01-02 الرسائل المجلد الاول – رسالة في اثبات ان المعاد جسماني روحاني ـ مقابله

رسالة الثانية في اثبات ان المعاد جسماني روحاني

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

 

الخطبة

المقدمة الاولي: يفهم الروح و الجسم من الالفاظ المستعملة في لسان الشرع في امر المعاد و لايمکن تأويلها

المقدمة الثانية: الفاظ الاحکام التکليفية الظاهرية واضحة المعني و معلومة المراد و اما الفاظ الامور الغيبية العقلانية غير واضحة المعني و المراد منها معلوم عند الحکماء الکاملين

المقدمة الثالثة: کما ان المعاد الجسماني الروحاني ثابت بالضرورة کذلک ثابت بالضرورة ان اوضاع الاخرة غير اوضاع الدنيا

المقدمة الرابعة: اختلاف المواد الاخروية و المواد الدنياوية في اللطافة و الکثافة

المقدمة الخامسة: عود کل شيء الي مبدئه

المقدمة السادسة: کل شيء له شعور و تکليف و عبادة و معصية و ثواب و عقاب بحسبه و في مقامه

المقدمة السابعة: ان الله عادل لايجور و لايحيف فلايعذب شيئاً لفعل شيء و لايعطي جزاء شيء لشيء

المقدمة الثامنة: ان الله حکيم لايفعل العبث فلايخلق شيئاً الا لفائدة

المقدمة التاسعة: يتبدل الموضوع له لکل اسم بالزيادة و النقصان و فيها جواب شبهة الاکل و المأکول

المقدمة العاشرة: لايصير الاعراض الدنيوية جواهر اخروية

المقدمة الحادية‌عشرة: مواليد کل عالم تکون من عناصر ذلک العالم و بيان ذلک من طريق علم الاشتقاق

المقدمة الثانية‌عشرة: معني السرمد و الدهر و الزمان و بيان اقسام العوالم

تذنيب: المولود التام الکامل يکون جامعاً لجميع المراتب

المقدمة الثالثة‌عشرة: لکل عالم عرش و کرسي و سموات و ارضون و عناصر و جمادات و معادن و نباتات و حيوانات و اناسي و غير ذلک من اقسام الموجودات

المقدمة الرابعة‌عشرة: ترجع الاثار الفانية الي مؤثراتها الفانية و لاتعود الي المؤثرات الباقية

فائدة (1): معاد کل شيء هو مبدأه

فائدة (2): کيفية نزول المراتب و صعودها

فائدة (3): کيفية نزول الانسان من عالم الذر الي هذا العالم

فائدة (4): معني النزول و الصعود و معني القبل و البعد و التقدم و التأخر

فائدة (5): کيفية ظهور الفلکيات في المولود و انه يکون علي نحو التدرج

فائدة (6): يعود الاعراض الجمادية و النباتية و الحيوانية الي مباديها عود ممازجة و کذلک افعالها و آثارها

فائدة (7): لزوم امتثال الاوامر في جميع المراتب

فائدة (8): سر احتجاب الاجسام الاخروية في الاجسام البرزخية و الاجسام الدنياوية

فائدة (9): الموت و الحياة او الحل و العقد في المراتب النزولية و الصعودية

فائدة (10) کيفية تطهير البدن الاصلي من الاعراض الدنياوية و البرزخية

فائدة (11): وقت کل شيء و کل عالم و کذا سائر حدوده بحسبه في اللطافة و الکثافة

فائدة (12):  کيفية صعود الاشياء الي المراتب العالية و انه لاتمر علي المرتبة العليا اوقات المرتبة‌ الدنيا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 98 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلوة و السلام علي محمّد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

و بعــد لمّا كان امر المعاد من المسائل التي قد ضلّت الاحلام عن فهم حقيقتها و زلّت الاقدام عن نيل طريقتها و ان كان اصل ذلك مما قامت الضرورة من الاسلام علي وقوعها فاردت ان اكتب فيه ما رزقني اللّه سبحانه ببركة اوليائه الكرام:، فاقول قد اختلف العلماء في المعاد الجسماني فاثبت بعضهم بالاستدلال عليه بظواهر الايات و الاخبار و انكره آخرون و هم بعض الحكماء و ان كان بعضهم قد البس انكاره بلباس التوقف و حوّل امر المعاد الجسماني الي الشرع بعد اثباته المعاد الروحاني فالمعاد الروحاني مما ليس فيه اختلاف بين الاسلاميين. ثم لا شك في انّ فهم امثال هذه المسائل ليس حظ علماء الظاهريين الذي لايعلمون الا ظاهراً من الحيوة الدنيا العرضية و هم عن الاخرة آخرة حقائق الاشياء هم غافلون و ان كان اجماعهم علي عود الاجساد حقا لا مرية فيه و لا شك يعتريه و شرح ذلك بحيث لايبقي معه ستر@سر خ‌ل@ يقتضي رسم مقدمات.

المقدمة الاولي

ان اللّه سبحانه قد ارسل بعد فترة من الرسل و ضلّة من السبل نبينا9 ثم جعل له اوصياء و حججاً سلام ‏اللّه عليهم علي بريته بعد ماكانوا في الجاهلية الجهلاء لايعرفون ربّاً و لا نبياً و لا حجة فعلّموهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين. فعرّفوهم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 99 *»

تكاليفهم الظاهرية فعرفوها و وصفوا لهم العوالم الباطنية فسلموها سواء عرفوها ام لم‏يعرفوها و لا شك ان تسليمهم كاف في تصديقهم و ان لم‏يعرفوا حقيقة الامر، لانهم اذا علموا ان النبي9 قد جاء من عند اللّه سبحانه و اثبت لهم نبوته بالايات و المعجزات علموا انه صادق فيما يقول سواء عرفوه ام لم‏يعرفوه و لا شك انهم صلوات ‏اللّه عليهم كانوا علماء حكماء بلغاء فصحاء مأمورين من عند اللّه سبحانه بالابلاغ و الايضاح علي ما اراد اللّه سبحانه معصومين غير مخالفين عن امر ربهم و لا شك في ذلك بين الشيعة التابعين ان شاء اللّه تعالي فعلمنا بعد علمنا بصفاتهم المذكورة: انهم اذا اختاروا لامر من الامور و مسألة من المسائل الظاهرية الشهادية او الباطنية الغيبية الفاظاً و لغات كانت تلك الالفاظ و اللغات من ادل الالفاظ علي المراد بحيث لايمكن لاحد غيرهم الاتيان بلفظ ادلّ من الفاظهم علي المطالب المرادة.

و بعد تمهيد هذه المقدمة الشريفة لايبقي شك في انهم سلام ‏اللّه عليهم قد اتوا في امر المعاد و الاخرة و الجنة و النار بالفاظ يفهم منها الروح و الجسم بحيث لايمكن لاحد تأويل تلك الاخبار و الايات ان انصف من نفسه و من الايات الدالة الصريحة الواضحة التي لايقبل التأويل قوله تعالي من يحيي العظام و هي رميم قل يحييها الذي انشأها اول مرة و هو بكل خلق عليم و منها قوله سبحانه يوم تشهد عليهم السنتهم و ايديهم و ارجلهم بما كانوا يكسبون و منها كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و كذا سائر الايات التي نزلت في صفة اهل الاخرة و الايات التي نزلت في صفة الجنة و النار كلها ظاهرة صريحة في تجسم اهل الاخرة و تجسم منازلهم في الجنة و دركاتهم في النار بحيث لايبقي بعد ذلك غبار و لا شك ان الارواح من حيث هي هي ليس لها عظام و السنة و ايد و ارجل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 100 *»

و جلود و انما هذه من لوازم الاجسام. فمن رام تأويل ذلك و اجراء هذه اللوازم الجسمانية في الارواح المحضة فقد الحد في الايات بلا شك لان اللّه سبحانه لو اراد منها غير لوازم الجسم لقال كما اراد و لم‏يعجز عن اثبات مراده بافصح البيان الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.

و اما الاخبار ففي تفسير قوله تعالي يقول الكافرون هذا يوم عسر عن الكافي عن السجاد عن ابيه عن اميرالمؤمنين7 في حديث يوم القيمة قال فيشرف الجبار تبارك و تعالي عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة فيأمر ملكاً من الملائكة فينادي فيهم يا معشر الخلائق انصتوا و استمعوا منادي الجبار قال فيسمع آخرهم كما يسمع اولهم قال فتنكسر اصواتهم عند ذلك و تخشع ابصارهم و تضطرب فرائصهم و تفزع قلوبهم و يرفعون رؤسهم الي ناحية الصوت الي آخره و لا شك ان البصر ظاهر في البصر الذي من لوازم الجسم و كذلك الفرائص و القلوب و الرؤس و خلاف الظاهر تأويل بلا شك أفيجوز صرف الاخبار الي مايراد بغير اذن منهم سلام ‏اللّه عليهم ام لا؟ بل لايجوز بلا شك صرف لوازم الاجسام في الارواح بلا دليل.

و منها ما في تفسير حور مقصورات في الخيام عن الكافي عن الصادق7 قال الحور هن البيض المقصورات([1]) المخدّرات في خيام الدر و الياقوت و المرجان لكل خيمة اربعة ابواب علي كل باب سبعون كاعباً الي آخره.

و عن المجمع عن النبي9 الخيمة درة واحدة طولا في السماء ستون ميلا في كل زاوية منها اهل للمؤمن لايراه الاخرون انتهي.

و في تفسير قوله تعالي لا مقطوعة و لا ممنوعة عن النبي9 قال لما دخلت الجنة رأيت في الجنة شجرة طوبي اصلها في دار علي و ما في الجنة قصر و لا منزل الا و فيها فتر منها اعلاها اسفاط حلل من سندس و استبرق يكون للعبد المؤمن الف الف سفط في كل سفط مائة حلة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 101 *»

مافيها حلة تشبه الاخري علي الوان مختلفة و هو ثياب اهل الجنة و وسطها ظل ممدود عرض الجنة كعرض السماء و الارض اعدت للذين آمنوا باللّه و رسله يسير الراكب في ذلك الظل مسيرة مأتي عام فلايقطعه و ذلك قوله «و ظل ممدود» و اسفلها ثمار اهل الجنة و طعامهم متذلل@متدلل خ‌ل@ في بيوتهم يكون في القضيب منها مائة لون من الفاكهة مما رأيتم في دار الدنيا و مما لم‏تروه و ما سمعتم به و ما لم‏تسمعوه مثلها و كلما يجتني منها شي‏ء نبتت مكانها اخري لا مقطوعة و لا ممنوعة انتهي.

و عن المجمع في حديث فضل الغزاة و وصف الجنة علي كل سرير اربعون فراشاً غلظ كل فراش اربعون ذراعاً علي كل فراش زوجة من الحور العين عرباً اتراباً انتهي.

و كل ذلك ظاهر في تجسم الاخرة و تجسم اهلها و الاخبار في صفة الجنة من الانهار و الاشجار و القصور و الاحجار و في صفة الجحيم من البوادي و الجبال و الاودية و غير ذلك مما لايخفي و مما لايحصي و تأويل كل ذلك و صرفها الي المعاني الروحانية مما لم‏يؤذن لاحد فلايجوز التأويل قطعاً. نعم نوع امر الاخرة غير نوع امر الدنيا العرضية يقيناً لان الاخرة هي دار الحقائق و دار الخلود و دار الدنيا دار الاعراض و الزوال و الفناء بلا شك كما يظهر من صفات كل منهما من الايات و الاخبار فمن اراد ان‏يثبت الاعراض الدنيوية الفانية الزائلة في الاخرة الباقية الثابتة فقد سلك مسلك الظاهريين الذين لايعلمون من الامور الاخروية الا ماتري عيونهم العرضية و لا شك ان الاعراض لا دخل لها في الحقائق كما يأتي ان شاءاللّه.

و اما انكار المعاد الجسماني فمما لايمكن الاستدلال عليه و هو كفر صراح في مذهب الامامية بل في الاسلام و المنكر لذلك منكر لضرورة المذهب و الاسلام و هو كافر ملحد في آيات اللّه سبحانه بل المعاد امر روحاني و جسماني معاً كما قامت الضرورة عليه بلا شك. نعم الشأن في ذلك معرفة ذلك و هذا من المعضلات التي تاهت فيه العقول و زلت فيه اقدام الفحول و اما وقوع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 102 *»

ذلك مما اخبر به النبي و يكفي التسليم له9.

المقدمة الثانية

ان الامور التي اخبروا عنها سلام ‏اللّه عليهم امران: اما امر تكليفي عملي ظاهري و اما امر غيبي عقلاني حكمي و لاشك ان الامر الاول يجب ان‏يعرف المكلفون مرادهم: ليمتثلوا امرهم و نهيهم و ذلك هو الامور الشرعية الظاهرية من مسائل الحلال و الحرام و قد عرفوها للمكلفين لفظها و معناها و المراد منها و قد صار بعض تلك الامور اليوم من ضروريات المذهب كلفظ «اقيموا الصلوة» مثلاً قد عرف الناس لفظها و معناها و المراد منها و عدد الركعات و كيفيتها فمن رام اليوم ترك الصلوة المعروفة بين المسلمين و اولها الي المعاني التي هي غير هذه الصلوة المعروفة و اراد رفع التكليف عن رقاب المكلفين بالاستدلالات العقلية او النقلية فلا شك انه قد خرج بهذا القول عن زمرة المسلمين لضرورة المذهب و لايحتاج في رده و تكفيره الي استدلال و قيل و قال لا عقلاً و لا نقلاً سوي ضرورة المذهب و اي دليل ادل علي كفره من خلاف ضرورة المذهب و ذلك لان امر الحلال و الحرام الذي هو مما يكلف به عامة الناس عالمهم و جاهلهم و صغيرهم و كبيرهم و ذكورهم و اناثهم و لا شك ان مثل ذلك الامر ليس من الامور المشكلة المعضلة لايسع الناس فهمها و العمل بها لانهم كانوا يحتاجون اليها ليلاً و نهاراً فمثل هذه الامور لايقدر احد الخلاف فيها لان كل احد من اهل المذهب يعرفها بان ذلك اللفظ معناه ذلك.

و اما الامر الثاني الغيبي العقلي الحكمي الذي في غاية الاعضال و الاشكال فليس فهمه من شأن عامة الرجال من الكسبة و الجهال او العلماء الظاهريين الذين لايعرفون الا صرف اللغة الظاهرة و ظاهر المقال و ما لهم و للمعاني الخفية الغيبية الحكمية التي خلق لمعرفتها الحكماء الكاملون البالغون و ذلك الامر هو المسائل الحقيقية من معرفة اللّه سبحانه و معرفة حقيقة النبي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 103 *»

و الولي8 و معرفة خلفائهم و فضائلهم الدقيقة و معرفة نورانيتهم و معرفة العوالم الغيبية و معرفة اهل تلك العوالم و احوالهم و صفاتهم و معرفة انفس هؤلاء من حيث انهم هم و معرفة لوازم رتبهم و معرفة تنزلهم الي مرتبة ادني من ذاتيتهم و معرفة ما لحقهم من لوازم كل رتبة و معرفة ان ما لحقهم انما هو عرض لهم و سيزول عنهم اذا عادوا ثانياً الي مواطنهم الاصلية و غير ذلك من الامور الحكمية الغيبية فذلك ليس بمشرع كل شارع و لا بمشرب لكل شارب و لا مورد كل وارد و لكل منا مقام معلوم و انا لنحن الصافّون لايتجاوز احد حده ابداً ابداً. الاتري ان باصل العدم لايمكن رد من استشكل في مسائل التوحيد و مايتفرع عليه و بمحض معرفة ان التوحيد هو مصدر باب التفعيل لايمكن جواب شبهة الموردين و بمحض ان لغته كذا و اعرابه كذا و وزنه كذا و المراد منه في اللغة من الاشياء كذا لايمكن رفع شكوك الشاكين بل الخلق كما تري منهم علماء و كلموا: معهم بالعلم و منهم حكماء فكلموا معهم بالحكمة و منهم اهل السوق و تجارت@اهل سوق و تجارات خ‌ل@ و منهم اهل البوادي و الخيام و اهل الخيل و الانعام و منهم المكاري و المسافر في تمام الايام فهم سلام ‏اللّه عليهم كلموا لكل منهم علي قدر عقولهم و فهمهم و ادراكهم و لذا روي نحن معاشر الانبياء نكلّم الناس علي قدر عقولهم فكلموا: مع عامة المكلفين بمايفهمون و مع الخواص بمايخصون و مع الحكماء بالحكمة و مع الاطباء باصطلاحهم و مع الفلاسفة باصطلاحهم و مع الفقهاء باصطلاحهم و مع الرمال باصطلاحه و مع الجفار باصطلاحه و مع المنجم باصطلاحه و مع الطبيعي باصطلاحه و مع كل مصطلح باصطلاحه و لا شك بالضرورة التي لا ريبة فيها ان لكل من هؤلاء اصطلاحاً خاصاً له لايعرفه من لايعرف ذلك الاصطلاح بالبداهة و قد اجابوا: لكل واحد منهم بالعربية و لا شك ان معرفة الاصطلاح ليس

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 104 *»

بعلم اللغة العربية و لايشك في ذلك الا الغافل المغرور. الاتري ان الامام7 قال :

خذ الفرار و الطلقاء   و شيئاً يشبه البرقا
فان مزجته سحقاً   ملكت الغرب و الشرقا

و كلها عربية فهل يمكن معرفة الفرار بتصفح كتب اللغة او معرفة الطلق او الشي‏ء الذي يشبه البرق بمطالعة القاموس او معرفة كيفية المزج و السحق بمطالعة الصحاح و هل يشك في عدم امكان ذلك من ذلك عاقل او عالم فلابد لمن اراد فهم الاصطلاح ان‏يدخل من باب ذلك الاصطلاح حتي يفوز بالفلاح فياسبحان اللّه فهل يمكن معرفة الحقائق و علم المعاد و سر الحشر و النشر الذي من ادق العلوم بمطالعة كتب اللغة و الصرف و النحو و الاصول و الفقه فالعجب ثم العجب ممن لم‏يعرف اصطلاح علم و اراد معرفته و اعجب من ذلك من اراد من غير معرفة رد اهل الاصطلاح فكم يضحك منه الحكماء الكاملون يوم يبكي فيه الغافلون.

بالجملة لكل علم اهل و لكل منهم اصطلاح خاص بهم لايمكن لاحد عرفانه الا بالتحصيل لديهم و الاخلاص لهم حتي يصير منهم و القوم عن ذلك كله غافلون و يريدون معرفة الغيوب بظواهر اللغات و بما في ايديهم من الكتب و الاصطلاحات فهيهات ثم هيهات اين الثريا من يد المتناول.

بالجملة فالمقصود من هذه المقدمة الشريفة ان الائمة: قد كلموا لاهل كل علم باصطلاحه بالعربية و قد وصل الينا الان كل ذلك بالرواية و ربما صارت بعضها من المتواترات لفظاً و اما معناها فليس عند كل احد الا من عند اهله و ربما صارت بعضها من الضروريات و البديهيات من المذهب لفظاً و اما معناها فليس الا عند اهله. الاتري ان الفاظ القرآن في القرون و الاعصار من الضروريات و معناها ليس الا عند آل‏محمّد: و قد قالوا في روايات عديدة ان علم القرآن مخصوص بآل‏محمّد:

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 105 *»

و ليس عند احد غيرهم حرف واحد منه و قد ابلغوا ابلاغاً مؤكداً و الحال ان الفاظه كلها عربية و القوم كانوا ادباء بلغاء فصحاء علماء حكماء و مع ذلك ليس عندهم حرف واحد من القرآن فظهر ان ماعلموه و علّموه و تعلموه و فسروه ليس بقرآن و القرآن عند آل‏محمّد: علموه من ارادوا من شيعتهم رضي اللّه عنهم فظهر انه ليس كل ما صار من الضروريات لفظاً يجب ان‏يكون معناها ايضاً من الضروريات بل ربما يكون معناها من ادق النظريات التي لايصل اليها الا من شرح اللّه صدره و آتاه علمه.

فمن الضروريات التي لفظها مما لايجوز لاحد ردها و لا تأويلها هو المعاد الجسماني و اما معناه فمعاذ اللّه ان‏يكون من المتبادرات التي يتبادر الي ذهن كل عامي عن علم الحكمة حكمة آل‏محمّد: و لايمكن معرفة الجسم الاخروي بالقاموس و الصرف و النحو و الاصول و الفقه الظاهرية لان كل ذلك من اصطلاحات هذه الدنيا العرضية و كما ان الدنيا غير الاخرة بداهة كذلك الفاظ الاخرة غير الفاظ الدنيا و اصطلاحها غير اصطلاح الدنيا و معاني الفاظها علي غير معاني الفاظ الدنيا العرضية لان الاخرة هي دار القرار و الدنيا دار البوار فلايجب ان‏يكون كل مسألة ضرورية لفظها معناها ضرورية هذا القرآن جميع الفاظه ضرورية لايمكن لاحد رد لفظة منه و معناه ليس عند احد الا آل‏محمّد: و نري بداهة ان تفاسيرهم له غير تفاسير القوم و غير مايفهم من اللغة و العرف الظاهر هذا و قد قالوا سلام ‏اللّه عليهم نحن نتكلم بالكلمة و نريد منها سبعين وجهاً لنا من كلها المخرج و قالوا ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرّب او نبي مرسل او عبد امتحن اللّه قلبه بالايمان و لايعرف باللغة و الصرف و النحو و العرف الا واحد من السبعين و ربما كان اصل الحديث من المتواترات لفظاً و ان كان جميع مااخبروا به يعرف بالقواعد الاصولية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 106 *»

لما بقي حديث صعب مستصعب هذا قوله7 رأيت اللّه و افردوس رأي العين  فهل يعرف معناها بالقواعد الاصولية و هل يعرف معناها اهل الظاهر و الفقهاء الظاهريين([2]) و ان كانوا في الفقه جامعين لشرايط الفتوي ولكن الانفة تمنع الناس اذا سألوا ان يقولوا لاادري و قد امروا ان يقولوا و يحبون ان يحمدوا بما لم‏يعقلوا و يفهموا و لايبالون تكفير الحكماء البالغين الكاملين الذين يشقون الشعر في المعارف و الحكم و الحقائق الالهية ليبقي لهم عزة في هذه الدنيا العرضية و متاعها فلاتحسبنهم بمفازة من العذاب فما داؤهم و ما دواؤهم فلم لم‏يجيبوا عن المسألة الطبية اذا سألوا و هم بانفسهم يرجعون الي الطبيب اذا مرضوا و يأمرون المقلدين بالرجوع الي الطبيب و ان كان الطبيب يهودياً او نصرانياً و لايرجعون في مسائل الحكمة الي الحكماء الموالين لال‏محمّد: المؤمنين المسلمين لهم العادلين في جميع امورهم العاملين بالفرائض و السنن التاركين للمحارم و المكروهات المجاهدين في سبيل اللّه في تمام عمرهم الناشرين لاعلام سنن آل‏محمّد: و فضائلهم ان هو الا حسد و كفرهم الباطن لايقدرون القدح في اولئك الاخيار البررة يتمسكون بمتشابهات كلماتهم التي ليس لهم حظ و لا نصيب في فهم معني كلمة منها فضلا عن الرد و التكفير نعوذ باللّه من الزلل الظاهر و الخطل المبين فان انصف الظاهريون و خافوا عذاب الاخرة و استحيوا من غزارة علم الحكماء الالهيين و قلة علمهم و مااقل علمهم من علوم اولئك الحكماء الذين كادوا ان‏يكونوا من الحكمة انبياء يسلمون لاولئك تسليماً كفاهم بذلك فخراً و ديناً فان انصفوا لعلموا انهم احقر من ان يميزوا او يحققوا في علوم اولئك الرجال و لرأوا انفسهم عند اولئك كالمقلدين لانفسهم و مثل هؤلاء لايعتني بتصديقهم و تكذيبهم فلعمري

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 107 *»

ان تصديقهم ليس الا كتصديق العامي البحت الذي يمدح القرآن العظيم و العالم يعلم ان تصديقه و مدحه للقرآن ليس الا كالهذيان يقول المبرسم من حيث لايعلم. فمن كان هذا حاله في التصديق فكيف تزعمه في حال التكذيب و التكفير فمااقل حياؤهم و يحسبونه هيناً و هو عند اللّه عظيم فما لهم اذا سئلوا عن النجوم قالوا لاندري و اذا سئلوا عن الطب قالوا لاندري و عن الجفر قالوا لاندري و عن الرمل قالوا لاندري بل اذا سئلوا عن كيفية الطبخ الذي يأكلون ليلهم و نهارهم و عن كيفية الخياطة و التقطيع لالبستهم التي يلبسونها في مدة اعمارهم قالوا لاندري مع ان اعينهم مفتوحة و مشاعرهم صحيحة و قد اصابوا في ذلك كله لان شأنهم ان يقولوا فيما ليس  لهم خبرة لاندري الا انهم ظلموا انفسهم بظلمهم الحكماء الالهيين في عدم التسليم لهم.

بالجملة قد جري القلم و ليس قصدي اولاً بماجري و المقصود انه ربما كان الفاظ المسألة مما قامت عليها الاجماع و الضرورة و معناها ليس كما فهمه العوام و الظاهريون و امثال هذه المسائل اكثر من ان يحصي لان حقائق الشرايع كلها من المسائل الحكمية و الفاظها مضبوطة في الكتب الموضوعة و معناها عند اهلها مستورة مستودعة و من تلك المسائل مسألة المعاد الجسماني و الروحاني و معني الجسم الاخروي الانساني الاصلي و معني الروح النفساني التي الفاظها من الضروريات و معناها عند اهلها نعم لو انكر احد من الحكماء الجسم في الاخرة و انكر المعاد الجسماني كما قال الحكماء التابعون لليونانيين فقد كفر و خرج عن ضرورة المذهب بل ضرورة الاسلام و اما من اثبت الجسم في الاخرة و صرح في اقواله بان المعاد جسماني روحاني و كفّر من انكر المعاد الجسماني فقد ظلمه من كفّره بانك وصفت الجسم الاخروي بغير صفة الجسم الدنياوي العرضي و قد كفر هو بنفسه بتكفيره اياه لما روي من كفّر مؤمناً فقد كفر احدهما.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 108 *»

المقدمة الثالثة

كما ثبت بالضرورة من المذهب ان المعاد جسماني روحاني حكم تلك الضرورة بعينها بان اوضاع الاخرة غير وضع الدنيا بالبداهة من العقول بحيث لايحتاج اثبات ذلك الي دليل عقلي او نقلي لان الضرورة بنفسها ادل دليل علي ذلك اما تعلم ان هذا الجسم الدنياوي العرضي لايصبر في حر الشمس فضلاً عن حر النار و تراه يحترق في نار الدنيا اقل من ساعة و يصير رماداً و هباءاً منثوراً و هذه النار تغمر في سبعين بحراً من الماء حتي نزل الي الدنيا و هي كما تراها فما هي اذا كانت بصرافتها في الاخرة نعوذ باللّه منها فاذا كانت اشد حرارة من هذه النار الدنيوية بسبعين مرة فكيف يصبر فيها هذا البدن الدنيوي الذي لايصبر في النار الدنيوية اقل من ساعة و كيف يعذب فيها مخلداً ابداً مادام ملك اللّه. و لايقال انه يصير رماداً في نار جهنم دائماً و يخلقه اللّه ثانياً لانه قول بلا دليل و العقل المستنير لايتعقله و الايات و الاخبار يرده لانها ينادي بان اهلها يضج و يبكي و يصرخ و يشهق و اذا كان الجسم هذا الجسم العرضي لايمهل فيها لان يصرخ و يتكلم كما اذا علقت شعرة رقيقة في لهب النار الهائجة تحترق في اقل من طرفة عين بحيث لايبقي منها اثر رماد فكيف يصبر الجسم العرضي في نار جهنم ابدالابد و قد قال سبحانه فمااصبرهم علي النار و المراد من الصبر في النار ليس الصبر في عدم الضجيج و الاضطراب كما هو المتبادر في الاذهان من الصبر بل المراد دوام كونه في النار و عدم انعدامه فيها كما يقال ان الذهب مثلاً صابر في النار اي لاينعدم صورته و يقاوم النار و يقال ان الرصاص مثلاً لايصبر في النار اي ينعدم صورته و يصير رماداً فالمراد من صبرهم في نار جهنم عدم انعدامهم فيها. و اما قوله سبحانه كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب فليس المراد اعدامهم بالبداهة لانه سبحانه قال نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً فهم بانفسهم باقون في كلا الحالين حال النضج و حال التبديل و هم هم بابدانهم و ارواحهم و لو افني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 109 *»

ابدانهم لفنوا جسماً و روحاً لان الروح لايقوم الا بالجسم كما ان الجسم لايتحقق الا بالروح كما يأتي ان‌شاءاللّه مفصلاً. و اما معني الاية فلعله يأتي فيما بعد ان‌شاءاللّه و ليس هيهنا موضع بيانها و اما تعلم ان شعرة من الحوراء الاخروية لو علقت في الدنيا لمات اهل الدنيا جميعاً لشدة نورها و تلألؤها و طيبها و ريحها و المؤمن في الجنة يعانقها دائماً و يباشرها و بدنه الدنياوي يموت اذا علق شعرة منها فبدنه الاخروي غير هذا البدن بالبداهة و اما تعلم ان مخ ساق الحوراء يظهر من تحت سبعين حلة و ليس نساء الدنيا الا كماتري.

