01-05 الرسائل المجلد الاول – رسالة في شرح المشاعر الانسانیة ـ مقابله

 

 

الرسالة الخامسة شرح المشاعر الانسانية

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

 

 

فصل (1): في المشاعر التنزلية الدنيوية

المشعر الاول: في قوة السمع

المشعر الثاني: في القوة الباصرة

المشعر الثالث: في القوة الشامة

المشعر الرابع:‌ في القوة الذائقة

المشعر الخامس: في القوة اللامسة

فصل (2): في المشاعر الباطنية‌ المثالية

المشعر الاول: في الحس المشترک

المشعر الثاني: في المتخيلة

المشعر الثالث: في المتفکرة

المشعر الرابع: في المتوهمة

المشعر الخامس: في المتعلمة

المشعر السادس: في المتعقلة

تنبيه: في ان هذه المشاعر الا الحس المشترک موجودة في الحيوانية التي هي مرکب الانسان

الخاتمة: في بيان الحصص الشمسية و الکرسية و العرشية في المولود

فصل (3): في المشاعر الغيبية

المشعر الاول: في المشعر النفساني

المشعر الثاني: في المشعر العقلاني

المشعر الثالث: في المشعر النوراني

المشعر الرابع: المشعر الامري

المشعر الخامس: المشعر الکينوني

 

@مقابله اين رساله با دو نسخه خطي کوچک (س ـ 138 و س ـ 201) مي‌باشد@

 

 

 

الرسالة الخامسة

 

 

فی

 

 

 

شرح المشاعر الانسانية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 394 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

 

الحمد للّه الذي جعل في كل مقام مشعراً يدرك به ما جعله فيه من تجليات نوره من ظواهره و خوافيه و اقدر عباده فيها به علي معرفته و اقتدروا بهذه([1]) علي امتثال امره و صلّي‏ اللّه علي محمّد و آله الذين بهم عرف نفسه لغيرهم و علي اوليائهم الادلاء علي معرفتهم و لعنة اللّه علي اعدائهم المتشعب([2]) منهم سائر الاشقياء من بعدهم.

و بعد يقول العبد الخاسر ابن محمّدجعفر محمّدالباقر غفر اللّه ذنوبهما و ستر عيوبهما بفضله و جوده ان بعض اخواني في الدين وقاه اللّه في العالمين من الالام و شرور المعاندين و رزقني لقاه في زمرة المؤمنين امرني بشرح المشاعر الانسانية الذاتية و سائر مشاعره التنزلية و الاشارة الي نوع التفريق بينها@بينهما خ‌ل@ و كيفية ادراكها و اللّه ولي التوفيق فيقتضي تفصيل ذلك رسم فصول ففي كل فصل مشاعر.

فصل

في ادني المشاعر التنزلية الدنيوية للانسان التي يشارك فيها سائر الحيوان و هي كما عرفها اميرالمؤمنين خمس: سمع و بصر و شمّ و ذوق و لمس ففي هذا الفصل خمسة مشاعر.

المشعر الاول: في قوة السمع

و هي قوة تدرك الاصوات بفضل شعور الروح و الصوت كيفية حادثة في الجسم بضغط او دق او اصطكاك كالحرارة الحادثة بواسطة اصطكاك الزند و الحجر فيتكيف منها الجسم الملاقي كما

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 395 *»

يتكيف القطن و امثاله فيحترق و يصير جمرة فاذا صار الجسم الملاصق متكيفاً و صار الصوت فيه بالفعل صار مصوتاً كالجمرة المحماة فاذا صار الصوت فيه بالفعل يكمل@تکمل خ‌ل@ بفضل ما له من الفعلية الجسم الملاصق به فيتكمل الملاصق و يتكيف بماتكيف به الاول كما تكمل الجمرة الحاصلة اول مرة ما يلاقيه من فحم او خشب و امثاله فاذا تكمل اللاحق من سابقه يكمل لاحقه فيصير متكيفاً مصوتاً و هكذا يكمل كل سابق لاحقه و يتكمل كل لاحق من سابقه حتي يصل الامر الي الجسم الملاصق للجلدة التي فيها قوة السمع بواسطة الاعصاب المتصلة اليها من الدماغ المفروشة فيها في قعر الاذن فيتكيف@فتتکيف خ‌ل@ الجلدة ثم العصبة ثم الروح البخاري ثم الحس فيحس و يأتي شرح ذلك ان‌شاءاللّه في الفصل الاتي فترقب. فظهر من ذلك ان الصوت غير حركة الهواء و تموجها اذ ربما تهب الرياح العواصف و لا صوت لها في نفسها و اما ماتدركه من الاصوات في هبوبها فانما هو للضغط الحاصل بينها و بين سائر الاجسام من الاشجار و الحيطان و العمران و هي في نفسها من حيث الهبوب ليس فيها صوت مطلقاً و يظهر ذلك لذي المسكة بأدني تأمل فليس في تموج الهواء مدخلية في حدوث الصوت مطلقاً و الا لزم حدوث الاصوات الشديدة العظيمة عند هبوب العواصف و عدم حدوثها في سكونها و الحس الظاهر قاض بخلاف ذلك مما لايخفي و كذلك ظهر انه لا مدخلية لتموج الهواء في وصول الصوت الي السامعة اذ الغالب في وصوله اليها في سكونه نعم يمكن ان‏يكون التموج سبباً لسرعة الوصول اذا تموج الهواء نحو السامعة و لبطئه او عدمه اذا تموج عنه و سبب ذلك ان القطعة المتكيفة بنفسها تصل الي السامعة قبل فعلها في مايليه من الهواء بسبب هبوب الرياح فربما تذهبها الي جانب غير جهة السامع فلايسمعه مطلقاً او يسمعه ضعيفاً بخلاف حال سكونها لانه فيها لابد و ان‏يكمل السابق اللاحق درجة بعد درجة كما عرفت كما ان الجمرة في سكون الهواء تكمل مايليها من الفحوم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 396 *»

و مايليها يكمل مايليها و هكذا الي ان‏تنجمر@تتجمر خ‌ل@ كلها درجة بعد درجة ولكنها في هبوب الرياح ربما تنقلها من مكانها فتقع في منتهي مايكون فيه الفحم فتكمل الفحمة الواقعة في ذلك المكان قبل تكمل ماسواها.

فاذا عرفت ذلك فاعلم انه لا خصوصية للهواء لحمل الصوت اليك بل الاجسام كلها قابلة لحمله الا ان بعضها للطافته يكون اسرع قبولاً له و اشد تكيفاً بتلك الكيفية و بعضها لكثافته يكون ابطأ قبولاً و تكيفاً كما ان كلها قابلة للتكيف بكيفية الحرارة الا ان بعضها يكون اسرع تكيفاً و بعضها ابطأ كما هو مشاهد محسوس فالهواء للطافته يكون اسرع تكيفاً مما دونه من الاجسام ثم الماء يكون اسرع قبولاً من التراب و الترابيات فاذا ورد في بعض الاخبار لفظ الهواء خاصة@خاصاً خ‌ل@ لحمله فانما هو محمول علي الغالب لان السامعين ساكنون فيه والا يكون سائر الاجسام ايضاً حاملة له فتسمع الصوت في الماء كما تسمعه في الهواء الا انه اضعف مما في الهواء لغلظته و تسمع الصوت الحاصل من الدق من وراء الجدران و السقوف المحيطة بك الا انها لترابيتها و غلظتها لاتحمل الاصوات اللفظية الضعيفة و لايتكيف@تتکيف خ‌ل@ بها لضعفها و انما تتكيف بالصوت القوي كالدق كما ان الحرارة الضعيفة لاتؤثر في الخشب الرطب و انما يتأثر من الحرارة القوية كما لايخفي ان‌شاءاللّه و لايخفي عليك ان الجسم اللطيف كما يكون اسرع تكيفاً من الغليظ لكيفية يكون اسرع قبولاً منه لكيفية اخري مضادة للاولي فيكون اسرع انقلاعاً منه البتة للاولي فلاتدوم فيه كما تدوم في الكثيف لانه كما يكون اقل مطاوعة للاولي يكون اقل مطاوعة للاخري ايضاً فتدوم فيه الاولي كما تري ان الجسم الصلب كالحديد و النحاس تدوم فيه الحرارة و تشتد و لاتدوم في الرخو كالخشب فكذلك حال الكيفية الصوتية بالنسبة اليها فلاتبقي في الهواء بعد تكيفه بها كثيراً لرقتها و تبقي في الالات المعدنية كالاجراس. و لايقال فلم لاتبقي في التراب الغليظ و الاجسام الغليظة لان التراب و امثاله و ان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 397 *»

كانت غليظة الا انه لتفتته و عدم الرطوبة الرابطة بين اجزائه لايكون ماسكاً لمايتكيف به من الكيفية اللطيفة ولكن الاجراس و الجامات و امثالها لرقة حجمها تتكيف بالكيفية اللطيفة و بالرطوبة الغروية الرابطة بين اجزائها تمسكها مدة مديدة.

المشعر الثاني: في القوة الباصرة

و هي قوة تدرك بها الاضواء المتكيفة بالالوان المتهيئة بالهيأة([3]) المتصلة بالاجسام المعبر عنها بالعكوس و الاشباح فالمرئي هو الشبح و الشبح مركب من كيفية لونية و كمية مقدارية سطحية ليس لها عمق مطلقاً و انت تعلم ان الكمّ و الكيف كليهما من الاعراض التي لاتقوم لها الا بالمحل و هو الجسم فلذلك لايقوم الشبح الا بالشاخص و يعبر عن هذا الشبح بالشبح المتصل و له اشباح منفصلة من جميع جهاته تظهرها المرايا فان لم‏تكن المرايا لم‏تظهر و المراد باظهارها لها قبولها لها اي تهيئها بهيأتها و تكيفها بلونها لا بمعني انها موجودة في الهواء غير ظاهرة و المرءاة تظهرها لان الشبح حقيقة هو العرض و العرض لايقوم الا بمحل مناسب له و الهواء لرقته و لطافته لايقبل اللون و الهيأة و ليس الشبح الا اللون و الهيأة فليس في الهواء شبح مطلقاً و كذا في الجدران فانها لغلظتها و اختلاف سطوحها ايضاً لاتقبل اللون و الهيأة فلايكون فيها شبح مطلقاً و المرءاة تقبله فهو فيها لا في غيرها فماسمعت من وجوده في الهواء فانما المراد تأثير الشاخص لا تأثر الهواء كما لايخفي علي المتأمل فتأمل فهي اي الاشباح موجودة حائمة@قائمة خ‌ل@ حول الشبح المتصل في المرءاة بالمرءاة لا في غيرها فالشبح المنفصل هو شبح الشبح و يقال له العكس لانه يقع في المرءاة بعكس الشاخص للزوم انطباقه عليه فيقع القاف المنصوبة هكذا ق في المرءاة هكذامعكوسة فان وقعت المعكوسة في مرءاة اخري تصير بعكسها هكذا ق كالاولي فيكون شبح كل شاخص عكسه لانه يقع معكوساً كما

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 398 *»

هو مشاهد.

بالجملة فيقع الشبح المنفصل من الشبح المتصل في الجليدية كما يقع في المرايا الخارجية و ليس معني انفصاله و وقوعه فيها انه ينفصل منه واقعاً و يمر في الهواء حتي يقع في العين لانه كما عرفت كيفية مقدارية عارضة علي الجسم و لايعقل انتقالها من محلها و انفصالها عنه و اتصالها بمحل آخر لانها فعلية صورة ليس فيها قوة و صلوح و لايعقل الانتقال الا في القوة لانها يمكن ان‏تكون ساكنة و يمكن ان‏تكون متحركة منتقلة فالجوهر الذي فيه القوة اي المادة الصالحة يمكن بقوته و صلوحه ان‏يكون في امكنة عديدة فاذا وقع في مكان يصير احدي قواه بالفعل فاذا انتقل منه الي غيره تصير قوة اخري منه ايضاً بالفعل و هكذا الي ما لا نهاية لها و اما نفس الفعلية و الصورة التي ليس فيها قوة لايعقل انتقالها لان نفس الانتقال هو قبول النقل و نفس القبول هو القوة و هي لاتوجد الا في الجوهر فالعرض من حيث العرضية صورة محضة و هي طرف المادة فطرف الشي‏ء كيف يصير طرف شي‏ء آخر بالجملة فالعکس الذي هو من جملة الاعراض كيف يمكن انفصاله و انتقاله و مروره في الهواء الي ان‏يصل الي العين؟ فالمراد بانفصاله و وقوعه في العين او المرءاة انه لما كان من الاعراض و الجوهر الجسماني يمكن فيه التصور بها اذا وجد المصور فالمصور هو الجوهر الذي تصور بالصورة من قبل فاذا قوبل بمايمكن فيه التصور يكمل بفضل صورته ما هو كامن فيه من جنسه فيقويه و يستخرجه من القوة الي الفعلية فهو بعد الخروج لماكان مطابقاً للمكمل منطبقاً عليه حاصلاً منه فكأنه انفصل منه و ليس المراد بالانفصال في امثال هذه المواضع الا هذا.

بالجملة فاذا عرفت ان الشبح لايعقل مروره و سيره في الهواء لانه عرض ليس فيه قوة الانتقال عرفت انه في انطباعه في المرءاة لايحتاج الي مرور في الامكنة حتي يصل الي المرءاة حتي ينتزع من اول انتقاله الي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 399 *»

وصوله اليها وقت مطلقاً فبمحض المقابلة ينطبع فيها بلا مهلة فلاينطبع فيها شبح الشاخص القريب منها قبل انطباع شبح الشاخص البعيد عنها فهما ينطبعان([4]) فيها حين المقابلة دفعة واحدة و ان كان بين الشاخصين بون بعيد احدهما في الارض و الاخر في السماء و احدهما في السماء الاولي كالقمر و الاخر في السماء الثامنة كالثريا و شبحهما حين المقابلة ينطبع فيها دفعة واحدة كما هو محسوس و كذا اذا قوبلت مرايا عديدة كل واحدة منها محاذية للاخري يظهر في جميعها شبح الشاخص الواحد دفعة واحدة بلا سبق حصوله في الاولي اول مرة ثم حصوله فيمايليه و هكذا و من هذا الباب ايضاً انفصال النور عن المنير لان النور المنبث في الفضاء ليس الا اشباح([5]) منفصلة عن المنير و الاتصال بعضها ببعض تدرك نوراً واحداً و في الحقيقة هو انوار متعددة متصلة فنور الشمس المنبث ليس الا اقراصاً عديدة متصلة و لشدة اتصالها لاتدرك خصوصيتها و كذلك نور السراج المنبث ليس الا عكوساً مخروطية متصلة و لايدرك امتيازها لشدة اتصال بعضها ببعض كالبصرة المرئية من بعيد فانها لاتصال حباتها و بعدها تدرك بصورة واحدة كبيرة ولكن لكل حبة من حباتها صورة خاصة به فليس النور المنبث الا عكوساً عديدة متصلة فاذا وضعت مرءاة مقابلة للمنير حكته متوحداً و ذلك ان المرءاة لعدم اختلاف سطوحها و تساويها يحكي كل جزء منها مايقابلها بخط مستقيم فبعض اجزائها يقابل نفس المنير فيحكيه و بعضها يقابل الجدران و السقوف المستضيئة فيحكيها بخلاف نفس الجدران و السقوف فانها لاختلاف كل جزء من سطوحها و تضريساتها يكون كل ضرس منها مع صغره مقابلاً بكل جهة من جهاته لسطح من السطوح فهو مع صغره يكون مقابلاً لسطوح عديدة من الجدران و السقوف و المنير و جهة التي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 400 *»

تقابل المنير ايضاً لضيقها لاتسع الا جزءاً صغيراً من المنير فلاتحكيه بتمامه مع تفتت كل ضرس و عدم صقالته فلذلك كله لايتبين عكس شي‏ء من المنير و الجدران و السقوف في كل ضرس فيحصل من العكوس المختلفة في كل ضرس و عكس كل ضرس في كل ضرس ماتشاهد من نور منبث متوحد ظاهراً بخلاف المرءاة فانها لصقالتها و تساوي اجزائها و عدم وجود تضريس فيها يحكي كل جزء منها شيئاً واحداً و لايحكي غيره في الوضع الخاص بالنسبة الي الناظر و قيد الوضع الخاص للتنبيه علي ان كل جزء منها يحكي شواخص عديدة باوضاع مختلفة فتأمل.

و ان قيل قد مرّ آنفاً ان العكوس ليست في الهواء لعدم قبوله([6]) اللون و الهيأة لرقته و ليست في الاجسام الغليظة كالجدران لعدم قبولها لهما لغلظتها و اختلاف اجزائها و تفتتها و تكون في المرءاة لصقالتها و استواء سطوحها و قلت هنا ان النور المنبث في الفضاء لايكون الا عكوساً متصلة و هي ظاهرة في الهواء و في الاجسام الغليظة كالاراضي و الجدران فكيف التوفيق بين الكلامين؟

اقول ان المراد بالعكوس و الاشباح المذكورة من قبل هي الاشباح المعروفة المركبة من الكيفية اللونية و الكمية المقدارية التي تحتاج في ظهورها الي نور و ضياء و المراد بالمذكورة هنا هي نفس النور و الضياء و الضوء غير اللون بالبداهة لان كل واحد منهما يوجد في محل لايوجد فيه الاخر فالعكوس الضوئية لاتظهر في الهواء ايضاً كالعكوس اللونية ولكنها تظهر في الاجسام الكثيفة بخلاف العكوس اللونية كما عرفت. فهي اي العكوس الضوئية تظهر في الاجسام الكثيفة و ماتري في الهواء المستضي‏ء فانما هو لاجل الاهبية المنبثة في الفضاء المستضيئة بالضياء لا لاجل نفس الهواء و لاجل ذلك لايكون فوق كرة الهباء ضياء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 401 *»

مطلقاً و يكون مظلماً و الزرقة المرئية من السماء هي الحاصلة من ضياء الادني و ظلمة الاعلي كما لايخفي علي المتأمل.

بالجملة فلا فرق بين العكوس اللونية و الضوئية في وقوعهما دفعة واحدة بلا مهلة من غير سبق القريب منها@منهما خ‌ل@ من الشاخص و المنير البعيد عنهما فهي لضعف تكمل محالها تحتاج الي الشاخص و المنير فمادامت مقابلة لهما كانت موجودة علي محالها و بمحض الانحراف صارت معدومة كتحرك المفتاح المحتاج الي حركة يدك دائماً فمادمت@فمادامت خ‌ل فمادام خ‌ل@ تحركه يتحرك و بمحض رفع يدك عنه يسكن بلا مهلة و ليس ذلك الا لضعف تكمله من حركة يدك بخلاف ماكان تكمله قوياً فانه يبقي الاثر فيه و ان اعرض عنه المكمل و رفع يد تدبيره عنه كحركة الحجر في الهواء بعد رفع يد الدافع عنه و كاشتعال السراج الثاني بعد انفصال السراج الاول عنه و كتعلم المتعلم بعد غيابه عن مجلس العالم و امثالها فانها كلها لقوة تكملها يظهر من بواطنها الي ظواهرها الكمال الكامن فيها بالتكميل بخلاف الاشباح و امثالها فانها لم‏يتأثر بواطنها حتي يظهر منها الي ظواهرها صورة و كمال و انما يتأثر ظواهرها حسب و لذا لاتقدر علي امساك ماظهر عليها من الاعراض بعد اعراض المكمل عنها فلاتغفل.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الجليدية هي الجسم الصيقلي كالمرايا  الخارجية فاذا قوبلت الشواخص ينطبع فيها عكوسها كما ينطبع في المرايا بلا تفاوت فاذا حصل الشبح فيها ينطبع منها في الروح البخاري الذي من ورائها في العصبة الجوفاء لانه ايضاً جسم صقيل لطيف متوازي السطوح و ينطبع منه في الحس المشترك المشتعل به الروح لانه ايضاً اسفله لارتباطه بالجسم له الخواص الجسمية فاذا حصل فيه الشبح و هو حي مدرك يدركه كمايأتي ان‌شاءاللّه و هيهنا بعض الدقائق لزم التنبيه عليها لتكون علي بصيرة في علم البصر.

