01-03 الرسائل المجلد الاول – رسالة فی الاصول المهمة في شرح الحکمة ـ مقابله

 

 

 

 

الاصول المهمة في شرح الحکمة

(الکليات)

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

الخطبة

تنبيه: لزوم حمل الالفاظ المستعملة في الحکمة علي معانيها الحکمية لا علي معانيها الظاهرية المتبادرة الي الاذهان الناقصة

فصل (1): في معاني الاسم و المسمي و اطلاقاتهما

فصل (2): في ان اطلاق الاسماء علي المسميات قسمان اما بالغلبة و اما علي نحو الحقيقة و بيان الاسماء التي تطلق علي المسميات من باب الغلبة و التي تطلق علي نحو الحقيقة

فصل (3): في معني الذات و الصفات

فصل (4): في معني البسيط و المرکب و اطلاقاتهما

فصل (5): في معني المطلق و المقيد و اطلاقاتهما

فصل (6): في معني المؤثر و الاثر

فصل (7): في معني المادة و الصورة و اطلاقاتهما

فصل (8): في معني الشبح المتصل و الشبح المنفصل و الصورة المقومة و الصورة المتممة

فصل (9): في معني السلسلة الطولية و السلسلة العرضية المترتبة و غير المترتبة و فيه ثلاثة مطالب:

المطلب الاول: في السلسلة الطولية

المطلب الثاني: في معني السلسلة العرضية المترتبة

المطلب الثالث: في السلسلة العرضية المحضة من غير ترتب

فصل (10): في السلسلتين الطوليتين النورية و الظلمانية و کل واحدة منهما سبع

فصل (11): في معني الحقيقة بعد الحقيقة

فصل (12): في معني الازل و السرمد و الدهر و الزمان و اطلاقاتها و اسماء تطلق علي بعض مراتبها

فصل (13): في معني البرزخ الذي ليس جوهر بين الجوهرين و الذي هو جوهر بين الجوهرين

فصل (14): في معني کل شيء لايتجاوز ماوراء مبدئه

فصل (15): مراتب العلم ثلاث: علم انطباعي و علم اتحادي و علم احاطي

فصل (16): في معني التقدم في الوجود و التأخر في الظهور

فصل (17): في بيان عود الممازجة و عود المجاورة

فصل (18): في بيان اقسام المرکب

فصل (19): في معني ان الظاهر عنوان الباطن

 

 

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 242 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام علي محمّد و آله الطيبين و شيعتهم المنتجبين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

اما بعد؛ فيقول العبد الخاسر ابن محمّدجعفر  محمّدالباقر الشريف الطباطبائي القهي مولداً و الكرماني مأویً و مسكناً  اني لما نظرت في الحكمة حكمة آل‏محمّد؟عهم؟ التي ابرزها مشايخنا الفخام و لضالضنا العظام نوّر اللّه براهينهم رأيت ان لهم استعمالات شتّي في لفظ واحد علي معانٍ مختلفة يعرف كل واحد من تلك المعاني بقرينة المقام و لايطلع عليها الّا من اراد اللّه سبحانه تعليم رطنهم و لاجل ذلك ربما اعترض عليهم معترض و زعم انه وارد و تحير  فيها المسلّم و ظن ان ذهنه فاسد و ليس كذلك بل لا ذا و لا ذاك الّا لعدم التدقيق في كلماتهم و التفطين في مطالبهم فانهم انار اللّه برهانهم حكماء بلغاء كادوا ان‏يكونوا من الحكمة انبياء خزنة علم الاولياء كلامهم صعب مستصعب ينفجر  من كل كلام منهم ينابيع الحكمة و ينتشر  منه الدرر كالدراري الموقدة من شجرة اهل العصمة فابي اللّه سبحانه ان‏يجعلها مشرعة لليعافير  و ان‌يقلدها الخنازير كيف لا و قد عجز  عن بلوغها عقبان الفكر  فضلاً عن طيران العصافير  فلما شربت قطرة من بحار كلماتهم الظاهرة رأيت ان‌اشير  الي كليمات في غاية الاختصار باهرة هي اصول لاتكاد تعرف  ظواهر  كلماتهم الّا بها و قواعد لايصل اليها الّا من حفظها و أزلت عنها المجادلة و الموعظة و شحنتها بصرف الحكمة تذكرة لنفسي الناسية و اسأل اللّه سبحانه ان‏يوصل اليها ارباب الوصول من اخواننا الي ان‏يعرفوها و ان‏يجعل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 243 *»

علي ابصار اصحاب الوغول في الالفاظ من اعدائنا غشاوة ان‏يفقهوها. و ينبغي رسم تنبيه قبل الشروع في كتاب المقصود و الاعانة من اللّه الوهاب الودود بوسيلة محمّد و آله الطاهرين صلوات‏ اللّه عليهم اجمعين و ولاية اوليائهم المكرمين القائمين بامرهم الي يوم الدين.

تنبيه: فليعلم ان الامور امران امر ظاهر  و امر  غيب  باطن و كلا  الامرين جعلا  في الخلق الّا ان بعضهم من غلب عليه الظاهر و منهم من غلب عليه الباطن و الالفاظ كلها من العالم الظاهر ألاتري انها هي الهواء المتهيئ بهيأة الحروف بواسطة مخارجها من الشفاه و الاسنان و اللسان و غيرها و معانيها ايضاً من العالم الظاهر كما ان السماء اسم للجسم الكروي العلوي و الارض اسم للجسم السفلي و التراب اسم للجسم المنجمد الهابط و الماء اسم للجسم السيال الهابط و الهواء اسم للجسم الرقيق الصاعد و النار اسم للجسم الارقّ منه وهكذا الوصل اسم لاقتران جسم بجسم و الفصل اسم لانفصال جسم عن جسم و الاضافة اسم لنسبة جسم الي جسم و القرب اسم لما بين الجسمين قليل المسافة و البعد اسم لما بينهما كثيرها و الفوق اسم لما يلي السماء و التحت اسم لما يلي الارض وهكذا الفؤاد اسم للقلب الصنوبري و كذا القلب و العقل بمعني الامساك و النفس بمعني الدم و الخيال بمعني الصورة و الشاخص و الروح اسم للبخار الحي و الجسم بمعني جوهر ذي ثلثة ابعاد و الطول و العرض و العمق اسماء لاطراف ذلك الجوهر  و كذا الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و غيرها من كيفيات ذلك الجوهر  و هكذا. و كذا الاثر اسم للبقية و المؤثر اسم لفاعلها و التنزل اسم لهبوط جسم و الترقي اسم لصعوده و الجنة اسم للحديقة و جهنم اسم لحفرة بعيدة القعر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 244 *»

و النهر  اسم للاخدود و الشجر  اسم للنبات و القصر  اسم للعمارات العالية و الدرّ و الياقوت و المرجان و الماس و العقيق و الفيروزج و غيرها /اسم @اسماء خ‌ل@ (درنسخه اصل این کلمه افتاده است. عکس2)@؟ للجواهر المعروفة و الحيوان اسم للمتحرك بالارادة و الفرس اسم للحيوان الصاهل و الكلب اسم للحيوان النابح و الانسان اسم للحيوان الناطق الي غير  ذلك فكلما@ يكون في هذا العالم من الالفاظ فمعانيها ايضاً من هذا العالم. و اهل الظاهر  لايتبادر الي اذهانهم من هذه الالفاظ الّا معانيها الظاهرة و اما ما تري من فهمهم بعض المعاني الخفية الغيبية و كَتْبهم اياها في كتب اللغة و غيرها فلاجل تعليم اهل الباطن و تكريرهم و ليس ذلك ايضاً الّا من عالم الخیال و اما ما فوق الخيال فقليل عندهم قليل.

فلما اراد اهل الباطن تعليم اهل الظاهر  المعاني الباطنية الغيبية و ليس لها الفاظ الّا الفاظ المعاني الظاهرة عمدوا الي تلك الالفاظ بعينها لفقد غيرها فنفوا معانيها المتبادرة الي اذهانهم و اثبتوا معان (معانی ظ)@؟ متبادرة اخري فرأوا ان مرادهم لم‏يحصل منها فنفوا ثانياً و اثبتوا معني آخر  و هكذا كلما كرّروا لفظاً  تبادر الي الاذهان معني من المعاني الظاهرة فلم‏يزل نفوا و اثبتوا و كرّروا لعلهم يعرفون مرادهم فلذلك تري اغلب كلمات الحكمة متضادة متناقضة فلما سمع اهل الظاهر  تلك الكلمات المتضادة المتخالفة زعموها انها من المتشابهات ان كانوا من اهل التسليم و الّا فأنكروا رأساً انكاراً شديداً و اما عند اهل الباطن فليست من المتشابهات ابداً و انها من المحكمات التي لايمكن الاتيان بأحکم منها. أتزعم ان اللّه سبحانه في كلامه اراد الغازاً  من غير حكمة و تكلم بالمتشابهات ام هي متشابهات عند غير  اهلها محكمات عند اهلها بل هي محكمات فلاجل ذلك تختلف مراتب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 245 *»

المتشابهات بالنسبة الي الاشخاص فلرب متشابه عند اشخاص محكم عند آخرين الي ان‏يصل الامر  الي الائمة الطاهرين فليس عندهم صلوات‌اللّه‌عليهم متشابه ابداً  لانهم اهل الذكر  و مهبط الوحي.

بالجملة ألاتري انك لو  قلت ان اللّه سبحانه قريب و بعيد و داخل في الاشياء و خارج عنها تحيّر  اهل الظاهر  و عدّوا كلماتك من المتشابهات ان كانوا مسلّمين لك ولكنها عندك و عند من عرف كلامك من المحكمات التي ليس بأحكم منها كلام فلابد لك اذا اردت تعليم ما في قلبك لمتعلم ان‌تقول ان الله سبحانه داخل في الاشياء لئلايزعم انه سبحانه خلو  من ملكه معطل فاذا قلت انه داخل في الاشياء لرفع زعمه الفاسد و تعلم انت انه وقع في ذهنه انه سبحانه داخل في الاشياء كدخول الماء في الكوز او دخول الماء في الطين او دخول الروح في البدن او دخول شي‏ء في شي‏ء و كل ذلك خلاف غرضك و خلاف ما هو  في قلبك تقول انه سبحانه خارج عن الاشياء لرفع ما في ذهنه من المجانسة و المقارنة و المباشرة و المخالطة و الممازجة فاذا قلت انه خارج عن الاشياء يتبادر الي ذهنه انه سبحانه خارج عنها كخروج زيد عن الدار او خروجه عن اللباس او خروج ذاتيته عنهما مع كونه فيهما او خروج ماهية الروح عن البدن او خروج ماهية النفس و العقل عنه او خروج ماهية شي‏ء عن شي‏ء و كل ذلك خلاف ما في قلبك من المقصود اذ كل ذلك يلزم التحديد و التركيب و الحدوث و تعالي اللّه سبحانه عنها تقول انه سبحانه داخل في الاشياء لا كدخول شي‏ء في شي‏ء و خارج عن الاشياء لا كخروج شي‏ء عن شيء فاذا عرف ماتقول و ماتقصده من هذه الكلمات المتضادة يصدقك بحقيقة الايمان و عرف انها كلها من المحكمات و ان لم‏يعرف ولكنه مسلّم لك يصدّقك من باب التسليم و يقول انها من المتشابهات و ان لم‏يكن ممن يسلّمك ينكر  عليك اشد الانكار.

فانت يا ايها الناظر  في الحكمة لابد لك ان لاتحمل المعاني الغيبية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 246 *»

الباطنية المرادة من هذه الالفاظ علي المعاني المتبادرة الي الاذهان الناقصة الظاهرة التي يشترك فيها عوامّ الخلق و خواصّهم و جاهلهم و عالمهم و لابدّ لك ان‏تنفي عنها هذه المتبادرات بأسرها و تبغي المطلوب منها لعلك صرت من الفائزين ان شاء اللّه تعالي و الّا لاتكاد تصل الي شي‏ء منها ابداً ابداً و لعمري وقوفك رأساً و عدم تحصيلك اياها و تسليمك لصاحب الشرع و الحكمة خير  من وغولك في معانيها المتبادرة المتخالفة المورثة للشكوك و الشبهات التي لاتكاد ترتفع ابداً ابداً. أماتري انك سمعت ان لزيد في الاخرة جسماً  فلو  قسته بهذا الجسم‏ المرئي الذي سبعة اشبار في شبرين لاتكاد تدرك الجسم الاخروي ابداً فان المؤمن في جنته متنعم بروحه و بدنه و هو  ببدنه متصرف في كل آن في جميع الجنة و اقل مؤمن يكون عرض جنته عرض سموات هذه الدنيا و ارضيه@؟ سبع مرات و هو  في كل حال و في كل آن ملتذ من جميع ما له من الجنة بجسمه فان كان جسمه في الاخرة ايضاً سبعة اشبار في شبرين لايمكن له التلذذ من جنته الّا مقدار سبعة اشبار في شبرين فان أراد السير  فيها لابد له من نقل قدم بعد قدم مع الكلفة الشديدة حتي يصل الي درجة من درجات جنته فعلي هذا يكون الاخرة ايضاً دار كلفة و مشقة مثل هذه الدنيا بل يكون كبر  جسمه في الاخرة بقدر سعة جنته فهو  اكبر  من هذه الدنيا سبع مرات و هو  بجسمه يكون في اشجار جنته و انهارها و قصورها و معانق مع كل حوراء مجامعها في آن واحد متمتع من كل بدنها لا من موضع خاصّ جانٍ ثمار جنته كلها في آن واحد و هكذا معاملته مع كل جزء جزء من جنته في كل آن زائر  في كل آن اخوانه علي سرر متقابلين و كل ذلك ببدنه لايشغله شأن عن شأن فاذا كان احوال الاخرة و الغيب علي هذه المثابة بل امرها اعظم من ذلك و اعظم فاسع يا ايها الناظر  في الحكمة ان لاتتبادر الي ذهنك من الالفاظ التي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 247 *»

يستعملها الحكماء و الاولیاء ‌و الانبياء في بيان مراتب الغيب و المعارف الالهية الغيبية و الفضائل الباطنة للاولياء؟عهم؟ المعاني المتبادرة الي اذهان العوام فتحرم عن حقيقة الايمان و اللذات الغيبية و النعماء الباطنية.

و لو دققت النظر  في كلمات معاندي مشايخنا انار اللّه براهينهم الجميلة و انكارهم عليهم في بعض المسائل و افترائهم عليهم بأنهم قائلون بالمعراج الروحاني و المعاد الروحاني تجدهم غير عارفين بالحقائق الغيبية الباطنية فلما سمعوا الفاظها و قرأوا في الكتب و الاخبار احوالها و تبادر الي اذهانهم ما تبادر الي اذهان العوام و سمعوا من مشايخنا بعض الشرح و البيان لتلک المقامات الباطنية و لم‏يسلّموا  لهم و لم‏يفهموا مرادهم بادروا الي انكارهم و وقعوا فيما وقعوا من حيث لم‏يشعروا و هلكوا و ضلوا و أضلوا عن سواء السبيل و زعموا ان تلك المعاني غير متبادرة و كلماتهم متشابهة و ليس ذلك الّا لعدم تفطنهم المعني المراد من الالفاظ.

بالجملة يكفي الاشارة و التنبيه في نوع السلوك في المسائل الغيبية لاولي الدراية و اما غيرهم فلاينتبه بألف ألف عبارة و السلام علي من اتبع الهدي ثم اهتدي بالهداية فهذا أوان الشروع في المقصود و يقتضي ذلك رسم فصول ليتضح كل اصل علي حسب المأمول و اللّه سبحانه ولي التوفيق و هو خير  مسئول انه قريب مجيب.

فصل

في معان (معانی ظ)@ الاسم و المسمي و اطلاقاتهما

فليعلم اولاً  ان الاسم لايقع الّا علي الصورة لحاجة الغير  الي المسمي به و الّا فهو  في نفسه لايحتاج الي دعوة نفسه حتي يحتاج الي الاسم و المعلمة لنفي الخلاف و لا خلاف بين الشخص و نفسه و انما الخلاف يقع في الممتازين المصورين كما اذا كان زيد و عمرو و اختلف الناس في ان زيداً  امام مثلاً  ام عمرو

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 248 *»

انت تستدل بان زيداً امام و عمراً  غاصب و زيد زيد بصورته و عمرو عمرو بصورته فلو  نزع عنهما الصورة لايبقي زيد و عمرو  و يرتفع الخلاف البتة فالمعلمة ابداً  لنفي الخلاف و الخلاف لايقع ابداً  الّا بين المتمايزين و المراد بالمعلمة هو  الاسم فثبت ان الاسم لايقع الّا علي الصورة و المادة من حيث هي هي لا اسم لها ابداً  كما ان اسم اللبنة يقع علي الطين المكعب فلو  نزعت عنه صورة التكعب لايبقي اسم اللبنة ابداً  فلو  بقي اسم الطين فذلك ايضاً يقع علي الصورة الطينية لا علي نفس العنصر  مثلاً  فلو  أزلت عنه الصورة لايبقي الطين و كذا الكلام في العنصر  و غيره من المواد فالاسماء ابداً  تقع علي الصور من حيث الصور لا علي المواد من حيث هي هي و يكفي الاشارة ان شاء اللّه لاولي الدراية و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و اختلاف فما لا صورة له لا اسم له مطلقاً و ما له صورة له مادة و ما له مادة و صورة مركب منهما و المركب غير  البسيط الاحد سبحانه فهو  لا اسم له و لا رسم فالاسماء كلها للمسميات و المسميات غير  ذاته سبحانه و خلقه كائناً ماكان فكل ما طرق سمعك من الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء كلها للّه سبحانه و اللام للاختصاص اي مخصوص له في ملكه و لفظ اللّه ايضاً  اسم و له مسمي و المسمي غير  الذات لان المسمي هو  الموسوم بالاسم و الاسم هو  صفة له فهو  موصوفه كما قال الرضا؟ع؟ الاسم صفة لموصوف و الصفة و الموصوف مقترنان كل واحد منهما منسوب الي الاخر  و هما متضايفان كالابوة و البنوة فما لم‏يكن صفة لم‏يكن موصوف و ما لم‏يكن موصوف لم‏يكن صفة فهما مقترنان و الذات لايقترن بشي‏ء من خلقه اذ ما سوي الذات خلق فليس له حد محدود و لا نعت موجود و كمال توحيده نفي الصفات عنه كما قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين كمال توحيده نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة انها غير  الموصوف و شهادة كل موصوف انه غير  الصفة و شهادة الموصوف و الصفة بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع من الازل.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 249 *»

بالجملة فالاسماء كلها اوصاف كما قال الرضا؟ع؟ و الاوصاف مقترنة بالموصوفات و الموصوف موصوف بصورة الموصوفية ايضاً و لها مادة لامحالة فلايبقي اشكال ان شاء اللّه لمن له ادني مسكة ان الاسم يقع علي الصورة ابداً و الصورة لها مادة ابداً و الذات البسيط ليس له مادة و لا صورة فليس له اسم و الذات ايضاً  اسم من الاسماء و لها ايضاً مسمي و ما لا اسم له لا تعبير  عنه مطلقاً مطلقاً  ابداً  ابداً  فظهر  ان موقع الاسماء كلها غيره فمن عرف مواقع الاسم و الصفة بلغ قرار المعرفة.

بالجملة فنرجع الي الاسم و المسمي و معناهما فالاسم كما قال اميرالمؤمنين؟ع؟ ما انبأ عن المسمي و الانباء يختلف بحسب الاسماء فرب اسم انبأ عن صفة من صفات المسمي و رب اسم انبأ عن صفتين و هكذا الي ان بلغ الامر  الي اسم انبأ عن المسمي بجميع ما  له و كما ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله كما ان زيداً  العالم العابد المحسن المجمل كل واحد من هذه الاسماء انبأ عن المسمي في الجملة ولكن العالم انبأ عن صفة علم المسمي لا ازيد و العابد انبأ عن صفة عبوديته لا ازيد و المحسن انبأ عن صفة احسانه و كذا المجمل ولكنّ زيداً  انبأ عن ذات المسمي البري‏ء عن حدود هذه الاسماء كلها الظاهر  بكلها فهو  داخل فيها لا كدخول شي‏ء في شي‏ء خارج عنها لا كخروج شي‏ء عن شي‏ء نافذ فيها حاوٍ لها بلا نهاية فلايبقي لها اثر  الّا و هو  فيها فهو  اظهر  منها من نفسها فزيد هو  العالم العابد المحسن المجمل لا غيره وحده وحده و ليس العالم شيئاً  زائداً عن ذات زيد محدوداً بحد ممتاز  عنه معدوداً معه بل هو  ليس الّا هو  ولكن هو  هو كوناً  و عياناً  و ظهوراً و نوراً  و ليس هو  هو كلاً  و لا جمعاً و لا احاطة أ لا تري ان زيداً هو العالم العابد المحسن المجمل و ليس العالم بالعابد و المحسن و المجمل و كذا العابد و المحسن و المجمل ليست الّا انفسها بالجملة و لست الان بصدد بيان امثال ذلك و يأتي ان شاء اللّه في محله مفصلاً  و الغرض الان هو  اثبات حكاية كل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 250 *»

اسم عن المسمي بحسبه و اثبات اختلاف الاسماء في الحكاية عنه و انواعها.

فاقول ان من الاسماء ما هو  مرسوم في الالواح و هو  منبئ عن المسمي كلفظ زيد المكتوب. و منها ما يتلفظ به الانسان و هو  الملفوظ و هو  ايضاً  كالسابق بلا تفاوت لانه مداد متهيئ بصورة زای و ياء و دال مرسوم في اللوح بواسطة الايدي و الاقلام و الاسم الملفوظ ايضاً مداد هوائي متهيئ بهيأة زای و ياء و دال مرسوم في لوح الهواء بواسطة مقاطع الحروف و مخارجها من الفم و لايجب ان يكون المداد من زاج و عفص و توتج و لايجب ان يكون اسود كما يوجد بالوان مختلفة احمر و اصفر  و ازرق و غيرها. و منها  الصورة المنقوشة علي هيأة المسمي فهو  ينبئ عنه و هذا القسم ايضاً من نوع القسمين الاولين الّا ان بينهما تفاوت ما فان القسم الاول ينبئ عن المسمّي لكن لا مطلقاً بل ينبئ للعالم بعلم الخط حسب فهو  واقع في ادني درجات الانباء فهو  اخسّ الاسماء و ادونها ثم اعلي منه الاسم اللفظي فانه ينبئ عن المسمي للعالم بعلم الخط و الجاهل به ولكن لاينبئ عن المسمي لاهل كل لغة فهو  ينبئ عنه لاهل اللغة الخاصة فانباؤه اعلي من القسم الاول بدرجة لشموله العالم و الجاهل ثم اعلي منهما بدرجة القسم الثالث فانه ينبئ عن المسمي للعالم بالخط و الجاهل به و لاهل اللغة الخاصة و غيرها فهو  اشمل من القسمين الاولين و اكثر  انباء منهما لانه يحكي عن المسمي صغره و كبره و شكله و لونه و حسنه و قبحه و غير  ذلك من صفاته الظاهرة و منها الصورة المنطبعة في المرايا و هذا القسم ايضاً  اسم ينبئ عن المسمي و هذا القسم احكي من الاقسام الثلثة لانه يحكي شكله و لونه و حسنه و قبحه و كل ما يحكي القسم الثالث و يحكي حركاته و سكوناته بل و يحكي الصفات النفسانية ايضاً و يمكن للمتوسم ان يحكم بحسن سريرته و قبحها فهو  اكثر  انباءً من الاقسام الماضية و منها الصورة المجسمة و هي احكي مما سبق باعتبار اما من الاقسام الثلثة الاُوَل فظاهر  و اما من القسم الرابع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 251 *»

فانه يحكي السطح الظاهر من المسمي حسب و اما هذا القسم يحكي ابعاده الثلثة فهو  اكثر  انباء من هذا الحيث مما سبق من الاقسام و منها بدن الانسان فانه اسم ينبئ عن المسمي و هذا القسم اكثر  انباءً من الاقسام السابقة بحيث يكون كأنه هو المسمي لا غير  لشدة اضمحلاله في جنب المسمي و شدة حكايته له و لاجل ذلك صار في العالم الظاهر  قائماً مقام المسمي و الاسماء السابقة في الحقيقة اسماء لهذا الاسم الاعظم الذي ليس اعظم منه في الظاهر  ولكن عند التحقيق هذا القسم ايضاً مشارك مع الاقسام السابقة و ان كان اكثر  انباءً الّا انه من جنس الاقسام السابقة بلا تفاوت لانه جوهر  مركب من العناصر  الاربعة كما ان الاسماء السابقة مركبة منها و كما انها لا مدخلية لها لذات زيد فاذا محوتها و كسرتها لم‏تمح زيداً و  لم‏تكسر  بدنه الاصلي و لم‏تؤذه كذلك هذه (هذا ظ)@ البدن العرضي اذا انتزع عنه الروح لاينكسر  بدن زيد الاصلي بانكساره و لايؤذي بأذاه فهو  ايضاً  اسم عرضي لزيد كسائر  الاسماء السابقة يسمي  زيد به مادام في العالم العرضي فاذا انقطع عنه انقطع حكايته و انباؤه فيومئذ لا انساب بينهم و لا يتساءلون و من الاسماء هو الاسم البرزخي و هو  بدنه الهورقلياوي و هو  اكثر  انباءً و اشد اضمحلالاً و احكي لزيد من جميع الاقسام السابقة لانه واقع في درجة اعلي من درجة كلها و هو  اشبه الاسماء بالاسم الحقيقي الذي يسمي به المسمي ابداً و لكنه ايضاً  اسم عرضي يسمي به المسمي في عالم البرزخ فاذا انتزع البدن البرزخي ينقطع انباؤه كما انقطع انباء الاسماء السابقة بلا تفاوت. و اعلي من جميع الاسماء و اشد اضمحلالاً لدي المسمي و اكثر  انباء و احكي له هو  الاسم الذي لاينقطع نسبته من المسمي ابداً  ابداً و المقصود من هذا الفصل بيان انباء هذا  القسم من الاسم و انما جري ذكر  سایر  الاسماء العرضيّة استطراداً  لظهورها لدي اكثر  الناس ولكن الاسم الذي عنه غافلون هو  الاسم الحقيقي الذي هو  باقٍ ببقاء المسمي و لايفارقه ابداً و لايمكن الفصل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 252 *»

بينه و بينه و لا فرق بينهما الّا ان الاسم عبد المسمي و ظهوره و نوره فتقه و رتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه و معرفة هذا القسم سهل لمن عرف معني المؤثر  و اثره و امّا من سواه فلايمكن ايقافه عليه ابداً.

فليعلم ان الاثر  هو  المنبئ الحقيقي عن المؤثر  و هو  النبي الصادق الامين الذي لايدع شيئاً مما ينبغي لكرم وجه المؤثر  الّا و هو حاكيه و منبؤه فمرتبة الاسم الحقيقي هو  مرتبة النبوة الحقيقية و مرتبة الانباء الحقيقي فاذا عرفت ان الاثر  هو  ظاهر  المؤثر  و المؤثر  الظاهر  بل هو  عين المؤثر  عياناً و المؤثر  اوجد منه في مكان وجوده و اظهر  منه في زمان ظهوره و هو  موجود في غيابه و شهوده و ظهوره و خفاءه و هو  اظهر  منه بظهور لا غاية له و لا نهاية فهو  هو  وحده وحده وحده لا شريك له و لو  لم‏يكن المسمي كذلك لكان الاسم مشركاً به نعوذ باللّه و الاسم لايدعي لنفسه دعوي ابداً ابداً و انما يدعي لمسماه سرمداً قال اللّه سبحانه ان اللّه لمع المحسنين و ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون و ان اللّه مع المتقين الي غير  ذلك من الايات و هذه المعية معية غير متناهية اذ لو كانت متناهية لكان اللّه سبحانه محدوداً بالنهاية و لو كان محدوداً  لكان مركباً حادثاً و سبحانه و تعالي عن ذلك و لو  كانت المعية متناهية لكان المحسنون و المتقون مشركين بربهم و حاشاهم حاشاهم من ذلك الظن بل هم المؤمنون حقاً حق الايمان و حق الايمان ان يكونوا ممتنعين مضمحلين لدي ظهور السبحان سبحانك لا علم لنا الّا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم فمن عرف نسبة المؤثر  و الاثر  و عرف انه لا نسبة بينهما مطلقاً عرف نسبة الاسم و المسمي به و عرف انه لا نسبة بينهما و عرف ان الاسم اذا انبأ عن المسمي انبأ  كما ينبغي لكرم وجه المسمي و لاينبئ عن نفسه شيئاً  اذ لا شي‏ء الّا المسمي فلو انبأ من نفسه شيئاً  فهو  ليس باسم للمسمي ابداً ابداً  فمن عرف هذه النسبة التي لا نسبة عرف انه لم‌يمكن رؤية الاسم الّا و المسمي هو  المرئي لا الاسم فالاسم الذي امر  اللّه ان تدعوه به هو  هذا الاسم الذي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 253 *»

ان تدعوه تدعو  اللّه و لا فرق بينه و بين اللّه الّا انه عبده و رسوله و نبيه و المنبئ عنه فمن عرف هذه النسبة وجد لذّة زيارة الانبياء و الاولياء و صار من اهل المعرفة و من اهل الوصل و الواصلين الي معرفة رب العالمين و ماسوي هذه المعرفة من المعارف الظاهرة هي معرفة الفصل و مدعي المعرفة الفصلية داخل في هذه الاية يريدون ان يفرّقوا بين اللّه و رسوله (رسله ظ)@ الي آخر  الاية فمعرفة الاسم هي معرفة المسمي و معرفة المسمي هي معرفة الاسم بلا تفاوت قال؟ص؟ من رآني فقد رأي الحق و قال اللّه سبحانه تصديقاً  له و ما رميت اذ رميت ولكن اللّه رمي و قال؟ع؟ يا سلمان و يا جندب انّ معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزّوجلّ و معرفة اللّه عزّوجلّ معرفتي و قال؟ع؟ نحن واللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان تدعوه بها قال اللّه سبحانه و للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ذروا الذين يلحدون في اسمائه.

فالاسم الظاهر  بعينه هو  الاسم الباطن اي هو  المسمي لان المسمي ايضاً هو  اسم بمعني الاعم لانه اسم مفعول و ليس معني هذه الكلمات ما اراده الحكماء و الصوفية لعنهم اللّه بعدد ما في علمه من شي‏ء فلاتنس ما مرّ  في اول الفصل لتكون من الفائزين لان مرادنا من لفظ اللّه جلّ جلاله موقع اسم اللّه لا ذات اللّه  سبحانه و هم يريدون في اباطيلهم و اقاويلهم ذات اللّه و يلحدون في اسمائه و يثبتونها لمرشديهم لعنهم اللّه اشد اللّعن و عذبهم اللّه اشد العذاب فلاتمش مشيهم و لاتسلك مسلكهم لعنهم اللّه و لعن مسلكهم و طريقتهم فذرهم في خوضهم يلعبون و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و هذا القدر من البيان كاف ان شاء اللّه في هذا المقام فخذها قاعدة كلية لاتجدها مخالفة في عالم من العوالم و لا في علم من العلوم فمن اراد شرحاً  ازيد من ذلك عليه بالفصل الاتي في بيان معني الاثر  و المؤثر.

و أكتفي في هذا المقام بضرب مثل لان الحق يظهر  بالمثل ففكر  في زيد العالم الفاضل الباذل الاكل الشارب القائم القاعد النائم الحاجّ المصلي المزكي المجاهد فتلك هي الاسماء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 254 *»

و زيد هو  المسمي ففكر  ان العالم زيد ام لا و هكذا البواقي و هل العالم شخص مباين عن زيد و هل هو  وكيل زيد او وزيره او مأذون من قبله او شريك له او مستقل ام لم‏يكن الّا زيد الظاهر  بالعلم نفسه لا شريك له و فكّر  ان العلم و العالم هل هما شيئان متباينان ام متحدان منظراً مختلفان مخبراً.

بالجملة من اراد شرحاً ازيد فليترقب و هذا معني قول شيخنا الاجل الاوحد «من عرف معني زيد قائم عرف التوحيد بحذافيره» و معني قول شيخنا الاجل الاكرم من عرف زيد قام قياماً عرف اسرار الكائنات و لعلّي نقلته بالمعني.

بالجملة فالاسم كما قال الرضا؟ع؟ صفة لموصوف و الصفة هي الاثر  و الاثر  هو  المنبئ الحقيقي عن المؤثر فـالاسم ما انبأ عن المسمي كما قال اميرالمؤمنين؟ع؟ و الانباء الحقيقي لايحصل الّا ان‏يكون المنبئ اثراً  للعالي بحيث لم‏يبق له جهة و حيث و اعتبار مخالفة للمسمي و الّا فالجهة المخالفة لاينبئ عن المسمي فعلي هذا لايصير شخص دليل شخص آخر  و شي‏ء دليل شي‏ء آخر  ابداً  أ ما تري ان الحمرة لاتكون دليلاً  للصفرة و الصفرة لاتكون دليلاً  للخضرة و الشعير لايكون دليلاً  للحنطة و زيد لايكون دليلاً  لعمرو فالحمرة دليل الحمرة و الصفرة دليل الصفرة و هكذا البواقي فما يقال «تعرف الاشياء باضدادها» كلام ظاهري لم‏يصدر عن الحكمة نعم يعرف الشي‏ء بضده بانه ليس بضده و اما ضده كيف يكون فلايعرف بضده مطلقاً  أ ما تري ان السواد و البياض ضدان فانت اذا عرفت السواد ولكن لم‏تعرف البياض نفسه و قيل لك ان البياض ضد السواد هل تعرف البياض نعم تعرف ان البياض ليس بسواد لا ازيد من ذلك فاذا اردت معرفة البياض فابتغ البياض حتي تعرفه فاعرف ان الاسم و المسمي ليسا بشخصين متباينين كزيد و عمرو او حمرة و صفرة بل هما كزيد و العالم والسلام.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 255 *»

فصل: و ليعلم ان اطلاق الاسماء علي المسميات علي قسمين و كلاهما ثابتان للّه عزّوجلّ اذ لا تعطيل لها في كل مكان و مقام يعرفه بها من عرفه قسم منها يطلق علي المسمي بالغلبة و قسم منهما يطلق عليه علي الحقيقة. فالقسم الاول كصدق اسم النار علي الصفراء و الماء علي البلغم و الهواء علي الدم و التراب علي السوداء و ذلك لان طبيعة النارية غلبت علي الصفراء و سایر  الطبایع فيها خفية فكما انها خفية خفيت اسماؤها و لما ظهرت النارية ظهر اسمها فتسمي بالنار و كذا الامر  في سایر  الاخلاط و صدق اسم البسائط عليها فهذا القسم من المسميات يطلق عليها الاسماء لجهتها الظاهرة و قد يطلق عليها احياناً اسماء جهاتها الخفية عند الحاجة لحكمة اقتضتها فيمكن ان يطلق علي الصفراء اسم الماء لانها جسم سيال و يمكن ان يطلق عليها اسم الهواء لان فيها الحرارة و الرطوبة و يمكن ان يطلق عليها اسم التراب لانها جسم ارضي مخلوق من التراب و كذلك الامر  في سایر الاخلاط حرفاً بحرف و من هذا الباب اطلاق اسم النار علي كرة الاثير  و اسم الهواء علي الكرة التي دونها و اطلاق اسم الماء علي هذا الجسم السيال المعروف و اطلاق اسم التراب علي هذا التراب المعروف لانها في الحقيقة مركبات من البسائط الجوهرية الهورقلياوية و ليست ببسائط علي الحقيقة و انما بساطتها بالنسبة الي المواليد لا في انفسها. أ ما تري امكان استحالة كل واحد منها الي الاخر  بالتدبير  باستخراج القوي الكامنة و الصور الخفية فيها و اعدام القوي الظاهرة و الصور البارزة كما هو مشاهد محسوس فهي ايضاً  اسماؤها تطلق عليها لاجل الغلبة و الاغماض عن ما فيها خفية لان اصطلاح الناس غالباً علي الاغماض عمّا لايعتد به أ ما تري الناس في شرائهم بعض الحبوب مع وجود الرمال فيها و لايصير ذلك سبب انفساخ بيعهم و ليس ذلك الّا لاجل الاغماض عما لايعتدّ به و انت اذا دققت النظر  تجد جميع ما في هذا العالم يطلق عليها الاسماء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 256 *»

بالغلبة لا علي الحقيقة فالسموات تطلق عليها السماء لاجل الغلبة و هي ليست بسيطة و العناصر  تطلق عليها العناصر  بالغلبة كما برهن جميع ذلك في محلّه و من هذا الباب اطلاق اسم النبات علي هذا الجماد و ليس ذلك الّا لاجل غلبة النفس النباتية عليه و تحريكه بمقتضاها و تحركه بمقتضاها و اضمحلاله في جنبها و تلاشيه عند سطوع نورها فان اقتضاء الجماد نفسه السكون و عدم الحركة الي الجهات الست و عدم النمو  و عدم ظهور الاوراق الخضر  و الازهار و الانوار و الاثمار منها فاذا اضمحل في جنب النفس النباتية و ترك ما يقتضي طباعه كلها و اختار ما يقتضي طباع النفس النباتية و آثرها علي ما سویٰها فاذا تحرك لم‏يتحرك بمقتضي طبعه بل بمقتضي طبع النفس النباتية و كذلك اذا جذب المناسب و امسكه و هضمه و دفع عنه المنافر  و زاد و ربا و نما يفعل كل ذلك بقوة النفس النباتية و بمقتضاها لا بمقتضي ذاته فاذا ترك مقتضاه و اختار مقتضاها اختارته ايضاً و اصطفته لنفسها و خلعت عليه اسمها تشريفاً  له فيسمي باسم النبات في هذه العرصة و يقوم مقامه في اداء خصال النبات و اظهار صفاتها لاهل هذه العرصة فيسمونه نباتاً من دون مجاز و يتبادر الي اذهانهم جميعاً عاقلهم و جاهلهم و عالمهم و عاميهم و صغيرهم و كبيرهم و رجالهم و نسائهم عند اطلاق اسم النبات هذا الجماد المحسوس لا غيره بحيث لو  قيل لهم انه جماد يسفهونه و ينسبونه الي الجنون و الماليخوليا مع ان النفس النباتية من حيث ذاتها للطافتها غائبة عن انظار الناظرين عليّة عن مباشرة اللامسين و انما تقع الانظار الي لباسها و المباشرة الي محل ظهورها و هو  الجماد لا غير  و الجماد جماد ابداً و لايصير  نباتاً سرمداً و انما الصفات الظاهرة منه و الخصال البارزة عنه هي صفات النفس النباتية لا غير  و خصال الجماد هي الطول و العرض و العمق و اللون و الشكل لا غير  فمن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 257 *»

عرف النبات بالصفات النباتية الظاهرة من الجماد فقد عرف النبات و وصل اليه و من عرفه بالصفات الجمادية فقد جهله و قصّر  في حقه و غلا  في حق الجماد و كفر  و اشرك بالنبات يقيناً و الجماد عبد للنبات مرزوق ابداً و لايصير بكثرة السير  و المطاوعة الي النبات نباتاً سرمداً.

