجسم فكذلك حالهم: لانهم هم الذين يملأون سماء اللّه و ارض اللّه حتي ظهر انه لا اله الا اللّه لانهم بأنفسهم صفات اللّه و اسماؤه جميعاً غيبية و شهادية و سماوية و ارضية ليس شيء الا هم. ما في الديار اي ديار اللّه سواه لابس مغفر و هو الحمي اي حمي اللّه و الحي اي حي اللّه و الفلوات اي فلوات اللّه.
بالجملة، لهم مقامات عند اللّه لايعرفها الا اللّه سبحانه و المراد انه لايمكن لاحد انيراهم و لايري اللّه سبحانه الا من عمي عن ابصارهم نعوذ باللّه و آية ذلك انك تري زيداً في حالة القيام و القعود و الركوع و السجود و هل يمكن لك انتري القيام اي قيام زيد و لاتري زيداً؟! معاذ اللّه، لان قيامه قيامه و هو هو لا غيره و ليس قيامه الا زيد المصور بالقيام و ليس للقيام شيء من غير زيد و من عطاء غيره بل كلما له لزيد و من عطائه اوجده لا من شيء و ظهر له به بلا كيف و هو الظاهر فيه و الظاهر اظهر في الظهور من نفس الظهور فهو اولي به من نفسه فهل يمكن لاحد انيري قيام زيد و لمير زيداً او يري زيداً في ذاته من دون ظهوره له؟ نعم، اذا ظهر العالي في المقامات الدانية و يلبس لباس الادني يشتبه الامر للاداني الذين ليس لهم مشعر ادراك العالي فاذا وصف لهم ان العالي كذا و كذا و هذا الداني آيته و وجهه تحير و يقول انا لااري منه من العالي شيئاً و
«* الرسائل جلد 2 صفحه 95 *»
اري منه مااري من غيره كزيد الذي هو انسان اذا ظهر في رتبة الحيوان لايري الحيوان منه الا ما يري في ابناء جنسه و اذا قلت له ان هذا و ان كان له حيوانية من جنسك و لكن قد ركب علي حيوانه الانسان و قد ظهر من وجهه نور الانسان. الا تري انه عليم و حليم ذكور فكور نبيه حكيم نزيه تحير و اراد انيري تلك الصفات بعينه او يسمع باذنه او يشم بأنفه او يذوق بلسانه او يلمس بأعضائه و كلما تفحص عن تلك الصفات بمشاعره لايمكنه ادراكها و يقول انا مااري ذلك و كلما تقول له اقطع النظر عما يري منه او يسمع او يذاق او يشم او يلمس لانها ليست من صفات الانسانية تحير اكثر و اضطرب و يقول اذا اقطع النظر عن ذلك كله فما شيء بعد ذلك و اما اذا وصفت زيداً لانسان آخر بأنه كذا و كذا يصدقك فيما تقول لانه يدرك منه ما تدرك انت منه.