فاعلم ان الجسم المستوي السطح كل نقطة من نقاطه الجوهرية يحاذي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 402 *»

نقطة من نقاط الشاخص فينطبع كل جزء و نقطة منه في نقطة منه فينطبع تمامه في تمامه اذا كان الشاخص مساوياً للمرءاة فاذا كان اكبر منها يصير اطرافه محاذية للاشياء الخارجة منها فلاينطبع اشباحها فيها و اما اذا كان الجسم مفرطحاً يحاذي كل نقطة منه جزءاً واسعاً ممايحاذيه فيمكن ان‏يحاذي الجسم المفرطح الصغير كالعدسة جسماً عظيماً كنصف الفلك الاعلي مثلاً كما يظهر لك ذلك بادني تأمل ان‌شاءاللّه فيقع حينئذ شبح نصف الفلك بعظمته في المرءاة التي بقدر العدسة فلاجل ذلك جعل اللّه عزّ و جلّ للجليدية تفرطحاً علي هيأة العدسة لينطبع فيها صور اشياء كثيرة.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الكبير بكبره لايعقل ان‏ينطبع صورة كبره في الصغير بل ينطبع فيه صغيراً فشبح الجبل العظيم ينطبع في نقطة جوهرية صغيرة من الجليدية لان تلك النقطة تحاذي كل الجبل لتفرطحها فاذا انفصل العكس منه يصير في كل درجة اصغر مما وقع في الدرجة السابقة حتي يصل الي نقطة من نقاط الجليدية فيصير فيها بقدرها فلذلك يقدر الناظر ان‏يدرك اشياء كثيرة في ساعة واحدة كما هو مشاهد محسوس.

و ان قلت  لو صار شبح الصورة الكبيرة في الجليدية صغيراً و هو الذي يدركه الانسان فكيف يدرك الاشياء علي ما هي عليه؟ فيجب ان‏يدركها صغاراً علي غير ما هي عليه و ذلك خلاف الوجدان يقيناً،

قلت ان ماذكرته لك مما لا شك فيه لانه مشاهد محسوس و ماذكرته من وجدان الاشياء علي ما هي عليه ايضاً مما لا شك فيه فعليك ان‏تجمع بينهما لا ان تثبت واحداً و تنكر وحداً و سرّ ذلك ان وقوع الشبح الواحد و ظهوره في المرايا العديدة يختلف باختلاف هيئاتها و الوانها كما لايخفي فكما عرفت ان الشبح يقع في المرءاة المفرطحة صغيراً كذلك يقع في المرءاة التي علي هيأة الكأس كبيراً و ان كان الشاخص نقطة صغيرة كما تري في المنظرة الخطوط الصغار كباراً فاذا عرفت ذلك عرفت ان الشبح يظهر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 403 *»

في كل مرءاة بحسبها من الهيأة و غيرها فكلما ينعكس من مرءاة الي مرءاة اخري يتهيأ في الثانية بهيأتها و هكذا الي ان قوبلت المرايا العديدة كل واحدة@واحد خ‌ل@ مقابلة لاخري الي ان‌قوبلت احداها شاخصاً واحداً فاذا كانت مختلفة الهيأة و اللون يتهيأ في كل واحدة منها علي هيأتها و لونها كما لايخفي.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الشبح ينطبع من الجليدية في الروح البخاري و منه في الحس المشترك و ذلك الحس كما ستعرف برزخ بين الجسمانية و المثالية و عالمه اوسع من عالم الاجسام و اضيق من عالم المثال فلما كان عالمه اوسع من عالم الاجسام فالحس الواقع فيه يكون اوسع اطرافاً من الاجسام فيكون بالنسبة الي الجليدية ككأس معلقة علي عدسة مفرطحة فكما صار شبح الشاخص في الجليدية صغيراً يصير في الحس المشترك كبيراً بتلك النسبة فيدرك الاشياء علي ما هي عليه و ذلك تقدير العزيز الحكيم. و ربما يعبر عن هذا المعني بان النفس اذا قوبل بها الاشياء تستنبط منها المقدار المعين و الهيأة المعينة مطابقاً للواقع و ان كانت اشباحها في مرءاة العين صغاراً.

و اما سبب ادراك القريب قريباً و البعيد بعيداً مع ان شبح كليهما يقع في سطح واحد و القرب و البعد من المعاني التي ليس لها شبح حتي يقع في مرءاة العين ان اسباب القياس ايضاً لها اشباح تقع فيها و هي اي اسباب القياس هي الاجسام الواقعة بين الرائي و المرئي فان لم‏تكن الاسباب لم‏تدرك القرب و البعد البتة كما اذا كان جدار من بعيد و كان وراءه جدار ارفع منه و كان الجدار الاول مانعاً من وصول اشباح الاجسام الواقعة بين الجدارين فلم‏تدرك البعد بينهما و تري جداراً واحداً من بعيد فاذا كانت الاسباب بين الرائي و المرئي مرئية يقع شبح القريب في اسفل الجليدية و شبح البعيد في اعلاها و اشباح الاسباب بينهما فاذا قاست النفس القريب بالبعيد بواسطة اشباح الاسباب تميز بينهما و تدرك القريب قريباً و البعيد بعيداً و مثال ذلك للتوضيح ان‏تفرض الالف مرءاة و الباء المرئي القريب

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 404 *»

و الجيم السبب و الدال المرئي البعيد هكذا يقع شبح الباء في اسفل الالف و شبح الجيم في وسطها و شبح الدال في اعلاها فاذا كانت الالف شاعرة تجد الخط الواصل بينها و بين الباء اقصر و الخط الواصل بينها و بين الجيم اوسط و الخط الواصل بينها و بين الدال اطول فلذلك يدرك الاحول شبحين للشاخص الواحد و الصحيح يدرك شبحاً واحداً.

و بيان ذلك ان الصحيح تكون عيناه مطابقتين في الوضع الطبيعي و تكون حركة كل واحدة منهما تابعة لحركة الاخري بحيث اذ@اذا خ‌ل@ تحركت احديهما الي الفوق مقدار عرض شعرة تحركت الاخري اليه بذلك القدر لا ازيد من ذلك و لا انقص و اذا تحركت الي الاسفل مقدار شعرة تحركت الاخري اليه ايضاً بذلك المقدار و اذا تحركت الي جانب اليمين تحركت الاخري اليه او الي جانب اليسار كذلك بمقدار حركتها فاذا واجهت احداهما الي شاخص واجهت الاخري اليه من جميع الجوانب الاربعة و لايخفي ذلك علي المتأمل هنيئة و سرّ ذلك ان العصبتين الاتيتين من الدماغ الي العينين التقتا في ملتقي ثم تشعبتا و وصل كل واحدة الي عين فاذا تحرك كل واحدة شايعتها الاخري لمكان الاتصال كما ان الخشبة التي لها شعبتان اذا حركت كل واحدة منهما تتبعها([7]) الاخري لامحالة بمقدار تحركها لا ازيد و لا اقل هذا في الصحيح. و اما الاحول فيأتي بيان ادراكه ان شاءاللّه فالشبحان الواقعان فيهما لما کان كل واحد منهما مطابقاً للاخر في الهيأة و اللون و المكان لايقدر النفس علي التمييز بينهما لانه فرع الاختلاف اما هيأة او لوناً او مكاناً و كلها مفقودة فكيف يمكن التمييز بينهما.

و لايقال ان الشاخص الواقع في جانب اليمين مثلاً اقرب الي العين اليمني و ابعد الي اليسري فلم قلت بعدم الاختلاف و لو كان مكاناً لان المراد بالمكان الواحد هو مكان الشاخص و هو واحد فاذا انفصل منه شبح يقع في كلتيهما و ان كان اقرب بالنسبة الي احداهما و ابعد عن الاخري.

و ان قيل

«* الرسائل جلد 1 صفحه 405 *»

فينبغي حينئذ ادراك القرب في احداهما و البعد في الاخري، اقول كذلك و ذلك واقع حقيقة فانك ان اغمضت الاقرب الي الشاخص تجده ابعد و ان اغمضت الابعد تجد الشاخص اقرب منك البتة و حين انفتاحهما لاتقدر علي التمييز الحقيقي الواقعي الا ان‏يكون الشاخص متساوي النسبة اليهما في القرب و البعد ولكن لما كان الخطان الخارجان منهما عمودين عليه و ان كان اقرب من احداهما و ابعد من الاخري لم‏يمكن التمييز للنفس بين الشبحين و ليس المراد بالخطين هنا الخطان الشعاعيان([8]) كما يقول بهما القائلون بخروج الشعاع بل المراد هو المواجهة التامة من كل واحدة منهما الي الشاخص فذلك سرّ ادراك النفس شبحاً واحداً في العينين مع ان في كل واحدة منهما شبح([9]) لا ما زعمه البعض من اتحاد الشبحين في الملتقي لان العصبتين انفصلتا من الملتقي الي العينين هكذا  و انت عرفت مما مضي ان الشبح يقع في المرءاة علي الاستقامة للزوم المقابلة التامة و العصبتان تأتيان الي العينين منحرفتين كما رأيت من الشکل فكيف يعقل ان يمرّ الشبح منحرفاً الي الملتقي هذا و ان مالت احدي المقلتين الي المؤق و الاخري الي المؤثر يصير شكل العصبتين مع المقلتين هكذا فكيف يعقل ان‏يجري الشبح من المقلة المائلة الي المؤق في العصبة المثنية الي الملتقي. و انت عرفت لزوم المقابلة بين الشاخص و المرءاة فعلي ان‏يكون الملتقي مجمع النورين يجب ان لاتري الشاخص من المقلة المائلة الي المؤق لو اغمضت العين المائلة الي المؤخر و يشهد الحس علي خلاف ذلك كما لايخفي.

و لايقال ان الشبح حينئذ يقع من العين الي موضع الالتواء مستقيماً و منه الي المتلقي مستقيماً كما لو فرض للعين و الموضع الملتوي من العصبة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 406 *»

و الملتقي ثلث مرايا موضوعة علي شكل مثلث فوضع كل مرءاة في زاوية من زوايا الشكل فحينئذ يقع الشبح مستقيماً من الشاخص في المرءاة الاولي التي هي بمنزلة العين و منها يقع في الثانية التي هي بمنزلة موضع الالتواء مستقيماً و منها يقع مستقيماً ايضاً في الثالثة التي هي بمنزلة الملتقي لانك عرفت مما مضي ان الشبح يقع في المرءاة علي العكس و لذا سمي بالعكس فيلزم حينئذ ان الشبح في الملتقي علي عكس ما وقع في موضع الالتواء فيلزم ان‏يدرك القاف المنصوبة هذا@هکذا خ‌ل@ ق في الملتقي مقلوبة هكذاو اما من العين الي موضع الالتواء فتجري منصوبة لانه لاينعكس منها اليه فتأمل. فظهر و الحمد للّه خطاء من زعم اتحاد الشبحين في الملتقي و لو اتحد الشبحان فيه لادرك الشبحين المتساويين لوناً و شكلاً من الشاخصين شبحاً واحداً بل يلزم ان‏يدرك الاشباح المتعددة المتساوية لوناً و شكلاً من الشواخص العديدة شبحاً واحداً و ذلك خلاف الحس فتأمل جيداً.

و اما سرّ ادراك الاحول شبحين لشاخص واحد فاعلم ان عينيه ان مالتا الي الاعلي بمقدار واحد او الي الاسفل او الي اليمين او الي اليسار كذلك لايري شبحين فهو كالصحيح و اما ان بقيت احداهما علي الوضع الطبيعي و مالت الاخري او مالت احداهما الي جهة و الاخري الي جهة اخري فيري شبحين فان مالت احداهما الي الاعلي يري شبحاً صريحاً علي الشاخص و شبحاً مبهماً ابعد من الصريح و ان مالت الي الاسفل يري شبحاً صريحاً علي الشاخص و شبحاً مبهماً اقرب من الصريح و ان مالت الي اليمين يري شبحاً صريحاً علي الشاخص و شبحاً مبهماً في يمين الصريح و ان مالت الي اليسار يري شبحاً صريحاً علي الشاخص و شبحاً مبهماً في يساره و يتبين لك ما ذكر بوضع الاصبع تحت المقلة او فوقها او في يمينها او يسارها و سرّ ذلك ان العينين اذا اختلفتا في الاوضاع التي ذكرت لك فوقاً و تحتاً و يميناً و شمالاً فاذا قوبلت احداهما بشي‏ء من الاشياء لاتواجه الاخري

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 407 *»

و تواجه الي نقطة اخري لامحالة لاختلاف وضعهما كما اذا فرضت احداهما في اسفل الالف و الاخري في اعلاها و قوبلت السفلي بالباء بالخط المستقيم فالخط المستقيم الخارج من العليا يجاوز الباء و يصل الي نقطة خارجة خلفها هكذا فالشبح الصريح يقع في السفلي و المبهم يقع في العليا و لايقال ان العليا ان لم‏تكن مواجهة  للباء فكيف وقع شبحها فيها و ان كانت مواجهة لها فلم لم‏يقع فيها صريحاً لان القوة الباصرة تكون في قطب الجليدية في غاية القوة لانه يحاذي الروح البخاري الساري في العصبة الجوفاء فتضعف شيئاً بعد شي‏ء الي اطراف الجليدية و لذلك اذا نظرت الي شي‏ء خاص تراه صريحاً و تري اطرافه ايضاً مبهماً فاذا نظرت الي كلمة في اول السطر تريها صريحاً و تقرؤها و تري سائر كلماته مبهماً و لاتقدر علي قراءتها الا بعد الانتقال اليها فالكلمة الاولي مواجهة للقطب و الباقية مواجهة لاطرافه. فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الباء في المثال المذكور محاذية لقطب السفلي فلذا تريها صريحاً و لاتحاذي قطب العليا بل تحاذي اطرافه و لذا تريها مبهماً هذا و العين المؤفة بسبب انصباب المواد الغليظة فيها صار قوتها في غاية الضعف فلاتري الشي‏ء صريحاً هذا.

و اما سرّ ادراك الفصل بينهما كثيراً و ربما يبلغ خمسة اذرع او اكثر فلقياس النفس كما عرفت سابقاً في بيان كيفية ادراكها فراجع ان شئت فهذه نبذة في شرح الباصرة مبتكرة بعيدة عما قيل في شرحها و انت اذا تدبرت فيها بعد التنبيه لعلك تصدقني فيما قلت و اللّه ولي التوفيق.

المشعر الثالث: في القوة الشامة

فهي قوة مودعة في العصبتين الاتيتين من الدماغ المتدليتين في اعلي المنخرين متخلخلتين كحلمتي الثديين تدرك بها الروائح بتكيفها بها بواسطة الهواء المتكيف فذوي الروائح بفضل مالها من الفعلية الريحية تكمل مايليه من الهواء فيصير ذارائحة و يكمل مايليه و هكذا الي ان‏يصل الي الحلمتين فتتكيفا بها و يتكيف منها الروح

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 408 *»

البخاري الساري فيهما و يتكيف منه الحس المشترك و هو حي مدرك فيدرك بتكيفه الروائح كما تكيف السامعة بالصوت و الباصرة باللون و الهيأة فكيفية الادراك في جميع المشاعر علي حد سواء.

ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏تري من فطور فكلها تدرك بالانطباع علي نسق واحد اذ المراد به هو التكيف من الغير هذا و ربما ينفصل الاجزاء الصغار من ذي‏الرائحة علي نحو البخار و الهباء و تصل تلك الاجزاء بانفسها الي الحلمتين فتتكيفان بها الي ان وصل التكيف الي الحس المشترك كما مرّ و هذا القدر من البيان يكفي في هذا المشعر ان‌شاءاللّه تعالي.

المشعر الرابع:  في القوة الذائقة

فهي قوة موضوعة في الاعصاب المفروشة في اللسان الناشئة من الدماغ تدرك بها الطعوم لانها في نفسها لا طعم لها و كان فيها بالقوة فلما مضغ ذوالطعم و خولط باللعاب و نفذ في اللسان الي ان‌وصل الي الاعصاب التي فيها الطعوم بالقوة كملها و استخرج من كمونها الطعم المشاكل لطعمه فتكملت و تكيف@تکيفت خ‌ل@ به فاذا صار الطعم فيها بالفعل تكمل الروح البخاري الساري فيها فيصير الطعم فيه بالفعل فتكمل الحس المشترك الظاهر فيه و هو الحي الذي يدرك الطعم و قد مرّ كيفية التكميل و التكمل مراراً فلايحتاج الي الاعادة.

المشعر الخامس: في القوة اللامسة

و هي قوة مودعة في الاعصاب الناشئة من الدماغ الي الاعضاء في جميع البدن فتدرك بها الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و الالام الواصلة المضادة للطبيعة و الكيفيات المناسبة لها و كيفية ادراكاتها كما مرّ ايضاً فاذا اقترن ذوكيفية بالجلد يكمله بمافيه بالفعل حتي تصير فيه ايضاً بالفعل فاذا تكمل الجلد و تكيف بها يكمل الجلد الاعصاب فتكيف بها فتكمل الروح البخاري فيتكيف بها و يكمل الحس المشترك فيتكيف بها فلما كان حياً دراكاً يدركها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 409 *»

كما عرفت في المشاعر السابقة حرفاً بحرف  ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و تلك القوة تكون في ظاهر البدن اقوي مما في باطنه للاحتياج الي التحرز في الظاهر اكثر و تكون في البواطن اضعف لئلايحس بمرور الفضول الحادة الحارة و مرور الاغذية دائماً فيتألم البدن دائماً و تكون في الجلد الظاهر اقوي و في اسافل البدن اضعف لئلايتألم البدن ايضاً لانه محل وصول المنافرات و تكون في الايدي اقوي من جميع البدن لانهما خلقتا للاستعمال في اغلب الاعمال و تكون في الاصابع اقوي و في الانامل اقوي لانها في الحقيقة آلات للبدن مستعملة غالباً و تكون في انملة السبابة اقوي و المراد من هذه القوة و الضعف هو الاعتدال و عدمه لا زيادة الاحساس و قلته اذ الجنبان اشد احساساً من الكل و هو غير مطلوب في جميع البدن بل المطلوب هو الاعتدال لان المعتدل لم‏يغلب عليه احدي الكيفيات خاصة فيتكيف من كل كيفية خاصة و اما الغالب فيه الكيفية الخاصة فلايتكيف بالكيفية الاخري الا بعد مدة مديدة و هذا القدر من البيان كاف في الاشارة الي المشاعر الظاهرة الحيوانية التي يشترك فيها الانسان بعرضه مع سائر الحيوان كما عرفها اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين.