فعلي هذا التحقيق الانيق ظهر  خطاء الصوفية لعنهم اللّه و لعن مسلكهم حيث جعلوا صورة المرشد امام قلوبهم و توجهوا اليها و زعموا ان صورته لعنها اللّه سبيل الي اللّه تعالي لا واللّه لايسلكون الّا في طريق جهنم الي ان‏يصلوا اسفل سافلين و انت اذا عرفت المثال من ان صورة الجماد هي الابعاد الثلثة و اللون و الشكل و هي لاتوصلك الي النبات ابداً و انما توصلك الي النبات صفات النبات و هي الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الزيادة و النقصان لا غير  و اين الجماد من هذه الصفات و ان كان سائراً مطاوعاً  الي النبات. أ ما تري ان النفس النباتية لو  انتزعت عن هذا الجماد يكون الجماد جماداً ذا الابعاد الثلثة و اللون و الشكل كما كان و يكون كذلك ابداً و ليس فيه خصال النفس النباتية من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و غير ذلك فكيف يكون خصاله خصال النفس النباتية و صورته صورتها و كيف يوصلك الي النبات هيهات هيهات فانظر  ايها العاقل الذي لايقلد اقوال الانام هل يمكن ان‏يوصلك الي النفس النباتية الصورة الجمادية و كأنك رأيت المسألة و رأيت خطاء المخطئين و ان كنت من المقلدين لاقوال الانام و تقول بعد ذلك البيان الذي هو كالعيان بقولهم ايضاً فان انت حينئذ الّا كالانعام بل انت اضلّ منها.

بالجملة و من هذا الباب ايضاً  اطلاق اسم الحيوان علي الجماد بعد ظهوره فيه و لا اعيد الشرح و البيان لانه يورث الكلال و شرحه كما مرّ  في النفس النباتية حرفاً بحرف ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و جميع ما مرّ  يأتي هنا نوعاً فاذا ظهر علي الجماد السمع و البصر  و الشم و الذوق

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 258 *»

و اللمس و الشهوة و الغضب يسمي باسم الحيوان كما يسمي باسم النبات علي ما مرّ  و من هذا الباب ايضاً  اطلاق اسم الانسان علي الجماد بعد ظهوره فيه و جميع ما مرّ في النفس النباتية من البيان يأتي هنا حرفاً  بحرف فاذا ظهر  العلم و الحلم و الذكر  و الفكر  و النباهة و النزاهة و الحكمة علي الجماد يسمي الجماد باسم الغالب الظاهر  و قد يطلق عليه اسم مسميات خفية عند الحاجة فقد يطلق عليه الحيوان الناطق و قد يطلق عليه النبات لانه يجذب و يمسك و يهضم و يدفع و يربو  و يهزل و قد يطلق عليه الجماد لانه جسم له ابعاد ثلثة و لون و شكل و غيرها من لوازم حدود ماهيته و من هذا الباب ايضاً صدق اسم النبي علي هذا الجماد فاذا ظهر  منه الغناء في الفقر  و النعيم في الشقاء و العزّ  في الذل و الصبر  في البلاء و الرضاء بالقضاء و التسليم لمولاه يطلق عليه اسم النبي عند جميع الناس من دون مجاز عندهم مع ان الامر  هنا كما مرّ  ايضاً و من هذا الباب ايضاً صدق اسم الروح من امر  اللّه علي الجماد كما مرّ  بيانه قال تعالي و نفخت فيه من روحي و قال في عيسي؟ع؟ و روح منه فاذا ظهر  عليه ذلك الروح يسمي روح اللّه كما كان عيسي روح اللّه و قد يسمي باسماء مسميات خفية عند الحاجة لان تلك المسميات ايضاً  موجودة فقد ينسب افعاله الي اللّه تعالي لان فيه روح اللّه و قد ينسب افعاله الي نفسه لانها ايضاً موجودة كما مرّ  في الانسان و كما مرّ  في مثال الصفراء و امكان تسميتها باسم الماء و الهواء و التراب لوجودها فيها و لهذا يخاطب اللّه سبحانه نبيه فقال و ما رميت اذ رميت لوجوده؟ص؟ ثم قال ولكن اللّه رمي لظهور قدرته فيه و نسبة الفعل الي قدرته اولي من نسبته الي احد سواه فلذلك نفي الرمي من سواه و اثبت لنفسه لانه موجود في حضرته و غيبته الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شي‏ء محیط و من هذا الباب ايضاً  اطلاق اسم الائمة؟عهم؟ علي هذه الابدان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 259 *»

الجمادية مع انهم في ذاتيتهم ملأوا اركان كل شي‏ء ففي دعاء رجب بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر  ان لا اله الّا انت و قد يطلق اسم سایر  المسميات عليهم و لذلك تریٰهم؟عهم؟ نفوا عن انفسهم علم شي‏ء و مرة ادّعوا علم ماكان و مايكون بل اعلي من ذلك و اعلي و من هذا الباب ايضاً  اطلاق اسم المشية علي هذا الجماد قال؟ع؟ نحن امره و حكمه اذا شئنا شاء اللّه و يريد اللّه ما نريده و قال؟ع؟ و جعلت قلوب اوليائك مسكناً  لمشيتك و ممكناً  لارادتك و قال؟ع؟ نحن معانيه و ظاهره فيكم و من هذا الباب ايضاً  اطلاق اسم الكينونة علي هذا الجماد كما قال؟ع؟ كنّا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكوّنين موجودين ازليين بالجملة و اذا اردت ان تثبت من هذا الباب مقامات اخر  تقدر قال؟ع؟ انا الذات انا ذات الذوات للذات و قال؟ع؟ انا الذي لايقع عليّ اسم و جميع هذه المراتب مقامات اسم اللّه عزّ و جلّ لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه و جميع هذه الاسماء كما عرفت اسماء بالغلبة فيمكن اثبات اسم اللّه عليها و يمكن اثبات اسم مسميات اخر  عليها.

و اما القسم الثاني فهو  الاسم الذي لايطلق علي المسمي لاجل الغلبة بل يطلق عليه علي الحقيقة من غير مجاز عرفي و لا مجاز حقيقي و ذلك كاطلاق اسم الجسم علي الاجسام المقيدة و ذلك لايكون بالغلبة لانها اَیّةً كانت فرع الاثنينية و ليس بين الجسم و الاجسام المقيدة اثنينية و غيور الجسم تحديد لماسواه من الاجسام لا تحديد بينه و بين الاجسام فلايمكن علي هذا القسم من الاسم سلب الاسم و اطلاق اسم آخر  كما كان يمكن في القسم الاول ان يقال للصفراء نار لغلبتها عليها و يمكن ان يقال ماء لوجوده فيها و اما في هذا القسم فلايمكن سلب الاسم مطلقاً  كما لايمكن سلب اسم الجسم عن الاجسام المقيدة و ان سميتها بعرش و كرسي و افلاك و عناصر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 260 *»

فلاتنافي الجسمية و هذه الاسماء الممتازة تقع عليها من حيث امتياز كل منها عن غيرها و غيريتها غيرية في حد المقيدات لا في حد الجسم فهو  يصدق عليها حقيقة لا من حيث الغلبة و هذا القسم اعلي من القسم الاول البتة و اشار الي هذا القسم قول الرضا؟ع؟ الاسم صفة لموصوف و الصفة ليست الا ظهور الموصوف في عرصة الصفة لا شي‏ء مباين عنه يسمي باسمه بالغلبة و ذلك كزيد العالم العادل القادر الفاضل الباسط فزيد موصوف و العالم صفة له و العادل صفة له و كذا البواقي و العالمية لم‏تحصل من زيد و غيره بخلاف الصفراء و اضرابها فانها تحصل من نار غالبة و غيرها من العناصر  مغلوبة و اما العالمية لايشترک فيها زيد و غيره و انما هي ظهور زيد بهذا الوصف لايشاركه فيه احد غيره و هو  بوحدته ظاهر  فيها وحده وحده و كل ما يكون لها من وجود و ماهية و حدود و كمال و غيرها من ما ينبغي لها كلها من تجلي زيد لها بها فيها فلايكون فيها شي‏ء لم‏يصدق عليه اسم زيد فهي كلها زيد و بعضها زيد و وجودها زيد و ماهيتها زيد و ظهوراتها زيد و اشباحها زيد و افعالها زيد و آثارها زيد و آثار آثارها زيد و كل ما ينتسب اليها كائناً ما  كان يصدق عليه زيد فهي بكلها زيد الظاهر  بالعالمية فهي هو  وجوداً و عياناً و ليست هي هو كلاً  و لا جمعاً و لا احاطة و هيمنة لان زيداً يصدق علي العادل و الفاضل و الباسط و غيرها ايضاً و العالم لايصدق عليها فالحدود المميزة ثابتة بين الصفات و الاسماء و كل صفة و اسم غير  اخيه ولكنها كلها و بعضها ليست غير  زيد فكلها زيد و بعضها زيد و زيد ظاهر  فيها و هو  اظهر  منها و اوجد في مكان وجودها و زمان شهودها و هو  موجود في حضرتها و غيبتها بحيث لايبقي لها شي‏ء و اثر  الّا و زيد نافذ فيه بحيث يكون زيد و لايكون صفة مطلقاً و قد طواها طي الامتناع البحت بحيث لايبقي لغيره اسم و رسم و اشارة مطلقاً  ابداً  ابداً  فزيد هو  العالم العادل القادر الفاضل الباسط و هكذا وحده وحده وحده فانت ان قدرت علي هتك الاستار عن الاسماء و الصفات و محو  الاغيار

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 261 *»

و صحو  المعلوم و محو الموهوم بحيث يجذب احدية زيد جميع صفاته و اسمائه لصفة توحيده لاتري شيئاً  الّا زيداً و تري انه هو  هو  وحده وحده لا ذكر  لشي‏ء من الاسماء معه مطلقا.

فاذا عرفت هذا القسم من الاسم صرت من الواصلين الی المطلوب الفائزين بالمقصود و توجهت حينئذ الي المعبود وحده وحده وحده لا شريك له و هذا القسم من الاسم لايمكن لاحد اطلاق اسم آخر  خلقي عليه لانه مخصوص باللّه سبحانه و لم‏يتجلّ فيه احد غيره في مقام الشرع فاللّه هو  الولي و هو  يحيي الموتي و هو علي كل شي‏ء قدير  مع ان اسم الولي و المحيي و القدير متعدد و اما القسم الاول فقد يسمي مسمّیٰه باسم الربوبية و قد يسمي باسم العبودية و الخلقية فتقول مرّة انه غيب و مرة انه ظاهر كما تقول في النبات المحسوس مرة انه نبات لان النفس النباتية فيه و مرة جماد لان ظاهره المحسوس هو  الجماد لا غير  و كذا ينسب الافعال الظاهرة منه مرة الي ظاهره و مرة الي باطنه ففي هذا المقام يقال ان فعله فعل اللّه و قوله قول اللّه و اطاعته اطاعة اللّه و معصيته معصية اللّه فيثبت له انية اولاً و يثبت لها فعل و ينسب الفعل الي اللّه و ربما يثبت لها افعال لاينبغي لكرم وجهه و عزّ جلاله فلاتنسب الي اللّه سبحانه فانه يولد و له اب و ام و اخ و اخت و اقرباء و يأكل و يشرب و يمرض و يصح و ينام و يستيقظ و هكذا امثالها و لاينبغي ذلك و امثاله ان‏تنسب الي اللّه سبحانه فلاتقول ان للّه سبحانه اب و ام و اقرباء و انه يأكل و يشرب و امثالها و في هذا المقام ايضاً تریٰهم؟عهم؟ نسبوا الي انفسهم المعاصي و الجهل و قالوا يبسط لنا فنعلم و يقبض عنا فلانعلم و كذا في هذا المقام مقام عبوديتهم و طاعتهم و عبادتهم و رياضاتهم و الرب هو  المطاع المعبود لا المطيع العابد المنقاد و اما في المقام الثاني من القسمين من الاسم لايعقل ذلك مطلقاً و هو  مقام مخصوص للّه سبحانه لاينسب الي غيره ابداً.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 262 *»

فالمعرفة النورانية هي المعرفة بانهم الاسماء الحسني و الامثال العليا و لايطلق عليهم؟عهم؟ اسم خلقي اذ ليس اللّه سبحانه بخلق ففي هذا المقام ليس رميهم رمي اللّه و طاعتهم طاعة اللّه بل رمي اللّه رمي اللّه و طاعة اللّه طاعة اللّه و اللّه اللّه فالسلام علي اسم اللّه الرضي و وجهه المضي‏ء قال؟ع؟ انا مرسل الرسل و انا منزل الكتب و قال؟ع؟ لنا مع اللّه حالات نحن فيها هو و هو  فيها نحن لكن نحن نحن و هو  هو  و الاستدراك لاجل تعددهم و وحدة اللّه سبحانه لان اللّه سبحانه و تعالي واحد و له الاسماء الحسني و الاسماء جمع متعددون كما ان زيداً واحد و القائم و القاعد و الاكل و الشارب و سائر  صفاته متعددة و التعدد لصفاته لا لذاته و تعدد الصفات لايوجب تعدد الذات كما مرّ  و يأتي ان شاء اللّه تعالي فزيد هو  القائم القاعد الاكل الشارب و القائم ليس بزيد لانه ليس بقاعد و لا اكل و لا شارب فالقائم هو  زيد وجوداً و عياناً و ليس شي‏ء غير  زيد و ليس بزيد لان زيداً يصدق علي جميع صفاته و القائم لايصدق عليها فالقائم يقول لي مع زيد حالات انا فيها هو  و هو  فيها انا وجوداً و عياناً  اذ لست انا غيره و لم‏يتجلّ فيّ غيره لكن انا انا و انا لست بقاعد و لا اكل و لا شارب و هو  هو  و هو  القائم القاعد الاكل الشارب.

فاعرف من هذا الباب ان من عرف صفات زيد فقد عرف زيداً و من لم‏يعرف صفاته لم‏يعرف زيداً مطلقاً و ان سمي زيداً تقليداً او استدلالاً  بطريق التسلسل فان زيداً  ان عُرف عُرف في واحد من صفاته من القائم و القاعد و غيرهما و ان لم‏يُعرف في واحد من صفاته لم‏يُعرف مطلقا فالسلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه فلو  استدل المستدل بان العالم حادث و الحادث لابد له من محدث و المحدث هو  اللّه و مع ذلك لم‏يعرف الائمة؟عهم؟ لم‏يعرف اللّه سبحانه ابداً  كما مثلنا في زيد و صفاته و اعتبر  من قوله تعالي قل يا ايها الكافرون لا اعبد ماتعبدون و لا انتم عابدون ما

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 263 *»

اعبد و الكافرون جمع محلي يفيد العموم فجميع اصناف الكافرين يندرج تحت شمول الاية و اللّه سبحانه قد امر  نبيه؟ص؟ بان قال لا اعبد ماتعبدون و لا انتم عابدون ما اعبد و أ تزعم ان الكافرين الذين قد شقوا الشعر  في الحكمة لم‏يقدروا  ان يستدلوا بان العالم حادث و لابد له من محدث؟ فاعرف من هذا و امثاله من الايات و الاخبار و الزيارات بان من لم‏يعرف ائمتنا؟عهم؟ لم‏يعرف اللّه سبحانه مطلقاً  أ ما تعتبر  من ان الكفار مخلدون في النار بالضرورة من الاسلام فلو كانوا يوحدون اللّه فكيف يعذبهم اللّه العادل عذاب الابد مع انهم يقرّون بوحدته و ثواب التوحيد اعظم الثواب هب انهم لم‏يقرّوا بنبيّ او وليّ فليعذبهم الله العادل مدة لاجل انكارهم النبي و الولي ثم لينعمهم بعد ذلك بثواب توحيدهم.

بالجملة فظهر  و الحمد للّه و له المنّة ان من لم‏يعرف الائمة؟عهم؟ لم‏يعرف اللّه مطلقاً  لانهم اسماؤه و صفاته و لايعرف شي‏ء الّا بصفاته و اذا اقررت بذلك لابد لك الاقرار بشيعتهم سلام اللّه عليهم لان اللّه سبحانه استعبد عباده في كل زمان و لابد و ان‏يعرفوه ماداموا باقين في كلّ اوان و الحكمة لاتخصص بزمان دون زمان فلابد في كل زمان ممن معرفته معرفة اللّه لبقاء التكليف بالضرورة من الاسلام و الكتاب و السنة.

بالجملة و لايقال انك ضربت المثل بزيد و صفاته في اللّه و صفاته و قد قال اللّه سبحانه فلاتضربوا للّه الامثال لان ضربي المثل بزيد و صفاته ليس ضرباً  لذات اللّه سبحانه كما مرّ  في اول الكتاب لانه لا اسم له و لا رسم عندنا و انما المثل في المراتب الظاهرة لنا فينا و لان اللّه سبحانه يقول و للّه المثل الاعلي و اثبت لنفسه المثل الاعلي و المثل الذي يطابق الكتاب و السنة و العقل و الضرورة هو  المثل الاعلي و انت ان ابيت ذلك فتكلم في نفس المسألة و اعرف كنهها فتري حينئذ ان المطلب حق لا سترة عليه.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 264 *»

بالجملة لابد للفرق بين القسمين من الاسم و التفريق بين اقسام كل منهما لقوله؟ع؟ من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و من لم‏يفرق بينهما فلاجرم يقع اما في التقصير  و اما في الغلوّ  و الحمد للّه رب العالمين و صلّي اللّه علي محمّد و آله الهادين.

فصل: في معني الذات و الصفات.

و ليعلم انه قد يطلق الذات و يراد منها نفس الشي‏ء و عينه و منه مجاهدتك في اللّه ذات مشية اللّه ‏اي نفس مشية اللّه و عينها و قد تطلق و يراد منها ما لا اسم له و لا حدّ و اطلاقها علي اللّه سبحانه بهذا المعني و قد تطلق و يراد منها المطلق اللابشرط و يقال لها الماهية اللابشرط ايضاً و تعرف كل واحدة منها بقرينة المقام. و الصفات تطلق مرّة علي الهيئات و الصور و مرّة علي الاحوال و مرّة علي الاطوار و مرّة علي الكيفيات و مرّة علي كيفية تركيب الشي‏ء و مرّة علي الخصال المعنوية و كل واحدة منها تعرف بقرينة المقام ايضاً. و كثيراً ما تطلق الذات في الحكمة علي الماهية اللابشرط و الصفات علي الافراد المقيدة المشروطة و هذا هو  الذي ينبغي شرحه في الحكمة.

فليعلم ان الذات و الصفات من الامور الاضافية فربما يكون لشي‏ء ذاتية بالنسبة الي ما دونه كزيد له ذاتية بالنسبة الي ظهوراته من القيام و القعود و الركوع و السجود و له وصفية بالنسبة الي الانسان المطلق فان زيداً و عمراً و بكراً بالنسبة اليه كالقيام و القعود و الركوع و السجود فلاتغفل من هذا اذ ربما يري المبتدي كلمة الذات و يحملها علي ذات اللّه سبحانه او يحملها علي مطلق المطلقات الذي ليس له شرط مطلقاً و يشتبه عليه الامر  في كثير  من المراتب فلاتغفل من هذا المعني فاني قد جالست بعضاً ممن نصب اليه اعين الناظرين و زعموهم علماء بالغين قد طرحوا المسألة و قالوا ان ذات زيد آية اللّه سبحانه فاذا وصل اليها يصير  نافذاً  في كل شي‏ء كما كان اللّه سبحانه نافذاً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 265 *»

و الّا فلا معني لآئيته للّه سبحانه و ليس ذلك الّا من اجل الاستنتاج من الالفاظ و الاستدلال علي المطلوب بصرف الكلمات المسموعة من غير  تدقيق في معانيها فتریٰهم يلوكون بين لحييهم الفاظاً  لم‏يفهموا معانيها مطلقاً و ربما كانوا لو ناظرهم احد استشهدوا بكلمات من المشايخ و سردوا الالفاظ سرداً و المشايخ انار اللّه براهينهم الجميلة لم‏يقصدوا منها ما قصدوه و لم‏يرضوا نسبة ما قصدوه اليهم ولكن عادة الزمان تجري علي هذا المنوال و لو  ان الناس تعمقوا في المعاني لم‏يختلط عليهم الاحوال و لم‏يختلفوا في زمان و ارتفع بينهم القيل و القال.

بالجملة كل ذات بالنسبة الي ما دونه من الصفات له بساطة نسبية لا بالنسبة الي كل شي‏ء في الملك فربما كان الشي‏ء مركباً من الف الف جزء في ذاته بالنسبة الي نفسه و الي غيره و له بساطة بالنسبة الي ما دونه من الصفات و ذلك لان للشيء صورة مقومة و هي ما يكون به الشي‏ء الشي‏ء و تلك الصورة محفوظة في تجلياته و ظهوراته و متمماته و تلك الصورة بالنسبة اليها في غاية البساطة بحيث لاتدركون بسيطاً  ابسط منها عند انفسها و للتجليات صور خاصة بها يمتاز كل واحد منها عن غيره و تلك الصور المخصوصة للتجليات لاتلحق الذات الظاهرة لها بها فتركيب كل ذات بالنسبة الي ظهوراته و افراده اطلاق و للظهورات تركيب آخر  مخصوص بها هو  تركيب مصطلح بينها ا لا تري ان الجسم المطلق مركب من مادة و صورة و حدود صورته الكم و الكيف و الزمان و المكان و الجهة و الرتبة و تلك الحدود صورته المقومة التي بها يكون الجسم جسماً و لو  لم‏يكن واحدة منها لم‏يكن الجسم جسماً فاذا تم صورته المقومة ظهر  بالصور المتممة و هي الاجسام الممتازة كل واحد منها ممتاز عن غيره بصورته الخاصة به من العرشية و الكرسية و الفلكية و العنصرية و التركيب الذي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 266 *»

يعرفها (یعرفه خ‌ل)@ظ الاجسام المقيدة المتممة هو  التركيب الذي يتداول بينها لا التركيب الذي يكون في الجسم المطلق فانها باعلي مشاعرها لاتدرك للجسم المطلق تركيباً مطلقاً و تصفونه بانه بري‏ء عن الحدود منزه عن التركيب متعالٍ عن الصورة و تثبتون له البساطة الحقيقية لان التركيب في عالم المقيدات هو  اقتران حصة بحصة و الحد في عالمها هو  ما يمنع الغير  عن الدخول في مكانه و المقام في مقامه و الصورة  لديها هي ما يحصل بها الامتياز لا غير  و الجسم المطلق لو كان له تركيب بهذا المعني لكان يحصل من الحصص المجتمعة كما يحصل المقيدات كذلك و لو كان له حد  لكان واقفاً  في عرصة المقيدات و يمنعه حده عن الظهور بها و النفوذ فيها و لو كان له صورة مثل صورها لكان ممتازاً منها كما كان كل واحد منها ممتازاً عن غيره.

بالجملة فمعني التركيب في كل رتبة كائنة ما كانت من الغيب و الشهود هو  ما حصل للافراد و معني البساطة في كل رتبة هي ما حصلت لمطلق تلك الافراد بعينها.

فظهر  ان امر  البساطة و التركيب امران اضافيان الي ان‏يصل الامر  الي مطلق المطلقات و ذات الذوات فاذا وصل اليه الامر  فلا شك انه بسيط مطلق و ذات مطلقة ليس فيه شائبة التركيب مطلقاً  فظهر  انه لايجب ان يکون كل ذات بسيطة مطلقاً بل يجب ان تكون بسيطة عن الحدود التي في ظهوراتها حسب فاذا كانت الذات بسيطة حقيقية كانت بساطته محفوظة في ظهوراتها و لظهوراتها تركيب بالنسبة الي انفسها و ان كانت الذات في نفسها مركبة من جزئين كانت صورة الجزئين محفوظة في ظهوراتها و صفاتها ولكن الصفات لاتدرك ذلك التركيب مطلقاً و تثبت لها البساطة و تري التركيب لانفسها و ان كانت الذات مركبة من ثلثة اجزاء كانت الثلثة محفوظة في ظهوراتها ولكنها لاتدركها ثلثة لان الثلثة عندها ثلث مواد مصورة كل منها بصورة خاصة بها و هي مرتفعة عن الذات الظاهرة لها بها لانه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 267 *»

ليست لها ثلث مواد و ثلث صور و هكذا اذا كانت الذات مركبة من اربعة اجزاء كانت الاربعة محفوظة في ظهوراتها ولكنها لاتشعر  بها و لها تركيب في حد انفسها و هكذا الي ان یصل الامر  الي ذات مركبة من الف الف جزء مثلاً  كان الالف الف محفوظة في ظهوراتها و هي لاتدرك انها الف الف و تُثبت لها البساطة فمعني ان ذات كل شي‏ء آية ذات اللّه سبحانه ان المقيدات التي دونها لم‏تدركوا فيها التركيب فهي عند المقيدات بسيطة و لها آية لا في الواقع الخارج و لو كانت الاية في الخارج بسيطة حقيقية فما الفرق بينها و بين الذات البحت و لم صار آية لها لانه ان كانت بسيطة واقعية لكانت هي بنفسها ذاتاً  لا آية للذات فالوحدة في آية الذات وحدة وجدانية و وحدة الذات وحدة وجودية و هذا هو الفرق بين الذات و بين آيتها و عنوانها في كل رتبة من المراتب فلاتكن من الغافلين و احذر ان تكون من الجاهلين الذين يزعمون انفسهم علماء من حيث لايشعرون و يستدلون علي المطالب الغيبية بصرف الالفاظ من غير  تفكر  في معانيها.

بالجملة فاذا عرفت ان امر  الذات و الصفة امر  اضافي في الذوات المركبة و حقيقي في الذات الواحدة التي هي ذات الذوات و الذوات كلها صفاتها و ظهوراتها فاعلم ان الذات بقول مطلق سواء كانت حقيقية او اضافية فوق صفاتها و ليس معني هذه الفوقية فوقية جسمانية بان‏يكون الذات واقعة من جهة الفوق و الصفات واقعة في جهة السفل بحيث يمكن  للصفات ان‏تسيروا سيراً  الي جهة الفوق و تصلوا الي رتبة الذات و تصيروا بذلك ذاتاً حاشا بل الصفات لو  سارت اسرع السير  الي مدي ملك اللّه سبحانه لايمكن لها ان يصلوا الي ادني درجة من درجات الذات ابداً ابداً و ذلك لان فوقية الذات علي الصفات فوقية رتبية و رتبتها نافذة في رتبة الصفات كما ان ذاتها نافذة في ذواتها و وجوداتها و ليس بينهما فصل و لا وصل و لا اقتران

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 268 *»

و لا افتراق و لا قرب و لا بعد و ليس بينهما اختلاف و لا ايتلاف و لا مجانسة و لا مخالطة و لا مناسبة و لا منافرة و ليس الذات غير  الصفات و ليست هي غيرها و لا عين الصفات و لا هي عينها و لا ذكر  لها في رتبتها و لا ذكر  لها في رتبتها ايضاً  لا ذكر  نفي و لا ذكر  اثبات و لا ذكر  امكان و لا ذكر كون و لا ذكر عين و لا عدم ذكر  في المراتب الثلثة و ليس بينهما بين و لا عدمه و هكذا جميع الاضداد مرتفعة فيما بينهما اثباتاً و نفياً  فلو عدّدت الاضداد الي يوم ‏الميعاد لكانت كلها مرتفعة بينهما و ذلك لان عرصة الذات نافذة في عرصة الصفات نفوذاً  لا نهاية له كما ان الذات نافذة في وجودات الصفات نفوذاً  لا نهاية له فاذ لا نهاية للنفوذ فهي نافذة في وجوداتها و ماهياتها و جواهرها و اعراضها و موادها و صورها و افعالها و آثارها و اشباحها و اشباح اشباحها الي ما لا نهاية لها و لا غاية فلو كانت الذات نافذة في وجوداتها حسب لكانت ماهياتها خلواً  منها فكانت هي ظهورات ذات اخري غير  الذات الاولي و لو  كان كذلك لكان الشي‏ء الواحد اثر  مؤثرين و صفة ذاتين و ذلك غير  معقول و لو كان فيهما آلهة الّا اللّه لفسدتا و لعليٰ بعضهم علي بعض و لذهب كل اله بما خلق و كذلك لو كانت نافذة في ماهياتها دون وجوداتها لکانت وجوداتها آثار ذات اخري و لو كانت نافذة في جواهرها لكانت جوهرة و لو كانت نافذة في اعراضها لكانت عرضاً و الجوهر  يحتاج في ظهوره الي العرض و العرض يحتاج في قوامه الي الجوهر  و الذات في كل مقام بحسبها لاتحتاج الي ما دونها من الجواهر  و الاعراض و لو كانت نافذة في موادها حسب لكانت مادة و لو كانت نافذة في صورها حسب لكانت صورة و كل واحدة منهما تحتاج الي صاحبتها و الذات غير محتاجة و لو كانت نافذة في افعالها خاصة لكانت فعلاً  لها حسب و لو كانت نافذة في آثارها حسب لكانت اثراً  لها و لو كانت نافذة في اشباحها حسب لكانت شبحاً  لها و لو كانت كذلك لكانت الصفات ذاتاً  للذات لا الذات ذاتاً  لها.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 269 *»

بالجملة فالذات نافذة في صفاتها نفوذاً غير متناه فهي موجودة في غيبها و شهودها بحيث اذا هتكت عنها الاستار و نفس الصفات هي الاستار لا غير  و ازلت الاغيار و انفسها اغيار لا غير  و محوت الموهومات و انفسها موهومات لا غير  تري الشي‏ء بحقيقة الشيئية و الذات علي ما هي عليه لانها هي الثابتة المحققة و ماسویٰها كلها فيها ليس محض و عدم صرف فما تري فيها عوجاً و لا امتاً و لا اختلافاً  و لا امتيازاً مطلقاً  فاذا هي هي وحدها وحدها و ذلك معني مايقال «ان الذات غيبت الصفات» فان الصفات معها ممتنعة صرفة و لا ذكر  لها في الذات مطلقاً  كيف لا  و هي اظهر  منها و اقرب من انفسها نحن اقرب اليه من حبل الوريد كيف لا و انما تكون كل صفة هي هي بمادتها و صورتها و خصوصيتها و الذات اوجد في مكان المادة من نفس المادة و اوجد في مكان الصورة و الخصوصية من نفس الصورة و الخصوصية بل هي اوجد في اقتران الصورة بالمادة من نفس الاقتران فاذا ليس شي‏ء الّا هي و ليس ذلك المعني انها ببساطتها كل الصفات لان كل الصفات بعض الصفات بعضها و ليس بعض الصفات بعض الذات اذ لا بعض لها مطلقاً بحسبها في كل مقام و لا عينها لانها لو كانت عينها لكانت صفات و ليست ذاتاً  فهي ليست كلها اي كل الصفات و لا عينها و لا غيرها فاذا الذات غيّبت الصفات فليستا هما شيئين و لا شيئاً واحداً.

بالجملة كلما شرحت الاحوال اري اشكالاً علي اشكال فمن كان من اهل الديار رأي انه تعبير عن حقيقة الحال و من لم‏يكن من اهلها تحير  في المقال و ضاق عليه المجال و انت ان اردت فهم المراد فاعلم انه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و ما خلقكم و لا بعثكم الّا كنفس واحدة و ما امرنا الّا واحدة و لاتذهب بنفسك و خيالك الي العوالم الغيبية التي لاتقدر (علی ظ)@  الاحاطة بها و الاطلاع عليها و اعلم ان اولي الالباب قد علموا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 270 *»

ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الّا بما هيٰهنا فقصر النظر  و الفكر علي ما تقدر عليه و تقدر علي الاطلاع بظواهره و خوافيه و ميّز بين مراتبه و اعرف نسبها فاذا اتقنت المسألة في شي‏ء من الاشياء هنا تقدر علي فهم نوع تلك المسألة في جميع العوالم غيبها و شهادتها و ان لم‏تقدر علي الاطلاع علي كيفية الشي‏ء الظاهر  و نسبة مراتبه فلاتتعبن نفسك فيما لاتحيط به خبراً  و اشتغل بامر  يسعك اطلاعه فان كنت من اهل الفكر  فاعتبر  من كلام المشايخ انار اللّه براهينهم ان من عرف نسبة «زيد قائم» عرف التوحيد بحذافيره و لاتزعم كلامهم مجازاً  و لا مبالغة و الغازاً  لانهم اهل الحقيقة لا المجاز فاتبع آثارهم و اقتد بهم ففكر  في «زيد قائم» و لاتجاوزهما حتي تفوز مع الفائزين.

فاعلم ان زيداً ذات بالنسبة الي قائم و قائم صفة بالنسبة الي زيد و انما قيدت النسبة لان زيداً بالنسبة الي الانسان صفة كما ان قائم بالنسبة الي جزئياته ذات كما نبهت عليه و اصررت لك اصراراً.

فاذا عرفت نسبتهما فلعمري تعرف نوع هذه المسألة في جميع العوالم و لاتحتاج الي سؤال ابداً ابداً  في هذا النوع من المسائل من احد فاسع في اتقانها و دقق النظر  فان قدر اللّه لك الظفر  لظفرت فزيد ذات و عرصته فوق عرصة قائم و قائم صفة له و عرصته دون عرصة الذات فالقائم بجميع ما  له و به و منه و عليه من علله الاربع وجد بزيد يقيناً و ليس غير  زيد ظاهراً  فيه و لا شريكاً مطلقاً  فكل ما له و ماينبغي ان يكون له فهو  من زيد و اعطائه اياه لا من عمرو و بكر يقيناً و اذا كان جميع ما له من زيد وحده وحده ففكر  ان زيداً يصير  بنفسه قائماً  فيكون ذاتيته قائماً  فلم‏ يصير  قاعداً و راكعاً و ساجداً؟ فاذا رأيناه قاعداً و راكعاً و ساجداً  ايضاً علمنا انه بذاته لم‏يصر  قائماً قطعاً  اذ لو صار بذاته قائماً و هو قاعد و راكع و ساجد لكان كل واحد من القاعد و الراكع و الساجد قائماً و ذلك باطل بالمشاهدة فاذ لم‏يصر  بذاته قائماً  فتفكرنا في انه هل اخذ مادة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 271 *»

من خارج عالم الزيدية و صوّرها بصورة قائم كما يأخذ النجار مادة السرير  من الخشب و كمّله علي حسب ما اراده و صوّره بصورة السرير  فرأينا انه ليس كذلك قطعاً  لان السرير خارج عن عالم زيد و شي‏ء مباين منه لايصدق عليه اسم زيد و لايمكن حمله عليه فلاتقول زيد سرير  بخلاف قولك زيد قائم و اذا كسرته لم‏ينكسر  زيد بالبداهة ولكن قائم ليس شيئاً مبايناً من زيد قطعاً و يصدق عليه انه زيد و هو  محمول عليه و اذا ضربته ضربت زيداً  قطعاً و كلما عاملته عاملته فان اكرمته اكرمت زيداً و ان اهنته فقد اهنت زيداً  قطعاً فليس قائم من خارج عالم زيد قطعاً لحمله عليه فاذا  لم‏يكن ذات زيد و لم‏يكن من خارج عالم زيد فهو  ظهور زيد و اثره و صفته اوجده في حدّه و مقامه بنفسه لا لشي‏ء و لا بشي‏ء و لا من شي‏ء و لا علي شي‏ء سويٰ ذاته اذ ليس ذات زيد علته الغائية و لا الفاعلية و لا المادية و لا الصورية لان زيداً  لو كان بذاته هو  العلة الغائية لقائم لصار ذاته غاية قائم لا غير  و الغاية هو مهيّج الفاعل للحركة نحو  الفعل فاذا صار ذاته مهيج احداث القائم فكيف يهيج الفاعل لاحداث القعود و الركوع و السجود فاذا رأيناه انه مهيج لجميع ذلك علمنا ان ذاته لم‏تكن مقيدة بقيد واحد منها فذاته بريئة عن تعيّنات القائم و القاعد و الراكع و الساجد بالبداهة فاذ لم‏يكن ذاته علة للقائم و لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فيكون العلة الغائية في رتبة من مراتب القائم لامحالة و كذا لو كان زيد في ذاته هو  العلة الفاعلية لقائم لصار ذاته فاعل القيام و لكان فاعل القيام صورته و لو كان صورته فاعل القيام لم‏يقدر علي احداث القعود و غيره من الصفات لان الفاعل لو  لم‏يتهيأ بهيأة المفعول لم‏يقدر علي تصوير  المفعول علي ما اراده كما تري من ان يدك لو  لم‏تتحرك من الامام الي الوراء لم‏تقدر علي احداث صورة الالف و لو  لم‏تتحرك من اليمين الي اليسار لم‏تقدر علي احداث صورة الباء و لو  لم‏يكن الملبنة مربعة لم‏يصر اللبنة مربعة البتة فلو  كان ذات زيد ملبنة القائم لم‏تقدر علي احداث غيره فلم‏تكن ذاته ملبنة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 272 *»

القائم بالبداهة فكانت الملبنة اي العلة الفاعلية ايضاً  في مرتبة من مراتب القائم اذ لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و لو كان ذات زيد هي العلة المادية للقائم فلم‏تكن تصلح لان تظهر  بغيره و ذلك لان المادة و الصورة متضائفتان و الشي‏ء مركب منهما فاذا كانتا معاً  كان المركب منهما و اذ لم‏تكونا لم‏يكن المركب مركباً  فمادة الالف ما يكون مخصوصاً بها و صورتها ايضاً ما يكون مخصوصاً بها كما يأتي مفصلاً  ان شاء اللّه.