فجميع الدواهي و كل المشكلات و الاشتباهات في البسة العالي و ربما اشتبه علي احد بعض البسته عليه فوصفه بصفات الالبسة فوقع اذا ابعد مما بين السماء و الارض و يغلو في دين اللّه و يقصر لانه من حيث انه يصف العالي باللباس يقصر في حق العالي و من حيث انه يعتقد ان اللباس هو العالي و يصفه بصفة العالي يغلو في حق الداني فالنمرقة الوسطي هي ان العالي اذا ظهر في رتبة الداني و انت تريد العالي تقطع النظر عن الداني و صفاته و تتوجه الي العالي و لاتري الا العالي و لايمكن ذلك الا بأنتغفل من الداني و صفاته بالكلية فاذا غفلت عن الالبسة و لوازمها تصل الي اللابس و الا لمتصل اليه و ان ادعيت ذلك كذبت و لايرضي العالي بذلك و لايصدقك البتة كما ان زيداً من اعلي مراتبه الي منتهي ظهوراته و آثاره و آثار آثاره الي ما كانت له من النفوس و جميع تعبيراتك عن زيد تطابق عليه في عالم النفوس و له صفات من العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و خاصيتان النزاهة و الحكمة فاذا نزل الي عالم البرزخ
«* الرسائل جلد 2 صفحه 96 *»
و ركب حيواناً برزخياً له خصال من السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و خاصيتان الشهوة و الغضب و انت تراه في البرزخ دائماً راكباً علي الحيوان او لابساً لباس الحيوان و تصفه بصفة الحيوان و تقول يا زيد انك انت السامع البصير الشام الذائق اللامس الشاهي الغضوب و تزعم ان هذه الصفات مما بها زيد زيد غفلت عن زيد البتة لان هذه الصفات ليست من زيد و لا اليه و ليست بأفعال زيد و لا بآثاره و لا بآثار آثاره ابداً و انما هي خصال الحيوان الزائل العائد الي بسائطه عود الممازجة و الفساد و البطلان فأين الانسان من خصال شيء هو بنفسه زائل فان و هو ابدي دائم لايزول و كذا اذا نزل مع لباسه الحيواني الي عالم النباتات التي خصالها الاكل و الشرب اي الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و النماء و الزيادة و النقصان فاذا وصفت زيداً بأنه هو الاكل الشارب الماسك الهاضم الدافع النامي الزائد الناقص غفلت حينئذ عنه و وصفته بنبات يكون فعلياته هذه الخصال و هو بنفسه زائل عائد الي العناصر عود الممازجة و بطلان الكينونة و الصورة و زيد باق دائم ابداً و كذا اذا لبس مع لباسيه الحيواني و النباتي لباس الجماد الذي خصاله الطول الجسماني العرضي و عرضه و عمقه و وزنه و كيفه و غير ذلك من خواص العناصر العرضية الدنياوية و انت توصفه بأنه هو الطويل العريض العميق الوزين الحار اليابس البارد الرطب الحلو الحامض و غيرها من خواص الجماد غفلت عنه بالكلية و اين هو و هذه المواد فضلا عن خواصها و لوازمها و هذه المواد الثلثة و لوازمها و خصالها اي الحيوانية و النباتية و الجمادية ليست تبدأ من زيد فلاتعود اليه و كل شيء يرجع الي اصله و ليست هذه المراتب الثلث بتنزل زيد و لا بأثره مطلقاً ابداً ابداً و انما هي اعراض و البسة لبسها و خلعها و ليست هي بزيد و لا من زيد و لا الي زيد مطلقاً و لاتنسب الي زيد قبل نزوله فيها و لاتنسب
«* الرسائل جلد 2 صفحه 97 *»
اليه حين نزوله فيها و لاتنسب اليه بعد صعوده عنها و ان هي الا كقميص علاه قباء و علاه عباء فكما ان القميص و القباء و العباء ليست من فعليات زيد و لا بآثاره و لا بصورته و تنزله و انما هي من صوف و قطن و لايوصف زيد بخواص القطن و الصوف و خصاله قبل تلبسه بها و حين تلبسه بها و بعد خلعه اياها و لكن قد قصر انظار الناظرين الغير المبصرين عن درك رتبة الاعراض الذاهبة الجائية و تفريقها عن اصل كينونة زيد الاصلي و لما رأي القاصرون زيداً دائماً في لباس اسود في الدنيا زعموا ان هذا اللباس الاسود جزء الموضوع له للفظ زيد و الحال ان زيداً لايصدق عليه ابداً ابداً و انما يصدق علي زيد الاصلي الذاتي الذي لايزيد بزيادتها و لاينقص بنقصانها ابداً و و اللّه ليس حال القاصرين الا كحال الطحان و المستطحن و ليست الا كحال الاحمق المعروف و القرع. قال تعالي: اما الزبد فيذهب جفاء و اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض و ليست هذه الاعراض الا زبد@زبدا ظ@ و ليست بزيد و لكن من لميتعلم الحروف كما هي يزعم الموحدة المثناة و اين ذا و ذاك و ان هو الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه اي اذا مات لميجده شيئاً.