فصل: في المشاعر الباطنية المثالية

و هي علي ما هو المعروف خمس قوي : الحس المشترك ثم الخيال ثم المتصرفة ثم الواهمة ثم الحافظة فقالوا ان الحس المشترك ساكن في اول البطن الاول من الدماغ و الخيال ساكن في آخره و المتصرفة ساكنة في اول البطن الثاني منه و الواهمة في آخره و الحافظة ساكنة في اول البطن الثالث و ليس في آخره ساكن من الحواس لانه محل توارد الالام لعدم الاحساس لوقوع العين في الامام كذا قالوا و نحن لما@اذا خ‌ل@ تأملنا في عالم المثال و مشاعره وجدناها ستة و باعتبار سبعة لان كل واحد منها من سماء و هي سبع و باعتبار تسعة لان الافلاك تسعة في كل عالم و

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 410 *»

لكل واحد منها ظهور في المواليد فلكل واحد منها تسعة مشاعر و كذلك وجدنا الحافظة التي عدوها من المشاعر الدماغية المثالية ليست منها بل هي من المشاعر الدهرية الانسانية و ليس لها انبعاث في الدماغ كما اشار اليه اميرالمؤمنين7 في القوي الانسانية في حديث الاعرابي و عد منها الذكر و الذكر هو الحافظة لا شي‏ء سواه. فالمشاعر الباطنية المثالية علي ماوجدناها علي نظم الحكمة و الصواب ستة صريحة او سبعة او تسعة كما يأتي ان‌شاءاللّه تعالي ففي هذا الفصل ستة مشاعر للستة الصريحة و خاتمة للثلاثة الباقية.

المشعر الاول: في الحس المشترك

و المراد به الحيوة الحيوانية الحساسة الفلكية و تنسب الي الفلك لحكايته لها لا لانها منسوبة الي نفسه و محل ظهورها هو فلك القمر و مقامها فوق عالم الاجسام باسرها و تحت عالم المثال فلها برزخية بينهما اسفلها جسماني و اعلاها مثالي و سميت بالحس المشترك لانه يشترك فيه الحواس الخمسة الظاهرة او لانه مشترك بين الجسم و المثال و كلاهما حق واقع فهو المدرك المحض للمحسوسات الظاهرة و ليس في نفسه ادراك محسوس دون محسوس بل كان من شأنه الحس المطلق فان وجد له آلة من الالات الجسمانية يحس من وراء تلك الالة منصبغاً بصبغها مكتسباً لخواصها متكيفاً بكيفيتها و ليس في نفسه قبل الاكتساب و الانصباغ و التكيف شي‏ء من الادراكات مطلقاً ففي الاعصاب يحس الملموسات و في العين المبصرات و في الاذن المسموعات و في الانف المشمومات و في اللسان المذوقات و ذلك لسرّ وجود المناسبة بين المكمل و المتكمل و لولاها لم‏يتعلق فعله به و لذلك لايتعلق الحيوة الغيبية بالاجسام الشهادية الا بعد تصفيتها و ترقيقها و تعديلها حتي تشابهها في الصفات المذكورة فلاتتعلق بالبدن ما لم‏يتولد فيه الروح البخاري الذي يشابهها في الخصال.

في الجملة فاول تعلقها بالبدن اول تكون الروح البخاري في القلب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 411 *»

و لايظهر فيه الا الحركة الانبساطية و الانقباضية لغلظته فيه و رطوبته ثم اذا لطف و رق و صفا و صعد الي الدماغ و انتشر فيه و سري في المخ و منه في الاعصاب الناشئة منه الي سائر البدن ظهر فعل الحيوة فيه في كل درجة و كل عضو علي حسب اقتضاء تلك الدرجة و ذلك العضو فظهر فعلها في جملة البدن باللمس و في العين بالابصار و في الاذن بالسمع و في الانف بالشم و في اللسان بالذوق علي نحو التكيف و الاكتساب في كل درجة و عضو كما عرفت من تكيف كل واحد منها من الخارج حرفاً بحرف ماتري في خلق الرحمن من تفاوت. و من ذلك عرف ان نفس الحيوة من حيث هي هي مع عدم تعلق فعلها بالبخار و المخ و الاعصاب و الاعضاء ليس لها فعل من الافعال مطلقاً فألقت في هويتها مثالها و اظهرت عنها افعالها و لذلك ينسب فعل الاضاءة الي الزيت لا الي النار كما قال سبحانه يكاد زيتها يضي‏ء و تنسب الافعال المحسوسة الي الاعضاء لانها هي مظهر فعل الحس المشترك و مظهرها (بالفتح و الضم) فمما لم‏يكن الاعضاء الاعصاب و المخ و الروح لايدرك الحس المشترك شيئاً من المحسوسات ابداً فمن ذلك عرف ان السموات مع انها بخار او دخان و تعلق بها الحس المشترك لمناسبتها له ولكن لما لم‏يكن لها اعصاب و اعضاء لم‏تدرك المحسوسات الخمس مطلقاً مع مافيها من الحيوة التي هي الحس المشترك مادة.

بالجملة لما تعلق الحس المشترك بالاعضاء و الاعصاب بواسطة الروح البخاري احس المحسوسات في عالمه لا في عالم المواد الجسمانية و عالمه فوق عالم الجسمانيات بدرجة لما تري من ادراكه الشعلة الجوالة دائرة و القطر النازل خطاً و العين لما كانت من الجسمانيات الزمانية تكون ابداً محصورة في وقت مخصوص فلايعقل ان يقع فيها شبح الشاخص الماضي و الاتي و يقع فيها ابداً شبح الشاخص في الحال فليس لها ادراك الماضي و الاتي ابداً اذ ادركها نفس انطباع الشبح فيها و ليس فيها شبح الا في

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 412 *»

الحال و قس حال سائر الحواس بالعين لانها كلها جسمانية زمانية محصورة دائماً في وقت الحال فلاتدرك الماضي و الاستقبال ابداً و اما الحس المشترك فهو خارج عن الاوقات الماضية و الواقعة و الاتية في الجملة فليس محصوراً في وقت الحال فاذا اكتسب من الاداني شيئاً و تكيف بكيفيته و تصور بصورته يمكنه ادراكه في الماضي و الحال و الاستقبال لخروجه عنها في الجملة و ذلك كادراكه الدائرة من الشعلة الجوالة فالدائرة مركبة من النقاط و كلها واقعة في الازمنة الماضية الا نقطة منها واحدة فانها واقعة في الحال.

بالجملة و ليس لي مجال تفصيل الحال في كل واحد واحد من المشاعر فقس الباقي بماذكرت لك لانه ليس الاختلاف في نوع خلق اللّه سبحانه و لما كان الحس المشترك برزخاً بين الجسم و المثال كان اسفله متصلاً بالجسم و اعلاه بالمثال لايمكنه امساك الصورة الحاصلة له ان انقطعت من المواد الزمانية فلابد في ادراكه الصورة الحاصلة له من اتصال تلك الصورة بالمادة الزمانية لامحالة فلو لم‏تكن الشعلة الجوالة في الحال الزمانية لم‏يمكنه ادراكه مامضي بخلاف المشاعر المثالية فانها بعد الاكتساب من المواد و حصول التكيف لها في عالمها و حضور الصورة الحاصلة لديها لاتحتاج في ادراكها الي اتصال الصورة الحاصلة بالماديات الزمانية ابداً فتدركها مجردة عن المواد و المدد الزمانية و ان اكتسبت منها اول مرة فالعين التي هي من الزمانيات تحتاج في ادراكها مستمرة الي المادة الزمانية و الحس المشترك لصعودها من الزمان لايحتاج الي المادة الزمانية في الجملة و يدرك المواضي و الحال و اما الخيال المثالي لتخلصه من الزمان و الزمانيات لايحتاج اليهما بعد الاكتساب ابداً فلما صعد الشبح و انفصل من الشاخص و انطبع في العين لم‏ينفصل من نفس الشاخص شي‏ء و لم‏ينقص من مادته و صورته شي‏ء فبقي في محله علي ما هو عليه بمادته و صورته كما كان قبل انفصال الشبح منه و ليس ذلك الا لاجل ان العين بنفسها تتهيأ و تتلون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 413 *»

و تتكيف و لاتحتاج الي صعود شي‏ء من نفس الشاخص اليها فبقي لوازم رتبة الشاخص في رتبته و كذلك اذا انطبع من العين بوساطة الروح البخاري في الحس المشترك لم‏يصعد اليه شي‏ء من مادة العين و لا من صورتها و لا من تهيئها و تلونها و تكيفها الي الحس فبقي لوازم رتبتها الزمانية في الزمان و لم‏يصعد منها شي‏ء اليه و كذلك اذا انطبع من الحس المشترك في المتخيلة المثالية لم‏يصعد اليها شي‏ء من الزمانيات و لا من البرزخيات الحسية فلم‏يصعد اليها شي‏ء من مادة الشاخص و لا من صورته و لا من ما انطبع في العين و لا من ما انطبع في الحس اذ لايتجاوز الشي‏ء ماوراء مبدئه.

بالجملة فاذا اجتمع صور المحسوسات الخمسة في الحس المشترك تكمل باعلاه المرتبط بالمثال الصور المثالية الكامنة في المتخيلة و تتكمل هي منه و تكتسب كما مرّ كيفية التكميل و التكمل مراراً و هيهنا دقيقة يلزم@لزم خ‌ل@ التنبيه عليها تكون@لتکون خ‌ل@ علي بصيرة في التمييز بين المشاعر التي تشترك بين الحيوان و الانسان في بدنه الحيواني و التي لايشارك فيها الحيوان فهي مختصة بالانسان في بدنه المثالي الذي هو اعلي من بدنه الحيواني المشترك.

فاعلم ان عالم المثال لما كان فوق عالم الزمان باسره و له دهرية بالنسبة اليه يمكن لمواليده في مشاعرهم ان‏يدركوا ما مضي من الزمانيات في الازمنة الماضية كما تدرك مامضي منها و تتذكر فتخبر عنها بان السنة الفلانية وقع ماوقع فيها من القحط و الغلاء و الطاعون و الوباء او اضدادها او غير ذلك و ذلك مما لايقدر احد علي انكاره@احد انکاره خ‌ل@ و كذلك يمكن لهم ان‏يدركوا مايقع بعد في الازمنة الاتية كما تخبر بها بعد المنام بواسطة الرؤيا التي رأيتها ان وقعت صادقة و كما اخبر به الانبياء و الاولياء: ممايأتي بعد حينهم و ليس جميع علومهم بماسيأتي علم اخبار بل من علومهم علم مشاهدة و عيان كما نسبه اميرالمؤمنين7 الي نفسه النفيسة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 414 *»

و يظهر ذلك بادني تأمل للمتأمل. و اما المشاعر الزمانية فكلها محصورة في زمان حال و ليس لها دهرية فوق الزمان و لذا لايعقل ان‏ينطبع في العين الاشباح الماضية او الاتية و انما تقع فيها الاشباح الحالية لا غير و كذلك لايعقل ان‏يسمع الاذن الاصوات الماضية و الاتية و كذلك سائر الحواس الظاهرة لاتدرك الا الاشباح المحصورة في الحال لانها بنفسها كانت محصورة فيها بخلاف المشاعر المثالية فانها تدرك الاشباح الماضية و الاتية كما مرّ و بين هذه المشاعر الزمانية و المشاعر المثالية مشاعر برزخية بين المثال و الزمان و هي مشاعر الحس المشترك فهي لبرزخيتها و علوها عن الزمان تدرك الاشباح الماضية المتصلة بالاشباح الحالية في الجملة و لزمانيتها لاتدرك الماضية غير المتصلة و لا ما مرّ عليه الزمان الطويل فلذلك تدرك الشعلة الجوالة دائرة و القطر النازل خطاً فلابد في ادراكها الدائرة من الشعلة الزمانية و في ادراكها الخط من القطر([10]) الزماني لامحالة بخلاف المثاليات الصرفة فانها لخروجها عن الزمان بالمرة تدرك مامضي عليه الزمان الطويل بعد انفصاله من المادة الزمانية و الصورة الزمانية و ان مرّ عليه مائة سنة او اكثر فلذلك يخبر الانسان بمارآه بعد مائة سنة او اکثر و قد كان الشاخص الزماني فسد كونه و ذهبت مادته و صورته و  لم‏يبق لهما اثر مطلقاً فالمشعر المثالي الصرف لعلوه عن الزمان يقدر علي قصد([11]) شي‏ء يكون بعد مائة سنة او ازيد او اقل فيقصد ان‏يبني داراً كذا و كذا في مكان كذا في سنة كذا بعد حين و يقصد ان‏يتزوج بعد حين في سنة كذا و بفلانة امرأة بنت فلان و امثال ذلك من المعاملات و العبادات و المعاصي و غير ذلك من المعاشرة و المسافرة فيقصد ان‏يسافر مع رفقة مخصوصة من بلد كذا الي بلد كذا في سنة كذا ثم ان وافق التقدير تدبيره يفعل ماقصده

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 415 *»

من قبل و ان لم‏يوافق لايفعل فهذا القصد الذي هو قبل العمل هو من عالم المثال الصرف و يسمي بالروية و الشعور و العقل و النية و امثال ذلك و اما الحس الزماني كالعين مثلاً لايقدر علي قصد الرؤية في الزمان الاتي قبل مجيئه لانها محصورة في زمانها فيقع فيها في زمانها الاشباح الواقعة في ذلك الزمان بعينه لا الواقعة بعده و لا قبله و كذلك الحس المشترك الذي يري الشعلة الجوالة دائرة و القطر النازل خطاً لايقدر علي قصد شي‏ء لمايكن و سيكون بعد حين لانه محصور في الوقت الذي هو فوق الوقت الزماني بدرجة بقدر ان‏يدرك الشعلة الجوالة دائرة لا ازيد من ذلك فأجزاء الدائرة كلها واقعة في الازمنة الماضية الا نفس الشعلة فانها واقعة في الحال فلو لم‏يكن في الحال شعلة لم‏يقدر علي احساس الدائرة مطلقاً فكيف يقدر علي قصد شي‏ء لمايكن و سيكون@ستکون خ‌ل@ بعد حين فقصده لم‏يكن الا مقارناً بالكائن الواقع في الحال ابداً فليس له روية و نية و استشعار لماسيأتي او مامضي و انفصل من الشاخص الزماني اذ ربما فسد كونه و بطل تركيبه فكيف يدركه كما لاتدرك العين شبح الشاخص الذي كان قبل حين و فسد كونه و بطل تركيبه.

و ان قيل ان مقتضي عالم الحس المشترك الذي اوسع من هذا العالم بدرجة ان‏يدرك مشعره الاشباح الاتية بقدر ادراكه للماضية كادراكه الدائرة التي كانت في الازمنة الماضية الا نقطة منها فلم لايدرك الاشباح الاتية بعد حين و لايقدر علي قصدها اول مرة ثم فعلها في الزمان بعد حين،

قلت انه لانغماره و انهماكه في الزمانيات لايقدر علي ادراك ما لم‏يقع شبحه في العين الزمانية بخلاف ما قد وقع شبحه فيها فانه يدرك المواضي المتصلة به و ان كان عالمه في نفسه اوسع من الزمان كما ان المثال الذي عالمه اوسع من الزمان بدرجات ان انهمك في الزمانيات لايقدر علي مشاهدة الاشباح الاتية بعد حين و يقدر علي مشاهدة الاشباح الماضية المنطبعة فيه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 416 *»

اللهم الا ان‏يعرض من الزمانيات اما بالنوم كما في الناقصين المنهمكين او بالرياضات كما في المرتاضين المتخلصين.

و ان قيل  فعلي هذا يمكن للحس المشترك ايضاً ادراك مايأتي من الاشباح بالاعراض عن الزمانيات بقدر مايدرك من المواضي اما في النوم و السنة او بالرياضة،

قلت لا مانع من ذلك البتة و بالاعراض عن الزمانيات يمكنه ادراك مايأتي بقدر ادراكه لما مضي لا ازيد ولكن لشدة اتصاله  بالزمان ربما لم‏يتميز بانه من الزمانيات او من ذلك الحس كما ان الدائرة المدركة من الشعلة الجوالة لم‏يتميز انها من الزمانيات او من الحس المشترك الا بعد التأمل ففي حال السنة التي هي بين النوم و اليقظة و حصل فيها الاعراض من الزمانيات في الجملة ربما تدرك الاشباح الاتية بعد حين المتصلة بالاشباح الواقعة في الحين بقدر ماتدرك المواضي المتصلة.

بالجملة فاذا عرفت ذلك و تأملت فيه فاعلم ان الروية و القصد و النية لمايأتي و الذكر و الحفظ لما مضي لايمكن الا للمشعر المثالي الذي هو غير محصور بحصار الازمنة الزمانية فهو لعلوه عنها يمكنه ادراك مامضي اي الصور المنطبعة فيه و يسمي هذا الادراك بالحفظ و الذكر و امثالهما فالذكر ربما كان صورياً خيالياً او معنوياً وهمياً او غير ذلك و يمكنه ايضاً تصوير ما لم‏يكن فهو اما مطابق للواقع ان وافق التقدير و اما غير مطابق ان لم‏يوافق و يسمي بالقصد و الروية و النية و امثال ذلك فهي اي الحفظ و الذكر لما مضي و القصد و الروية لمايأتي من خصال المشاعر المثالية و خواصها لعلوها عن الزمان و الزمانيات و ليست من خصال الحواس الظاهرة و الحس المشترك لانحصار الاولي جملة في الزمان و انحصار الثاني ايضاً في الجملة فيه كما مرّ مراراً.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الحيوة الحيوانية التي مشاعرها و قواها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 417 *»

السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس لما كانت متصلة بالزمان و الزمانيات كان اكتسابها منها دائماً من غير روية و قصد سابق علي الفعل فتري بالعين من غير قصد و تسمع بالاذن من غير روية و كذلك تشم بالانف و تذوق باللسان و تلمس بالاعصاب من غير قصد بل هي مضطرة في ادراك هذه المدركات مع صحة آلاتها و يكون اضطرارها للادراك بحيث اذا قصد المشاعر المثالية ان لاتدرک لاتقدر علي منعها الا بسد المنافذ التي هي آلاتها في الادراك فمادامت المنافذ مفتوحة الي مدركاتها لم‏تقدر علي منعها ابداً لانها مضطرة في الادراك كاضطرار النار للاحراق و الماء للتبريد فان اراد الانسان ان لايتسخن فليبعد النار و مع القرب منها لابد من تسخينها و تسخّنك منها لانها مضطرة في التسخين مع القرب و انت ايضاً في بدنك الدنيوي مضطر في التسخن مع القرب منها و لاتحتاج الي روية و قصد بل ان تقصد التبرد و عدم التسخن مع القرب منها لم‏ينفعك ذلك الا ان‏تبعد منها فكذلك العين مادامت مفتوحة مواجهة الي الشاخص ينطبع فيها شبحه لامحالة سواء قصد الانسان ذلك او لم‏يقصد و لاينفع قصد عدم الرؤية و عدم الانطباع مطلقاً الا ان‏يغمض العين و كذلك سائر الحواس في ادراكاتها و كذلك الحس المشترك يبصر بالعين المفتوحة سواء قصد الانسان ذلك او لم‏يقصد و لايقدر علي منعه من الابصار مع انفتاح العين بالجملة المقصود هو عدم احتياج الحس المشترك الي القصد في محسوساته فيدرك بغير قصد و روية و انما القصد و النية من خصال النفس الانسانية لا الحيوة الحيوانية.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان هذه الحيوة تكون في جميع ادراكاتها و افعالها كذلك اي يصدر منها الادراك و الافعال من غير قصد سابق فهي تبصر من غير قصد و تسمع و تشم و تذوق و تلمس كذلك فكذلك تجذب و تجمع الاموال من غير قصد سابق بالنارية التي في بدنها و تغضب و تبطش

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 418 *»

و تظلم و تغشم و تقتل و تضرب و تتكبر و تستعلي علي من سواها و تتبختر بها من غير قصد سابق و كذلك تلين و تصلح و ترفق و تطيع و تنقاد بالمائية التي في بدنها من غير قصد و كذلك تبطر و تعيش و تحب و تعاشر و تبذل بالهوائية التي في بدنها من غير قصد سابق و كذلك تدهش و تجبن و تبخل و تستوحش من غيرها و تلبد و تبلد بالترابية التي في بدنها من غير قصد سابق.