فاذا وجب ان‏يكون مادة قائم مخصوصة به لم‏تصلح لان يظهر  منها غيره فان رأينا لزيد ما يصلح ان‏يظهر  منه القائم و غيره عرفنا ان ما يصلح للكل غير  مخصوص بالبعض فلايكون مخصوصاً بالقائم فعلّته المادية ايضاً  في مرتبة من مراتبه بالبداهة و كذلك لو كان ذات زيد علته الصورية لكانت مصورة بصورة القيام ابداً  فلو  كانت مصورة بصورة القيام لم‏تصلح لاحداث صورة غيره  فاذ قد رأينا انه يظهر  منه القيام و غيره عرفنا ان العلة الصورية ليست في ذات زيد و انما هي ايضاً  واقعة في مرتبة من مراتب القائم قطعاً  فالعلل الاربع كلها واقعة في مقام الاثر  لامحالة فذات زيد قد تجلي لقائم بقائم و قائم نفس تجليه فلم‏يتجل به بحركة سابقة و لا في وقت سابق لان الوقت السابق هو  وقت الذات و وقت الذات من حدودها فلايصلح لان يصير  من حدود الاثر  و اما وقت القائم فهو  من حدوده و الحدود واقعة فيما دون الشي‏ء فلايمكن ان يوجد الشي‏ء في مرتبة من مراتب ظهوراته و كذلك لم‏يتجل به في مكان اذ المكان ايضاً من حدود ماهية الشي‏ء و لايمكن ان يوجد الشي‏ء فيه فلم‏يتجل به في جهة و لا في رتبة و وضع و لا في كمّ و لا في كيف اذ جميع ذلك من حدود ماهية القائم و نفس ماهيته فرع وجوده فضلاً  عن حدودها فليس بين زيد و قائم فصل مطلقاً و لا وصل و القائم موجود بنفسه عند زيد كما ان كل اثر  عند مؤثره القريب مخلوق بنفسه فهو  يد الفاعل في ايجاد نفسه كما عرفت و له مادة نوعية و صورة نوعية و مادة شخصية و صورة شخصية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 273 *»

و تعلق بكل واحد منها فعل من زيد فتعلق بمادته النوعية مشية زيد و بصورته النوعية ارادته و بمادته الشخصية قدره و بصورته الشخصية قضاؤه ولكن الفعل في كل رتبة لابد و ان يكون مطابقاً  لمفعوله مطابقة تامة و ان لم‏يكن له مطابقة تامة لمفعوله لزم ان يوجد مفعول بلا فعل و لو من جهة و ذلك غير  معقول البتة فاذا جاء المطابقة التامة من كل جهة ارتفع الاثنينية لامحالة فكل مرتبة بنفسه فعل العالي في ايجاد نفسه لا بشي‏ء آخر  فاذا اراد العالي شيئاً  او اراد زيد قائماً  ان يقول له كن فيكون و معلوم ان زيداً بذاته لم‏يكن مريداً  لقائم و الّا لم‏يمكن له ان يريد قاعداً  فهو  مريد قائم في قائم فاسمه المريد مرسوم في لوح القائم لان الذات لو  كانت مريدة لم‏يمكن سلب الارادة عنها فليس المريد من الصفات الذاتية بل هو  من الصفات الفعلية بل مريد القائم من صفات فعله الجزئي لا فعله الكلي و فاعل «ان يقول» هو  المريد المرسوم في لوح القائم و فاعل «كن» هو الضمير  المرفوع المستتر  و هو  انت و فاعل «يكون» هو  المأمور و هو  فاعل كن ففاعل يكون و فاعل كن و فاعل ان‏يقول و فاعل اراد كلها شي‏ء واحد و هو  القائم و ذلك معني قول مشايخنا اجل اللّه شأنهم ان المفعول هو  فاعل فعل الفاعل له و لاتقس الذات و المؤثر  في ايجاده بالفواعل الخارجة عن المفاعيل لان تلك الفواعل مكملات لا مؤثرات و المراد بايجادها ابراز ما قد كمن في المواد فهي فواعل من شي‏ء و هو  المادة السابقة و الفرق بين المكمل و المؤثر  ان المؤثر  موجد اثره لا من شي‏ء بخلاف المكمل كما يأتي شرحه ان شاء اللّه.

فاذا عرفت كيفية خلق بلا كيف و نسبة «زيد قائم» و عرفت انه لا نسبة بينهما فأجر  حكمه في جميع العوالم من الدرة فما فوقه الي الذرة فما دونه@؟ و لاتجد حينئذ تفاوتاً و اختلافاً  في خلق الرحمن ابداً و نوع خلقته سبحانه علي نهج واحد قال تعالي و ما امرنا الّا واحدة و قال ما تري في خلق الرحمن من تفاوت بالجملة و لايشتبهن عليك الامر  من المثال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 274 *»

المذكور و هو  زيد قائم و تزعم الخلاف من الايتلاف و تقول انا نري زيداً  قبل صفة القيام مدة مديدة و نري انه احدثه في وقت و مكان سابقين بل من مادة سابقة لان بدن زيد صالح للقيام و القعود و غيرهما فهو  مادة القيام لان مرادنا من زيد قائم هو  زيد الذاتي الاصلي و القائم الذاتي لا زيد الذاتي و القائم العرضي فليس مرادنا من القيام انتصاب الفقرات من البدن العرضي فان انتصابها قد حصل بالتكميل و التكمل فروح زيد قد كمّل بدنه و استخرج من كمونه صورة القيام فاقامه كما اذا كمّل شمعة و استخرج من كمونها صورة القيام بلا تفاوت فكما ان الشمع القائم لم‏يكن صفة زيد كذلك لم‏يكن البدن العرضي القائم صفة زيد بلا تفاوت فان زعمته صفة زيد تتخيل الاعتراضات و تعترض و ليس ذلك الّا من اجل ان المتبادر الي ذهنك غير  مرادنا و انما تعترض علي ما في ذهنك و هو غير  وارد علي مرادنا البتة فاطلب اولاً  المعني المراد فاذا وصلت اليه و ظفرت فلاتري فيما قلنا عوجاً  فلاتعترض حينئذ نعم ان اردت اجراء هذا الحكم الكلي الذي لايخصص بشي‏ء في بدن زيد العرضي بالنسبة الي قيامه العرضي فأجره كما مرّ مكرراً و قد اخذني الملال في تكرار المقال فانت لو عرفت المعني المراد لقدرت علي اجراء حكمه في كل شي‏ء كما قد رأيت مما مرّ  من البيان في زيد قائم و رأيت ان التعبير  عن حالهما هو  الخلق الاول بالنسبة الي فاعله جلّ جلاله و عمّ نواله فخذ هذا الحكم الكلي غير المخصص بشي‏ء من الاشياء و عالم من العوالم و اتخذه قاعدة كلية و كن من الشاكرين و لعمري لو  تجاوزت هذا البيان لم‏تصل الي عمران ابداً ابداً  و لو عُمّرت عمر  الدنيا و لاتكاد تعرف كنه مسألة من مسائل الحكمة التي هي من نوع هذا المقام الّا بالتمسك بهذه القاعدة و اجرائها في كل شي‏ء و من راجع الاخبار الواردة في هذا المضمار و الخطب التي صدرت من اهل الحكمة و العصمة صلوات اللّه عليهم في كيفية الخلق الاول و كيفية خلق العالم يري صحة ما مرّ  من البيان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 275 *»

بالعيان و من لم‏يجعل اللّه له نوراً  فما له من نور و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

فصل في معني البسيط و المركب و اطلاقاتهما

فقد يطلق البسيط و يراد منه الشي‏ء الصرف الخالص عن شوب ما سواه به كالماء الذي لم‏يختلط بشي‏ء مما سواه و قد يطلق المركب في مقابله علي الشي‏ء المخلوط بما سواه كالماء المختلط بالطين فعلي هذا الاطلاق يكون السموات و العناصر  بسائط و المولدات بينهما مرکبات و قد يطلق البسيط علي الخارج عن القيود و المركب علي المقيد بالقيود و يسمي الاول المطلق و الثاني المقيد و الاول الذات و الثاني الصفة و الاول المؤثر  و الثاني الاثر  و الاول الباطن و الثاني الظاهر  و امثال ذلك و اكثر  استعمال لفظ البسيط و المركب في الحكمة في هذا المعني دون المعني الاول و يعرف كل واحد من المعنيين بقرينة المكان و المقام فالبسيط بالمعني الثاني ما لا حدّ له و لا قيد له و المركب بعكسه ولكن لايراد منه في كل مقام غير  محدود حقيقي كما مرّ  في شرح اطلاقات الذات و الصفة بل المراد منه الخروج عن قيود ما دونه فان كان البسيط ليس فوقه شي‏ء فهو  بسيط حقيقي و ان كان فوقه شي‏ء فهو  بسيط اضافي فالبسيط الحقيقي هو  الذي ليس فيه شائبة التركيب بنحو  من الانحاء و حيث من الحيوث و اعتبار من الاعتبارات و فرض من الفروض فليس فيه حيث و حيث و جهة و جهة و اعتبار و اعتبار و فرض و فرض و هكذا كل ما كان غير صاحبه و لو  من حيث و اعتبار فهو  داخل في عرصة المركبات لانه غير  صاحبه بصورته و صاحبه غيره بصورته و هما مشتركان في المادة فكل واحد منهما مركب من مادة و صورة و كل مركب من مادة و صورة غير  البسيط بالبداهة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 276 *»

و لكن غيريته تحديد لذاته لا تحديد للبسيط اذ لو كان تحديداً  له لكان البسيط مركباً من المادة و الصورة و هو خلاف المفروض فكل حدّ بايّ نحو كان مسلوب عنه فكل شي‏ء وجودي او نفيي مسلوب عنه فحيث هو  مذكور لا ذكر  لغيره و ليس له حيث المذكورية و عدمه اذ هو  المذكور و لا ذكر  لشي‏ء مطلقاً  اذ ليس شي‏ء مطلقاً  اذ لو كان شي‏ء و كان البسيط لكان البسيط غيره و لو كان غيره يكون مصوّراً  بصورة الغيرية و لو كان مصوراً  بصورة الغيرية فلم‌يکن بسيطاً  فهو  هو  وحده وحده وحده ليس شي‏ء معه مطلقاً  لا وجوداً و لا وجداناً و ليس معني قولي ليس شيء معه ان يكون شي‏ء في مرتبة من المراتب الوجودية او في مرتبة من المراتب العدمية و ليس معه كما ان السماء مستعلية علي الارض و حدّها غير حدّها و ليس معها ولكنها ثابتة في محلها كما ان السماء ثابتة في محلها اذ لو كان الامر  بين البسيط و المركب كذلك لكان البسيط مركباً  ممتازاً  عن المركب كما ان السماء ممتازة عن الارض و كلتاهما مركبتان و هو خلاف المفروض و ليس معناه ايضاً  ان البسيط واقع في عرصة الغيب و يكون شي‏ء من الاشياء في عرصة الشهادة ولكن ليس معه اذ لو كان الامر  بين البسيط و المركب كذلك لكان البسيط محدوداً  في حد الغيب محصوراً  فيه و ذلك الشي‏ء محدوداً في عرصة الشهادة فكان البسيط محدوداً محصوراً  فكان مركباً و هو خلاف المفروض و ليس معناه عكس ذلك لما مرّ  في عكس ذلك و ليس معناه ان البسيط واقع في عرصة المواد و يكون شي‏ء غيره ثابتاً في عرصة الصور اذ لو كان الامر  بين البسيط و المركب كذلك لكان البسيط محصوراً  في حدّ الصلوح و القابلية و ذلك الشي‏ء المفروض محصوراً  في حد الفعلية و كل واحد منهما غير  الاخر  بصورة مخصوصة به غاية الامر  ان المادة مصورة بصورة المعنوية و الصلوح و العدم و الصورة مصورة بصورة الفعلية فلو كان البسيط محصوراً بحصار الصلوح لكان مركباً من جوهر  مصور بصورة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 277 *»

الصلوح و البسيط غير المركب بالبداهة و ليس معناه عكس ذلك للزوم التركيب ايضاً  لما مرّ  و ليس معناه ان البسيط واقع في عرصة الاطلاق و يكون شي‏ء من الاشياء في عرصة التقييد و ثابتاً  فيها ولكن ليس معه اذ لو كان الامر  بين البسيط و المركب كذلك لكان البسيط مركباً و هو خلاف المفروض لان ما يكون في عرصة الاطلاق يكون الاطلاق صورته و الواقع في عرصة التقييد يكون التقييد صورته و كلاهما مصوران و كل مصور مركب و لو  بنحو  الطف و طرز اشرف أ ما تري ان الجسم المطلق واقع في عرصة الاطلاق و العرش واقع في عرصة التقييد و يكون الاطلاق شرط وجود الجسم كما ان الكروية شرط وجود العرش. و لو  قيل ان الامر في الجسم المطلق كذلك ولكن ليس كذلك الجسم بقول مطلق، قلت أ ليس شرط الجسم بقول مطلق النفوذ في المقيدات و اعطاؤ اسمه عليها؟ فهو  ايضاً مصور بصورة النفوذ و الاحاطة و لولا صورته لم‏يكن نافذاً  فيما دونه و أ ليس شرط وجوده ان يكون له مظاهر حتي يصدق عليه المطلق؟ و نفس المطلق مشروط بان يكون فيما دونه مظاهر.

بالجملة و ليس معناه عكس ذلك و ليس معناه ان البسيط واقع في عالم الدهر  و يكون شي‏ء ثابتاً  في عالم الزمان ولكن ليس معه لان الدهريات كلها مركبات كما ان الزمانيات مركبات و ليس معناه ان البسيط واقع في عرصة السرمد و يكون شي‏ء موجوداً  في عالم الدهر  او الزمان ولكن ليس معه في عرصة السرمد لان الوجود السرمدي ايضاً مركب لانه وجود راجح و الرجحان صورته و هو غير  الوجود الجایز  بصورته كما ان الوجود الجایز  غيره بصورته فلو كان البسيط واقعاً في عرصة السرمد لكان مركباً و البسيط غير المركب بالبداهة.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 278 *»

فاذا وصلت الي هذا المقام فاقول لك ليس معناه ان البسيط واقع في عرصة الازل و يكون شي‏ء ثابتاً  في عرصة السرمد او الدهر  او الزمان و ان لم‏يكن للازل عرصة و لكن أ ليس الحق غير  الخلق؟ و ان كان الغيرية و البينونة بينونة صفة لا بينونة عزلة و أ ليس بينونة الصفة ايضاً  له مفهوم و مفهومه غير  مفهوم الازل و غير  مفهوم الخلق فالحق الازلي الاحدي متصف بصفات التنزيه و ما سواه متصف بصفة مخالفة لصفة التنزيه و ليس معناه ان البسيط واقع في عرصة البساطة و يكون شي‏ء من الاشياء ثابتاً  في عرصة التركيب اذ الواقع في عرصة البساطة بسيط و الواقع في عرصة التركيب مركب و البسيط غير  المركب و الغيرية لاتحصل الّا بما يمتاز كل واحد من المتغايرين عن الاخر  فالبسيط بهذا المعني مركب ايضاً و المركب غير  البسيط الحقيقي فالبسيط الحقيقي ما كان هو هو  و ليس شي‏ء غيره مطلقاً بمعني امتناع وجود شي‏ء مطلقاً  لا بمعني امتناع وجود شي‏ء في عرصة البسيط و امكان وجوده في عرصة من العرصات من السرمد و الدهر  و الزمان حاشا اذ لو  كان كذلك لكان مثل المركبات اذ كل شي‏ء يكون في حده و مقامه و ليس مع شي‏ء آخر  في حده و مقامه و ليس كمثله شي‏ء فليس للبسيط الحقيقي عرصة مطلقاً حتي يقال انه ليس معه في عرصته شي‏ء لان العرصة بأي معني تفسّرها شي‏ء و ليس شي‏ء معه مطلقاً سبحانه سبحانه فليس شي‏ء مطلقاً و لا عرصة مطلقاً معه فهو هو  وحده وحده اذ لو كان شي‏ء في حده و لم‏يكن معه أ ليس حده منعه عن النفوذ فيه فذلك الحد يحدده فكان البسيط و ليس معه غيره مطلقاً  و ليس له مع و ليس له غير حتي يقال ليس معه غيره فهو  الموجود و كل موجود ممتنع مفقود ابداً  ازلاً  اذ كان اللّه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 279 *»

و لم‏يكن معه شي‏ء و الاٰن كما كان و يكون بعد ذلك كما كان.

فلو قيل ان هذا المعني هو معني بسيط الحقيقة ببساطته كل الاشياء قلت اني اقول انه هو  هو  و ما سواه ممتنع محض ابداً ازلاً  فاذا كان ما سواه ابداً ازلاً  ممتنعاً محضاً  فكيف يعقل ان يقال انه كل الاشياء لانه ليس شي‏ء مطلقاً مع البسيط حتي يقال انه غيره او عينه فالبسيط ليس غير  الاشياء اذ لا اشياء و لا عينها اذ لا اشياء فالاشياء كائنة ماكانت ممتنعة مع البسيط وجوداً  و وجداناً و الّا لم‏يكن البسيط بسيطاً.

فاذا عرفت ما قلت علمت ان ما يقال ان البساطة مفهومها وجداني لا وجودي يقال في ايات البسيط لا في نفسه لان اياته لم‏تكن بسيطاً حقيقياً و انما بساطتها اضافية بالنسبة الي ما دونها و وجدانية يعني انك غفلت عن تركيبها و نظرت الي جهة وحدتها فتجدها واحدة غير  مركبة و هي في الواقع مركبة و هذه الوحدة التي تجدها في الايات و هذا التركيب الموجود فيها حقيقة كلاهما مركبان بالنسبة الي وحدة البسيط الحقيقي أ لاتري انك اذا غفلت عن تركيب شي‏ء تجده غير مركب و غير المركب ضد المركب و ضد المركب مركب لانه مصور بصورة غير  المركب فلاتغفل من هذا المعني و لاتُصْغ الي ما قال في البسيط من لم‏يعرف ان الاشياء ممتنعة معه وجداناً  لا وجوداً  فاذاً كان البسيط علي قوله مركباً وجوداً بسيطاً وجداناً فاذا وجدته بسيطاً  فهو  بسيط في وجدانك و هو  بنفسه ليس بسيطاً و ليس الاشياء معه ممتنعة في الخارج فله حد في الخارج و للاشياء حد في الخارج ليس هو  في حد الاشياء و ليس الاشياء في حده ولكنك بحسن اخلاصك له تجده في وجدانك غير محدود بحد فتجده حينئذ بخلاف ما كان عليه لانه كان في الوجود محدوداً و انت تجده غير محدود فجزاك اللّه خيراً حيث وجدته بسيطاً و هو  مركب في ذاته.

بالجملة ان كنت من ابناء الحكمة فضع كل شي‏ء موضعه و انظر  الي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 280 *»

كل منظور فعبّر عنه كما تجده و لاتكن من المستدلين علي المطالب بالفاظ السادات و المشايخ انار اللّه برهانهم من حيث لايشعرون.

فان قلت علي ما قلت فالاشياء كلها ممتنعة ازلاً ابداً  فما هذه الاشياء التي لم‏تنكر؟ قلت ان كل شي‏ء هو  هو بمادته و صورته و هو غير  مادته و غیر  صورته فاذا نسبت مادة بصورة تقول هذا شي‏ء فاذا أذبت المادة و الصورة و النسبة التي بينهما في بحر  متشاكل الاجزاء بحيث يقوم المادة في مقام الصورة و الصورة في مقام المادة و النسبة بينهما في مقامهما فحينئذ اين المادة و اين الصورة و اين النسبة بينهما و اين الشي‏ء فلم‏يكن حينئذ شي‏ء و لا مادة و لا صورة و لا نسبة أ لاتري انه ليس للبسيط ضدّ اذ لو كان له ضدّ فليس ببسيط فاذ لم‏يكن له ضدّ فليس الاشياء اضداداً  له بالبداهة فاذ لم‏تكن اضداداً  له فوجودها غير  مانع من وجود البسيط و المركبات ليست باضداد البسيط الحقيقي نعم هي اضداد للبسيط الذي بمعني الصرف الخالص و معني امتناعها مع البسيط الحقيقي ليس معني نفيها معه حتي تقول فما هذه الاشياء؟ و سبب الاشكال في المسألة ان الاذهان يتبادر اليها من لفظ الامتناع معني النفي الذي يعبّر عنه فی الفارسية بـ «نيستي» فتتحير  فی انها اذا لم‏تكن معه في رتبتها فما هذه الاشياء؟ و هي غافلة عن انه كما نفي عن البسيط اثبات الاشياء نفي عنه نفيها و نفي النفي اثبات فانت ان فهمت بين النفي و الاثبات شيئاً و وصلت الي المراد من الالفاظ المتضادة لاتري اشكالاً مطلقاً  في المسألة و ان تحيرت من العبارات المتضادة فَتَحَيُّركَ دليل علي عدم وقوفك علی المعني المراد من الالفاظ و تَبادُرِ معني غير  مقصود الي ذهنك فالاولي معالجتك ذهنك لان لايتبادر اليها خلاف المقصود.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 281 *»

بالجملة هذه الاشياء المتكثرة علي ما هي عليه ليست مضادة للبسيط الحقيقي و ليس اثباتها مضاداً للبسيط و لا نفيها و اثباتها و نفيها كلاهما ممتنعان مع البسيط و هي علي ما كانت كما تراها ممتنعة معه و امتناعها معه وجودي و وجداني لا وجداني فقط كما عرفت و مع ذلك هو  ليس عينها لان عينها مركبة بالبداهة و البسيط ليس بمركب بالبداهة.

بالجملة ان تجاوزت من البسيط الحقيقي فاعلم ان البساطة في ما سواه بساطة اضافية و البسائط الاضافية متعددة متكثرة بل لايمكن احصاؤها لان كل شي‏ء بالنسبة الي ما دونه من الظهورات بسيط و بالنسبة الي ما فوقه من البسائط مركب فزيد مثلاً بسيط بالنسبة الي صفاته من القائم و القاعد و الراكع و الساجد و صفاته مركبة بالنسبة اليه و المراد من بساطته ان تراكيب صفاته لاتلحقه و لاتكثره فزيد واحد مع ان القائم و القاعد و الراكع و الساجد و غيرها من صفاته متعددة و بتعددها لايتعدد زيد فهو  بسيط بالنسبة اليها حقيقة وجوداً و وجداناً و كل واحد منها زيد حقيقة و لم‏يلحق زيداً  شي‏ء من خارج ذاتية زيد حتي يصير  قائماً  او قاعداً او غيرهما حتي تحتاج الي الغفلة عنه عند توجهك الي زيد بل مادة صفاته ظهور مادته و صورة صفاته ظهور صورته و انت لاتجد حين توجهك الي صفاته غير  ما به زيد زيد حتي تحتاج الي الغفلة عنه حين توجهك الي زيد و انما تحتاج الي الغفلة عن شي‏ء خارج عن ذاتية زيد حين توجهك الي زيد و ذلك انما يتحقق في مولود مركب من آثار مؤثرات عديدة فانت تحتاج الي الغفلة عن آثار مؤثرات لم‏ترد التوجه اليها حين التفاتك الي مؤثر خاص في المولود المركب و مثال ذلك زيد الظاهر  في البسة الحيوانية و النباتية و الجمادية فهذا الظاهر  بصورة زيد مركب من اثر  الانسان و من اثر  الحيوان و من اثر  النبات و من اثر  الجماد فانت اذا اردت التوجه الي حقيقة الانسانية البسيطة بالنسبة في هذا المظهر  لابد لك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 282 *»

من الغفلة عن الاثر الحيواني و النباتي و الجمادي حتي تقدر علي الوصول بالانسان المطلق بواسطة اثره الذي في هذا المظهر  و بتوجهك الي اثر  الانسان و غفلتك عن آثار ما سواه لم‏يصر  هذا المظهر  في الخارج بسيطاً  بل هو  مركب كما كان قبل التفاتك بلا تفاوت ولكنك غفلت عن تركيبه و توجهت الي الانسان المطلق بواسطة اثره فوجدانك الانسان الاحدي المطلق بالنسبة في المظهر  المركب وجداني لا وجودي خارجي لان المظهر  مركب حين التفاتك الي الانسان المطلق في الخارج فما يقال ان ادراك الوحدة في المركب وجداني لا وجودي يُعْني به في امثال هذه المقامات لا في مثل ادراك زيد في آثاره الحقيقية و صفاته المختصة به فلاتغفل من هذا التفريق ان اردت التحقيق فاطلاق الجسم المطلق بالنسبة الي الاجسام المقيدة حقيقي و امتناعها فيه وجودي لا وجداني فقط لانه ليس في عرصة الاجسام المقيدة شي‏ء خارج مما به الجسم المطلق جسم حتي تحتاج الي الغفلة عنه في وجدانك لا في الوجود الخارجي و تتوجه الي الجسم نعم من تبادر الي ذهنه من لفظ امتناع الاجسام المقيدة في الجسم نفيها فيه تحير  و يقول ان امتناعها فيه وجداني لا وجودي فعلي ذلك يكون الجسم المطلق في الخارج واقعاً في عرصة الاجسام المقيدة و مركب@؟ بتركيبها و انت في وجدانك تخرجه عن حدودها و ماأدري ما لم‏يكن في الخارج كيف يقع شبحه في وجدانك و وجدانك بنفسه ليس موجد الشبح لا من شي‏ء قطعاً.

بالجملة من عرف ان الكثرات الواقعة في عرصة المقيدات ليست باضداد للمطلق النافذ فيها و عرف ان المطلق بمضادته بين المقيدات يعلم ان لا ضد له و عرف ان الكثرة ضد الوحدة التي هي في عرصتها كالعشرة و الواحد لا ضد الوحدة التي هي فوقها كالعدد الصادق علي العشرة و الواحد و الاحد الساري في الاعداد كلها لايبقي له اشكال في ان وحدة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 283 *»

كل مطلق بالنسبة الي مقيداته حقيقي و امتناعها فيه وجودي و وجداني لا وجداني فقط و من عرف ذلک عرف امتناع الخلق مع اللّه سبحانه وجوداً مع انه موجود في رتبته لا وجداناً  فقط.

بقي شي‏ء و هو  انك ان هتكت عن القائم الستر  و محوت عنه الموهوم حتي وجدت المعلوم الذي هو  زيد هل وجدت زيداً المطلق في الخارج ام وجدته في وجدانك حسب فانك ان وجدته في الخارج فلم لم‏يكن القاعد و الراكع و الساجد و غيرها من صفاته موجودة و هذا هو  السر  في لزوم تمسكك باسم من اسمائه تعالي مناسب لحاجتك خاصّ بها فتقول يا غفور اغفر  لي و يا منتقم انتقم لي من اعدائي و لاتقول يا غفور انتقم لي و يا منتقم اغفر  لي و قس عليهما بواقي الاسماء و الحاجات مع انك تدعو اللّه عزّ و جلّ وحده بكل اسم من اسمائه.

و الحق ان المطلق له معنيان مطلق مقيد بقيد الاطلاق و مطلق بقول مطلق و انت بعد الهتك عن القائم تجد زيداً  المطلق بقول مطلق لا زيداً  المقيد بقيد الاطلاق و لذلك لم‏تجد القاعد و الراكع و الساجد و غيرها من صفاته فتأمل.

فصل

في معني المطلق و المقيد و اطلاقاتهما

فقد يطلق المطلق و يراد منه الذات اللابشرط و الماهية اللابشرط بالنسبة الي ظهوراتها فلايكون الاطلاق شرطاً و صورة لها. و قد يطلق و يراد منه المطلق الذي هو  الظهور الكلي للذات فالاطلاق شرطه و صورته فهو  مقيد بقيد الاطلاق. و قد يطلق المقيد و يراد منه الاثر  الجزئي. و قد يطلق و يراد به ما سوي الذات البسيط فيسمي الذات بالمطلق اللابشرط و يسمي الكلي بالمطلق بشرط لا اي بشرط ان لايكون معه غيره من الجزئيات المقيدة و يسمي المقيد بشرط شي‏ء اي بشرط ان‏يكون معه الصورة الجزئية و الحدود المميزة له عن غيره. و تلك المراتب الثلث اضافية فيما سوي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 284 *»

ما لا ثاني له و هي فيه حقيقية و ليس شي‏ء الّا و فيه هذه المراتب الثلث فالالف مثلاً  فيها هذه المراتب فمرة تنظر  اليها و تري المداد من حيث هو هو  لا من حيث صلوحه للحروف و هذا مقام المداد اللابشرط بقول مطلق ثم تنظر  اليها و تري المداد الكلي الصالح للتصور بصورة الحروف و هذا المداد ظهور المداد الاول في عرصة الكلية و شرط وجوده عدم الحروف فهو  الوجود و المداد بشرط لا اي بشرط ان لايكون الحروف موجودة فيه فهو نفي الحروف و له صورة نفييّة بخلاف المداد الاول فانه لا صورة له مطلقاً  اي لا صورة له من جنس الصور الحرفية الفعلية و لا من جنس الصورة النفييّة ثم تنظر  اليها و تري الالف و هي ظهور من ظهورات المداد المطلق الاعلي بواسطة ظهوره في مرتبة المداد الصالح.

فالمرتبة الاولي مقام ذات المداد و المرتبة الثانية مقام فعله و مشيته و ظهوره الكلي الراجح الوجود البرزخ بين ذات المداد و بين ظهوره الثالث و المرتبة الثالثة مقام الوجود المقيد بالصورة و الامكان الجایز  و يقال له الامكان ايضاً  لانه ايضاً  فعل و مشية في المقام الثالث و امر مفعولي كما ان المرتبة الثانية امر فعلي ففي هذا المقام اي المقام الثالث ايضاً  مراتب ثلث و اشرح ذلك في مثال الالف ايضاً  ليتضح الامر  و ان استحكمته و اتقنته لوجدته امراً  سارياً في جميع الملك ماتري في خلق الرحمن من تفاوت مطلقاً و لعمري لو  وجدت اشكالاً و اختلافاً  في مرتبة من المراتب الغيبية او الشهادية في نوع هذه المسألة لما عرفت المسألة هنا و لم‏تصل الي كنهها هنا فارجع النظر  و البصر  الي المداد و مراتبه و دقق النظر  و الفكر حتي تصل الي كنه المسألة ثم انظر  هل‏ تري من فطور في مرتبة من المراتب و ذلك كما قال الرضا؟ع؟ قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الّا بما هيهنا.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 285 *»

بالجملة فالمقام الثالث الذي هو  مقام الالف و مقام الوجود المقيد و مقام الامكان الجایز  و الامر  المفعولي له ثلث مراتب مقام الذات و هو  مقام الالف من حيث هي هي و مقام صلوح ظهورها في اي زمان و اي مكان و هو مقام ظهورها الكلي و مقام الفعل و المقام الثالث مقام ظهور الالف في وقت خاص و مكان خاص فالمرتبة الثالثة مقام الجزئية و المرتبة الثانية مقام الكلي و المرتبة الاولي مقام الذات و المطلق فالمرتبة الاولي تحكي المرتبة الاولي و هي مرتبة ذات المداد و المرتبة الثانية تحكي المرتبة الثانية و هي مرتبة صلوح المداد و ظهوره الكلي و صلوح تطوره بالحروف و المرتبة الثالثة تحكي المرتبة الثالثة و هي مرتبة الوجود المقيد و الامكان الجایز  و مقام الالف المطلقة.

و ان شئت اجراء هذه المراتب في «زيد قام قياماً» فأجره فقل ان زيداً مقام الذات و مقام هو هو  و مقام قام مقام فعله الكلي و ظهوره الكلي و المعاني العليا و الوجود المطلق و الامكان الراجح و المشية المطلقة و مقام قياماً مقام المفعول المطلق و الامر  المفعولي و الوجود المقيد و الامكان الجایز  و المعاني السفلي. و لهذا المقام ايضاً مراتب ثلث فالاولي مقام نفس القيام من حيث هو هو  و الثانية مقام صلوح ظهوره في اي وقت و مكان و الثالثة مقام ثبوته في وقت خاص و مكان خاص فالقيام بنفسه من حيث هو هو  يحكي ذات زيد و مقام صلوح ظهوره في اي وقت و مكان يحكي ظهور زيد الكلي و مقام ثبوته في وقت خاص و مكان خاص يحكي القيام و تلك المراتب مراتب حقيقية لها وجودات خارجية و ليست بمحض اعتبار المعتبرين بل كلها موجودات بعضها فوق بعض يقع شبح كل رتبة في ذهن الانسان و يجد ما يجده مطابقاً  للخارج لان الذهن ليس الّا كمرءاة صافية ان قوبل به شي‏ء من الاشياء يقع شبحه فيه و الّا فلايقدر علي ايجاد شبح في نفسه من غير  شاخص خارجي.

ثم اعلم قاعدة كلية لاتتخلف و لاتتخصص بشي‏ء و هي ان الشيئين

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 286 *»

لايمكن ان‏يكون كل واحد منهما مثل الاخر  من جميع الحيوث و الاعتبارات و الّا لم‏يبق بينهما اثنينية فيكون شيئاً واحداً  لا اثنين فمتي قابلت بمرءاة ذهنك الي شي‏ء و وقع شبحه فيه و توجهت اليه و غفلت عماسواه حين توجهك اليه ثم قابلت به الي حيث آخر  من ذلک الشيء و وقع شبحه اي شبح ذلك الحيث فيه و توجهت اليه و غفلت عن الشبح الاول فاحكم بانهما شيئان متباينان في الخارج لكل واحد منهما شبح خاص به لانهما  لو كانا واحداً من كل جهة و حيث فلم  لم‏تلتفت الي كل واحد منهما حين التفاتك الي الاخر  فاذا توجهت الي لون زيد مثلاً  و تدركه ثم توجهت الي طوله و تدركه و لم‏تدرك الطول حين توجهك الي اللون و لم‏تدرك اللون حين توجهك الي الطول فاحكم بان اللون و الطول شيئان متباينان اذ لو كانا متحدين لأدركت الطول حين التوجه الي اللون و لأدركت اللون حين التوجه الي الطول.

فاذا تحقق ذلك بحيث لم‏يبق ريب و شك فاعلم ان تلك المراتب مراتب متعددة لها وجودات خارجية و ليست بامر  اعتباري لا تحقق له في الخارج فانك حين توجهك الي زيد من حيث هو هو  تدرك زيداً و لم‏تدرك انه صالح الظهور بصفاته و غفلت عنها بالكلية ثم حين توجهك الي ظهوره الكلي الصالح الظهور بأي صفة من صفاته لم‏تتوجه الي زيد من حيث هو هو  فاعلم انهما شيئان متباينان و مقامان خارجيان ليس كل واحد منهما عين الاخر نعم ليس تباينهما كتباين زيد و عمرو و اما ان كل واحد منهما غير  الاخر  فمما لا شك فيه و لا ريب يعتريه و هكذا حين توجهك الي القيام تغفل عن زيد و عن ظهوره الكلي فاعلم انه مرتبة غير  المرتبتين الاوليين في الخارج و حين توجهك الي القيام المطلق من حيث هو هو  لم‏تلتفت الي صلوح ظهوره في اي مكان و وقت و حين توجهك الي صلوح ظهوره في اي مكان و وقت لم‏تلتفت الي القيام من حيث هو هو  و حين التفاتك الي القيام الثابت في الوقت الخاص

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 287 *»

و المكان الخاص تغفل عن نفس القيام المطلق و عن القيام الكلي الصالح للظهور في اي مكان و وقت فاعلم ان لكل واحد من هذه المراتب وجود خارجي حقيقي و ليس بامر  اعتباري و لاتستنكف عن تسمية كل واحد منها باسم خاص و لاتغل في مرتبة و لاتقصّر قال؟ع؟ من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة.