بالجملة ماورد في وصف الجنة و النار و صار من الضروريات التي خلافها كفر صراح ان صفة الاخرة غير صفة الدنيا بداهة اما تعلم ان قصور الجنة تبني من لبنة من ذهب و لبنة من فضة و لاتحجب اللبن ماوراءها و ليس قصور الدنيا كذلك و لا ذهبها و لا فضتها كذلك و اللبن تخلق من قول المؤمن سبحان‏اللّه و الحمدللّه و لا اله الا اللّه و اللّه ‏اكبر كما روي و لاتكون اللبن الدنياوية كذلك و اشجار الجنة اصلها في العرش و فرعها في السماء و قوله قطوفها دانية و ليس اشجار الدنيا كذلك و اشجار الجنة ربما تكون اصلها من اللؤلؤ و اغصانها من الزبرجد و الياقوت و ليست اشجار الدنيا كذلك و رمال الجنة هي الدر و الياقوت و المرجان و ليست رمال الدنيا كذلك و انهارها تجري من غير اخدود و ليست انهار الدنيا كذلك و انهار من لبن لم‏يتغيّر طعمه و من عسل مصفّي و ليس في الدنيا نهر من اللبن و العسل و حيوانها و نوقها يركّبون من الياقوت و المرجان و اللؤلؤ و ليس حيوان الدنيا كذلك و كذلك اوصاف النار الاخروية ليست كوصف النار الدنيوية و طبقات النار و دركات الجحيم كما ورد غير اوصاف الدنيا و من تدبّر في اوصاف الاخرة و اهلها يعلم بالعلم الذي لايشوبه جهل بان جميع اوصافها و اوضاعها غير ما في هذه الدنيا و كفي لجميع ذلك ضرورة المذهب بان هذه الابدان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 110 *»

العرضية بكثافتها و امراضها لايدخل الجنة و انت تعلم ان اهل الجنة هم المؤمنون و تعلم ان المؤمنين في هذه الدنيا اشد بلاء من جميع الخلق و ابدانهم تمرض بامراض عظيمة كما تري من احوال الانبياء: مثل يونس و يحيي أتزعم انهم يدخلون الجنة بهذا البدن العرضي المريض مع الاسهال و الاستفراغ و القي و القوفت و الجذام و الاكلة و البرص و السرسام و البرسام و داءالفيل و البواسير و ساير الامراض ام يفاقون و يبرؤن من هذه الامراض و لاازعم ان تقول لايبرؤن و يصفون فلاينبغي لاحد الافتراء علينا اذا قلنا ان هذا البدن بكثافتها لايحشر و لايعاد كثافاتها الدنياوية و تبقي هي في هذه الدنيا و يصفو الجسم الاخروي من بين كثائف الدنيوية و انت تعلم ان‌شاءاللّه ان القول بتصفية الابدان من الضروريات و القول بعدم التصفية خارج عن الضرورة و قائله خارج عنها كافر لانه منكر لضرورة المذهب كافر يقيناً و الضرورة تحكم بان المؤمن يدخل الجنة في نهاية الحسن و الجمال و ان كان في هذه الدنيا في غاية قبح المنظر و سواد الوجه و كذا الكافر يورد النار في غاية كراهة المنظر و قبح الهيأة و سواد الوجه و ان كان في الدنيا في نهاية حسن المنظر و استقامة الهيأة فهيأة هذا البدن تبدل في الاخرة يقيناً و كذا هيأة جميع اوضاع الدنيا في الاخرة قال سبحانه يوم تبدّل الارض غير الارض و السموات فيجب لنا الاعتقاد بتبديل الاجسام الاخروية و تبديل هيأتها مجملاً تسليماً لآل‏محمّد: ثم ان علمنا كيفية التبديل و عرفنا الاجسام الاخروية فنحمد اللّه المنان و نحمد اولياءه الذين قد عرفونا ذلك و ان لم‏نعلم و لم‏نعرف ماهنالك فنعلم بالعلم القطعي انه تبدل الارض غير الارض و السموات و لاينبغي لنا انصافاً ان نرد علي الحكماء البالغين الكاملين اذا وصفوا احوال الاخرة و احوال اهلها فنسلم لهم تسليماً.

المقدمة الرابعة

ان المواد الرقيقة لاتقبل الا صوراً رقيقة و المواد الكثيفة لاتقبل الا صوراً كثيفة و ذلك لان الصور ليست الا امكانات

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 111 *»

المواد و ظهوراتها المستجنة فيها فلايمكن ان‏يظهر من المادة الكثيفة الا مااستجن فيها و ليس مااستجن فيها الا الصورة الكثيفة اذ لو استجن فيها صورة لطيفة رقيقة لماكانت كثيفة بل هي لطيفة رقيقة و المفروض انها كثيفة فلايظهر منها الا الفعليات الكثيفة و المادة الرقيقة لايظهر منها الا فعليات رقيقة و ذلك من البديهيات لدي الحكيم الخبير و يعلم الحكيم ان المادة لايعقل ان‏تعرف الا بصورتها و بصورتها تعرف انها رقيقة او كثيفة و لولا صورتها لم‏تعرف انها لطيفة او كثيفة فاذا نري صورة كثيفة علي مادة نحكم بانها كثيفة و اذا نري عليها صورة لطيفة نعلم انها لطيفة اذ ليس للشي‏ء سبيل الي باطنه الا بواسطة ظاهره و «الظاهر عنوان الباطن» كلام حق صدق صدر عن الحكيم و الصورة هي ظهور المادة كما ان المادة هي بطون الصورة و الصورة المستجنة غير ظاهرة فهي في القوة و ما في القوة ليس بالفعل و ما ليس بالفعل فهو معدوم و لذلك يكون المادة عدم الصورة و امكانها. الاتري انك لو نظرت الي الخشب من حيث انه خشب يعدم فيه صور الباب و السرير و مايصنع منه و هو امكان مايصنع منه و مايصنع منه معدوم فيه و هو صالح لان يظهر منه صور الباب و السرير و غيرهما ممايصنع منه.

بالجملة المقصود ان الصورة ليست الا ظهور المادة و فعليتها فالمادة ان كانت في نفسها لطيفة يمكنها الظهور بصورة لطيفة و لايمكنها ان تظهر بصورة كثيفة و ان كانت في نفسها كثيفة يمكنها الظهور بصورة كثيفة و لايمكنها الظهور بصورة لطيفة اذ ليس من امكانات المادة اللطيفة الصور الكثيفة و الا لم‏تكن لطيفة و ليس من امكانات المادة الكثيفة الصور اللطيفة و الا لم‏تكن كثيفة. و المراد من امكانات المادة هي الامكانات القريبة من الفعلية لا الامكانات البعيدة اذ في الامكان البعيد كل شي‏ء فيه معني كل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 112 *»

شي‏ء و ليس هذا الامكان الا الامكان الاول الاول الذي ليس قبله امكان و هو في الحقيقة ليس بمادة الاشياء المقيدة بل هو مادة المشية المطلقة اذ كل مادة لابد و ان تناسب مع صورتها و الا لم‏تكن بمادة لتلك الصورة و المادة و الصورة متضايفان فالمادة مادة في بطن الصورة و الصورة صورة علي المادة فالمادة الاولي صورتها تناسب معها و ليست صورتها الا الصورة الاولي و لما كانت المادة الاولي في غاية البساطة لابد و ان‏تكون صورتها ايضاً في غاية البساطة فليست صورتها الا صورة اطلاقية و هي المشية و لايستجن في مادتها الا الصورة المطلقة. نعم اذا ظهرت المشية التي هي صورة الامكان الاول في المقيدات بالمقيدات للمقيدات تصلح في المقيدات للظهور بالاشياء المقيدة و هي بنفسها لاتنزل عن رتبتها بل تنزل بظهورها و ظهورها هي نفس المقيدات التي هي الوجود الثاني في الرتبة الثانية و هو المخلوق بنفسه عند المشية كما ان المشية مخلوقة بنفسها لان كل اثر مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب و ذلك مبرهن في محله و ليس هيهنا موضع بيانه و لعله يأتي بمناسبة فيما بعد ان شاءاللّه و المقصود هنا هو ان المادة اللطيفة لاتلبس الا صورة لطيفة و المادة الكثيفة لاتلبس الا صورة كثيفة كما تري مشاهدة ان المداد الذائب السيال يقبل صورة الحروف و يلبسها و لايقبل صورة المسمار مثلاً في امكانه القريب و كذا الحديد الصلب الصلد لاينفعل عن القلم و لايجري معه و لايقبل صورة الحروف في امكانه القريب ولكن يقبل صورة المسمار و يظهر بالمسمار و كذلك الخشب الرخو لايصلح لان‏يكون مادة للسيف و السكين و المسمار و مايصنع من الحديد و الحديد يصلح لجميع ذلك و هو لايصلح لان‏يكون مادة للنباتات لصلابته و عدم مطاوعته فعل الفاعل الذي هو اشعة الكواكب و الحر و البرد اللذان من آثار الاشعة ولكن التراب الناعم و الماء السائل يطاوعان و يصلحان لذلك و اذا نظرت في الاشياء و طالعتها بنظر الاعتبار و التفكر فيها و التدبر فيما يناسبها لرأيت ماادعينا جارية في كل الاشياء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 113 *»

ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ‏تري من فطور، ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً فهذا حكم كلي حكمي الهي لايخصص بشي‏ء دون شي‏ء و بعالم دون عالم يجري من الدرة الي الذرة كما رأيت هذا الحكم جارياً في الامكان الاول و المشية.

فاذا کان كذلك بالمشاهدة و العيان فعلم من ذلك ان الصور العرضية الدنياوية لاتلبس علي المواد الاخروية و لايمكنها لبسها بالامكان القريب الذي يجري اللّه سبحانه حكمته عليه و انت تعلم انه سبحانه لايجري افعاله علي غير نهج الحكمة و كذلك الصور الاخروية لاتلبس علي المواد الزمانية و لايمكنها لبسها اذ هي صور لطيفة كامنة في المادة الملكوتية و من امكانات تلك المواد اللطيفة المجردة عن المواد الزمانية و هي الطف من المواد الزمانية باربعة آلاف مرتبة فصورتها ايضاً الطف من الصور الزمانية باربعة آلاف مرتبة فاذا لبست تلك المواد تلك الصور حصل الجسم الاصلي الحقيقي الاخروي اصلب و اشد من الاجسام الدنياوية بالف الف مرة بل لا نهاية لان الاجسام الدنياوية تكون دائماً في الحل و الارتحال و الكون و الفساد و التركيب و الخراب و الاجسام الاخروية غير فانية و باقية في الملكوت ابدالابد و كذا الصور الدنياوية لاتليق المواد الملكوتية و لاتستجنّ فيها و لايمكن ان‏تظهر منها. انظر الي هذه المواد الزمانية التي كلها في عرض واحد في العرضية هل تقدر علي لبس صورة النار علي الماء و بالعكس و صورة الهواء علي التراب و بالعكس و صورة السماء علي الارض و بالعكس و لاتزعم ان‏تقول ما هو خلاف مشاهدتك و ان قلت يمكن لبس كل واحد صورة الاخر بالتدبير و العلاج فالجواب انك بتدبيرك تجعل مادة كل واحد منها بلطافة ماتريد لبسه ثم تلبسه الصورة مثلاً تجعل التراب بالتدبير ماء فيكون ماء لطيفاً كسائر المياه ثم تلبسه صورة الماء و لا شك في ذلك و المادة المائية تلبس صورته البتة و لايلبس التراب صورة الماء حينئذ و كذلك امر الاخرة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 114 *»

فان اللّه سبحانه يدبر بتدبيره المحكم هذا البدن الدنياوي و يسلب عنه اعراضه الدنياوية و يستخرج منه البدن الاخروي الاصلي و يلبسه الصورة الاخروية كما ان الماس يكون في الحجر الغاسق و انت تدبر الحجر و تعالجه و تزيل اعراضه الحجرية و تستخرج المادة اللطيفة و تلبسه صورة الماسية و لايمكنك ان‏تلبس الصورة الماسية علي الحجر الغاسق و لايليق بها فمن ادعي ان صورة الماس لاتلبس علي الحجر الغاسق بل لابد و ان‏يصفي الحجر من الكدورات حتي يصلح لان‏يلبس صورة الماس لم‏ينكر ان الماس جسم بل يدعي ان الماس جسم بحقيقة الجسمية و اشد تركيباً و دواماً من الحجر الغاسق بالف مرة و انت ان انكرته فقد انكرت الحق بجهلك و ظلمته بانكارك و الاولي لك ان‏تأخذ بمحكم كلامه بان الماس جسم و ان لم‏تعلم كيفية صنعة الماس و لم‏تره لانك و عينك من جنس الحجر الغاسق و ان انكرته سيظهر لك بعد اخذ الخصال الحجرية عنك خطاؤك و بصرك اليوم حديد و ندمت علي فعالك ان شاءاللّه.

المقدمة الخامسة

ان عود كل شي‏ء الي مبدئه قال سبحانه كما بدأكم تعودون و لايختص الخطاب بشي‏ء دون شي‏ء لان كل ماسوي اللّه سبحانه خلقه و عبيده و لكل بدء عود و قد اخبر سبحانه بان عودكم كبدئكم و قد روي عن الباقر7 في حديث خلط طينة المؤمن بالكافر و خلط طينة الكافر بطينة المؤمن انه يرجع سيئات المؤمنين الي الكافرين لانها من طينة الكافرين و ترجع الي اصلها و ترجع حسنات الكافرين الي المؤمنين لانها من طينة المؤمنين و اللّه سبحانه لايظلم الناس و ليس بظلام للعبيد و استدل7 بان كل شي‏ء يرجع الي اصله و ذلك مشاهد محسوس بانه لو خلط السكر و الخل ترجع حلاوة السكر اليه بعد التفصيل و حموضة الخل اليه بعد التفريق و كذلك اذا اقترن الفلفل بالكافور و يكتسب كل واحد منهما رائحة الاخر يرجع ريح الفلفل الي الفلفل لانه اصلها و ريح الكافور اليه لانه اصلها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 115 *»

و انما يكتسب كل واحد منهما رائحة الاخر بالعرض للمجاورة و الاقتران فاذا افترق بينهما سيزول من كل واحد منهما ما لم‏يكن منه بالاصل و يرجع الي اصله و تري مشاهدة ان مركبات هذه الدنيا كلها من العناصر المشهودة يقترن بعضها الي بعض فيحصل مكون و مركب و يفترق بعضها من بعض و يبطل صورة المركب فينعدم و يرجع كل حصة من المركب الي اصله فيرجع ترابه الي التراب و ماؤه الي الماء و هواؤه الي الهواء و ناره الي النار بالمشاهدة و العيان و ليس دليل ابين من المعاينة و اوضح من المشاهدة و تري جميع مركبات هذا العالم لم‏يكن يوماًما و يتكون يوماًما و ينعدم و يفني يوماًما و يرجع كل جزء منها الي حيزه و الي اصله فتري ان بقران كوكب مع كوكب و تأثيرهما و اشراقهما علي الارض يقترن بعض اجزاء الارض الي بعض فيمتزج بعض ببعض و يفعل بعضها في بعض و ينفعل بعضها من بعض فيشاكل بعضها لبعض و يشابه فعلية بعض لفعلية([3]) بعض و يستخرج من كمون بعض شي‏ء مناسب لتكميل بعض فيتحد جميع الاجزاء اتحاداً ظاهرياً و يحصل بينهما المزاج الخارج عن مزاج الاجزاء المنفردة فتلبس صورة خارجة عن الصور الحاصلة لكل واحد منها فتلبس صورة واحدة فيحصل بينهما مركب و يصير معدناً من المعادن بحسب اختلاف الفواعل و القوابل و يدوم عمره في مدة معينة من الزمان بحسب شدة التركيب و رخاوته فماكان منها اشد تركيباً يكون اطول عمراً و ادوم بقاء و ماكان في تركيبه رخاوة يصير اقصر عمراً و اقل دواماً و بقاء و كل واحد منهما مآله الي ما منه بدي‏ء فاذا اقترن كوكب مع كوكب مثلاً يكون اقتضاء قرانهما افساد كون هذا المكون بتقدير العزيز العليم يتفكك اجزاؤه شيئاً بعد شي‏ء بمرور الايام و الليالي و توارد الحر و البرد بسبب اقتضاء ذلك القران بتقدير العزيز العليم حتي ينعدم صورته و يبطل شخصه و يرجع كل جزء منه الي ما منه بدي‏ء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 116 *»

فيرجع ترابه الي التراب المطلق و ماؤه الي الماء المطلق الشائع و كذا هواؤه الي الهواء الشائع و ناره الي النار الشاملة و كذلك اذا اقتضي قران بتقدير اللّه سبحانه انبات نبات في الدنيا يقترن بعض اجزاء الارض الصالحة الي بعض و يتولد منها نبات من النباتات بحسب اختلاف ايدي التقدير في مجاري التدبير فيحصل من بين صوافي العناصر نبات و يدوم في الدنيا زماناً مقدراً. ثم اذا شاء اللّه سبحانه افناءه افناه بالاسباب و الالات المهيأة لذلك فينعدم صورته و يتفرق تركيبه و يعود كل جزء منه الي ما منه بدي‏ء عود ممازجة لا عود مجاورة كما روي عن اميرالمؤمنين7.

و كذلك حال الحيوان فاذا دارت السموات علي الارض و اقتضت القرانات وجود حيوان من الحيوانات تركب بعض اجزا‏ء الارض بايدي التدبير بعد التصفية و الاعتدال اللائق لوجود الحيوان حدث من بينها حيوان فيتحرك و يمشي و يري@يرعي خ‌ل@ الي ان يقتضي الاسباب اعدامه فينعدم تركيبه و يبطل صورته و يرجع كل جزء منه الي حيزه و يشايع لاصله فيتصل ماؤه مياه العالم و يصير ماء كسائر المياه و ترابه اتربة العالم و لايبقي له صورة فيصير كسائر الاتربة كما كان اول مرة و يرجع هواؤه الي الهواء الشائع بلا امتياز و ناره الي النار بلا امتياز و حيوانه الي الاشعة كما كانت اول مرة و يرجع كل جزء منه الي اصله و عاد عود ممازجة و فساد و فناء لا عود مجاورة و بقاء و لكل واحد من تلك الاجزاء حيز خاص به و معبد مخصوص له يعبد اللّه سبحانه في آناء الليل و اطراف النهار اذ كل قد علم صلوته و تسبيحه و سبّح للّه ما في السموات و ما في الارض و دانت له السموات و الارض بالعبودية و اقرّت له بالوحدانية و عبادة كل واحد منها غير عبادة الاخر اذ لايكلف اللّه نفساً و شيئاً الا وسعها و معلوم ان وسع الماء ليس كوسع التراب و كذا ليس في وسعها ما في وسع الهواء و بالعكس و كذا ليس في وسع النار اتيان ما في وسع اخواتها و هكذا ليس في وسع العناصر ما في وسع السماء و بالعكس فلكل عبادة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 117 *»

مخصوصة (به خ‌ل) و معبد خاص به و لكل اجر خاص به اذ الاجر هو ثواب الاعمال و الاعمال المختلفة تقتضي اجوراً متفاوتة هذا و قد ثبت ان الجزاء هو العمل نزولاً و العمل هو الجزاء صعوداً لقوله سبحانه سيجزيهم وصفهم و كل يعمل علي شاكلته.

بالجملة و ليس المقصود في هذه المقدمة الا الاشارة الي مايأتي و سيأتي تفصيل ذلك ان شاءاللّه و المقصود الاصلي هنا بيان ان كل شي‏ء يرجع الي اصله فاذا كان كذلك فكل مركب يكون اجزاؤه قبل تركيبه شيئاً معيناً معلوماً مشهوداً في اجزاء الملك يكون عود كل جزء منه الي ما منه بدي‏ء البتة و كل مولود كذلك يكون مآله الي الفناء بحيث لايبقي له اثر بعد في الملك كلبنة لبنتها في الملبنة ثم كسرتها فلايكون لبنة بعد كما بدأكم تعودون و لذلك قال اميرالمؤمنين7 في النفس النباتية و الحيوانية اذا عاد عاد عود ممازجة لا عود مجاورة و ذلك لان هاتين النفسين يكون اجزاؤهما مستقلة قبل تركيبهما في الملك مدة مديدة ثم تتركب فتعود الي ماكان كما كان اول مرة و بهذا الاستدلال يعلم ان كل من كان عوده عود مجاورة و بقاء و خلود لابد و ان لايكون اجزاؤه قبل تركيبه مستقلة شائعة في الملك بل لابد و ان‏يكون اجزاؤه مع تركيبه توجد حين تركيبه و اللّه سبحانه قادر ان‏يخلق اجزاء الشي‏ء مع الشي‏ء لا قبله و لا بعده و قولي بعده اشعار بان اجزاء المركبات الدنياوية تكون قبل المركبات فاذا اختلفت المواليد تكون اجزاؤها ايضاً بعدها و كل مركب هكذا فهكذا حاله يبطل صورته و ينعدم تركيبه لامحالة و اما من كان مخلداً بخلود ملك اللّه سبحانه فاجزاؤه لايعقل ان‏تفارقه و تكون معه ابدالابد و لو فرض ـ و ان كان ذلك فرض محال ولكن لا بأس للبيان ـ ان‏يفرق بين اجزاء الشي‏ء المخلد لايبقي بعد ذلك شي‏ء مطلقاً بخلاف الشي‏ء غير المخلد فالمخلد ان كان، كان اجزاؤه معه لا قبله و لا بعده و ان لم‏يكن، لم‏يكن اجزاء لا قبله و لا بعده و لذلك صار مخلداً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 118 *»

لانه كان و اجزاؤه وجدت معه و يمتنع تفكيك اجزاء هذا المولود في الحكمة لان مادخل في ملك اللّه سبحانه لايخرج منه و انه يمضي و اذا امضي فلا بداء و يمتنع ماامضي ان لايمضي.

المقدمة السادسة

ان الاشياء كلها مخلوق للّه سبحانه سواء كانت مخلوقة لا من شي‏ء او من شي‏ء و كلها عبيد له سبحانه و لكل واحد بدء و عود و لكل واحد اعمال و افعال و لكل واحد ثواب و عقاب و لايعبؤ بقول من لايعتقد العمل و الجزاء الا للانسان باستدلاله بان ماسوي الانسان ليس لها شعور و التكليف فرع الشعور فاذا لم‏يكن تكليف لايكون عمل و اذا لم‏يكن عمل فلايكون جزاء و ذلك قول لايوافق العقل و لا الشرع. فاما العقل فانه يحكم بان كل ماسوي اللّه سبحانه مخلوق بمشيته سبحانه و آثار لها و انوار و كل اثر و نور يطابق صفة مؤثره و منيره و المشية هي اول خلق اللّه سبحانه كما روي خلقت المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية فهي اقرب الي اللّه سبحانه من كل مادونها و اللّه سبحانه اصل كل خير و نور و كمال و ادراك لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير فلما كانت المشية اقرب الاشياء الي اللّه سبحانه و الي صفاته و انواره تكون اصل كل خير و نور و ادراك و شعور و هي مؤثر كل الاشياء و جميع الاشياء آثارها و انوارها و ظهوراتها فجميع الاشياء لها شعور و ادراك اذ هي آثار ذي‏الشعور و الاثر لابد و ان‏يكون علي صفة مؤثره و الا لم‏يكن باثر لمؤثره. الاتري ان نور الشمس و عكسها في المرءاة علي صفة الشمس حار كالشمس مدور اصفر متلألؤ كالشمس و نور القمر و عكسه في المرايا كالقمر و عكس السراج كالسراج و عكس كل شاخص كشاخصه نعم كلما كانت الاشياء اقرب الي المشية كانت انور و تحكي المشية اكثر و كلما بعدت عنها يقل آثارها فيها البتة كما اذا كانت المرءاة صافية غير معوجّة تحكي عن الشمس كما ينبغي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 119 *»

و ان اعوجت و كدرت لاتحكي عنها كما هي بل تحكيها بحسب كدورتها و اعوجاجها فيقل آثارها فيها كذلك الاشياء كلما قربت من المشية تحكيها كما ينبغي فتكون في غاية الشعور و كلما بعدت تحكيها بحسب مالزمها و لحقها من كدورات البعد و اما نفي الشعور عنها فمما لايكون فكما يمتنع ان لايصدر الاشياء من المشية يمتنع ان لاتكون ذاشعور و قد طابق العقل الشرع كما قال سبحانه و ان من شي‏ء الا يسبّح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم،  يسبّح لله ما في السموات و ما في الارض، سبحان من دانت له السموات و الارض بالعبودية و اقرّت له بالوحدانية و شهدت له بالربوبية فثبت و الحمد للّه ان كل شي‏ء و كل مايطلق عليه اسم الشي‏ء يكون ذاشعور و ادراك و يكون مكلّفاً و يكون له عبادة و معصية فكل من امتثل امره سبحانه كما امره هيأ له جزاء عمله و كل من لم‏يمتثل امره سبحانه اعد له ناراً و عذاباً كل بحسبه و كل في مقامه و مرتبته و علي حسب شعوره و ادراكه.

المقدمة السابعة

ان اللّه سبحانه عدل لايجور و حكم لايحيف و لايظلم لان الظلم و الجور لايفعله الا محتاج او عابث واللّه سبحانه غني لايحتاج الي الظلم و حكيم لايفعل العبث و السر في ذلك انه سبحانه في ذاته احد لايثني و واحد لايجزي لم‏يلد منه خاطر و فكر و روية في ذاته فلايفعل بذاته و لايباشر بذاته اذ ليس في ذاته اقتضاء ذلك فلابد و ان‏يكون الاقتضاء من نفس الخلق و من القابليات الخلقية فاذا اقتضي قابلية شيئاً يعطي اياه بفضله و جوده و ان لم‏تسأل شيئاً و لاتقتضي فهو سبحانه في ذاته بري‏ء عن الاعطاء بغير سؤال قل مايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم،  فاذكروني اذكركم، ادعوني استجب لكم فهو سبحانه لايظلم الناس شيئاً و هو ليس بظلام للعبيد لانه لايعبؤ بهم قبل السؤال فاذا سألوا اعطاهم كما سألوه لا اقل و لا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 120 *»

ازيد لان الاقتضاء كله من الخلق و انزلنا من السماء ماء فسالت اودية بقدرها.

بالجملة و ثبوت عدله سبحانه صار من الضروريات و الحمد للّه في مذهب الشيعة فاذا كان عادلاً لايعذب شيئاً واحداً لفعل احد و شي‏ء و لايعطي جزاء احد لاحد و جزاء شي‏ء لشي‏ء لاتزر وازرة وزر اخري، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره و من الظلم ان‏يعذب اللباس لجناية لابسه او عبد لجناية مولاه او جماد لجناية النبات او نبات لجناية الحيوان او حيوان لجناية الانسان او بالعكس في جميع ذلك و ان كان كلها في محل واحد عرضي و كذلك هذا الحكم جار في الثواب في جميع ذلك اذ الاعطاء بغير مستحق ظلم و كذلك من الظلم ان‏يرفع الجماد الي رتبة النبات او النبات الي رتبة الحيوان او الحيوان الي رتبة الانسان و كذا العكس في جميع ذلك بان‏ينزل الانسان في رتبة الحيوان و الحيوان في رتبة النبات و النبات في رتبة الجماد و كذا من الظلم ان‏يرفع الفاني الي رتبة الباقي و الداني الي رتبة العالي و كذا العكس و من الظلم رفع الدنيا من حيث الدنيا الي البرزخ و البرزخ من حيث البرزخ الي الاخرة و كذا العكس و جميع ما ذكر في هذه المقدمة ظاهرها استدلال ظاهري الزامي و لها بواطن حقيقية لاهل الحقيقة لايمكن عادة في الحكمة غير ذلك و قد اجري اللّه سبحانه حكمته علي هذا المنوال و خلاف ذلك خلاف الحكمة في الحكمة فلايفعله اللّه سبحانه ابداً. انظر في الظاهر و اجر حكمه في الباطن ان لم‏يكن لك عين الباطن هل يعقل ان‏يصير البياض سواداً و الحموضة حلاوة او البياض حموضة او حلاوة او الطول عرضاً و العرض طولاً و الحرارة برودة و البرودة حرارة و الرطوبة يبوسة و اليبوسة رطوبة و العلو دنواً و الدنو علواً و اليمين شمالاً و الشمال يميناً و امثال ذلك. نعم يمكن ان‏يصير الابيض اسود و الحامض حلواً و الطويل عريضاً و الحار بارداً و الرطب يابساً و العالي دانياً و ذواليمين ذاشمال و السر في ذلك ان المادة في جميع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 121 *»

ذلك واحدة و انما تختص بكل واحد بصورة خاصة و فعلية خاصة و جميع الصور كامنة في المادة اذا كانت المادة مشتركة في الكل و يمكن اخراج كل صورة بتكميل الفاعل المناسب لها و اعدام الصورة الحاصلة كما لايخفي و ليست المادة في المراتب التنزلية واحدة بان‏تكون صور المتدرجة فيها كامنة بالامكان القريب كما مرت الاشارة في بعض المقدمات السابقة و لو فرض اعدام الصور في الامكان البعيد و اخراج صور اخري فليست الصور الاتية هي الصور السابقة بل الصور السابقة صارت معدومة و الصور الاتية صور ابتدائية فلايصير الجماد حينئذ حيواناً و انما خلق حيوان ابتداء كما اذا كسرت الالف و رددت صورتها الي المداد و صنعت من المداد ثانياً باء لاتصير الالف باء و انما صنعت باء ابتداء و هذا ايضاً ظاهر من القول و اردت ان اقول ان النبات يمكن كسر صورته و تغليظ مادته حتي تصير بغلظة مادة الجماد و تلبس صورة الجماد و لايمكن كسر صورة زيد الاصلية ابداً و تغليظ مادته الي ان تصير لابسة للصورة الحيوانية او النباتية او الجمادية لان مواد كل هذه الثلثة من عوالم كانت اجزاء المركب قبل تركيبه شيئاً كائناً في الخارج غاية الامر لايحصل لها هذه الصورة الخاصة و ليس مادة زيد كذلك بحيث تكون قبل زيد شيئاً خارجياً مستقلاً ثابتاً من غير صورة زيد ثم لبست صورة زيد فانها ان كانت كذلك لكانت كالمراتب الدانية و يكون مآل زيد الي الفناء و الدثور كما كانت مآل الحيوان و النبات و الجماد الي الفناء و الدثور و ليصير عوده اذا عاد عود ممازجة لا عود مجاورة كما كانت عود الثلثة الدانية عود ممازجة اذا عادت لا عود مجاورة كما شرح و بين و اوضح اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين.