فأي خلط من اخلاط بدنها غلب يغلب خصاله و خواصه فيها فالاسد في بصالته و شجاعته مضطر لان في بدنه تغلب الصفراء فهو يشجع و يفترس من غير قصد سابق و عداوة سابقة بشي‏ء([12]) و انما طباعه الافتراس و الحمار فلابلادته@في بلادته خ‌ل@ و جبنه مضطر لغلبة البلغم في بدنه من غير قصد و فكر سابق و هكذا و ليس المراد تفصيل حال جميع انواع الحيوان لان الاشتغال لسائر@بسائر خ‌ل@ الامور مانع من ذلك و المراد بيان نوع الحال بحيث تقدر علي معرفة كثير من احوالها بعد الفكر ان‌شاءاللّه تعالي.

فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الانسان مشارك في هذه الحيوة مع سائر الحيوانات في حياته العرضية و يفعل بها مايفعل سائر الحيوان و يدرك بها ماتدرك بها فبها يبصر و يسمع و يشم و يذوق و يلمس كسائر الحيوانات و يجود و يبخل و يعطي و يمنع و يصول و يجبن و يجذب و يجمع الاموال و يدفع و يتكبر و يخضع و يعاشر و يخمل و يباشر و ينزوي و هكذا الي غير ذلك بالحيوة الحيوانية المنطبعة في بدنه كسائر الحيوانات و تري اغلب الناس في معاملاتهم و معاشراتهم و حرصهم علي جمع الاموال و بخلهم و جودهم و عطائهم ليلاً و نهاراً علي هذه المنوال ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون الا قليلاً منهم و هم الاقلون الناس كلهم بهائم الا المؤمن و المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر فتري الانسان الجبان لايقدر

«* الرسائل جلد 1 صفحه 419 *»

علي الخروج من بيته في الليلة الظلماء لغلبة السوداء في بدنه و ان تفكر في نفسه بان الناس يخرجون في الليلة المظلمة من بيوتهم في جميع القرون و الاعصار و الامصار و لايضرهم شي‏ء مطلقاً و يعلم بالعلم العادي ان جبنه من السوداء و ليس في خارج بيته مفترس او غيره من الموحشات و مع علمه بذلك كله لايقدر علي الخروج و ربما لو حملته علي ذلك ليصعق و يدهش و يغمي عليه و ليس ذلك كله الا لاجل غلبة السوداء في بدنه و تري الانسان الشجاع لايبالي من الحروب و القتال و الايقاع في المهلكات المرديات و الاقتحام في المهالك و القتال مع الاسود و النمار بلا اكتراث و هو يعلم بالعلم العادي ان الوقوع في الهلكات و الاقتحام فيها يضر البتة و لاينفع و لايبالي بالضرر القطعي العادي ابداً و ليس ذلك كله الا لاجل غلبة الصفراء في بدنه و هي مضطرة في اقتضائها لهذه الخصال و الخواص و تري المنهوم الحريص لايسكن في الليل و النهار في جمع الاموال و لاينصرف و لايعرض عنها ليلاً و نهاراً من غير روية و فكر فان تفكر في نفسه يري انها تحب ذلك من غير روية و فكر فكلما تفكر بالقوة الفكرية المثالية علم بالعلم العادي انه لايعيش في الدنيا ليصرف الاموال و يعلم انه يتركها لزوجته فتصرفها و تعيش و ترفع رجليه لسائر الرجال و كذلك سائر ورثته يصرفونها في مصارفهم في غفلة من ذكره و هو مع ذلك كله لايقدر علي امساك نفسه و حبسها و منعها عن الحرص و الجمع لانه مضطر في حياته المتطبعة بطبع الخلط الجاذب في الجمع و الحرص مادام حياً و ان علم بالعلم العادي انه يموت آناً بعد حين كما ان عينه تنظر و تبصر و ان علم بالعلم العادي النفساني انه يموت آناً بعد حين فكما يتنفس مادام حياً و يبصر مادام حياً يجمع مادام حياً و لايمنعه العلم بالموت ساعة بعد ساعة و كذلك تراهم في سائر اعمالهم و احوالهم و حبهم النساء و الاولاد و الخدم و الحشم و الاسباب و الاثاث من اول عمرهم الي آخره لاتكون الا لاجل خلط غالب او اخلاط علي ابدانهم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 420 *»

فتري الآمر فيهم الاخلاط و هواهم تابع لها مطيع منقاد ذليل بحيث لايعصون ماامرتهم و يفعلون مايؤمرون و لايكترثون كسائر الحيوانات في اعمالها و افعالها ان هم الا كالانعام بل هم اضل لانها لم‏تعط الفكر و الروية و هم معطون نعوذباللّه من هذه الاحوال التي كنا فيها ليلاً و نهاراً و لولا ان‏تداركنا نعمة من ربنا لكنا من الهالكين اللهم عفوك عفوك و نصرک نصرك نجّنا برحمتك و فضلك ياارحم‏الراحمين بجاه محمّد و آله الطيبين الطاهرين صلواتك عليهم اجمعين آمين يا رب العالمين.

فاذا عرفت تلك الادراكات و الاعمال و الافعال من الحيوة الحيوانية من غير قصد و استشعار و روية مع ان الحيوانية التي في الانسان بالعرض منجذبة الي المراتب العالية التي له بالفعل من العقل و النفس و المشاعر المثالية الصرفة و هي في سائر الحيوانات غير منجذبة الي الاعلي لعدم فعليتها لها فاعلم انها اولي باصدار الافعال من غير روية سابقة لانها من عالم المثال الصرف و ليس فيها مثالية صرفة فهي في افعالها([13]) غير شاعرة اي غير قاصدة غير ناوية.

و ان قيل من اين علمت انها ليست فيها المشاعر المثالية الصرفة مع ماتشاهد([14]) منها من الافعال الغريبة و الصنائع العجيبة التي قد عجز عنها الانسان الذي فيه المشاعر المثالية الصرفة كنسج العنكبوت و نظم لحماته و كمأوي الزنبور و نظم بيوتاته و كسياسة يعسوب النحل و اتباعها له و كالافعال الصادرة من القردة و الخنازير و سائر المسوخات مايشبه افعال الانسان.

فتري بعض تلك الصنائع قد عجز عنه الانسان و بعضها يشارك فيه مع ماتري فيها من القدرة علي بعض الافعال كالحركة في حال صغرها و معرفتها للمص و للضرع@الضرع خ‌ل@ و الامهات و التقاط الحب بعد الخروج من البيض في ساعتها

«* الرسائل جلد 1 صفحه 421 *»

مع ان الطفل الانساني حين تولده و بعده في مدة مديدة لايعرف شيئاً من ذلك فلايعرف ثدي امه و لا ابويه في مدة مديدة ثم يعرف يوماً بعد يوم الثدي ثم يعرف امه ثم اباه و هكذا الي ان‏يبلغ مبلغ الكمال و مع‏ذلك كله تقول ليس فيها الروية و الفكر و الشعور المثالية و تكون في الانسان فما حملك علي هذا القول؟

فاقول و باللّه التوفيق ان اتبع في ذلك الا ماالقي الينا من المعصوم([15]) من الخطاء العليم بحقائق الاشياء الشاهد علي خلقها حين خلقها اللّه سبحانه و تعالي كماقال الصادق7 في حديث مفضّل: اماتري الحمار كيف يذل للطحن و الحمولة و هو يري الفرس مودعاً منعماً و البعير لايطيقه عدة رجال لو استعصي كيف كان ينقاد للصبي و الثور الشديد كيف كان يذعن لصاحبه حتي يضع النير علي عنقه و يحرث به و الفرس الكريم يركب السيوف و الاسنة بالمواساة لفارسه و القطيع من الغنم يرعاه رجل واحد و لو تفرقت الغنم فأخذ كل واحد منها في ناحية لم‏يلحقها و كذلك جميع الاصناف المسخرة للانسان فبم كانت كذلك الا بانها عدمت العقل و الروية فانها لو كانت تعقل و تروي في الامور كانت خليقة ان تلتوي علي الانسان في كثير من مآربه حتي يمتنع الجمل علي قاعده و الثور علي صاحبه و تتفرق الغنم علي راعيها([16]) و اشباه هذا من الامور و كذلك هذه السباع لو كانت ذوات عقل و روية فتوازرت علي الناس كانت خليقة ان تحتاجهم فمن كان يقوم للاسد و المؤنة و الذئاب و النمور و الدببة لو تعاونت و تظاهرت علي الناس أفلاتري كيف فعل ذلك([17]) و صارت مكان ماكان يخاف من اقدامها و نكايتها تهاب مساكن الناس و تحجم عنها ثم لاتظهر و لاتنشر لطلب قوتها الا بالليل فهي مع صولتها كالخائف للانسان بل مقموعة ممنوعة منهم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 422 *»

و لولا ذلك لساورتهم في مساكنهم و ضيقت عليهم ثم جعل في الكلب من بين هذه السباع عطف علي مالكه و محاماة عنه و حفاظ له فهو ينتقل علي الحيطان و السطوح في ظلمة الليل لحراسة منزل صاحبه و ذبّ الذعار عنه و يبلغ من محبته لصاحبه ان‏يبذل نفسه للموت دونه و دون ماشيته و ماله و يألفه غاية الالف حتي يصير معه علي الجوع و الجفوة فلم طبع الكلب علي هذه الالف الا ليكون حارساً للانسان له عين بانياب و مخالب و نباح هائل ليذعر منه السارق و يتجنب المواضع التي يحميها و يخفرها الي آخر الحديث الشريف. فتفكر في مطاويه كيف يستدل7 بالعقل الخالص غير المخطي انها مع هذه الخصال الغريبة و الفعال العجيبة لو كان لها عقل و شعور و روية لامتنعت عن الانقياد و الاطاعة و تظاهرت علي اهلاك بني‏آدم فهذا الحديث الشريف دليل نقلي لاهل الظاهر عقلي لذوي الحجي بحيث لايتطرق فيه الشبهة بانها لو كانت ذوات روية و فكر و تدبير لامتنعت عن الانقياد البتة و تظاهرت علي اتلاف الناس لانهم اعدي عدوها فالافعال الظاهرة منها مع غرابتها طبيعية من غير شعور و روية كما عرفت امثالها في الانسان الجبان و الشجاع و المنهوم في جمع الاموال و المحب للاهل و الاولاد مع ان هذا الحس من الانسان منجذب الي المراتب العالية الشاعرة فهي مع عدم انجذاب الحس فيهم الي الاعلي اولي بعدم الروية و الفكر في امورها هذا.

و قد عرّف هذا الحس اميرالمؤمنين7 بانها قوة فلكية لها خمس قوي و خاصيتان فالقوي هي السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الخاصيتان الرضا و الغضب و قد عدّ7 من افعالها الظلم و الغشم و جمع الاموال و امثالها ثم قال7 اذا عاد عاد عود ممازجة فتفكر انها لو كانت لها مشاعر مثالية صرفة لتعلقت بها النفس الانسانية كما تعلقت بالانسان و ان كان في غاية البلادة و اي بلادة اقوي مما في الطفل المتولد في ساعته

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 423 *»

و قد تعلق به النفس و بسبب تعلقها به صار دهرياً مخلداً اذا عاد عاد عود مجاورة لا ممازجة فهي لو كانت فيها احدي القوي المثالية الصرفة لتعلقت بها النفس و لصارت دهرية مخلدة اذا عادت عادت عود مجاورة لا ممازجة و قد قال7 اذا عاد عاد عود ممازجة فتدبر في ذلك كمال التدبر فكم من عالم قد عد نفسه من اعداد الحكماء البلغاء و يزعم ان لها القوة الواهمة المثالية و بعضهم يزعم ان لها القوة الحافظة لما رأي انها تذهب الي المرعي و ترجع الي مرابطها و لما رأي انها كلها تذهب في طلب القوت الي ابعد المكان من مواطنها و ترجع اليها و منهم من يزعم ان لها القوة المتفكرة و المتصرفة لما رأي انها تبني البيوت علي نظم محكم و تنسج علي النسق المتقن و غير ذلك من عجائب الصنع و هم غافلون بانها لو كان لها في مثل هذه الغرائب العجائب تدبير و تصرف و فكر و روية لكانت احذق و ادق و اعلم من الانسان بمراتب شتي لانه لايقدر علي النسج مثل العنكبوت فالعناكب تكون افضل و اعلم و ادق من الانسان و لايقدر ايضاً علي صنع شي‏ء مثل بيوت الزنابير فكانت هي اعلم و اتقن صنعاً منه و اغلب الناس حتي العلماء الحكماء لايقدرون علي الرجوع الي منازلهم اذا ساروا سيراً بعيداً الا بالذهاب و الاياب مع الدليل مراراً كثيرة فالحمار الذي هو ابلد من سائر الحيوانات اذا سير به في طريق فيها الشعوب من الطرق يرجع و لايغلط فيها و لو سير به مرة واحدة فهو احفظ من الانسان و اعلم لان الانسان في الغالب لايقدر علي ان لايغلط و ان لايشتبه عليه الشعوب فمن قال ان الحمار مع بلادته المعروفة التي تضرب به الامثال كان احفظ و اعلم من الانسان فهو مشارك معه و لايليق بالتكلم و التعلم و التفكر فمن كلّمه و اراد تعليمه ففيه شائبة من البلادة فالافعال الصادرة عنها و الصناعات الظاهرة منها كلها طبيعية من غير شعور و روية و ان كانت في غاية الاحكام و نهاية الابرام فتعالي اللّه الملك الحكيم العلام في خلقته لها و جعله فيها هذه الافعال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 424 *»

العجيبة و الصنائع الغريبة من غير روية منه لاصلاح امور الدنيا و نظمها كما هو مذكور في حديث مفضّل فارجعه تجده وافياً في ذلك.

و اما ماتري من عدم شعور الطفل حال تولده و بعده مدة@بعد مدة خ‌ل@ مديدة و ماتري من ظهور مايشبه الروية و الشعور من اولاد الحيوانات و افراخها فاعلم انه لا شك ان الفرخ حين خروجها من البيض@خروجه عن البيض خ‌ل@ يلتقط الحب و يتجرع و الجدي و امثاله حين تولدها تتحرك و تتفحص عن الضرع و تمصه و الطفل حين تولده لايقدر علي ذلك فذلك ادل دليل علي ان شعورها شعور طبيعي لا شعور روية و تدبر لان الانسان الماهر البالغ العالم الحكيم اذا دخل قرية لم‏يرها ابداً و لم‏ير نوع مايكون فيها من العمارات من الطرق و منافذها ابداً يرتاع و يتحير مدة مديدة ثم يتفكر فيها و يتدبر شيئاً بعد شي‏ء و يفهم شيئاً بعد شي‏ء الي ان‏يعرف طرقها و مسالكها أفتزعم ان الفرخ حين خروجه و الجدي حين تولده يكونان اعلم و اعرف من ذلك الانسان البالغ بحيث لايتحيران في شي‏ء من اوضاع هذا العالم و يلتقط@تلتقط خ‌ل@ الفرخ و يمص الجدي من غير تحير أفقد تعلما في البيض و في بطن الام و لا ازعم ان‏تقول انهما اعرف من الانسان البالغ فتبارك الذي قد جبلها([18]) علي ذلك من غير روية بقدر احتياجها([19]) فاعتبر انها كلها مجبولة مطبوعة ليس لها فيها فكر و روية ابداً. اماتري انها لاتترقي شيئاً بعد شي‏ء و كان لها من الخصال و الافعال في اول تولدها الي آخر آجالها ولو كان لها روية لكانت مترقية شيئاً بعد شي‏ء بخلاف الطفل فانه فيمايحتاج اليه حال تولده كالمص و غيره اعطي من اللّه سبحانه كسائر الحيوانات و يكون فيه ما لم‏يكن في سائر الحيوانات و ان لم‏يكن ظاهراً لك حين تولده و بعيده دفعة واحدة ولكن ألم‏يكن يترقي شيئاً بعد شي‏ء و يتعلم يوماً بعد يوم فان لم‏يكن فيه مايترقي@يرتقي خ‌ل@ به فلم

«* الرسائل جلد 1 صفحه 425 *»

‏يستزيد يوماً فيوماً فيعرف اولاً ثدي امه ثم امه ثم اباه ثم الحروف المفردة ثم المركبة ثم الكلمة ثم المعاني ثم الاداب ثم الحسن و القبح ثم الحروف المكتوبة ثم المركبة ثم الكلمة ثم تركيبها ثم المعاني المتبادرة ثم المجازات ثم الفحاوي ثم الرموز ثم المعاني الغيبية الحكمية ثم المعارف الالهية و هكذا يترقي شيئاً بعد شي‏ء و لا شك انك تجد نفسك و سائر الناس يجدون انفسهم انهم لايصيرون دفعة واحدة في ساعة من الساعات عالماً ماهراً بل يجدون انفسهم انهم جاهلون بشي‏ء مثلاً ثم يعرفون منه شيئاً مبهماً غير واضح ثم يصير لهم اوضح ثم اوضح حتي يبلغون مبلغ المعرفة فيه و ذلك فيما سوي الطبيعيات فانها دفعية كما كانت في سائر الحيوانات فعلم من ذلك ان في الطفل شيئاً يتزايد يوماً فيوماً و ليس في سائر الحيوانات ذلك الا ان‏يكون فيها شي‏ء قليل قليل ظلي لايعبأ به.