و قد شرح احوال([28]) اميرالمؤمنين7 في جواب الاعرابي ما يكون قريباً من هذه الالفاظ و اما النفس النباتية فلها خمس قوي الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و النما و خاصيتان الزيادة و النقصان بدء ايجادها من صوافي الاغذية و العناصر و سبب فراقها اختلاف المولدات فاذا عادت عادت عود ممازجة لا عود مجاورة و اما النفس الحيوانية فلها خمس قوي السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و خاصيتان الرضا و الغضب بدؤها من الافلاك و سبب فراقها اختلاف المولدات فاذا عادت عادت عود ممازجة لا عود مجاورة.
«* الرسائل جلد 2 صفحه 98 *»
بالجملة ليس المقصود الا ان المراتب الدانية لاتطلق علي المراتب العالية علي حقيقة المطابقة و من اطلقها عليها فقد قصر و غلا و من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة اللّهم الا انها تطلق عليها للاقتران و التلاحق و من عرف ذلك لايضره شيء كما انك لو رأيت دار زيد تذكرت زيداً و كذا لو رأيت بستانه و فرسه تذكرته بل اذا رأيت رفيقه و جاره و كل من يلازمه تذكرته و ليست هذه بزيد و لا منه خرجت و لا اليه تعود. اماتري ان زيداً يذهب الي بلد آخر و هي ثابتة في محلها لاتذهب معه و اثر الشيء و صورته و اشباحه لايفارقه ابداً و اماتري انك ان لمتعرف زيداً و رأيت هذه المذكورات بعينها لمتتذكر زيداً ابداً فلاتكون هذه اشباحها([29]) من زيد و لا الي زيد و لكل منها مبدأ مخصوص به و معاد مخصوص به فلربما كان زيد مؤمناً من مبدئه الي منتهاه و هذه المذكورات كافرة من مبدئها الي منتهاها و انما تكون تنزلات زيد و صفاته و آثاره و اشباحه الي ما يكون له من المنتهي كلها علي صورة زيد شعراً بشعر لا فرق بينها و بينه الا انها عباده و خلقه بدؤها منه و عودها اليه رتقها و فتقها بيده بحيث اذا ظهر لك كلامه تراه مطابقاً لصورته لايخالفه شعراً و كذا لو ظهر لك حركته تراها علي صورته مطابقاً لها لايخالفها شيئاً بل اذا ظهر لك سرعة حركته و بطؤه تراهما مطابقاً لصورته لا فرق بينها و بينه ابداً الا انه ذات و اصل و انها صفات و فروع و اذا تكلمت واحداً من ادني صفاته التي ليس ادون منه تكلمت زيداً نفسه و عينه و هو بنفسه اجابك لا غيره لانه قد طوي بأحديته الاضافية مادونه من الصفات سواء كانت صفات قدسية متصلة او صفات اضافية او صفات فعلية او آثارها فانه بأحديته يكون مع الكل و ليس لمعيته معها حد محدود بل لا نهاية لذلك المعية فاذاً لا شيء سوي زيد لانه اظهر من صفاته من نفس صفاته فاذاً غيبت الصفات
«* الرسائل جلد 2 صفحه 99 *»
و ليس بينونة بينه و بين صفاته و لا غيرية في البين مطلقاً و انما غيريته معها غيرية ذات و صفة لا غيرية ذات و ذات و صفة و صفة و غيوره تحديد لما سواه من صفاته لا غيور نفسه مع صفاته نعوذ باللّه([30]) ان الذين يريدون انيفرقوا بين اللّه و رسله و يقولون نؤمن ببعض و نكفر ببعض و يريدون انيتخذوا بين ذلك سبيلا. فلا فصل و لا فرق و لا سبيل بين اللّه و رسله. قال7 لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك رتقها و فتقها بيدك بدؤها منك و عودها اليك كما انك تري زيداً و لمتره الا في ظهوراته من القيام و القعود و الركوع و السجود و غيرها و لا فرق بين زيد و بينها الا انها ظهوره و نوره تجلي لنا بها و هو اظهر منا@منها خل@ و لايمكن لنا تعقل الفصل و البينونة بينها و بين زيد ابداً و لا شيء لها يكون من اعطاء غير زيد بل كل ما لها لزيد وحده وحده لا شريك له ابداً في صفاته و هو الظاهر منها و الباطن فيها موجود في حضرتها و غيبتها و هي خلفاؤه و القوام بأمره في الاداء اذ كان في ذاته لاتدركه الابصار و هي اسماؤه الحسني و امثاله العليا. قال7 في تفسير قوله تعالي للّه الاسماء الحسني فادعوه بها نحن الاسماء الحسني التي امر اللّه انتدعوه بها.