فصل

في معني المؤثر  و الاثر

فالاثر  لغة هو  البقية و اثر  الاقدام هو  الموقع الباقي في التراب من تأثير  القدم، و الخبر  و كأنه بقية ممن اخبر عنه و يناسب اللغة الاصطلاح لانه قد يطلق الاثر  و يراد منه العمل فيقال الفخار اثر  الفاخور و عمله و البِناء عمل البنّاء و اثره و السرير عمل النجار و اثره. فالمؤثر  هو  فاعل الفعل و المفعول‏به هو الاثر  و يقال للمؤثر  المكمل و للاثر  المتكمل لان المكمل هو الذي له صورة من الصور بالفعل و المتكمل قبل التكمل هو الذي ليس له تلك الصورة و هي في امكانه و صلوحه فاذا اراد الفاعل ان‏يستخرج من قوة المادة القابلة صورة من الصور اتخذ  لنفسه آلة مناسبة لما اراد استخراجه، سواء كانت الالة آلة مباينة منه كالملبنة لاخراج صورة اللبنة من الطين و كالقلم لاخراج صور الحروف من المداد، او متصلة كيد الفاخور لاخراج صورة الفخار من الطين، و سواء كانت الالة طبيعية كالصورة الحاصلة للخميرة من الحموضة لاستخراج الحموضة من العجين و کصورة الحموضة الحاصلة للخل لاستخراج الحموضة من العصير  و قس عليها سایر  الطعوم و كصورة الصفرة و الحمرة الحاصلة للحناء لاستخراج مثلها من اعضاء المختضب و قس عليها سایر الالوان و كصورة الحرارة الحاصلة للنار في استخراج مثلها من مادة الاخشاب و الادهان و قس عليها سایر الكيفيات المستخرجة من موادها بعد ان لم‏تكن و كانت المواد من قبل، او كانت نفسانية كالصور العلمية الحاصلة للعالم لاخراج المعلومات التي تطابقها من المتعلم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 288 *»

و كصورة الشجاعة الحاصلة للشجاع لاخراج مثلها من فاقدها و كصورة الايمان الحاصلة للاولياء في اخراج مثلها من امكان اكوان الاناسي و صورة العبودية الحاصلة للانبياء في اخراج مثلها من المطيعين و هكذا كل ما تري من مادة و شي‏ء لم‏يكن له وصف ثم يوصف به بعد بواسطة كائن خارج عن ذاته فاعلم انه من باب التكميل. و من ذلك تأثير  العلويات في السفليات و استخراجها  الصور المختلفة من الارض من الجمادات و المعادن و النباتات و الحيوانات و الاناسي و غيرها من المكونات التي لم‏تكن ثم كانت كلها من باب التأثير  و التكميل. فمرة يطلق علي مثل هذه التأثيرات التكميل و التأثير، و مرة يطلق عليها التكميل دون التأثير.

و لم‏يفرق بينهما احد من الحكماء الماضين فيما علمنا من عباراتهم و كتبهم و قد فرق بينهما مشايخنا العظام انار اللّه براهينهم الدقيقة الجليلة التي لم‏يعثر عليها احد من العلماء و الحکماء في جميع القرون و الاعصار و قد بالغ في التفريق حلّال المشكلات و رفّاع المبهمات و مفصّل المجملات الذي اوتي الحكمة و فصل الخطاب من اللّه المتعال مولانا الامجد و شيخنا الاوحد اطال اللّه بقاه و جعلنا فداه جزاه اللّه من الاسلام و المسلمين و الايمان و المؤمنين خير جزاء المحسنين. فالتكميل علي تعريفه و تحديده هو  ابراز ما قد كمن كما مرّ  امثلته، و التأثير  هو  ايجاد ما لم‏يكن كما يأتي تحقيقه فاذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا و يعرف المراد من كل منهما بقرينة المقام و من لم‏يعرف الفرق بينهما لم‏يعرف المقصود من الكلام فربما وقع في مجال الطيران و ربما طار في موقع لاينبغي الجولان.

فالفاعل المكمل هو  موجد الوصف في كل رتبة من المراتب الظاهرية و الباطنية و المتكمل سائل الوصف في كل رتبة من المراتب الظاهرية و الباطنية فالمكمل هو  الكائن الواجد و المتكمل هو  الكائن  الفاقد فالمکمل لم‏يوجد كونه اذ كونهما جميعاً من المكون المؤثر  العالي منهما فالمكمل يده العليا و المتكمل يده السفلي و هو

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 289 *»

الفاعل باحدي يديه و القابل بأخري فيده العليا هو  الغني القادر القاهر  و يده السفلي هو  الفقير  العاجز  المقهور فيرجع الفقير الي الغني و العاجز  الي القادر و المقهور الي القاهر  لا الي المكون فان المكون لايفقده كلاهما@؟ و هو  ظاهر  فيهما حاصل لهما جميعاً و تحصيل الحاصل غير  معقول و الذي هو  طاوٍ للسائل و السؤال و المسئول لايمكن اليه الوصول فالطريق اليه مسدود و الطلب منه مردود فالطريق يهتدي فيها الي العمران و الطلب من الفقير  الي ذي‏الوجدان و ليست قرية وراء عبادان.

فاعرف ربك الذي هو  مربيك و اطلب منه ما هو  معطيك فاياه فاعبد و اياه استعن و اعرف معني القول فان العبادة فعل العبد و العبد غير  الرب و انت الفقير  و الفقير غير  الغني فاذا صدق فيك الطلب فاطلب الجاه و التجيء@ اليه اذ هو  المتلجی و ليس وراءه المنتهي ان الي ربك المنتهي فتذكر  السؤال من نفسك و تذكر  انطواءك تحت الاحد الطاوي لك و لسؤالك و المسئول و امتناعك و امتناع ما سواك فيه فاذا رأيت الامتناع فالتجي‏ء@ الي ربك و ابتغ اليه الوسيلة و وسائله كثيرة للّه الاسماء الحسني فادعوه بها و ارجو@؟ منه الانتفاع فالاسم المناسب لحاجتك هو  الباب الذي امر  اللّه سبحانه عزّ و جلّ ان‏تدخل اليه (علیه ظ)@49 منه و هو  المسمي و المسمي واحد و له اسماء عديدة فابتغوا اليه الوسيلة.

فان كنت ممن سبقت من اللّه له الحسني عرفت انه لا سبيل لاحد من غير  هذا السبيل و ليس وراء المشاهدة و العيان دليل قال؟ع؟ الطريق مسدود و الطلب مردود و قال رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و قال؟ع؟ من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة و امّا وراء ذلك فلعمري اينما توجهت توجهت اليه سواء تتوجه الي السماء او الی الارض و حيثما سلكت سلكت اليه سواء تسلك الي الكعبة او الي البيع و كلما فعلته تفعل له سواء كان حراماً  او فرضاً و الي ايّ رجل ذهبت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 290 *»

ذهبت اليه سواء كان موسي او فرعون او مؤمناً  او منافقاً  او عالماً  او جاهلاً  و سواء عليك لديه ان‏تسلك في سبيل من السبل او تقعد او تتكلم او تسكت او تصلي او تترك او تصوم او تفطر  او تَطْلب او تُطْلب او غير  ذلك من الافعال المتضادة و المتخالفة كلها مرضي له و تصدر منك بمشيته و ارادته و قدره و قضائه و اذنه و اجله و كتابه و هي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة و هو  اجلّ من ان‏يعصي في ملكه عاصٍ و هو غير  مريد له فمن يطع الرسول فقد اطاع اللّه و من تخلف عنه تخلف عن اللّه فالنبي هو  وجه اللّه المضي‏ء و اسمه الرضي و ابوجهل هو وجه الشيطان المظلم و اسمه المظطلم و عليّ وجه اللّه و عينه و ابوالفصيل وجه الشيطان و نفسه و هكذا لكل موسي فرعون و لكل علي عمر  في كل زمن و عصر  و لايخلو  عصر  من الاعصار من حق و باطل. بالجملة و ليس المقصود هنا شرح مثل هذا المقام و انما يجرّ  الكلام  الكلام لحلاوة شهد المعاني المنتجة التي هي غاية المرام الحاصلة بين التفريق بين ابراز ما قد كمن و ايجاد ما لم‏يكن.

فالمؤثر  في الاصطلاح الخاص هو  الموجد الذي لم‏يوجد من المادة اذ الموجد من المادة هو  موجد الوصف و مظهره لا موجد الذات. فالمكمل موجد وصف الفخار و صورته علي الطين بالتكميل و ليس موجداً  للطين، و المؤثر هو  الموجد للطين و الصورة الفخارية اي هو  موجد المادة و الصورة معاً  فلايوجد من مادة سابقة مصنوعة لغيره. فاذا اراد ان‏يوجد اثراً  من آثاره خلق مادته اولاً  و صورته ثانياً  اي خلق مادته اعلي و صورته ادني منها لا بمعني انه خلق اولاً مادة بلا صورة في مدة مديدة ثم خلق صورته بل خلق خلقاً  تاماً  دفعة واحدة مادته و صورته و هما ليستا بشيئين متباينين بل هما شي‏ء واحد منظراً  و شيئان مخبراً  فاذا نسبته الي العالي تري مادته و ان نسبته الي سایر الاثار تري صورته.

بالجملة فاوجده المؤثر  لا من مادة سابقة سوي مادته و لا علي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 291 *»

حذو صورة سوي صورته و لا لاجل غاية سوي نفسه و لا بآلة سواه و لا في مكان سوي مكانه و لا في وقت سوي وقته و لا في رتبة سوي رتبته و لا في جهة سوي جهته و لا في كمّ سوي كمّه و لا في كيف سوي كيفه، فاوجده بنفسه و هو  مخلوق بنفسه عنده تجلي له به و به امتنع منه و ليس تجليه شيء@ آخر  بل هو  بنفسه نفس تجليه قائم به قيام صدور ثابت بثبوته@ باقٍ بابقائه لايحتاج الي شي‏ء سوي مؤثره. و بذلك ظهر  الفرق بين المكمل و المؤثر  و المتكمل و الاثر، فالمكمل يكمل و يقوي القوي الكامنة في المادة السابقة الباقية بابقاء مؤثرها لا بالمكمل فشأنه ابراز ما قد كمن حَسْبُ و المؤثر  شأنه ايجاد ما لم‏يكن.

فاذا ظهر الفرق بينهما ينبغي الاشارة الي اطلاق آخر  في نفس المؤثر، فانه قد يطلق المؤثر  و يراد منه الوجود البسيط العالي عن درجات الاثار بأسرها، و قد يطلق المؤثر  و يراد منه الموجد الخاص الذي يوجد الاثر  و توجد حروف اصول الاثر  فيه و ما لم‏توجد حروف اصوله فيه لم‏يقدر علي ايجاد الاثر  للزوم مصاقعة الفاعل مع المفعول. و اذا اردت بيان ذلك كالعيان ففكر  في زيد القائم القاعد الراكع الساجد فان زيداً  هو  المؤثر  و القائم و القاعد و الراكع و الساجد هي الاثار و لا شك ان في هذه الاوصاف ضمائر  راجعة الي زيد، ففكر  هل الضمير  المستتر  في القائم يرجع الي ذات زيد فذاتية زيد هو  الظهور بالقيام حسب فَلِمَ ظهر  بما سواه من الاوصاف فان لم‏يرجع الي ذات زيد يرجع الي زيد الظاهر  بالقيام لامحالة و هو  موجد القيام و هو  الذي فيه حروف اصول القيام فهو  المقيم مثلاً  فزيد الذي هو  المقيم هو  مؤثر  القيام لان فيه من حروف اصول الاثر  التي هي القاف و الواو و الميم و لو  لم‏يتهيأ زيد بهيأة القاف و الواو و الميم لم‏يمكن صدور الاثر  الذي فيه هذه الحروف منه فالمؤثر  للقائم الذي يرجع اليه ضميره هو  زيد الظاهر  بالقاف و الواو و الميم لا ذات زيد لان ذات زيد

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 292 *»

لو كانت توجد فيها هذه الحروف لكانت الحروف صورته المقومة و شبحه المتصل و لو كان شبحه المتصل هو  القاف و الواو  و الميم لوجب ان‏توجد حيثما وجد زيد لان الشبح المتصل محفوظ في جميع الاشباح المنفصلة كشبح زيد المتصل المحفوظ في جميع اشباحه المنفصلة التي في المرايا المتعددة فلم‏تكن ذات زيد مصورة بصورة القاف و الواو و الميم بلا شك لان صورتها صورة اطلاقية يمكن ظهورها بالقاف و الواو و الميم و بالراء و الكاف و العين مثلاً.  كما ان الفعل المطلق في ذاتيته صورته الفاء و العين و اللام و لم‏يكن بذاته موجد الضرب و النصر  و غيرهما من الافعال فالضرب مشتق من ضرب الذي فيه حروف اصول الضرب و كذا الضارب لايشتق من الفعل المطلق بل هو  مشتق مما  فيه حروفه و هو  الضرب لا الفعل و الفعل كلما فعل يصدر منه الفاء و العين و اللام و هي غير مقيدة بقيد الضاد و الراء و الباء بل تصلح لان تظهر  بالضاد و الراء و الباء و بالنون و الصاد و الراء فالضاد هو  الفاء كما ان النون هو  الفاء و الراء هو  العين كما ان الصاد هو  العين و الباء هو  اللام كما ان الراء هو  اللام و هكذا سایر الافعال.

فالمطلق المؤثر  ربما يطلق علي الفعل العالي الذي هو  فَعَلَ و ربما يطلق علي الفعل الذي هو  موجد الفعل الخاص كضرب للضرب و الضرب للضارب. فمؤثر  القائم الذي يرجع اليه ضميره هو غير  مؤثر  القاعد الذي يرجع اليه ضميره فلكل صفة و اثر  مؤثر خاص به و هو  الذي يوجد فيه حروف اصوله فالمؤثر  الذي يقصد منه الحركة نحو الاثر  هو  المخصوص بالاثر  لا الذي لا خصوصية له، فمؤثر  المياه هو  الماء المطلق لا الجسم و مؤثر النيران هو  النار المطلقة لا الجسم و هكذا مؤثر  الاهوية هو  الهواء المطلق و مؤثر  الاتربة هو  التراب المطلق لا الجسم اذ لو كان الجسم بذاته هو  مؤثر  الماء لكانت صورة المائية صورته المقومة و شبحه المتصل و لو كان كذلك لم‏يقدر علي الظهور بالنارية و الهوائية و الترابية. بل اذا سلّمت ذلك اقول

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 293 *»

ان مؤثر  كل واحد من افراد المياه هو  المرسوم فوقه لا الماء المطلق لان صورة الماء المطلق هو  الاطلاق و ليس فيه ذكر  من صورة النهر  و الحوض و البحر  و غير ذلك فمؤثر كل واحد هو  الذي يوجد فيه حروف اصوله كما عرفت و كذلك القول في النار و الهواء و التراب و في سایر العوالم.

فاذا عرفت ذلك فاعرف ان المقيم المطلق ايضاً  ليس مؤثر  القائم الخاص بعين ما مرّ  فللقائم الخاص مؤثر خاص به و ذلك معني قول المشايخ انار اللّه براهينهم الجميلة ان للمشية رؤس بعدد ذرات الموجودات فالرأس المتعلق بالخنصر غير  الرأس المتعلق بالبنصر، فاذا عرفت القاعدة الكلية فقل ان الرأس المتعلق بكل ذرة من الخنصر  و البنصر غير  الرأس المتعلق بذرة اخري و يطلق علي كل واحد من هذه الرؤس لفظ المشية كما انه يصدق علي القائم انه زيد و علي القاعد انه زيد و هكذا و لكل واحد من تلك الرؤس اسم خاص به و اسمها العام هو  المشية فاذا انصبغت بصبغ تسمي باسمه و تلك التسمية لاتنافي المشية المطلقة لانها لا صورة لها من عالم المقيدات و ما لا صورة له لايمنعه صورة فنفذ في جميع الصور باحديته و بساطته فالرأس المتعلق بزيد هو  المزيّد مثلاً  و الرأس المتعلق بعمرو هو  المعمّر  و هكذا فكل شي‏ء مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب لان ذات المؤثر  لاتباشر  الاثر  بنفسه كما عرفت من الامثلة المتكررة و لا ثالث بين المؤثر  و اثره القريب و اما الاثر  البعيد فهو  مخلوق بواسطة المؤثر  القريب عند المؤثر البعيد كما ان السرعة مثلاً  اثر  للحركة و الحركة اثر  لزيد فالسرعة عند زيد مخلوقة بواسطة الحركة و الحركة مخلوقة بنفسها عند زيد كما ان السرعة مخلوقة بنفسها عند الحركة اذ الحركة في نفسها اعم من السريعة و البطيئة فالسريعة اثر  منها كما ان البطيئة اثر منها و كل منهما مخلوقة بنفسها عند الحركة.

بالجملة فلا كيف لفعل المؤثر  في الاثر  اذ الكيف من حدود ماهية الاثر  و هي واقعة تحت رتبته فلايخلق ما هو فوق رتبة الشي‏ء في رتبة ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 294 *»

الشي‏ء فكل اثر  كائناً ما كان مخلوق بلا كيف عند مؤثره القريب و كيفيته هي لا كيف و طوره لا طور و هكذا كما هو  مخلوق عنده لا من مادة و لا علي حذو صورة و لا لاجل شي‏ء و لا بشي‏ء و كل ماينبغي له فهو  في رتبته.

و اذا اتقنت الحكمة في هذه العوالم و قلبت ظهرها عن بطنها امكنك الوصول الي كيفية الخلق الاول ايضاً  اذ قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الّا بما هيهنا و لانه ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و يزعم الجاهل بالحكمة ان الخلق باسره لم‏يكن مطلقاً و كان اللّه سبحانه بلا نور و لا ظهور ثم اراد ان‏يخلق الخلق فقال كن فيكون. و ربما يزعم ان له لساناً و شفتين و مقاطع الحروف كالانسان و هو  لايعلم انه بسيط فرد واحد احد ليس له اعضاء و جوارح و هو  لايتغير  و لايتبدل و لايحدث فيه اقتضاء خلق بعد ان لم‏يكن فيه فلو  فرض انه سبحانه كان بلا نور و ظهور و هو  غير متغير  لامتنع تعقل خلق النور و الظهور بعد ذلك لامتناع التغير  في ذاته سبحانه و عدم خلق يقتضي فليس اللّه سبحانه ناقصاً  ابداً و كان كما كان كاملاً  ذا نور و ظهور و جمال و جلال و عظمة و كبرياء ابداً  ابداً و هي كلها معه ممتنعة ابداً  ابداً و كان متفرداً في وحدانيته و يكون منفرداً بعد ذلك و ليس له كان و لا يكون و امثال هذه التعبيرات تعبيرات اضطرارية و ليس المراد منها مفاهيمها المتبادرة الي الاذهان و انما الغرض منها انه هو  هو سبحانه. و هذا القدر من البيان كافٍ في هذا الفصل لمن كان له عينان و السلام علي اهل العيان.

بالجملة فحاصل الفصل انه قد يطلق المؤثر  و يراد منه المكمل المبرز من المواد ما قد كمن فيها، و قد يطلق و يراد منه المطلق البسيط العالي عن حدود ما دونه المعطي اسمه و حدّه عليها الموجد لها لا من شي‏ء، و قد يطلق و يراد منه العلة الفاعلية التي هي مرسومة في اعلي درجات الاثر  الذي هو  مرجع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 295 *»

ضميره و موقع اشارته و موضع حاجته. و يعلم كل واحد من الاطلاقات بقرينة المقام و لايخفي ذلك علي من يفهم المراد من الكلام و علي اهل الفهم و التسليم السلام.

فصل

في معني المادة و الصورة و اطلاقاتهما

فقد يطلق المادة و يراد منها ما هو  صالح لان يتطور باطوار مختلفة كالمداد الصالح لان يتطور باطوار الحروف و الطين الصالح لان يتصور بصور ما يصنع منه و الخشب الصالح لما يصنع منه و هكذا و قس البواقي عليها، و قد يطلق الصورة و يراد منها ظهورات تلك المواد كالحروف و الكيزان و انواع ما يصنع من المواد. و قد يطلق علي المادة الوجود و علي الصورة الماهية، و هذا الاصطلاح شایع بين اهل الحكمة فيقال ان لكل شي‏ء مادتين و صورتين مادة نوعية و صورة نوعية و مادة شخصية و صورة شخصية فله حلان و عقدان الحل الاول في المادة النوعية و العقد الاول في الصورة النوعية و الحل الثاني في المادة الشخصية و العقد الثاني في الصورة الشخصية. و مثال ذلك كالخشب و السرير  و كالمداد و الحروف، فالخشب هو  الخلق الاول بالنسبة الي السرير  له مادة عنصريه و صورة خشبية، و السرير هو  الخلق الثاني بالنسبة الي الخشب له مادة خشبية و صورة سريرية، فالوجود الاول هو  المادة العنصرية و الماهية الاولي هو  الصورة الخشبية، و الوجود الثاني هو  المادة الخشبية و الماهية الثانية هی  الصورة السريرية فللسرير خلقان خلق في الحل الاول و العقد الاول و هو  الخلق الاول و هو خلق الخشب و خلق في الحل الثاني و العقد الثاني و هو الخلق الثاني و هو خلق السرير  و تلك المراتب الاربع مراتب اضافية حتي ينتهي الامر  الي ما لا ثاني له فهي فيه حقيقية فربما يكون شي‏ء بالنسبة الي ما دونه المادة و الصورة النوعيتين و بالنسبة الي ما فوقه المادة و الصورة الشخصيتين كالخشب فانه بالنسبة الي السرير  مادة و صورة نوعيتان و بالنسبة الي العناصر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 296 *»

مادة و صورة شخصيتان و كذا العناصر  المركبة بالنسبة الي الخشب مادة و صورة نوعيتان و بالنسبة الي العناصر  البسيطة مادة و صورة شخصيتان.

بالجملة و قد يطلق الوجود بالمعني الاول و الماهية بالمعني الاول و الوجود بالمعني الثاني و الماهية بالمعني الثاني و لايراد من ذلك الوجود الاول و الماهية الاولي و الوجود الثاني و الماهية الثانية الذين@؟ هما الخلق الاول و الخلق الثاني فالوجود بالمعني الاول غير  الوجود الاول و الماهية بالمعني الاول غير  الماهية الاولي فبقيد المعني يفرق بينهما و يوجد هذه العبارات في كلام الشيخ الامجد الاوحد اعلي‏ اللّه مقامه و رفع في الخلد اعلامه ثم وقع ذلك بايدي التلامذة و التابعين و تداولوها حتي صارت كاصطلاح خاصّ. فالمراد بالوجود بالمعني الاول هو  جهة الرب و الماهية بالمعني الاول هو  جهة النفس و جهة الرب غير  مخصوصة بالمادة دون الصورة و الماهية سواء كانت المادة جنسية او نوعية او شخصية و سواء كانت الماهية و الصورة جنسية او نوعية او شخصية، لان الشي‏ء اذا نسب الي الرب صار مادته و صورته كلتاهما جهة الرب و اذا نسب الي نفسه صار مادته و صورته كلتاهما جهة النفس و ليس المادة باقرب الي الرب من الصورة و مثال ذلك للتوضيح ان محمّد بن عبداللّه؟ص؟ له مادة نوعية هي وجوده الاول و صورة نوعية هي ماهيته الاولي و له مادة شخصية هي وجوده الثاني و صورة شخصية هي ماهيته الثانية فاذا بعثه الله سبحانه نبياً معصوماً صار جميع مراتبه وجوداً و ماهية جهة الرب و وجوداً بالمعني الاول، و ابوجهل له جميع المراتب الاربع ليس فيها خبث و طيب فاذا انكر  النبي؟ص؟ صار جميع مراتبه وجوداً و ماهية جهة النفس و ماهية بالمعني الاول. و كذا الحال في من صدر منه الطاعة مرة و المعصية اخري ففي حال الطاعة يصير  جميع مراتبه مادة و صورة و وجوداً و ماهية جهة الرب و وجوداً و في حال المعصية يصير جميع مراتبه ماهية و ظلمة و شراً. فالوجود الذي هو جهة الرب و هو  الخير  و النور و البهاء و الكمال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 297 *»

هو  الوجود بالمعني الاول، و الماهية التي هي جهة النفس و هي الشر  و الظلمة و النقص هي الماهية بالمعني الاول. و اما الوجود و الماهية بالمعني الثاني فليس فيهما  نور و لا ظلمة و لا خبث و لا طيب و لا خير  و لا شرّ  و انما امثال هذه الكلمات المتضادة موضعها في دائرة الشرع و ليس في الكون شي‏ء منها كالخشب الذي ليس فيه شي‏ء منها فاذا صنعته ضريحاً صار مراتبه الاربع طيبة و اذا صنعته صنماً  صار مراتبه الاربع كلها خبيثة و في الكون ليست المادة و الوجود باقرب الي اللّه سبحانه من الصورة و الماهية اذ كلها مخلوقة للّه سبحانه مطيعة بالاطاعة الكونية و هي بمشيته دون قوله مؤتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة يسبّح له ما في السموات و ما في الارض، سبحان من دانت له السموات و الارض بالعبودية و اقرّت له بالوحدانية.

بالجملة فلاتغفل من هذا التفريق. و للمشايخ و لاسيما للاستاد الاعظم اجل اللّه شأنه و انار برهانه اصطلاح آخر في معني المادة و الصورة و ما احسن اصطلاحه و قد غفل عنه الحكماء الذين قد شقوا الشعر  في الحكمة لان غاية تعريفهم المادة هو  الحد المشترك بين الصور و غاية تعريفهم الصورة هو  الفصل المميز  للشي‏ء عما سواه كما مرّ  آنفاً و ينبغي لطالب العلم ان‏يبتغي هذا الاصطلاح الجديد الذي هو  المنبئ عن حقيقة الحال في المبدأ و المآل و هو  ان الشي‏ء مركب من المادة و الصورة و المادة هو  الذی@؟ في ضمن الصورة و الصورة هو  الذی@؟ علي المادة فهما متضايفتان كالابوة و البنوة فعلي هذا ليس الحد المشترك بمادة شي‏ء من الاشياء المقيدة اذ ليس له قيد خاص و لا اختصاص له بزيد و عمرو مطلقاً بل هو  شي‏ء صالح للظهور بالافراد صلوحاً  لا نهاية له و هو علي ما كان ابداً  لايتغير  و لايتبدل فهو  قبل ظهوره بفرد من الافراد صالح الظهور بافراد غير متناهية و بعد ظهوره

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 298 *»

بفرد ايضاً صالح الظهور بافراد غير متناهية و بعد ظهوره بفردين ايضاً صالح الظهور بافراد غير متناهية و هكذا بعد ظهوره بعشرة افراد صالح الظهور بافراد غير متناهية و بعد ظهوره بالف فرد او بالف الف فرد او بالف الف الف فرد الي يوم القيامة ايضاً صالح الظهور بافراد الي غير النهاية فكل ما ظهر  منه من الصور الفردية لايغيّره عما هو  عليه ابداً و ذلك لان الصور الكامنة فيه ليست صوراً ممتازة معدودة حتي ينقص من خروج بعض منها من الحد المشترك بل الصور قبل ظهورها ليست موجودة فيه مطلقاً و هو  صالح الظهور بها من غير  نهاية ابداً فلذلك لاينقص منه شي‏ء بعد خروج الف صورة منه فالحد المشترك لا اختصاص له بشي‏ء من الافراد ابداً  بل له في نفسه مادة و صورة مادته الجوهر  و صورته الصلوح صلوح الظهور بالافراد.

و مثال ذلك المداد و الحروف فالمداد هو  الحد المشترك بين الحروف و له مادة من الاجزاء المركبة الجوهرية و صورة هي صلوح التطور باطوار الحروف و هو  بذاته ليس مادة لالف و لا باء و لا جيم الي آخر  الحروف لان صورة الالف ما يكون علي مادة الالف و مادتها ما يكون في ضمن صورتها و الالف مركبة منهما جميعاً فهي ليست بمادة و لا بصورة فاذا تركبتا صارتا الفاً  فاذا اخذ@؟ صورة الالف عنها بطلت الالف بالكلية اذ ببطلان صورتها بطلت مادتها ايضاً و ببطلانهما بطلت الالف و ما تري من المداد باقياً بعد بطلان صورة الالف ليست بمادة الالف مطلقاً و انما هو المداد الصالح الظهور بالالف و بغيرها من الحروف الي غير  النهاية.

و ان اردت ايضاح ذلك ففكر  في ان الصورة لابد لها ان تلبس علي المادة و الّا لاتكون صورة فاذا كان الامر كذلك يقيناً  ففكر  ان صورة الالف لو البست علي نفس المداد لصار المداد متلبساً بها مصوراً  بصورتها في نفسه فلو كان مصوراً بصورتها في نفسه لكان اينما وجد وجد مع صورته لامحالة فاذا وجد في ضمن الباء لكان صورة الالف موجودة و هكذا في

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 299 *»

ضمن اي حرف من الحروف لان الصورة الذاتية لابد و ان تكون محفوظة في ضمن جميع الظهورات كما ان صورة الصلوح التي هي الصورة الذاتية للمداد محفوظة في ضمن جميع الحروف كما تري بالمشاهدة فاذ  لم‏يكن صورة الالف محفوظة في ضمن الحروف موجودة فيها لم‏تلبس علي نفس المداد قطعاً بالمشاهدة فاذا لم‏تلبس عليه فلم‏يكن المداد مادة لصورة الالف قطعاً  لان الصورة لابد و ان‏تلبس علي المادة و كذا صورة الباء لم‏تلبس علي المداد و هكذا صورة جميع الحروف لم‏تلبس علي المداد لعين ما مرّ  في صورة الالف فظهر  و الحمد للّه ان الحد المشترك ليس بمادة شي‏ء من الافراد كما رأيت بالمشاهدة و العيان.

و اذا اتقنت الامر  في المداد و الحروف فاعلم ان الحكمة لاتخصص بشي‏ء من الاشياء كائنة ماكانت غيبية كانت او شهادية جوهرية كانت او عرضية. فاذا اردت ان تجري هذا الحكم في الانسان و افراده فأجره تجده موافقاً  لما مرّ  مطابقاً  له ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر  الی افراد البشر  هل ‏تري من فطور  فالحد المشترك بين افراد الانسان هو  الانسان ففكر  ان صورة زيد لو  البست علي نفس الانسان و ذاتيته لكان الانسان مصوراً  في ذاته بصورة زيد و لو كان مصوراً  بصورة زيد لكان صورة زيد محفوظة فيه اينما وجد فيلزم ان يكون عمرو و بكر  و خالد و غيرهم من سایر  افراد الاناسي زيداً و ليس الامر  كذلك بالمشاهدة فليست صورة زيد البست علي ذاتية الانسان المطلق بالمشاهدة فليس الانسان المطلق مادة  لزيد البتة و اذ  لم‏يكن مادة  لزيد فلم‏يكن مادة لعمرو  و بكر  و خالد و لا بمادة فرد من افراد الاناسي كما ان المداد لم‏يكن مادة لشي‏ء من الحروف و هكذا الامر  في كل مطلق بالنسبة الي افراده فليس الكلي موجوداً  في ضمن الافراد كما زعموا بل الموجود في ضمن الافراد

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 300 *»

هو  مواد الافراد لا المادة العليا التي لها صورة الاطلاق و الصلوح. فاذا لم‏يكن المداد مادة  للالف و الباء و الجيم و لا مادة غيرها من الحروف التي لا نهاية لها كما عرفت بالمشاهدة و العيان و لابد لكل صورة @؟ مادة لامحالة لان اللّه سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته كما قال سبحانه و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و ليس لنا الّا مداد و هيأة الالف و لا ثالث بينهما و لسنا نشك في ان المداد ليس بمادة لها بالمشاهدة. فنقول ان هذه الهيأة الموجودة هي الالف الموجودة بالفعل فليس المداد الفاً بالفعل بالضرورة فهذه الهيأة لها مادة بالفعل و صورة بالفعل لان الالف موجودة بالفعل و هي مركبة من مادة و صورة فلابد و ان تكون مادتها بالفعل كما تكون صورتها بالفعل فليس المادة ما يمكن ان يصير  بالفعل كما هو  المتبادر عند القوم لانهم عرفوها بانها مايصلح لان يظهر  بالصور.

بالجملة فالمادة تجب ان تكون بالفعل كما يجب ان تكون الصورة بالفعل حتي حصل@؟ بينهما الف بالفعل مركبة منهما و ليس الشي‏ء مركباً من وجود و عدم و العدم لم‏يلتئم مع الوجود و لم‏يمازجه حتي يحصل بينهما شي‏ء ثالث. ثم لا شك ان تركيب المادة و الصورة ليس كتركيب جزئين مستقلين كتركيب الخل و الانجبين لان لكل واحد من الخل و الانجبين مادة و صورة و نحن بصدد بيان نفس المادة و الصورة فاذا لم‏يكن تركيب المادة و الصورة كتركيب الخل و الانجبين و ليس الحد المشترك مادة يقيناً  فلم‏يبق لنا شي‏ء سوي هذه الهيأة الالفية فهي واحدة منظراً متعددة مخبراً فاذا نسبت هذه الهيأة بكلها الي الاعلي و تري الاعلي فيها تري اعلاها و اعلاها هو  مادتها و اعلاها هو المداد الظاهر  في رتبة هذه الهيأة الالفية و ليس المداد الظاهر  في هذه الرتبة هو  المداد الصالح الظهور

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 301 *»

بكل الحروف بل المداد الصالح تجلي للمداد الظاهر  له به و نفس المداد الظاهر  تجلي المداد الصالح كما ان زيداً الذي هو مرجع ضمير  القائم هو  زيد الذي ظهر  بالقيام لا ذات زيد العالية لان ذات زيد لو كانت بذاته قائماً  لامتنع ان تكون قاعداً و راكعاً و غير  ذلك من ظهوراته بل ذات زيد تجلي بزيد الظاهر  في القيام بنفس زيد الظاهر  لان كل شي‏ء مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب كما مرّ  في الفصل السابق و ان شئت فراجع فالمداد الصالح تجلي للمداد الظاهر بالالفية بنفس المداد الظاهر و المداد الظاهر  هو  اعلي مراتب الالف و اعلي مراتبها هي مادتها.

و اذا نسبت الهيأة الالفية الي الاداني اي الي اخواتها من الباء و الجيم و غيرها من الحروف تري صورتها و انيتها و ادني درجتها. ففي النسبة الاولي رأيت جهة وحدة الالف لانك رأيت مداداً واحداً و لم‏تر  شيئاً  آخر، و في النسبة الثانية رأيت انها غير  الباء و غير  الجيم و هكذا غير  كل واحد واحد من الحروف ففي هذه النسبة رأيت جهة كثرة الالف لان لها نسبة مع كل حرف حرف فبعدد الحروف حصلت الكثرة لها بخلاف النظر  الاول فانك لم‏تر  الّا مداداً واحداً فهذا معني ان مادة الشي‏ء جهة وحدته و صورة الشي‏ء جهة كثرته.

فلاتغفل من هذا الاصطلاح فانه صدر من حكيم عليم و لاينبئك مثل خبير  فان اتقنته يحفظك من الغلو  و التقصير  في جميع المراتب و تضع كل شي‏ء في موضعه من مواضع التقدير  و مواقع التدبير  و تصير  بذلك من اهل هذا الحديث الشريف الذي صدر من عين الحكمة من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة.

فصــل

في معني الشبح المتصل و الشبح المنفصل

و الصورة المقومة و الصورة المتممة

و لها اطلاقان في عالم الفصل و الوصل؛ اما في عالم الفصل فيطلق الشبح المتصل و الصورة المقومة علي ما به الشي‏ء الشي‏ء و المراد به الصورة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 302 *»

الشخصية التي بها قوام كل شي‏ء و قیامه بها و لولاها لم‏يكن الشي‏ء شيئاً  كصورة زيد مثلاً  لانه بها يكون زيداً و لولاها لم‏يكن زيداً و كصورة السرير التي بها يكون السرير  سريراً  و لولاها لم‏يكن سريراً  بل يكون خشباً و كصورة الشمس التي تکون بها الشمس شمساً و لولاها تكون جسماً  غير مضي‏ء و كصورة السراج التي بها يکون السراج سراجاً و لولاها يكون دخاناً و قس علي هذه الامثال جميع الاشياء لان كل شي‏ء يكون بصورته ذلك الشي‏ء و لولاها يكون شيئاً  آخر.

و المراد بالصورة المتممة و الشبح المنفصل في عالم الفصل ما انعكس من الصورة المتصلة بالشي‏ء في المرايا و القوابل الامكانية كصورة زيد في المرايا و شبح الشمس و السراج في الفضاء او في المرايا و كصورة الحرارة من النار في الاخشاب و كصورة البرودة من الارض في غيرها و كصورة الرطوبة من الماء و الهواء في غيرهما و كصورة الحلاوة من الانجبين في الخل و كصورة الحموضة من الخل في الانجبين و كصورة العلم من العالم في المتعلم و كصورة السرير المطابقة لما في نفس النجار و امثال ذلك. و اذا نظرت في الملك بهذا النظر  رأيت صفحة منه علي هذا المنوال من الدرة الي الذرة.