المقدمة الثامنة

ان اللّه سبحانه حكيم لايفعل العبث و اللغو في حكمته و صنعه و ذلك مبرهن معلوم في محله و قد صار من ضروريات المذهب و الحمد للّه فاذا كان حكيماً فلايخلق شيئاً في عالم الا لفائدة و لعلة غائية و لا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 122 *»

يخلق شيئاً زائداً فضلاً في عالم من العوالم مثلاً لما اراد ان‏ينزل الانسان من عالمه الي العوالم الدانية ليشاهد قدرته و عجائب خلقه ليعود الي اللّه بالكمال و كان الانسان في عالمه لطيفاً و العوالم الدانية كثيفاً([4]) و لم‏يناسب اللطيف الكثيف يقتضي حكمته ان‏يصطفي من بين تلك العوالم ماكان اصفي مايكون ليناسب الانسان اللطيف في الجملة و يتعلق به النفس لتدرك ما في تلك العوالم بمجانسها اذ لولا المجانسة لايدرك شي‏ء شيئاً كما قال اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فاختار من بين هذه العناصر بخاراً صافياً الذي يسمي عند الاطباء و الحكماء بالروح البخاري و هو من صوافي العناصر كما قال اميرالمؤمينن7 في حديث الاعرابي و حديث كميل هي من صوافي الاغذية و قد اختار البخار للطافته و مناسبته بعالم المثال الذي هو البرزخ بين الدنيا و الاخرة ليتعلق به المشاعر الخيالية و يتعلق بتلك المشاعر النفس الانسانية لتدرك ما في العوالم بمدرك من جنسها فلما خلق البخار و كان البخار عنصراً لطيفاً لم‏يستقر في محل واحد بنفسه و لم‏يستمسك بنفسه و لم‏يقم بذاته لان واردات هذه الدنيا من الرياح و الشعلات الكوكبية تفرقه و تبدده و تفسده و تعدمه يقتضي الحكمة ان‏يجعل له وعاء و وقاية و بيتاً يحفظه عن الواردات و يحرسه عن الحادثات خلق لحفظه قالباً و هو القلب الصنوبري. ثم لما كان ذلك البخار في القلب غليظاً في الجملة، و لم‏يناسب عالم الغيب قدر ان‏يصعد من الانابيب الي الدماغ ليرسب ما غلظ منه في كل منزل كما فعل ذلك الاخذين الجواهر من العقاقير في الخارج فيقتضي الحكمة ان‏يخلق لذلك عروقاً كالانابيب من قرع القلب الي انبيق الدماغ ثم لما صعد البخار من الانابيب و الانابيب ضيقة و لابد ان‏يستقر البخار في مكان واسع لم‏يتحرك فيه ليتعلق به النفس الغيبية و يقضي حاجته اقتضي الحكمة ان‏يجعل له فضوة فخلق لذلك فضوة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 123 *»

الدماغ و جعل لها دعائم و هي قبائل الرأس و جعل لها سقفاً محفوظاً و هو القحف فاعتبر يا اخي ان كنت من ابي و امي و ان البخار لم‏يخلق بنفسه لنفسه بل خلق لاجل تعلق الروح الغيبي فخلقته لاجل الغير و لو لم‏يكن ذلك الغير لم‏يخلق ابداً ابداً اذ لا فائدة في وجوده الا ان‏يكون لغيره ثم اعتبر ان القلب و الدماغ و الانابيب و القبائل و القحف لم‏يخلق لنفسها بل خلقت لحفظ البخار و لولا ذلك البخار لكان خلقتها مما لا فائدة فيه و لم‏يخلق الحكيم ما لا فائدة فيه ثم لما خلق البخار لان يتعلق به الروح الغيبي و علم سبحانه ان البخار يكون دائم التحلل و لابد له من البدل و الا ليفني في طرفة عين خلق لامداده دماً رقيقاً لطيفاً و لما كان لم‏يحصل الدم من غير آلة و محل خلق لاجله الكبد لطبخه و نضجه ثم لما كان يحتاج الي مادة تتصرف فيها الكبد حتي تجعلها دماً و تلك لابد و ان تحصل من الخارج الي الكبد و لم‏تصل الي الكبد بسذاجتها و لابد و ان‏تتدرج في الطبخ و النضج و دفع الفضول و جذب الصالح لابد لذلك من العروق الماساريقا من الكبد الي المعدة و لابد من المعدة ليناسب فيها الغذاء و يستعد للكبد و لابد من المري و من الفم و لما كان محتاجاً الي الطحن و المضغ يحتاج الي الاسنان و لما كان يحتاج الي الازدراد و هو لايحصل الا بان‏يكون الغذاء رطباً لعدم مطاوعة اليابس لقوي الازدراد يحتاج الي رطوبة الفم ثم لما كان يحتاج في الطحن مضغ جميع اجزاء الغذاء و الاسنان ثوابت في محلها يحتاج الي آلة ليقرب بعض الاجزاء الي الاسنان و يبعد بعضاً و هي اللسان و لذا تراه دائم التحرك حين الاكل و ذلك احد خواص اللسان ثم لما كان الغذاء مركباً من الصوافي و الغلائظ و الاصل و العرض و المناسب و المنافر و يحتاج الطبع الي دفع الفضول و جذب الاصول خلق للدفع مدافع كما خلق للجذب جواذب فخلق لمدفع المعدة الامعاء و خلق لفضول الكبد ايضاً مدافع و لما كانت الفضول في الكبد ثلثة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 124 *»

ماء بورقي لا فائدة في امساكه خلق له و لدفعه المجاري من الكبد الي الكلية و من الكلية الي المثانة و خلقت المثانة ككيس لان لايحتاج الانسان الي الادرار دائماً ثم خلق مجاري من المثانة الي الخارج و دهن حار حاد نافذ و لما كان الطبع يحتاج اليه لم‏يرسله الي الخارج و يمسكه لتنقية الدم الي العروق و ترقيقه و لانصبابه الي المعدة و الامعاء لغسل بواقي الاخلاط المتخلفة و لانصبابه الي المعاء([5]) المستقيم للتنبيه الي القيام و لغير ذلك من المصالح و لذلك يمسكه الطبع و يخزنه في المرارة و عكر ارضي و لما كان الطبع ايضاً محتاجاً اليه يمسكه في الطحال للانصباب الي فم المعدة للتنبيه الي الجوع لانه حامض و كل حامض له تلك الخاصية و للانصباب الي المعدة لحل الغذاء لان مزاجه مزاج الاملاح و يكون كالكواريس في حل الاجساد.

ثم لما كان القلب في غاية الحرارة يحتاج الي الترويح و يحتاج ايضاً الي دفع الفضول البخارية يحتاج الي رية تجذب الهواء من الخارج و توصله الي القلب ثم تجذب من القلب الفضول  البخارية و تدفعها و ذلك لايمكن الا بالتنفس فيحتاج الي قصبة الرية ثم لما كان تلك الاحشاء لحمانية لطيفة لاتمسك نفسها عن الهواء الخارج و عن الحوادث و النوازل يحتاج لحفظها الاضلاع و يحتاج الاضلاع الي الفقرات لتقوم بها ثم لما كان له حاجات من الضرب و البسط و القبض و الاعطاء و المنع يحتاج الي اليدين ثم يحتاج الي الحركة و النقل لحاجاته فيحتاج الي الرجلين و لما خلق الايدي و الارجل و الفقرات ذات قطعات و ذات مفاصل لمصالح من القيام و القعود و النوم و اليقظة و الحركة و السكون و الحمل و النقل و غير ذلك و كانت العظام يوابس لم‏يرتبط بعضها ببعض يحتاج الي الروابط و الطنب و الاعصاب الغلاظ و الرقاق ثم لما كان بينهما@بينها خ‌ل@ خلل و فرج و لم‏يستقر كل في مكانه بسبب الخلل يحتاج الي اللحم ليحشي مابينها و لما كانت اللحوم لطيفة لم‏يقاوم الحر و البرد و الحوادث و الواردات يحتاج

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 125 *»

الي الجلد فخلق الجلد ثم لما كان كل واحد من ذلك يحتاج الي مايمنع ان‏يجف بسبب كثرة الحركات خلق شحوماً ثم لما كان كل واحد من ذلك يحتاج الي الغذاء و يحتاج الي بدل مايتحلل منه و قد قدر ان‏يجري مدد الكل من مبدأ واحد و هو الكبد جعل لكل مجري الي الفوق و الوسط و الاسفل من جميع الاطراف و العروق و لما كان محتاجاً الي الغذاء خلق له الحبوب و اللحوم و الاشجار و الاثمار و غير ذلك و ذلك يحتاج الي الحر و البرد للتربية و هما يحتاجان الي الكواكب و اختلاف احوال ذلك اقتضي اختلاف الاوضاع و القرانات و ذلك اقتضي دوران الافلاك كما تشاهد ثم لما كان محتاجاً لتوليد المثل خلق الرحم و جعله مقعراً و له فماً كالكيس ينبسط لجذب الماء و ينقبض لحفظه و جعل له ذكراً طويلاً ليوصل الماء الي الرحم و جعل فيهما الماء و الشهوة المضطرة الي فعل ذلك و غير ذلك من الحكم التي لاتحصي و ليس ذلك كله الا لحفظ ذلك البخار و ليس ذلك البخار الا لاجل تعلق المشاعر المثالية به و تلك المشاعر ايضاً تحتاج في ادراك ما في هذا العالم الي الحواس الظاهرة فتحتاج الي العين لادراك المبصرات التي بها يعتبر الانسان و يشاهد قدرة الملك القهار و الي الاذن لادراك الاصوات التي بها يكتسب العلوم الدينية التي هي سبب الخلود في الجنة و الي الشم ليستشم الروائح الطيبة النافعة لحفظ الدماغ و القلب و يجتنب الروائح الكريهة المضرة و الي الذوق ليجلب المنافع و يجتنب المضار و الي اللمس ليدرك الملايم و المنافر و غير ذلك و جميع ذلك اسباب و آلات للروح البخاري و هو ايضاً آلة للروح المثالي الحيواني و هو ايضاً آلة للروح الانساني و لكل واحد من هذه الارواح خصال و خواص في عالمه اذا خلي و طبعه لايحتاج الي مادونه في عالمه و في كونه هو هو بحيث اذا فرض فناء عالم من العوالم لايضر بعالم غيره شي‏ء([6]) ابداً في كونه هو هو و ليس

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 126 *»

بعض هذه العوالم جزء بعض حتي يلزم بفناء بعضها فناء بعض آخر و لا بنقصان بعضها نقصان بعض بعد المفارقة اللهم الا حين الاقتران ينقص بعض كمالات العالي بنقصان الداني و ذلك لان العالي اذا اراد ان‏يكتسب من الداني لابد له ان‏يكتسب من آلة من جنس الداني الا انه بعد المفارقة لايتضرر بتضرره و لاينتفع بانتفاعه و لايزيد بزيادته و لاينقص بنقصانه فمن كان  من ابي و امي فقد عرف نسبة الالات و الادوات الي الصانع و من لم‏يعرف ذلك فلايعبؤ به و بقوله و السلام علي من اتبع الهدي.

المقدمة التاسعة

ان الموضوع له لكل شي‏ء و لكل اسم هو الذي ان زدت عليه واحداً او نقصت عنه واحداً لم‏يكن ذلك ذلك و انما يكون شيئاً آخر كالعشرة مثلاً وضع لمعني معين ان زدت عليه واحداً و غيرت المعني تغير اسمه لامحاله فيوضع عليه احدعشر و ان نقصت عنه واحداً و غيرت المعني تغير الاسم و يصير تسعة و اما اذا جاء و ذهب لايزيد و لاينقص في الموضوع له شيئاً بوجه من الوجوه فلايكون الجائي و الذاهب جزءاً من الموضوع له يقيناً و ذلك استدلال عقلي يقيني لاينكره العاقل الذي له ادني شعور فضلاً عن الكامل في العقل و لاينكره الا المجنون الذي لم‏يقصد من الفاظه و لا من الفاظ غيره معني و انما يلوك بين لحييه لفظاً بلا معني مثلاً اذا قيل لك جئ بالحنطة و انت تجي‏ء بها و فيها اتربة و رمال لايصدق عليها اسم الحنطة ثم نقيت الحنطة عنها لايلزمك اللوم بانك نقيتها عنها و لايلومك عاقل علي التنقية بل يمدحك جميع العقلاء علي فعلك لانها غير الحنطة و اعراض خارجة عنها طبعها غير طبع الحنطة و خواصها غير خواصها و تضر بالبدن و لابد لمن اراد اكل الحنطة ان‏ينقيها من تلك الاتربة و الرمال و لايلزم خرق اجماع اهل السوق ان نقيت التراب عنها بل من ادعي ان التراب جزء الحنطة معمول محشور معها يعامل معه ما يعامل معها يثاب بثوابها يعاقب بعقابها فقد خرق الاجماع و خرج عن زمرة العقلاء و العاقل يعلم ان التراب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 127 *»

عبد من عباد اللّه له طبع و خاصية و مبدأ و معاد و له ثواب و عقاب و ان الحنطة عبد من عباد اللّه لها طبع و خاصية و مبدأ و معاد و لها ثواب و عقاب لايثاب هذا بثواب ذاك و لايعاقب ذاك بعقاب هذا و ان اقترنا في وعاء واحد و اللّه سبحانه عدل لايجور لايعاقب الحنطة بجناية التراب و لايثيب التراب بامتثال الحنطة و قد قال سبحانه لاتزر وازرة وزر اخري و قال فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره ثم هب ان التراب يخلط معها و يمزج بالطحن و يصيرا علي صورة واحدة ظاهراً و يصدق عليهما اسم الدقيق مثلاً بحسب الظاهر فهل يشك عاقل بانهما يصيرا شيئاً واحداً و يصدق عليهما اسم واحد فيثاب حينئذ بثواب واحد و يعاقب بعقاب واحد و يحشر في محشر واحد لظاهر الصورة و اللّه سبحانه يعلم كل جزء منهما و يحشر كلا منهما في حيزه و محله و يثيب و يعاقب كلا منهما بثوابه و عقابه الايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و لايصير كل منهما بالخلط و المزج جزء الاخر هذا و هما عن عرض واحد و صقع واحد و يمكن الخلط الظاهري بينهما و ليس هذا المثال مطابقاً للمقصود من كل وجه و المراد من هذا المثال محض بيان ان كل شي‏ء له مبدأ و معاد و له ثواب و عقاب و لايثاب احد بثواب الاخر و لايعاقب بعقابه و لاتزر وازرة وزر اخري و اما اذا كان الشيئان من عالمين و عرصتين لايمكن خلطهما ابداً فضلاً عن حشرهما في محشر واحد. الاتري ان الهواء الطف من التراب بدرجة واحدة و لايمكن خلطهما مع انهما من عالم واحد و صقع واحد فكيف يمكن مزج المثال الذي الطف من جميع هذا العالم بالفين مرة و اذا لم‏يمكن فكيف يمكن خلط مواليد عالم النفس بمواليد هذا العالم و هي الطف من هذا العالم باربعة آلاف مرة. انظر هل يمكن ان‏يؤخذ قبضة من العقل و تمزج مع تراب هذه الدنيا و تقدر انت ان تتصور ذلك؟ حاشا و هل يعقل ان‏يصير التراب المعروف

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 128 *»

جزءا للعقل او العقل جزءاً للتراب فاين شبهة الآكل و المأكول التي قد دونوا فيها الكتب و ردوا و بحثوا و لم‏يأتوا بحكم فصل و قضاء محكم فان اكل زيد عمراً لم‏يأكل ذات زيد ذات عمرو حتي يرد الاشكال و يصير سبب القيل و القال بل يأكل عرض زيد عرض عمرو و مع ذلك لايصير العرضان شيئاً واحداً حتي يرد الاشكال في ثواب العرضين و عقابهما بل يكون بطن زيد خزانة لبدن عمرو العرضي و لايصير جزءاً منه و لاينبغي ان‏يكون امثال تلك الشبهات محط نظر العلماء و الحكماء و هي اصغر من ان‏يعتني بها هذا، و هم غافلون عن اطراف شبهتهم بانها ليست مخصوصة بأكل انسان انساناً بل هي تجري في جميع متولدات هذا العالم و هم لضيق نظرهم و فكرتهم لم‏يشعروا بذلك.

فنقول ان الانسان يأكل من جمادات هذه الدنيا و نباتاتها و حيواناتها و مياهها في تمام عمره و تصير جزءاً لبدنه العرضي و هي كلها عبيد للّه سبحانه لكل واحد عبادة و تسبيح و لكل واحد ثواب و عقاب فهل تثاب جميع هذه بثواب بدن زيد او تعاقب بعقاب بدن زيد او يثاب كل واحد بثوابه و يعاقب كل بعقابه و لاينحصر اكل زيد من جماد واحد و نبات واحد و حيوان واحد بل قد اكل في كل آن شيئاً من الجماد و شيئاً من النبات و شيئاً من الحيوان و لكل ذرة ذرة ثواب برأسه و عقاب برأسه هذا، و لعل يأكل من جماد واحد زيد المؤمن و عمرو الكافر بل لعل يأكل منه عشر او عشرون او الف الف انسان فهذا الجماد المأكول لالف الف يثاب بثواب من و يعاقب بعقاب من و يحشر مع من و يخلد مع من و لعل يؤكل حيوان واحد بين مأة انسان كافراً و مؤمناً و يصير مأة جزء و يصير كل جزء جزء بدن واحد من الاناسي فهذا الحيوان الواحد يثاب بثواب ايهم و يعاقب بعقاب ايهم و يحشر مع ايهم و هذا اعظم شاهد يشهد بالمشاهدة و العيان ان هذا البدن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 129 *»

الظاهري ليس ببدن اصلي لا لمؤمن و لا لكافر لانك تراه يتركب من جمادات عديدة لايحصيها الا اللّه سبحانه و من نباتات عديدة لايحصيها الا اللّه و من حيوانات عديده لايحصيها الا اللّه سبحانه فاذا كان يوم القيمة و يرد كل شي‏ء الي اصله و يحشر مع اصله يثاب بثوابه و يعاقب بعقابه هل يبقي لزيد بدن ام لا؟ فاذا كان بدنه هذا البدن الظاهري و تراه كل جزء منه قد جا‏ء من شي‏ء معلوم و يرد الي اصله فاذا لايبقي لزيد بدن بالمشاهدة و العيان فمن هذا ان المركب من الف الف جزء ليس ببدن اصلي لانسان و لايصدق عليه اسم بدن زيد و لايوضع عليه اسم بدن زيد ابداً و الانسان له بدن مخصوص به محشور معه له ثواب ان كان محسناً و عقاب ان كان مسيئاً و ليس بدنه الاصلي من اجزاء ابدان عباد آخرين بل يكون البدن الاصلي في هذا البدن العرضي كسحالة الذهب في التراب و الزبد في اللبن كما يأتي فانظر هل‏تري غير مااقول ان كنت تعلم ماتقول و تقصد من الفاظك معني و ان لم‏تكن تعلم ماتقول و لم‏تقصد مما تقول معني فليس لك معني مااقول و لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم.

المقدمة العاشرة

ثم فكر بنظر الانصاف و جانب الاعتساف و لاتظلم الحكمة و اهلها في المصاف هل يمكن ان‏يصير الاعراض الدنياوية الفانية جواهر اخروية باقية بالتدبير و التحليل و التنعيم فماتري في هذا العالم العرضي تراب و ماء و هواء و نار و افلاك كلها اجسام لها طول معروف و عرض معروف و عمق معروف و لون معروف و طعم معروف و ريح معروفة و غير ذلك من لوازم هذا الجسم فانصف هل يمكن ان‏يجعل فرد من افراده بالتدبير عقلاً مجرداً جبروتياً فان العقل ليس له طول بهذا المعني و لا عرض و لا عمق و لا لون و لا طعم و لا ريح بهذا المعني و لاازعم ان‏تقول للعقل اعراض كاعراض الجسم. هب انك تحيل التراب بالتدبير حتي يصير ماء فهل يصير بلا طول و عرض و عمق؟ و هب انك تحيله هواء هل يخرج من هذه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 130 *»

الحدود و هب انك تحيله ناراً او سماء او عرشاً و لايكون فوق العرش شي‏ء فهل يخرج عن هذه الحدود و ذلك لان هذه الحدود من لوازم الجسم و انك كلما قلبته ظهراً لبطن لاتقدر ان‏تنزع منه حدوده حتي تصيره شيئاً آخر غير الجسم و الجسم مخلوق بنفسه عند مؤثره القريب و ليس من مادة سابقة قبله حتي تقدر ان‏تصيرها شيئاً آخر و هو حين ماخلق خلق لا من شي‏ء و هكذا خلق و قلت حين ما خلق للتعبير و الا فلا حين قبله اذ الوقت ايضاً من حدود ماهية الجسم و هو مخلوق بالجسم لا الجسم مخلوق به فهل تقدر ان‏تصير فرداً منه بريئاً عن حدود ماهيته حتي يصير مثلاً عقلا و ادراكاً محضاً و لاتقل ان اللّه قادر علي تقليب كل شي‏ء الي كل شي‏ء لانا نقول انه سبحانه قادر علي ذلك ولكنه لايجري فعله علي خلاف حكمته و حكمته يقتضي ان لاتتعلق فعله بالمحال و هو سبحانه قد خلق الجسم هكذا و العقل هكذا و بعد ان خلقهما هكذا و يقتضي هكذا اي بان لايصير العرض جوهراً و السواد بياضاً و بالعكس و الحمرة صفرة و بالعكس و الحلاوة حموضة و بالعكس و كذا لايقتضي حكمته ان‏يصير الطول جسماً او العرض جسماً او العمق جسماً و السواد جسماً و البياض جسماً و الحلاوة جسماً مع انه سبحانه قادر لتقليب مايشاء كيف مايشاء ولكن لم‏يشأ غير ماشاء و هكذا شاء و @هو خ‌ل@ يعلم انه هكذا شاء و لايغير علمه ام تنبئونه بما لايعلم في السموات و الارض  فكما لايمكن ان‏يصير البياض و امثاله من عوارض الجسم جسماً كذا لايمكن ان‏يصير الجسم العرضي ذو الطول المعروف و العرض و العمق و اللون و الطعم و الريح عقلاً جبروتياً ليس فيه طول و عرض و عمق و لون و طعم و ريح فكما لايمكن ان‏يصير عقلا فلايمكن ان‏يصير نفساً و لا مثالاً.

و ان قلت ان ما تقول من بديهيات العقلاء و لاينبغي الاطناب في البديهيات،

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 131 *»

قلت ان ذلك الاصرار و الاطناب لعلّتين: فالاولي لاني قد ابتليت كثيراً بمباحثة من لايعرف البديهيات فكأنه قد صار عادتي اظهار البديهيات كثيرا. و الثانية انه كم من مسألة بديهية في الاجمال ضرورية و اما في التفصيل و التفريع تكون من اغمض النظريات فلابد لان يبين البديهي اولاً حتي يتفرع عليه النظري ثانياً و ليس معني الاستدلال و البيان غير ذلك.

فاقول من فروع هذا البديهي ان المؤمن اعطاه اللّه سبحانه يوم القيمة جنة تكون عرضها عرض([7]) السموات و الارض سبعة مرة اقلاً كما روي و المؤمن يتمتع بتلك الجنة ببدنه في كل آن و لايحتاج الي مشي و مرور كما كان في هذه الدنيا و لو كان كما في هذه الدنيا فلايتمتع من كل جنته بل يتمتع من كلها كل حين باذن ربها فلابد و ان‏يكون سعة بدنه سعة جنته اقلاً حتي يقدر علي التمتع من كلها بل اقول في التحقيق ان بدنه اوسع من جنته و اوسع و ان صدقتني اقول ان بدنه مؤثر جنته و المؤثر اوسع من اثره بما لا نهاية و ذلك لقول اللّه سبحانه  ليس للانسان الا ماسعي و ان سعيه سوف يري و السعي هو العمل و العمل صادر عن جسمه و اعمال المؤمن كلها آثار جسمه اذ لو لم‏يكن للشي‏ء جسم لم‏يكن هو هو و ان كان له جسم فصار هو اياه فاذا صار هو اياه تام المراتب يظهر منه بعد آثار و افعال و اعمال فجنة المؤمن مخلوقة من آثاره و اعماله الصالحة كما دل عليه الايات و الاخبار فاذا كانت من آثاره فمؤثر آثاره القريب هو جسمه و لذلك نزل آيات عديدة  غير ماذكرت كقوله تعالي سيجزيهم وصفهم و كقوله بكفرهم لعنّاهم و جعلنا قلوبهم قاسية و غير ذلك مما لايحضرني الان و الجسم العرضي طوله سبعة اشبار و عرضه شبران فهل تزعم ان الشبرين في سبعة اشبار يصير يوم القيمة سعته سعة هذه الدنيا سبعة مرة؟ فهل يمكن ان‏يتعلق المشية بمثل ذلك و الحكمة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 132 *»

يقتضي ان‏ينمو الاشياء و يستمد من جنسها و الجسم العرضي من جنس هذه الاجسام العرضية و لابد و ان‏يستمد منها فاذا كان هذا الجسم العرضي شبران في سبعة اشبار هو الجسم الاصلي و الجسم الاصلي ماتعرفه سعة و احاطة فبأي شي‏ء و من اي شي‏ء بدن المؤمنين في الاخرة بل بدن الكافرين و لايكفي كل هذه الدنيا لمؤمن واحد لان بدنه بسعة سبعة امثال هذه الدنيا اقلاً فلاينبغي لمؤمن ان‏يبادر الي رد اقوال العلماء الراسخين اذا قالوا ان لزيد بدن اصلي و بدن عرضي و بدنه العرضي من اعراض هذه الدنيا بدؤه منها و عوده اليها و لايلزم من ذلك انكار المعاد الجسماني لانهم نور اللّه براهينهم الجميلة صرحوا بان له جسم اصلي له طول و عرض و عمق يعود في الاخرة و كل من تدبر في الايات و الاخبار يشاهد ابين من الشمس في رابعة النهار ان الحق مع اولئك الاخيار الابرار و ان‏لم‏يعرف كيف كان الجسم في الاخرة ولكن من مطالعة ماورد في امر الاخرة لايشك ان وضع الاخرة نوعاً ليس الا كما يقول اولئك الاعلام ولكن الناس لا خير فيهم و لايستمعون القول و لايتّبعون احسنه فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الا اللّه و الراسخون في العلم.

المقدمة الحادية عشرة

ان مركبات كل عالم و مواليده لابد و ان‏تكون من بسائط ذلك العالم و عناصره و عناصر كل عالم لايتكون منها الا مواليدها لا مواليد عالم آخر و في هذه المقدمة علوم جمة في جميع الاسرار.

و قد يقال ان علم هذه المقدمة علم الاشتقاق و يجري حكمه في جميع الافاق و جميع العوالم فهو علم عام شامل كامل من عرفه فقد وصل بحظ وافر و من لم‏يعرفه فكأنه جاهل بحقيقة كل شي‏ء و كل علم و هو علم ظاهره انيق رشيق و باطنه عميق مكنون مخزون عند اهله رزقنا اللّه سبحانه و نور

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 133 *»

قلوبنا بنوره و وفقنا للعمل بمقتضاه بمحمّد و آله و اوليائه سلام ‏اللّه عليهم اجمعين.

و هو ان المشتق لابد و ان‏يكون حروف اصوله موجوداً في المشتق‏منه و لولا ذلك لايشتق هذا المشتق من ذلك المشتق‏منه سواء كان المشتق‏منه اعلي من المشتق بدرجة او درجات كما ان الضارب و المضروب يشتقان من المصدر الذي هو الضرب و الضرب يشتق من الفعل الذي هو ضرب فتري الضاد و الراء و الباء التي هي حروف الاصول توجد في الضارب و المضروب و الضرب و هي عناصر وجودات المشتقات و لولاها لم‏يمكن صوغ الضارب و المضروب و الضرب و هكذا سائر المشتقات و كذا الحكم في نصر و النصر و الناصر و المنصور فلولا النون و الصاد و الراء لايمكن صوغ بناء الكلمات منها و قس علي ماذكر في تصاريف جميع الكلمات و كذلك في الحروف المنطوقة حرفاً بحرف و كذلك في الحروف الكونية كما اذا كان الماء و التراب موجودين يمكن ان‏يستخرج منهما معادن الذهب و الفضة و النحاس و غيرها من المعادن و ما لم‏يكن الماء و التراب موجودين لايمكن استخراج المعادن و كذلك ما لم‏يكن الذهب موجوداً في الدنيا لايمكن صوغ مايصنع منه و هكذا لو لم‏يكن في عالم اصول الشي‏ء موجوداً لم‏يكن@لم‌يمکن خ‌ل@ صوغ مواليد من تلك الاصول فكلما نري الضارب و المضروب نحكم بالمشاهدة و اليقين علي وجود الفعل المشتق‏منه الضارب و المضروب و نحكم عياناً بان الضاد و الراء و الباء موجودة في الدنيا و كلما نري الضاد و الراء و الباء نحكم بانه يمكن ان‏يصاغ منها الفعل و الفاعل و المفعول و کلما نري ما يصنع من الذهب نحکم عيانا بان الذهب موجود في الدنيا و كلما نري الذهب نحكم بانه يمكن ان‏يصاغ منه مايصنع منه و كذا كلما نري بيتاً مصنوعاً نحكم بوجود اللبن و الماء و الطين في الدنيا و كلما نري اللبن و الماء و الطين نحكم بانه يمكن ان‏يبني منها البيوت و مااسهل الفاظ هذه الكلمات و مااعز معناها و اعضل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 134 *»

فاذا كان في لغة من لغات العالم لم‏يوجد فيها الضاد و الراء و الباء كما لايوجد بعض الحروف في بعض اللغات لانشك في عدم امكان صوغ ضرب و الضرب و الضارب و المضروب و سائر مايشتق من الضاد و الراء و الباء و كذا لو لم‏يكن في اقليم من الاقاليم ذهب لانشك في عدم امكان مايصنع منه في ذلك الاقليم و ذلك من ابده البديهيات و اوضح الواضحات. فعلي هذا لايمكن ان‏يتولد في عالم من شي‏ء الا ان‏يكون عناصره موجودة في ذلك ‏العالم و اذ لم‏تكن موجودة نحكم بالقطع و اليقين علي عدم امكان صوغ المتولدات من ذلك الجنس. فاذا كان كذلك فاخبرني هل يوجد في العالم الباقي ابداً عناصر فانية حتي يصنع منها مواليد عنصرية فانية بل تعلم قطعاً ان الباقي ضد الفاني و هما لايجتمعان في عالم واحد و اخبرني هل يوجد في عالم الجواهر اعراض حتي يصنع منها صور عرضية و هل يوجد في عالم العقول عناصر روحانية حتي يتولد منها الروحانيون و لو فرض احد انها توجد في عالم العقل نقول له فبم عرفت ان عالم العقول عالم العقول و عالم الارواح عالم الارواح و بم عرفت انهما عالمان كل منهما غير الاخر؟

بالجملة و هل يوجد في عالم الروح عناصر نفسية حتي يتولد منها النفوس الجزئية و هل يوجد في عالم النفوس عناصر طبعانية حتي يتولد منها الطبايع و هل يوجد في عالم الطبع عناصر مثالية حتي يتولد منها الامثلة في عالم الطبع و هل يوجد في عالم المثال عناصر دنياوية حتي يتولد منها ابدان دنياوية في عالم المثال و كذا العكس في جميع هذه العوالم لاينزل الرتبة العليا بنفسها و ذاتيتها الي الرتبة الدنيا و الا لايبقي العليا و الدنيا و تصير كلها عالم واحد([8]) و اذا كان الامر كذلك لاينبغي لعاقل الشك في عدم امكان صعود هذه الابدان العرضية الفانية المركبة من الاجزاء المستقلة قبل التركيب الي عالم الجواهر المجردة التي لم‏يتركب مواليدها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 135 *»

من الاجزاء المستقلة قبل التركيب و لذلك يصير دار الخلود و البقاء. نعم يكون تلك الجواهر في غيب هذه الاعراض و قد سترها الاعراض عن العيون العرضية لا عن العيون الجوهرية الغيبية التي هي من جنسها و يأتي تفصيل ذلك ان شاءاللّه بحسن توفيقه و تأييده.