بالجملة لايمكن لاحد رؤية زيد الا في ظهوراته و اسمائه من اراد زيداً بدأ بها و من وحده قبل عنها و من قصده توجه اليها و لا سبيل لاحد الي زيد الا بسبيل معرفتها و ليس هذه الصفات غير زيد حتي يلزم الشرك نعوذ باللّه بل هو هي بنفسه و هو اظهر منها بحيث اذا تري زيداً في حال القيام او في سائر صفاته لمتلتفت ابداً ابداً انها غير زيد و انها صفات زيد و انواره بل تري زيداً نفسه لا غير بل اذا تأملت في نفس القيام و تعرف القيام كما هو تعرف انه ليس الا ظهور زيد و ظاهر زيد و زيد الظاهر لا غير. في الزيارة من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه
«* الرسائل جلد 2 صفحه 100 *»
اليكم و قال7 و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده و قال7 في صفة النبي9 استخلصه في القدم علي سائر الامم اقامه مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا اللّه الملك الجبار و قال9 من رآني فقد رأي الحق و قال7 لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو فيها نحن و لكن نحن نحن و هو هو و قال سبحانه مارميت اذ رميت و لكن اللّه رمي و قال سبحانه و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال و قال ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و قال بل عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون و قال و اشرقت الارض بنور ربها قال في الزيارة و اشرقت الارض بنوركم و فاز الفائزون بولايتكم و انتم نور الاخيار و هداة الابرار و حجج الجبار بكم فتح اللّه و بكم يختم و قال ان اللّه مع الصابرين و ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون و قال ان اللّه لمع المحسنين و غير ذلك من امثال هذه الايات و من المعلوم انهم ليسوا بشريك للّه سبحانه فمعيته معهم معية لا نهاية لها ابداً.
فما في الديار سواه لابس مغفر | و هو الحمي و الحي و الفلوات |
كما ان زيداً هو الاكل الشارب القائم القاعد الراكع الساجد وحده وحده لا شريك له و هو اولي بها من انفسها و اظهر منها من انفسها كما تري عياناً.
مقام
فرق بين المعبود و جهة العبادة فالمعبود هو الذي عمل لاجله و جهة العبادة هي التي وقع العمل عليه كما اذا كنت عبداً لزيد و هو يعين لك
«* الرسائل جلد 2 صفحه 101 *»
اعمالاً وقع اعمالك عليها من كناسة داره و البيع و الشراء و تعليف دوابه و غير ذلك فأنت اذا كنست داره لاجل امتثال امره و كذا سائر خدماته عبدته حينئذ وحده لا شريك له و اما اذا كنست الدار لا لاجل الامتثال بل لاجل هواك و ميلك او لاجل امتثال غيره فاذاً كفرت به البتة و ان كان صورة عملك لاتختلف لان الاعمال يصح بالنيات و نيتك غير زيد و كذا اذا كنست الدار لميلك و للامتثال معاً اشركت حينئذ معه غيره في عبادته و ان كانت صورة عملك لاتختلف و انت حينئذ منافق البتة لان صورة عملك تظهر ان عملك لاجل مولاك و نيتك علي حسب هواك فيجب انتشعر دائماً بأن اعمالك لاجل امتثاله لا لاجل شيء آخر و ان كانت اعمالك لاتقع الا علي الجهات لانك لاتليق بخدمة نفسه او لاتقدر او يكون بدنه ايضاً جهة من جهات خدمتك اذا خدمته لان العالي اذا اراد تعريف نفسه لاهل رتبة دنيا لبس لباس تلك الرتبة و يظهر بينهم حتي يعاينوه فيعرفوه و ليس هذا اللباس بالنسبة اليه الا كفرسه المركوب له و هو البدن([31]) الظاهري العرضي فأنت اذا توجهت الي هذا البدن و لمتره بل تري ما يکون فيه وصلت الي ما يکون فيه و ان توجهت اليه و لمتر الا اياه لمتصل الي ما فيه بل تصل الي البدن و حينئذ لا فرق بين توجهك الي هذا البدن و بين توجهك الي سائر الابدان من الاناسي و الحيوانات و غيرها لانك لاتري غير العرضي الذي يراه كل احد ممن له عين سواء كان موالياً له او معانداً فحينئذ لايبقي لك خصوصية معرفة بل انت و غيرك سواء و لذا قال7 يا سلمان و يا جندب ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عز و جل و معرفة اللّه عز و جل معرفتي فالمعرفة المطلوبة هي معرفة النورانية بأن لاتري منه الا اللّه و صفاته و اسماؤه.