فبقول مطلق كل فاعل مكمل سواء كان طبيعياً  او غير طبيعي اذا تعلق فعله علي مادة خارجة عن ذاته سابقة ثابتة قبل فعله و كمّل الصور الكامنة فيها و قوّاها و اخرجها من القوة الي الفعلية علي طبق ما له من الفعلية الحاصلة السابقة یكون تلك الفعلية المستخرجة من الكمون المطابقة للفعلية الحاصلة للفاعل المكمل شبحاً  له اي للفاعل و من ذلك الصور في المرايا و انوار المضيئات في الافضية. و قد يقال لهذه الصور المنفصلة و الاشباح المنعكسة الاثار كما يقال للشواخص المؤثرات و ليس المراد بالمؤثر  في هذه المقامات الموجد لا من شي‏ء و بالاثر  المخلوق بنفسه لدي مؤثره اذ لايمكن الفصل بين الاثر  و المؤثر  بهذا المعني و لايدركان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 303 *»

بمشعر  واحد اذ المؤثر  نافذ باحديته في الاثر  بحيث لايبقي منه الخبر  و الاثر  هو  ظاهر  المؤثر  بل و هو  المؤثر  الظاهر  و هو هو  وجوداً و ظهوراً  فلايمكن الفصل بينهما كما مرّ  في الفصل الخاص بهما. و اما هذه الشواخص مع اشباحها تراهما بمدرك واحد و يمكن قيام كل واحد منهما مكان الاخر  و يجمعهما زمان واحد و مكان واحد و يشار اليهما باشارة واحدة و يعدّ كل منهما مع الاخر  فتقول هذا السراج واحد و هو  مع هذا النور المنبث اثنان و مع هذا العكس في هذه المرءاة ثلثة و هكذا و ليس المؤثر الحقيقي معدوداً مع آثاره و لايكون المؤثر  ثالث ثلثة و ما من ثلثة من الاثار الّا و المؤثر  رابعها و لا خمسة الّا هو  سادسها و لا ادني من ذلك و لا اكثر الّا هو معها بمعية غير متناهية بحيث لايبقي لها اثر  و للمؤثر  الظهور و الخبر.

بالجملة فهذا النور المنبث في الفضاء من السراج ليس الّا هواء مستضيئاً و ليس السراج الّا دخاناً مستضيئاً و الهواء و الدخان من جنس واحد لان الدخان ليس الّا البخار المتصاعد من الدهن غلب حرارة النار عليه و ليس البخار الّا اجزاء رطبة مائية و اهبية رقيقة ترابية و تستحيل رطوبته هواء دائماً و يبقي اهبيته دخاناً  اسود منجمداً. و الغرض ان الدهن الذي هو  مادة السراج و الدخان المشتعل بالنار و الهواء المستضي‏ء بواسطة السراج و النار كلها من جنس واحد اذ كلها اخوان يستحيل كل منها الي الاخر  و لايمكن استحالة الاثر  الي المؤثر  ابداً  فهذا النور المنبث يمكن ان‏يجتمع و يتراكم و يغلظ كالدهن او كالدخان فيصير  سراجاً مثل السراج المكمل. فكما ان السراج الذي صار الضياء فيه بالفعل و يكون فيه فضل قوة فی التأثير  في غيره يكمل الفتيلة و الدهن الذي فيه النار و الضياء بالقوة حتي يقويهما و يخرجهما من الكمون الي البروز كذلك يكمل الضياء التي كمنت في الهواء حتي قوّاها و اخرجها من كمون الهواء الي البروز، و كذلك يكمل الصورة التي تكون في المرايا بالقوة حتي يقويها و يخرجها من كمون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 304 *»

المرايا الي الظهور و ليس ذلك من باب التأثير  و ان هو  الّا من باب التكميل و التكمل فلذلك لو  اطفئ السراج الاول يبقي السراج الثاني و لايمكن تخلف الاثر  عن مؤثره فالسراج الثاني ليس باثر  للسراج الاول لانه باقٍ بعد فنائه. و ما يري من فناء النور المنبث بفناء السراج انما هو  من جهة لطافة الهواء و عدم امساكه النور مستقلاً  و كذلك المرايا لعدم امساكها الاشباح مستقلة لانها لم‏تتكمل كمال التكمل و انما تتكمل تكملاً  ناقصاً  كحركة المفتاح بتحريك اليد و لذلك لو  كمّلها مكمل بالتدابير الطبيعية بالقاء الادوية عليها حتي يصير  تكملها تكملاً  تاماً  تمسك الشبح عليها بعد انحرافها عن الشواخص كما فعله الافرنج.

بالجملة فليست هذه الاشباح المنفصلة بآثار من الشواخص و انما لها مواد من جنس مواد الشواخص و المكملات قد كملها المكملات صوراً  كامنة فی قوتها مطابقة للصور الحاصلة لها و تلك الصور المستخرجة ليست من المكملات لا من مادتها و لا من صورتها و انما هي صور كامنة في نفس موادها تلبس عليها بواسطة تكميل المكملات و لذلك يفني المكملات بموادها و صورها و يبقي الاشباح المنفصلة و الاشياء المتكملة و لايعقل فناء المؤثر  و بقاء الاثر. و من ذلك ايضاً  فناء العالم و بقاء المتعلم و جهل العالم بما حصل للمتعلم بواسطته لان علم المتعلم صورة مستخرجة من مادته بواسطة المعلم و ليس علم المتعلم من علم المعلم لان علمه صورة نفسه و نفسه مادته و علم المتعلم ليس بمادة المعلم و لا بصورته فلاتغفل من ذلك لانه كثيراً ما لخلط الاصطلاحات زعم بعض الزاعمين ان نسبة امثال ما ذكر  هي النسبة بين الاثر  و المؤثر الحقيقيين اللذين ليسا من مادة واحدة فتفطن و لاتكن منهم.

و اما المراد بالشبح المتصل و الصورة المقومة في عالم الوصل فهو  ما به الشي‏ء الشي‏ء و هو  الصورة لان بها يكون الشي‏ء شيئاً و لولاها لم‏يكن الشي‏ء ذلك الشي‏ء بل هو  شي‏ء آخر  كما ان السرير  بصورته يكون سريراً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 305 *»

و لولا صورته لكان خشباً و معني الشبح المتصل في العالمين واحد كما عرفت آنفاً. و اما الشبح المنفصل و الصورة المتممة في عالم الوصل فالمراد منه هو  ظهور الشبح المتصل في مرتبة ادني من رتبته و النسبة بينهما نسبة الاثر  و المؤثر الحقيقيين فصورة زيد التي بها يكون زيد زيداً  هو  الشبح المتصل و ظهوراته من القائم و القاعد و الراكع و الساجد و غيرها هي الاشباح المنفصلة من الشبح المتصل و تسمي بالاشباح المنفصلة لانفصال رتبة الاثر عن رتبة المؤثر انفصال الصفة عن الذات و لانفصال بعض الظهورات عن بعض بالمزايلة فغيور الشبح المتصل و انفصاله تحديد للظهورات لا تحديد بينه و بينها اذ ليس هو  غيرها كما ليس عينها فليس النسبة بينهما الّا كنسبة الذات الي الصفات فليس مواد الاشباح المنفصلة من جنس مادة الشبح المتصل و ليس صورتها من جنس صورته بل موادها ظهور مادته بواسطة صورته و صورتها ظهور صورته بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها. و لانطيل الكلام هنا لما مرّ  شرح امثال ذلك في الفصول السابقة.

فعلي هذا جميع المقيدات اشباح منفصلة و صور متممة لمطلقاتها فالاجسام الجزئية اشباح منفصلة من الجسم المطلق و الامثلة الجزئية اشباح منفصلة للمثال المطلق و النفوس الجزئية اشباح منفصلة للنفس المطلقة و ظهورات زيد اشباح منفصلة لزيد و امر  الشبح المتصل و الاشباح المنفصلة امر  اضافي في غير  ما لا ثاني له كما مرّ ايضاً فلرب شبح منفصل بالنسبة الي اعلاه متصل بالنسبة الي ادناه كشبح زيد فانه متصل بالنسبة الي القائم و القاعد و غيرهما من صفاته منفصل بالنسبة الي الانسان المطلق. بالجملة فظهر  الفرق بين الاصطلاحين في العالمين فلاتغفل من هذا التفريق فتضل عن الطريق.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 306 *»

فصــل

فی معنی السلسلة الطولية و السلسلة العرضية المترتبة و غير المترتبة

ففيه ثلثة مطالب:

المطلب الاول فی السلسلة الطولية

فاعلم ان الشيئين اما مشترکان في الجنس القريب و المادة القريبة مختلفان في الصورة و اما مشترکان في الجنس البعيد و المادة البعيدة مختلفان في الصورة و اما غير  مشترکين في المادة مطلقاً و کذا في الصورة. فالأوّلان يکون النسبة بينهما بالعرض و تسمي تلک النسبة بالسلسلة العرضية غير المترتبة لعدم ترتب وجود کل منهما علي الاخر  کوجود زيد و عمرو تشبيهاً لها بالسلسلة المعترضة. و الثانيان يکون النسبة بينهما بالعرض ولکن علي نحو الترتب لترتب وجود الداني علي وجود العالي کوجود الجسم الموقوف علي وجود الروح و کوجود الصورة الموقوف علي وجود المادة و تسمي تلک النسبة بالسلسلة العرضية المترتبة و بالسلسلة التنزلية. و الثالثان يکون النسبة بينهما في الطول اي من العالي الي الداني و من المؤثر  الي الاثر  و من الذات الي الصفات و امثال ذلک و تسمي تلک النسبة بالسلسلة الطولية تشبيهاً  لها بالسلسلة المرسلة.

فالمؤثر  بعد ان کان موجوداً  في حد ذاته بجميع مراتبه بحيث لم‌يحتج الي شيء فيما ينبغي له في حدود ذاتيته في الدرجة العليا يوجد اثره في درجة ادني منها لا بحرکة بعد سکون و لا بنطق بعد سکوت و لا باجالة فکر  و روية و لا لغاية منظورة و لا بعلّة فاعلية و لا من مادة سابقة و لا علي حذو صورة سالفة و لا في کم و لا في کيف و لا في رتبة و لا في جهة و لا في وضع و لا في وقت و لا في مکان و لا بفعل و انفعال سوي نفس الاثر  بل تجلي له به ففيه جميع ما ذکر  فهو  بنفسه حرکة العالي له و هو الغاية المنظورة للعالي في رتبته اي في رتبة الداني و هو  فاعليته له و هو المادة المصنوعة و الصورة الموضوعة و الکم و الکيف و الرتبة و الجهة و الوضع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 307 *»

و الوقت و المکان کلها من حدود ماهيته فلايمکن وقوعه فيها عند اول بدئه.

و اما الفعل و الانفعال فهما جهتان له اعلي و اسفل لان ذات العالي لاتباشر  بنفسه و لاتنزل الي رتبته و لا ثالث في البين فهو  بنفسه فعل العالي الظاهر  في رتبته و هو  بنفسه منفعل من ذلک الفعل فهو  مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب و اسم المؤثر  مکتوب علي جبهته و بقوة ذلک الاسم يوجد نفسه و هو  الاسم المعطي الذي اعطاه المؤثر  العالي حده و رسمه فلذا يصدق عليه ما صدق علي المؤثر  کما ان مؤثرية زيد للقيام مکتوب علي جبهة القائم و هو زيد الظاهر  بالقيام في القيام و هو  الاسم المعطي الذي اعطاه زيد العالي فلذا يصدق علي القائم لفظ زيد و کذا علي سایر صفاته و ذات زيد مستعلٍ عن مؤثرية القيام لانه مؤثر  مطلق ليس فيه خصوصية بالقائم اذ لو کان له خصوصية بالقائم و تلک الخصوصية من صفات ذاته لکانت تلک الخصوصية موجودة فيما يوجد زيد و زيد يوجد في سایر صفاته و لاتوجد تلک الخصوصية فحروف اصول الاثر  لابد و ان توجد في المؤثر  و الّا لايعقل ان يظهر  منه الفعل الخاص کما ان حروف اصول الضارب توجد فيما اشتق منه و هو  الضرب فهو  مشتق منه لا من الفعل الکلي لان الفعل الکلي لا خصوصية له بالضارب بل هو  اعم من الضارب و الناصر  و غيرهما و کما ان حرارة الشعلة التي هي اثر النار المطلقة توجد في النار و لو  لم‌يکن الحرارة موجودة فيها لا خصوصية لها بالشعلة فالشعلة اثر  النار لا الجسم لان الجسم لا خصوصية فيه بالحرارة.

بالجملة فهذه النسبة الطولية واقعة بين کل مطلق و مقيد و بين کل اثر  و مؤثر  و لايمکن ان يوجد اثر  بدون مؤثر بخلاف السلاسل العرضية کما يأتي و السلسلة الطولية بهذا المعني لاينحصر  بالسبع بل هي بعدد ذرات الموجودات لان کل ذرة اثر  مؤثر خاص به کما مر  في فصل الاثر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 308 *»

و المؤثر. فهذه السلاسل السبع المعروفة المتداولة معناها غير  ذلک المعني کما يأتي في الفصل المخصوص بها ان شاء الله تعالي لانه لم‌يصدق علي الرتبة الدانية‌ اسم العالي و رسمه و حده کما تري ان الجماد لايصدق عليه النبات و النبات لايصدق عليه اسم الحيوان و هکذا سایر  السلاسل العالية و المؤثر  يصدق علي الاثر  کما مرّ  مراراً  فترقب.

المطلب الثاني

في معني السلسلة العرضية المترتبة

و هي النسبة بين شيئين مشترکين في المادة البعيدة يکون احدهما اعلي و مادته ارقّ و صورته الطف فیکون اقرب الي المبدأ و ينزل الامداد من المبدأ الي ما دونه بوساطته و الاخر  ادني و مادته اغلظ و صورته اکثف فليسا هما من مادة واحدة في الرقة و الغلظة و اختلافهما في المادة و الصورة معاً ولکنهما في المادة العليا مشترکان و تسمي بالعرضية لان کليهما اثر  مؤثر  واحد و تسمي بالمترتبة لترتب الادني علي الاعلي في استمداده من المبدأ و تسمي بالسلسلة التنزلية ايضاً  لان الدرجة الدنيا متنزلة من الدرجة العليا و امدادها تنزل امدادها.

و مثال ذلک في الظاهر  العرش و الارض فانهما مختلفان في المادة القريبة و الصورة معاً متفقان في المادة العليا فان مادة العرش ارقّ من مادة الارض کما ان صورته الطف من صورتها ولکنهما مشترکان في المادة الجسمانية فليس اختلافهما في الصورة فقط بحيث لو انتزع من کل منهما صورتهما تبقي مادة واحدة تصلح للتلبس بصورة العرش و الارض بل لو  انتزع عنهما صورتهما تبقي مادة العرش لطيفة رقيقة صاعدة و تبقي مادة الارض کثيفة غليظة هابطة فلايمکن استخراج صورة الارض من مادة العرش الّا بعد التغليظ و بعد التغليظ لم‌تکن مادة العرش و لايمکن استخراج صورة العرش من مادة الارض الّا بعد التلطيف و بعد التلطيف ليست مادة الارض. فهما مختلفان مادة و صورة و مع ذلک کلاهما اثر  مؤثر واحد و هو  الجسم و مع ذلک يکون العرش سبباً بين المبدء و بين الارض في استمدادها و لو  لم‌يکن العرش

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 309 *»

لايمکن للارض الاستمداد من المبادي ابداً  فالامداد النازلة اليها کلها بوساطة العرش و المراد بتلک الامداد هي الامداد الوصفية من التحريکات و التفريقات و الاقترانات و التخليطات و التمزيجات و الترکيبات و غيرها من سایر  التغيرات و التصرفات الحادثة في الليل و النهار و ليس المراد منها الامداد الذاتية اذ لايعقل ان يمـدّ اثر  مؤثر  اثراً  آخر اخاه بالاِمداد الذاتي و ان يستمد اثر  من اخيه الاستمداد الذاتي فهما في الاستمداد الذاتي علي حد سواء و هو الاستمداد الجسمي و ليس واحد منهما اقوي في الجسمية من الاخر حتي يستمد الضعيف من القوي و کل منهما يستمد من مؤثرهما و مؤثرهما واحد و هو  الجسم المطلق فلايستفيد الارض الجسمية من العرش مطلقاً بل تستفيدها من الجسم المطلق کما ان العرش يستفيد الجسمية منه بلاتفاوت أ لاتري انه يصدق عليهما جميعاً  الجسم و ليس العرش في الجسمية اعلي و اشرف من الارض مطلقاً  لان کلاً  منهما جسم له کم و کيف و جهة و رتبة و مکان و وقت فلايصدق علي الارض اسم الجسم بوساطة العرش مطلقاً  فلو  فرض ان يعدم الله سبحانه العرش لاتعدم الارض بعدمه البتة ولکنه لو  اعدمه لايمکن للارض التحرک و التفرق و الاقتران و الاختلاط و التمازج و الترکب و امثال ذلک و بفساد ذلک يفسد المولدات الارضية البتة من المعادن و النباتات و الحيوانات و غيرها مما يحصل باشراق الافلاک في الارض من الحيوة و القدرة و القوة و القوي المدرکة کالسمع و البصر  و الشم و الذوق و اللمس و کذا القوي الباطنية من حس المشترک و المتفکرة و المتخيلة و المتوهمة و العالمة و المتعقلة اذ کل واحد منها يحصل باشراق فلک من الافلاک علي الارض بتحريک العرش لها و انما يحصل منها هذه القوي و المشاعر  لما فيها من امکاناتها اي امکانات المشاعر  و القوي.

فاذا دارت الافلاک علي الارض دورة و ضربت بعض اجزائها ببعض و اقترنت ثم اختلطت ثم فعل کل واحد منها في کل و انفعل کل من کل و امتزجت ثم اتحدت خرج من کمونها صورة الجماد فلهذا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 310 *»

الجماد المتولد جهتان جهة الي امّه التي هي العناصر  و هي مادته و جهة الي ابيه الذي هو  الافلاک و هي صورته و قد عرفت ان شيئية الشيء بصورته و اسمه يطلق علي صورته فجمادية الجماد ايضاً بصورته و هي من تأثير  الافلاک و لولا تأثيرها لم‌يکن جماد مطلقاً فالجماد الموجود بالفعل هو  الصورة لا المادة و المراد بالصورة ما هو  بالفعل لا المقادير  الخالية عنها المواد کما حقّق في محله في الفصول السابقة فالجماد المتولد ولد ابيه منسوب اليه و امّه مستودعه و وعاؤه. بالجملة و هذا التأثير  من ظاهر  حرکة الافلاک علي ظاهر  الارض لانه لايمکن الوصول الي الباطن الّا بالتوصل بالظاهر  اولاً  اذا کان الفاعل المباشر  خارجاً عن المفعول.

ثم اذا دارت عليها دورة ثانية بعد ما صدر منها تلک الاشراقات و الافعال الماضية علي الجماد فان لم‌يکن فيه فضل رطوبة مطاوعة لفعل الفاعل جمد علي الجمادية و لايرقي الي المراتب العالية و ان کان فيه فضل رطوبة مطاوعة تطاوع فعل الافلاک في الدورة الثانية ايضاً  و في هذه الدورة تصفو  المادة مرتين لکرور الحرکات و الاشراقات عليها فيمکن خروج باطن الارض درجة و ذلک الباطن هو  لطائف الارض و صوافيها و مخرج تلک الصوافي هو  تأثير  جسم الافلاک الذي هو  النبات بالفعل بعد تأثير  ظواهر حرکاتها اول مرة فيؤثر  في ذلک الجماد المخلوق اول مرة و يستخرج من کمونه ما  هو  من جنسه من النباتية فيصير  نباتاً  بالفعل فالنبات شيء کامن في المادة الجمادية کما ان الجمادية کامنة في المادة العنصرية و لايمکن خروج النبات من المادة العنصرية الّا بعد صيرورتها جماداً  لانه لايمکن الوصول الي الباطن الّا بالتوصل بالظاهر  اول مرة.

و هذا النبات المتولد بينهما له جهتان جهة ‌الفعلية الصورية و جهة الامکان و الصلوح و العدمية فالجهة الاولي منسوبة الي الافلاک لانها مخرجها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 311 *»

و الجهة الثانية من الارض لانها منها فالنبات هو  الموجود بتأثير  الافلاک لا الامکان لانه من ظهور الجسم المطلق کما ان الافلاک من ظهوره فلولا تأثير  الافلاک لم‌يکن جماد و لا نبات فهما منسوبان اليها لا الي الارض.

ثم دارت الافلاک دوراً  ثالثاً  علي النبات فان لم‌يکن فيه فضل رطوبة مطاوعة لفعل الفاعل لم‌يطاوع فعل الافلاک اکثر  من ذلک فبقي علي النباتية و ان کان فيه فضل رطوبة طاوعت فعل الافلاک في الدور الثالث ايضاً  و هو الدور الحيواني فأثر  فيها حيوة فلک القمر  و استخرج من کمونها الحيوة التي هي من جنس حيوته و لم‌يمکن استخراج الحيوة من الارض الّا بعد صيرورتها جماداً  ثم نباتاً  فکلما تصعد الارض درجة واحدة تتعلق بها درجة اعلي و فعل و تأثير  اعلي لان الشيء الکثيف لايتأثر  من الفعل اللطيف فالروح الحيواني اللطيف و ان کان في الدنيا دائماً متعلقاً بفلک القمر  ولکن لم‌يتأثر  منه الّا الروح النباتي اللطيف کما تشاهد جميع ذلک رأي العين فلايحتاج الي تطويل مقال و ايراث کلال.

فاذا أثر  روح فلک القمر  في النفس النباتية و يقوي ما کمن فيها من الحيوة و يستخرجها يصير حيواناً  فلو  لم‌يکن تأثير الفلک لم‌يکن حيوان کما لم‌يکن نبات و لا جماد فهي کلها اولاد الافلاک لان الشيء شيء بما له من الفعلية و ليس في الامکان فعلية و فعلية المواليد انما هي من الافلاک لا من الارض التي هي بمنزلة الامکان فبدء الحيوان من الحيوة القمرية و عوده اليها لا من النبات و اليه و بدء النبات من جسم فلک القمر  و عوده اليه لا من الجماد و اليه و بدء الجماد من ظاهر حرکة الافلاک و عوده اليها لا من الارض و اليها.

بالجملة‌ اذا دارت الافلاک دوراً  رابعاً  علي الحيوان فان لم‌يکن فيه رطوبة‌ لطيفة الطف مما ينبغي في الحيوان يبقي علي الحيوانية و لايتأثر  من فعل الفلک الاعلي و اذا کان فيه رطوبة فاضلة لطيفة کما في الحيوان الناطق يتعلق به اي بحيوته الزهرة و تقوي ما في قوتها من الصورة التي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 312 *»

هي من جنسها و هي المتخيلة فهي بدؤها من الزهرة و عودها اليها لا من الحيوة القمرية التي هي الحس المشترک و ان کانت کامنة فيها. أ لاتري انها تدرک الصور المفارقة من المواد و الحس المشترک لم‌يقدر علي ادراکها.

و اذا دارت دوراً خامساً يتعلق بها عطارد و يقوي ما في قوتها مما@69 هو  من جنسه و هو  المتفکرة فهي بدؤها من عطارد و عودها اليه و ربما لاتظهر  المتفکرة ان لم‌يکن المادة البخارية لطيفة بلطافة جسم فلک عطارد.

فاذا دارت دوراً سادساً و کانت المادة البخارية بلطافة جسم فلک المريخ يتعلق بها المريخ و يقوي ما فيها من جنسه و هو  المتوهمة بدؤها منه و عودها اليه لا الي فلک عطارد و لا الي الزهرة أ ما تري انها تدرک المعاني من الصورة و ليست هي من جنس الصور و ربما  لایظهر  المتوهمة ان لم‌يکن المادة البخارية بلطافة المريخ.

و اذا دارت دوراً سابعاً و کانت المادة البخارية بلطافة المشتري يشرق عليها المشتري و يقوي ما فيها من جنسه و هو العالمة اي محل العلم و کثيراً ما  لايظهر  العالمة في اغلب افراد بني‌آدم لغلظة موادهم.

و اذا دارت دورة اخري و کانت المادة البخارية بلطافة فلک زحل يتعلق بها زحل و يقوي ما فيها من جنسه و هي العاقلة اي محل التعقل فهي بدؤها منه و عودها اليه لا الي غيره من الافلاک السابقة.

و اذا دارت دورة اخري و کانت المادة البخارية بلطافة فلک الشمس تظهر  فيها  فعلها و تقوي ما فيها من جنسها و هي المادة الثانية السارية في جميع المشاعر  بدؤها من الشمس و عودها اليها.

و اذا دارت دورة اخري و کانت المادة البخارية بلطافة الکرسي تتأثر  منه و يتقوي ما فيها من جنسه و هو  صدر الانسان و نفسه و قلّ ما يظهر  النفس في الافراد لغلظة موادهم و الواصلون اليها قليلون فهي بدؤها من الکرسي و عودها اليه.

و اذا دارت دورة اخري و کانت المادة البخارية بلطافة العرش يتعلق بها فعله و يقوي ما فيها من جنسه و هو العقل و الواصلون اليه اقل الاقلين فهو  بدؤه منه و عوده اليه لا من الافلاک و لا من الارض

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 313 *»

و لا اليها و ان کان جميع ذلک کامناً  في الارض و ذلک لان الاجسام المقيدة کلها ظهورات الجسم المطلق و لما کانت متعددة ممتازة لم‌يمکن لکل واحد منها الحکاية لجميع ما للمطلق فصار کل واحد منها يحکي شيئاً  مما له و صار سایر  مما له فيها بالقوة فالتراب يحکي برودته و سایر خواصه فيه بالقوة و الماء يحکي رطوبته و سایر خواصه فيه بالقوة و الهواء يحکي رطوبته و حرارته و سایر خواصه فيه بالقوة و النار تحکي حرارته و يبوسته و سایر خواصه فيها بالقوة و الافلاک تحکي کل واحد منها ما عرفته منه و سایر خواصه فيها بالقوة و لو  لم‌يکن الامر  کذلک لارتفع التمايز  بينها و بطلت الصور بأسرها. فلما کانت خصاله و خواصه فيها بالقوة امکنت ان‌تستخرج منها بالتدريج بسبب اقتران بعضها ببعض و فعل بعضها في بعض و انفعال بعضها من بعض کما تري و تشاهد.

بالجملة‌ فاذا عرفت کيفية خروج المتولدات من الارض بالتدريج و الترتيب يمکن ان تعرف کيفية نزول الامداد من العالي الي الداني فاذا کان الشخص المولود جامعاً  لجميع المراتب و کان فيه جميع القبضات المطلقة بالفعل و اراد ان يخبر  من المعاني العرشية مثلاً  لابد و ان ينزل تلک المعاني من عرشيته الي کرسيته التي هي صدره و منه الي زحليته التي هي عاقلته و منها الي مشترويته التي هي عالمته و منها الي مريخيته التي هي واهمته و منها الي عطارديته التي هي متفکرته و منها الي زهريته التي هي متخيلته و منها الي قمريته التي هي حسه المشترک و منه الي قلبه الذي هو  روحه البخارية و منه الي دماغه الذي هو  الطف اجزاء البدن و منه الي نخاعه الذي هو  ادون منه بدرجة و منه الي الاعصاب و منها الي الاغشية التي علي الرية و منها الي الرية و منها الي قصبتها و منها الي فضاء الفم و منه الي مقاطع الحروف و منها الي الهواء و منه الي سمعک

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 314 *»

فان کنت جامعاً  لجميع القبضات مثله و وصل الهواء المتهيئ بهيأة الحروف و الکلمات الي سمعک يصعد المراد من الکلمات الي عقلک کما نزل فيصعد من اذنک الي لحمک و منه الي الاعصاب النابتة في مقدم دماغک و منها الي دماغک و منه الي قلبک و منه الي حسک المشترک و منه الي خيالک و منه الي فکرک و منه الي واهمتک و منها الي عالمتک و منها الي عاقلتک و منها الي نفسک و منها الي عقلک. بالجملة و ان لم‌يکن الشخص جامعاً  للمراتب و صار فيه بعض القبضات بالفعل دون سایرها فلايمکنه ان يخبر  بما في العرش و الکرسي و يمکنه ان يخبر  بما فيه بالفعل من ايّ فلک و ايّ درجة من الدرجات.

فما يقال ان کل شيء مرکب من عشرة قبضات تسعة من الافلاک و واحدة من الارض معناه ان کل شيء تامّ يکون کذلک و اما الاشياء الناقصة و المواليد غير الکاملة فاين کل القبضات فيها أ ما تري الجماد ليس فيه شيء من خصال النبات و هو  من الاشياء و أ ما تري النبات ليس فيه خصال الحيوان و الحيوان ليس فيه خصال الانسان و الانسان ليس فيه خصال الکاملين و أ ما تري الکاملين ليس فيهم خصال الانبياء؟عهم؟ و أ ما تري الانبياء ليس فيهم خصال الائمة الطاهرين؟عهم؟. فالجماد المحض مدده جمادي و لايحتاج الي مدد نباتي مطلقاً  فلاينزل من النبات اليه شيء و النبات المحض مدده نباتي لايحتاج الي مدد حيواني فلاينزل من الحيوان اليه شيء و الحيوان مدده حيواني فلايحتاج الي مدد انساني و لاينزل اليه منه شيء و قس علي ذلک باقي المراتب فلاينزل من العرش شيء الي الجماد مثلاً.

و لکن هنا دقيقة لابد من التنبيه اليها و هي انه لو  لم‌يکن العرش هل يمکن ان يصل الي الجماد المدد الجمادي و الي النبات المدد النباتي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 315 *»

و هکذا ام لا؟ و لعلک عرفت مما سبق ان التغيرات الحادثة في الارض کلها من الافلاک فلو  لم‌يکن المراتب علي هذه النسبة التي تراها و لم‌يتحرک العرش و الافلاک لم‌يصل الي شيء من الجماد و النبات و غيرهما شيء بل لم‌يکن متولد مطلقاً حتي يستمد فعلي هذا امداد الجمادات ايضاً من العرش و الافلاک و لکنها من جنس الجمادات لا من جنس الافلاک و کذا البواقي فعلي هذا المعني ينزل الامداد کلها من العرش الي الارض و ما فيها و لکنها في نفس العرش في غاية الاجمال و في الکرسي تتعين في الجملة و في الافلاک تتفصل و في الارض تتعين و تتشخص فالصورة‌ الشخصية مقامها في الارض و المادة الشخصية مقامها الافلاک و الصورة النوعية مقامها الکرسي و المادة النوعية مقامها العرش و لو  لم‌يکن في الارض صورة شخصية لاتتعين المادة الشخصية لها في الافلاک و لا الصورة النوعية لها في الکرسي و لا المادة النوعية لها في العرش و ان کانت المراتب العالية موجودة ولکن لاتتعين لشخص خاص الّا بعد الصورة ‌الشخصية و اذا تعينت تعينت ظهوراتها لا انفسها کما اذا نزلت نزلت باشراقاتها لا بانفسها فعرش هذا العالم عقله و کرسيه صدره و شمسه طبيعته و افلاکه الستة مثاله و عناصره جسمه و النار صفراؤه و الهواء دمه و الماء بلغمه و التراب سوداؤه و ليس المقصود هيهنا بيان المراتب الجسمانية و لکن لما کان الخلق علي نظم واحد في جميع المراتب اردت ان اذکر  لتقريب الذهن هذه المراتب المشهودة و کيفية ترتبها لتسهيل البيان و الفهم في المراتب الخفية الباطنية.

فکما عرفت ان هذا العالم عالم الزمان شخص واحد له مؤثر  و آثار و آثاره من حيث ذواتها قائمة بمؤثرها لاتحتاج الي غيره و انما يحتاج کل واحد منها الي غيره في اکتساباته و تجد بعض الاثار فواعل کالسموات و بعضها مفعولات کالارضين و عرفت کيفية‌ الفعل و الانفعال بينها فاعلم انه ما تري في خلق

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 316 *»

الرحمن من تفاوت. فالوجود المقيد شخص واحد کما ان الجسم واحد و هو  مقيد بالنسبة الي المشية المطلقة و مطلق بالنسبة‌ الي ظهوراته کما ان الجسم مقيد بالنسبة‌ الي اعلاه مطلق بالنسبة الي ظهوراته و ظهوراته الکلية المطلقة العقل و الروح و النفس و الطبع و المادة و المثال و الجسم و کل واحد من هذه الظهورات مقيد بالنسبة اليه مطلق بالنسبة الي ظهوراته و هي کلها مخلوقة بانفسها عند مؤثرها القريب و هو  الوجود المقيد و الامکان الجایز  و لکل مرتبة مادة و صورة لايشترک فيهما غيرها نعم کلها مشترکة في نفس الامکان الجایز  و هو  يعطي اسمه و حده کلها أ ما تري انه يصدق علي الکل الامکان.

فللعقل مادة و صورة معنوية و للروح مادة و صورة رقيقة و للنفس مادة و صورة مجردة عن المواد التي دونها و للطبع مادة و صورة برزخية بين الصور المجردة و الصور المادية و للمادة مادة و صورة کلية نوعية بالنسبة الي ما دونها من الصور المادية و للمثال مادة و صورة رقيقة برزخية بين الکلية و الجزئية المادية و للجسم مادة و صورة مادية شخصية جزئية زمانية بالنسبة الي اعلاه فليست المادة في تلک المراتب واحدة و ليس اختلافها في الصورة فقط بل اختلافها في المادة و الصورة کليهما نعم هي مشترکة في المادة العليا التي هي الامکان الجایز  فلو  فرض ان ينتزع من الجسم و المثال صورتهما لاتبقي مادة واحدة تصلح للتصور بالصورة المثالية و الصورة الجسمانية بل تبقي مادة المثال لطيفة برزخية لاتصلح للظهور بالصورة الجسمانية و تبقي المادة الجسمانية غليظة دنياوية لاتصلح للظهور بالصورة المثالية و ذلک لان الصور هي ما استجنت في المادة و هي اطرافها فالمادة اللطيفة مستجناتها لطيفة و المادة الغليظة مستجناتها غليظة و لايمکن للمادة اللطيفة ان يتلبس بالصورة‌ الغليظة و لا العکس فالصور الدنياوية لاتلبس الّا علي المواد الدنياوية و الصور البرزخية‌ لاتلبس الّا علي المواد البرزخية و الصور

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 317 *»

الدهرية المجردة لاتلبس الّا علي المواد الدهرية الملکوتية و الصور الجبروتية المعنوية لاتلبس الّا علي المواد الجبروتية المعنوية.

فبذلک لعلک عرفت ان المراتب التنزلية ليس اختلافها في الصورة فقط و لو کان کذلک لصارت السلسلة عرضية غير مترتبة و هي مع کونها کلها ظهورات الامکان الجایز  مخلوقة بنفسها عنده يکون بعضها اعلي رتبة و بعضها ادني کما ان الاجسام کلها ظهورات للجسم المطلق و هي مخلوقة بانفسها عنده و صدق علي الکل اسم الجسم علي السواء و مع ذلک اذا نسبت بعضها الي بعض يکون بعضها اعلي و بعضها ادني و بعضها فواعل و مبادي و بعضها مفعولات و منتهيات فکما عرفت نسبة‌ الجسم الي الاجسام و نسبة بعضها الي بعض هنا فاعرف نسبة‌ المراتب التنزلية بالنسبة الي الوجود المقيد هنالک و نسبة بعضها الي بعض هنالک کماقال الرضا؟ع؟ قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالک لايعلم الّا بما هيهنا نعم لخصوصيات الرتب لوازم ينبغي التنبيه عليها و يأتي ان شاء الله تعالي.

فاول من ذاق باکورة الوجود هنالک رتبة هو  العقل کما روي ان روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباکورة و هو  عرش ذلک العالم ثم دونه رتبة في الدرجة الثانية اول من ذاق الباکورة باکورة الوجود الروح الکروبية و هو فلک المنازل في ذلک العالم ثم ذاق الوجود في الدرجة الثالثة النفس الکلية و هي کرسي ذلک العالم و العرش و الکرسي بابان من ابواب الغيب في عالم الدهر  الاصلي ثم دون عالم الغيب اول من ذاق باکورة الوجود اول عالم الشهادة و مبدؤها و هو  الطبع و هو  شمس ذلک العالم ثم دون ذلک المادة و هي ظاهر  الشمس في ذلک العالم فوجه الشمس مواجه الي عالم الغيب اي الي الکرسي و العرش و ظهرها الي عالم الشهادة اي الافلاک و العناصر  کما تري في هذا العالم ثم دون ذلک ذاق طعم الوجود المثال و هو

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 318 *»

افلاک ذلک العالم ثم دون ذلک ذاق الجسم طعم الوجود و هو  ارض ذلک العالم و عناصره فبذلک عمر  الديار في ذلک العالم و ظهر  الجبار اي الوجود المقيد في جميع المراتب کما ظهر  الجسم في جميع مراتب الاجسام.