المقدمة الثانية عشرة

في معني السرمد و الدهر و الزمان و مايتعلق به فقد يطلق السرمد و يراد منه الدائم الابد و يطلق الدهر و يراد منه الزمان الطويل و يطلق الزمان و يراد منه مدة كون الشي‏ء الي فساده و قد يطلق السرمد و يراد منه وقت الذات من حيث هي هي و يطلق الدهر و يراد منه وقت امداد الذات صفاته او استمداد الصفات من الذات و يطلق الزمان و يراد منه وقت الصفات من حيث هي هي و لما كان لجميع الاشياء هذه المقامات الثلثة اي مقام الذات و مقام الظهورات و مقام البرزخ بين هاتين كل بحسبه فلكل شي‏ء بهذا الاعتبار مقام سرمد و مقام دهر و مقام زمان فاذا لاحظت زيداً مثلاً من حيث هو هو تسمي وقته بالسرمد و اذا لاحظته لانه هو القاعد و القائم و النائم و الآكل و الشارب و امثالها من حيث هو صاحب الصفات و الصفات تنتهي اليه تسمي وقت هذا المقام بالدهر و اذا لاحظت الصفات من حيث انها صفات و من حيث ان القائم غير القاعد و هما غير النائم و هي غير الآكل و الشارب تسمي وقتها بالزمان و قد يعبر عن هذا الاصطلاح بان نسبة الصفة الي الصفة زمان و نسبة الصفات الي الذات دهر و نسبة الذات من حيث انها ذات سرمد و يقال نسبة الذات من حيث هي هي سرمد لاطراد الكلام و اجرائه علي نسق واحد و الا لم‏يكن نسبة في الذات من حيث هي هي، و قد يعبّر بان نسبة متغير الي متغير زمان و نسبة المتغيرات الي الثابت دهر و نسبة الثابت من حيث هو هو سرمد و لما كان ذاتية الاشياء التي دون المشية اضافية فقد يكون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 136 *»

الشي‏ء بالنسبة الي شي‏ء ذات([9]) و بالنسبة الي شي‏ء آخر صفة كزيد ذات بالنسبة الي ظهوراته و افعاله من القيام و القعود و الركوع و السجود و صفة بالنسبة الي الانسان المطلق لانه فرد من افراد الانسان و ظهور من ظهوراته و لايختص هذا الاطلاق و هذا الاصطلاح بالانسان بل يعم كل شي‏ء كما انه يجري في نفس القائم و القاعد و غيرهما ايضاً كما جري في زيد فللقائم ايضاً ذات من حيث هو هو مع قطع النظر عن حالاته فله من الاوقات السرمد و له نسبة مع حالاته كالقائم في الصبح و القائم في الضحي و القائم في الظهر و في العصر و في المغرب و هكذا فله في هذه الحالة الدهر و للقائم في الصبح نسبة الي القائم في الضحي و هو غيره فله في هذه الحالة الزمان و كذلك للحيوانات جميع هذه الحالات الثلث و للنباتات جميعها و للجمادات و العناصر بل يكون هذه الحالات الثلث في جميع الاعراض بل في اعراض الاعراض الي ما لا نهاية لها كما يكون للحمرة التي هي من اعراض الجسم هذه الحالات بعينها فلها مرتبة ذات و هي حالها التي تراها من حيث انها حمرة مع قطع النظر عن افرادها التي بعضها ناصع و بعضها غير ناصع فوقتها في تلك الحال هو السرمد و لها حالة اخري كلية ظاهرة في الناصع و في غير الناصع فوقتها حينئذ الدهر و لها حالة ثالثة و هي ان الناصع غير غير الناصع و غير الناصع غير الناصع فلها من الوقت الزمان حينئذ فبهذا الاصطلاح لايختص السرمد و الدهر و الزمان بعالم دون عالم و بجوهر دون عرض بل تكون اضافية فلربما سرمد يكون دهراً بالنسبة الي سرمد اعلي و زماناً بالنسبة الي دهر اعلي و كانت الاشياء كلها لها حالات ثلث و حالاتها اضافية كما مرّ ففي هذا الاصطلاح يكون في الزمان سرمد و دهر و زمان و في الدهر سرمد و دهر و زمان و في السرمد سرمد و دهر و زمان اذ في جميع هذه العوالم يكون هذه الحالات الثلث لكل واحد واحد من مواليدها فبهذا الاصطلاح لايختص

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 137 *»

هذه الحالات بشي‏ء دون شي‏ء و باحد دون احد فلكل الاشياء و لكل احد سرمدية و دهرية و زمانية فبهذا الاصطلاح لايقال بان الشي‏ء الفلاني ليس له دهرية او سرمدية و لايستخرج دهريته او سرمديته.

و قد يثبت هذه المقامات الثلثة لجميع ماسوي اللّه سبحانه كلية اي مرتبة الذات و مرتبة الصفات و مرتبة البرزخ بين هاتين فمقام ذاتها مقام الفعل و الامر و المشية فيقال لوقتها السرمد و مقام كليتها و برزخيتها مقام العقل الي النفس او الي المثال بلحاظ فيقال لوقتها الدهر و مقام جزئيتها مقام الطبع الي الجسم بلحاظ او مقام المثال الي الجسم بلحاظ آخر. اماتري ان الجنّتان المدهامّتان من عالم المثال و تعدان من الدنيا بملاحظة زوالهما في آخرالامر او مقام جزئيتها هو مقام الجسم وحده و يقال لوقته الزمان فبهذا الاصطلاح يختص السرمد بعالم الامر و عالم المشية الي عالم الفؤاد بلحاظ فلايقال لوقته الدهر و لا الزمان بخلاف الاصطلاح الثاني الذي مرّ فانه يمكن ان‏يقال بذلك له سرمدية و دهرية و زمانية اذ في مقام الامر ايضاً مقام اطلاقي و مقام كلي و مقام جزئي بالنسبة الي عالمه فلاطلاقه السرمد و لكليته الدهر و لجزئيته الزمان و هذا اذا لاحظت مراتب عالم الامر في نفسه و اما اذا قسمت جميع ماسوي اللّه سبحانه بثلثة اقسام و جعلت مقام الامر مقام الاطلاق لابد و ان تطلق حينئذ السرمد لوقته دون اخويه لانهما وقتان لمرتبتان([10]) دونه فلهذا يختص الدهر بعالم العقل الي النفس او الي الطبع و لايقال لوقتها السرمد و لا الزمان و قد يطلق الدهر من العقل الي المثال بملاحظة ان كلها من العوالم الغيبية و يختص الزمان بعالم الاجسام و لايطلق لوقتها السرمد و لا الدهر و قد يعد عالم المثال من عالم الزمان بملاحظة ان مآله الي الفناء كالزمان و لهذا يعد الجنّتان المدهامّتان من الدنيا في الاخبار عن آل‏ اللّه الاطهار عليهم صلوات اللّه الملك الجبّار.

و لايقال لكل شي‏ء مرتبة الامرية و مرتبة العقل و النفس الي الجسم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 138 *»

فلكل شي‏ء ايضاً سرمد و دهر و زمان بحسب احواله الثلث لانا نقول هذا بعينه هو الاصطلاح الثاني الذي قد مرّ و هذا اللحاظ غير اللحاظ الذي تقسم([11]) جميع الملك علي ثلثة اقسام و يجعل لكل رتبة منه وقت خاص به دون غيره و من هذا الباب يقال كثيراً كثيراً في كلمات المشايخ نور اللّه براهينهم ان الجماد ليس له دهرية و النبات ليس له دهرية و الحيوان ليس له دهرية و ذلك لان جميع هذه المراتب من الجماد الي الحيوان عودها عود ممازجة و فناء و كلها عاقبتها الي شي‏ء واحد و هو الفساد و الفناء فكأنها لها وقت واحد و قد قالوا نور اللّه براهينهم ان الانسان له دهرية و يثبتون الدهر له دون غيره من المراتب الدانية لهذا الاصطلاح الذي هو ثالث الاصطلاحات و اكثر ماتكلموا تكلموا بهذا الاصطلاح كما لايخفي علي المتفحص و قلّ ماتكلموا بالاصطلاح الثاني و قلّ من فرق بين الاصطلاحات بل لااري@لم‌ار ظ در خ‌ل@ من فرق و بعدم التفريق بين الاصطلاحات نري بعض اخواننا يلوكون بين لحييهم كلمات و يستدلون لكل شي‏ء مقامات عديدة و يستشهدون بقول المشايخ نور اللّه براهينهم و يدعون المشاهدة و اليقين علي دعويهم و كل ذلك لاجراء الاصطلاح الثاني و خلطه مع الاصطلاح الثالث. فانظر ما حال من اراد الاستنتاج من الالفاظ بالاصطلاح الثاني فقد واللّه سمعت منهم خزعبلات تموت بترك ذكرها ان شاء اللّه زعماً منهم بانها من المشاهدات و المكاشفات و ان هي الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً اعاذنا اللّه منها بحق الحق صلوات اللّه عليه و انت اذا اردت كيفية استدلالاتهم فاجر الاصطلاح الثاني في جميع العوالم و استنتج تعرف جميع ما لهم و حالهم اللهم اهدنا فيمن هديت و تولنا فيمن توليت و اكفنا شر ماقضيت انك تقضي و لايقضي عليك بجاه محمّد و آله صلّ علي محمّد و آله.

بالجملة ففي الاصطلاح الثالث وقت عالم الامر خاص بالسرمد و وقت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 139 *»

عالم النفوس او الطبايع فمافوقها الي العقل خاص بالدهر و وقت الاجسام الظاهرية خاص بالزمان و قد يقسم ماسوي اللّه سبحانه الي قسمين عالم الامر و عالم الخلق لقوله سبحانه له الخلق و الامر و يقسم الخلق الي قسمين الغيب و الشهادة لقوله سبحانه عالم الغيب و الشهادة و هذا الغيب و هذه الشهادة يجريان في جميع العوالم لسرّ قوله سبحانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏ تري من فطور فعالم الغيب قاعدته عند المبدأ الذي هو المشية و رأس مخروطه الي المنتهي الذي هو قاعدة الكثرات و الشهاديات و عالم الشهادة قاعدته عند المنتهي و رأس مخروطه الي قاعدة الغيب ففي التسطيح يكونان كالمثلثين المتداخلين رأس كل واحد الي قاعدة آخر او كالكرتين المتوازي السطحين قاعدة الشهادة عند المركز و رأس مخروطها عند المحيط و قاعدة الغيب عند المحيط و رأس مخروطه الي المركز و هذان قد يسمي بجهة الرب و جهة العبد اذ لكل شي‏ء جهتان لامحالة و قد يسمي بجهة النور و جهة الظلمة و قد يسمي بالوجود و الماهية و قد يسمي بالعبودية و الربوبية و هذان ساريان في جميع العوالم فمن العوالم عالم العقل و يسمي بعالم الجبروت ففيه هذان الجهتان و منها عالم الروح ففيه ايضاً هذان الجهتان و منها عالم النفس و فيها الجهتان و منها عالم الطبايع و فيه الجهتان و منها عالم المادة و فيها الجهتان و منها عالم المثال و فيه الجهتان و منها عالم الاجسام و فيها الجهتان و في كل عالم سموات و ارض و مواليد بدؤها منه و عودها اليه و لايتجاوز شي‏ء ماوراء مبدئه فكل مولود من اي عالم كان له غيب و شهادة و لكل من غيبه و شهادته اربع مراتب اذ لكل شي‏ء لابد و ان‏يكون مادة نوعية و صورة نوعية و مادة شخصية و صورة شخصية و لو لم‏يكن واحدة منها لما كان الشي‏ء شيئاً ففي غيبه تسمي الاربع بالفؤاد و العقل و الروح و النفس و في شهادته تسمي بالطبع و المادة و المثال و الجسم و ليس هذا العقل هو العقل الذي من كليات العالم و كذا لايكون هذا الروح

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 140 *»

من عالم الارواح و ليست هذه النفس من عالم النفوس و ليست هذه@ليس هذا خ‌ل@ الطبع من عالم الطبايع و ليست هذه المادة من عالم المواد و ليس هذا المثال من عالم المثال و ليس هذا الجسم من عالم الاجسام اي من الكليات التي تقسم عالم الخلق عليها و هذا ايضاً من المسائل التي قد خفيت علي كثير من الناس. ففي عالم العقل مثلاً مواليد بين سمواته و ارضيه و معلوم ان سموات عالم العقل عقلانية و ارضي عالم العقل عقلانية فالمولود الذي يولد بينهما لايكون الا عقلانياً بقاعدة علم الاشتقاق فكل مولود يولد في عالم العقل له فؤاد عقلاني لا من عالم الافئدة و عقل عقلاني و روح عقلاني لا من عالم الروح و نفس عقلاني لا من عالم النفوس اذ ليس في عالم العقل فؤاد و لا روح و لا نفس حتي يتولد منها مولود فؤادي او روحاني او نفساني. نعم فيه فؤاد و عقل و روح و نفس كلها عقلاني و هذه مراتب غيب المولود و لشهادته طبع عقلاني لا من عالم الطبايع الدانية اذ ليس هذه المراتب الصورية الدانية الكثيفة في العقل المجرد الكلي اللطيف فلايعقل ان‏يتولد في عالم العقل مولود يكون اجزاؤه من هذه المراتب الكثيفة الدانية بقاعدة علم الاشتقاق.

و هكذا في عالم الارواح سموات و ارضون روحانية فكل مايتولد بينهما يجب ان‏يكون روحانياً و لايعقل ان‏يكون غير روحاني فللمركب الروحاني فؤاد روحاني لا من عالم الافئدة العالي بل يكون هذا الفؤاد من ظل الفؤاد العقلاني الذي هو من ظل الفؤاد الاصلي و له عقل روحاني لا من عالم العقول بل من ظل العقل و له روح من نفسه و له نفس لا من عالم النفوس الدانية اذ ليس في عالم الروح نفس اصلية و له طبع و مادة و مثال و جسم كلها من عالم الروح لا من الطبع الذي في كلية العالم و لا من المادة و المثال و الجسم التي هي من مراتب العالم الكلي اذ ليس في عالم الروح هذه المراتب الدانية.

و هكذا في عالم النفوس مواليد و لها فؤاد نفساني من ظل الفؤاد الروحاني الذي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 141 *»

هو من ظل الفؤاد العقلاني الذي من ظل الفؤاد الذي هو من مراتب العالم الكلي و لها عقل نفساني من ظل العقل الروحاني الذي هو من  ظل العقل العقلاني الذي هو من مراتب العالم الكلي و لها روح نفساني من ظل الروح الروحاني الذي هو من مراتب العالم الكلي و لها نفس نفسانية من نفسها و لها طبع و مادة و مثال و جسم كلها نفسانية لا من المراتب الاربع الدانية التي هي من مراتب العالم الكلي.

و هكذا القول في عالم الطبائع لمواليدها فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مثال ([12]) و جسم كلها طبيعية لا من المراتب العالية منها و لا من المراتب الدانية عنها اذ ليس فيها ماسواها كما مرّ حرفاً بحرف و هكذا في عالم المواد حرفاً بحرف مراتب مواليدها كلها مادية و هكذا في عالم المثال كلها مثالية و هكذا في عالم الجسم الذي هو آخر مراتب العالم الكلي مواليد و لها فؤاد جسماني من ظل الفؤاد المثالي الي ان انتهي الاظلال الي الفؤاد الذي هو من مراتب العالم الكلي و لها عقل جسماني لا عقلاني بل من ظل العقل المثالي الي ان انتهي الاظلال الي العقل الذي هو من مراتب العالم الكلي و لها روح جسماني ظلي و نفس جسمانية ظلية الي ان انتهي الاظلال الي النفس التي هي من مراتب العالم الكلي و لها طبع و مادة و مثال و جسم كلها جسمانية ظلية لا من نفس المراتب العالية اذ ليس الجسم غير الجسم بنظر من الانظار و اعتبار من الاعتبارات و حيث من الحيوث كما تقول في عالم الوسيط الذي هو عالم الفلسفة روح و نفس و جسد و تريد من الروح الزيبق و من النفس الكبريت و من الجسد الملح مثلاً و كلها عنصرية جسمانية و لاتريد من الروح و النفس الروح و النفس الملكوتيتين اذ لايعقل ان‏يتركب شي‏ء من غير عنصره و مبدئه و اصله كما مرّ في علم الاشتقاق بانه لايعقل ان‏يتركب الضارب و المضروب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 142 *»

و الضرب و ضرب من غير عالم الضاد و الراء و الباء و ذلك مشاهد محسوس بالقطع و اليقين ان شاءاللّه كما اذا وردت علم النحو و قلت الفاعل مرفوع و المفعول منصوب و المضاف‏اليه مجرور لاتريد منها الاشخاص الخارجية و تريد منها ضرب زيد عمراً و غلام زيد المكتوب او المنطوق و لاتريد الاشخاص في علم النحو و ليس لاحد ان‏يورد عليك بان زيداً ليس بفاعل لان المسمي بزيد نائم و عمرو([13]) ليس بمنصوب لان المسمي بعمرو مقلوب مثلاً و ليس زيد بمجرور بل هو جار لانه يجر غلامه و لابد لمن يريد تحقيق المسائل و الوصول الي الحقائق ان‏يدخل بيتها من بابها و لم‏يأتها من ظهرها فيحرم الوصول فكلما وردت عالماً من العوالم و علماً من العلوم تكلم بلغة ذلك العلم و ذلك العالم حتي تصل الي المراد فانك اذا اردت ان‏تتكلم العرب بلغة العجم لاتصل الي مراد العرب البتة و ربما تكلمت بكلمة يكون لها معني حسن في لغة العجم و اذا تكلمت بها العرب يفهم منها معني قبيحاً و ان كان صورة لفظ الكلمة واحدة و لا حاجة الي مثالها لانها كثيرة جداً و ليس المقصود سرد الالفاظ بل المقصود كل المقصود انه يجب علي العاقل الحكيم اذا ورد عالماً من العوالم و تكلم بكلمة ان لايقيس في معناها و يجري المعني الذي يفهم منها في عالم ادني في العالم الاعلي او بالعكس و من هذا القبيل جميع الالفاظ التي يعبر عن الاخرة بالفاظ هذه الدنيا و لاينبغي لاحد من منتحلي علم الحكمة ان‏يقيس الاخرة بالدنيا و يبادر الي ذهنه من الالفاظ مايبادر الي ذهنه في الدنيا فاذا سمع ان لزيد في الاخرة جسماً يبادر الي ذهنه جسمه الدنياوي الذي هو شبران في سبعة اشبار و لعله يكون قبيحاً في غاية الكراهة و يكون مؤمناً او يكون حسناً في هذه الدنيا في غاية الحسن و يكون كافراً و يحشر في الاخرة في نهاية قبح المنظر و الصديد و النتن و اذا سمع الجنة يبادر الي ذهنه هذه الاشجار بعينها و يكون اشجار الاخرة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 143 *»

بخلاف هذه الاشجار معلقاً اصلها اعلي و فرعها اسفل و يكون انهارها علي خلاف انهار الدنيا يجري من غير اخدود فاول من قاس ابليس كلام الحكيم العليم7 يجري في كل عالم فلاينبغي المسارعة الي رد من وصف الاخرة و اهلها بخلاف مايتبادر الي اذهان اهل الدنيا و يجب التصديق ان علم ان تلك الاوصاف كما وصفها ان كان الواصف من علماء اهل البيت: و يكون يرجع في المسائل الي اخبارهم كما يجب علي كل من لم‏يبلغ درجة الكاملين تصديق الكاملين من الشيعة في جميع امور دينهم.

تذنيب

و هو انه قد مرّ ان لمولود كل عالم فؤاداً و عقلاً و روحاً و نفساً و هكذا الي الجسم من جنس ذلك العالم و ليس هذا الكلام في كل مولود بل يجري هذا الكلام في المولود التام الكامل الذي بلغ غاية خلقته لا كل ساقط من وسط السير و البلوغ فكم من مولود لم‏يكن له الا الجسم فلربما يظهر فيه المثال حسب و رب مولود /و@در خ‌ل و ندارد@ يظهر فيه المادة و ليس له فوق ذلك و لربما كان له طبع و ليس له غير ذلك و ربما يكون له نفس و ليس له فوق ذلك و هكذا الي ان‏يكون ربما يظهر فيه الفؤاد فاذا ظهر فيه الفؤاد يصير جامعاً في ذلك العالم حسب و لايكون فيه من العوالم العالية شي‏ء كماتري في هذا العالم ان النطفة مولود من المواليد ليس لها مراتب اعلي منها فلربما يصير علقة و لربما تسقط و كذا العلقة ربما تصير مضغة و ربما تسقط و هكذا مخلقة و غير مخلقة و جميع هذه المراتب مواليد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و من هذا علم انه ليس كل احد من اهل الفؤاد و العقل و النفس و الطبع و المادة و المثال بل ربما يكون له جسم حسب في عالمه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 144 *»

فضلاً عن تلك المراتب العالية التي هي من مراتب العالم الكلي و الفضل و الشرف في المولود ان‏يكون جامعاً لجميع المراتب فيحصل له من كل عالم من جسمه الي فؤاده فيحصل له مثلاً ثمانية افئدة و ثمانية عقول و ثمانية ارواح و ثمانية نفوس الي ثمانية اجسام «فليس كل من حاز الجمال بيوسف» و هؤلاء الذين روي في حقهم المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و قد استحييت سؤال الشوق الي لقائهم مع ما كنت فيه من المعاصي الا انه سبحانه قادر علي مايشاء و هو ذوالفضل العظيم. اللهم ارزقنا لقاءهم في الدنيا و الاخرة بمحمّد و آله الطاهرة فانك انت الوهاب و صلّي اللّه علي محمّد و آله الاطياب.

و اما سائر الناس فمنهم مقامهم مقام الجمادات فهي كالحجارة او اشدّ قسوة و منهم لهم مقام النباتات فـكأنهم خشب مسنّدة و منهم لهم مقام الحيوانات ان هم الا كالانعام بل هم اضلّ اولئك هم الغافلون و منهم لهم مقام الاجنة شياطين الانس و الجن يوحي بعضهم الي بعض زخرف القول غروراً اللهم اهدنا فيمن هديت و تولنا فيمن توليت و اكفنا شر ما قضيت بجاه محمّد و آله صلّ علي محمّد و آله.

المقدمة الثالثة عشرة

انه قال سبحانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏تري من فطور قال و ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه و قال الرضا7 قد علم اولواالالباب ان الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الا بماهيهنا و قال الصادق7 العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية فكما يكون في هذا العالم المحسوس عرش و كرسي و سموات و ارضون و عناصر و جمادات و معادن و نباتات و حيوانات و اناسي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 145 *»

و ضعفاء و اقوياء و عوام و خواص و كافر و مؤمن و رؤساء و علماء و نجباء و نقباء و انبياء و مرسلون و ائمة و خاتم و مقامات و علامات كذلك في كل عالم من العوالم العالية عرش و كرسي و افلاك و ارضون و عناصر و مواليد منها من الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي و غيرها مما مرّ. اللهم الا ان العوالم كلما كانت اقرب الي المبدأ و المشية تكون ابسط و اوحد و تكثرها اقل فتكون اجزاؤها بعضها قرين بعض بل يكون بعضها في بعض اذا كانت في نهاية القرب @الي المشية خ‌ل@ بحيث تكون سماؤها في ارضها و ارضها في سمائها و بسائطها في مواليدها و مواليدها في بسائطها تكون كلها واحدة منظراً متعددة مخبراً اشهد ان ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة، اولنا محمّد آخرنا محمّد اوسطنا محمّد كلنا محمّد، محمّد انا و انا محمّد، حسين منّي و انا من حسين صلوات اللّه عليهم اجمعين و كلما تتنزل نازلاً تتكثر متدرجة الي ان وصلت هذه الدنيا فتصير اجزاؤها في غاية البعد و المباينة التامة و ذلك لان لكل عالم رتبة لاينزل منها و لايصعد و لها لوازم لاتفارقها فلوازم رتبة القريب من المبدأ الذي هو في غاية الوحدة و البساطة الوحدة و البساطة و لوازم رتبة البعيد هو الكثرة و التركيب و الاختلاف و لذلك لايمكن القياس في كثير من الاشياء التي في الرتبة الدانية علي الاشياء التي في الرتبة العالية فينبغي لمن يريد فهم حقائق الاشياء ان‏يسد باب القياس و يترك لوازم الرتب في رتبتها فيجري حكم نوع الخلقة في الكل و يجب عليه ان لايستوحش من بعض البيانات التي لابد منها في تحقيق المراتب و اللوازم حتي لايحرم من فهم الحقائق و من فتح عليه باب القياس و اراد اثبات كل ماتري عينه في هذه الدنيا العرضية و يتبادر الي ذهنه من هذه الدنيا في العوالم العليا يحرم عن فهم الحقائق بلا شك اذ لو كانت العوالم كلها مطابقة لكل من جميع الجهات و الحيثيات لم‏تكن متعددة فاذا كانت متعددة فيكون في بعضها ما لم‏يكن في بعض ليحصل التعدد و الامتياز. اماتري

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 146 *»

انك ان رأيت في المنام تشرب اللبن يعبر بانك ترزق العلم فانظر كيف تخالف الصورتان في عالمين مقارنين لان عالم المثال يكون فوق هذا العالم بدرجة واحدة و يكون صورة العلم فيه علي صورة اللبن و كذا ان رأيت لبسك نعلاً يعبر بتزويجك فاين صورة النعل و صورة الزوجة فلايجب ان‏يكون مواليد العوالم العالية علي صورة مواليد هذه الدنيا بل يجب ان‏تكون علي صورة لائقة لعالمها و من تدبر في الاخبار الواردة في صفة الجنة و النار لايشك في ذلك ابداً ابداً.

المقدمة الرابعة عشرة

ان الاثر لابد و ان‏يكون علي صفة مؤثره و الا لم‏يكن هذا باثر ذاك فاثر المؤثر الاحمر احمر و الاصفر اصفر و اثر اللطيف لطيف و اثر الكثيف كثيف و اثر الباقي باق و اثر الفاني فان لامحالة و لايعقل ان‏يكون اثر الاحمر اصفر و اثر الاصفر احمر و اثر اللطيف كثيفاً و اثر الكثيف لطيفاً و اثر الباقي فانياً و اثر الفاني باقياً و قد جعل اللّه سبحانه ذلك في حكمته و اتقن حكمته علي ذلك ليمكن الاستدلال من الاثر بالمؤثر و من المؤثر بالاثر و لولا ذلك لايمكن لاحد الاستدلال علي شي‏ء و في ذلك فساد امور الدنيا و الدين و بطلان الشرع المبين و ابطال الجنة و النار و الافعال و الاعمال و العلوم و الاعتقادات من التوحيد و النبوة و الولاية و الشرائع و الاحكام فلذلك اتقن حكمته سبحانه و جعل الاثار مطابقة علي صفة المؤثرات ليستدل من كل منها علي الاخري.

فاذا تقرر ذلك فاخبرني ان مواليد عالم الاخرة باقية مخلدة اما في الجنة و اما في النار ام فانية؟ و مواليد هذه الدنيا العرضية باقية ام فانية؟ فاذا كانت الاناسي باقية في عالم الاخرة فتكون صادرة عن المؤثرات الباقية و لايمكن ان‏يصدر من المؤثرات الباقية آثار فانية و تري عياناً ان مواليد هذه الدنيا العرضية فانية فلاتصدر من مؤثرات عالم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 147 *»

الاخرة بالبداهة فتكون مؤثراتها ايضاً عرضية فانية و كل شي‏ء يرجع الي اصله كما بدأكم تعودون فترجع الاثار الفانية الي مؤثراتها و ترجع الاثار الباقية الي مؤثراتها الباقية فالاثار الفانية ليست من المؤثرات الباقية و لاتعود اليها و لايحشر معها بل تلحق الي مباديها التي بدئت منها فاذا تقرر هذه المقدمات اللطيفة الشريفة التي بعضها من الضروريات و بعضها من المشاهدات البديهيات و ان كان كلها عند اهل الحكمة من الضروريات البديهية فلنشرع في شرح المقصود و التوفيق من اللّه الودود و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطيبين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين و يقتضي ذلك رسم فوائد.

فائدة

ان المعاد اسم مكان من عاد يعود اذا رجع او مصدر ميمي من ذلك و لايصدق الرجوع الي مكان الا ان‏يذهب منه ثم يرجع فيقال لمن ذهب من بلد ثم‏ رجع اليها@اليه خ‌ل@ عاد و لايقال لمن دخل بلداً ابتداء عاد بل يقال دخل و ورد و امثال ذلك. فاذا علمنا معاد شي‏ء نعلم مبدأه لامحالة لان العود هو البدء قال تعالي كما بدأكم تعودون و يعلم من ذلك انه ليس مبدأ مواليد العوالم التي فوق هذا العالم هذا العالم بل يكون مبدؤها معادها خلافاً لبعض الحكماء الذين يزعمون ان مبدأ الانسان من هذا العالم المادي الدنياوي العرضي و معاده الي العالم المجرد عن المواد بل يزعمون مبدأ كل نازل من اي عالم من العوالم العالية هذا العالم المادي و قد رد عليهم العلماء المحققون و الحكماء المدققون المتّبعون لاثار الائمة: ذلك و قالوا لابد و ان‏يكون مبدأ كل شي‏ء و معاده من عالم واحد ان كان مادياً فمادياً او مجرداً فمجرداً ان كان نفسانياً فنفسانياً او روحانياً فروحانياً او عقلانياً فعقلانياً او نورياً فنورياً. انظر الي قوله تعالي كما بدأكم تعودون و الي قول الباقر7 كل شي‏ء يرجع الي اصله و لما رأوا عياناً انه لايعقل ان‏يرجع شي‏ء الي محل لم‏يكن منه و تفصيل ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 148 *»

قد مرّ في المقدمة التي تشير الي علم الاشتقاق.