و اما معرفة هذا البدن العرضي الدنياوي الذي يزيد و ينقص و يجيء
«* الرسائل جلد 2 صفحه 102 *»
و يذهب لا شرافة لاحد معرفته([32]) و جميع المعاندين الجاحدين عرفوه بأنه علي بن ابيطالب ابن عم رسول اللّه و زوج البتول: بل عرفوه بأنه سخي شجاع لايماثله احد و عرفوه انه حكيم عليم خبير مؤمن برسول اللّه9 مجاهد في سبيل اللّه بنفسه و امواله مصل مزك حاج قائم الليل صائم النهار و غيرها من صفاته الحسنة التي يراها كل احد و ليس معرفة ذلك معرفة اللّه سبحانه بل معرفته بالنورانية هي معرفة اللّه عز و جل و ليس ذلك الا معرفة اللّه عز و جل بأنك تغفل عن بدنه العرضي و لوازمه و خصاله و سائر مراتبه العرضية و خصالها و لوازمها و تري اللّه سبحانه فيه كما تري زيداً في بدنه فحينئذ حصل لك المعرفة النورانية و معرفة اللّه عز و جل و لعلك عرفت ان كل ماسوي اللّه سبحانه له7 عرض لانه ليس الا اللّه و ليس الا صفته و نوره و وجهه و جنبه و لسانه و يده و حقه و غير ذلك بل جميع صفات اللّه و اسمائه قد حلت فيه فاذا رأيت اللّه فيه رأيته و اذا رأيته رأيت اللّه و الا لمتره و لمتر اللّه سبحانه لانه لايمكن انيري و لايري اللّه و لايمكن انيري اللّه و لايراه فكل ما تراه غير اللّه غيره تراه و ذلك الغير هو اعراضه ليست منه و لا اليه بل لها مبادي خلقية تنتهي اليها و لاتجاوزها ابداً و هلك فيها من هلك و غلا بل و قصر.
و آية ذلك هل تقدر انتري الماء و لمتره في احد من ظهوراته؟ و هل تقدر انتري ظهوراً من ظهوراته و لاتري الماء؟ و هل تقدر انتري زيداً و لمتره في احد من ظهوراته؟ و هل تقدر انتري ظهوراً من ظهوراته و لمتر زيداً نفسه؟ حاشا و لايمكن ذلك ابداً كما مر مراراً و الحمد اللّه. نعم هذه الاعراض مرايا له7 و هو يري فيها و لايري في غيرها فهي جهاته الي عبيده و امائه و هو بنفسه هو الذي ينتقل في اي صورة شاء و اراد. اللّهم اجعلنا معهم في الدنيا و الاخرة بحقهم و حرمتهم عليك يا ارحم الراحمين.
الي هنا وصل الينا من هذه الرسالة الشريفة
[7] سعيد. خل
[10] عبادته. خل
[13]– انيصير. خل
[14]– معاملة. خل
[15]– ظهور.خل
[16] ظهور.خل
([19]) في الحديث: ميزتموه بأوهامكم
[20]– ادلة. خل
([21]) كمالا و جمالا و جلالا. ظ