و لما کان کل مرتبة من المراتب السبع ظهور الوجود الواحد و کلها مشترکة فيه سُمّي النسبة بينها بالعرض، و لما  کان کل مرتبة ادني لها مادة و صورة و کلتاهما اغلظ من مادة اعلاها و صورته سميت بالمترتبة لعدم مصاقعة‌ الکل في صقع واحد. فهذه السلسلة سلسلة برزخية بين السلسلة الطولية و العرضية المحضة لان الاول يطلق في نسبة‌ المؤثر الي الاثر  و ليس مادة الاثر  و لا صورته من جنس مادة المؤثر  و صورته بل مادة الاثر  ظهور مادة المؤثر  بوساطة صورته و صورته ظهور صورة المؤثر، و الثاني يطلق في نسبة المتصاقعين في المادة کنسبة زيد و عمرو لانهما مشترکان في المادة الانسانية مختلفان في الصورة، و اما سلسلة التنزل برزخ بين المقامين لانها کلها من مادة واحدة عليا و هي الامکان الجایز  فليس نسبتها في الطول لوحدة المادة العليا في الجميع کما عرفت و ليس مادتها القريبة واحدة کما عرفت فليست نسبتها في العرض المحض فتکون نسبتها عرضية مترتبة.

بالجملة و لعلّک علمت ان لکل واحد من تلک المراتب التنزلية بسائط و مواليد کما تري ان للجسم بسائط هي الافلاک و الارضين@ و مواليد و هي الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي و المراد بالحيوان و الانسان هنا هو الابدان الحيوانية و الانسانية و کلها جماد بلحاظ فما تري في خلق الرحمن من تفاوت. فللمثال ايضاً بسائط هي افلاکه و عناصره و مواليد هي الحيوانات البرزخية و الخيالات المثالية لکل فرد فرد من الاناسي النازلة في ذلک العالم. و للمادة ايضاً بسائط هي افلاکها و عناصرها و مواليد هي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 319 *»

الملائکة. و للطبع ايضاً بسائط هي افلاکه و عناصره و مواليد هي الجن. و للنفس بسائط هي افلاکها و عناصرها و مواليد هي الاناسي الذاتية الحقيقية بلاعرض خارج من ذواتهم. و للروح بسائط هي افلاکها و عناصرها و مواليد هي الانبياء؟عهم؟. و للعقل بسائط هي افلاکه و عناصره و مواليد هي الائمة صلوات‌الله علیهم‌اجمعین  ما تري في خلق الرحمن من تفاوت. غاية الامر  ان تلک التفاصيل في العقل في غاية‌ التشاکل بل و الاتحاد و في الجسم في غاية التفصيل و التفريق و المراتب الواقعة بين المرتبتين حالتها بين بين کلما يصعد يقلّ التفصيل و  کلما ينزل يکثر.

و لعلک علمت ان تلک الظهورات في کل مرتبة صور متممة و اشباح منفصلة من مطلقاتها مستخرجة من موادها و الصور حين کانت في المواد کانت کامنة غير  ممتازة بل معدومة و المعدوم لايعقل ان يتقوي بنفسه و يصير موجوداً، و المواد ايضاً شرط وجودها عدم الفعليات منها فهي لاتقتضي ابراز ما فيها بالقوة فلابد لکل صورة خارجة من مادة من المواد من مخرج خارجي فعلي حتي يقوي بفضل ما له من الفعلية ما يمکن في المواد و يستخرجها علي حسب صورته الحاصلة له فذلک المخرج هو الفؤاد الذي آية الله سبحانه الحيّ بالذات في عالم المقيدات.

فاول شيء حیي بذلک الحيوة  هو  العقل فلما حیي دارت سمواته علي ارضه و استخرجت من کمونها اي کمون الارض مواليدها و هم الائمة؟عهم؟. ثم باشراقه علي الروح المطلقة حیي عرشها و افلاکها و دارت علي ارضيها و استخرجت مواليدها و هم الانبياء؟عهم؟. ثم باشراقه نزل بوساطة الروح في عالم النفوس و اول ما حیي بتلک الحيوة هو عرشها و افلاکها و دارت علي ارضيها فاستخرجت مواليدها و هم الاناسي. ثم نزل باشراقه بوساطة الروح و النفس بعد التلبس بهما في عالم الطبع فاول ما حیي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 320 *»

منه عرشه و افلاکه فدارت علي ارضيه و استخرجت مواليده و هم الجن. ثم نزل باشراقه بوساطة‌ الروح و النفس و الطبع في عالم المثال و اول ما حیي منه عرشه و افلاکه فدارت علي ارضيه و استخرجت مواليده و هي الحيوانات البرزخية التي هي مراکب الاناسي في عالم المثال و سایر  الحيوانات من ذلک العالم لم‌يتحصص لها السموات بأسرها بل يتحصص لها الحيوة الصرفة و هي من فلک قمر  ذلک العالم الذي هو روح فلک قمر  هذا العالم. ثم نزل باشراقه بوساطة العوالم السابقة الي عالم الاجسام فاول ما حیي منها عرشها فدار علي السموات و استخرج منها مواليدها و هي النباتات و دارت السموات علي الارض و استخرج منها مواليدها و هي الجمادات کما مرّ  مفصّلاً.

فصورة جميع المراتب و فعلياتها کلها سواء کانت صور البسائط ام صور المواليد کلها آثار للعقل بلا واسطة او بواسطة او بوسائط، و لو  لم‌يکن العقل  لم‌يحدث حادث مطلقاً  و لم‌يتولد متولد ابداً  في جميع المراتب فهي کلها مخلوقة به و هو الماء الذي به کل شيء حي فعلي هذا يکون الانبياء؟عهم؟ آثار@  للعقل الکلي حقيقة و الاناسي آثاره بوساطة الروح الکلية فالاناسي آثار آثاره فهم آثار الروح المطلقة و هکذا الجن آثار آثار آثاره فهم آثار النفس الکلية، و الحيوانات آثار الطبع المطلق و النباتات آثار المثال المطلق و الجمادات آثار الجسم المطلق. و بلحاظ ان النباتات و الجمادات کليهما من عالم واحد اذ ليس النفس النباتية الّا صوافي العناصر. بالجملة‌ فظهر  و الحمد لله ان الحوادث و المتولدات في کل رتبة ‌انما تتولد بواسطة فعل العالم الاعلي في العالم الادني فهي آثار ذلک الفعل البتة.

و لايقال ان آثار العالم الادني لو کانت للفعل الذي في العالم الاعلي و هو مؤثرها فلم لم‌يصدق عليها اسمه و حده و رسمه؟ لان المؤثر  الذي يعطي ما دونه اسمه و حده هو  المؤثر  الذي يوجد آثاره لا من شيء لا المؤثر  الذي يوجد آثاره من شيء أ ما تري الفخار اثر  الفاخور قطعاً و لما کان الفاخور اوجده من شيء لايصدق علي الفخار لفظ الفاخور. و قد علمت ان فاعلية تلک المراتب فاعلية فعلت من مادة و لما کانت المادة مختلفة في المراتب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 321 *»

انصبغ الفعل في بطونها فالاثر  الموجود في کل رتبة اثر  قد ظهر  من بين فاعل و قابل. فاذا تنزل العقل باشراقه في عالم الروح فذلک الاشراق کالحبة المزروعة في امکان ارض عالم الروح فالحبة المزروعة تلاشت و اضمحلت في ارض امکان عالم الروح بعد ما کانت بالفعل في عالم العقل فاذا نبتت ثانياً من تلک الارض نبتت منصبغة بصبغها متطبعة بطبعها متهيئة بهيئتها لامحالة فالحبة الاولي المزروعة من اثر  العقل و هو  عقل صرف و المحصودة الصاعدة النابتة عقل روحاني لا عقل صرف. فمن ذلک علم ان عقول الانبياء؟عهم؟ و ان کانت آثاراً  للعقل الکلي و هو  يعطي اسمه و حدّه اياها و مع ذلک هي روحانية.

و اذا نزل باشراقه بواسطة الروح في عالم النفس الکلية تلاشت حبة اشراقه و صارت بالقوة في ارض امکان النفس بعد ان کانت موجودة بالفعل في عالم العقل و الروح فاذا نبتت من ارض امکان النفس ثانياً  نبتت متطبعة بطبع النفس لامحالة و صارت عقولاً  للاناسي و ارواحاً  لهم و هي عقول نفسانية و ارواح نفسانية و کلاهما من ظل العقل الروحاني کما هو  من ظل العقل الکلي الخالص فعقولهم ظل ظل العقل الصرف و اثر  اثره بدؤها من النفس و عودها اليها کما ان بدء العقول الروحانية من الروح و عودها اليها و ان کان سبب خروج الکل هو  العقل الکلي الصرف.

فاذا نزل باشراقه الي عالم الطبع بواسطة الروح و النفس صار حبة اشراقه فيه بالقوة ميتة بعد ان کانت بالفعل حيّة في العوالم السابقة فاذا نبتت ثانياً من امکان الطبع تطبعت بطبعه و صارت عقولاً  للجن و ارواحاً و نفوساً  لهم فعقولهم و ان کانت آثار العقل و ارواحهم آثار الروح و نفوسهم آثار النفس ولکنها عقول و ارواح و نفوس طبيعية لانه لايمکن ان يوجد في عالم الطبع ما لم‌يکن منه و مواليد کل عالم لابد و ان تکون من بسائط ذلک العالم أ ما تري انه لايمکن ان يبني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 322 *»

بناء جمادي من بسائط عالم الروح و لابد للبناء الجمادي من بسائط جمادية و ماء و طين و لبن جمادية.

بالجملة‌ فاذا نزل باشراقه في عالم المثال بواسطة الروح و النفس و الطبع صارت حبة اشراقه فيه بالقوة ميتة بعد ان کانت بالفعل حيّة في العوالم السابقة فاذا نبتت نبتت متطبعة بطبع المثال فصارت عقول الحيوانات البرزخية المرکوبة للانسان و ارواحها و نفوسها و طبایعها فهي عقول مثالية و ارواح و نفوس و طبايع مثالية فهي و ان کانت کلها موجودة من تأثير  العقل الکلي و هي آثارها ولکن طبایعها من ظل الطبع الاصلي و نفوسها من ظل ظل النفس الاصلية و ارواحها من ظل ظل ظل الروح الاصلي و عقولها من ظل ظل ظل ظل العقل الاصلي.

فاذا نزل باشراقه بواسطة العوالم المذکورة في عالم الجسم صارت حبة اشراقه في امکان الجسم بالقوة ميتة بعد ان کانت في العوالم السابقة بالفعل حيّة فاذا نبتت ثانياً  نبتت متطبعة بطبع الجسم فصارت عقولاً و ارواحاً و نفوساً و طبایع و امثلة جسمانية لاهل عالم الاجسام و انت تعلم ان للجسم مرتبتين مرتبة لطيفة سماوية و مرتبة کثيفة عنصرية فالمرتبة الاولي هي المرتبة‌ النباتية و المرتبة الثانية هي المرتبة الجمادية و ليس النبات الّا صوافي الجماد کما قال اميرالمؤمنين؟ع؟ في شرح النفس النباتية هي من صوافي الاغذية. فکذلک لتلک العقول و الارواح و النفوس و الطبایع و الامثلة الجسمانية مرتبتين لطيفة و کثيفة فمراتبها اللطيفة صارت للنباتات و مراتبها الکثيفة صارت للجمادات و هي کلها جسمانية ذوات طول و عرض و عمق و سایر خصال الجسم فصار عقلها العرش و روحها و نفسها الکرسي بمرتبتيه و طبعها الشمس و مثالها الافلاک فاذا نزل باشراقه بواسطة المذکورات السابقة صارت حبة اشراقه في التراب بالقوة بعد ان کانت في المراتب السابقة بالفعل فاذا نبتت ثانياً من التراب الذي هو  امکان الکل نبتت متطبعة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 323 *»

بطبعه فصارت جمادات و نباتات و حيوانات و اناسي ترابية بدؤها منه و عودها اليه لايتجاوز شيء ماوراء مبدئه و لاينزل عنه و هي کلها آثار العقل الکلي و لکن بتوسط المراتب السابقة.

فاذا عرفت کيفية النزول نزول المراتب الغيبية بالترتيب المذکور فاعرف مراتب الصعود ايضاً  بالترتيب المذکور. فاذا نودي العقل بنداء اقبل اخذ في الصعود بترتيب نزوله و ادباره بامر  ادبر  فصعد من الارض درجة بدوران الافلاک عليها فصار جماداً و هو حالة النطفة ثم صارت النطفة الجمادية نباتاً  في الرحم ثم صار النبات حيواناً و ليس المراد من الصيرورة الّا ان الحيوان خرج من کمون النبات لا ان يصير  النبات بنفسه حيواناً  ثم خرج من کمون الحيوان المتخيلة وخرج منها المتفکرة و خرج من المتفکرة المتوهمة و منها محل العالمة و منه محل العاقلة و منها اي من العاقلة و العالمة و المتوهمة و المتفکرة و المتخيلة المادة الثانية التي فيها بمنزلة الشمس في سایر  الکواکب الستة ثم خرج منها صدر الانسان ثم خرج منه دماغه. فاذا حصل للمولود هذه المراتب تعلق بها الارواح المثالية فهي کلها بدؤها من هذا العالم التدرجي الزماني و عودها الي کل مرتبة بما بدئ منه اذ کل شيء يرجع الي اصله. و الارواح التي تعلقت بها کلها سکنة عالم المثال بدؤها منه و عودها اليه و لما کان لعالم المثال ايضاً  تدرج و مرکباته مرکبات عرضية کالمرکبات الدنياوية حصلت بالتدرج من اشياء مستقلة کان مرکباتها عودها الي اشياء مستقلة فصار عودها عود ممازجة.

بالجملة و ليس الغرض هنا الّا بيان کيفية الصعود و ليس الغرض شرح متعلقات المراتب و لوازمها و کيفياتها. فاذا حصل المشاعر  البرزخية تعلق بها النفس الدهرية الملکوتية بدؤها من الملکوت و عودها اليه و اذا حصلت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 324 *»

النفس تعلق بها الروح البرزخية و اذا حصل الروح تعلق به العقل الجبروتي بدؤه من الجبروت و عوده اليه و هکذا سایر المراتب التي هي فوق مقام حصلت کل واحد منها بعد ظهور الادني منه في قوس الصعود.

و لاتزعم من شرح النزول قبل الصعود و الصعود بعده انه زمان النزول قبل وقت الصعود قبلاً  زمانياً  فيکون وقت النزول غير  وقت الصعود حاشا بل وقت النزول و الصعود واحد الّا ان النزول قبل الصعود رتبة وجوداً و الصعود بعده رتبة ظهوراً  بلحاظ و بالعکس بلحاظ فقوس النزول هي قوس الصعود. و انما عبر  عن النزول و الصعود بالقوسين لتعليم ان الاجمال غير  التفصيل و الّا لم‌يکن قوسان بل ليس الّا خط مستقيم اذا  لوحظ الاِمداد من الاعلي الي الاسفل قيل انه نزل و اذا  لوحظ اکتساب الاعلي من الاسفل قيل انه صعد. فاذاً  وقت النزول و الصعود وقت واحد فلاتزعم ان لشخص معين عقلاً  و نفساً  قبل ظهور بدنه في هذا العالم فاذا ظهر  بدنه تعلق به نفسه و عقله حاشا بل وجد بدنه و نفسه و عقله في آن واحد الّا ان نفسه و عقله اعلي و بدنه ادني منهما  فلو  لم‌يکن لزيد هنا بدن ليس له هنالک نفس و عقل و اذا وجد هنا له بدن وجد فوقه نفسه و عقله في ذلک الان لا بعده فاذا صلّي زيد هنا تعلق روح الصلوة هنالک في وقت اشتغاله بها لا قبله و لا بعده و اذا آمن هنا آمن هنالک في وقت ايمانه هنا لا قبله و لا بعده و اذا کفر  هنا کفر  هنالک و اذا زني هنا زني هنالک، فما هيهنا ابداً بدن و ما هنالک روح و هما مساوقان في الوجود البتة.

فمن ذلک علم انه ليس لکل شخص معين هنا ظاهراً جميع المراتب العالية فان کل مرتبة حصل له هنا حصل له هنالک فلذلک ليس للجماد المعين روح نباتي و ليس للنبات روح حيواني و ليس للحيوان روح انساني و ليس للانسان روح النبيين و ليس لهم روح الائمة الطاهرين صلوات‌الله عليهم‌اجمعين. فکل شيء يرجع الي اصله فان بدئ من عالم العقل يرجع اليه و ان بدئ من عالم الروح يرجع اليه و ان بدئ من عالم النفوس يرجع اليها و ان بدئ من عالم المثال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 325 *»

يرجع اليه و ان بدئ من عالم الجسم يرجع اليه و عود کل شيء الي بدئه. فبذلک يعلم ان بدء النفس ليس الّا من عالم النفوس و ليس من عالم المواد الزمانية کما زعمه الحکماء و انما بدؤها من الملکوت و عودها اليه.

و هنا دقيقة يجب التنبيه عليها و هي ان المخاطب لما سمع ان البدن و الروح مساوقان وقتاً  زعم البدن البدن العرضي و يري انه وجد في سنة کذا و عاش کذا فزعم ان روحه ايضاً وجد في ذلک الوقت و عاش مدة عمر  بدنه العرضي و ربما وقع بذلک في شکوک و شبهات بانه اذا مات زيد فات فليس له حشر  و نشر  و ثواب و عقاب و جنة و نار و سایر  اوضاع الاخرة کما قد لقيت من زعم کذلک و زعم في زعمه انه مصيب و زعم انه وقف علي سر  مستسر مقنع بالسر  و تمسک ببعض المتشابهات التي يشمئز  منها الطبع القويم و الذهن المستقيم و قد عدّ نفسه من العارفين و لعمري انه لمن الغافلين المغترين اعاذنا الله ببرکة آل‌محمد صلوات‌الله‌عليهم و ببرکة اوليائهم سلام‌الله‌عليهم من هذه المهالک و اخرجنا من هذه الممالک.

فاقول مستعيناً بالله سبحانه ان المراد من بدن زيد هو  بدنه الاصلي و هو  مما به زيد زيد ممتاز عن عمرو و هو من عناصر عالم الملکوت و بسائطه فله قبضة من تلک العناصر  و تسعة من افلاکه و هو  بتمامه مخلوق ذلک العالم بدؤه منه و عوده اليه و ذلک البدن الاصلي نزل باشراقه الي عالم المثال البرزخي العرضي فاشرق علي قبضة من قبضات عالم المثال و تلک القبضة مرکبة من قبضة من ارض ذلک العالم و تسعة من افلاکه فحييت باشراق بدن زيد فرکب زيد علي ذلک الحيوان و هو  ليس بدؤه من زيد و لا عوده اليه. ثم اشرق بواسطة هذا الحيوان علي الروح النباتي في عالم الزمان العرضي فحیي منه. ثم اشرق علي بدن عرضي جمادي فحیي فصار لباساً علي لباس علي لباس و تلک الالبسة الثلثة کلها عرض لبدن زيد کهذه الالبسة‌ الظاهرية فبدء هذا البدن العرضي من هذا العالم العرضي کما هو محسوس

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 326 *»

مشاهد و عوده اليه کما هو  محسوس مشاهد و کذلک البدن النباتي العرضي. و ليس هذا البدن وقته مساوقاً  لوقت نفس زيد مطلقاً  بل وقت بدنه الاصلي مساوق لوقت نفسه.

و ان اردت ان اريک ذلک ففکر  ان بدنک العرضي ساکن في بيت مثلاً  و حيطانه قد احاطت به من کل جانب و واقع في ساعة من ساعات يوم قد احاطت به من کل جانب و لما کان بدنک مصاقع البيت مجانسه لايمکنک الخروج منه الّا من منفذه و يمنعک الخروج من سایر  اطرافه و خيالک الذي هو  من عالم البرزخ و هو  فوق هذا العالم بدرجة يخرج من البيت و يسير  في العالم و لايمنعه شيء من الحيطان ابداً و وجود الحيطان و عدمها بالنسبة اليه علي السویٰ@ فهي لم‌تحط به مطلقاً و هو  لم‌يسکن فيها مطلقاً  و لايحتاج في خروجه منها و دخوله فيها الي خرق فدخوله فيها ليس کدخول جسم في جسم و خروجه عنها  ليس کخروج جسم عن جسم. و کذلک حين کونه في آن من الانات يکون ذلک الآن محيطاً  به من کل جانب و هو  محصور فيه لايمکنه ادراک آنات قد مضت و ادراک ما سکن فيها و ادراک آنات آتية و ما يسکن فيها و هو  ابداً يدرک الآن الذي هو  واقع فيه و ما يسکن فيه و ذلک لان کل آن مصور بصورة و هو غير  آن آخر  بصورته فصورته ستر مسبل وراء غيره من الانات الماضية و الاتية و حجاب مانع و حصار حائل و لذلک لاتدرک باذنک الجسمانية ‌اصواتاً  قد مضت آناتها و اصواتاً  لمّا تأتي و تدرک اصواتاً واقعة في الآن الذي تکون فيه و لاتدرک المبصرات التي قد مضت آناتها بعينک الجسمانية و المبصرات التي ستجيئ اوقاتها و انما تدرک المبصرات التي تکون في الآن الذي تکون فيه و هکذا سایر  محسوسات الحواس الظاهرة من الشم و الذوق و اللمس حرفاً بحرف و ليس ذلک الّا ان هذه المشاعر  الظاهرة من جنس المدرکات الظاهرة و قد احاط بکليهما آن واحد و کلاهما محصوران فيه فتدرک المشاعر  دائماً ما وقع في آنه المخصوص بها دون سایر  الانات و ذلک

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 327 *»

محسوس لايحتاج الي ازيد من تنبيه ما عليه. و خيالک الذي هو  من عالم البرزخ تدرک الآنات الماضية کما تتذکر  الازمنة الماضية و الحوادث الواقعة فيها بل يمکن لک ان تدرک بخيالک الآنات الاتية و ما يقع فيها ان صفت مشاعرک و خلصت عن التعلق بالزمانيات کما تري في المنام الحادثات التي ستجيئ بعد وقت بدنک.

فظهر  و الحمد لله ان هذه الامکنة لم‌تحط بالخيال و هذه الازمنة لم‌تحط به مطلقاً  فهو غير  مولود في هذه الامکنة و غير  موقت بهذه الاوقات فان احاط ببدنک مکان سبع اشبار في اثنين لم‌یحط ذلک المکان ببدنک المثالي مطلقاً  کما عرفت و ان مرّ  علي بدنک العنصري الزماني ثلثون سنة لم‌يمرّ  الثلثون علي بدنک المثالي فليس عمره ثلثين لان مکانه فوق مکان الزمان و وقته غير  وقته فوقه و ليس فوقية المثال علی الجسم کفوقية جسم علي جسم بل فوقيته عليه فوقية يکون آن منه يوازي جميع آنات عالم الاجسام بأسرها و مکانه يوازي اقل جزء منه جميع امکنة الزمان بأسرها فالبدن المثالي غير  مخلوق في هذه الامکنة و الازمنة فلايمکن ان يقدر عمره بهذه السنين و القرون مطلقاً  فان وجد البدن الزماني في سنة و مات بعدها بثلثين سنة يکون عمره ثلثون@ اوله اول الثلثين و آخره آخره فله بدء و ختم و ليس هذا البدؤ  و الختم بدءاً و ختماً  للبدن المثالي لانه موجود في وقت مثالي و له بدؤ  و ختم مثالي و آن واحد مثالي يوازي جميع آنات الزمان فلايمکن ان يقدر عمر  البدن المثالي بهذه القرون و ان اردت ان تعبر عن وقته بهذه الاوقات فقل ان عمره عمر  الدنيا من اولها الي منتهاها سبعين مرة ثم استغفر  الله من قلة التحديد.

فظهر  و الحمد لله ان حصار الآنات الزمانية لم‌يحصر  البدن المثالي فلو کان محصوراً  فيه لم‌يقدر علي ادراک ما مضي من الآنات و ما يأتي کما ان البدن العنصري المحصور فيها لم‌يقدر علي ذلک لانه محصور  فيها و قس علي ذلک المکان المثالي بالنسبة بهذه الامکنة حرفاً بحرف و قس علي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 328 *»

ذلک نسبة کل عالم ادني بالنسبة الي اعلاه فآن واحد من عالم الملکوت يوازي جميع آنات البرزخ بأسرها بل بسبعين مرة و آن واحد من عالم الروح يوازي جميع آنات عالم النفس و لا آنات هنا و آن واحد من عالم الجبروت يوازي جميع آنات الملکوت و الملک بأسرها و آن واحد من عالم السرمد يوازي جميع آنات الجبروت و الملکوت و الملک بأسرها بسبعين الف مرة و آن واحد من عالم اللاهوت و لا آن يوازي جميع الآنات السرمدية و الجبروتية و الملکوتية و الناسوتية. فمولود کل عالم اعلي لايقدر عمره باوقات عالم ادني فهو  بالنسبة الي الادني لم‌يلد و لم‌يولد و لم‌يکن له کفواً احد.

فما يقال انه لو  لم‌يکن بدن زيد هنا لم‌يکن روحه هناک فاذا وجد بدنه هنا وجد روحه هناک ليس معناه ان يمرّ علي البدن و الروح آن واحد و وقت واحد کما هو  المتبادر الي اذهان اهل الدنيا و لذا يزعمون انه اذا وجد بدن هنا وجد روحه هناک و اذا عاش بدن هنا عاش روحه هناک و اذا مات بدن هنا مات روحه هناک و يعدّون انفسهم من عداد الحکماء و العرفاء مع ذلک و ذلک مخالف لما اخبر  به جميع الانبياء من خلود الجنة و النار أ فليسوا بحکماء حاشاهم حاشاهم عما يظن اولئک السفهاء في حقهم بل هم الحکماء الذين اوتوا الحکمة حتي بلغوا مبلغ العصمة بحيث لم‌يتطرق فيهم السهو  و الغفلة في انظارهم و ما هکذا الظن بهم و ذلک ظن الذين کفروا  و ذلک الظن قد نشأ منهم لقياسهم العوالم الباطنية بالعالم الظاهر  فاذا سمعوا ان عالم المثال مثلاً  اعلي من هذا العالم زعموا علوه علو السماء علي الارض و زعموا الروح في السماء و البدن في الارض و قد احاط بهما وقت واحد مساوق وقت کل واحد منهما مع وقت الاخر  کما تعرفنهم في لحن القول و في الشبهات التي اوردوها علي الکلام الحق والله يعلم اسرارهم.

و المعني المراد هو  انه لو  لم‌يوجد هنا بدن في وقته المخصوص به لم‌يوجد الروح هناک في وقته المخصوص بها و مع ذلک آن واحد من عالم الروح يوازي جميع آنات عالم البدن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 329 *»

کما قد مرّ  بيانه لمن کان له عينان. فان ضرب المثل للعالم الغيب بالشهادة يوماً ما  ليس الّا لتقريب الاذهان و ليس ذلک بدليل و لا برهان و لذلک يجب علي المتکلم استدراک ذلک بعد حين بالبيان.

بالجملة فسمي العالم الاعلي اعلي لان آناً  واحداً منه يوازي جميع آنات العالم الادني، فلذا  لو  وجد هنا ابدان متعددة تواجه کلها روح زيد يظهر  زيد في کلها و کلها زيد واحد و رجل واحد لا رجال متعددة بل اقول لو  واجه جميع عالم الاجسام روح زيد بکثراتها لظهر  زيد في کلها و هو  رجل واحد له سماء و ارض و ابعاض و اجزاء کما يکون لبدن زيد رأس و رجل و يد و اعضاء و جوارح و بکثرتها لم‌يتکثر  زيد أ ما تري ان بدن زيد حين تولده شبران في شبر مثلاً  و هو زيد و يصير  سبعة اشبار في شبرين و هو  زيد ايضاً و أ ما تسمع ان الاناسي في القرون الماضية لهم ابدان عظيمة کبدن آدم علي نبينا و آله و عليه‌السلام و کبدن عوج و غيرهما ممن مضي فاذا جاز  ان يکون البدن اعظم من هذه الابدان بمقدار معين جاز ان يکون اعظم و اعظم حتي يصير  کل عالم الاجسام بأسره بدناً واحداً  لروح زيد مثلاً  و هذا حال ظهور الروح في مقدار البدن و اما حال ظهورها في الازمان ايضاً  فکذلک فلو  واجه بدن في اول الزمان روح زيد و واجه في زمان اخر  بدن آخر  روح زيد و هکذا  لو  واجه من اول الزمان الي آخره ابدان الي غير  النهاية روح زيد لظهر  في کلها زيد و هو  زيد واحد.

و ليس مرادي من هذا البيان انه لو  وجد بدن في وقت کان له مثلاً جزءان من رطوبة و جزء من يبوسة و جزء من حرارة و جزء من برودة تعلق به روح معين بحسب بدنه فاذا وجد في وقت آخر  بدن بذلک المقدار من الکم و الکيف لتعلق به روح معين مقدر بمقدار الروح التي تعلقت بالبدن الاول کما انه ان ترکب العناصر  ترکيباً  يقتضي روح نبات معين و يثمر  ثمراً معيناً  کشجر  الرمان مثلاً  فان ترکبت في وقت آخر  ترکيباً مثل الترکيب الاول يقتضي روحاً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 330 *»

کروح الاول فيصير  شجر  رمان ايضاً  او ترکبت بحيث تقتضي روح جنس من اجناس الحيوانات فان ترکبت وقتاً  آخر  بتلک الکمية و الکيفية اجتذبت روحاً من جنس روح اجتذب المرکب الاول حاشا لان الروح المتعلق بالشجر  الاول غير الروح المتعلق بالشجر  الثاني کما ان بدن الشجر  الاول غير  بدن الشجر  الثاني غاية الامر  ان البدنين و الروحين من جنس واحد و کذلک الامر  في بدن الحيوان فان الروح الاول غير  الروح الثاني کما ان البدن الاول غير  البدن الثاني غاية ‌الامر  ان الروحين و البدنين من نوع واحد و لکن الشخص الاول غير  الشخص الثاني.

و ليس مرادي من مواجهة ابدان متعددة الي روح زيد کذلک بل مرادي انه لو  واجهت ابدان متعددة روح زيد يتعلق ذلک الروح بکلها و هو  روح واحد و بتعدد الابدان لايتعدد زيد بل هو  زيد واحد ظاهر  في ابدان متعددة و کل بدن غير  البدن الاخر  بجميع مراتبه من جماديته و نباتيته و حيوانيته ولکنّ زيداً  هو  زيد واحد شخصي يخبر عن نفسه في کل بدن من الابدان فيخبر  عن نفسه بانه کان في زمان فلاني و عاش في بلد فلانية و عاشر  الاشخاص و عاملهم و کان له اولاد و ازواج و اخوان و اخوات و اب و ام و اعمام و اخوال و هکذا سایر  اقاربه و رفقائه و اصدقائه و اعدائه بخلاف الفرد الذي يشارک فرداً من نوع من الانواع فلايقدر علي اخبار عن الفرد الاول البتة.

و من ذلک الباب احياء الاموات بعد قرون و سنين بمعجزة من معجزات نبي او وصي فان صاحب المعجزة يؤلف العناصر  تأليفاً مناسباً  لروح من اراد احياءه فيظهر  فيه و يخبر  عن نفسه. و من هذا الباب اتخاذ علي؟ع؟ اربعين بدناً  لنفسه و هو ؟ع؟ واحد شخصي مع ان ابدانه العرضية اربعون و کل تلک الابدان زوج البتول و ابن عم الرسول؟ص؟ و وصيه لانه هو  بنفسه شخص

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 331 *»

واحد و ذلک الشخص هو  زوج البتول و ابن عم الرسول و وصيه؟ص؟ في أي لباس کان و في أي بدن عرضي کان.

و من امعن النظر  علم ان البدن الواحد ايضاً  واحد ظاهراً  و هو متعدد حقيقة لانه دائم التحلل و دائم التبدل فالمتحلل غير  البدل و الذاهب غير  الجائي بل هم في لبس من خلق جديد فالبدن الواحد واحد ظاهري متعدد حقيقي و بتعدده لم‌يتعدد الروح الانساني و هو  واحد حقيقي شخصي متقلب في ابدان متعددة عرضية کزيد المتقلب في البسة متعددة متلونة بالوان مختلفة و بتعددها لم‌يتعدد زيد مطلقاً.

فبذلک ظهر  الفرق ان شاء الله بين ظهور المطلق في الافراد المتعددة و بين ظهور فرد في ابدان متعددة فالافراد ارواحهم و ابدانهم متعددة و الابدان التي هي مظاهر  الشخص الواحد متعددة و ذلک الشخص شخص واحد. و مثل ذلک ان محمداً و علياً  و فاطمة و الحسن و الحسين و التسعة من ذرية الحسين صلوات الله عليهم اجمعين کلهم افراد حقيقة واحدة بعضهم من بعض و لکن لکل واحد بدن اصلي و روح اصلي غير  روح غيره و بدن غيره الاصليين و يمکن لکل واحد الظهور في ابدان متعددة عرضية کما فعل علي؟ع؟ و ليس في تلک الابدان العرضية الّا علي واحد شخصي؟ع؟ له روح اصلي واحد و بدن اصلي واحد و لايمکن لروح اصلي واحد الّا بدن اصلي واحد و اما الابدان العرضية فلايجب ان تکون واحدة بل يمکن ان يکون کل واحد بصورة غير  صورة بدن آخر  فيمکن ان يظهر  علي؟ع؟ بصورة محمد مرة و بصورة الحسن اخري و بصورة الحسين مرة و بصورة علي بن الحسين اخري و هکذا الي اخر  الائمة؟عهم؟ کما فعل علي بن الحسين و ظهر  بصورة محمد الباقر  ابنه و ظهر محمد بصورة ابيه؟عهما؟ بل لايجب ان يظهر  بصورة معروفة بل يمکن ان يظهر  بصورة‌ اناس مختلفة بل يمکن ان يظهر  بصورة حيوان کما ظهر علي؟ع؟ لسلمان بصورة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 332 *»

الاسد بل يمکن ان يظهر  بصورة ‌نبات او جماد او ارض او سماء بل يمکن ان يظهر  الروح المفارق بصورة الجسم المطلق الکلي بحيث

ما في الديار سواه لابس مغفر   و هو  الحمي و الحي و الفلوات

و قد دلّ علی ذلک اخبار متعددة کما قال علي؟ع؟ انا الذي اتقلب في الصور کيف اشاء. و سرّ  ذلک کله ما  مرّ  من ان العالم الاعلي برمتها اعلي من العالم الادني بأسرها فيمکن ان يظهر  الشخص المتولد في العالم الاعلي في کل جزء جزء من العالم الادني من اوله و اواسطه و اخره بل يمکن ان يظهر  في کله بجزئيته.

فظهر  و الحمد لله ان الوقت الذي يوقت به العالم الادني لايمکن ان يوقت به العالم الاعلي ابداً  فکيف يمکن ان يکون وقتهما مساوقاً حاشا کما عرفت ان عرفت. فالمراد من مساوقة الوقتين مساوقة وقت البدن الاصلي مع الروح الاصلي لا مساوقة وقت البدن العرضي مع الروح الاصلي کما زعمه الزاعمون من ظواهر  کلمات المشايخ انار الله برهانهم نعم ان البدن الاصلي يکون في البدن العرضي يقيناً  کسحالة‌ الذهب في التراب و بکثرة التراب لاتزيد السحالة کما لاتنقص بنقصانه فبتعدد الابدان العرضية لم‌يتعدد البدن الاصلي مطلقاً.

بالجملة و قد طال المقال في خلال هذه الاحوال و لکنه شرح لما  کان في البال و يرجع الکل الي کل في المآل فلايأخذنک الملال من تکرار المثال و لعمري ان عرفت مع ذلک ما في الخيال تکون من اهل الحال و انت انت في ذلک المجال و الّا فاشتغل بالقيل و القال و ذر الحبة في السنبلة مخزونة لصاحب المال و الحمدلله المتعال و الصلوة علي محمد و آله خير  آل.

فاذا عرفت النسبة بين عالم الزمان و عالم الخيال فأجرها بعينها في عالم الخيال و عالم النفس الملکوتية ذات الاکرام و الجلال فعالم البرزخ عالم له تدرجات برزخية فله صباح و مساء و بکرة و عشية کما قال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 333 *»

تعالي و لهم رزقهم فيها بکرة و عشيا  کما تعرف تدرجاته في نفسک لانک تدرک المسائل و الواردات شيئاً بعد شيء و تتوجه الي شيء في خيالک بعد شيء و لاتقدر علي التوجه الي اشياء و مسائل في آن واحد فتفکر  فيها بالتدريج فله انات متعددة في نفسه و ان کان آن واحد منه موازياً  لجميع انات الزمان فاذا کانت اناته متعددة فلم‌يکن المرکبات الواقعة الحادثة فيه مرکبات حقيقية فلکل مرکب حالة عدمية مرّت علي بسائطه انات عديدة ثم تألفت و ترکبت و صارت شخصاً واحداً عرضياً غير حقيقي لانه مرکب من اشياء مستقلة قبل الترکيب قد مرّت عليها انات عديدة و بعد الترکيب مرّت انات عليه غير  الانات الماضية و کل ما  له بدؤ  له ختم لامحالة بالبرهان الحسي البديهي فکل ما يقتضي وجوده في آنات يقتضي خلافه عدمه في آنات لامحالة فعالم البرزخ ايضاً  کعالم الزمان عالم کون و فساد و مرکباته کمرکباته موجودة من مواد سابقة فاذا عادت عادت الي ما منها بدئت عود ممازجة کما قال علي؟ع؟ في حديث الاعرابي.