فاقول اول مخلوق خلقه اللّه سبحانه بمشيته هو العقل كما ورد ان اول ما خلق اللّه العقل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل و هذا العقل هو روح نبيّنا9و نوره كما ورد اول ما خلق اللّه روحي و اول ما خلق اللّه نور نبيّك يا جابر فهو اول صادر من المشية و هو مخلوق بنفسه عند المشية كما ان المشية مخلوقة بنفسها عند اللّه سبحانه فهو عند اللّه سبحانه مخلوق بالمشية و عند المشية مخلوق بنفسه فخلقه اللّه لا من مادة سابقة عليه و لا علي احتذاء مثال اذ هو اول مخلوق و ليس قبله شي‏ء حتي خلق منه فخلقه لا من شي‏ء غيره اذ لا غير و لا لشي‏ء اذ ليس شي‏ء و لا علي تمثال شي‏ء اذ ليس قبله صورة و لا بشي‏ء اذ ليس قبله علة و آلة سوي المشية. و العلة لابد و ان تكون من جنس المعلول حتي يؤثر فيه و هو يتأثر منه([14]) و المشية المطلقة لاتصلح ان‏تكون آلة خلق المقيد فتلك العلل الاربع ليست الا في نفسه فتجلت المشية له به منه عليه فصار في عالمه موجوداً ثانياً بالنفس كما ان المشية موجود اول في عالمه و كذا لم‏يخلقه في وقت و لا في مكان و لا في جهة و لا في رتبة و لا في وضع و لا في كمّ و لا في كيف اذ هو اول مخلوق ليس قبله شي‏ء حتي يمكن ان‏يقال انه خلق في شي‏ء و هو نور وحداني صدر من المشية الواحدة و ماامرنا الا واحدة فلم‏يصدر من الواحد الا الواحد و ذلك الواحد خلق تامّ كامل له مراتب من اول بدئه الذي علته الي آخر ختمه الذي هو مفعوله فله فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم و لما كان اول الخلق و اقربها الي المشية يكون في غاية البساطة الا انه يكون اغلظ من المشية بدرجة و بتلك الدرجة صار وجوداً ثانياً و صار مقيداً بعد الوجود المطلق فلما كان في غاية البساطة الخلقية يكون اجزاؤه في غاية البساطة و الاتحاد و لايتخلل بينها عرض و شي‏ء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 149 *»

و كثرة و اختلاف و امتياز اذ ليس شي‏ء غير ذلك الواحد فيكون فؤاده عين عقله و هما عين روحه و هي عين نفسه و كلها عين طبعه و كلها عين مادته الثانية و كلها عين مثاله و كلها عين جسمه بعضها من بعض و كلها واحدة اشهد انّ ارواحكم و نوركم و طينتكم واحدة و قلنا ان له هذه المراتب لانه لو لم‏يكن له هذه المراتب لم‏يكن شيئاً تاماً كاملاً و ان الشي‏ء لم‏يكن شيئاً الا ان‏يكون له جميع هذه المراتب اذ الشي‏ء المخلوق لابد له من جهتين جهة الي ربه و جهة الي نفسه لانه لم‏يكن احداً بسيطاً و الاحد الحقيقي هو اللّه سبحانه و لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه كما روي عن الرضا7 ان اللّه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته للذي اراد من الدلالة عليه كما قال سبحانه و من كل شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فقد ثبت له الجهتان جهة الرب و جهة النفس. فجهة الربوبية جهة الغيبية و جهة العبودية جهة الشهادية فثبت له الغيب و الشهادة فغيبه مركب من مادتين نوعية و شخصية و صورتين كذلك فمادته النوعية فؤاده و صورته النوعية عقله و مادته الشخصية روحه و صورته الشخصية نفسه. و شهادته ايضاً مركب من المادتين و الصورتين فمادته النوعية طبعه و صورته النوعية مادته و مادته الشخصية مثاله و صورته الشخصية جسمه و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية و لولا هذه الثمانية لم‏يحمل العرش. و لاتزعم من ظاهر القول انها ثمانية اشياء فتتحير في لزوم وجودها في شي‏ء واحد بل هذه الثمانية ليست ثمانية اشياء بل تكون ثمانية اثمان و ثمانية اجزاء لشي‏ء واحد و لو لم‏يكن هذه الثمانية لم‏يوجد شي‏ء ابداً ابداً فكانت هذه الثمانية مساوقة معاً و لم‏يقم واحد منها بدون الاخر ابداً بل اذا كان الشي‏ء فله مراتب ثمانية و ان لم‏يكن فلم‏يكن شي‏ء و لايكون المركبات الاصلية الذاتية كمركبات هذه الدنيا العرضية بانه ان لم‏يكن شي‏ء يكون اجزاؤه و مواده في الملك ثابتة مستقلة ثم تتركب منها المركب و ان كنت من اهل الحكمة تعلم ان سبب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 150 *»

فساد هذه المواليد هذا السر لان كل شي‏ء يرجع الي اصله لامحالة و لايصير الاشياء شيئاً واحداً الا عرضاً و ظاهراً كما تقول مجلس واحد و ليس وحدته الا وحدة عرضية فيها عباد مختلفون بعضهم مؤمنون و يكونون في الجنة و بعضهم كافرون في النار و هذا بعينه جار في المركبات التي اجزاؤها قبل التركيب اشياء لا اجزاء و يمتنع ان‏تصير الاشياء شيئاً واحداً عند التحقيق فالشي‏ء الاصلي الذاتي هو المركب من الاجزاء و ليست الاجزاء اشياء و مثال ذلك في العالم الظاهر هو العشرة لانها تتركب من عشرة اعشار لو لم‏يكن واحد منها لم‏يكن العشرة عشرة بل صار تسعة الا انها لما كانت من هذا العالم اذا نقصت عنها واحداً تبقي تسعة و اما المركب الحقيقي الذاتي اذا نقصت عنه واحداً لايبقي منه شي‏ء ابداً.

بالجملة لما تم العقل من مبدئه الي منتهاه تام المراتب كامل المقامات و كان وجوداً ثانياً في رتبته خلق اللّه سبحانه به عالم الروح في الرتبة الثالثة فخلق هو ايضاً كامل المراتب له فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم ثم خلق اللّه سبحانه بالروح النفس كما خلق الروح بالعقل و خلقها تامة المراتب كاملة المقامات فلها فؤاد و عقل و روح و نفس الي الجسم فاذا خلقها كذلك خلق بها الطبع و جعل للطبع ايضاً مراتب ثمانية من الفؤاد الي الجسم ثم خلق بالطبع المادة و جعل لها مراتب ثمانية ثم خلق بها المثال و جعل لها مراتب ثمانية ثم خلق بالمثال الجسم و جعل له مراتب ثمانية فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم.

ثم فصّل الجسم بهذه الكرات و جعل كل واحدة منها آية لمرتبة من مراتب العالم فجعل الجسم المطلق آية المشية و الجسم الكلي آية الفؤاد البرزخ بين الاطلاق و التقييد و العرش آية عقله و فلك المنازل آية روحه و الكرسي آية نفسه و فلك الشمس آية طبعه و مادته و اما سائر الكواكب سوي القمر تفاصيل تعلقات الشمس و القمر آية مثاله الذي هو الحيوة الحيوانية و العناصر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 151 *»

آية جسمه فجعل تلك المراتب مراتب الخلق الكلي فجعل الجسم من جسمه الي فؤاده جسم العالم الكلي و جعل المثال من جسمه الي فؤاده مثال العالم الكلي و جعل عالم المادة باسرها من جسمها الي فؤادها مادة العالم الكلي و جعل عالم الطبع من جسمه الي فؤاده طبع العالم الكلي و جعل عالم النفس باسرها من جسمها الي فؤادها مقام نفس العالم الكلي و جعل عالم الروح من مبدئه الي منتهاه مقام الروح للعالم الكلي و جعل عالم العقل من مبدئه الي منتهاه مقام العقل للعالم الكلي و جعل عالم الفؤاد من مبدئه الي منتهاه مقام الفؤاد للعالم الكلي فبهذه المراتب الكلية تمّ و كمل مراتب العالم الكلي فله فؤاد الي الجسم و هذا المعني لايمنع ان‏يكون لكل مرتبة من مراتب العالم الكلي ايضاً مراتب ثمانية كما هو واقع و لايجب ان‏يكون مراتب كل مرتبة كمراتب مرتبة اخري فوقها او تحتها كمّاً و كيفاً و شكلاً بل يجب ان‏يكون مراتب كل مرتبة مناسبة مع عالمها فتكون في العقل عقلانية و في الروح روحانية الي ان‏تكون في الجسم جسمانية و لايجب ان‏يكون الجسم الجسماني كالجسم المثالي و بالعكس و هكذا الي العقل بل ربما يكون الجسم المثالي الطف و ارق من الفؤاد الجسماني بسبعين مرة كما هو الواقع و لايلزم ذلك ان لايكون جسم في عالم المثال بل كان فيه جسم ولكن هكذا لان عالم المثال باسره الطف و ارق من عالم الاجسام المعروفة. اما تسمع قول المشايخ شيّد اللّه بنيانهم ان فؤاد الانبياء الذي يعرفون به ربهم خلق من نور جسم الائمة الطاهرين سلام ‏اللّه عليهم فلايجب ان‏يكون الاجسام في جميع المراتب مماثلاً في الطول و العرض و العمق و سائر لوازمها.

فاذا تمّ مراتب العالم الكلي ادار اللّه سبحانه سموات كل رتبة علي ارضيها لان السموات ايديه الفاعلة و الارضين ايديه القابلة و طرحت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 152 *»

السموات انوارها و اشعة كواكبها علي الارض و كانتا رتقاً من قبل ذلك ففتقها فاثارت الشعلات الارض و مخضتها و قرنت بعض اجزائها ببعض و حلت بعضها في بعض بالقوة الفاعلة الحارة و عقدت بعضها في بعض بالقوة القابلة الباردة فخلطت الاجزاء و فعلت بعضها في بعض و انفعلت بعضها من بعض حتي مزجت و اتحدت فاول ماتولد من بينها هو الجماد. ثم ان دبرته يد التقدير مرة بعد اولي جعلته نباتاً و ان لم‏تدبره يبقي علي الحالة الجمادية فيصير جماداً و يعدّ من الجمادات ثم ان دبرته مرة ثالثة جعلته حيواناً من الحيوانات ان لم‏يمنعها مانع و الا بقي علي الحالة النباتية و يعدّ من النباتات ثم ان دبرته مرة رابعة جعلته انساناً من الاناسي ان لم‏يمنعها مانع و الا بقي علي الحالة الحيوانية و تعدّ من الحيوانات و تلك المراتب الاربعة@الاربع‌ خ‌ل@ في كل عالم بحسبه ففي عالم الدنيا المحسوس كلها دنياوية و في عالم المثال كلها مثالية و في عالم الاخرة كلها اخروية انسانية و ان الدار الاخرة لهي الحيوان الا ان حيوة جمادها و شعوره بالنسبة الي نباتها و نباتها بالنسبة الي حيوانها و حيوانها بالنسبة الي انسانها كحيوة جماد هذا العالم المحسوس و شعوره بالنسبة الي نباته و نباته بالنسبة الي حيوانه و حيوانه بالنسبة الي انسانه و ليس جماده كجماد هذا العالم بلا حيوة و شعور بل جماد عالم الاخرة اشد شعوراً و اقوي حيوة من انسان هذا العالم بلا نهاية لان جماد ذلك العالم مخلد اما مرزوق في الجنة او محروم في النار و انسان هذا العالم ليس كذلك بل هو فان كماتري عياناً و ليس حال تركيب مواليد الاخرة و تركبها كحال مواليد هذا العالم في تركيبها و تركبها و لا في نوع الخلقة فاجزاء مواليدها ليست مستقلة قبل التركيب متفرقة بعضها من@عن خ‌ل@ بعض و ليس يمرّ عليها اوقات كثيرة ثم يأتي وقت و قران و يتركب و يمرّ علي حال التركيب اوقات بخلاف مواليد هذا العالم‏تري اجزاءها مستقلة قبل التركيب و يمر عليها اوقات عديدة ثم يقتضي قران بتقدير اللّه سبحانه وجود مولود من المواليد فيركّبها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 153 *»

تركيباً و يمرّ علي حالة التركيب اوقات حتي يتمّ تركيبها كماتري و في الحقيقة كل مركب هكذا لايصير شيئاً واحداً حقيقياً حتي يصير مخلداً غير فان و لذا لايبقي علي الزمان مركب ابداً و انما مآله الي الفساد لانه مركب من اشياء عديدة و لايصير الاشياء شيئاً واحداً. و ليس في هذا الموضع مقام البيان ازيد من ذلك و يأتي ان شاءاللّه في قوس الصعود تفصيل ازيد.

بالجملة اجزاء المواليد الاخروية ليست باشياء مستقلة قبل التركيب بل هي مخلوقة بخلق المولود مساوقة له و الاجزاء كسور للمولود في ذلك العالم لا اشياء فلو لم‏يكن شي‏ء لم‏يكن كسور البتة و ان وجد شي‏ء وجدت الكسور بوجوده و لايعقل ان توجد كسور الشي‏ء قبل الشي‏ء فاذا لم‏يكن اجزاؤه موجودة قبل التركيب لم‏يكن مخلوق([15]) من مادة سابقة عليه بخلاف مواليد هذه الدنيا فانها كلها مسبوقة بمادة سابقة و لذا مآلها الي تلك المادة البتة و لما كان مادة المولود الاخروي توجد حين وجوده و لم‏يكن سابقة قبله لايعقل له الفساد و الفناء عادة لانه ان وجد فقد وجد و ليس اجزاؤه قبله حتي يرجع اليها بعد و هذا هو سرّ الخلود في دار الاخرة و قلّ من يعرف ذلك فهو نور منير و قدرة قدير و اثر مؤثر قديم قائم به باق ببقائه دائم بدوامه لايحتاج الا الي مؤثره و مؤثره واحد احد فرد صمد قيّوم و الاثر مطابق لصفة مؤثره لامحالة فكل ماكان للمؤثر يكون للاثر لانه هو وجوداً و عياناً بخلاف المركب الذي يركب من اشياء فيكون اثراً لمؤثرات عديدة فناره اثر النار المطلقة و هواؤه اثر الهواء المطلق و ماؤه اثر الماء المطلق و ترابه اثر التراب المطلق و هكذا مراتبه الغيبية فكان حياته اثر الحيوة المطلقة التي في فلك القمر و فكره اثر فلك عطارد و خياله اثر فلك الزهرة و وهمه اثر فلك المريخ و علمه اثر فلك المشتري و عقله اثر فلك زحل و مادته اثر فلك الشمس و صدره اثر الكرسي و قلبه اثر العرش فقبضاته اشياء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 154 *»

متعددة و كل واحد منها اثر لمؤثر خاص ففيه شركاء متشاكسون و لم‏يسلم لمؤثر واحد و رجل واحد فالمؤثر الترابي يطلب ترابه دائماً و ترابه يميل اليه دائماً و المؤثر المائي يطلب ماءه دائماً و ماؤه يميل اليه دائماً و كذا الهواء يطلب هواءه و النار تجذب ناره و حصصه الفلكية ينجذب الي الافلاك دائماً فلايمرّ عليه وقت الا يفكك اجزاؤه و يفتت و كل جزء يرجع الي اصله و حيزه «فالبحر بحر علي ماكان في القدم» كلام متين في هذا الموضع لا في ذات الحق سبحانه و تعالي عمايصفون.

و في التحقيق مثل هذا المركب لايكون واحداً حين الاجتماع و التركيب اذ الاشياء المتعددة لايعقل ان‏تصير واحداً حقيقياً و انما جمعها يد التدبير و التقدير لمصالح فاذا حصل المراد منها خلّتها و طباعها المختلفة لعدم الحاجة الي الاجتماع و الاقتران بعد حصول المراد و ذلك لايكون الا كمجلس اجتمع فيه الرجال الكثيرون لشوري و مصلحة و حاجة مع اختلاف طباعهم و صفاتهم من الايمان و الكفر و يصدق عليهم قوم واحد عرضاً و لايلزم من صدق هذا الاسم العرضي عليهم انه كل واحد منهم صار كل واحد فلايكون الا شي‏ء واحد بل كل واحد غير صاحبه حين الاجتماع فالغني غني و الفقير فقير و المؤمن مؤمن و الكافر كافر و كل واحد يجزي بجزائه من الثواب و العقاب حين الاجتماع و المغرور من زعم انهم قوم واحد فيجزي بجزاء واحد و من هذا تبصر امر الاخرة و اهلها بانهم ليسوا بمركبين من اشياء مختلفة الحيز بل هم مركبون من اجزاء و اجزاء الشي‏ء الواحد لاتكون مختلفة الحيز بل كلها حيزها واحدة فلايكون حيز تراب الاخرة غير حيز الماء و حيزهما غير حيز الهواء و حيزها غير حيز النار و كذا ليس حيز عناصرها غير حيز سمواتها بخلاف بسائط هذه الدنيا العرضية فانها لغاية بعدها عن المبدأ يتكثر اجزاؤها و يتشقق و يختلف حيزها و اما بسائط الاخرة كلها في كلها و لاتقتضي الا حيزاً واحداً و لذلك صارت دار البقاء و الخلود

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 155 *»

و الدوام فالمركب من مثل هذه البسائط يكون اجزاؤه تقتضي حيزاً واحداً و كل جزء منه يطلب حيز جزء آخر علي الدوام فتعانق الاجزاء كلها الي كل فكلما يمر عليها وقت تصير اشد تعانقاً و اقل تكثراً و اختلافاً ففي كل آن تصير الاجزاء اشد توحداً من آن سابقه فلذلك ليس مآلهم الي الفناء و الفساد و يصير مآلهم الي الانضمام و الاتحاد و يقتضي ذلك الخلود و الدوام و كيف لايكون مثل ذلك المركب مخلداً و يكون اجزاؤه كل واحد منها يطلب حيز صاحبه علي الدوام فيكون امر الاخرة بخلاف امر الدنيا العرضية الفانية لان اجزاء مركب الدنيا تميل الي الخارج دائماً و تطلب حيزاً متعددة([16]) دائماً و تقتضي امداداً مختلفة دائماً و يصدر من كل منها فعل خاص دائماً فتصير مآلها الي الافتراق و الي الفناء و الفساد و اجزاء مركب الاخرة تميل الي الداخل دائماً و تطلب حيزاً واحداً دائماً و تقتضي مدداً واحداً دائماً و يصدر منها فعل واحد دائماً فالمؤمن يعمل من كل رتبة منه مايعمل بالاخري و يصدر من كل واحد منها مايصدر من الاخري بل يصدر من كل جزء منه ماصدر عن كل اجزائه فيفعل بعقله مايفعل بجسده و يعتقد بجسده مايعتقد بعقله بخلاف هذه الدنيا و يعلم بجسمه مايعلم بنفسه و يفعل بنفسه مايفعل بجسمه و يتخيل بجسمه مايتخيل بمثاله و خياله و يفعل بخياله مايفعل بجسمه بل يعلم بعاقلته مايعلم بعالمته و يتعقل بعالمته مايتعقل بعاقلته و يتوهم بهما مايتوهم بواهمته و يعلم و يتعقل بواهمته مايعلم و يتعقل بعالمته و عاقلته و يتخيل بعاقلته و عالمته و واهمته مايتخيل بمتخيلته و يعلم و يتعقل و يتوهم بمتخيلته مايعلم و يتعقل و يتوهم بها و يتفكر بعاقلته و عالمته و واهمته و متخيلته مايتفكر بمتفكرته و يعلم و يتعقل و يتوهم و يتخيل بمتفكرته مايتعقل و يعلم و يتوهم و يتخيل بمامرّ و يظهر افعال هذه كلها من جسمه و جسده و بالعكس بل يسمع بعينه و يبصر باذنه و يشم بهما جميعاً و يذوق

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 156 *»

بكلها و يلمس بكلها بل يسمع بعقله و يتعقل باذنه و يبصر بعقله و يدرك الكليات ببصره و يشم بعقله و يدرك الكليات بانفه و يذوق بعقله و يدرك الكليات بلسانه و يلمس بعقله و يدرك الكليات بيده و سائر جوارحه و ينطق بيده و رجله و يعطي و يمشي بلسانه و من هذا الباب المسدود و السر المستور قوله سبحانه تكلمنا ايديهم و تشهد ارجلهم لما كانوا يكسبون فكيف يمكن القياس في امر الاخرة بالدنيا و كيف يتبادر الي الاذهان التي لايتبادر اليها الا مارأته العيون العرضية و ماسمعته الاذان الدنياوية امور الاخرة الحقيقية و الواقعية.

بالجملة و ليس المقصود شرح هذه الاحوال الا انه قد جري لاطراد المقال و المقصود في هذه الحال بيان ان لكل عالم من هذه العوالم الكلية مواليد اناث و رجال فاهل كل عالم من هذه العوالم مايخصه من ذلك العالم و كل ماكان من ذلك العالم فهو له و كل مايلحقه من خارج ذلك العالم فهو خارج و ليس من ذاتية ذلك العالم و لا من ذاتية اهله فاذا عمر اللّه سبحانه الديار بديار كل عالم امر اهل كل عالم بالنزول الي المراتب الدانية ليطلع اهل كل عالم ما في كل عالم و يشاهد قدرة القدير و يذعن له بالحكمة و حسن التقدير و يصير ذلك الاذعان سبباً الي زيادة قربه لدي ربه الجليل و يقتضي ذلك رسم فائدة اخري لايضاح السبيل.

                   فائدة

قال اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلّين انما تحدّ الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و ذلك بديهي عند اهل الحكمة. الاتري ان الروح البخاري و ان كان دراكاً محضاً ما لم‏يكن له آلة الابصار التي هي العين لم‏يقدر علي ادراك الالوان و الاضواء و ما لم‏يكن له آلة السماع التي هي الاذن لم‏يقدر علي ادراك الاصوات و ما لم‏يكن له آلة الاحساس لم‏يكن ليحس الكيفيات و هكذا في سائر المدارك و ادراكاتها و ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 157 *»

لان الروح البخاري لما كان الطف من هذه المحسوسات بدرجة مع انه كان من جنسها لم‏يكن له ادراك الكثائف المحسوسة الا بآلات مناسبة كثيفة لها فلما كان الامر كذلك قد جعل اللّه سبحانه لادراك كل شي‏ء في كل عالم آلات من جنسها و ذلك تقدير العزيز العليم. فاذا كان الامر في الروح البخاري و المحسوسات كذلك مع انهما من عالم واحد لانه ليس الا من لطائف هذه العناصر فكيف كان الامر في مدارك عالم اعلي بالنسبة الي مدركات عالم ادني فلما قدر اللّه سبحانه ادراك ما في العوالم الدنيا للعوالم العليا قدر للعليا النزول الي مراتب العوالم الدنيا للاطلاع و المشاهدة لقدرته و الاذعان له بسبب ذلك بالعبودية فامرهم اللّه سبحانه بالنزول باشراقهم في الالات التي هي من جنس العوالم الدانية لا بذاتهم لانهم لو نزلوا بذاتهم الي الرتبة الدنيا يلزم خلو مقامهم عن ذاتياتهم و قد ثبت في الحكمة ان الداني لايمكن ان‏يستحيل الي العالي و كذا بالعكس و لايمكن استحالة نور الشمس بالشمس و بالعكس فلابد و ان‏يكون النزول بالاشراق و التعلق الي الداني كما ان الروح البخاري لايستحيل الي الالات المجانسة للمحسوسات بل يشرق عليها و يدرك من ورائها ماادّتها اليها كذلك الامر في كيفية النزول للعوالم و بعد الاشراق لايصير الالات الدانية جزءاً منها ابداً بل اجرت افعالها علي ايدي تلك الالات من غير ان‏يصير الالات جزءاً منها كما كنت ضربت بالعصاء و انت ضربت لا غيرك ولكن بالعصاء و لم‏تكن العصاء جزءاً منك بوجه من الوجوه و كذلك انت قطعت بالسيف و السكين لا غير و لم‏تكونا جزءاً منك ابداً كما ان الروح البخاري يدرك الالوان و الاضواء بالعين لا غير و مع‏ذلك لم‏تصر العين جزءاً من الروح البخاري و كذلك يدرك الاصوات بالاذن و لم‏تصر الاذن جزءاً منه و لم‏يكن في ذلك شك ابداً.

و ليس المقصود نفس هذه الامثلة الواضحة البديهية و انما تضرب ذلك لبيان كيفية نزول المراتب لعلك لاتشك فيها بان المراتب الدانية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 158 *»

لاتصير جزءاً للمراتب المتنزلة و قد مرّ الاشارة علي ذلك في المقدمات السابقة فلما قدر اللّه سبحانه ذلك امر العقل بالنزول اولاً فقال له ادبر فادبر و نزل الي عالم الارواح و بعد نزوله فيها قد خمد نوره و خفي ظهوره و تفككت اركانه و فسدت مشاعره و تحللت اعضاؤه و دفن في ارض عالم الارواح و صار روحاً بالفعل لايري من لوازم رتبته الذاتية شي‏ء و صار ظاهراً كواحد من الاشخاص الروحانية و صار مشاعره الذاتية بالقوة في عالم الارواح فصار سماؤه بالقوة في سماء عالم الارواح و عناصره في عناصرها و مواليده في مواليدها ثم امر الارواح بالنزول الي العوالم الدانية فنزلت الارواح الي عالم النفوس بما فيها من التنزلات العقلانية فصار كل جزء منها مع مافيها بالقوة في اجزاء عالم النفوس فصار سماؤها بمافيها من اشراق العقل كامنة في سماء عالم النفوس و ارضها بمافيها من العقل في ارضها و مواليدها في مواليدها ثم امر النفوس بمافيها من الامثلة الروحانية و العقلانية بالنزول فنزلت الي عالم الطبايع فصارت قوة بعد ما كانت بالفعل في عوالمها الذاتية فسمواتها صارت كامنة في سموات عالم الطبايع و عناصرها في عناصرها و مواليدها في مواليدها ثم امر الطبايع بمافيها من الاشعة من عالم النفوس و الارواح و العقول بالنزول فنزلت الي عالم المثال فصارت فيه بالقوة سماؤها في سمائه و عناصرها في عناصره و مواليدها في مواليده ثم امر الامثلة بمافيها من الطبايع و النفوس و الارواح و العقول بالنزول فنزلت الي عالم الاجسام و كمنت كلها في كلها فصار عرش تلك العوالم كامناً في عرش عالم الاجسام و كرسيها في كرسيها و سمواتها في سمواتها و عناصرها في عناصرها و مواليدها في مواليدها ثم امر العرش بالنزول فنزل بمافيه الي الكرسي فنزل الكرسي بمافيه في فلك الشمس فنزلت الشمس في الافلاك الستة ثم نزلت الافلاك في كرة النار و نزلت كرة النار بمافيها من الامثلة و الاشعة العالية الي كرة الهواء ثم نزل الهواء بمافيه الي كرة الماء و نزل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 159 *»

الماء بما فيه الي التراب فصار التراب مجمع الجميع و مخزن الكل و مكمنها و صارت الكل فيه بالقوة و ذلك غاية ادبار المراتب العالية التي اولها العقل و آخرها المثال. و لاتغفل من كيفية نزول المراتب العالية فانها بذاتيتها لم‏تنزل الي التراب و انما تنزل باشراقها و امثلتها و اشعتها و هي بانفسها ثابتة في محالها كما تري عياناً ان العرش بذاتيته لم‏ينزل الي الكرسي و الكرسي بذاتيته لم‏ينزل الي السموات و السموات بذاتيتها لم‏تنزل الي العناصر و انما نزل كل واحد منها بانوارها و اشعتها كما لايخفي فكانت افعال تلك المراتب العالية كامنة في هذا التراب و يكون كلها في غيب التراب متدرجة بعضها فوق بعض بالترتيب الذي مرّ ذكره فكل ماكان مقدماً في الوجود يصير مؤخراً في الظهور.

ثم دعا اللّه سبحانه تلك الكوامن بالسنة الافلاك و اشعة كواكبها الي دار قربه فقال لها اقبلي بالقول الكوني الذي هو انوار الكواكب اذ هي في هذا العالم محل مشية اللّه سبحانه لانه سبحانه ابي ان‏يجري الاشياء الا باسبابها و اسباب اثارة الارض الجسمانية لم‏تكن الا الكواكب الجسمانية فادار سبحانه الافلاك علي الارض و دبرت الارض بسبب حرّ اشعة الكواكب و بردها فاثرت الحرارة في الارض و بخرت الرطوبات التي في اجوافها و ذلك البخار مركب من الماء و لطائف الارض و قد لحقته لمروره بها فذلك البخار ان اشتدت الحرارة فيه صار دخاناً فان اتفق في بقعة من بقاع الارض بخار و في بقعة اخري مقاربة لها دخان بحيث يكون بينهما منافذ يتصل البخار بالدخان و ذلك لانه ثبت في الفلسفة ان مادة كل مولود بخار و دخان فيمتزجان لانهما لطيفان متناسبان يمكن خلط واحد بالاخر ثم اثر البرد علي سطح الارض اما في الشتاء و اما في الليالي فانسد مسام الارض بالبرد الوارد و احتقن الحرارة في جوف الارض فصعد تلك المادة بالحرارة في تلك البقعة ثم اثرت الحرارة علي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 160 *»

سطح الارض اما في الصيف او في الايام باختلاف حصول المواليد فان منها مايحصل بسبب برد ليال و حرّ ايام عديدة قليلة و منها ما لم‏تحصل الا بعد مرور ليال و ايام كثيرة و منها مايحصل في سنة و منها في سنوات عديدة. بالجملة نوع الخلقة في الكل واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و كلها تحصل من البخار و الدخان بسبب تأثير الكواكب فكلما غلب علي سطح الارض برودة تحتقن الحرارة في جوف الارض و تصعد المادة المحتقنة و كلما غلب عليه الحرارة تبرد الجوف و ذلك لانفتاح مسام الارض و صعود الحرارة المحتقنة و لان طبع الارض بارد بالذات فكلما تبرد الجوف ينزل المادة و بسبب الصعود و النزول و المرور باجزاء الارض دائماً تلحقها اجزاء الارض اللطيفة فتحل تلك الاجزاء في تلك المادة بالحرارة و تعقد بالبرودة و بهذا الحل و العقد الدائم يحصل للمركب امتزاج تام بمرور الايام حتي يحصل جماد من الجمادات و ليس فيه روح مفارق لجسده الا ان اهل الفلسفة يثبتون له قوة هاضمة و عند التحقيق ان هذه القوة ليست من روح خارج فيه بل ذلك بسبب الحرارة و الرطوبة فان لم‏يعتبر فيه قوة مطلقاً لكان اولي لان الفواعل الخارجية لا دخل لها في اصل طبع المركب و تلك القوة التي يثبتونها له ليست الا كانهضام الطعام في القدر بسبب حرارة النار الخارجية و الرطوبة.