فاذا عرفت ذلك في الانسان و عرفت انها لم‏تظهر فيه دفعة واحدة بل تظهر منه يوماً فيوماً فلابد لك الاقرار و الاعتراف بان مبدأ ظهورها منه اما عند تولده او في بطن امه اما في بطن الام فلكثرة الرطوبات السارية في منافذه لايقدر علي ادراك شي‏ء من المحسوسات الخمسة الا اللمس و هو ايضاً في غاية الضعف فلايبصر فيه و لايسمع و لايشم و لايذوق و انت تعلم ان العلوم مستنبطة منها في اول الامر لامحالة فان لم‏يبصر فكيف يتصور المبصرات و ان لم‏يكن يسمع فيكف يتصور المسموعات و هكذا في سائر الحواس فلم‏يكن في بطن امه الحواس المشتركة بينه و بين سائر الحيوانات فاذا تولد و فتح عينيه و رأي شيئاً من المبصرات يحصل له تصورها في عالم المثال و اذا سمع المسموعات يقدر علي تصورها في عالم المثال و كذلك في سائر الحواس ولكنها في غاية الضعف و نهايته بحيث لم‏يكن اضعف منه فاذا تصور الشي‏ء و ان كان ضعيفاً في غايته تعلق به النفس الناطقة و هي ايضاً في غاية الضعف و نهايته بحيث لم‏يكن اضعف منها و لم‏يكن ذلك في

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 426 *»

الحيوانات مطلقاً صغيرها و كبيرها الا اظلال بعض ذلک في بعضها كحركة المفتاح فانها لم‏تخرج من ذاتها و انما هي عارضية ظلية.

بالجملة فلما رأينا في انفسنا انا نستزيد شيئاً بعد شي‏ء و لم‏نجد مبدأ الاستزادة في احد الاسنان قد علمنا بالعلم القطعي ان مبدأها حين تولدنا لامحالة و علمنا ان مبدأها ليس في البطن ايضاً و ان لم‏يعرف غيرنا و بعد ذلك كله وزنا ماعرفنا بقول المعصوم عن الخطاء و الزلل وجدناها مطابقة له فجزمنا علي ماعرفناه و ذلك القول قول اميرالمؤمنين7 في شرح الارواح و النفوس و تميز كل واحدة عن غيرها و مبدأ كل واحدة و منتهاها وجدناه يقول ان اول تعلق النفس الناطقة بالبدن حين التولد الدنيوي و علمنا انها ليست متعلقة بابدان سائر الحيوانات لما يكون عودها عود ممازجة و فساد و هذا القدر من البيان كاف لك ان‌شاءاللّه تعالي.

المشعر الثاني: في المتخيلة

و هي قوة مثالية تدرك بها صور المحسوسات الخمسة و محل ظهورها في العالم فلك الزهرة كما ان محل ظهور الحس المشترك فلك القمر و هي بنفسها فوق جميع الزمان و الزمانيات فالزمانيات لانحصارها فيه لم‏تدرک الا في الحال و قد غاب عنها الماضي و الاستقبال و كذلك الحس المشترك لاشتراكه و برزخيته بين الجسم و المثال لم‏يدرك من الماضي الا مااتصل بالحال و لم‏يقدر علي ادراك الصور الحاصلة فيه بعد الانفصال مما وقع في الحال ولكن المثال الصرف لعدم انحصاره في الزمان و تخلصه منه بالكلية لايحتاج في ادراك الصور الحاصلة له الي الزمان مطلقاً بعد حصولها له فيدرك ما فيه من الصور الحاصلة و ان اكتسب من الزمانيات في اول عمره‏ اي عمر بدنه و مرّ عليه سنون عديدة و ان فسدت الزمانيات و تلاشت و اضمحلت و عادت الي اصولها عود ممازجة و سرّ ذلك لانه غير محصور بحصار الوقت الزماني و المكان الزماني فلايحبس شخص المثال تحت السماء ابداً و لايحيط به وقت زماني مطلقاً و لاجل ذلك كان مستعلياً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 427 *»

علي الجسم و مكانه و وقته و نسبته الي جميع الاوقات و الامكنة علي السواء فلايحتاج في ظهوره في مكان خاص الي طي المسافة الواقعة بين جسمه الزماني و بين ذلك المكان و لايحتاج في ادراك الصورة الحاصلة له قبل حال بدنه بسنين الي ادراك الصورة الحاصلة له قبل حال بدنه بسنة فيظهر في المكان و الوقت الزمانيين علي نحو الطفرة لتساوي اجزائهما بالنسبة اليه ففي اي مكان وجدت مرءاة حاكية له ظهر فيها و في اي زمان وجدت ظهر و اذا انكسرت عاد الي عالمه و اذا وجدت ثانياً ظهر و ان وجدت واحدة ظهر واحداً و ان وجدت متعددة ظهر متعدداً و هو هو في عالمه لايتعدد في نفسه بتعددها و لايفني بفناها@بفناءها خ‌ل@ و لايتغير بتغيرها و من ذلك علم ان اميرالمؤمنين7 و ان ظهر في اربعين صورة و يتكلم بلسانها جميعاً لم‏يتعدد هو بنفسه النفيسة فهو هو في كل الصور ففي كلها كان اباالحسنين8 و ابن عم الرسول9و زوج البتول3.

بالجملة فالمتخيلة لما كانت مثالية تدرك الصور الحاصلة لها متي شاءت و ارادت فهي محل ارتسام التصورات الصورية الخمسة بوساطة الحواس الخمسة ابتداء و بدونها بعد الاكتساب كما لايخفي علي ذي‏مسكة.

المشعر الثالث: في المتفكرة

و هي قوة مثالية و محل ظهورها في العالم اجمالاً فلك عطارد فهي في الانسان قوة يدرك بها النسب الحكمية التصديقية بين الصور المرتسمة في المتخيلة و بينها و بين المعاني الجزئية المقترنة المرتسمة في المتوهمة كما يأتي و بين معني من المعاني و معني  آخر ايجاباً و سلباً فلما توجهت الي الصور المرتسمة في المتخيلة و رأت صورة القيام و صورة زيد مثلاً فان وجدت الاقتران بينهما و اتصاف زيد به حكمت بان النسبة بينهما نسبة ايجابية فيدرك الانسان بها ان زيداً قائم و ان وجدت الافتراق بينهما و عدم اتصاف زيد به حكمت بان النسبة بينهما نسبة سلبية فيدرك الانسان بها ان زيداً ليس بقائم و هكذا اذا توجهت الي المتخيلة و ادركت صورة زيد و

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 428 *»

عمرو و توجهت الي المتوهمة و ادركت المحبة التي من المعاني و ليس لها صورة خيالية فان وجدت اقترانها بزيد و عمرو اتصافهما بها حكمت بان النسبة بينهما و بينها ايجابية فيدرك الانسان بها ان زيداً محب لعمرو و هو محبه و ان وجدت الافتراق و عدم الاتصاف حكمت بان النسبة بينهما و بينها نسبة سلبية فيدرك الانسان بها ان زيداً ليس محباً لعمرو و هو ليس محباً له و اذا توجهت الي المتوهمة و ادركت معنيين من المعاني فادركت المحبة و ادركت قوتها مثلاً فان وجدت اتصافها بها حكمت بان النسبة بينهما ايجابية فيدرك الانسان بان محبة زيد شديدة بالنسبة الي عمرو و ان وجدت الافتراق و عدم الاتصاف حكمت بان النسبة بينهما نسبة سلبية فيدرك الانسان بان محبة زيد ليس بشديد بالنسبة الي عمرو.

بالجملة فهي قوة و آلة لادراك التصديقات ايجاباً و سلباً و ليس لها طبع خاص و صورة خاصة لا صورية خيالية و لا معنوية واهمية كما ان عطارد ليس لها@له خ‌ل@ طبع خاص فهو مع السعد سعد و مع النحس نحس و ليس فيه سعادة و لا نحوسة من حيث هو هو و ليس ذلك الا لاعتداله الخارج عن الحدود الخاصة فكذلك المتفكرة الناشئة منه تصير حين الالتفات الي المتخيلة صورية و حين الالتفات الي المتوهمة معنوية فمن ذلك عرفت الفرق بين هذه المشاعر الثلثة ان‌شاءاللّه. فالمتفكرة مشعر اعلي من المتخيلة و المتوهمة من حيث عدم تعينها بصورة خاصة معنوية كانت او صورية و ان كانت ادني منهما من حيث التوقف عليهما فانهما ما لم‏توجدا اولاً لاتقدر المتفكرة علي ادراك النسب كما ان فلك عطارد اعلي من فلك الزهرة و المريخ من حيث عدم تعينه بصورة السعادة و النحوسة و ان كان دونهما من حيث الوضع فهو آية الشمس في كونه اسفل منهما وضعاً و اعلي منهما رتبة كما ان الشمس مع كونها في السماء الرابعة تكون اعلي من اعاليها رتبة لاكتساب جميع الكواكب منها في انوارها كما ان المتفكرة آية المادة الثانية في الانسان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 429 *»

لتصورها بكل صورة و تلبسها بها اياًماكانت و باللّه التوفيق.

المشعر الرابع: في المتوهمة

و هي قوة يدرك بها الانسان المعاني المجردة عن الصور المقدارية ذاتاً المقترنة بها فعلاً و محل ظهورها في العالم الكبير فلك المريخ و هو مربيها في العالم الصغير و المعاني المدركة بها هي المقترنة بالصور المرتسمة في المتخيلة التي هي التصورات الصورية و ليس لها في نفسها صورة من تلك الصور و ان كان لها صورة معنوية مثالية فاذا رأيت لحس الشاة للجدي و شمها له يقع في المتخيلة صورة الشاة و الجدي علي هيأة مخصوصة فلما اشرفت الواهمة عليهما استخرجت منهما صورة المحبة المعنوية و استنبطت المحبة بينهما و ليس لها طول و عرض و عمق و لا لون و طعم و امثال ذلك من الصور المقدارية و كذلك اذا اشرفت علي صورة تعاقب الذئب الشاة المرتسمة في المتخيلة تستنبط من بينهما العداوة و ليس لها ايضاً صورة خيالية نعم لها صورة معنوية بها تمتاز عن المحبة فعرفت ان شاءاللّه ان المتوهمة هي القوة المدركة للمعاني المقترنة بالصور الخيالية و هي غير المتخيلة لانها تدرك المعاني و هي تدرك الصور اذ ربما تلتفت من المتخيلة و تدرك صورة الشاة و الجدي و صورة الذئب و الشاة و تغفل عن معني المحبة و العداوة فلو كانتا شيئاً واحداً لماتغفل من احديهما حين التوجه الي الاخري فكما ان الصورة غير المعني كذلك مدرك الصورة غير مدرك المعني اذ لاتحد الادوات الا انفسها و لاتشير الالات الا الي نظائرها كما روي عن اميرالمؤمنين7.

بالجملة فالصور المرتسمة في المتخيلة بمنزلة الالفاظ المرتسمة في اللوح و المعاني بمنزلة معانيها فكل معني مستخرج من الصور المرتسمة فالمدرك له هو المتوهمة و كفي هذا القدر من البيان فيها ان شاءاللّه تعالي و هي آية المتعقلة من المقام الادني لانهما تدركان المعاني الجزئية الا ان الاولي تدرك المعاني الجزئية المقترنة بالصور و الثانية تدرك المعاني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 430 *»

الجزئية المجردة المثالية كما ان المتخيلة آية المتعلمة في المقام الادني لانهما تدركان الصور الا ان الاولي تدرك الصور المقدارية المنطبعة@المنطبقة خ‌ل@ و الصور المادية الزمانية و الثانية تدرك الصور المجردة المثالية كما يأتيك ان شاءاللّه تعالي.

المشعر الخامس:  في المتعلمة

و هي قوة مثالية يدرك بها الانسان الصور العلمية المجردة عن المواد الزمانية و صورها و عن التصورات الصورية الخيالية و المعنوية الواهمية و عن التصديقات الفكرية و محل ظهورها في العالم الكبير فلك المشتري و هو مربيها في العالم الصغير و هي خليفة النفس و آيتها في العالم الادني اعني المثال لانهما كلتاهما تدركان الصور المجردة الا ان الاولي تدركها مجردة عن خصال مادونها من المعاني الجزئية الي الصور الزمانية و الثانية تدركها مجردة عن خصال مادونها و صفاتها من المثاليات و الحسيات و الزمانيات باسرها.

فعينك عيناها و جيدك جيدها   سوي ان عظم الساق منك دقيق

و يأتي شرح حالها ان‌شاءاللّه تعالي.  فالمتعلمة هي الدراكة لكل ماكان دونها باشراق فعل النفس عليها و ليس فيها خواص مادونها و لوازم رتبها مطلقاً فليس فيها ارتباط معني بصورة كما كان في المتوهمة و لا ارتسام الصور عليها كما كان في المتخيلة و لا انتساب صورة بصورة و لا صورة بمعني و لا معني بمعني كما كان في المتفكرة و لا اقتران الزمانيات بها كما كان في البنطاسيا و لا انطباع الصور الزمانية فيها كما كان في الحواس الظاهرة لانها هي المميزة بينها المفرقة بان كل واحدة منها غير الاخري فهي مستعلية علي جميعها الصادرة عن امرها و نهيها جميع مادونها فلو كانت واقعة في الرتبة الوهمية لماتدرك الصور الخيالية و لو كانت في الرتبة الخيالية لماتدرك المعاني الوهمية و لو كانت في الرتبة الحسية لماتدرك غيرها من الصور و المعاني التي هي فوقها و لو كانت في مقام الحواس الظاهرة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 431 *»

لماكانت تدرك المدركات العالية منها فلما كانت مستعلية علي جميعها تدرك الكل مجردة عن خواصها و رتبها و لوازم رتبها لقوله7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فهي المدركة للكل العالمة بالجميع و ان اردت ان‏تعرف تجردها عن جميع لوازم مادونها ففكر و تدبر في ان العلم بالمحبة و العداوة و امثالهما من المعاني هو المحبة و العداوة ام غيرهما و العلم بالطول و الطويل هو الطول و الطويل و العلم باللون هو اللون و العلم بالصوت هو الصوت و العلم بالشم هو الشم و العلم بالطعم هو الطعم و العلم باللمس هو اللمس ام لا سواء كانت زمانية ام مثالية فاذا تدبرت في ذلك و تأملت لعرفت ان شاءاللّه تعالي ان العلم بها غيرها و العلم في نفسه مجرد عن جميعها اذ لو كان في نفسه مصوراً بصورة خاصة لم‏يمكنه ادراك ماسواها فالمدرك للمختلفات لابد و ان‏يكون مستعلياً عليها في الصفات حتي لايكون محصوراً بحصار خاص ممنوعاً به من الخروج منها كما ان العين لما كانت في نفسها غير ملونة بلون خاص يمكنها ادراك جميع الالوان المختلفة اذ لو كانت في نفسها زرقاء مثلاً و واجهت الي الشي‏ء الاصفر لادركت الشي‏ء اخضر فلذلك يجب ان‏يكون كل مدرك للمختلفات في كل مقام مستعلياً عليها غير مقيد بقيودها حتي يدركها فالمتعلمة التي تميز بين جميع الحواس و تدرك محسوساتها لاتكون في نفسها مصورة بصورة احديها بل تكون في نفسها بالنسبة اليها مجردة عن قيودها لامحالة كما انت تجدها في نفسك ان تأملت ان‌شاءاللّه تعالي.

المشعر السادس: في المتعقلة

فهي قوة مثالية بها يدرك الانسان المعاني المجردة غير المقترنة بالصور و المعاني التي هي دونها في الرتبة و محل ظهورها في العالم الكبير فلك زحل و هو مربيها في الانسان الذي هو العالم الصغير فهي فيه آية العقل الكلي المدرك للكليات و خليفته في عالم المثال و الفرق بينها و بين المتعلمة انها تدرك الكليات المجردة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 432 *»

و هي تدرك الجزئيات فهما مشتركتان في ادراك المجردات مختلفتان في الكلية و الجزئية فالمتعلمة مدركة للصغري الجزئية ابداً و هي مدركة للكبري الكلية ابداً اذ مدرك الجزئي لابد و ان‏يكون جزئياً و المدرك للكلي@الکلي خ‌ل@ لابد و ان‏يكون كلياً للزوم وجود المناسبة بين المدرك و المدرك كما قال اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فالمدرك بان «العالم متغير» هو المتعلمة و المدرك بان «كل متغير حادث» هو المتعقلة و كل واحدة منهما غير صاحبتها@صاحبتهما خ‌ل@ لانهما لو كانتا مدركاً واحداً لشي‏ء واحد لكان مدركهما واحداً و لا شك ان معني الجزئي غير معني الكلي و معني الصغري اي «العالم متغير» غير معني الكبري اي «كل متغير حادث» و لذلك اي لاجل اختلافهما و اختلاف مدركهما تحتاج في اثبات النتيجة اليهما جميعاً و الي مدركهما اي الصغري و الكبري جميعاً ولو كانتا شيئاً واحداً و مشعراً واحداً معني مترادفاً لفظاً لكنت تكتفي باحد اللفظين عن الاخر و لاجل ذلك ربما تضعف المتعقلة في شخص و لم‏يقدر علي اثبات قاعدة كلية يتفرع عليها افراد و فروع كثيرة فيدرك بالمتعلمة ان هذا الشي‏ء متغير و لايدرك ان كل شي متغير حادث لضعف متعقلته لان هذا الشي‏ء متغير من البديهيات بالنسبة الي الكبري و هي نظرية بالنسبة اليها فيدرك البديهي بصراحته و لايدرك النظري لدقته و خفائه عليه و لاجل ذلك يحتاج في ادراك النظريات الي تعليم معلم و تنبيه منبّه و هو يقدر علي اثبات فروع كثيرة مترتبة علي قاعدة كلية فكلما قوي المتعقلة في شخص يقدر علي اثبات قاعدة تحتها قواعد تحت كل واحدة منها افراد كثيرة فرب عاقل قد اوتي من اللّه سبحانه باباً واحداً من العلم و نقطة واحدة منه يقتدر بها علي استخراج جميع العلوم الظاهرة و الباطنة فان العلم في الحقيقة نقطة واحدة كثرها الجهال لعدم احاطتهم بها فمن احاط بها و اوتيها فقد اوتي خيراً كثيراً فبذلك تختلف درجات الحكماء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 433 *»

فرب حكيم اوتي باباً تحته الف الف باب و رب حكيم اوتي باباً تحته الف باب و رب حكيم اوتي باباً تحته مأة باب و هكذا الي ان‏يبلغ الي من اوتي باباً تحته عشرة ابواب و فوق كل ذي علم عليم فلاتغلوا في الحكماء و تزعموا ان كلهم قد وقعوا في درجة واحدة فكم من حكيم يحتاج الي حكيم في مدة([20]) مديدة و لايبلغ اليه الي آخر عهده فاذا كان الامر كذلك بين الحكماء فكيف يكون الامر بينهم و بين الائمة الهدي عليهم الصلوة و السلام و هذا القدر من البيان كاف لك ان شاءاللّه تعالي في معرفة المشاعر البرزخية و التفريق بينها. و بقي شي‏ء ينبغي التنبيه عليه لتكون علي بصيرة في حقائقها ان شاءاللّه تعالي.