بالجملة فجميع انات البرزخ لدي انات عالم النفوس و لا انات کآن واحد و يوازي آن واحد من ذلک العالم جميع انات البرزخ و يمکن للمولود النفساني ان يظهر  في اول اناته و في اواسطها و في آخرها بل في کلها کما عرفت سابقاً و هو  بنفسه خارج عن جميع اناته کما ان المولود البرزخي خارج عن جميع انات الدنيا فلايمرّ  عليه انات الدنيا و کذا المولود الروحاني يمکن له ان يظهر  بکل فرد فرد من افراد النفوس بل بکلهم مع انه في حده في عالم الروح شخص واحد و هکذا  الامر  في جميع المراتب العالية کل مرتبة اعلي@ لايمرّ عليها انات المرتبة الدنيا مطلقاً  الي ان وصل الامر  الي الکينونة التي هي فوق عالم السرمد فلايمرّ عليها الاوقات السرمدية و لا الاوقات الجبروتية و لا الاوقات الملکوتية و لا الاوقات البرزخية و لا الاوقات الناسوتية و لا الاوقات العرضية الملکية قال؟ع؟ کنا بکينونته قبل مواقع صفات تمکين التکوين کائنين غير مکونين موجودين ازليين.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 334 *»

بالجملة فکل مرتبة دنيا اذا فارقت المرتبة العليا يمرّ  علي مفارقة الدنيا من العليا اوقات الدنيا و لايمرّ علي مفارقة العليا من الدنيا اوقات الدنيا مطلقاً مثلاً  بدن آدم علي نبينا و آله و عليه‌السلام منذ فارق روحه الي هذا الزمان ثمانية‌ آلاف سنة و ازيد و لم‌يفارق روحه بدنه قبل الان بهذه المدة و لا اقل و لا اکثر  فمن يموت اليوم يرد روحه عالم البرزخ مقارناً  لورود روح آدم؟ع؟ في ذلک العالم مع مرور هذه المدة المديدة بين موت آدم و موت هذا الانسان ففي هذا العالم يموت الناس بالتدريج و يردون البرزخ دفعة واحدة ان عبر  عنها لان آناً واحداً من البرزخ يوازي جميع قرون الدنيا بأسرها بل هو  اوسع بل لا نسبة بينهما و لما کان لعالم البرزخ ايضاً  تدرجات برزخية يتولد مواليده بالتدرج البرزخي و يموتون بالتدرج البرزخي و لکن يردون عرصة القيامة دفعة واحدة و قامت القيامة دفعة لا تدرج فيها مطلقاً فينتظر  آخرهم اَوّلَهم في الورود في عرصة القيٰمة و ذلک لان الاوقات البرزخية لاتمرّ علي عرصة القيامة مطلقاً  کما لاتمرّ الاوقات الدنياوية علي عرصة البرزخ مطلقاً  و الانات التدريجية العرضية لاتجاوز عالم البرزخ مبدؤها الزمان و منتهیٰها البرزخ.

و اما عالم الاخرة التي مبدؤها الملکوت و منتهاها الجبروت فلها آنات طولية لا عرضية ففي تلک العوالم ايضاً آنات تدرجها بحسب الطول و مرورها مرور طولي و لايمرّ  آنات عالم النفس علي اهل عالم الروح و لايمرّ  آنات الروح علي مواليد عالم العقول و اما في السرمد فما فوقه فليس فيه آنات عرضية و لا طولية فلايمرّ علي المولود السرمدي تلک الآنات مطلقاً  لا عرضية و لا طولية و ان ظهر  في العوالم الطولية في بعض اجزائها و في العوالم العرضية في بعض اجزائها.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 335 *»

فالائمة؟عهم؟ و ان ظهروا  في الزمان في بعض آناته ولکنهم في عالم البرزخ کانوا قبل الزمان و يکونون بعده و نسبتهم باول الزمان کنسبتهم بآخر الزمان و نسبتهم باوله و آخره کنسبتهم باواسطه بلافرق. و هکذا و ان ظهروا في عالم البرزخ في بعض آناته ولکنهم في عالم النفوس کانوا قبل البرزخ و يکونون بعده و نسبتهم بآخر البرزخ کنسبتهم باوله و نسبتهم باوله و آخره کنسبتهم باواسطه. و کذلک و ان ظهروا في عالم النفوس في بعض اجزائه ولکنهم في عالم الارواح کان نسبتهم باول النفوس و اوسطها و آخرها علي السواء. و کذلک و ان ظهروا في عالم الارواح في بعض اجزائه ولکنهم في عالم العقل نسبتهم باول الارواح و اوسطها و آخرها علي السواء. و کذلک و ان ظهروا في العقل في آناته ولکنهم في عالم الحقيقة نسبتهم بجميع آنات العقل علي السواء. و کذلک في عالم الحقيقة و ان ظهروا في آناته ولکنهم في عالم السرمد نسبتهم علي جميع آنات الحقيقة علي السواء. و کذلک و ان ظهروا في عالم السرمد في آناته ولکنهم في عالم الکينونة نسبتهم علي جميع الآنات السرمدية علي السواء فهم؟عهم؟ في الکينونة قبل جميع الخلق کانوا و يکونون بعد جميع الخلق فبذلک صاروا اول ما خلق الله حتي المشية قال؟ع؟ کنّا بکينونته قبل مواقع صفات تمکين التکوين کائنين غير مکونين موجودين ازليين.

بالجملة و مع ذلک ما لم يظهروا في الدرجة الدنيا لم‌يثبت لهم الدرجة العليا و بعد الثبوت في الدرجة الدنيا نسبتهم في الدرجة العليا علي الدرجات الدنيا  علي السواء فافهم ان کنت تفهم و الّا فذر الحبة في السنبلة و السلام علي من اتبع الهدي.

المطلب الثالث

في السلسلة العرضية المحضة من غير ترتب

فهي في جميع العوالم نسبة‌ افراد المطلق بعضها الي بعض فهي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 336 *»

مشترکة في المادة التي هي ظهور مطلقها مختلفة في الصور الخاصة بکل واحد منها کنسبة جماد الي جماد او نبات الي نبات او حيوان الي حيوان او انسان الي انسان. فربما يکون النسبة بينها بالتواطي کنسبة سيف الي سيف او سکين الي مسمار فان المادة فيها واحدة و صورها مختلفة، و ربما يکون النسبة بينها بالتشکيک کنسبة السماء الي الارض فان مادة السماء و صورتها کلتاهما الطف من مادة الارض و صورتها ولکن يمکن تلطيف مادة الارض الي ان بلغت بلطافة المادة السماوية و يمکن تکثيف مادة السماء الي ان بلغت بکثافة المادة الارضية، و کنسبة العالم الي الجاهل فانه يمکن ان يرتقي الجاهل الي رتبة العالم و بالعکس ففي هذه العرصة يوجد الکامل و الناقص و المکمل و المتکمل و الفاعل و المنفعل و العالم و الجاهل و المعلم و المتعلم و امثال ذلک فربما ظهرت المراتب العالية في المرتبة الدانية و لبست لباسها فيکون ظاهرها مشترکاً  لاهل تلک العرصة و باطنها غير مشترک فقال الله سبحانه انما انا بشر  مثلکم يوحي الي انما الهکم اله واحد فالبشرية مشترکة بينه؟ص؟ و بين الرعية ولکن الوحي مخصوص به دون غيره و هذا القدر من البيان کافٍ في هذه السلسلة لمن له عينان و السلام علي اهل العيان.

فصل

في السلسلتين الطوليتين المتداولتين النورية و الظلمانية

و کل واحدة منهما سبع

فالسلسلة النورانية سلسلة الانبياء؟عهم؟ ثم سلسلة المؤمنين من الانس ثم دونها سلسلة مؤمني الجن ثم دونها سلسلة الملائکة ثم دونها سلسلة مؤمني الحيوانات ثم دونها سلسلة النباتات الطيبة ثم دونها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 337 *»

سلسلة الجمادات الطيبة. و السلسلة الظلمانية سلسلة رؤساء الضلال ثم اعلاها سلسلة کفار الانس ثم اعلاها سلسلة کفار الجن ثم اعلاها سلسلة الشياطين ثم اعلاها سلسلة الحيوانات الخبيثة ثم اعلاها سلسلة النباتات الخبيثة ثم اعلاها سلسلة الجمادات الخبيثة. و قد روي عن السيد الجليل و المولي النبيل اعلي الله مقامه و رفع في دار الخلد اعلامه عدّ کل واحد منهما خمساً باخراج مؤمني الجن و کفارها و الملائکة و الشياطين نظراً  الي ان الجن و الملائکة من المرکبات غير التامة اي لم‌ينزلوا من مقامهم الي ادني الدرجات الذي هو  رتبة الجمادية بخلاف سائر المولدات التامة فان کل واحدة منها ينزل الي درجة الجماد. بالجملة فکل سلسلة دنيا شعاع علياها في السلسلة النورانية و کل سلسلة عليا ظل دنياها في السلسلة الظلمانية.

و لا شک و لا ريب ان السلسلتين المذکورتين محلهما في الشرع الانور لا في الکون لان الايمان و الکفر  و الطيب و الخبث موقعهما في الشرع الواقع بعد الکون فان قبل دعوة الداعي لايثبت ايمان و لا کفر  و لا طيب و لا خبث لان الايمان هو  اعتقاد بما جاء به النبي و العمل بمقتضاه و الکفر  هو  الانکار بما جاء به النبي و کذلک الطيب و الخبث فهما فرع مجیيء@ النبي و جاء النبي بعد الکون کما قال الله تعالي کان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين فبعد بعث الرسل يتحقق النور و الظلمة و الايمان و الکفر  و الطيب و الخبث و امثال ذلک و اما قبل الشرع و بعث الرسل کان الناس امة واحدة علي نهج واحد ليس فيهم نور و ظلمة و ايمان و کفر  و طيب و خبث کما ان الخشب قبل التصور بصورة الضريح و الصنم ليس فيه طيب و لا خبث و بعد التصور بصورة‌ الضريح يصير طيباً مقبلاً  للملائکة و النبيين و المؤمنين الصالحين و مهبط برکات رب العالمين و بعد التصور بصورة الصنم يصير

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 338 *»

خبيثاً  يجب للمؤمنين اهانته و احراقه و يصير  وقوداً  لجهنم.

فاذا تحقق ان السلسلتين في مقام الشرع بعد الکون فلنشرح الآن حقيقة الامر  فيهما بحيث لايبقي ريب في محلهما. فاعلم انه لايعقل ان يصير  اثر  مؤثر  خاص اثر  مؤثر  آخر  کما لايمکن ان يصير  نور سراج خاص نوراً  لسراج آخر  و لايمکن ان يصير  السکين الذي هو  اثر  الحديد اثراً  للخشب مثلاً  فلايمکن ان يصير  اثر  رؤساء الضلال اثراً  للانبياء؟عهم؟ و لا العکس لان الاثر  موجود مادام المؤثر  قائماً عليه فلو  فرض انه يصير  اثر  مؤثر  آخر  فلابد و ان يخرج من تحت مؤثره اولاً  ثم يصير  اثراً  لمؤثر  آخر  و لو خرج من تحت المؤثر  انعدم فلايبقي شيء بعد حتي يصير  اثراً  لمؤثر  آخر لانه يمتنع ان يبقي اثر  بدون مؤثر. و لاشک ان سحرة فرعون کانوا من تبعته صباحاً و صاروا من تبعة موسي؟ع؟ مساءاً فلو کان ذواتهم آثار فرعون و شعاعه لامتنعت ان تصير  آثاراً  لموسي؟ع؟ فاذا صاروا من تبعته بعد ان کانوا تبعة لفرعون علم ان ذواتهم ليست باثر  فرعون و لا باثر  موسي؟ع؟ بل کان ذواتهم اثراً  للانسان المطلق الذي ليس فيه نور و لا ظلمة و يجتمع مع النور و الظلمة لان المطلق الذي لا صورة له يمکنه الظهور بالصور المتضادة فذواتهم امکان يمکن فيه النور و الظلمة فاذا اتصل به نور بالفعل اخرج من کمونه ما هو  من جنسه و هو  النور و اذا اتصل به ظلمة بالفعل اخرجت من کمونه ما هو من جنسها و هو  الظلمة کالخشب الذي يمکن فيه الصور المتضادة فان اتصل به نجار مؤمن اخرج من قوته ما هو  من جنسه بحسب ارادته و هو  الصورة الضريحية مثلاً  و ان اتصل به نجار کافر  اخرج من قوته ما هو  من جنسه بحسب ارادته و هو  الصورة الصنمية و يمکن اعدام الصورة الموجودة و اظهار صورة اخري بحسب ارادة الصانع فلو کانت الصور نفس ذات الخشب لانعدم الخشب بانعدامها فاکوان السحرة ايضاً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 339 *»

ليست من ظل فرعون و الّا لانعدمت بانعدام صورة الکفر  و کذلک ليست من شعاع موسي؟ع؟ و الّا لم‌يمکن لهم الحيوة قبل ايمانهم به فما هو من ظل فرعون هو کفرهم و ما هو  من شعاع موسي هو  ايمانهم و اما اکوانهم فليست من هذا و لا من ذاک نعم هي صالحة للظهور بأيهما عند فعل الفاعل و فعل الفاعل هو  شعاعه لا الکون القابل.

فاذا تحقق ذلک فاعلم انه لما قام الانبياء بين ظهراني الاناسي بالتبشير  و الانذار اشرق من اوامرهم نور و وصل الي قوابل الاناسي و اخرج من کمون بعضهم و امکانهم لصفاء طينتهم کوناً ما هو  من جنسه و بذلک صاروا شعاعاً  لهم. فاذا عمر  الديار في عرصة الاناسي بنور هؤلاء الابرار نزلوا في رتبة‌ الجن بعد تلبسهم باللباس البشري و تلبسوا لباس الجن فدعوهم الي ربهم و امروهم فصدر من امرهم نور و امتثل امرهم بعض الجن فاخرج ذلک النور من امکانات الجن ما هو  من جنسه فصاروا بذلک شعاعاً  للانبياء المتلبسين بلباس الاناسي فصار مؤمنوهم آثار  الاناسي و اشعتهم اي الاناسي الذين فيهم نور النبوة لا جميع الاناسي العامة الذين ليس فيهم روحانية و قوة فعلية و قدرة تأثيرية. فاذا عمر عرصة الجن بمؤمنيهم نزلوا اي الانبياء؟عهم؟ في مقام الملائکة بعد تلبسهم بالالبسة السابقة فقال الله سبحانه بالسنة انبيائه؟عهم؟ للملائکة اسجدوا لادم فسجد الملائکة کلهم اجمعون الّا ابليس کان من الجن ففسق عن امر  ربه.

فاذا عمر  الديار في عرصة الملائکة نزلوا؟عهم؟ بعد تلبسهم بالالبسة السابقة في مقام الحيوانات فامروها بحسب قابليتها فاجاب بعضها فصارت بذلک اشعة الملائکة اي الملائکة الذين فيهم المراتب السابقة لا الملائکة المحضة فصارت طيبة. و بعد ما عمر  عرصة الحيوانات بالطيبات نزلوا؟عهم؟ بالالبسة السابقة في عرصة النباتات فامروها بحسب قابليتها فاجاب بعضها فبذلک صارت طيبة. و بعد ذلک نزلوا بالالبسة السابقة في مرتبة الجمادات و امروها بحسب قابليتها فاجاب بعضها فصارت طيبة بذلک. و صارت المادة في ضمن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 340 *»

تلک الصور الحسنة في جميع المراتب مستحيلة بالطهر  و الطيب و النور و الخير.

و ان قيل ان الاثر  لابد و ان يشابه صفة المؤثر  فلم لم‌يکن الاثار في تلک المراتب مطابقة لصفة النبوة؟ فجوابه انک عرفت ان هذه السلسلة سلسلة حدثت بين الفاعل و القابل و المولود بينهما لايمکن ان يکون علي صفة واحد منهما ففيه الجهتان لامحالة جهة الفاعل و جهة القابل نعم يمکن ان يغلب علي واحد هذا و علي الاخر ذاک فاذا تعلق امر النبوة بعالم النفوس لم‌يکن المادة النفسانية قابلة لخروج صورة‌ النبوة المحضة منها لکثافة عالمها بالنسبة و ما کان لبشر  ان يکلمه الله الّا وحياً او من وراء حجاب او يرسل رسولاً فيوحي باذنه ما يشاء و کذلک الامر  في کل رتبة رتبة فيکفي في ذلک اشارة لمن کان له قلب. فاذا عرفت الترتيب في السلسلة النورانية فقس عليها السلسلة الظلمانية في الترتيب و قد اخذني الملال في شرح کل ما خطر  بالبال.

بالجملة فايمان السلسلة الاولي و خيراتها و المواد المستحيلة فيها تنتهي الي مؤثر  الخير  و کفر  السلسلة الثانية و شرورها و المواد المستحيلة فيها تنتهي الي مؤثر  الشر  نحن اصل کل خير  و من فروعنا کل بر  و اعداؤنا اصل کل شر  و من فروعهم کل فاحشة و اما اکوان المراتب المذکورة فليست من مبدء الخير  و لا من مبدء الشر  بل آثار لمطلقاتها و کل مطلق دانٍ تنزل لرتبة اعلي منها کما عرفت في فصل مخصوص به فالجمادات مطلقاً  آثار للجماد المطلق و هو تنزل النبات المطلق و النباتات آثاره و هو  تنزل الحيوان المطلق و الحيوانات آثاره و هو  تنزل الانسان المطلق و الاناسي آثاره و هو  تنزل الروح المطلقة و الانبياء آثاره و هي تنزل العقل المطلق و الائمة؟عهم؟ آثاره فکل مرتبة من مراتب الآثار آثار لتنزل حقيقة العالم الاعلي لا آثار آثارها و لو کانت آثار آثار لماتت الآثار الدانية بموت الآثار العالية و انت تري ان النبي؟ص؟ مات و لم‌يمت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 341 *»

احد بموته و يموت الانسان و لايموت واحد من الحيوانات بموته و يموت الحيوان و لايقلع نبات بموته و يقلع نبات و لايفسد جماد بقلعه نعم لمحمد و آله صلوات الله عليهم مقامات اخر  غير  مقام الفردية و القطبية فواحد من مقاماتهم مقام الاطلاق في کل رتبة من المراتب فبهذا النظر  يکون جميع الآثار آثارهم و جميع الانوار انوارهم و لايختص بهم في هذا المقام النور دون الظلمة بل سجد لهم الليل بظلمته کما سجد لهم النهار بضيائه ففي الدعاء يا من الظلمة عنده ضياء فلايبقي ملک مقرب و لا نبي مرسل و لا مؤمن صالح و لا فاجر  طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلک شهيد الّا عرفهم الله جلالة امرهم و کبر  شأنهم و عظم نورهم فهم في هذا المقام باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب فهم نعمة الله علي الابرار و نقمته علي الفجار فاکوان جميع الخلق آثارهم و ايمانهم آثارهم و لم‌يکفر  بهم في تلک العرصة احد من الاولين و الآخرين يسبح الله باسمائه جميع خلقه و هم اسماؤه صلوات الله عليهم اجمعين. و هذا القدر من البيان کافٍ لمن لايقلد الالفاظ و يستخرج المعاني منها بالدليل و البرهان.

فصل

في معني الحقيقة بعد الحقيقة

قد اختلفت الاقوال في اطلاق لفظ الوجود علي المنير  و النور و المؤثر  و الاثر، فمنها انه من باب الحقيقة و المجاز کلفظ الاسد علي الحيوان المفترس و الرجل الشجاع، و منها انه من باب الاشتراک المعنوي کلفظ الانسان الذي يطلق علي افراده، و منها انه من باب الاشتراک اللفظي کلفظ زيد الذي يطلق علي افراد متعددة، و منها انه من باب النقل کالحقایق العرفية المنقولة من الحقايق اللغوية.

و لا شک انه ليس من باب الحقيقة و المجاز لان معناهما انه توجد صفة في شيئين متباینين تکون في احدهما اقوي و في الاخر  اضعف فتشبّه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 342 *»

الضعيف في تلک الصفة علي القوي فيها ادعاءً و مبالغةً بان الضعيف کأنه هو القوي کالشجاعة التي توجد في الحيوان المفترس علي الغاية و النهاية و توجد في الرجل ايضاً علي نحو  اضعف فانت تدّعي مبالغةً بانه هو  فتقول لزيد انه اسد. و انت کما عرفت سابقاً  تعلم ان المنير  و النور و الاثر  و المؤثر  ليسا بشيئين متباینين کزيد و اسد حتي تستعير  لفظ الوجود من المؤثر  و تستعمل في الاثر  او بالعکس کما ذهب اليه جماعة بان الرحيم مثلاً  هو  رقيق القلب و ليس لله سبحانه قلب و رقة قلب فهو حقيقة في الخلق مجاز في حقه سبحانه. هذا و الرجل الشجاع و الاسد کلاهما مخلوق و کلاهما مشترک في المادة العليا التي هي الجنس مختلف في الصورة النوعية الفصلية و ليس الاثر  و المؤثر مشترکين في المادة مطلقاً و لو کانت عليا لان المؤثر  هو  موجد الاثر  لا من شيء من غير  مادة سابقة فهو  موجد مادة الاثر  و صورته کلتيهما و لايعقل ان يکون مادتهما واحدة اذ لو کانت واحدة لايعقل ان يوجدها المؤثر  و قد مرّ  تفصيل حال الاثر  و المؤثر.

و کذلک لا شک انه ليس من باب الاشتراک المعنوي اذ لو کان کذلک لکان المؤثر  و الاثر  فردين من مطلق اعلي کزيد و عمرو بالنسبة الي الانسان فيکونان مشترکين في المادة النوعية مختلفين في الصورة الشخصية و لايعقل ان يکون فرد من افراد نوع مؤثراً  لفرد آخر  بحيث يوجد مادته و صورته و لا شک ان المادة فوق عرصة الافراد بأسرها فکيف يعقل ان يوجد فرد مادة هي فوق عرصته فالمؤثر الذي يوجد مادة الاثر و صورته ليس بمشترک معه في المادة.

و کذلک لا شک انه ليس من باب الاشتراک اللفظي لانه لايلاحظ بين المشترکين مناسبة مطلقاً  کما اذا ولد لزيد في بلد ولد يسميه عمراً و اذا ولد لخالد في بلد اخر  ولد يسميه ايضاً عمراً من غير  ملاحظة بين ولده و ولد زيد و من مناسبة بينهما و لا شک ان اطلاق الوجود علي المؤثر  و الاثر  ليس من هذا الباب لانک تجد في المؤثر  شيئاً يسمي بهستي في

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 343 *»

الفارسية و تسميه بالوجود لاجل وجدانک ذلک الشيء و تجد في الاثر  ايضاً  شيئاً  يسمي بهستي و تسميه بالوجود لوجدانک ذلک فاطلاق الوجود عليهما لاجل الوجدان و المناسبة بين ما يوجد في المؤثر  و الاثر کليهما کما تسمي الشمس بالنور لانها ظاهرة لنفسها مظهرة لغيرها و تسمي الشعاع ايضاً بالنور لانه ظاهر  لنفسه مظهر  لغيره. فظهر ان اطلاق الوجود علي المنير  و النور ليس من باب الاشتراک اللفظي ايضاً.

و کذلک ليس من باب النقل ايضاً  لانه لو  لم‌يلاحظ بين المنقول و بين المنقول عنه مناسبة مطلقاً  فهو  من باب الاشتراک اللفظي، و ان لوحظ المناسبة فهو  من باب الحقيقة و المجاز، و ان کان المعني الاول مهجوراً  کما اشترط بعضهم فليس معني الوجود في احد من المؤثر  و الاثر مهجوراً  کما هو ظاهر.  فاذ لم‌يکن اطلاق الوجود عليهما من هذه الابواب المذکورة فيکون من باب الحقيقة بعد الحقيقة و قد غفل القوم کلهم من هذا الباب و اختاره مشايخنا انار الله برهانهم في ظاهر  البيان. فاطلاق الوجود علي المؤثر حقيقة في الرتبة العليا اولاً  و علي الاثر حقيقة ايضاً  في الرتبة الدنيا ثانياً من غير  ان يکون المعني الاول متروکاً و من غير  باب الاشتراکين المعنوي و اللفظي و من غير  باب الحقيقة و المجاز فکما ان المؤثر  اوجد اثره في الرتبة التي دون رتبته لا من شيء و يکون المؤثر  مؤثراً حقيقة في الرتبة العليا و يکون الاثر  اثراً حقيقة في الرتبة‌ الدنيا اوجد وجوده وجود الاثر  في الرتبة الدنيا فوجود الاثر  اثر  وجود المؤثر  في الرتبة‌ الدنيا حقيقة و وجوده وجود في الرتبة العليا حقيقة فالله سبحانه موجود حقيقة في رتبة‌ الازل و لا رتبة و الخلق موجود حقيقة في رتبة الخلق.

و لهذا المعني بيان آخر  مخصوص لاهل العيان و ليس ذلک حظ کل من له عينان. و ذلک انک عرفت مما ذکر  في الفصول السابقة ان الاثار کلها ممتنعة في ذات المؤثر  بحيث لم‌يبق لها اسم و رسم لان الذات غيبت الصفات و هي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 344 *»

اظهر  منها من انفسها و هي ليست غيرها و لا عينها و غيورها تحديد لماسواها من آثارها و آثارها ليست بسواها و ليست هي اضدادها و لا اندادها و وحدتها وحدة ليست بضد الکثرة بحيث لاتنافيها و تجمع معها من غير معية لانها فرع الاثنينية بنحو من الانحاء و هي مرتفعة بين المؤثر  و الاثار فهي ليست غير  المؤثر  و وجوداتها ليست غير وجود المؤثر  فوجوداتها هي ظهورات وجود المؤثر  فالوجود حقيقة للمؤثر  و ليس غير  المؤثر  شيء موجود حتي يقال ان وجوده يطلق عليه علي الحقيقة او علي المجاز و وجوداتها لاتعد مع المؤثر  و ليست غير  وجود المؤثر  مطلقاً  نعم وجود کل واحد منها غير  وجود الاخر  و تلک الغيرية تحديد بينها لا بينها و بين مؤثرها فاذا هو  هو  و الوجود وجوده و لا وجود لشيء غيره اذ ليس غيره موجوداً مطلقاً و هو هو  وحده وحده لا شريک له فاين الحقيقة بعد الحقيقة و هو  الشيء بحقيقة الشيئية لا شيء غيره و غيره ممتنع محض و ليس صرف. و ليس معني هذا القول بان المؤثر  عين الاثر حيث ليس غير  الاثر  اذ لو کان عين الاثر  لکان اثراً  فهو  ليس عين الاثر  کما لايکون غيره فهو  هو  وحده وحده.

فصل

في معني الازل و السرمد و الدهر  و الزمان و اطلاقاتها

و اسماء تطلق علي بعض مراتبها

اما الازل فهو  تعبير  عن الذات من حيث هي هي و ليس کما زعمه الزاعمون بانه اسم لما مضي من اوقات الذات، و الابد لما يأتي اذ لايعقل ان يمرّ علي الذات وقت مطلقاً  اذ الوقت مما خلق بفعلها و لايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته.

و اما السرمد و الدهر  و الزمان فلکل واحد منها اطلاقان فربما يقال ان الزمان هو  النسبة بين المتغيرات المقيدة فالامتدادات المنتزعة من تقدم مقيد علي مقيد و تأخر  مقيد عن مقيد و منها الامتداد المنتزع من کون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 345 *»

الشيء الي فساده هو  الزمان. و الدهر  هو  نسبة المتغيرات المقيدة‌ الي مطلقها او نسبة المطلق الي مقيداته. و السرمد هو  وقت الذات من حيث هي هي مع قطع النظر  عن مقيداته.

فبهذا الاطلاق هذه الاوقات الثلثة امور اضافية لاتختص بعالم دون عالم و بمرتبة دون مرتبة‌ فالنسبة الحاصلة بين ما يصنع من الحديد مثلاً  زمان و نسبتها بأسرها الي نفس الحديد دهر  و وقت الحديد من حيث هو هو  مع قطع النظر عن ظهوراته سرمد، و کذلک نسبة الحديد الي الذهب و الفضة و سایر  المعادن زمان و نسبتها الي المعدن المنطرق المطلق دهر  و وقت المعدن المنطرق من حيث هو هو  سرمد. و کذلک نسبة المعدن المنطرق الی غیر المنطرق زمان و نسبتهما الی المعدن المطلق دهر  و وقت المعدن المطلق من حیث هو هو  سرمد. و کذلک نسبة الاجسام المقيدة بعضها الي بعض زمان و نسبتها الي الجسم المطلق دهر  و وقت الجسم من حيث هو هو  مع قطع النظر عن ظهوراته سرمد و هکذا نسبة الامثلة البرزخية بعضها الي بعض زمان و نسبتها الي المثال المطلق دهر  و وقت المثال من حيث هو هو  سرمد و کذلک النفوس الجزئية نسبة بعضها الي بعض زمان و نسبتها الي النفس المطلق دهر  و وقت النفس من حيث هي هي سرمد. و بهذا الاطلاق لايعقل ان يقال انه ليس لشيء دهرية و لا سرمدية و هو مخصوص بالزمان لانها اوقات اضافية فربما يکون الوقت الواحد زماناً بالنسبة الي ما فوقه و دهراً  بالنسبة الي ما دونه و سرمداً بالنسبة الي ما وقع فيه مع قطع النظر  عن ما دونه کما مرّ  امثلته. و بهذا الاطلاق يوجد في کلام المشايخ+ ان الانبياء؟عهم؟ لهم زمانية بالنسبة الي الائمة صلوات الله عليهم و الاناسي لهم زمانية بالنسبة‌ الي الانبياء؟عهم؟ فظهر انه بهذا الاطلاق لايختص تلک الاوقات بعالم دون عالم بل هي جارية في جميع العوالم و

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 346 *»

في جميع المراتب کما عرفت.

و لها اطلاق آخر  و هو  ان السرمد وقت للوجود الراجح، و الدهر  وقت للمجردات من العقل الي النفس و قد يلحق بها مبادي الشهاديات من الطبع الي المثال کما قد يلحق مبدؤ عالم المجردات بالسرمد و هو  الوجود المقيد، و الزمان وقت للاجسام و کثيراً ما يلحق بها مباديها من الطبع الي المثال و بهذا الاطلاق يحسب الجنتان المدهامتان من جنان الدنيا.

بالجملة فبهذا الاطلاق يقال انه ليس لهذا الشيء مثلاً  دهرية کما يقال ان الجماد و النبات و الحيوان ليس لها دهرية و للانسان دهرية و ليس للانسان سرمدية. فهذه الاوقات المخصوصة بالمراتب و ان کان الفاظها الفاظ الاوقات الاضافية بعينها ولکن معناها غير  معناها لانها مخصوصة بالمراتب و الاضافية غير مخصوصة کما عرفت کليهما. فلاتغفل من هذا التفريق فتتحير  في مواضع الاستعمالات و تزعم التناقض بين الکلمات و  ضع کل مستعمل في موضعه بقرينة‌ الحال و المقال و لاتکن من المجادلين في المجال المستدلين علي المطالب بصرف الالفاظ التي يسمعونها من الرجال فان ما يثبته رجال ينفيه رجال آخر  فتکون دائماً  في تقلب الاحوال و ان کنت بعد التنبيه علي حقيقة الحال من التفريق بين الاطلاقين من الغافلين فاسترح في مقامک فکأني ماقلت لک قولاً.

بالجملة‌ و قد يقال للسرمد فما فوقه لاهوت و هو  فعلوت من لاه کباع اي علا  و ارتفع و تستّر  و الواو و التاء للمبالغة لشدّة علو ذلک المقام عن المقامات الخلقية و ارتفاعه و تستّره عنها. و قد يقسم الدهر  الحقيقي بالجبروت و الملکوت فالجبروت عالم العقل و هو  ايضاً فعلوت للمبالغة لظهور کبرياء الله جل و عز  فيه و الملکوت عالم النفوس و هو  ايضاً  فعلوت من الملک لشدة ظهور العبودية و المملوکية فيها. و قد يسمي عالم الزمان بعالم الناسوت و هو فعلوت من النسيان لشدة غفلتهم عن مواطنهم الاصلية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 347 *»

و لقاء ربهم و معاشرة مواليهم؟عهم؟ و قد يسمي بالملک من دون مبالغة لان اهله تحسب انفسهم ايقاظاً و هم رقود و يقلبهم الله عز و جل ذات اليمين و ذات الشمال و هم غافلون.

فصل

في معني البرزخ الذي ليس جوهراً بين الجوهرين

و الذي هو جوهر  بين الجوهرين

فليعلم ان لکل شيء ثلثة مقامات مقام الفاعل و مقام الفعل و مقام المفعول. فالمقام الاول مقام حق الشيء و مقام وجوبه و اطلاقه، و الثاني مقام ظهوره الاول الذي هو  مشيته و معناه و مقام رجحانه و صلوح ظهوره بالجزئيات، و الثالث مقام الجزئي. فالمقام الاول مقام ذات الشيء لانک اذا نظرت اليه تراه هو هو  و لاتلتفت الي شيء من ظهوراته و صلوحها فيه، ثم دون ذلک مقام الفعل الکلي الصالح الظهور بالجزئيات فتراه ان شرط وجوده صلوح الظهور المحض من غير  اثبات جزئي من الجزئيات فيه فشرط وجوده نفي الجزئيات فيه بخلاف المقام الاول فانه لا شرط له مطلقاً بالنسبة، و المقام الثالث مقام الجزئية التي شرط وجودها اثباتها في محلها مقترنة مادتها بصورتها.

و  مثال ذلک المداد المطلق و المداد الصالح و الالف المکتوبة فمرة تنظر  الي المداد من حيث هو هو  فتراه هو هو  ثابتاً  في محله و مرة تنظر  اليه من حيث صلوح ظهوره بالالف و غيرها و مرة تنظر  الي الالف مقترنة مادتها بصورتها غير  سایر  الحروف فالمداد المطلق هو  المتعالي عن جميع القيود الکلية و الجزئية و المداد الصالح متعالٍ عن القيود الجزئية فهو  برزخ بين ذات المداد و بين الحروف و واسطة بينه و بينها ولکنه ليس بجوهر  بين الجوهرين اعلاه يشابه العالي و ادناه يشابه الداني بل هو  فعل العالي المتعلق بالداني لا شيء مستقل بين العالي و الداني کما ان العالي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 348 *»

ايضاً ليس جوهراً  فوق الجوهرين و الداني ليس جوهراً  تحت الجوهرين فليس هذه المراتب ثلثة جواهر  بل کلها جوهر واحد له ثلث مراتب فالمرتبة الاولي اذا نظرت اليها تراها هي هي لا ذکر  لما سواها معها نفياً و اثباتاً  فلايبقي جوهران يعدّان معه و اذا نظرت الي المرتبة الثانية تراها هي هي لا ذکر  لشيء مما دونها معها اثباتاً  فما سواها يذکر  فيها نفياً و المنفي معدوم لايعدّ معها و اذا نظرت الي المرتبة الثالثة تراها موجودة مثبتة في محلها و هي لا تباين بينها و بين المقامين الاولين و ليس بينها و بين المقامين الاولين مخالفة و لا مؤالفة و لا ضدية و لا ندية و ليس بشيء الّا ظهور المقامين في المرتبة الثالثة فليس بجوهر  تحت الجوهرين.

و اما معني البرزخ الذي هو جوهر  بين الجوهرين فلابد و ان يکون ثلثة جواهر  احدها في غاية اللطافة و ثانيها يکون بين بين و ثالثها في غاية الکثافة فمثال ذلک الروح الحيوانية التي في غاية اللطافة و الجسد الجمادي الذي في غاية الکثافة و الروح النباتية التي حالتها بين بين لاتکون بلطافة الحيوان و لا بکثافة الجماد فهو  برزخ بين الحيوة و البدن و لولاها لايمکن للروح الحيوانية ان تتعلق بالبدن الجمادي فتتعلق بالنبات اولاً  ثم بوساطته بالجماد ثانياً. فهذه الثلثة ثلثة جواهر  بخلاف المراتب الثلث لجوهر  واحد کما مرّ  مثالها بالمداد فلاتغفل من هذا التفريق ان کنت من اهل التحقيق. و قد ظهر  في تلو  هذا التفريق الفرق بين الوجوب و الرجحان و الجواز و المطلق و الکلي و الجزئي و الفاعل و الفعل و المفعول و الذات و المطلق و المقيد و امثال ذلک فمثال ذلک «زيد قام قياماً» فتأمل جيّداً  او راجع الفصول السابقة تجدها وافية ان شاء الله تعالي.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 349 *»

فصل

في معني کل شيء لايتجاوز ما وراء مبدئه

قال؟ع؟ انما تحدّ الادوات انفسها و تشير  الالات الي نظائرها و قال رجع من الوصف الي الوصف و دام الملک في الملک انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شکله.