بالجملة و سبب جمود الجماد و وقوفه في الحالة الجمادية قلة رطوبته التي بها يطاوع القابل فعل الفاعل فاذا كان المادة المأخوذة اكثر رطوبة من المادة الجمادية و كرّ عليها الافلاك و مرّ عليها الليل و النهار و صفتها و عدلتها و نعمتها اكثر من الجماد تحصل لها لطائف و غلائظ و تفارق لطائفها غلائظها في الجملة تصير تلك المادة نباتاً من النباتات و يحصل له روح غير جسمه فيحصل لروحه قوي و خاصية كما روي عن اميرالمؤمنين7 فقواه الجاذبة و الماسكة و الهاضمة و الدافعة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 161 *»

و المربية فبالجاذبة يجذب المشاكل لجسمه من الاجزاء الارضية و بالماسكة يمسكها حتي يفعل الطبيعة فيها فعلها و بالهاضمة يصلحها لان‏تصير مناسبة لان‏يخلف مايتحلل و كأنه7 يعدّ القوة المغيرة في ضمن الهاضمة و بالدافعة يدفع الفضول التي لاتصلح لان‏يكون غذاء له فاذا تمّ فعل هذه القوي و وصل الغذاء الي الاعضاء يربو و يحصل لها النماء ثم ان وصل اليها امداد اكثر ممايتحلل يزيد فيها و ذلك من اول تكونه الي سن وقوفه و ان وصل اليها الامداد بقدر مايتحلل منها لايزيد و ذلك من سن وقوفه الي اول الانحدار و الكهولة و ان وصل اليها الامداد اقل ممايتحلل منها ينقص و ذلك سن بعد الوقوف فيحصل له الخاصيتان الزيادة و النقصان و يختلف ذلك بحسب اختلاف المادة المأخوذة للانواع و الاصناف و الاشخاص و انما سمي هذا النبات بالروح بالنسبة الي جسده العرضي الذي هو وقاية له و الا ليس ذلك النبات بالروح المحض بل هو شي‏ء مستقل له مقام عقل و نفس و طبع و مثال و جسم كلها بحسبه فلكلها@فکلها خ‌ل@ نباتية و ليس جسمه الاصلي الذاتي هذا الجسم المرئي الذي يري من ظواهر النباتات لانه ليس الا الفضول التي تدفعها قوته الدافعة الي الخارج و انما تعلق به لاحتياجه اليه لانه كان وقاية له عن الحر و البرد و سائر الواردات و الحوادث و ليس الا كثوب و لباس لك تلبسه عند الحاجة و تخلعه فان كنت ضعيف البدن تحتاج الي اللباس دائماً و تلبسه دائماً و بذلك لاينبغي لعاقل الشك في ان هذا اللباس جزء بدنك لانك تلبسه دائماً لاحتياجك الدائم ولكن الناس لما كان غاية ادراكهم مارأته اعينهم العرضية يزعمون اللباس الدائم جزءاً للبدن و ليس ذلك الا قصراً من فهمهم و ادراكهم فانك ان كنت من اهل الحكمة تعلم ان جسم كل روح لابد و ان‏يكون مشاكلاً معه مناسباً حتي يمكن لهما التعانق و الامتزاج و الاتحاد و الروح النباتية الطف من هذه@هذا خ‌ل@ الهواء بسبعين مرة و تري ان الهواء لايمكن مزجها بهذا التراب فكيف

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 162 *»

يمكن مزج الروح النباتية بامثال هذه الابدان الكثيفة فلها جسم مشاكل معه بحيث يختلط معه و يمتزج بل يتحد و بعد الاتحاد له مراتب من اول بدئه الي منتهي ختمه فاول بدئه مايتصل بمبدئه و هو عقله و هو اول ما خلق منه و آخره ختمه هو غاية بعده عن مبدئه و هو جسمه و هذا الذي تراه بعينك هو لباس له و وقاية له و ليس بجسمه الاصلي. الاتري انك لاتري منه الا ماتري من سائر جمادات العالم و اما ماتفهم انه فيه ماينمو فانما تعرفه بعقلك و عقلك يحكم انه غير هذه الوقاية بالبداهة فاذا عاد عاد الي مامنه بدي‏ء عود ممازجة لا عود مجاورة و ذلك لان كل شي‏ء يرجع الي اصله و لايتجاوز شي‏ء ماوراء مبدئه فمبدأ هذا النبات الذي هو البدن العرضي للنبات هو هذا التراب فمعاده اليه يقيناً كماتري انه بعد القطع و القلع اذا دفنته في الارض لايمرّ عليه وقت الا انه يتفكك اجزاؤه و يفسد كونه و يستحيل الي التراب و يلحق مائيته بالمياه المطلقة و هواؤه بالاهوية المطلقة و ناره بالنيران المطلقة و لايبقي له اثر كون و ذكر عين و صار تراباً محضاً يصلح لان يصير جماداً او نباتاً او حيواناً او انساناً او غير ذلك و لو كان شيئاً مركباً حقيقياً لماكان يصلح لان‏يصير شيئاً آخر و اما النبات الاصلي الذي يكون مستوراً في اللباس فهو ايضاً يعود الي هذه العناصر العرضية لانه من صوافي هذه العناصر كما نصّ عليه اميرالمؤمنين7 فاذا عاد عاد الي ما منه بدي‏ء عود ممازجة لا عود مجاورة لانه مركب من اشياء مستقلة قبل التركيب فكما يكون بدؤه من هذه العناصر في هذه الدنيا يكون عوده اليها في هذه الدنيا و لايبقي له اثر في عالم من العوالم اذ ليس مبدؤه من العوالم العالية حتي يصير عوده اليها و سبب وقوف هذا المركب في رتبة النبات قلة رطوبته و عدم مطاوعته لفعل الفاعل.

فاذا كانت الرطوبة اكثر من الرطوبة التي في المادة النباتية فيكون اطوع لفعل الفاعل و لايقف حد النباتية بل يطاوع فعل الفاعل و يلطفه و

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 163 *»

ينعمه و يعدله اكثر من تعديل النبات و تلطيفه فيحدث في جوف قلبه بخاراً صافياً لطيفاً بلطافة جسم الافلاك فاذا صار بلطافة الافلاك يجذب روحاً من المبدأ كروح الافلاك و هي الروح الحيوانية التي في باطن الافلاك و ليست من مواليد هذه الدنيا و ان كان وعاؤه من هذه الدنيا كما يكون جسم الافلاك من هذه الدنيا و هي من عالم المثال فاذا تعلق بذلك البخار تلك الروح المثالية تحرك هذا البدن كماتحرك روح الافلاك الافلاك و مقرها القلب اي الروح البخاري و هو القلب الحقيقي في هذا البدن و يسمي هذا القلب اللحماني الصنوبري بالقلب لانه محل تكون ذلك الروح البخاري او مقرها القلب اي هذا القلب الصنوبري لان الروح الحيواني تعلق بالبخار في هذا القلب فيصدق ان‏يكون هذا مقر الروح الحيواني فاذا تحللت الالات الجسمانية يموت و يتصل الي مبدئه في عالم المثال فيصير عوده الي بدئه اذ كل شي‏ء يرجع الي اصله فاذا عاد عاد الي ما منه بدي‏ء عود ممازجة و فساد و بطلان لا عود مجاورة و ذلك لان عالم المثال ايضاً كهذا العالم له سموات منفصلة عن ارضه و ارض منفصلة عن سمواته كما تري في المنام و مركباته و مواليده ايضاً كمركبات هذه الدنيا تتولد من اشياء مستقلة قبل التركيب لان عالم المثال متصل بهذه الدنيا و يجري عليه مايجري علي هذه الدنيا الا انه لما كان الطف منها بدرجة يكون اوقات كون مواليده الي فسادها اكثر من هذه الدنيا و ادوم و لذا يصير برزخاً بين الدنيا و الاخرة و بين الزمان و الدهر و لذا قد يعدّ من الدهر لانه غائب عن الادراك الظاهر و قد يعدّ من الدنيا كما ان الجنّتان المدهامّتان تعدّان من الجنان الدنياوية.

بالجملة و لذلك الروح خمس قوي و خاصيتان يعرف بها كما نص عليه اميرالمؤمنين7 فقواه السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و خاصيتاه الشهوة و الميل الي المجانس و الغضب و النفرة عن المنافر و هو

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 164 *»

في عالمه له مبدأ و منتهي مبدؤه عقله و منتهاه جسمه و له المراتب الثمانية من العقل الي الجسم و كلها في عالم المثال بدؤها منه و عودها اليه و له جسمان عرضيان في الدنيا ليس بدؤهما منه و لا عودهما اليه بل بدؤهما و عودهما في هذه الدنيا كما مرّ و هما الجسم النباتي و الجسم الجمادي الدنياوي اللذان مبدؤهما في هذه الدنيا فيكون معادهما هذه الدنيا و لايصعدان الي عالم المثال و لا ذكر لهما في عالم المثال ابداً و سبب وقوف الحيوان علي الدرجة المثالية عدم مطاوعة مادتها فعل الفاعل اكثر من ذلك.

فاذا كان مادة اصفي من المادة الحيوانية و الطف و ارطب دبرها الفاعل حتي يعدلها و يلطفها و يرققها و ينعمها اكثر من المادة المأخوذة لظهور الحيوان عليها فتصير حاكياً للروح الدهري الذي هو فوق عالم المثال فيظهر فيها ذلك الروح و له خمس قوي و خاصيتان فقواه العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و خاصيتاه@خاصيتان خ‌ل@ النزاهة و الحكمة و هذه الصفات ان كانت كونية ففي الكون و ان كانت شرعية ففي الشرع و تلك من خصال الروح الدهري الاخروي سواء كانت كونية او شرعية و سبب فراقه و موته اختلاف المتولدات الدانية البرزخية و الدنياوية فاذا تحللت الالات الجسمانية الجمادية تحللت الالات النباتية بتحلل الجمادية فتحللت الالات الحيوانية بتحلل الالات النباتية فاذا عاد عاد الي ما منه بدي‏ء و هو عالم الاخرة و عالم الدهر عود مجاورة لا عود ممازجة بخلاف مادونه من الارواح و سبب مجاورته و عدم ممازجته انه لم‏يتولد من الاشياء المتعددة المستقلة قبل التركيب حتي يعود اليها كما جاء بل هو مركب من الاجزاء و الكسور التي ليست قبل التركيب بل وجدت حين التركيب و بهذه الكسور يوجد الشي‏ء الحقيقي فاذا وجد فقد وجد و لايمكن ان‏يفقد نفسه بعد ماوجد بخلاف المتولدات البرزخية و الدنياوية فانها ليست في الحقيقة بشي‏ء واحد و ان كانت صورها واحدة ظاهراً بل هي اشياء متعددة في كيس واحد

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 165 *»

و وعاء واحد فاذا خرق الكيس و الوعاء يتفرق الاشياء كماكانت اول مرة و قد مرت الاشارة الي ذلك في المقدمات السابقة.

بالجملة سمي المتولد الدهري بالروح بالقياس الي هذه الجمادات الكثيفة و الا لم‏يكن روحاً محضاً كما يفهم من بعض العبارات بل هو مولود تام اخروي له مبدأ و منتهي و غيب و شهادة و لغيبه مراتب اربع فؤاد و عقل و روح و نفس و لشهادته مراتب اربع طبع و مادة و مثال و جسم فله مراتب ثمانية في عالمه و ليس له نقص من المراتب و المراتب الدانية ليست منه و لا اليه. اماتري ان مواليدها كلها متولدات من الاشياء لا من الكسور و الاجزاء فلاتكون في الواقع اشخاصاً مستقلة بل تكون اشخاصاً ظاهرية ملتأمين من الاشخاص العديدة فلاتكون كل واحد واحداً حقيقياً كما مرّت الاشارة اليها في المقدمات السابقة بالجملة و سبب وقوف الانسان الذي هو من عالم النفوس عالم الانسانية عدم مطاوعة المادة المأخوذة لها لفعل الفاعل.

فاذا كانت المادة المأخوذة الطف من المادة المأخوذة للانسان يحكي حينئذ روحاً اعلي من الروح الانساني النفساني و تحكي مما يكون اعلي من النفوس و هو عالم الارواح و متولدات ذلك العالم كلها انبياء و سبب وقوف تلك المتولدات ايضاً عدم مطاوعة المادة المأخوذة.

فاذا كانت المادة الطف و اعدل من مادة الانبياء: تكون اطوع لفعل الفاعل فدبرها ايدي التدبير حتي صارت تحكي روحاً اعلي من روح الانبياء و هو روح نبيّك9 كماروي اول ما خلق اللّه نور نبيّك يا جابر و المراد من هذا الروح هو عقل@العقل خ‌ل@ اول ماخلق اللّه سبحانه و الائمة: مشاركون في ذلك مع النبي9 اشهد انّ ارواحهم و نورهم و طينتهم واحدة فاذا عادوا عادوا الي ما منه بدءوا عود مجاورة لا عود ممازجة بل عود ممازجة لا عود مجاورة لانهم سلام ‏اللّه عليهم لم‏يبق لهم اثر انية و عود الممازجة اولي بالتعبير في حقهم لكن لا بمعني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 166 *»

ما مرّ في مادون عالم النفوس بل بمعني الاضمحلال و الفناء في سطوع نور اللّه سبحانه اذ بدؤهم من اللّه سبحانه و عودهم اليه البتة و ليس المراد من اللّه سبحانه ذات الحق بل المراد انواره و صفاته و آياته و اسماؤه و نحن واللّه الاسماء الحسني التي امر اللّه ان تدعوه بها و لهم في مقامهم فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم كلها في عالمهم لايشاركهم فيها احد فاذا نزلوا في مقام الانبياء اخذوا لانفسهم من ذلك المقام ايضاً ما يكون للانبياء فيصير ذلك المقام لهم مقام عرضي روحاني([17]) و لهم في هذا المقام العرضي ايضاً فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم كمايكون للانبياء ذلك باجمعها فاذا نزلوا بواسطة العرض الروحاني الي مقام النفس حصل لهم نفس من الاناسي كما نزل الانبياء و حصل لهم ذلك ولكن ما حصل لائمتنا: كان الطف و احسن و اولي مما حصل للانبياء و ما حصل للانبياء كان الطف و احسن و اولي مما يكون لذاتية الاناسي فكان لهم في هذا المقام ايضاً فؤاد الي الجسم و هكذا نزلوا مع الانبياء و الاناسي الي عالم الطبايع و هكذا الي عالم الاجسام العرضية فحصل لهم: جسم عرضي له فؤاد الي الجسم و يكون اعلي و اصفي و احسن مما حصل للانبياء و حصل للانبياء ايضاً ذلك المراتب الثمانية من الفؤاد الي الجسم في عالم الجسم العرضي و كان ما حصل لهم اعلي و احسن مما حصل للاناسي و ما حصل للاناسي كان اعلي و احسن و اصفي مما حصل للحيوانات و ما حصل للحيوانات كان احسن و اصفي و اعدل مما حصل للنباتات و ما حصل للنباتات كان احسن و اصفي و اعدل مما حصل للجمادات و ما حصل للجمادات كان اصفي و الطف و ارق مما بقي من العناصر.

بقي هنا شي‏ء و هو ان كل عال لماعاد الي عالمه الاصلي الذاتي يلقي ما لحقه من العوالم الدانية و يبطل و يتفكك مايلقي و غاية ذلك من هذه الدنيا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 167 *»

الي عالم المثال عالم البرزخ و اما في عالم النفوس و ان كان اللباس النفساني للانبياء و للائمة الطاهرين: لباس عرضي([18]) الا انهم لايتركونه مخلّي و طبعه لان كل مولود يولد في عالم النفوس الدهرية لايعقل ان‏يفسد و تبطل صورته الا ان‏يعبر عن اضمحلاله في سطوع نور العالي بالفناء و الاضمحلال و ذلك لايكون في الوجود بل يمكن في الوجدان بخلاف الالبسة البرزخية فمادونها فانها تبطل صورها في الوجود فضلاً عن الوجدان فما لحقهم: في النفوس صور باقية مخلدة في الجنة و تلك الصور هي حظ اهل الجنة اذا ارادوا زيارة ائمتهم: لان الائمة الطاهرين في رتبتهم هم تلك الصور صلوات اللّه عليهم و كذلك صور الانبياء: في عالم النفوس باقية و هي الانبياء الظاهرون في مقام النفوس قال سبحانه انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و كذلك ما لحقهم في مقام الانبياء هو ما ظهروا للانبياء به و هو باق ابداً و ان كان لهم في مقامهم الحقيقية مقام لايلحقه لاحق و لايسبقه سابق و لايطمع في ادراكه طامع. هذا كلية الامر في كيفية نزول المراتب و صعودها و لما كان المشهور بين الناس هو معاد الانسان فينبغي ان‏يعنون له فائدة خاصة به للايضاح و ان لم‏يظهر للعميان عمران و ان لاح الصباح.

فائدة

قال اللّه سبحانه و تعالي و اذ اخذ ربّك من بني‏آدم من ظهورهم ذرّيتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي شهدنا ان‏تقولوا يوم القيمة انّا كنّا عن هذا غافلين او تقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون و كذلك نفصّل الايات لعلهم يرجعون و عن الكافي و التوحيد عن الباقر7 انه سئل عن هذه الاية فقال اخرج من ظهر آدم ذريته الي يوم القيمة فخرجوا كالذر فعرّفهم نفسه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 168 *»

و اراهم صنعه و لولا ذلك لم‏يعرف احد ربه و عن الكافي عن الصادق7 انه سئل عن هذه الاية فقال و ابوه يسمع حدثني ابي ان اللّه عزّ و جلّ قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم فصبّ عليها الماء العذب الفرات ثم تركها اربعين صباحاً ثم صبّ عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحاً فلما اختمرت الطينة اخذها فعركها عركاً شديداً فخرجوا كالذر من يمينه و شماله و امرهم جميعاً ان‏يقعوا في النار فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم برداً و سلاماً و ابي اصحاب الشمال ان‏يدخلوها و عن الصادق7 انه سئل كيف اجابوا و هم الذر؟ فقال جعل فيهم مااذا سألهم اجابوه و عنه7 لما اراد ان‏يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال من ربكم فاول من نطق رسول اللّه و اميرالمؤمنين و الائمة: فقالوا انت ربنا فحملهم العلم و الدين ثم قال للملائكة هؤلاء حملة ديني و علمي و امنائي في خلقي و هم مسئولون ثم قال لبني‏آدم اقروا للّه بالربوبية و لهؤلاء النفر بالولاية و الطاعة فقالوا نعم ربنا اقررنا فقال اللّه للملائكة اشهدوا فقال الملائكة شهدنا قال علي ان لاتقولوا غداً انا كنا عن هذا غافلين او تقولوا الاية و عن القمي عنه7 في هذه الاية انه سئل معاينة كان هذا قال نعم فثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه و لولا ذلك لم‏يدر احد من خالقه و رازقه فمنهم من اقرّ بلسانه في الذر و لم‏يؤمن بقلبه فقال اللّه فماكانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل انتهي و في ذلك اخبار كثيرة و اوردت هذه تبركاً و قوله7 و هم كالذر ليس مراده كالذر صغراً و هيأة بل المراد انه لماكان في عالم الذر ظهر الجبار للخلق و كلّمهم فكانوا بالنسبة الي جلال عظمته و كبريائه كالذر كماقال السجاد في دعائه و مناجاته لربه انا مثل الذر و زعم السائل و هم كالذر هيأة و لذا سأل كيف اجابوا و هم كالذر فاجابه7 علي قدر عقله جعل فيهم مااذا سألهم اجابوه ففي الواقع خلقهم تام المراتب كامل المقامات لهم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 169 *»

ظاهر و باطن و جسم و روح اماتري قوله7 فمنهم من اقرّ بلسانه في الذر و لم‏يؤمن بقلبه فلهم لسان ظاهر و هو جزء من اجزاء ابدانهم و لهم قلب باطن.

بالجملة ثبوت عالم الذر و وقوعه من المتواترات بل من الضروريات في مذهب آل‏محمّد: حتي صار جارياً علي السنة العوام فلا شك فيه انه خلق سبحانه عالماً غير هذا العالم المعروف و خلق فيه الناس من لدن آدم الي يوم القيمة و امرهم بتوحيده و الاقرار بولاية اوليائه: و بطاعتهم و طاعتهم كلمة جامعة شاملة لجميع ماامروا و نهوا فمنهم من آمن و منهم من كفر فمن آمن هناك آمن هنا و من كفر هناك كفر هنا و ماكانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل ثم امرهم بالنزول الي هذه الدنيا فنزلوا درجة درجة حتي وصلوا الي هذه الدنيا فاول ما نزلوا فيه عالم الطبائع فنزلوا فيه علي ما مرّ سابقاً فغمروا فيها و اختلطوا بارضها و سمائها اي بمواليدها التي تولد بينهما فلرب مؤمن اختلط بطينة الكافر فظهر في ذلك العالم بلباس الكفر و كان باطنه مؤمناً طيباً طاهراً و لرب كافر اختلط بطينة مؤمنة فظهر بلباس الايمان و كان باطنه كافراً خبيثاً نجساً ثم نزلوا الي عالم الدنيا و ظهروا بمواليدها فلرب مؤمن اصلي من عالم الذر اذا نزل في عالم البرزخ ظهر بطينة خبيثة  اماتري المؤمن في هذه الدنيا كريه المنظر قبيح الهيأة نتن الرائحة سيئ الخلق و لرب كافر اذا نزل اختلط بطينة مؤمنة. اماتري الكافر في هذه الدنيا حسن المنظر مستوي الخلقة طيب الرائحة حسن الخلق و لربما كان المؤمن لم‏يختلط بطينة كافرة الا في هذه الدنيا فلايكون سيئ‏ الخلق ولكن كان كريه المنظر و ربما كان الكافر لم‏يختلط بطينة مؤمنة الا في هذه الدنيا فيكون سيئ‏ الخلق علي ماكان ولكن كان مستوي الخلقة في هذه الدنيا عرضاً و ربما لم‏يختلط المؤمن و الكافر بشي‏ء مما لم‏يكن منهما في شي‏ء من العوالم و ذلك كمؤمن متنسك حسن الخلق مستوي الخلقة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 170 *»

او كافر تارك للعمل سيئ الخلق معوج الخلقة و لاشك ان لكل شي‏ء خواص و لوازم تلزمه لاتنفك عنه ابداً فلوازم الاستقامة لاتنفك عنها سواء كانت في مؤمن او كافر و لوازم سوء الخلق لاتنفك عنه سواء كانت في مؤمن او كافر و لوازم حسن الخلق و لين المعاشرة لاتنفك عنه سواء كانت في مؤمن او كافر فلو كان مؤمن مختلطاً بطينة كافرة خبيثة في هذه الدنيا حسب فلوازم تلك تلزمها لامحالة مادام المؤمن متلبّساً بها في هذه الدنيا فاذا مات و القي منه ماكان من هذه الدنيا يعود اليه اي الي ماكان من الدنيا لوازمه و يصعد المؤمن طيباً طاهراً من هذه الادناس و صار في راحة منها في البرزخ و الاخرة ان‌شاءاللّه و لربما كان مختلطاً بطينة خبيثة برزخية فمادام المؤمن في البرزخ يكون مبتلي بها متأذّياً من لوازمها فاذا نفخ في الصور و مات من البرزخ و صعد الي الاخرة يصير من تلك الطينة و من لوازمها في راحة و هو يرجع الي مواليه و الي لقاء ربه و الي جنته و حورها و قصورها و آلائها و نعمائها ولكن مادام متلبّساً بتلك الالبسة الخبيثة يكون في اذي و محنة منها و من لوازمها البتة فلابد له ان‏يستغفر لذنبه دائماً لعل ينجو من شر اولئك الاشرار و كذلك الامر في الكافر بعكس المؤمن فان كان كافر مختلطاً بطينة طيبة في هذه الدنيا يستريح منها و من لوازمها و كان في جنة نعماء الدنيا و كان جنته في هذه الدنيا فقط او الي البرزخ كما كان عذاب المؤمن في هذه الدنيا فقط او الي البرزخ فلو كان مختلطاً بطينة طيبة في البرزخ ايضاً يصير ذلك سبب تخفيف عذابه في البرزخ فاذا نفخ في الصور و يرجع كل شي‏ء الي اصله و ينزع عنه اللباس الطيب يدخل النار خالداً فيها نعوذ باللّه من شرها و ذلك هو السر في ابتلاء المؤمن في هذه الدنيا او في البرزخ نعوذ باللّه و في تنعم الكافر في هذه الدنيا او البرزخ بتخفيف العذاب و سيزول كل واحد منها@منهما خ‌ل@ ما لم‏يكن منهما و يلحق الي مبدئها و في ذلك روايات كثيرة متواترة و في هذا السر ايضاً احد معني الحديث الشريف المشهور بين الفريقين حب علي حسنة لاتضرّ معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 171 *»

معها حسنة فان حبّ علي7 اصل كل خير و اصل ايمان المؤمن و الحبّ محله القلب و الفؤاد كما قال الصادق7 اذا حصل@اشرق خ‌ل@ نور المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و الفؤاد الذي في الانسان مقامه عالم النفس و هو عالم الاخرة الابدي فلاتضر معها المعاصي التي يرتكب الانسان في العوالم الدانية فانها ترجع الي اصولها الخبيثة و كذا بغض علي7 نعوذ باللّه محله القلب و عالمه عالم النفس فلاتنفع معه الحسنات التي يظهر منه بالعرض في العوالم الدانية فانها ترجع الي اصولها الطيبة فاذا كان يوم القيمة يرجع الطيبات الي الطيبين و ترجع الخبيثات الي الخبيثين كما فسّر الباقر7 في حديث طويل بان سيئات المؤمن ليست منه و لا اليه بل ترجع الي ما منه بدئت اذا رجع كل شي‏ء الي اصله.

و ان قيل علي ماذكرت ان المؤمن يؤمن في عالم الذر و كذا الكافر يكفر فيه و لايكفر المؤمن اذا نزل الي هذه الدنيا كما قال سبحانه و ماكانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل فما السبب في النزول و ما فائدة ارسال الرسل و انزال الكتب و دعوة الخلق عاماً الي الايمان و الوعد و الوعيد؟

قلت ان كان القبل قبلاً زمانياً كما زعمت يرد اعتراضك كله ولكن ليس امر النزول و الصعود و القبل و البعد علي ما يتبادر الي الاذهان الزمانية بل كان القبل قبل رتبة و لشرح ذلك و بسطه نحتاج الي رسم فائدة علي حدتها ليكون الامر واضحاً و لا حول و لا قوّة الا باللّه.

فائدة

لاشك ان عالم الذر ليس جزءاً من عالم الزمان حتي يظن بانه كان في الازمنة السابقة و قد مرّ بينه و بين هذه الازمنة سنون و قرون حتي يرد الاشكال بل كان عالم الذر باسره قبل هذه الدنيا باربعة آلاف سنة و ليس هذه السنوات سنوات زمانية بل تكون سنوات رتبية و يعبر عن المراتب التي بين ذلك العالم و بين هذه بالسنوات و كذلك قبليته قبلية رتبية لان ذلك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 172 *»

العالم اقرب الي المبدأ فكانت المراتب الدانية منه بعده كل دان بحسبه فكان عالم الطبائع بعد عالم النفوس بالف سنة و عالم المواد بعد عالم الطبائع بالف سنة و عالم الامثلة بعد عالم المواد بالف سنة و عالم الاجسام بعد عالم الامثلة بالف سنة فيكون عالم النفوس قبل هذه الدنيا باربعة آلاف سنة و ذلك لان في كل عالم مايكون في كل عالم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت،  و ما امرنا الا واحدة ، و ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه و ماننزّله الا بقدر معلوم ففي كل عالم من هذه العوالم الاربعة آية الكينونة و هي مقام الاطلاق البحت لكل عالم به عرّف اللّه نفسه لاهل ذلك @العالم خ‌ل@ بالاحدية و آية المشية و هي مقام الاطلاق النسبي النفيي لكل عالم و به عرّف اللّه لاهل ذلك المقام بانه له الخلق و الامر و العقل@الفعل خ‌ل@ و المشية و كذا لكل عالم فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة ثانية و مثال و جسم كما مرّ فذلك عشر مقامات و كذا في كل عالم بسائط لمواليده و هي عرشه و كرسيه و افلاكه السبعة الايدي الفاعلية و ارض القابلية و لكل من الفؤاد و العقل الي الجسم هذه البسائط العشرة اذ بها يكون الشي‏ء شيئاً و لو لم‏يكن واحد منها لم‏يتم مولود فصار ذلك مائة مقام و لظهور كل واحد من تلك المراتب من تلك البسائط و ظهور البسائط في المراتب لابد و ان‏يدور الافلاك علي الارض حتي تظهر تلك المراتب بان‏يدور العرش و فلك المنازل و الكرسي و الافلاك السبعة علي الفؤاد حتي يظهر منه آثار تلك الفواعل و هكذا لابد و ان‏تدور تلك العشرة علي العقل و الروح و النفس الي الجسم حتي يظهر من الكل آثار كل واحد من الفواعل ليتم خلقه و يصير بذلك كامل المراتب و يظهر من كل واحد سر الوحدة و آية الاحدية التي هي المقصودة من خلق الخلق فذلك الف رتبة و الف مقام يعبر عنها بالسنوات و تلك السنوات كما عرفت بعضها فوق بعض و بعضها قبل بعض و ليست كسني هذه الدنيا منضدة بعضها في جنب بعض بل كل واحد منها اقرب الي المبدأ يكون قبلاً لمابعده و كل ما كان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 173 *»

مقدماً في الوجود صار مؤخراً في الظهور ففي كل عالم يتولد اولا جسم المولود الذي هو ابعد مراتب المولود عن المبدأ ثم يظهر منه مثاله ثم مادته ثم طبعه ثم نفسه ثم روحه ثم عقله ثم فؤاده الذي هو اقرب مراتبه الي المبدأ و كان مقدماً في الوجود فصار مؤخراً من الكل في الظهور.

بالجملة عالم الذر كان مقدماً علي هذه الدنيا باربعة آلاف درجة و باربعة آلاف سنة و تلك الدرجات كما عرفت بعضها فوق بعض و ليست منضودة في جنب بعض و المثال التقريبي لذلك يكون السماء مقدماً علي الارض بخمسمأة سنة و مع ذلك لايكون مقدماً علي الارض بالسنوات المعروفة و يمرّ عليهما وقت واحد و زمان واحد فهما مساوقان في الوجود و يمرّ عليهما سنون متساوية و مع ذلك يكون السماء مقدماً علي الارض بخمسمأة سنة اللهم الا ان المثل لايطابق الممثل من كل جهة لانه يمرّ علي السماء و الارض زمان واحد لانهما من صقع واحد و من عالم واحد و لايمرّ علي عالم الذر و عالم الزمان وقت واحد بل يمر علي عالم الزمان اوقات زمانية و يمرّ علي عالم الذر اوقات دهرية بالجملة و المقصود ان عالم الذر ليس قبل هذه الازمنة و هذه الدنيا بالازمنة و كان فوق هذه الدنيا بتلك الدرجات المعبر عنها فما لم‏يظهر في هذه الدنيا جسم زيد لم‏يكن في عالم الذر نفس زيد فاذا تولد في هذه الدنيا جسمه تولد في ذلك العالم نفسه و يكون نفسه مقدمة علي جسمه الدنياوي باربعة آلاف درجة و هما مساوقان في الوجود الخارجي فليس لزيد نفس مخلوقة في عالم الذر معلقة معطلة تطير في ذلك العالم حتي خلق في هذه الدنيا جسمه فتطير من ذلك العالم الي ان وصلت الي هذه الدنيا و تغوص في جسمه بل ما لم‏يكن لزيد في هذه الدنيا جسم و بدن لايكون له المراتب العالية مطلقاً فان حصل له الجسم في هذه الدنيا حصل له النفس في ذلك العالم فوق هذه الدنيا و مع ذلك تكون النفس مخلوقة بعد خلق الجسم في هذه الدنيا باربعة آلاف سنة قبل هذه الدنيا و ذلك معني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 174 *»

قول المشايخ روحنا لهم الفداء انك ما لم‏اقل لك زيد قائم لم‏تعلم معني هذا الكلام في عالم من العوالم فاذا قلت لك زيد قائم و تسمعه و تفهم معناه تفهمه قبل هذا الوقت باربعة آلاف سنة و ذلك لان هذا اللفظ بمنزلة الجسد و معناه بمنزلة الروح و هذا اللفظ كان مركباً من هواء هذه الدنيا كما كان الجسد مركباً من عناصر هذه الدنيا و كان معناه من عالم الذر و هو بمنزلة الروح للجسد كما يكون نفس زيد من عالم الذر و كما لم‏يكن لك معني لفظ زيد قائم قبل الاستماع في الزمان لم‏يكن لزيد نفس قبل جسده في الزمان و كما لايزول معني اللفظ عن نفسك بخراب الاهوية المتقطعة بل يبقي في نفسك مادمت حياً في هذه الدنيا بل مادمت في عالم الاخرة ابدالابد كذلك لاتفني نفسك بخراب بدنك الدنياوي ابداً و كما لايكون بقاء المعني في نفسك مشروطاً ببقاء الاهوية المتقطعة كذلك لايشترط في بقاء نفسك بقاء بدنك العرضي الذي هو مركب من اهبية هذه الدنيا حرفاً بحرف فكما يبطل هيأة هذا اللفظ و صورته بعد التلفظ و يتصل بالهواء المطلق بلا صورة و هيأة كما كان اول مرة و يبقي المعني ابدالابد في نفسك كذلك يبطل هيأة البدن الدنياوي المركب من الاهبية الدنياوية و صورته بعد الموت و يتصل باصولها كما كانت اول مرة و تبقي نفسك ابدالابد فكما لاتحتاج الي اللفظ بعد اخذ المعني عنه لاتحتاج الي الاعراض الدنياوية بعد استكمال نفسك.