تنبيــه

اعلم ان هذه المشاعر من اولها الي آخرها من حيث هي هي مراتب حيوانية و ان لم‏يوجد في سائر الحيوان منها الا الحس المشترك لنقصانها و عدم لطافة موادها ولكنها كلها توجد في الحيوانية التي هي مركب الانسان و عرضها العارض عليه اللاحق به حين نزوله من موطنه الاصلي الي سائر العوالم التي دون مرتبته لاكتساب الكمال بمقتضي قوله7 :

تغرب عن الاوطان في طلب العلي   فسافر ففي الاسفار خمس فوائد
تفرج هم و اكتساب معيشة   و علم و آداب و صحبة ماجد

فلو لم‏ينزل و لم‏يسافر لم‏يكتسب كمالا في موطنه و لا علماً و آدابا([21]) و اعمالا مطلقاً فلذا قدر اللّه المدبر الحكيم له النزول و يسر له السفر لاكتساب الكمال لئلايلزم في خلقته له لغو و عبث فلما نزل من موطنه الي عالم المثال تلبس بلباس مثالي فصار له بدن عرضي له مشاعر و اعضاء و هو حين نزوله حبة واحدة ليس له تعين كمالي فزرعت في ارض بدنه المثالي و اضمحلت و تلاشت فيها فحصل بينها و بين كل جزء من اجزائها التي هي مشاعر بدنه فعل و انفعال فتطبع في كل جزء بطبعه و انصبغ بصبغه بعد ان كانت في نفسها

«* الرسائل جلد 1 صفحه 434 *»

حبة مبهمة بالفعل قابلة للتطبع فاذا نبتت من تلك الارض ثانياً و استوت علي سوقها سنبلت سنابل عديدة في كل سنبلة حبات غير حبات سنبلة اخري فالمثال الملقي في كل سنبلة صار علي هيأتها و اظهر عنها افعاله الخاصة به فالمثال الملقي في هوية المتعقلة صار فيها عاقلاً و سمي بالعاقلة فادركت بها المعاني المجردة و المثال الملقي في هوية المتعلمة صار فيها عالماً و سمي بالعالمة فادركت العلوم الصورية المجردة كما عرفت و المثال الملقي في هوية المتوهمة صار فيها وهماً و سمي بالواهمة و ادركت المعاني المقترنة بالصور الخيالية و المثال الملقي في هوية المتخيلة صار فيها خيالاً و سمي به فادرك الصور المقدارية و هكذا في كل رتبة تطبع المثال بطبيعتها و طبيعة اجزائها و المدرك في كل مرتبة هو المثال الملقي و ان ادرك بآلية الهوية فالعاقلة و العالمة و الواهمة و الخيال و الفكر اسماء للامثلة الملقاة في هويات المتعقلة و المتعلمة و المتوهمة و المتخيلة و المتفكرة و هي اسماء للهويات لا الامثلة نعم ربما سمي مثال باسم هويته للمجاورة مجازاً فلاتغفل من ذلك.

ثم اعلم ان هذه الهويات كلها مثالية برزخية فتكون كلها فوق عالم الاجسام العرضية باسرها فكل جزء منها يظهر في كل جزء مناسب له منها بعد صفائه و اعتداله المناسب له فبسائطها قد ظهرت في بسائطها و مواليدها تظهر في مواليدها فعرشها في عرشها و كرسيها في كرسيها و افلاكها في افلاكها و عناصرها في عناصرها فاذا تألفت العناصر هنا و تداخلت و امتزجت و تفاتعلت و حصل لها صورة وحدانية تصير دماً متشاكل‏الاجزاء في الكبد و يجري منه الي القلب الصنوبري و يبخر بحرارته و يصير روحاً بخارياً بلطافة جسم فلك القمر فيشتعل بمااشتعل به فلك القمر و هو الحيوة الحيوانية فاذا ادركت المحسوسات الخمسة من الحواس الخمس تصير حساً مشتركاً و محل ظهوره في اول درجة من الدرجات الدماغية فاذا صعد منها بدرجة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 435 *»

يصير بلطافة فلک عطارد و يصير محلاً لظهور المتفكرة فاذا صعد درجة اخري يصير بلطافة فلك الزهرة و يشتعل بمااشتعلت به فيظهر فيه المتخيلة فاذا صعد منها الي درجة اخري يصير بلطافة فلك المريخ و اعتداله فيشتعل بمااشتعل به فيصير محلاً لظهور المتوهمة و هكذا اذا صعد منها درجة اخري يصير بلطافة فلك المشتري المربي للعلم و يشتعل بمااشتعل به فيصير محلاً لظهور المتعلمة و اذا صعد منها درجة اخري يصير بلطافة فلك زحل و اعتداله و يشتعل بمااشتعل به و يصير محلاً لظهور المتعقلة فالبخار الصاعد في الدرجات الستة الدماغية لايصير مثالياً ابداً و انما هو بخار جسماني عرضي في جميع الدرجات ففي الدرجة السادسة يكون مظهراً للمتعقلة المثالية و في الخامسة يكون مظهراً للمتعلمة و في الرابعة يكون مظهراً للمتوهمة و في الثالثة يكون مظهراً للمتخيلة و في الثانية يكون مظهراً للمتفكرة و في الاولي يكون مظهراً للحس المشترك لان الجسم العرضي الدنيوي لايصير باللطافة و الرقة و الصعود مثالاً ابداً فلاتغفل من ذلك.

ثم اعلم ان البخار الصاعد في الدرجات الدماغية لايصعد الي اعلي مدارجه في مولود و انما يصعد اليه في المولود الجامع و هو المتفرد عن الانداد المستعلي علي الاضداد و سائر الاناسي الذين درجتهم دون درجته فدرجتهم منحطة من درجاته لامحالة فكم من واقف في الدرجة الخامسة فكم من واقف في الرابعة و هكذا في الدرجات@الدرجات الدرجات خ‌ل@ الدانية. نعم يمكن وقوف مولود في الدرجة الدانية و باشراق الدرجة التي فوقها عليها يدرك مافوقها بالظل و ليس له من الدرجة العليا اصل و سرّ ذلك ان الفلك الاعلي يشرق علي الادني لامحالة و باشراقه فيه يحدث فيه طبعه و خواصه لامحالة فالمراد بالظل الذي يكون من العالي في الداني هو تطبع الداني بطبع العالي ففلك القمر مثلاً لما اشرق عطارد و الزهرة مثلاً تطبع بطبعهما في رتبته فهو في رتبته يكون فيها ظل عطارد و ظل الزهرة و ظل الشي‏ء يشابهه لامحالة فلاجل ذلك يكون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 436 *»

في الواقفين في الدرجات الدانية بعض خصال غير الواقفين و انت تعلم ان شاءاللّه ان الظل لايساوي ذاالظل و البدل لايقابل الاصل «فلا كل من حاز الجمال بيوسف» فلايغرنك تقلبهم في البلاد و دعاويهم بين ضعفاء العباد، فان

ثوب الرياء يشف عماتحته   و ان التحفت به فانك عاري

و اللّه ولي التوفيق و به نستعين فانه خير رفيق و لاجل ماعرفت ان‌شاءاللّه تعالي تري في بعض الحيوانات مايشابه التوهم و التخيل و التفكر مع انها خلقت من ما في فلك القمر و ليس لها قبضة من سائر الافلاك لما فيه من اظلال الافلاك العالية فتوهم كثير من الناس و تخيلهم و تفكرهم من هذا القبيل ان هم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون.

الخاتمــة

في بيان الحصص الشمسية و الكرسية و العرشية في المولود. فاعلم ان كل مولود في وجوده بل كل موجود يحتاج الي اربع مراتب حتي يصير هو هو فلو لم‏يكن واحدة منها لم‏يصر الشي‏ء شيئاً تاماً و تلك المراتب الاربع مرتبة المادة النوعية و مرتبة الصورة النوعية و مرتبة المادة الشخصية و مرتبة الصورة الشخصية فلايوجد شي‏ء لا في السماء و لا في الارض و لا في الغيب و لا في الشهادة الا بعد اقتران تلك المراتب كما تري عياناً ان السرير يحتاج في كونه سريراً الي صورته الشخصية التي يمتاز بها عن غيره و الي قطعات الخشب التي@البست الصورة و الي الخشب الذي ‌خ‌ل اضافه‌تر دارد@ له مادة عنصرية و صورة خشبية و قد علمت ان‌شاءاللّه تعالي ان المراتب الثلثة التي قبل الصورة الشخصية لاتعين فيها للسريرية مطلقاً بل يكون فيها السرير و غيره علي حد سواء الا ان‏تظهر في الصورة الشخصية فاذا ظهرت فيها اختصت بها و تطبعت بطبعها و انصبغت بصبغها فان كانت طيبة تصير المراتب فيها طيبة و ان كانت خبيثة تصير فيها خبيثة كماتري ان المراتب الثلث@الثلثة خ‌ل@ في الصورة الخمرية تصير خبيثة و في الصورة الخلية تصير طيبة.

بالجملة و ليس المراد هنا الا شرح الاحتياج الي المراتب الاربع لكل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 437 *»

شي‏ء فاذا عرفت ذلك فاعلم ان للحواس البرزخية ايضاً هذه المراتب الاربع ثلث منها تكون قبل تعينها و تشخصها و امتياز كل واحدة عن غيرها و واحدة منها و هي الصورة الشخصية تكون مساوقة لوجوداتها بل هي نفس وجوداتها فالمادة الاولي النوعية لها هي الحصة العرشية و هي الادراك المحض غير المختص بشي‏ء من المشاعر و الذكر الاول لها و هو العقل بالقوة و الصورة النوعية لها هي الحصة الكرسية و هي مقام التعين الاول و العزيمة المؤكدة للذكر الاول و العقل بالملكة و المادة الثانية الشخصية لها هي الحصة الشمسية التي فيها قوة الاستفادة و الاكتساب من المشاعر فاذا اشرقت علي الحصة الزحلية صارت متعقلة بالفعل و اذا اشرقت علي الحصة المشترية صارت متعلمة بالفعل و اذا اشرقت علي الحصة المريخية صارت متوهمة بالفعل و اذا اشرقت علي الحصة الزهرية صارت متخيلة بالفعل و اذا اشرقت علي الحصة العطاردية صارت متفكرة بالفعل فاذا اقترنت المراتب الثلث العليا بصور المشاعر تمت المراتب الاربع فالمراتب الثلث قبل الاقتران ليس لها تعين بمشعر مطلقاً فهذه نبذة في شرح المشاعر المثالية تغنيك عن كثير من المطولات فاغتنمها.

ثم اعلم ان هذه المشاعر بل كل مشعر اما ابواب الجنان او ابواب النيران نعوذ باللّه منها. فالحس المشترك المشترك بين الناس اذا وقع فيه الصور المرضية للّه سبحانه من الصور المحسوسة كصورة الاولياء و صورة المساجد و صور سائر الاشياء من حيث العبرة و رؤية القدرة للّه سبحانه فيها و صور الاصوات المرضية كاستماع العلم في تعلم ما كلف اللّه سبحانه به و صور المشمومات و المذوقات و الملموسات من حيث العبرة و رؤية قدرة اللّه فيها صار حيوة سماوية و سماء اولي و هي باب الجنة الادني و اذا وقع فيه من الصور المسخوطة للّه سبحانه في مقابل الصور المرضية المذكورة صار باباً الي طبقة النيران الاعلي و صار ارضاً اولي و هي ارض الموت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 438 *»

الشرعي@الشرعية خ‌ل@ التي ليس فيها حيوة الهداية و الاستبصار و ان كان فيها الحيوة الكونية ياايها الذين آمنوا استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لمايحييكم و كذلك اذا تفكر الانسان في النسب الحكمية بعين الانصاف و مجانبة الاعتساف بالحصة العطاردية فاثبت مااثبته اللّه تعالي و رسوله و اولياؤه صلوات ‏اللّه عليهم اجمعين و انكر ما انكره اللّه تعالي و رسوله و اولياؤه عليه و عليهم السلام صارت باباً للجنة الثانية التي هي اعلي من الجنة الاولي و صارت سماء ثانية له فان خالف جميع ماذكر@ماذکرنا خ‌ل@ فاثبت بها ما اثبته الاباء و المعاشرون من غير دليل من اللّه سبحانه و برهان من رسوله و اوصيائه عليه و عليهم السلام و انكر ماانكروه من غير تمسك بماامروا بالتمسك به و كان دليله و برهانه في اثباته و نفيه انا وجدنا آباءنا علي امة و انا علي آثارهم مقتدون صارت له باباً الي الطبقة الثانية من النيران الواقعة في ارض العادة و هي الارض الثانية التي هي تحت الارض الاولي و كذلك اذا تخيل صور الحسنات المأمور بها بالحصة الزهرية صارت له باباً مفتوحاً الي الجنة الثالثة الواقعة في السماء الثالثة و حصل له درجة فيها فان تخيل صور السيئات و اكتسبها بها صارت له باباً مفتوحاً الي الطبقة الثالثة من النيران الواقعة في ارض الطبيعة و حصل له فيها درك من الدركات نعوذ باللّه و كذلك اذا احب للّه و في اللّه فاحب اولياءه و احب ماامروا به: بالحصة الشمسية صارت له باباً مفتوحاً الي الجنة الرابعة او السابعة و حصل له في سماء المحبة درجة من الدرجات العالية فان احب بها اعداء اللّه لعنهم اللّه و احب ماامروا به و النفس الامارة اشد عداوة للّه سبحانه و لرسوله و لاوليائه: نعوذ باللّه من شرها و وقانا من كيدها و مكرها صارت له باباً مفتوحاً الي الطبقة الرابعة او السابعة الواقعة في الارض الرابعة او السابعة السفلي و هي ارض الشهوات و حصل له فيها درك آخر من الدركات السفلي و ان توهم المعاني المقترنة المحبوبة للّه سبحانه بالحصة المريخية صارت له

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 439 *»

باباً مفتوحاً الي الجنة الخامسة الواقعة في السماء الخامسة او الجنة الرابعة الواقعة في السماء الرابعة و حصل له فيها درجة من الدرجات العالية فان توهم بها مايضاد محاب اللّه و رسوله9 و محاب اوليائه: و اكتسبها بها صارت له باباً الي الطبقة الخامسة او الرابعة من النيران الواقعة في ارض الغضب التي هي الارض الخامسة او الرابعة و حصل له فيها درك آخر من الدركات و ان تعلم بالحصة المشترية العلوم الحقة المأمور بها صارت له باباً الي الجنة السادسة او الخامسة الواقعة في السماء السادسة او الخامسة سماء العلم و حصل له فيها درجة اخري من الدرجات العالية فان تعلم بها العلوم الباطلة المنهي‏عنها صارت له باباً مفتوحاً الي الطبقة السادسة او الخامسة الواقعة في الارض السادسة او الخامسة ارض الالحاد و بسبب تحريفه الكلم عن مواضعه حصل له فيها درك آخر و هوي فيه و ان تعقل بالحصة الزحلية المعاني المجردة الحقة و الاعتقادات الصحيحة المطابقة للواقع صارت له باباً مفتوحاً الي الجنة السابعة العليا او السادسة و حصل له فيها درجات عالية فان حصل بها الاعتقادات الباطلة المنهي‏عنها غير المطابقة للواقع صارت له باباً الي الطبقة السابعة السفلي او السادسة الواقعة في الارض السابعة السفلي او السادسة ارض الشقاوة نعوذ باللّه و به الاستعانة من الخلاص منها و حصل له فيها الدرك الاسفل من النار لها سبعة ابواب لكل باب منهم جزء مقسوم.

و كذلك اذا اكتسب من تلك المشاعر حصته التي من الكرسي و حصته التي من العرش كمالاً جامعاً من محبة اللّه سبحانه و الاعتقادات الحقة في صفاته و محبة رسوله و اوليائه صلوات اللّه عليهم و الاعتقادات الحقة في صفاتهم و من العلوم الحقة و من التوهمات و التصورات الحقة صارتا له باباً الي الجنة الثامنة مقام الرضوان سقفه عرش الرحمن المطلس من النقصان نقصان كثرات كواكب عالم الاكوان و فرشه مطرز بالوان الكمال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 440 *»

و الجمال و الجلال و غير ذلك من انوار صفاته سبحانه و ظهورات جلاله و آثار عظمته و كبريائه و شئونات افعاله المفيضة([22]) علي اهل درجات الجنان فذلك ابواب ثمانية لدرجات الجنة مع الرضوان فان اكتسب الحصتان من الحصص الارضية التي هي دركات النيران صار الحصة الكرسية له باباً الي الثور و الحصة العرشية له باباً الي الصخرة الصماء.

بالجملة و هذه الاشارات المجملة كافية لك ان‌شاءاللّه تعالي في معرفة المشاعر البرزخية. ثم اعلم ان هذه المشاعر بنفسها ليست في الاخرة فليست الابواب متصلة في الذات بالدرجات و الدركات و انما هي حظائر بين الجنة و النار فلاجل ذلك يمكن الرجوع من بعضها و الدخول في الاخر لوقوعها في عالم التدريج فيمكن محو الاسم من ديوان الاشقياء و الاثبات في ديوان السعداء فليس ذلك مقام اليأس نعوذ باللّه.