فليعلم انه قد يطلق لفظ الفاعل و يراد منه الذات المطلقة کما قد يطلق لفظ الفعل و يراد منه الظهور الکلي. و قد يطلق الفاعل و يراد منه معناه الحقيقي و هو  الذي بنفسه يباشر  الفعل و قد يطلق الفعل و يراد منه معناه الحقيقي و هو الذي يتعلق بنفسه بالمفعول و مثال ذلک زيد قام قياماً  ففي الاستعمال الاول يقال زيد هو  الفاعل و قام هو  الفعل و قياماً هو  المفعول المطلق و لا شک ان المراد من لفظ الفاعل هو  زيد و المراد من لفظ قام هو  الفعل@ ولکن لا بمعني ان زيداً بذاته هو  الفاعل للقيام و الفعل بذاته هو  المتعلق بالقيام حاشا اذ لو کان زيد بذاته هو  فاعل القيام فکان فاعل القيام هو  صفته الذاتية و صورته الذاتية و الذاتي لايتخلف لکان و لايمکنه الظهور بما سوي القيام من القعود و الرکوع و السجود و هذا خلف بالمشاهدة. و کذا  لو کان فعله المطلق هو  المتعلق بالقيام لمايمکنه التعلق بالقعود و الرکوع و السجود.

فظهر  ان فاعل القيام يجب ان يکون في رتبة القيام و الفعل المتعلق بالقيام يجب ان يکون في رتبة القيام و القيام لايتجاوز ما وراء مبدئه و مبدؤه هو  زيد الظاهر  في القاف و الواو  و الميم لا زيد المطلق و الفعل المتعلق به هو الفعل الظاهر  في الحروف المذکورة لا الفعل الکلي ففي المنظر  شيء واحد و في المخبر  متعدد فزيد و قام و قياماً شيء واحد مکتوب في اعلاه زيد و في وسطه قام و في اسفله قياماً فاتحد الفاعل و الفعل و المفعول.

و بلسان آخر  انه يجب ان يکون الفعل مطابقاً  للمفعول اذ  لو کان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 350 *»

الفعل ازيد من المفعول يجب ان يکون الفعل بلا مفعول و الفعل فعل اذا کان له مفعول و الّا لايعقل ان يکون فعلاً  و المفعول لو کان ازيد من الفعل لکان يلزم ان يوجد المعلول بلا علة و هو  غير معقول فيجب ان يکون الفعل مطابقاً  للمفعول من کل جهة بکل اعتبار و الّا لزم المناقشة السابقة و اذا کان المطابقة مطابقة تامة من کل جهة‌ بکل اعتبار لايبقي جهة المخالفة بينهما بوجه من الوجوه فيرتفع الاثنينية بالمرة لانها فرع التخالف و لو  من جهة فاذا ارتفعت الاثنينية جاء الاتحاد و کذا القول في الفاعل الظاهر  بالفعل فاتحد الفاعل و الفعل و المفعول بقول مطلق فالعقل و العاقل و المعقول واحد و العلم و العالم و المعلوم واحد و هلمّ جرّا و الحمدلله رب العالمين فلايتجاوز شيء ماوراء مبدئه فاين يذهبون و يزعمون انهم يصلون الي ذات الله سبحانه و  هم محصورون في حصار مبدئهم و منتهاهم فسبحان ربک رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين.

فصل

مراتب العلم ثلث علم انطباعي و علم اتحادي و علم احاطي

فعلم فرد بفرد انطباعي لان الفرد لايکون بذاته نافذاً  في فرد بل ينطبع في مشاعره شبحه المنفصل من شبحه المتصل فيتهيأ مشعره بتلک الهيئة فيدرکه.

و علم الفرد بالمطلق العالي اتحادي لان العالي بذاته لاينزل في رتبة الداني و انما يتجلي بالدانی (للداني ظ)@ بنفس الداني فعلمه بالعالي ما ظهر  في رتبته و هو  نفس الداني فوجدانه نفسه بانه ظهور العالي هو  حظه من معرفة العالي من عرف نفسه فقد عرف ربه اعرفکم بنفسه اعرفکم بربه سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق.

و علم العالي بالداني هو  العلم الاحاطي الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بکل شيء محيط و احاطة العالي و نفوذه في الداني لايبقي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 351 *»

الداني مطلقاً و يرسله الي عرصة الامتناع بحيث يکون العالي و لا شيء معه وحده وحده فلا معلوم سوي العالي و لا عالم سواه اذ کل ما سواه مذکور فيه بنحو  الامتناع اي امتناع الکثرات فعلمه علم بسيط احدي فهو  علم و هو  معلوم و وجوب مطابقة العلم مع المعلوم يرفع الاثنينية بينهما من کل جهة بکل اعتبار کما مر  في الفصل السابق من وجوب مطابقة الفعل مع المفعول فاتحد العالم و العلم و المعلوم في جميع المراتب الثلث.

و ان اردت کيفية الانطباع ففکر  ان زيداً بذاته لاينفذ في مدرکاته حتي يدرکها بل ينفصل من الشاخص شبح و ينطبع في عينه و المراد من انفصاله و انطباعه ان الجليدية رطوبة منجمدة صافية صيقلية بصفاء المرآة و صقالتها و ليس لنفسها  لون و شکل و کانت الالوان و الاشکال کامنة فيها فاذا قابلت الشاخص الخارجي کمل الشاخص ما فيها بالقوة من الالوان و الاشکال مطابقة لما هو حاصل للشاخص من اللون و الشکل فتکون بنفسها ملوّنة بلون الشاخص مشکلة بشکله و هذا هو المراد من انفصال الشبح من الشاخص و انطباعه في العين و ليس المراد ان من نفس الشاخص ينفصل شيء و ينطبع فيها و لما کان الشاخص و العين کلاهما من الزمان و يحويهما وقت واحد و ليس لنفس العين لون و شکل تکون ملونة مشکلة في وقت المقابلة دون سائر  الاوقات.

فاذا تطبع العين بلون الشاخص و تهيئت بهيأته تکمل الروح البخاري الذي في العصبة الجوفاء التي وراء الجليدية و تستخرج من کمونه اللون و الشکل المطابقين للونها و شکلها فيتهيأ  الروح البخاري بهيأتها و يتلون بلونها و لم‌ينفصل من نفس الجليدية شيء کما عرفت الحال من الشاخص الخارجي و العين فاذا تهيأ الروح البخاري بتلک الهيأة و تلون بذلک اللون يکمل بفضل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 352 *»

ما له بالفعل من اللون و الشکل ما يکون کامناً  في الحس المشترک الذي هو الحيوة المشتعلة في الروح البخاري و يستخرج منه اللون و الشکل المطابقين للونه و شکله و لما کان الحس المشترک برزخ (برزخاً ظ)@ بين الزمانيات و المثاليات و له حالة زمانية و حالة مثالية يمکنه حفظ الصورة الحاصلة له في الجملة فيدرک الصورة زماناً قليلاً بعد المقابلة الزمانية فلذلک يدرک القطر  النازل خطاً  و الشعلة الجوالة دائرة و لم‌يمکنه حفظ الصورة مدة مديدة لانه ليس مثالياً صرفاً محيطاً بالزمان.

فاذا تهيأ الحس المشترک بتلک الهيئة و تلون بذلک اللون و يکون من جهته العليا مشاکلاً  للمثاليات يکمل الخيال المثالي و يستخرج منه ما فيه بالقوة مطابقاً  لما له بالفعل و لما کان الخيال من المثاليات الصرفة کان مهيمناً علی الزمانيات بأسرها فيدرک الصورة الحاصلة له حين المقابلة و بعد الحين و لايحتاج بعد الي مقابلة مطلقاً.

فاذا تهيأ بتلک الهيئة و تلون بذلک اللون يقال انه يدرک و ليس معني ادراکه الّا ذلک و لاينفصل من نفس الشاخص و لا من نفس العين و لا من نفس الروح البخاري و لا من نفس الحس المشترک شيء فاتحد العلم و العالم و المعلوم کما کانت المدارک السابقة ايضاً حالها کذلک.

فاذا حصلت الصورة في الخيال يکمل بفضل ما له بالفعل المعني المطابق لتلک الصورة الذي کان کامناً  في الواهمة فيتهيأ الواهمة بهيئة المعني المطابق للصورة‌ الخيالية و ذلک المعني ليس بصورة و ليس له صورة خارجية زمانية و لا مثالية و مثال ذلک صورة فرار الشاة من الذئب و صورة اقبالها الي سخلتها فتلک الصور تقع في المدارک الزمانية و الخيال جميعاً و لها خارجية و اما معني عداوة الذئب و خوف الشاة و محبة الشاة لسخلتها ليس له صورة‌

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 353 *»

و انما تستنبط الواهمة تلک المعاني من تلک الصور فبذلک يعرف ان الواهمة اعلي مقاماً من الخيال في عالم المثال و لاينفصل من نفس الخيال شيء کما عرفت آنفاً.

فاذا ادرکت الواهمة المعاني مقترنة بالمواد الصورية تکمل القوي الکامنة في العالمة و تستخرجها منها و هي الصورة المجردة عن المادة الزمانية و هي العداوة المحضة و المحبة المحضة من غير  اقترانهما بالمادة الزمانية.

فاذا ادرکت العالمة الصور المجردة تکمل بفضل ما لها بالفعل المعاني المجردة الکامنة في العاقلة و هي الميل الي الشيء المجانس و عن الشيء المخالف.

فاذا ادرکت العاقلة تلک المعاني المجردة عن الصور و المواد الزمانية تکمل النفس الملکوتية الدهرية و تستخرج منها الصورة المجردة عن المواد البرزخية و الزمانية و هي الميل المطلق فتدرک النفس دهرية ما مرّ  و مدرکها هو الصورة الحاصلة لها الخارجة من کمونها الي شهودها و هي ليست بشيء خارج عن کينونة النفس فهي لما کانت شاعرة و وجدت نفسها مصورة بصورة تشعر  بانها في اي صورة و تلک الصورة هي علمها الحاضر  لديها و هي معلومها و العالم هي النفس المصورة و النفس المصورة هي نفس الصورة فاتحد العالم و العلم و المعلوم کما کانت متحدة في العلم الاحاطي و الاتحادي.

فصل

في معني التقدم في الوجود و التأخر في الظهور

فليعلم ان المراد بالتقدم و التأخر  هو  التقدم و التأخر  الرتبي لا الزماني فلايکون وقت المقدم غير  وقت المؤخر  و ليس المقدم غير  المؤخر  و ليس الوجود غير  الظهور اذ لو کان کل منهما شيئاً مستقلاً موقتاً بوقت خاص به لکان الشيء موجوداً ممتازاً  قبل ظهوره و لو کان موجوداً ممتازاً  قبل الظهور فلايحتاج الي الظهور هذا و ليس معني الظهور الامتياز

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 354 *»

فالمعني المراد ان للاشياء مراتب شتي بعضها فوق بعض و قد قدر الله سبحانه من لطيف حکمته ان يظهر المراتب التامة العالية من المرتبة التي هي ادني منها فان ظهر منها کان في مرتبته المخصوصة به و ان لم‌يظهر منها لم‌يکن شيء مطلقاً  في عالمه مثلاً  لزيد فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم و يکون جسمه ادني مراتبه و قد قدر الله سبحانه ظهور المراتب التي فوق جسمه في جسمه فما لم‌يکن له جسم هنا لم‌يکن له المراتب العالية في عوالمها.

فاذا وجد له هنا الجسم و استکمل المراتب الجسمانية تعلق به المثال فالمثال مقدم علي الجسم وجوداً  لان رتبته فوق رتبة الجسم مؤخر عنه ظهوراً  لانه لو  لم‌يوجد الجسم لم‌يظهر  فيه المثال فالجسم مقدم علي المثال ظهوراً و مؤخر عنه رتبة و وجوداً. فاذا استکمل المراتب المثالية تعلق به الطبع و ما لم‌يکن له مثال اولاً  لم‌يکن له طبع ثانياً فالطبع مقدم عليه وجوداً و رتبة و مؤخر عنه ظهوراً.  فاذا استکمل المراتب الطبعانية تعلق به النفس فما لم‌يکن له طبع اولاً  لم‌يکن له نفس فاذا وجد له طبع وجد له نفس و النفس مقدمة عليه رتبة و مؤخرة عنه ظهوراً.  فاذا استکمل المراتب النفسانية تعلق به الروح و ما لم‌يکن له نفس لم‌يکن له روح فالروح مقدمة عليها وجوداً و رتبة مؤخرة عنها ظهوراً. و اذا استکمل المراتب الروحانية تعلق به العقل و ما لم‌يکن له روح لم‌يکن له عقل فهو  مقدم عليها وجوداً رتبة مؤخر عنها ظهوراً. و اذا استکمل المراتب العقلانية تعلق به الفؤاد فهو  مقدم عليه وجوداً مؤخر عنه ظهوراً و هکذا سائر المراتب التی هي فوق ذلک ما لم‌يکن المراتب الدانية ‌لم‌يظهر عليها المراتب العالية.

فالوجود (العالی ظ)@؟ ما لم‌يظهر  لم‌يکن بالفعل و يکون في قوة الداني لانه بعد نزوله في الداني صار بالقوة فاذا ظهر من الداني صار بالفعل و اذا صار بالفعل صار مقدماً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 355 *»

فاذا صار مقدماً  کان من وراء حجاب الداني مجملاً  فاذا ظهر آثاره من الداني ثانياً  صار مفصلاً  فالحبة المزروعة کانت واحدة و الحبوب المحصودة کانت متعددة.

و مثال ذلک للتوضيح ان الحس المشترک لم‌يکن قبل الجسم فاذا وجد الجسم وجد الحس و اذا وجد زرع في الجسم ثانياً و هو حبة واحدة بالفعل دراکة محضة و نبتت آثاره من الجسم فظهرت حبات متعددة فحبة منه السمع و حبة منه البصر  و حبة منه الشم و حبة منه الذوق و حبة منه اللمس فاذا زرع زرع مجملاً  في قوس النزول و اذا عاد و حصد ثانياً عاد بالکمال مفصلاً  يکون له انواع الادراکات. فما لم‌يکن له مشاعر جسمانية لم‌يکن له کمال ادراک سمع و بصر  و شم و ذوق و لمس مطلقاً و ان کان في نفسه بعد خلق الجسم کان@؟ دراکاً مطلقاً مجملاً  بالفعل و ان کان له مشاعر جسمانية فهو يمدها بالادراک و يکتسب منها الادراکات المخصوصة فالنزول و الصعود ليسا في وقتين فهو دائم النزول بالامداد و هي دائمة الصعود بالاکتساب فالنزول و الصعود حقيقة خط واحد اعلاه النزول و الامداد و اسفله الصعود و الاکتساب و انما مثل بالقوسين لان طريق النزول غير طريق الصعود و الحبة المزروعة غير الحبوب المحصودة و تختلف الامثال بحسب اختلاف الانظار.

فکذلک اذا وجد النفس في البدن تکون في عالمها دراکة محضة اشرقت بفعلها في المشاعر  المثالية و لها اشراق واحد مبهم و هو  المعبر عنه بالحبة المزروعة فاذا زرعت في المشاعر  المثالية بطلت فعليتها الحاصلة لها في عالم النفس و تطبعت بطبع المشاعر  فاذا نبتت ثانياً منها انصبغت بصبغها و تهيأت بهيئتها ففي القوة العاقلة يصير الادراک المطلق مدرکاً  للمعاني المجردة و في القوة العالمة يصير  مدرکاً  للصور المجردة و في المتوهمة يصير  مدرکاً للمعاني المقترنة و في المتخيلة يصير  مدرکاً  للصور المثالية و في المتفکرة يصير  متصرفاً  في الصور و المعاني و کذلک في الاذن يصير  مدرکاً  للاصوات بوساطة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 356 *»

الحس المشترک و في العين يصير مدرکاً  للاشکال و في الشم يصير مدرکاً  للمشمومات و في اللسان يصير  مدرکاً  للمذوقات و في الاعصاب يصير  مدرکاً  للکيفيات فاذا نزل ذلک الاشراق نزل مبهماً و اذا صعد صعد مفصلاً  عالماً بجميع هذه العلوم المختلفة کالحبة المزروعة اذا زرعت کانت مبهمة و اذا نبتت و صعدت صارت مفصلة ذات دوحة و اغصان و فروع و اوراق و ازهار و ثمار مختلفة فکلما کانت الارض المزروعة فيها مثارة مسقية کانت الکمالات اکثر  و کلما کانت اقل اثارة ‌و سقياً  کانت الکمالات اقل. و هذا القدر من البيان کافٍ في نوع المسألة ان شاء الله تعالي و عليک التفريع علي هذا الاصل الاصيل في جميع المراتب.

و لعلک عرفت من هذا البيان انه ليس لکل جسم و کل شخص جميع المراتب العالية لان کل مرتبة عالية لاتظهر  في الدانية الّا بعد الاستکمال التام فرب جسم لم‌يظهر  فيه الّا النفس النباتية کجسم الاشجار و رب جسم لم‌يظهر  فيه الّا النفس الحيوانية کجسم الحيوانات و قس علي ذلک سائر  المراتب بالنسبة الي الاجسام فکل حبة زرعت في جسم حصدت في عالمها و الّا فلا. فلما وصل الکلام الي هنا اري ان اشير  الي نوع مسألة عود الممازجة و عود المجاورة لانه لايخلو  في هذا المقام من المناسبة فاعنون لها فصلاً  اخر.

فصل

و ليعلم ان لهذين اللفظين استعمالين و من لم‌يفرّق بينهما و اراد الاستدلال من الالفاظ علي مراده فلعمري يقع في کثير من الموارد و يخبط خبط العشواء لايدري ما يقول و لايعلم ان استدلاله الي ما يأول ففرق انت ان اردت ان تصل الي المأمول.

فربما يطلق لفظ عود الممازجة و يراد منه عود المقيدات الي مطلقاتها لانها فيها معدومة و ليس المراد من الممازجة بطلان صورة‌ المقيدات و فسادها بل المراد ان الظاهر اظهر من الظهور و المطلق اولي بالمقيد من

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 357 *»

نفس المقيد و البسيط اظهر من المرکب من نفس المرکب لان وحدة البسيط ليست بوحدة ‌مضادّة للکثرة بل وحدته وحدة فوق عرصة الاعداد واحِدِها و کثراتِها فما لا شرط له يجمع مع جميع الشروط و ما لا صورة له يَظْهر في کل صورة و لايحدده صورة.

بالجملة فالمقيدات مع ما لها من الحدود و ثبوتها في رتبتها ممازجة في رتبة مطلقاتها معدومة معها. فالممازجة بهذا الاستعمال لايختص بعالم دون عالم و لا بشيء دون شيء. فالجمادات تعود الي الجماد المطلق عود ممازجة و النباتات تعود الي النبات المطلق عود ممازجة و الحيوانات تعود الي الحيوان المطلق عود ممازجة و الاناسي يعودون الي الانسان المطلق عود ممازجة و الانبياء؟عهم؟ يعودون الي النبي المطلق؟ص؟ عود ممازجة و الائمة؟عهم؟ يعودون الي امر الله عود ممازجة. و لاشک انه ليس المراد من الممازجة بهذا المعني بطلان صور المقيدات لان ذلک قول ببطلان الجنة و النار و الثواب و العقاب و يلزم ذلک ان يکون ارسال الرسل و انزال الکتب و الاوامر  و النواهي و الوعد و الوعيد لغواً و عبثاً و تعالي الله عن ذلک علواً  کبيراً.

و ربما يطلق لفظ عود المجاورة و يراد منه ثبوت کل شيء في وقته و مکانه فبهذا النظر  و الاعتبار لايمکن ان يتغير شيء من الاشياء عما هو هو. فاذا نظرت بهذا الاعتبار تري الاشياء ثابتة ساکنة لايتحرک شيء عن وقته و مکانه ابداً ابداً  فلو نظرت الي الخمر و رأيت انها صارت خلّاً علي هذا الاعتبار لم‌تصر الخمر خلاً حاشا بل الخمر خمر  ابداً في وقتها و مکانها و وقتها الخاص بها مثلاً  اربعون يوماً فاذا صارت بعد ذلک خلّاً بنظر  آخر  لم‌تصر خلّاً بهذا النظر فهي ثابتة في اربعين يوماً  ابداً  في الامکنة التي کانت في ذلک الوقت فکما لم‌تصر  الاربعون غيرها کذا لم‌يصر  الکائن فيها غيره فالخمر خمر ابداً و الخل خل ابداً  لکل واحد منهما وقت خاص و مکان خاص لايجاوزهما و قس حال جميع الموجودات علي ذلک تري کلها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 358 *»

ثابتة في محالّها ابداً و لايعتري عليها تغيّر  و اختلاف سرمداً فالمقيد مقيد في وقته و مکانه و المطلق مطلق في وقته و مکانه و کل شيء ثابت في وقته و مکانه حتي الوقت و المکان فلايمازج بهذا الاعتبار شيء شيئاً ابداً ابداً و کل شيء مجاور وقته و مکانه سرمداً  فعود الاشياء بهذا الاعتبار عود مجاورة و لايختص هذا المعني و هذا اللحاظ و هذا الاستعمال ايضاً بعالم دون عالم و بشيء دون شيء فبهذين اللحاظين لايقول العالم الحکيم ان لبعض الاشياء عود المجاورة و لبعضها عود الممازجة اذ کلها باللحاظ الاوّل عودها ممازجة و کلها باللحاظ الثاني عودها مجاورة و لايعقل بهذين اللحاظين ان لبعض الاشياء مجاورة و لبعضها ممازجة. فما يقال ان لبعض الاشياء عود المجاورة کالانسان و لبعضها عود الممازجة کالحيوان فيقصد من ذلک غير اللحاظين المذکورين.

و ان کنت تراني مصراً في هذا التفريق مع ظهور الفرق لاني قد اتعبت نفسي في مدة سبع سنين و ازيد و کالمت مع احد في هذه المسألة‌ فما قدرت علي ايقافه علي هذا التفريق و کنت في حالات المکالمة زاعماً بان هذا الفرق فرق ظاهر غير خفي علي احد غيره فلمّا طرحت المسألة عند غيره رأيت ان امثاله کثيرون فسکتّ عن ذلک لما رأيت ان المکالمة تجر الانسان الي المباحثة المنهي عنها في الاخبار فاسأل الله ربي و ربه ان يوفقني و اياه الي طريق الصواب.

بالجملة فالمجاورة‌ الثابتة لبعض الاشياء دون بعض و الممازجة الثابتة لبعضها دون بعض غير المجاورة و الممازجة في اللحاظين المذکورين فلفهم ذلک نحتاج الي فهم حالات بعض العوالم. فليعلم ان من العوالم ما يکون آناته و اوقاته تدريجية کما هو  بيّن کعالم الزمان و عالم المثال کما مرّ  في بعض الفصول السابقة. و من العوالم ما يکون اوقاته طولية و ليست بتدريجية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 359 *»

عرضية کعالم النفوس فما فوقها. فما يکون فيه الاوقات تدريجية عرضية تمر  اوقات عديدة علي بسائطه و لايکون مولود فاذا اقتضي الحکمة وجود مولود بوساطة قران من القرانات حدث مولود و مرّ عليه اوقات عديدة الي آخر عمره الذي اقتضي الحکمة بوساطة قران آخر ضد القران الاوّل ففسد ذلک المولود و بطلت صورته و عاد الي ما منه بدئ عود ممازجة کما کان اول مرّة لان کل شيء يرجع الي اصله فاصل هذا المولود بسائط عالمه فعاد اليها فکما بدئ في بعض اجزاء عالمه عاد في بعض اجزائه الاخري و فسد کونه و بطلت صورته فلايکون بعد في الاوقات الاتية و ان کان صورته محفوظة في اوقات وجوده باللحاظ السابق فالجمادات و النباتات و الحيوانات و الابدان العرضية للاناسي کلها عودها عود ممازجة و فساد و بطلان کما تري رأي العين انها لم‌تکن في اوقات عديدة ثم کانت من البسائط في اوقات عديدة ثم فسدت و عدمت في اوقات عديدة و عادت الي البسائط کما کانت اول مرة و قد شرح ذلک حديث اميرالمؤمنين؟ع؟ في بیان اقسام النفوس الثلث و هو مشهور عندنا و الحمدلله.

و اما بدن الانسان الاصلي فلم‌يکن من هذا العالم التدريجي و لا من عالم المثال لانه ايضاً  له تدريجات بل هو مولود عالم الدهر الذي هو عالم الاناسي و ليس اوقاته تدريجية. فان کان فيه کائن فلايمرّ عليه وقت حتي يکون معدوماً في الوقت الثاني و ان لم‌يکن فيه کائن فلايمرّ  وقت حتي يکون في ذلک الوقت فاذا عاد بدن الانسان في عالم الدهر الانساني عاد عود مجاورة لا عود ممازجة لان عود ممازجة يحتاج الي مرور اوقات و ليس في عالم الانسان مرور عرضي مطلقا فلايکون عوده ممازجة بخلاف الحيوانات و النباتات و الجمادات سواء کانت عرضاً  للانسان او للانبياء؟عهم؟ او للائمة سلام الله عليهم او غيرهم من المخلوقات لانها کلها مخلوقة في العوالم التدريجية الاوقات فاذا عادت عادت الي ما منه بدئت عود

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 360 *»

ممازجة لا عود مجاورة.

فمن زعم الانسان کسایر  الحيوان و النبات و الجماد في الخلقة فهو  قائل ببطلان الجنة و النار في الحقيقة لان العود يکون کالبدء و عود الحيوان و النبات و الجماد عود بطلان و فساد و ليس لها جنة الخلد و لا نار. فمن عدّ الانسان في عدادها فذهب الي بطلان الجنة و النار من حيث لايعلم و ليس ذلک الّا لاجل عدم معرفته للانسان و زعم انه کالمواليد الثلثة في الخلقة. فان تبرأ من القول ببطلان الجنة و النار ظاهراً بان کل شيء ثابت في محلّه کما مر في اللحاظ السّابق، فلم‌يتبرأ منه حقيقة لان بطلان الصورة عن شيء في آن لاينافي ثبوتها في الان الاول کما ان بطلان صورة‌ الحيوان و النبات و الجماد في ان لاينافي ثبوتها في الانات الاول و مع ثبوت صورها في الانات الماضية ليس لها الجنة الخلد و النار و ثبوتها في محالها لاينافي فناءها و فسادها و عدم خلودها. فمن زعم الانسان مثلها في الخلقة في البدء و العود فهو قائل بفناء الانسان و فناء الجنة و النار حقيقة من حيث لايشعر، لان ثبوته في آن لاينافي عدمه في آن آخر کالحيوان و النبات و الجماد.

فالمراد من ثبوت الانسان في الجنة و النيران غير معني ثبوت الامثلة من الحيوان و النبات و الجماد في اماکنها و فناء جواهرها و لايفني جوهر  بدن الانسان کما يفني جوهر  بدن الحيوان و المراد من الحيوان هو الجوهر  و هو فانٍ مشاهدة  و ليس المراد منه الامثلة المطروحة في الاماکن و الاوقات کما زعمه بعض الزاعمين ثم قاس الانسان ايضاً علي غيره من الحيوان و النبات و الجماد و زعمه انه الامثلة المطروحة الانسانية و اصل الجوهر  يفني کما يفني اصل جوهر الحيوان.

بالجملة‌ فالفرق بين الانسان و غيره ان الانسان الحقيقي باقٍ و لايفني جوهره ابداً بخلاف غيره من الحيوان و النبات و الجماد فانها تفني جواهرها و تبقي مثلها المطروحة و هي ليست بحيوان و لا نبات و لا جماد. و ان اردت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 361 *»

فهم المعني في الجملة فعليک بالفصل الآتي فانه کافٍ في الاشارة الي المطلوب لاهل الاشارة و لايمکن رسمه کما هو في العبارة.

فصل

و ليعلم ان المرکب اما ان يکون مرکباً من الاشياء المستقلة قبل الترکيب و اما ان يکون مرکباً من اجزاء و کسور لم‌تکن قبل الترکيب فبحکم کما بدأکم تعودون يرجع کل شيء ‌الي بدئه فان کان بدؤه من الاشياء المستقلة قبل الترکيب يکون عوده ايضاً اليها فتبطل صورته و يفسد کونه بل هو في الواقع ليس شيئاً واحداً حقيقياً في حال کونه و عيشه و ليس في تلک الحال ايضاً الّا کمجلس فيه اشخاص عديدة من انواع شتّي من اجناس مختلفة فتقول مجلس واحد و ليس ذلک الواحد الّا واحد عرضي و هو عند الله سبحانه ليس بواحد بل هو اشخاص متعددة لکل واحد مبدأ و منتهي و ثواب و عقاب لاتزر وازرة وزر اخري.

فکذلک الحال في کل مرکب من اشياء مستقلة ليس هو واحداً حقيقياً عند الله و ان کان عند الجاهل شيء واحد@ فالنبات مثلاً حين کونه نباتاً ليس شيئاً واحداً  ا ما تري انه مرکب من ماء هو  قبل کونه شيء مستقل و من تراب هو قبل کونه شيء مستقل و کذا من نار و هواء کذلک فهو حين کونه نباتاً يکون کمجلس واحد فيه اشخاص عديدة فاستقر  شخص الماء في زاوية و شخص التراب في زاوية و شخص النار في زاوية و شخص الهواء في زاوية فان عذب النبات بعذاب واحد فقد ظلم الکل و ان عذب بعذاب واحد من اجزائه فقد ظلم الباقي فالمثل المطروحة النباتية و ان کانت ثابتة في محالها لاتزول ابداً عن لوح الارتسام ولکن کل مثال مرکب حين ثبوته و عدم زواله من مثال النار و الهواء و الماء و التراب و ليس شيئاً واحداً بل هو اشياء اربعة کل واحد منها مثاب بثوابه معاقب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 362 *»

بعقابه و کذا الحال في الحيوان حرفاً بحرف فانه ايضاً مرکب من اشياء مستقلة قبل وجوده.

و کذلک الحال في بدن الانسان العرضي فانه ايضاً مرکب من اشياء مستقلة قبل وجوده بل هو  مرکب من مرکبات عديدة کل منها مرکب من اشياء مستقلة قبل الترکيب ا ما تري انه مرکب من لحوم الحيوان المرکب من النباتات المرکبة من العناصر  الظاهرية المرکبة من العناصر  الجوهرية و هي اشياء مستقلة قبل ترکيب تلک المراتب منها فهذا البدن العرضي عرض الاعراض السابقة منه بخمس مراتب بل ان اردت عدّها اکثر  من ذلک لامکنک فالمثال المطروح منه هو عرض اعراض متعددة الي ان يصل الامر  الي اصول الاعراض و تلک الاصول هي اشياء مستقلة.

و اما بدن الانسان الاصلي الذي يثاب بثواب واحد و يعاقب بعقاب واحد و به يکون الانسان انساناً فهو  المرکب من اجزاء و کسور لا من اشياء و تلک الکسور ليست بشيء مستقل قبل ترکيب الانسان بل توجد تلک الکسور حين وجود الانسان لا قبله و لا بعده و الانسان هو  الشخص الواحد الحقيقي و بتعدد کسوره لم‌يتعدد لانها ليست باشياء متباينة.

و ان اردت المثال من هذا العالم فلم‌يوجد له مثال لانها کلها مرکبات من اشياء مقيداتها و مطلقاتها کلها و لکن المثال المقرب من جهة من الجهات العشرة فانها عشرة واحدة مرکبة من عشرة اعشار فان نقصت منها واحداً لاتبقي العشرة فتصير تسعة و ان زدت عليها واحداً تصير  احدعشر  و لکن اين المثال المطابق الّا الانسان الحقيقي عينه ا ما تري انه ان نقصت من العشرة واحداً تبقي تسعة او اثنين تبقي ثمانية او ثلاثة تبقي سبعة و هکذا و ليس حال الانسان کذلک بل ان فرضت نقصان جزء من اجزائه لايبقي بعد النقصان شيء مطلقاً و ذلک محض فرض و الّا لايمکن نقص جزء من اجزائه ابداً في الحکمة و لذلک صار الانسان مخلداً في الملک دون الحيوان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 363 *»

و النبات و الجماد و صار عوده عود مجاورة بخلاف عود غيره من المذکورات فان عودها عود ممازجة. فالحاصل ان کل مرکب من اشياء کان عوده عود ممازجة و کل مرکب من کسور و اجزاء کان عوده عود مجاورة.

و لاتقل کالقائلين الغافلين ان کل شيء ثابت في حده و مقامه بالنظر  الاعلي فلم‌يصر  شيء شيئاً  کما مر  في الفصل السابق بان الخمر  اذا صار خلّاً  صار خلّاً  بالنظر  الزماني و لم‌يصر  الخمر خلّاً  بالنظر  الدهري لان الخمر خمر  في وقتها و مکانها ابداً و لم‌يتغير  و الخلّ خلّ في وقته و مکانه ابداً فبهذا النظر کل شيء مخلد في الملک و کل شيء عوده عود مجاورة لا ممازجة.

لان الجواب من هذه المغالطة قد مرّ  في الفصل السابق و اشير  هنا بجواب مختصر  و هو  ان الخمر  بالنظر الدهري لم‌تصر خلّاً سلّمنا ولکن أ ليست هي في حال ثبوتها في محلها کانت مرکبة من العناصر  المتعددة التي في ضمنها و کان ماؤها غير  ترابها و هما غير  هوائها و هي غير  نارها فهي ليست بواحدة و انما هي اربعة اشياء و اربعة اشخاص مجتمعة في مجمع واحد و هي عند الله سبحانه اربعة اشياء و کذا الحال في النباتات و الحيوانات. فلاتذهبن بک المغالطة في المذاهب الباطلة و کن في امورک علي بصيرة و ضع کل شيء موضعه ان قدرت و الّا فسلّم ضروريات المذهب فانها تکفيک و لاتطع کل من يلوک بين لحييه شيئاً  لايطلع عليه قلبه.

فصل

في معني «ان الظاهر عنوان الباطن»

و ينبغي تحقيق ذلک في الجملة. فليعلم ان تلک الکلمة کلمة محکمة صدرت عن الحکمة لا شک في حقيّتها و لکن في تعيين موضعها اشکال لانک تري من المنافق اعمالاً حسنة و هي بالنظر  الظاهر  ظاهر  المنافق و لا شک ان باطنه کفر  و خبث فاعماله ليست عنواناً  لباطنه و کذلک تري المؤمن يعصي و عصيانه ليس عنواناً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 364 *»

لباطنه لانه خبيث الفعل طيّب الذات.

و شرح ذلک انه لا شک ان الظاهر عنوان الباطن لکن المراد بالظاهر  هو  الصورة و المراد بالباطن هو المادة و لا شک انه اذا رأيت صورة لطيفة تحکم علي مادتها باللطافة کصورة الياقوت مثلاً  و اذا رأيت صورة کثيفة تحکم بان مادتها کثيفة کصورة المدر مثلاً  و هذا الامر  لا سترة عليه ان لم‌يکن للشيء ستر  بخلاف ما اذا کان له ستر  فان الحکم من وراء الستر  مشکل و لايقدر عليه الّا المطلع علي الحقائق و العوارض و الجواهر  و الاستار ا ما تري انه لو جعل الياقوت في جوف عذرة يابسة مثلاً  لايجوز الحکم علي الياقوت بظاهر  العذرة و لو جعلت العذرة في صندوق مرصع لايجوز الحکم علي العذرة بظاهر  الصندوق و العالم بالحقائق يخبر  بان هذه العذرة اليابسة فيها ياقوت کذا و کذا و کذلک يخبر  بان هذا الصندوق فيه عذرة متعفنة و  ربما تحير  الجهال عن توصيفه و هو  يخبر عن الواقع.

فاذا عرفت ذلک فاعلم ان العصيان ليس بظاهر  المؤمن و انما هو  ظاهر جماديته العرضية او ظاهر  نباتيته العرضية او ظاهر حيوانيته العرضية بدؤه منها و عوده اليها و ليس من المؤمن و لايعود اليه مطلقاً و کذلک طاعة الکافر ليست منه و لا اليه و انما هي من جماديته او نباتيته او حيوانيته و ظاهر  نفسه الکفر  و الفسوق و العصيان لا غير  و في هذا المعني اخبار کثيرة  لاتنکر عند الطائفة‌ العلية. و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و شيعتهم المنتجبين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

فهذه اصول مهمة في شرح الحکمة و لعمري لايکاد يعرف مسألة من مسائل الحکمة الّا بها فانظر  فيها و اتقنها ثم فرّع عليها المتفرعات و قل ما شذ من هذه الاصول فرع من الفروع. و قولي لايکاد يعرف مسألة الّا بها ليس مرادي ان کل من اراد الحکمة لابد له من الرجوع الي کتابي هذا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 365 *»

حاشا و انا اصغر  من ان خطر  ببالي شيء من ذلک و لکن مرادي ان المسائل الحکمية تعرف بهذه الاصول و هي اصول موجودة في کتب المشايخ انار الله برهانهم و لست انا بواضعها فکل من عرف شيئاً  من الحکمة فقد عرف بهذه الاصول و ان لم‌يدر اصله و لم‌يسمه باسم و مثال ذلک ان العرب تتکلم بالعربية و لم‌تغلط في شيء من اعرابها و ان لم‌يدر کل فاعل مرفوع و کل مفعول منصوب و کل مضاف اليه مجرور و کل الناس يتکلمون بقاعدة علم الميزان و ان لم‌يعرف اکثرهم الصغري و الکبري و النتيجة.

و قد تمّ ذلک في عصر  يوم الخميس الثاني عشر  من شهر  رمضان المبارک من شهور سنة 1278 و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و تابعيهم من المؤمنين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين و التمس من اخواني الدعاء و طلب المغفرة اللّهم اغفر  لمن استغفر  لي بمحمد و علي سلام الله عليهما و آلهما. تمت