بالجملة ليس المقصود هنا شرح هذه الاحوال و انما يجري القلم استطراداً و المراد انه ان لم‏يكن لمعني من المعاني النفسانية جسد في هذه الدنيا لم‏يكن ذلك المعني في عالم الذر و انما حصل ماحصل هناك بحصول ماحصل هنا فاذا عرفنا هذا المعني ان‌شاءاللّه تعالي عرفنا انه ان لم‏يكن للشخص بدن هنا لم‏يكن له نفس هناك و ان لم‏يفعل هنا لم‏يفعل هناك و لابد لوجود ما هنالك ظهور ما هنا و في ذلك اخبار متواترة معني بحيث لايشك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 175 *»

الحكيم المطلع عليها في هذه المعاني ابداً فان لم‏يقم نبي من الانبياء هنا لم‏يقم هنالك و ما لم‏يدع الناس هنا لم‏يدع هناك و ما لم‏يؤمنوا له هنا لم‏يؤمنوا له هناك و ما لم‏يكفروا به هنا لم‏يكفروا به هناك و ما لم‏يصلوا هنا لا صلوة لهم هناك و ما لم‏يزكوا هنا لا زكوة لهم هناك و ما لم‏يصوموا هنا لا صيام لهم هناك و ما لم‏يحجوا هنا لا حج لهم هناك و هكذا كل ماكان لهم هناك صغيراً او كبيراً لابد و ان‏يحصل هنا ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري من يعمل مثقال ذرة خيراً في هذه الدنيا يره في ذلك العالم و من يعمل مثقال ذرة شراً هنا يره هناك فيرتفع الاشكال بايضاح المقال و لا حول و لا قوّة الا باللّه.

و ان قيل فما تقول في معني ما روي ان نية المؤمن خير من عمله و في معني ما روي في الكفار بنيّاتهم خلّدوا؟

اقول ان الاعمال علي اقسام شتّي و عمل كل عضو و كل مقام بحسبه و ليست الاعمال منحصرة في كد اليمين و عرق الجبين و القيام و الركوع و السجود و القعود و الصيام و امثالها مما عرفه عامة الناس بل الاعمال البدنية كما تري و لك مقامات اخر و لكل منها عمل مخصوص به و ربما لايري و لايري بالعين البتة كاعمالك الخيالية و الفكرية و النفسية و غير ذلك فذلك اعمال يقيناً و لم‏تر بالعين فلابد لمن اراد ثواب الاخرة ان‏يعمل في هذه الدنيا لامحالة فببدنه يعمل الاعمال البدنية و بخياله يعمل الاعمال الخيالية من تصوير الصور الحسنة و الخيالات الحسنة التي فيها رضي اللّه سبحانه و بنفسه يعمل الاعمال النفسية من حب الطاعات و موالاة الاولياء و نية الخيرات جميعاً فلكل واحد من تلك المراتب اعمال صالحة و فعال طالحة و لابد لمن يرجو لقاء اللّه ان‏يعمل في هذه بجميع مراتبه ما هو مأمور به من عند اللّه سبحانه و يترك ماينهي اللّه سبحانه عنه في جميع المراتب و معلوم ان المؤمن في هذه الدنيا ناو لكل خير و برّ و احسان و ان لم‏يظهر منه بعضها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 176 *»

لعدم وجود المقتضي و عدم رفع المانع و ذلك امور خارجة عن كينونة المؤمن و كينونته ناوية لكل خير و عمل صالح فيكون ثواب نيته حاصل له بالفعل في الاخرة لان نيته حاصلة بالفعل في هذه الدنيا و نيته خير من عمله لان نيته لايتناهي بشي‏ء من الخيرات و الحسنات فثوابها ايضاً غير متناهية و اما عمله متناه البتة و لايقدر مؤمن ان‏يعمل جميع الاعمال الحسنة فثوابه ايضاً متناه البتة فيكون نيته خير([19]) من عمله البتة و كذلك نية الكافر شرّ من عمله و بها خلد في النار لان نيته ان‏يكون دائماً تاركاً لاوامر اللّه سبحانه و لاتناهي لذلك و اما اعماله البدنية متناهية فيكون بنيته مخلداً في النار البتة فيصدق انه ليس للانسان الاّ ماسعي و انّ سعيه سوف يري البتة و اما سعيه ففي كل عالم يكون مناسباً لذلك العالم يقيناً و مادام في الدنيا لابد له ان‏يسعي في كل مقام سعيه حتي يصير بذلك السعي صاحب ثواب السعي بالفعل فلو ترك في مرتبة من مراتبه سعيه لم‏يعط جزاء البتة لان الجزاء هو العمل من حيث الاعلي فان لم‏يكن عمل في الادني لم‏يكن جزاء في الاعلي البتة قال سبحانه سيجزيهم وصفهم فاذا كان الجزاء هو العمل من حيث الاعلي فنعلم ان عمل كل مقام لابد و ان‏يكون جزاؤه في ذلك المقام بعينه فان كان العمل دنياوياً فجزاؤه دنياوي فكما يكون الدنيا فانية كذلك ثواب الدنيا ايضاً فان و ان كان العمل اخروياً يكون جزاؤه و ثوابه اخروياً و كما يكون الاخرة دار البقاء يكون ثوابها باقياً دائماً ابداً.

بالجملة و المقصود ان عالم الذر يكون فوق هذا العالم باربعة آلاف سنة و كما لايكون سنواته كما عرفت سنوات ماضية بل تكون سنوات رتبية كذلك فوقيته ليس كفوقية العرش و السموات علي الارض بل يكون فوقيته فوقية رتبية فرتبته فوق هذه الدنيا باربعة آلاف درجة كما ان لفظ زيد قائم دنياوي و فهم معناه دهري و ذلك الفهم اقرب الي المبدأ من هذه الاهوية المتقطعة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 177 *»

التي يتركب منها لفظ زيد قائم باربعة آلاف درجة بل لا نهاية له بلحاظ و مع انه فوق هذه الدنيا بتلك الدرجات يكون في غيب هذه الدنيا و لما لم‏يكن فوقيته كفوقية العرش علي الارض لاتحتاج في الوصول اليه الي قطع مسافة و الي سير من الارض الي السماء الي العرش ثم من العرش الي عالم الذر بل يمكن لك الوصول اليه من غير ان‏تتحرك من مكانك اقل من طرفة عين كما تصل الي معني زيد قائم اقل من طرفة عين و ذلك المعني من ذلك العالم و ذلك المعني الطف و ارق من محدب العرش بل لا نسبة بينهما في اللطافة لانه من عالم المجردات و العرش من عالم المواد الا انه لابد في التفهيم من التمثيل و التشبيه و النسبة لعل يفهم المخاطب المراد من بين هذه المكررات و الا فأين التمثيل بين ذلك العالم و بين هذه الدنيا.

بالجملة عالم الذر فوق هذه الدنيا كما عرفت فيكون في غيب هذه الدنيا و يكون سمواته في غيب سموات هذه الدنيا و عناصره في غيب عناصره و البرزخ بين ذين فبلحاظ تكون سموات الاخرة في غيب غيب هذه السموات و عناصرها في غيب غيب هذه العناصر و مراتب الشخص الاخروي كلها من الاخرة سمواته من سمواتها و عناصره من عناصرها فبدنه الذي يركب من عناصر ذلك العالم يكون في غيب غيب هذا البدن الذي يركب من عناصر هذه الدنيا و روحه التي من سموات ذلك العالم تكون في غيب غيب دماغه الذي يركب من سموات هذه الدنيا فبدنه الاصلي الاخروي له رأس في رأس هذا البدن و قلب في قلب هذا البدن و صدر في صدر هذا البدن و جوارح في جوارح هذا البدن فمن اي طرف من اطراف هذا البدن تشير وقع الاشارة اليه و ليس هذا البدن العرضي بالنسبة الي البدن الاخروي الا ككيس او لباس يخاط علي هيأة البدن و يلبسه اياه فانت لاتري الا اللباس ولكن لاتريد الا المتلبس و باي طرف من اللباس تلمس تلمس بدن زيد و ان وقع بشرتك بشرة اللباس كذلك بدن زيد في هذا البدن و هذا البدن بالنسبة اليه كالوسخ علي البدن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 178 *»

لايعتني به ابداً و كل معاملتك مع هذا البدن تقع علي زيد يقيناً لانه فيه كسحالة الذهب في التراب او كالزبد في اللبن او كالمعني في اللفظ و هذا المثل الاخير مثل قريب لفهم المعني و السحالة و الزبد مثلان ظاهريان و لكل اهل فهذا البدن المحسوس الملموس هو البدن البرزخي بعد تصفيته و البدن البرزخي هو البدن الاخروي بعد التصفية و لايعتني بهذين العرضين البرزخي و الدنياوي لانهما لايزيد في البدن الاصلي شيئاً يأتيان و يذهبان و هو هو لايزيد بزيادتهما و لاينقص بنقصانهما ابداً ابداً اذ ليست هذه الابدان الثلثة من عالم واحد حتي يلزم من زيادة واحد زيادة الاخر و من نقصان واحد نقصان الاخر و مدد البدن الاصلي من عناصر عالم الاخرة و طريق جلبه الامداد الاعمال الاخروية و العلوم كما ان طريق جلب الامداد الدنياوية الاعمال الدنياوية فكلما عمل الانسان للاخرة يزيد في بدنه و يربو و يعظم و كلما ترك الاعمال الاخروية ينقص و يذبل و يصغر سواء كان البدن العرضي البرزخي او الدنياوي صغيراً او كبيراً فالبدن الاصلي ربما يربو و هذا البدن العرضي يذبل و يهزل و بالعكس.

و امثّل لك مثالاً لعلك تصل بالممثل انك كتبت بالمداد بالقلم الجلي زيد قائم و كتبت بالقلم الخفي زيد قائم فبذلك الجلاء و الخفاء لايختلف معني زيد قائم ابداً لانهما كانا من الصمغ و العفص و التوتج و ليس لها دخل في معني زيد قائم ابداً فكذلك بدن زيد الاصلي في هذا البدن لايزيد و لاينقص بزيادته و نقصانه ابداً و مع ذلك لايكون خارجاً من هذا البدن كما لايكون عالم الذر خارجاً من هذا العالم كما عرفت الا انه كان خارجاً من حيث التقرب الي المبدأ و التباعد عنه فهذا البدن بعينه هو البدن البرزخي و البدن البرزخي بعينه هو البدن الاخروي بحيث اذا وزنته في الدنيا و في البرزخ و في الاخرة لايختلف مثقال ذرة و انما يجي‏ء و يذهب الاعراض و لاتغيره شيئاً.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 179 *»

فائدة

ان النطفة اذا صبّت في الرحم تأخذ في الجذب و الهضم و الامساك و الدفع و النما و هي جماد من جنس الجمادات التي في العالم قبل ظهور الروح النباتية فيها و بعد ظهور الروح النباتية تصير نباتاً من النباتات لا فرق بينها و بينها في نوع النباتية و ان كان اصفي من سائر النباتات كما ان النطفة جماد من الجمادات ولكن اصفاها و انعمها فكانت في الرحم تجذب الغذاء و تربو الي اربعة اشهر و في عرض هذه المدة يحصل لها اعضاء و آلات تناسب الروح الاتي ثم تلج فيها الروح الحيوانية فتصير حياً فصار حيواناً و يشتد حياته يوماً فيوما الي ان‏يشتد اعضاؤه و يطيق لمباشرة الهواء الخارج و يصلح لان يغتذي من الخارج فيتولد الي فضاء هذا العالم و هو حيوان من جنس الحيوانات الا انه الطف جماداً و نباتاً و ارق و اصفي روحاً من سائر الحيوانات و بسبب ذلك الصفاء و اللطافة يكون قابلاً لتعلق الروح النفسانية فيه و الا لم‏يكن الا كسائر الحيوانات و يبقي في مقام الحيوانية فاذا تولد في هذا العالم يتعلق به النفس الناطقة و اول تعلقها به تولده في هذا العالم حياً و بعد تعلق النفس به لايخرج عن كونه جماداً و نباتاً و حيواناً لظهور آثار كل منها منه كما لايخفي علي العاقل و النفس في اول التعلق تكون في غاية الضعف و الابهام بحيث لاتقدر علي تمييز المحسوسات كالبهائم و لايدرك احد تمييزها و ادراكها الا انها تتعلق و لغاية ضعفها لايدرک آثارها و انما يستدل علي تعلقها بهذا البدن لما اخبر عنها اميرالمؤمنين7 و يمكن لنا الاستدلال بالعقل بتعلقها بانها يظهر آثارها من هذا البدن بعد مرور شهور و سنين و لايدرك آثارها منه دفعة واحدة في ليل او نهار او ساعة من الساعات بل تدرك منه درجة درجة فيستدل بان اول تعلقها في اول تولده الدنياوي و بعد اخبار اميرالمؤمنين7 لايبقي شك في ذلك ففي اول التعلق تكون ضعيفة و لايمكنها اظهار آثارها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 180 *»

من هذا البدن الا مبهماً لاجل الرطوبات الزائدة فيه و صعود الابخرة الرطبة من سائر اعضائه الي دماغه دائماً فكلما اثرت من وراء هذه الرطوبات و الابخرة كالشمس من وراء السحاب حللتها يوماً فيوماً و افنتها ساعة بعد ساعة و كلما حللت تلك الرطوبات و رققتها يظهر آثارها و انوارها اكثر من ظهورها من قبل ذلك حتي تصير مميزاً بين المحسوسات بالحواس الظاهرة ما لم‏يمكن لسائر الحيوانات بمثل ذلك التمييز كما هو مشاهد بالبداهة و هذا القدر من التمييز يكون لتأثير حيوة فلك القمر في هذا البدن بواسطة البخار الذي تكون في دماغه و هو بمثابة جسم فلك القمر.

فان قيل ان المشهور من آثار القمر هو الحيوة المحض لا الاحساس و التمييز،

قلنا نعم ولكن القمر لما كان تحت سائر الكواكب اشرق انوارها و آثارها فيه ففيه آثار ظلية من سائر الكواكب و ان لم‏يكن من نفسه تلك الاثار و لما كان البخار الذي في رأس الانسان في غاية اللطافة و الرقة حتي كأنه جسم فلك القمر فيظهر فيه ما يظهر في فلك القمر مما كان من نفسه و مما كان من سائر الكواكب فيه و لما كان سائر الحيوانات لاتكون بلطافة الانسان و لايكون روح بخاريهم كروح الانسان في اللطافة لايحكي الا حيوة القمر و ذلك لغلظة روحهم البخارية و لذلك تجد في بعض الحيوانات التي ارواحهم الطف من ارواح سائر الحيوانات كالسباع بعض اظلال المدارك الباطنية حتي قيل ان لها القوة الواهمة و الحافظة و ذلك لما يظهر فيها من اظلال الكواكب المستودعة في فلك القمر.

بالجملة فاذا صار البخار الذي في الدماغ بلطافة فلك عطارد يظهر فيه روح فلك عطارد و هي روح الفكر ثم اذا صار بلطافة فلك الزهرة يظهر فيه ما يظهر فيها و هو الخيال ثم اذا صار بلطافة فلك المريخ يظهر فيه ما ظهر فيه و هو الوهم فاذا صار بلطافة فلك المشتري يظهر فيه العلم لانه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 181 *»

كوكب العلماء المدبر لهم و فيه روح العلم ثم اذا صار بلطافة فلك زحل يظهر فيه العقل الجزئي لانه كوكب اصحاب العقول و مدبر الحكماء و اذا صار بلطافة فلك الشمس يحصل له المادة السارية في هذه المشاعر فتسمي مايظهر فيه الفكر بالمتفكرة و ما يظهر فيه الخيال بالمتخيلة و ما يظهر فيه الوهم بالمتوهمة و ما يظهر فيه العلم بالعالمة و ما يظهر فيه العقل بالعاقلة و تلك الارواح التي في تلك الاوعية الدماغية من آثار النفس و جهات تعلقاته بالصور الواصلة من المشاعر الظاهرة الي المشاعر الباطنة و بالمعاني الحاصلة من تلك الصور ثم اذا صفي البخار اكثر مما سبق حتي صار بلطافة الكرسي يظهر فيه بالفعل ما ظهر في الكرسي و هو النفس و محله الصدر اي ذلك البخار ثم اذا صفي اكثر حتي صار بلطافة العرش يظهر فيه ما ظهر فيه بالفعل و هو العقل الذي فوق النفس و محله القلب غير هذا اللحم الصنوبري كما ان الصدر غير هذه الاضلاع و الحجب و ذلك غاية سير الطبيعة و لايمكن لها السير فوق ذلك.

فاذا قام الشارع7 و ادب هذه المراتب بالاداب الشرعية العامة التي تشمل للشريعة و الطريقة و الحقيقة حتي تخلقت باخلاق اللّه سبحانه و اتصفت بصفاته حصل لها المقامات و العلامات و غير ذلك مما اراد اللّه سبحانه من خلقه فمن ذلك يعلم ان هذه المراتب لاتسمي بالاسماء الشرعية قبل الامتثال و الاتصاف بها فقبل الاتصاف تسمي بالاسماء الكونية فينبغي الاشعار بذلك فما حصل في المواد من فلك القمر هو حيوة كونية فاذا تأدب بالاداب الشرعية و امتثل الاوامر و اجتنب النواهي فيصير الحيوة الكونية في صورة الامتثال مادة طيبة عليينية و لما كانت الامتثالات من جانب المبدأ العالي تسمي بالسماء الاول و بالحيوة الشرعية فصارت درجة من درجات الجنان فان لم‏يمتثل الاوامر صار مادة خبيثة سجينية في ضمن صورة الانكار اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار في ظل المبدأ فتسمي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 182 *»

بالارض الاولي و ارض الموت و ارض النفس الامارة لانه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث سواء عليهم ءانذرتهم ام لم‏تنذرهم لايؤمنون، اموات غير احياء و مايشعرون ايّان يبعثون، انك لاتسمع من في القبور، لتنذر من كان حيّاً.

ثم ما كان في المولود من فلك عطارد ان امتثل الاوامر الشرعية و قصر النظر في الفكر في الايات الافاقية و الانفسية الدالة علي الرب جلّ شأنه يسمي بالسماء الثانية سماء الفكر و يتفكّرون في خلق السموات و الارض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته و ما للظالمين من انصار و ان انكر و لم‏يطاوع الاوامر و لم‏يصعد الي السماء و الي الرب السامي العالي نزل الي الارض و اخلد فيها فيسمي بالارض الثانية ارض العادات فيعمل علي عادته من غير روية و فكر فيعبد مايعبد آباؤه و يقتدي بهم و لايصغي الي كلمة حق ابداً فيجري بعاداته ابداً فان عظّم آباؤهم احداً و شيئاً عظّمه سواء كان مستحقاً ام لا و من صغّروه صغّره سواء كان مستحقاً ام لا كأنّهم خشب مسنّدة الي العادات لايمكن امالتهم الي الحق و الي شي‏ء من خلاف عادتهم و هذه الارض ادهي من الارض الاولي نعوذ باللّه منها.

ثم ما كان في المولود من فلك الزهرة ان امتثل الاوامر و لم‏يتخيل الا الصور المحبوبة المرضية للّه سبحانه صار من جنس الملائكة و يطير الي السماء الثالثة و يسمي بها و ان انكر و ادبر و عبس و استكبر هبط الي الارض الثالثة ارض الطبائع و يسمي بها و صار من اهلها و هي ادهي و امرّ من الارضين السابقين لان الطبع جزء الشخص و لايمكن ان‏يمنع الشي‏ء من نفسه و جزئه بخلاف الارض الثانية و الاولي لانه يمكن ان‏يكرر المدح لشي‏ء او الذم عن شي‏ء علي الدوام حتي ينضجر عما عليه لانه ليس جزءاً منه و يكون خارجاً من كينونته بخلاف الطبع الذي هو كالجزء للشخص فلايمكن للصفراوي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 183 *»

ان‏يدرك حسن الحلم و الصمت و المداراة مع الخلق و الخصم و لايعرف البلغمي حسن الغضب في اللّه و المجاهدة في سبيل اللّه سبحانه و اعلاء كلمة الحق و غير ذلك مما يلزم طبع الصفراء و كذا الدموي يحب الكبر مع اللين و المعاشرة مع الخلق و يحب البذل و الجود و الالفة و الشفقة و الرأفة و الرحمة و لايمكنه ان‏يعرف حسن الخمول و عدم المعاشرة مع الخلق و ما هو خلاف طبعه و السوداوي يحب الخلوة و ترك العشرة و البخل و الضيق و الجبن فلايعرف حسن المعاشرة و البذل و الجود و الشجاعة و الكرامة و امثال ذلك و ذلك لان الطبع ليس بخارج عن الشخص حتي يعرف حسن مايحسنه او قبحه الا من كان روحه مفارقاً من بدنه و لم‏يخلد الي ارض طبعه و اخلاط بدنه.

ثم ما كان في المولود من فلك الشمس ان استخدم حواسه و جوارحه في محاب اللّه سبحانه و مراضيه و لم‏يعمل عملاً الا لحبه للّه سبحانه و لاوليائه لا لشي‏ء آخر و لا لنفسه صعد الي جوار ربه و يستظل بنوره و يستغني به عن غيره فيصير من اهل المحبة و يتصل بسماء المحبة السماء الرابعة و يسمي باسمها و ان لم‏يعمل ما له في سبيل ربه جلّ علاه و يصرف همّه و هواه في محبة اهل الدنيا و متاعها و كل ما كان غير اللّه سبحانه و غير اوليائه الكرام: و اتبع هواه و يهوي الي نار جهنم نار الطبيعة باعتبار و يحترق فيها دائماً و لايكاد ينجو من ذلك لان نار الهوي و العشق لما سوي اللّه سبحانه تلهيه عن المبدأ و عن كل ما منه بل عن نفسه فكأنه في سكر من غفلة و قصر نظره فيما يهواه من غير روية ليلا و نهاراً اعاذنا اللّه سبحانه بكرمه و جوده من هذه البلية الكبري التي اعظم من كل البليات بمحمّد و آله صلوات اللّه عليهم. فاذا صار كذلك يهوي الي الارض الرابعة ارض الشهوة و يسمي باسمها.

فاذا استعمل المولود ما فيه من جنس فلك المريخ حصل له الواهمة المدركة للمعاني الجزئية الصورية المادية من حسن المعاشرات الدنيوية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 184 *»

مع الاخوان الدينية و حسن الاعمال الصالحة البدنية او الخيالية فيصعد بذلك الي السماء الخامسة و هذا السماء من حيث الباطن تحت فلك الشمس و كذلك سائر السموات الي فلك الزحل لانها كلها تستمد من الشمس و هي المادة السارية في كلها و اما من حيث الاستعلاء فهي اعلي منها ظاهراً فان لم‏يستعمل ما له في اوامر اللّه سبحانه يهوي الي الارض الخامسة ارض الغضب التي تشتعل من نار فلك المريخ الحار اليابس.

ثم ماكان في المركب من فلك المشتري ان استعمل في العلوم الدينية التي امره بتعلمها يصعد الي السماء السادسة سماء العلم لان المشتري كوكب العلماء و مدبر العلوم و معلمها و ان استعمل في العلوم الباطلة هبط الي الارض السادسة ارض الالحاد و لايري حقاً الا و قد الحد فيه و اكثر اهل هذه الارض العلماء السوء الذين يحرّفون الكلم عن مواضعه عن عمد و قصد.

ثم ماكان في المركب من جنس فلك زحل ان استعمل في الحكم الالهية و الاعتبار منها يصعد الي السماء السابعة و ان استعمل في الحكم الطبيعية التي ليس فيها الامثلة الملقاة من نور اللّه سبحانه نزل الي الارض السابعة السفلي ارض الشقاوة نعوذ باللّه و هي اسفل درك من الجحيم و اهلها اسوء حالاً من العلماء السوء و اشدّ انكاراً منهم علي الحق و هم اهل الباطن و العلماء السوء اهل الظاهر فهم لايصغون الي كلمة حق ابداً قلوبهم كالحجارة او اشدّ قسوة.

ثم ما كان في المركب من جنس الكرسي ان استعمل في مرضات اللّه سبحانه و اختارها من كل شي‏ء حتي من نفسه فيختار البقاء في الفناء و النعيم في الشقاء و العزّ في الذل و الغناء في الفقر  صار محل نزول انوار العرش و هبوط الملائكة تتنزل عليهم الملائكة ان لاتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن اولياؤكم في هذه الحيوة الدنيا و في الاخرة الي آخر الاية فكادوا ان‏يكونوا من الحكمة انبياء لانهم محدَّثون بالفتح

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 185 *»

يحدث معهم الملائكة كما نزلوا الي الانبياء: و ان استعمل في مساخط اللّه سبحانه نزل الي مقام الثور و يوحي اليه الشياطين زخرف القول غروراً فيخبر ببعض المغيبات و يسخر القلوب و يدعو الناس الي ولاية الشيطان بلسان اهل الحق و يدعي للشيطان الاعظم الالوهية الكبري و يغصب حق اولياء اللّه سبحانه بانواع الحيل و خوارق العادات.

ثم ما كان في المركب من جنس العرش ان استعمل فيما امره اللّه سبحانه يصعد الي العرش و صار من جنس جواهر اوائل العلل و يكتب علي جبينه الاسماء الحسني و الامثال العليا و الكبرياء و الالاء و صار باباً من ابواب الغيب اليه ينزل من الغيب ما اراد اللّه سبحانه من خلقه و اليه يصعد الكلم الطيب و صار اياب الخلق اليه و حسابهم عليه و اليه التفويض و عليه التعويض و ليس وراء عبادان من قرية لان اللّه سبحانه اجلّ و اعظم من ان‏يصف الواصفون كنه جلاله او يهتدي القلوب الي كنه عظمته فالسبيل اليه مسدود و الطلب منه مردود و دليله آياته و اي آية اكبر من الجوهر الاول و علة العلل فاذا استعمل فيما نهي اللّه عنه نزل الي الصخرة و يدعي الالوهية فقال انا ربكم الاعلي و انا الذي خلق فسوي كما تسمعه في قصة دجال و كما ادعي فرعون و اتبعه جنوده من الصوفية الكفرة حيث قالوا «ليس في جبّتي سوي اللّه» و «انا اللّه بلا انا» لعنهم اللّه جميعاً.

و ظهر مما ذكر ان ظهور الفلكيات في المولود علي نحو التدريج بالتلطيف فليس في كل مولود جميع المراتب موجوداً بالفعل فمايقال ان المركب له تسعة قبضات من الافلاك و قبضة من الارض فالمراد منه المركب التام الكامل لا كل مركب لانك تري عياناً الحيوانات المركبة من العناصر ليس فيها الا الحيوة الفلكية و ليس فيها المشاعر الباطنية التي من سائر الافلاك و كذلك اناساً كثيرين ليس لهم فكر و تدبير الا الفكر الظلي و تري كثيراً ليس لهم علم و لا حكمة فلايثبت المراتب لكل احد و لكل منا مقام

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 186 *»

معلوم. بالجملة و ليس المقصود في شرح المقامات و بيان المراتب العالية الا ان لكل مركب من المركبات الظاهرية قبضات و اجزاء مستقلة قبل وجوده فتألّف منها و يظهر فيه شي‏ء بعد شي‏ء فترابه من الاتربة كان مستقلاً قبل تركيبه عبداً للّه سبحانه و سبحه فصار مقترناً بالمركب و سيفترق منه و يعود الي اصله كما هو مشاهد محسوس و يعبد اللّه سبحانه و يسبحه و له ثواب او عقاب و لا تزر وازرة وزر اخري و كذلك له ماء كان قبل تركيبه و سيكون بعده علي ماكان اول مرة و له هواء كذلك و نار كذلك فسوداؤه من اتربة العالم و بلغمه من ماء العالم و دمه من هواء العالم و صفراؤه من نار العالم ثم تولد في جوف قلبه الظاهري بخار من ذلك الدم الذي يتولد من الاغذية القائمة بمؤثرات عديدة فبعضها قائم بالجماد المطلق و بعضها بالنبات المطلق و بعضها بالحيوان المطلق و باعتبار كلها من جنس الجماد لان الاجزاء الحيوانية و النباتية لاتصير غذاء الا بعد مفارقة الارواح منها فصار جماداً مستقلاً قبل التركيب.

بالجملة فظهر ان الروح البخاري ايضاً من جنس هذه العناصر المستقلة و نسبته الي الدم نسبة البخار المتصاعد من القدر الي الماء و ليس البخار الا اجزاء مائية رشية صغاراً. الاتري انها ينعقد ماء بتدبير ضعيف و ذلك بوصوله الي شي‏ء صلب بارد كما تراه في تدبير اخذ الماورد و امثاله و كما تراه من السحاب لانه ايضاً ابخرة متصاعدة من الارض الي كرة الزمهرير التي فيها البرد شديداً فتكاثفت و تراكمت و تقاطرت ثانياً ماء كالماء الاول الذي تبخر فالبخار الذي في جوف القلب الصنوبري هو الدم و اجزاء صغار من الدم لا شي‏ء آخر فاخبرني ان هذا الدم المتولد من لحوم الحيوان و من خبز الشعير و الحنطة و سائر الحبوب هل يصير جزءاً للانسان و لو كان جزءاً منه ليجري عليه من الاحكام مايجري علي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 187 *»

الانسان و يصدر منه مايصدر منه لانه لايعقل ان يجري علي الكل حكم لايجري علي الجزء و يصدر منه شي‏ء لم‏يصدر من الجزء كما تري ان الماء جسم رطب سيال طهور يكون قطرة منه ايضاً جسم رطب سيال طهور([20]) و الماء يبرد و يرطب و قطرة منه يبرد و يرطب و كل ما يلزم الماء يلزم القطرة لامحالة و الحكمة لاتخصص بشي‏ء مطلقاً فلو كان الدم جزءاً من الانسان ليحكم عليه مايحكم علي الانسان و يصدر منه ما يصدر من الانسان و انت تفصد و تقلل الدم او تخرج و ربما ينقص منك الدم منّ او منّان او اكثر او اقل و انت انت علي ماانت عليه لم‏ينقص منك شي‏ء و لو كان جزءاً منك فيلزم من ذهابه عنك نقصانك بقدر ما ذهب منك و لو انك مديون بعشرة دنانير و انت عشرة امنان مثلاً و ذهب عنك منان من الدم لكنت الان مديوناً بثمانية دنانير بحكم العدل و الديناران للمنين و لايجوز ذلك في الشرع و لا في العقل بل انت انت قبل ذهاب الدم و بعده لاتزيد و لاتنقص مثقال ذرة و كذلك انت تتكلم و تتعلم و تعلم و الدم لايصدر منه هذه الاثار و لو كان انساناً ليصدر منه مايصدر من الانسان.