فصل: في المشاعر الغيبية ففيه خمسة مشاعر

المشعر الاول: في المشعر النفساني

و هو مشعر يدرك به الانسان جميع ماادركه في عالم المثال بمشاعره بالتدرجات المثالية و جميع ما عمله فيه بالتدريج و جميع ماادركه في عالم الزمان و جميع ما عمله فيه بالتدريج دفعة واحدة لاينتظر لنفسه حدوث شي‏ء من الكمالات له و لايترقب ظهور علم قد خفي عليه و بروز عمل لايعمل بعد و لاينسي شيئاً من علومه و اعماله دنيوية كانت ام مثالية بقضها و قضيضها كائنة ماكانت في الدقة بالغة مابلغت في الجلالة كلها حاضرة لديه دفعة واحدة لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها و وجدوا ماعملوا حاضراً لانه مقام جمع الجمع لان الاعمال و العلوم الدنيوية قد جمع في المثال و علومه و اعماله بما فيها من الدنيوية قد جمع في الاخرة ولكنها فيها مجردة عن المواد و المدد البرزخية و الدنيوية فلذلك قال في وصفها7 صور عارية عن المواد خالية عن القوة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 441 *»

و الاستعداد فاذا كانت خالية عن القوة و الاستعداد كانت كلها بالفعل و الترقب و الانتظار في جميع الاكوار و الاطوار يكون في القوة و المادة و لايعقل لما كان بالفعل انتظار و لاسيما في العالم الذي ليست آناته و اوقاته آنات و اوقات متدرجة عرضاً و انما يعقل في عالم كان اوقاته اوقات عرضية متدرجة فينتظر شي‏ء في الان الاول ان يقع وجوده في الان الثاني او الثالث هكذا@و هکذا خ‌ل@ و اما اذا لم‏يكن آنات عديدة عرضية كما في الاخرة فكيف يعقل الانتظار بشي‏ء@لشيء خ‌ل@ لايكون و حقيقة الانتظار لاتكون الا في الانات العرضية و تلك لاتكون في الاخرة لان نفس الانات مع مافيها حاضرة هناك و انت مشرف عليها تنظر الهيا بمافيها كما تنظر في كفك بمافيها بل اوضح و اوضح بسبعين درجة لانكن انت الرقيب عليها و انت اولي بها من انفسها لانك انت الظاهر بها و هي ظهوراتك و صفاتك([23]) و اعمالك و الظاهر اظهر من الظهور من نفس الظهور فكيف يمكن له الخطاء فانك ان لم‏تجدها في وقتك علي ماوصفت لك فلان الحجب و الاغطية الدنيوية او المثالية تمنعك عن ذلك فاذا كشف عنك الغطاء فبصرك اليوم حديد في غاية الحدة بحيث لايمكن احد منها كما قال اللّه تبارك و تعالي فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد و قال لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها و وجدوات ماعملوا حاضراً و لايمكن وجدان تلك الحال الا بالموت الاختياري الوجداني او الاضطراري الوجودي فكل ما زرعت في مزرعة الدنيا و البرزخ من العلوم و الاعمال كلها تجدها و تحصدها في الاخرة فما لم‏تزرع فيهما لاتكون فيها فلاتطمعها ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري ثم يجزيه الجزاء الاوفي، سيجزيهم وصفهم،  و ما تجزون الا ماكنتم تعملون. فاذا عرفت نوع المعرفة في هذه الرسالة تقدر علي معرفة كثير من الافراد ان‌شاءاللّه تعالي و هذا القدر من البيان كفاك في النوع ان‌شاءاللّه تعالي.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 442 *»

المشعر الثاني: في المشعر العقلاني

فهو قوة يدرك بها الانسان المعني الكلي الجبروتي المعري عن الصور المجردة الملكوتية فمادونها الي الصور المادية الملكية فهي لتجردها عن جميعها و علوها عن خصوصياتها و ارتفاعها عنها صارت وسط الكل و قطبها و قلبها العالم بها قبل كونها و حين كونها و بعد كونها بالقبل الرتبي و الحين و البعد الرتبيين@الرتبتين خ‌ل@ لا الزماني التدريجي فعلمه بها قبل كونها كعلمه بها بعد كونها لخروجه عن رتبها@رتبتها خ‌ل@ باسرها فلايتقيد@فلايقيد خ‌ل@ بقيودها مطلقاً جزءاً و كلاً و بعضاً و جمعاً لانها بجميع ما لها و بها و منها و عليها و فيها و اليها منفية عنها كالمداد المنفي عنه الصور الحرفية بعضاً و كلاً فالمدد في نفسه لو كان عين الالف لامتنع من الظهور في الباء ولو كان عين الالف و الباء لامتنع من الظهور في الجيم و هكذا الي آخر الحروف فلو كان بعضها لامتنع من الظهور في البعض الاخر ولو كان كلها لكان بعضها بعضه و انت تعلم ان الالف ليست ببعض المداد و انما الصمغ و التوتج و العفص ابعاضه و اما الحروف كلها و بعضها ليست بكله و لا ببعضه و انما هي ظهوراته و تطوراته فهو بتمامه في بعضها كما هو بتمامه في كلها فلاجل ذلك يكون بريئاً عما هي عليه مجرداً عن جميع مالها و بها و منها و عليها و فيها و اليها كلاً و جزءاً و بعضاً و جمعاً فهو قبل كونها رتبة و بعد كونها رتبة و هو ممدها ابداً و هي مستمدة منه سرمداً فلولاه لماكانت و لولاها فقد كان و قد كان حين كونها و هي منفية عنه في ذلك الحين فاذا نظر الالف مثلاً اليه بالعين التي اعارها فنفت عنه نفسها و غيرها رأته ظاهراً فيها و في غيرها بحيث تقول بلسانه المعارة :

ما في الديار سواه لابس مغفر   و هو الحمي و الحي و الفلوات

و لايمكنها هذا النظر الا بالغفلة عنها و عن غيرها جميعاً و لايمكن ذلك الا بالنظر المدادي و النظر المدادي هو عين المداد للالف ان اعطاعا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 443 *»

و اعارها فاذا استعارت اضمحلت و تلاشت و فسد جميع اوصالها([24]) فمابقي الا العين المعارة كل شي‏ء هالك الا وجهه، له الحكم و الامر و اليه ترجعون فمادامت الالف باقية لايمكنها النظر اليه بالعين الالفية كما قال الشاعر :

اذا رام عاشقها نظرة   فلم يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رآها به   فكان البصير بها طرفها

فاذا عرفت المثل فاعلم انه قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا كما روي عن الرضا عليه آلاف التحية و الثناء و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت نوعاً و ان اختلف شخصاً فبعد وضع لوازم الرتب في مواضعها تقدر علي ادراك النوع الساري في الكل فاذا خفي عنك مسألة في نوع العالم الاعلي يمكن لك الاستدلال عليه بالنوع الذي تراه في العالم الادني و بالعكس لان النوع ليس فيه اختلاف مطلقاً كما اذا عرفت في عالم الشهادة ان الواحد نصف الاثنين و ثلث الثلثة و ربع الاربعة و هكذا تقدر علي اثبات هذا الحكم في عالم الغيب البتة لانه حكم كلي نوعي لايختلف باختلاف شخصيات العوالم فتحكم بتة بان الواحد في عالم الغيب ايضاً نصف الاثنين و ثلث الثلثة و ربع الاربعة و هكذا فاذا عرفت نوع النسبة بين المادة الزمانية الشهادية و صورتها فقد عرفت تلك النسبة ايضاً بين المادة الغيبية و صورتها لان النسبة امر كلي نوعي لايختلف باختلاف شخصيات المراتب فلاجل ذلك قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية. فاذا عرفت النسبة بين الالف و المداد هيهنا تعرف النسبة بين الحرف الملكوتي و المداد الجبروتي هنالك ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فانت في عرصتك الاصلية حرف من الحروف

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 444 *»

الملكوتية و سائر المؤمنين سائر حروفه فانت اذا نظرت الي العقل الجبروتي الموجود فيك بعينه الكلية لا بعينك الجزئية تري نفسك و غيرك كلهم مضمحلين متلاشين منفيين عنه و انت و غيرك من المؤمنين ظهوراته و انواره و اعراضه فتقرأ هذه الاية حق تلاوته النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و انما وليكم اللّه و رسوله و المؤمنون.

فتنشد هذا الشعر:

يا جوهراً قام الوجود به   و الناس بعدك كلهم عرض

فان الناس هم المؤمنون و سائرالناس نسناس و تنشد :

ما في الديار سواه لابس مغفر   و هو الحمي و الحي و الفلوات

الي غير ذلك و ذلك لان الوجود هو الظاهر في الماهيات لوحدته سواء كانت ماهيات اولية او ثانية او ثالثة الي غير النهاية فلاجل ذلك نسب الي نفسه الذوات التي هي الماهيات الاولية و الصفات التي هي ماهيات الماهيات فقال7 الا و انا نحن النذر الاولي و نذر الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان و كل مؤمن نذير من اللّه سبحانه لمن كان دونه في الرتبة و قال7 انا صلوة المؤمنين و صيامهم و ان اردت مشاهدة ذلك في المثل فانظر الي زيد تراه انه انسان ثم انظر اليه في حال القيام تري انه انسان قائم ثم انظر اليه في حال المشي تري انه انسان ماش ثم انظر اليه في حال السرعة تري انه انسان سريع و هكذا مع ان السريع اثر الماشي و هو اثر القائم و هو اثر زيد و هو اثر الانسان فالانسان هو زيد و هو القائم و هو الماشي و المسرع و ذلك لان الانسان في كليته ليس له صورة و صورة القائم و الماشي و المسرع فلما كان عالياً عنها باسرها لم‏تمنعه من النفوذ و السريان في جميعها فكذلك الحال في عالم الغيب فـاشهد انك قد اقمت الصلوة و آتيت الزكوة و امرت بالمعروف و نهيت عن المنكر و اطعت اللّه و رسوله حتي اتيك اليقين وحدك وحدك لا شريك لك فليس غيرك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 445 *»

بمصل و لا حاج و لا صائم و لا مزك و لا آمر بالمعروف و لا ناه عن المنكر ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه و السلام علي الاصل القديم و الفرع الكريم.

فهذا نوع البيان في شرح ماسألته عنه في هذا المقام و عليك بالفكر و النظر فيه و استخراج سائر الجزئيات منه فبهذا المشعر عرفت نبيك و ائمتك عليهم الصلوة و السلام في المقام القطبية و الامامة باحد المعاني و اما مقام الامامة الظاهرة في عرض الرعية فهو مقام بشريتهم صلوات اللّه عليهم اجمعين و قد كفاك كتب المشايخ عن شرح مقاماتهم سلام اللّه عليهم هنا.

المشعر الثالث: في المشعر النوراني

فبه عرف الانسان ربه بما وصف به نفسه و عرف نفسه له و ينسب هذا المشعر الي النور لقوله تعالي اللّه نور السموات و الارض و لقوله7 ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزّ و جلّ و معرفة اللّه عزّ و جل معرفتي و لقوله7 في جواب كميل حين سأله عن الحقيقة فقال7 نور اشرق من صبح الازل فيلوح علي هياكل التوحيد آثاره فالمشعر النوراني اي المشعر الرباني و المراد بهذا النور هو النور في مقابل الظلمة و هو مقام الذات ذات اللّه العليا التي من عرفها لم‏يشق و من جهلها ضل و غوي كما هو مروي فـالسلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه و اما النور الذي هو يعم الظلمة و النور فهو مقام الذات التي تعم العليا و الدنيا فلايجهلها احد تعرفت لكل شي‏ء حتي لايجهلها شي‏ء و يأتي شرح ذلك المقام ان شاءاللّه فالنور الذي استضاء به هياكل التوحيد مخصوص بالمؤمنين الذين هم هياكله دون الكافرين الذين هم هياكل الظلمة و اللّه ولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم، ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون، ان اللّه لمع المحسنين و انت علمت ان‌شاءاللّه تعالي ان المؤمنين المتقين المحسنين ليسوا بمشركين بربهم غيره فليس فيهم في ظواهرهم و بواطنهم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 446 *»

في جميع المواطن الا نور ربهم فهذه المعية معهم معية غير متناهية بحيث نفذ الولاية في ظواهرهم و بواطنهم فلاتبقي في انفسهم شيئاً منهم و لا من غيرهم فلايملكون لانفسهم ضراً و لا نفعاً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً فهم بين يديه كالميت بين يدي الغسال لا حركة لهم الا به و لا سكون لهم الا به و تحسبهم ايقاظاً و هم رقود و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال فيقولون بحول اللّه و قوته نقوم و نقعد لا بحول من الشيطان و قوته و اما غيرهم فاما حولهم الشيطان بحيث باض و فرخ في صدورهم و دب و درج في جحورهم فنظر باعينهم و نطق بالسنتهم و بطش بايديهم و مشي بارجلهم فانه هو الروح الساري في ابدانهم فهو المحرك لهم و هو المسكن اما وحده ان استولي علي سويداء قلوبهم و اما بشراكة من النور ان لم‏يستول بخلاف القوم الاول فانهم الذين استوي علي عرش وجودهم الرحمن كما روي قلب المؤمن عرش الرحمن و ايس بذلك منهم الشيطان فقال اني اري ما لاترون اني اخاف اللّه رب العالمين و قال لاغوينّهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فالمخلصون هم الذين اخلصوا للّه وحده في جميع مراتبهم بحيث لم‏يبق فيهم شوب من تصرف ابليس اللعين فهم الذين صدقوا في قولهم بحول اللّه و قوته نقوم و نقعد اي نتحرك و نسكن فما نطقوا عن الهوي اي عن غير انطاق من اللّه جل جلاله اذ كل مايشغلك عن اللّه فهو صنمك، افرأيت من اتخذ الهه هواه، فماذا بعد الحق الا الضلال فكل ماسوي النور ظلمة و كل ماسوي الحق باطل و هو من الشيطان و اليه يعود فهم عبدة الشيطان.

و اما عباد الرحمن هم الذين لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و مايشاؤن الا ان يشاءاللّه،  ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوي فصار قولهم قول اللّه و فعلهم فعل اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه مارميت اذ رميت ولكن اللّه رمي، من يطع الرسول

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 447 *»

فقد اطاع اللّه، السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه فهم المتمحضون في نور اللّه مدخلهم نور و مخرجهم نور و كل ماينسب الي النور ينسب اليهم و كل ما ينسب اليهم ينسب اليه. ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عز و جلّ و معرفة اللّه@الله عزوجل خ‌ل@ معرفتي لا فرق بينهم و بينه في شي‏ء الا انهم عباده و خلقه بدؤهم منه و عودهم اليه كما انه لا فرق بين زيد و بين القائم و القاعد و الراكع و الساجد الا انه واحد و هذه اربعة بدؤها منه و عودها اليه لا من عمرو و اليه بل هو وحده وحده القائم القاعد الراكع الساجد لا شريك له فيها فلم‏يكن فيها عمرو مطلقاً و هو باحديته نافذ فيها و لايمنعه من النفوذ شي‏ء منها لانه بالنسبة اليها غير محدود بحدودها و المانع من النفوذ في الغير هو الحد فاذا ارتفع ارتفع المانع البتة فحد القائم مانع من نفوذه في القاعد و حده مانع من نفوذه فيه و حدّهما مانعهما من نفوذهما في الراكع و حده مانع من نفوذه فيهما و في الساجد و حده مانع من نفوذه فيها و من نفوذها فيه فالمانع من النفوذ في كل مقام هو الحد و الصورة فاذا ارتفع بين زيد و بينها الحد لاينتظر في نفوذه فيها فهو فيهما ابداً فمادام زيد و كان له هذه الصفات كان نافذاً فيها بحيث لايشاركه في نفوذه عمرو فهو القائم وحده القاعد وحده الراكع وحده الساجد وحده لا بمعني انه روح و هي ابدانه و لا انه مادة و هي صورة حاشا فان الروح غير البدن فالروح هو لطيف البدن و البدن هو غليظ الروح و اللطيف غير الكثيف و هو غيره و المادة هي مايصلح للظهور بالصورة و الصورة هي ظهورها مستخرجة منها بايدي المكملات و هي هي و لم‏تكن صورة ثم كانت فهي غيرها بالبداهة و اما زيد ليس غيوره بالنسبة الي صفاته بنحو هذه الغيرية فانما غيوره تحديد لها لا تحديد بينه و بينها فهو هي وجوداً و اثباتاً و عياناً و هي هو كذلك و ليس هو هي ذاتاً و احدية و بساطة و ليست هي هو تعدداً و كثرة و تركيباً فهي لها معه حالات هي فيها هو و هو فيها هي و هي حالة الظهور و الوجود

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 448 *»

و العيان ولكن هو هو و هي هي و هي حالة البساطة و التركيب و الوحدة و الكثرة فالصفات اربعة و زيد واحد و يمتنع ان‏يكون الواحد اربعة و الاربعة واحداً ولكن الوحدة هنا ليست من سنخ الوحدات الاربع حتي تصير مصاقعة لها حاشا بل الوحدة هنا وحدة ليست الكثرات باضدادها و لا باندادها بل هي لا حدّ لها بالنسبة اليها فلهذا هي الظاهرة فيها وحدها و الظاهر اظهر في الظهور من نفس الظهور و اولي منه و اوجد في مكانه منه فليس شي‏ء سواه حتي يحمل عليه و يمتنع معه ماعداه حتي يذكر معه فهو هو وحده وحده و ليس معه غيره.

فاذا عرفت هذه النسبة بين زيد و صفاته فاعلم انها ايضاً نوعية تجري في جميع المراتب اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فاعلم ان صفات ذلك النور ايضاً بالنسبة اليه تكون كذلك و تلك الصفات هي اسماؤه و الاسم ما انبأ عن المسمي فكل صفة من صفاته و كل اسم من اسمائه انبأ عنه كما ان القائم هو صفة من صفات زيد و اسم من اسمائه فهو منبئ@ينبئ خ‌ل@ عنه و لاينبئك مثل خبير كيف لا و القائم بنفسه هو زيد الظاهر بالقيام فمن اخبر عن زيد اوضح و ابين من زيد فهو بنفسه مخبر عن نفسه لا احد سواه و شي‏ء ماعداه فهو القائم القاعد الراكع الساجد فان شئت فسم زيداً بالنور و سم القائم و القاعد و الراكع و الساجد محمّداً و عليّاً و الحسن و الحسين صلوات ‏اللّه و سلامه عليهم اجمعين لانهم هم الاسماء الحسني التي امر اللّه ان تدعوه بها كما روي فادع@قل ادعوا خ‌ل@ اللّه او ادع الرحمن اياًما تدعوا فله الاسماء الحسني فادع محمّداً او عليّاً اياًما تدعوا فله الاسماء الحسني و اللّه سبحانه انور و اظهر من اسمائه و اوجد في امكنة وجودها فخفي لشدة نوره و استتر لعظم ظهوره بحيث لم‏يبق سواه فهو هو وحده لا شريك له فمن عبد الاسم و يري له شيئاً غير المسمي فقد كفر و من عبد الاسم و المعني و يري الاسم غير المعني و جمع بينهما فقد اشرك و من عبد المعني بايقاع الاسماء عليه و

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 449 *»

انبائها عنه فاولئك اصحاب اميرالمؤمنين حقاً.

فالمؤمن يتذكر انطواءه تحت ظهور نور اللّه سبحانه كما يتذكر القائم انطواءه تحت زيد بلاتفاوت و معني انطوائه تحته وجدان امتناعه معه فيري عجزه عن درك النور لشدة لمعانه الذي اعمي ابصار الناظرين اليه فتوجه الي القطب و القلب و الكعبة فيري انه لايمكنه الوصول اليه ايضاً لانه كلما يتوجه اليه يضمحل و يتلاشي في جنب عظمته و عزّ جلال كبريائه فألجأه الطلب الي شكله و هو الهيكل البشري الذي هو الباب المفتوح الي جناب الكعبة الظاهر فيه النور فيقف لدي الباب و يري فيه جناب الجناب و يصل الي مطلوبه في حضرته و يري الجناب اظهر من جنابه و يري جنابه اظهر من بابه فيرفع ايديه بالتكبير عند رؤية ذلك الجناب و يقوم عنده قيام العبد الذليل لدي ربه الجليل فيثني عليه و يذكر نعماءه و آلاءه فيشكره فاذا تذكر صفاته الجليلة الوسيعة الحاوية الطاوية له و لغيره خرّ راكعاً و اناب و اقرّ بعظمته فقام مقراً بالعظمة و الكبرياء له و الاضمحلال لنفسه فرأي انه اعظم من العظمة و اكبر من ان‏يوصف بالكبرياء لسعته و احاطته له و لغيره خرّ ساجداً و يقرّ بانه اعلي درجة من ان‏يقام في حضرته او يثني عليه فقال له مقراً بذلك سبحان ربي الاعلي عن القيام في خدمته و الثناء عليه فاحمده بحمده و اقوم لديه و اثني عليه فقال مقراً بذلك و بحمده و هو متعلق بفعل محذوف و اقرّ بان الطلب الجأني الي الوقوف لدي الباب و الثناء عليه و الخشوع و الخضوع له لانه هو الباب المبتلي به الناس المضروب لهم فصار معرفته معرفة اللّه عزّ و جلّ و الجهل به الجهل باللّه سبحانه و طاعته طاعته و معصيته معصيته لانه هو السيد المطاع الظاهر بين ظهراني المطيعين و الجاه الذي يتوجه اليه الاولياء فمعرفته بالنورانية هي معرفة اللّه عزّ و جلّ و معرفته عزّو جل معرفته ليس للّه عزّ و جلّ معرفة غير معرفته و ليس له معرفة غير معرفته جلّ جلاله فمن تجاوز عنه فقد تجاوز عن اللّه عزّ و جلّ و من اعرض عن ذكري

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 450 *»

فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيمة اعمي قال رب لم حشرتني اعمي و قد كنت بصيراً فقال من كان في هذه اي في هذه الجلوة اعمي فهو في الاخرة اي في الحقيقة و الذات اعمي  و قد كنت بصيراً بالظهورات الباطلة و الاسماء السوأي لا بظهوري و نوري و صفاتي و اسمائي الحسني فتكون اليوم اعمي كما كنت اعمي من قبل فــــبكفرهم لعنّاهم اي بسترهم و غطاء ابصارهم عن رؤيتنا طردناهم عن حضرتنا و رؤيتنا فانها لاتعمي الابصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور، سيجزيهم وصفهم، و ماتجزون الا ماكنتم تعملون.

فسائر المعارف من دون معرفة الائمة الطاهرين عليهم صلوات المصلين ليست بمعرفة اللّه و ان شق فيها الشعر و ادق البيان فانها لايسمن و لايغني من جوع فانك ان كنت عرفت حقيقة من الحقائق فانما عرفتها في احد ظهوراتها و ما لم‏يظهر لك فيها لم‏يمكن لك معرفتها ابداً فمعرفتك للماء مثلاً حصل لك اما في الانهار و اما في الحياض و اما في الابحر و امثالها فان لم‏تعرفه فيها لم‏يمكن لك معرفته ابداً و كذلك معرفتك للنبات المطلق لايمكن لك الا في احد الاشجار و النجوم و لم‏يكن يوجد الا فيها و كذلك معرفتك للحيوان المطلق لايمكن لك الا في احد الانواع و افرادها و لايوجد الا فيها و معرفتك للانسان المطلق لايمكن لك الا في افراده و لا وجود له الا فيها و هي ظهورها لك فعرفت ان‌شاءاللّه تعالي ان معرفة كل حقيقة لايمكن الا في ظهوراته و لا معني للمعرفة الا هذا و لايمكن الا هكذا و معرفة ذات الحقيقة مع قطع النظر عن ظهوراته مما لا معني له عند اولي‏الالباب.

فاذا كان الامر كذلك فاعلم بالعلم القطعي العياني ان معرفة نور اللّه جلّ جلاله ايضاً لايمكن لاحد الا في اسمائه و ظهوراته و مع قطع النظر عنها لامعني لمعرفته و ما سمعته من الالفاظ التي اجتمع عليها العوام الذين هم كالانعام لاتفيدهم شيئاً كما ان لفظ الماء لايروي و لفظ الخبز لايغني من الجوع شيئاً و انما يروي الجوهر المسمي بالماء و يغني الجوهر المسمي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 451 *»

بالخبز فكذلك لايسمن و لايغني من جوع الاحتياج شيئاً شي‏ء من الالفاظ و انما يؤثر الجوهر في كل مقام و الجوهر ليس له وجود و ظهور الا في اسمائه التي هي تنبئ عنه لا الاسماء اللفظية التي لاتنبئ عن شي‏ء من الجوهر و اعتبر من تعليم اميرالمؤمنين الحسن صلوات اللّه عليهما و آلهما و حاصله انه لو كان اله غير اللّه لاتتك رسله و لرأيت آثار ملكه فاذ لم‏يأت رسل من عند غير اللّه علمنا انه غير موجود فانه لو كان موجوداً لكان له ظهور و نور فاللّه جلّ جلاله لما كان موجوداً له ظهور و نور فمن عرفه بظهوره فقد عرفه و من لم‏يعرفه بظهوره فقد جهله و اتخذ من عند نفسه الهه هواه و هواه ليس باله البتة و ظهوراته و ظواهره و اسماؤه انبياؤه و رسله و اولياؤه صلوات اللّه عليهم اجمعين فخذ ماذكرته و كن من الامنين و اعبد ربك حتي يأتيك اليقين فقد واللّه محوت لك الاوهام و طردت الاغيار و هتكت الاستار و ازلت الانوار بحيث لم‏يبق بعد غبار فـمن لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و الي اللّه يرجع@ترجع خ‌ل@ الامور و لا حول و لا قوة الا باللّه فهو حسبي و نعم الوكيل نعم المولي و نعم النصير.

المشعر الرابع: المشعر الامري

و هو الذي يدرك به الانسان الوجود الراجح و التعين الاول الذي لا تعين قبله و ان اردت ان‏تميز فيك هذا المشعر عن غيره فميزه بمُدرَكه بضم الميم و فتح الراء فان ادركته فاعلم ان فيك مشعره و ان لم‏تدركه لم‏يكن فيك كما ان سائر المشاعر ايضاً يميز@تميز خ‌ل@ كل واحد عن غيره بمدركه فها انا@انا ذا خ‌ل@ اشرح لك كيفية الوصول اليه بالمعرفة ان‌شاءاللّه تعالي.

فاعلم انك اذا نظرت الي افراد نوع من الانواع كالحديد مثلاً تجدها@فتجدها خ‌ل@ محدودة متكثرة بحيث لاتقدر علي احصائها كثرة فاذا قطعت النظر عن حدودها و تكثرها و نظرت الي نوعها الوحداني بالنسبة اليها فوجدت شيئاً واحداً ليس فيه حدودها و كثرتها مطلقاً و قد اذيبت كلها فيه و تلاشت و

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 452 *»

اضمحلت بحيث لاتجد في نظرك الا شيئاً واحداً و هو الحديد ثم تجمع في نظرك بينه و بين سائر الانواع من الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص و غير ذلك من المعادن المنطرقة فتجدها ايضاً متكثرة متعددة كل واحد منها محدود بحدوده ولكن لايبلغ الكثرة و التعدد حينئذ مبلغ الكثرة و التعدد التي وجدتها في افراد كل واحد منها فاذا قطعت النظر عن حدودها و تميزاتها تجد معدناً واحداً منطرقاً ليس فيه كثرات الانواع و حدودها و تعدداتها ثم اجمع بينه و بين المعدن غير المنطرق تجدها متعددين كل واحد منهما غير الاخر بحدوده و تميزاته ثم اقطع النظر عنها تجد معدناً مطلقاً واحداً غير متعدد ثم اجمع بينه و بين ظواهر النبات و الحيوان و الانسان و غيرها تجد ايضاً متعددات كل واحد منها غير الاخر بحدوده فاقطع النظر عنها تجد شيئاً واحداً غير متكثر بكثرات مادونه حقيقة و هو الجماد مثلاً ثم اجمع بينه و بين غيره من التراب و الماء و الهواء و النار تجدها متعددة بحدودها ثم اقطع النظر عن حدودها تجد شيئاً واحداً و هو العنصر ثم اجمع بينه و بين الافلاك تجدها متعددة لحدودها فاذا قطعت النظر عن حدودها تجد الجسم المطلق الواحد الساري في كل ماذكر بحيث لاينافي كثراتها وحدته ثم تفكر في عالم المثال و اجمع كثراته كما جمعت الكثرات الجسمانية و اقطع النظر عنها حتي يبقي لك المثال وحده و هكذا تسير في كل عالم من المادة الي العقل فتجد غاية الكثرة بعد قطع النظر عن كثرات كل رتبة سبعة او ثمانية لا ازيد فتجد الجسم المطلق و المثال المطلق و المادة المطلقة و الطبع المطلق و النفس المطلقة و الروح المطلق و العقل المطلق و باعتبار الفؤاد المطلق فجميع الكثرات التي في كل رتبة قد اضمحلت و تلاشت في هذه السبعة ثم اقطع النظر عن خصوصياتها و لوازم رتبها و لطافتها و كثافتها تجد شيئاً واحداً مركباً من مادة دهرية و صورة دهرية و هو الوجود المقيد و الامكان الجائز وجوده هو الماء النازل من سحاب المشية و ماهيته هي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 453 *»

انصباغه و تطبعه من ارض([25]) الجرز فصارت السبعة ايضاً هنا متلاشية مضمحلة كما كانت الكثرات قد تلاشت و اضمحلت في كل مقام في مطلقه فتجد غاية الكثرة هنا اثنين مادة دهرية و صورة دهرية و بهما تم شخص الدهر لم‏ينتظر لنفسه شيئاً مما هو به هو و هذا الشخص من اعلي وجوده الي ادني درجة ماهيته لايكون الا اثنان([26]) فان نظرت اليه و وجدته اثنين لا ازيد منهما فقد وجدته حق الوجدان كما هو عليه في الخارج فهذا هو الذات التي لاتوصف بالعليا فقط كما اشرت اليه سابقاً بل تكون موصوفة بالعليا في العليا و بالدنيا ايضاً في الدنيا و هي في نفسها بريئة من العليا و الدنيا تجلت لهما بهما و بهما امتنعت عنهما.

بالجملة ان وجدت اكثر منهما و رأيت له اعلي و اسفل و يميناً و شمالاً و اماماً و وراء و لطافة و كثافة و وقتاً و مكاناً و جهة و رتبة و وضعاً و اجزاء و غير ذلك من الكثرات التي هي اكثر من اثنين فاعلم انك لم‏تجده قطعاً و لم‏تصل اليه يقيناً و وجدت حينئذ شيئاً آخر له هذه الكثرات و سميته عندك بالوجود المقيد و ليس هو به بل هو ظهور من ظهوراته التي هي دونه في الرتبة بدرجات و علامة صدق نظرك و مطابقته للواقع الخارج الذي وضعه اللّه سبحانه عليه ان لاتجد الا اثنين.

ثم اعلم ان هذين الاثنين ليسا باثنين صرفين بسيطين بل كل واحد منهما مركب من اثنين لانك تجد كل واحد منهما مع الغفلة عن الاخر و تفككهما في الذهن و ان لم‏تتفككا في الخارج فان كانت مادته@مادية خ‌ل@ صرفة لصورته و صورته صرفة لمادته لم‏تقدر علي الغفلة عن احديهما و التوجه الي الاخري فان قدرت علي ذلك فاعلم ان لكل واحد منهما مادة و صورة مادته@مادية خ‌ل@ لها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 454 *»

مادة مادية و صورة مادية و صورته لها مادة صورية و صورة صورية فهو مركب من اربعة و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و الزوجان اربعة ولكن تلك الاربعة ليست باربعة دهرية صرفة بل هي من اعلي الدهر فاذا قطعت النظر عن مادية مادته وصوريتها و عن مادية صورته و صوريتها وجدت مادة صرفة و صورة صرفة هما بسيطتان اي المادة غير المركبة و الصورة ايضاً كذلك لا بمعني انهما بسيطتان واقعاً اذ لايعقل ان‏يكون البسيط اثنين فهذا الوجود الذي مادته مادة صرفة و صورته صورة صرفة و هو مركب منهما ليس لهما تفكك لا في الذهن و لا في الخارج بخلاف المادة و الصورة الدهريتين فانهما لتركيبهما تفككا في الذهن دون الخارج فاذا نظرت الي المادة السرمدية وجدتها مصورة و ان نظرت الي صورتها وجدتها موجودة فوجوده موصوف بماهيته لانه مصور و ماهيته موصوفة بوجوده لانها موجودة فلم‏تقدر حينئذ علي التوجه الي احديهما و الغفلة عن الاخري لانهما شي‏ء واحد لا شيئان بل هما نصفان و نصف الشي‏ء الحقيقي لايستقل بنفسه لا في الخارج و لا في الذهن فالواحد الحقيقي هو المركب من نصفين حقيقيين لا اضافيين فاذا صعدت في نظرك و رأيت شيئاً واحداً حقيقياً مركباً من نصفين لم‌تقدر علي تمييزهما في الذهن فضلاً عن الخارج فاعلم انک حينئذ تجد الوجود الراجح لان النصفين متضايفان لايكون هذا الا بذاك و لا ذاك الا بذا فان وجدت في وجدانك شيئاً يمكن ان‏يكون فيه تكثر اكثر من اثنين كل واحد منهما غير الاخر فقد وجدت شيئاً من ظهوراته و سميته باسمه و اشتبه عليك الامر الواقعي فاسع في وجدانك ورقه الي حيث وجدته كما وصفت لك فهذا مااردت ايراده لك علي نهج الاختصار تكلاناً علي فهمك و قد كفاك ان‌شاءاللّه تعالي عن ازيد من ذلك البيان و الحمد للّه.

المشعر الخامس: المشعر الكينوني

و هو اعلي المشاعر بل ليس بمشعر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 455 *»

بل المشعر الامري ليس بمشعر منك فضلاً علي([27]) ذلك بل المشعر النوراني و العقلاني ايضاً ليسا منك فضلاً عن غيرهما فانك بجميع مشاعرك واقف موقف الامتياز و الصورة و الكثرة و هي لاتتجاوز عن حدك و مقامك الذي هو الكثرة و الامتياز فانت بمشاعرك لاتدرك الا الكثرة و الامتياز و الصورة اذ انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و كلما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فان اردت ادراك شي‏ء خارج عن مقام الكثرات فعليك باطفاء السراج سراج مشاعرك المدرك للكثرات المتعددات فاذا اطفأت السراج المدرك للمتكثر فقد طلع الصبح الواحد و هو انور من السراج بسبعين درجة فانه لايبقي نور للسراج لدي طلوعه بل نور السراج حين ماكان لم‏يكن الا به فانظر الي الكثرات بالمشاعر التي هي منها و الي غير الكثرات بغيرها كما قيل:

اذا رام عاشقها نظرة   فلم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رآها به   فكان البصير بها طرفها

كما روي اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة و اولي‏الامر بالامر بالمعروف اي اعرفوا اللّه بما عرف به نفسه لكم و بما وصف به نفسه بانه احد صمد لم‏يلد و لم‏يولد و لم‏يكن له كفواً احد و الرسول9 بما عرف به نفسه بالرسالة و الانباء و الاخبار عن الاحد و لايمكن ذلك الا بان يكون صفته و آيته و عنوانه كما مرت الاشارة اليه و اولي‏الامر بماعرفوا به انفسهم بالامر بالمعروف الذي هو امر اللّه سبحانه فان امر غيره هو الامر بالباطل المنكر بمقتضي قوله تعالي ماذا بعد الحق الا الضلال فصاحب الامر هو الذي يرجع اليه الامور كلها فلاتتجاوز عنه ابداً اياب الخلق اليكم و حسابهم عليكم كما مرّت الاشارة اليه فلنرجع الي ما كنا فيه فان قدرت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 456 *»

علي الصعود من مقام الامكان و الوجود الراجح في الوجدان بعد صعودك من الكثرات التي هي دونه اليه فتقدر علي وجدان وجود بحت بسيط فلاتجد حين نظرك اليه نظرك و نفسك و غيرك بل تجد وجدانك و وجودك و وجود غيرك كائناً ماكان بالغاً مابلغ ممتنعاً محضاً سواء كان ذلك الغير سرمدياً او دهرياً او زمانياً اذ ماسوي الوجود الذاتي امتناع صرف و علامة صحة وجدانك هنا ان لاتجد الا الاحد الصرف الممتنع معه غيره فانت حينئذ لم‏تجده لانك ممتنع معه كغيرك فتري انه ممتنع ان يعرفه غيره اذ لا غير فهو هو وحده لايعلم ما هو الا هو و تجد ان هذه التعبيرات عنه ايضاً لاتليق به اذ لا تعبير عنه بوجه من الوجوه اذ لا شي‏ء غيره فتعرف حينئذ ان علم فعل و لايعقل ان‏يعرف شي‏ء بذاته بفعل منه فلاتقول حينئذ انه لايعلمه الا هو بل تقول هو هو لا بمعني ان الضمير الاول موضوع و الثاني محمول حاشا بل تقول هو و اذا قلت هو لاتريد به انه مرجع الضمير حاشا بل المرجع غيره لانه مركب من هاء و واو فالهاء لتثبيت الثابت و الواو اشارة الي الغائب و هو ليس بغائب لانه غير الحاضر فالهاء و الواو كلامه و لا كلام عنه مطلقاً فلايمكن لك التعبير عنه فاسكت فالسكوت اولي.

فهذا مااردت ايراده لك في غاية الايجاز لانك مستغن عن الاطناب و الحمدللّه اولاً و آخراً و الصلوة علي نبيه و آله ظاهراً و باطناً و التسليم لاوليائه شاهداً و غائباً و اللعنة علي اعدائه بارزاً و خافياً و قد تمّ في يوم الثلثاء السادس و العشرين من شهر جمادي‏الاولي من شهور سنة اثنتين و ثمانين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً.

 

٭     ٭     ٭     ٭

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 457 *»

قد نظم تلک الرسالة ‌المبارکة احد تلامذة المصنف­ و هو العالم الفاضل المرحوم المغفور الميرزا علي‌رضا الشريف الشهير بـ«قوام‌العلماء» و سماها «ارجوزةالمشاعر» و قد وقفنا علي نسخة ‌مخطوطة ‌منها من غير الناظم في مکتبة بعض الاعزة حفظه الله تعالي فرأينا ان نقدمها للطبع (مع ما فيها من الاغلاط و من سقط کلمة او کلمتين او مصرع او بيت او بيتين مع تصحيح يسير) احياء لهذا المجهود العلمي الادبي الفني الرائع و خدمة للفضيلة و الثقافة.

ثم تسهيلاً للمراجعة جعلنا لها العناوين و الفهرس علي حسب ترتيب نفس الرسالة المبارکة و الحمدلله.

 

 

 

([1]) بهداه. خ‌ل

([2]) المنشعب. خ‌ل

([3]) بالهيئات. خ‌ل

([4]) منطبعان. خ‌ل

([5]) اشباحاً. ظ

([6]) قبول الهواء. خ‌ل

([7]) تبعتها. خ‌ل

([8]) الخطين الشعاعيين. ظ‌

[9] شبحاً. ظ

([10]) القطر النازل. خ‌ل

([11]) تصور. خ‌ل

([12]) لشي‏ء  خ ل.

([13]) في افعالهم. خ‌ل

([14]) نشاهد. خ‌ل

([15]) ما القي الينا المعصوم. خ‌ل

([16]) عن راعيها. خ‌ل

([17]) كيف حُجر ذلك عليها. في ‏البحار

([18]) جبلهما. خ‌ل

([19]) احتياجهما. خ‌ل

([20]) مُدَد. خ‌ل

([21]) ادباً. خ‌ل

[22] المفاضة. ظ

([23]) صفاتك و علومك. خ‌ل

([24]) اوصافها. خ‌ل

([25]) في ارض. خ‌ل

[26] اثنين. ظ

[27] عن. ظ