بالجملة و لاتتعجب من ايراد البديهيات الاولية في الكتاب بل تعجب ممن شك في ذلك و اراد اثبات جزئية الاشياء المستقلة للانسان بل كفر من قال بخلاف ذلك و ان هو الا كابن‏هبنّقة حيث عرف نفسه بمايعلّق علي عنقه و بما يربط برجله و قصته مشهورة فانصف ايها العاقل المنصف هل يعبأ باقوال امثال ابن‏هبنّقة و اجتماعهم و افتراقهم علي مثل هذه المسألة العويصة الحكمية و ان كانوا علموا لغة العرب و علموا اعلال الالفاظ و اعرابها و ان علموا سائر العلوم اللفظية فمثل هؤلاء الجأنا الي ايراد البديهيات لعلهم يرجعون او يسكتون فلاتعيب علينا ان‌شاءاللّه فهب ان ذلك الدم قد انجمد و صار لحماً او شحماً او جلداً فهل ينقص الانسان بما هو انسان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 188 *»

من نقصانها او يزيد بزيادتها ففي حال السمن في المثل مديون بعشرة دنانير و في حال الهزال بخمسة دنانير و هب انه صار عظماً أفينقص الانسان من انسانيته من قلع اسنانه و قطع ايديه و ارجله و هب ان ذلك الدم تبخر في جوف القلب و صار بلطافة فلك القمر هل يصير انساناً و هب انه يصعد الي الدماغ و يصير بلطافة فلك عطارد او فلك الزهرة او فلك الشمس او فلك المريخ او فلك المشتري او فلك زحل او صار بلطافة الكرسي او العرش و ليس وراء العرش شي‏ء أتزعم انه صار انساناً او جزء انسان او يحشر مع الانسان و يثاب او يعاقب معه و قد علمت انه هو الدم المترشح اللطيف لا غيره فيجري عليه مايجري علي الدم و يجري علي الدم ما يجري علي الغذاء و يجري علي الغذاء مايجري علي الحبوب و الثمار و اللحوم و غيرها و حكم العقل لايخصص بشي‏ء فهل تجور ان‏يحشر مع زيد لحوم الحيوانات و البانها و ادهانها و حبوب الدنيا و ثمارها و هي عباد اللّه سبحانه في رتبتها لها عبادة و ثواب و عقاب و حشر و هل تجوز في عدل اللّه سبحانه ان‏يحشر الحيوانات و النباتات و الجمادات مع زيد و اثابها بثوابه او عذبها بعذابه و قد قال في محكم كتابه لاتزر وازرة وزر اخري فقد علمت ان ما كان وجوده و عدمه بالنسبة الي شي‏ء و ذاتيته علي السواء لايكون جزءاً منه و قد عرفت ان ما يتولد من هذه الامتعة الدنياوية العرضية القائمة بمؤثرات عديدة مستقلة قبل التركيب لايصير جزء زيد بخلع صورة و لبس صورة اخري و لايمكن تصفية الاجسام السفلية اكثر من صفاء العرش و بصيرورتها عرشاً لاتخرج عن تحت الجسم العرضي الدنياوي و لايمكن ان‏يصير العرض جوهراً و الدنيا آخرة و الجماد او النبات او الحيوان انساناً اخروياً بل لكل واحد منها مبدأ و منتهي و كل واحد يرجع الي اصله و لايتجاوز شي‏ء ماوراء مبدئه و هل تجوز ان‏يثاب او يعاقب الفرس المركوب لزيد بثواب زيد او عقابه بانه راكبه يوماًما او تحرق المرعي بان الفرس يرعي فيه او تحرق الارض بان المرعي ينبت عليها و هل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 189 *»

تجوز في عقلك بانك ان طلبت زيداً لحساب و ثواب او عقاب يجب ان‏يؤتي به عندك مع فرسه او مع مرعي الفرس و نبت المرعي و هل يشك في ذلك عاقل نعم لو كان زيد راكباً يوماًما بحيث لايمكن نزوله و طلبته لابد و ان‏يجي‏ء عندك راكباً و ذلك لايكون الا في هذه الدنيا و بعد النزول لايحتاج الي الفرس بالبداهة و شرح ذلك يقتضي رسم فائدة لتكون ممتازة معلومة.

                                                         فائدة

لا شك ان الانسان سواء كان ناقصاً او كاملاً او اماماً او نبياً في هذه الدنيا مشارك في بدنه العرضي مع جمادات هذا العالم فله طول كطولها و عرض كعرضها و عمق كعمقها و لون كلونها و شكل كشكلها و طعم كطعمها و رائحة كرائحتها و وزن كوزنها و ان شئت بياناً جامعاً فاقول كماقال المشايخ نور اللّه براهينهم فله كمّ ككمّها و كيف ككيفها و جهة كجهتها و رتبة كرتبتها و مكان كمكانها و وقت كوقتها و وضع كوضعها و تري عياناً كل ماكان فيه كان في هذا العالم في جماداته حرفاً بحرف و بذلك تعرف ان كل ما كان في الانسان من ذلك الجنس حكمه كحكم ذلك الجنس و كما لايصدق علي ذلك الجنس اسم الانسان كذلك لايصدق علي جزئه الذي صار عرضاً لبدن زيد اسم الانسان و كما ان ذلك الجنس ليس من الانسان و لا اليه كذلك ليس عرض بدن زيد من بدن زيد و لايرجع اليه فحكمه حكم سائر الجمادات العرضية الدنياوية لها بدء و عود بدؤها في هذا العالم و عودها الي هذا العالم فاذا عادت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لا عود مجاورة كما تري عياناً من جمادات هذه الدنيا لم‏تكن ثم كان ثم يفسد اركانه و يعود الي ما منه بدئ عود ممازجة و تري عياناً ماكان من ذلك الجنس في بدن الانسان لم‏يكن ثم كان و سيفسد و يبلي و يرجع كل جزء منه الي اصله و قد علمت مما سبق انه ليس يصدق عليه الانسان فليس موضوع للفظ الانسان و اما ماتري من اطلاق الاسم عليه في هذه الدنيا ففي الواقع لايطلق الاسم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 190 *»

الا علي الانسان و لما كان هذا العرض مما لايعتني بشأنه في جنب الانسان لايسمي باسم مطلقاً او لما كان ملازماً للانسان مادام حياً و يتحرك بتحريك الانسان و يسكن بتسكينه يطلق عليه الاسم مجازاً و بمحض صدق الاسم العرضي الانساني لايصير الشي‏ء حقيقة انساناً كما اذا سميت الصور المصورة بصورة الانسان انساناً و سميت الصورة التي في المرايا انساناً لانها علي شكل الانسان و لونه و لا تسميها انساناً الا مجازاً و بمحض التسمية لايصير ما في المرايا انساناً حقيقة فكذلك هذا العرض اذا سمي بالانسان لايسمي الا مجازاً و ان هو الا جماد و انما يعرف الشي‏ء بصفاته و خصاله و يصدق عليه كل مايصدق علي الجماد و لايكون فيه ما لم‏يكن في الجماد.

و كذلك كان مشاركاً لنباتات هذا العالم في الروح النباتي فهو و ان لم‏يدرك بالحواس الظاهرة ولكن يدرك آثاره بواسطة محله الذي هو الجماد فله خمس قوي و خاصيتان فقواه الجذب للمجانس و امساكه لان يفعل فيه الطبيعة و هضم مايمسك و دفع الفضول المنافية و الربا و خاصيتاه الزيادة و النقصان و اصل كينونته من صوافي الاغذية و العناصر و سبب فراقه اختلاف المولدات الجمادية التي هي محله و مقره فاذا عاد عاد الي ما منه بدئ و هي العناصر عود ممازجة لا عود مجاورة اذ هو مركب من اشياء مستقلة قبل التركيب كما اخبر عنه اميرالمؤمنين7 فيكون مآله الي الفناء و الدثور كالجمادات و هذا الروح من جنس سائر النباتات المشهودة في العالم و ان كان الطفها فحكمه حكمها اذ ليس الحكمة مخصصة بشي‏ء دون شي‏ء لاسيما اذا كان دليل العقل مؤيداً بقول من اطلعه اللّه خلق السموات و الارض.

و كذلك كان مشاركاً للحيوانات في النفس الحيوانية التي قواها السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب و هي و ان لم‏تكن من اهل هذا العالم المحسوس و تكون من اهل عالم المثال الا انها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 191 *»

ايضاً مركب من عناصر ذلك العالم و   تكون@يکون خ‌ل@ تلك العناصر موجودة قبل تركيبها فيكون معادها اليها كما يكون معاد النباتات و الجمادات الي عناصرهما فاذا عادت عادت الي ما منه بدئت عود ممازجة لان اجزاءها مقدمة علي وجودها قبل التركيب و سبب فراقها اختلاف المتولدات الجمادية التي محلها و مظهرها كما اخبر عن ذلك اميرالمؤمنين7 فهذه المراتب الثلث من ادني مراتبها الي اعلاها كانت اعراضاً للانسان الحقيقي الاخروي و يعود كل منها الي ما منه بدئ عود ممازجة و فناء و فساد و لكل من تلك المراتب الثلث ظهورات و آثار و افعال فاذا فسدت المؤثرات فسدت الاثار البتة و ان كان المحرك فيها هو الانسان الاخروي الحقيقي الباقي الابدي. و لاتقل ان كان محركها الانسان فحركاتها آثار الانسان و ترجع الي الانسان لان حركاتها آثارها لا آثار الانسان فاذا فسدت المؤثرات فسدت الاثار بالطريق الاولي هذا.

و لذلك تحقيق دقيق هو بالشرح و الايضاح حقيق و هو انه لا شك ان هذه المراتب الثلث لدي ذات الانسان بمنزلة الالات و الاسباب في هذه الدنيا لديك فانت تفعل بالاسباب و لك المدح علي ما فعلت ان كنت محسناً و عليك الذم علي ما فعلت ان كنت مسيئاً بلا شك و مع ذلك حركات الاسباب التي هي آثارها ترجع الي الاسباب و لاترجع اليك ابداً كما انك لو رفعت سيفاً و ضربت به احداً انت ضربته بلا شك و لك ثوابك او عقابك و مع‏ذلك انت لاترتفع و لاتنزل و لاتقطع فالارتفاع و النزول و القطع فعل السيف و آثاره بدؤها منه و عودها اليه و ليس منك و لا اليك و ان كان كل ذلك بارادتك و قصدك و قوتك فارادتك و قوتك و تحريكك السيف آثارك منك بدؤها و اليك عودها و جزاؤها لك او عليك و اما ارتفاع السيف و نزوله و قطعه و تحركه آثاره ترجع اليه لا آثارك و لاترجع اليك ففكر في المثال و اتقن جهاته في البال حتي لاتشتبه عليك الحال. فاذا اتقنت اطراف المقال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 192 *»

و احسنت فهم ما في الخيال فانظر الي احوال هذه المراتب العرضية لك و ميز آثارها من آثارك و لايشتبهن عليك الامر حتي تفوز بحقيقة الحال و اجمل لك البيان خوفاً من فرعون و ملئه فان كنت من ابناء الحكمة فقد علمت ما علمت ببركة محمّد و آله الطاهرين سلام ‏اللّه عليهم اجمعين.

فاقول ان هذا الطول و العرض و العمق و الشكل و اللون المعروفة كلها من فعليات الجماد العرضي. اماتري انها باقية ببقاء هذا الجماد و ان مات الانسان فكل فعل من الافعال التي بدؤها منه عودها اليه لامحالة و كذلك هذا البدن الجمادي العرضي فيه الصفراء و لها مقتضيات و فيه السوداء و لها مقتضيات و فيه الدم و له مقتضيات و فيه البلغم و له مقتضيات فتلك المقتضيات بدؤها منها و عودها اليها فكم من حسنات يحسبها الجاهل انها من الانسان و هي من مقتضيات هذه الاخلاط بدؤها منها و عودها اليها و ليست من الانسان و لا اليه و منه قوله تعالي و قدمنا الي ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً و تلك هي الاعمال الصالحة الظاهرية التي ظهرت من غير اهل الحق و كم من سيئات يحسبها الجاهل انها من الانسان و هي من لوازم هذه الاخلاط و مقتضياتها و من ذلك قوله تعالي يبدّل اللّه سيئاتهم حسنات و هي الاعمال الطالحة التي ظهرت من المؤمنين بمقتضي هذه العناصر فـ حبّ علي حسنة لاتضرّ معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة فالمؤمن المحب اعماله الطالحة كلها عرضية ليست منه و لا اليه و انما هي من جماده العرضي او نباته العرضي او حيوانه العرضي و ان اللّه يغفر الذنوب جميعاً و يمحوها بمحو مؤثراتها و الاعمال الصالحة التي تظهر من الكافر المبغض كلها عرضية ليست منه و لا اليه و انما هي من مقتضيات جماده او نباته او حيوانه و يجعلها اللّه سبحانه هباء منثوراً بخراب المقتضي لها و ابطاله لايبالي الناصب صلّي ام زني صام ام سرق و علامة الاصلي و العرضي هي الرضا و عدمه فان كان العاصي راضياً بعصيانه فليعلم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 193 *»

انه ليس بمؤمن و لاينفعه طاعاته ابداً و ان لم‏يكن راضياً بل يكون ساخطاً علي نفسه من ارتكابه المحارم فليعلم انه مغفور عنه لايضره عصيانه و المؤمن لايرضي بعصيان و لايحبه ابداً و ان كان صغيراً اصغر مايكون و الكافر يرضي و يحب عصيانه و ان كان عظيماً اعظم مايكون نعوذ باللّه من شرّ انفسنا يا اللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي علي دينك.

بالجملة فالجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الزيادة و النقصان من آثار النفس النباتية و فعلياتها و ستفني بفنائها سواء كانت في المؤمن او الكافر و كذا السمع و الابصار و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب من آثار النفس الحيوانية و ستفني بفنائها سواء كانت في المؤمن او الكافر. نعم اذا كان الانسان راضياً بفعال هذه المراتب يجزي برضاه و رضاه من اثره لا من اثر تلك المراتب او يكون ساخطاً يجزي بسخطه و سخطه اثره لا اثر تلك المراتب كما اذا كان راضياً بفعل شخص خارجي يجزي بجزائه و اذا كان ساخطاً يجزي بجزائه لا بجزاء ذلك الشخص ففي الزيارة لعن اللّه امة سمعت بذلك فرضيت به و كذا العكس اذ الحكمة لاتخصص بشي‏ء و يجري حكمها علي نسق واحد.

فائدة

و ان قيل اذا لم‏يكن الاثار الحيوانية و النباتية و الجمادية مؤثرة في النفس الانسانية و لاتضرها معاصيها و لاتنفعها طاعاتها فلم امر اللّه سبحانه بامور في تلك المراتب و نهي عن امور و اي فائدة في الامتثال و الانزجار؟

فالجواب ان الانسان عبد للّه سبحانه في جميع المراتب و للعبد خدمات في جميع المراتب و يجب ان‏يمتثل الاوامر في جميع المراتب و في كل مرتبة من المراتب خير و شر و صلاح و فساد و العبد جاهل بصلاحها و فسادها و خيرها و شرها فاللّه سبحانه في كل مرتبة علّمه خيره و صلاحه و امره به و علّمه شره و فساده و نهاه عنه و يجب عليه الامتثال

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 194 *»

و ان لم‏يمتثل فلايصل اليه الخير و يصل اليه الشر لامحالة فيجب عليه العبودية في كل مقام هذا و سبب نزول الانسان من عالمه الي هذا العالم لايكون الا للعبادة و تحصيل ثواب الاخرة و هذا العالم هو محل زرع الاخرة كما روي الدنيا مزرعة الاخرة و قد مرّ فيماسبق في المقدمات و غيرها ان عالم الاخرة ليس منفصلاً عن هذا العالم كانفصال السماء عن الارض او كانفصال بلد من بلد بل يكون ذلك العالم في غيب دلك العالم فالمراد من سبقه من هذا العالم هو السبق الرتبي فاذا تكلم الانسان في هذا العالم تكلم في ذلك العالم قبل هذا العالم باربعة آلاف سنة و اما ان لم‏يتكلم في هذا العالم لم‏يتكلم في ذلك مطلقاً و ماتجزون الا ما كنتم تعملون و ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري، سيجزيهم وصفهم فاذا زرع في ارض هذا العالم حب الكلام يحصد في ذلك العالم ثمرات ذلك الحب و ان لم‏يزرع لايحصد شيئاً. نعم لذلك الحب لب و قشور و لابد لذلك اللب من هذه القشور ليتحفظ عن الحوادث فلب هذا الحب هو المقصود بالذات و تلك القشور هي المقصودة بالعرض لحفظ ذلك اللب و ذلك اللب هو النابت النامي الذي يحصل منه السنابل و قبل الزرع و قبل النما يحتاج الي القشور للتحفظ. نعم اذا زرع و نبت و اثمر لايحتاج بعد ذلك الي القشور لانه يستقل بنفسه بعد ذلك فلايؤثر فيه الواردات فاستغني من القشور و من لوازمها و خصائصها فذلك الحب المزروع في ارض الدنيا مثله كمثل لوزة لها ثلثة قشور و في جوف تلك القشور اللب و لو لم‏يكن لها هذه القشور لم‏تحصل و تفسد و لم‏توجد فخلق لحفظها القشور تحفظها عن الحوادث و الواردات من الحر و البرد و غير ذلك فاذا زرعت و نبتت و قويت و استقلت بنفسها فلاتحتاج بعد ذلك الي القشور و قبل ذلك تحتاج اليها و بعد رفع الاحتياج ترمي القشور خارج العالم عالم اللب و اذا رميت رميت مع ما فيها من الخواص و الطبائع و الحدود فمثل القشر الاول هذه الدنيا و جمادها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 195 *»

و لوازمها و مثل القشر الثاني نباتها و لوازمها و مثل القشر الثالث المتصل باللب البرزخ بين اللب و بين القشرين الاولين الدنياويين مثل الحيوان. فاذا عمل الانسان لابد و ان‏يعمل في بطن هذه القشور و ان لم‏يعمل ليس له عمل مطلقاً ولكن الشأن في تمييز اللب عن القشور و تمييز خصائص اللب من خصائصها ففي ذلك ضلت الاحلام و زلت الاقدام و كلت الابصار و حسرت الافهام و اللّه سبحانه هو الموفق للصواب و الهادي الي الماء عن السراب.

فاقول مستعيناً باللّه و باوليائه سلام ‏اللّه عليهم ان عمل الشخص هو فعله و اثره و الاثر هو المطابق لصفة المؤثر و الا لم‏يكن باثر لذلك المؤثر كما مرّ في المقدمات السابقة و المؤثر ظاهر في الاثر بالاثر فالاثر هو المؤثر الظاهر و ظاهر المؤثر لا غير فلايمكن ان‏يوجد اثر بلا مؤثر و لايمكن ان‏يظهر اثر بلا ظهور مؤثر و لايمكن ان‏يري اثر بلا رؤية مؤثر اذ هو بنفسه ظهور المؤثر و المؤثر هو الظاهر بالاثر و الظاهر اظهر  من الظهور في الظهور عميت عين لاتراه في الاثر اذ هو الاثر وجوداً و عياناً و ذلك حكم محكم و امر متقن و قضاء مبرم في كل مؤثر بالنسبة الي اثره لاتري غير ذلك ان فتحت العين و الا فكن في عماك بدعاء الحسين7 حيث قال عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً  و لابد لاظهار هذه المسألة الي مثال لعلك تعرف الحال فافتح عينك و انظر الي هذه المياه التي في الاودية و الانهار و الابار و الحياض و المصانع و البحار اليست هي آثار الماء المطلق و اليس يصدق علي جميعها الماء و اليس الماء ظاهراً في الكل بالكل و اليس نافذاً في الكل بحيث لايبقي لها اثر و اليس هو اظهر من الكل من نفس الكل و تفكر في نفسك هل تقدر ان‏تري واحداً من هذه المياه و لم‏تر الماء و هل يمكن ذلك و ذلك لان الماء وجوده و ظهوره هو هذه المياه فان ظهر ظهر هكذا و ان لم‏يظهر فلم‏يظهر فتبصر من هذا امرك فانك ان كنت تقدر علي النظر الي الاثر تقدر علي النظر الي مؤثره لامحالة و ان لم‏تكن بصيراً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 196 *»

في الاثر فلاتتعب نفسك فانك لاتقدر علي رؤية المؤثر فان سميت من عند نفسك شيئاً في ملك اللّه سبحانه بالاثر و تنظر اليه و تقول كيف كان رؤية المؤثر في الاثر و انا لااري مؤثراً في الاثر فاعلم انك لاتري اثراً و لا مؤثراً مطلقاً و سميت شيئاً اثراً و توهّمت شيئاً آخر مؤثراً و تريد ان‏تري ذلك المتوهم فيما سميته اثراً و لاتري و تتعب دائماً و اما اذا علمت الاثر تعلم انه لايمكن لك ان لاتري المؤثر فيه اذ هو المؤثر الظاهر لا غير فان كان الامر كذلك فكلام زيد و كذا سائر افعاله اثره و هو علي شكله و هيأته و هو هو وجوداً و عياناً غاية الامر انه ليس هو جمعاً و لا كلاً اذ هو المتكلم القائم القاعد الآكل الشارب و هكذا فاذا كان الكلام علي هيأة زيد كالشبح الذي في المرءاة بل اعظم و اعظم اذ الشاخص لايكون نافذاً في المرءاة و لا في الشبح ولكن المؤثر الذي هو زيد نافذ في كلامه بحيث يكون اظهر من كلامه في كلامه فاذا عرفنا مقام الكلام و مكانته لدي الانسان ففكرنا في هذا الصوت الذي يحصل من انضغاط الهواء فهذا الهواء المتموج المتصوت ليس علي هيأة زيد كما هو مشهود و ليس باثر زيد اذ هو قبل وجود زيد كان و يكون بعد فنائه فكيف يجوز ان‏يكون اثراً لزيد.

و ان قيل ان الهواء كما قلت ليس باثر زيد يقيناً ولكن الصوت هو اثر زيد لانه لم‏يكن قبل زيد و لايكون بعده،

قلت ان الصوت هو من الامكانات التي استجنت في المادة الهوائية و ذلك لايخرج بنفسه الي الخارج الا بمكمل خارجي مضغط له سواء كان انساناً او غيره كما انه يظهر من الحيوانات و النباتات و الجمادات بسبب الانضغاط و ليس المكمل مؤثراً للمتكمل لانه محال في العادة تخلف الاثر عن المؤثر و اما المتكمل يتخلف عن المكمل كما تري من بقاء كل بناء بعد موت بانيه و بقاء كل خط بعد موت كاتبه فهذا الكلام المعروف الذي هو الصوت الهوائي ليس بالنسبة الي زيد الا كنسبة البناء الي البنّاء و نسبة الخط الي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 197 *»

الكاتب و ربما يبقي بعد موت صاحبه لانه اذا صات ثم يموت فجأة يبقي الصوت في الهواء يقيناً بعد موته كما يشاهد من صوت الرعد فانه يصدر من السحاب حين البرق و يصل الينا بعد مدة مديدة.

بالجملة لا شك ان الدنيا هي دار العمل و هي مزرعة الاخرة من زرع فيها حصد في الاخرة و من لم‏يزرع لايحصد هناك يقيناً فاذا صلي هنا صلي هناك و اذا صام هنا صام هناك و ان لم‏يصل هنا لم‏يصل هناك يقيناً و هكذا في جميع الاعمال حسنة كانت ام سيئة ولكن الشأن في تمييز ماكان حباً للاخرة و ما لم‏يكن و اذا عرفت ان الاعمال كلها آثار الانسان عرفت انها كلها لابد و ان‏تكون علي هيأته و هيأته غير هذه الهيئات الدنياوية العرضية كما عرفت في الكلام الهوائي حرفاً بحرف. اماتري انه لو صلي احد عندك بلا نيّة لم‏يصل في الاخرة مطلقاً و ليس له ثواب صلوة ابداً و ان صلي في الدنيا لانه قام و قرأ و ركع و سجد و تشهد و سلم و ليس الصلوة الدنياوية غير ذلك و مع ذلك يحشر يوم القيمة تاركاً للصلوة و كذا لو لم‏يشرب و لم‏يأكل و لم‏يستعمل سائر المفطرات من طلوع الفجر الي الليل بلا نيّة تقرّب صام في الدنيا يقيناً و ليس له صوم في الاخرة فهذه الصور الدنياوية عودها الي الدنيا كما يكون بدؤها منها سواء كانت حسنة او سيئة. نعم ان كان فيها من جنس الاخرة شي‏ء و هو قصد التقرب يأتي يوم القيمة و يعود اليه كما يكون بدؤها منها و باقي الاعمال الدنياوية او البرزخية تعود الي مؤثراتها و تفني بفنائها اذ عود اهل الدنيا و البرزخ عود ممازجة لا عود مجاورة كما روي عن اميرالمؤمنين7 في حديث كميل.

فائدة

اما سبب حصول هذه الاعراض الدنياوية و البرزخية ان اللّه سبحانه خلق في عالم الجواهر خلقاً خالصاً محضاً حقيقياً و اعلي ذلك العالم عالم الجبروت و ادناه عالم الملكوت اي عالم النفوس فخلق عرشاً خالصاً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 198 *»

في العرشية لايشوبه شوب و خلق كرسياً كذلك و افلاكاً كذلك و عناصر كذلك و مواليد من تلك البسائط كذلك ليس فيها اعراض و شوب و كل شي‏ء في ذلك هو هو و ليس فيه شي‏ء من غيره فكان ترابه تراب محض خالص لايشوبه ماء و لا هواء و لا نار بل و لا افلاك و كذلك ماؤه و هواؤه و ناره و افلاكه كل واحد هو هو لا غيره و من هذا يعلم ان نيران الاخرة لا غاية لحرّها كسائر عناصره و افلاكه بالنسبة الي آثارها اذ الحرارة التي لاتحرق الا الخشب مثلاً يكون فيها شوب البرودة لانها ان اشتد حرها تذيب النحاس مثلاً و اذا اذاب النحاس و لم‏تذب الحديد فذلك لشوب البرودة ايضاً و الا لاذاب الحديد ايضاً و هكذا فاذا صارت صرفاً في الحرارة محضاً فيها بحيث لايشوبه شي‏ء من البرودة مطلقاً ليحرق جذوة منها جميع سموات الدنيا و ارضيها اذ لايمنعها مانع و ذلك يكون في اسرع من طرفة عين اذ لم‏ينتظر لشي‏ء من الحرارة و لايمنعها البرودة الدنياوية و لذا روي انه لو علّق حلقة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً بين السموات و الارض لاحرقت كلها و لو علّق شعرة من شعور الحور العين لمات اهل الدنيا من بريقها و ليس هذا لفظ الحديث بعينه.

بالجملة عناصر الاخرة عناصر صرفة و سمواتها سموات صرفة و مواليدها مواليد صرفة لها قبضة من العناصر و تسعة قبضات من الافلاك و قد يعبّر عن هذه العناصر بالعناصر الاصلية لانها هي الاصل في العنصرية. فاذا خلق هذا العالم من مبدئه الي منتهاه يتعاكس كل جزء منه في كل جزء فتعاكس التراب في الماء و الماء في التراب و هما في الهواء و الهواء فيهما و هي في النار و النار فيها و كلها في كل واحد من الافلاك و الافلاك فيها و هكذا تعاكس كل فلك في كل فلك فحصل من بين هذا التعاكس عالم آخر و احتجب العالم الاول بحجاب هذه العكوس بحيث اذا نظرت اليهما@اليها خ‌ل@ لم‏تر منها الا العكوس كما اذا ازبد الماء صار الزبد يحجب شفوفة الماء فلم‏

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 199 *»

تر الا الزبد فهذه العكوس ليست حالها حال العالم الاول اذ جميع اجزائه كانت صرفة محضة فيما هو هو ولكن هذه العكوس كل واحد منها مركب من كل مايكون في العالم الاول فحصل تراب ظلي عكسي فيه شوب عكس الماء و الهواء و النار و الافلاك @/و حصل ماء ظلي فيه شوب عكس التراب و الهواء و النار و الافلاك/اين قسمت را در خ‌ل اضافه‌تر داشت@ و حصل هواء ظلي فيه شوب عكس التراب و الماء و النار و الافلاك و حصل نار فيها شوب عكس التراب و الماء و الهواء و الافلاك و حصل فلك قمر فيه شوب العناصر و سائر الافلاك و حصل فلك عطارد فيه شوب العناصر و سائر الافلاك و هكذا الي ان حصل عرش ثان فيه العناصر و سائر الافلاك الا ان لكل واحد طبعاً غالباً يخصه و باقي الطبائع خفية ففي التراب غلب فيه عكس التراب و الباقي خفي و في الماء غلب الماء الجوهري اي عكسه و الباقي خفي و في الهواء غلب الهواء الجوهري و خفي الباقي و هكذا الي العرش ففيه غلب العرش الجوهري و خفي الافلاك و العناصر فصار كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء فحصل للتراب درجات قاعدته في نفسه و رأس مخروطه في العرش و العرش قاعدته في مكانه و رأس مخروطه في التراب و هكذا لكل واحد من الكراث الثلث عشرة قاعدة و رأس مخروط فحصل لكل واحد من تلك الكرات كرات ثلث عشرة فليس ترابه تراب صرف بل هو مركب من تراب و ماء و هواء و نار الي عرش و هواؤه مركب من تراب و ماء و هواء الي عرش و هكذا الي العرش فيكون مركباً من تراب و ماء و هواء و نار و افلاك فصارت هذه الافلاك المشوبة و هذه العناصر المشوبة افلاك عالم البرزخ و عناصرها فحصل بين تلك البسائط المركبة مواليدها ثم تعاکس اجزاء هذا العالم مرة ثانية بعد الاولي فحصل من ذلك التعاكس عالم آخر ادني منه و هو عالم الدنيا هذا العالم المحسوس فحصل له عرش فيه كرسي و افلاك و عناصر و كل واحد منها ايضاً مركب من جميع البسائط كما مرّ و حصل له كرسي مركب من عرش و كرسي و افلاك و عناصر الا ان كرسيه غالبة و حصل افلاك مركبة من عرش و كرسي و افلاك و عناصر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 200 *»

الا ان فلكيتها غالبة و حصل له عناصر مركبة من عرش و كرسي و افلاك و عناصر الا ان عنصريتها غالبة و كذلك كل واحد من عناصرها مركبة كما سمعت و لذلك يستحيل كل واحد منها بالتدبير الي الاخر كما هو مشاهد و العناصر الاصلية لايستحيل ابداً و حجب هذه الاعراض الثانية الاعراض الاولي كما حجبت هي الجواهر الاصلية فهذه البسائط المحسوسة عرض العرض و زبد الزبد فاذا ذهب الزبد الاول يظهر الزبد الثاني و اذا ذهب الثاني يظهر الجوهر الاصلي الاخروي. فاعرف من هذا البيان ان هذه الافلاك و العناصر الدنياوية هي بعينها الافلاك و العناصر البرزخية و الافلاك و العناصر البرزخية هي بعينها الافلاك و العناصر الاخروية و كذلك مواليدهما و ليس البرزخ و الدنيا الا كزبد علي زبد علي الماء و اذا ذهب الزبد ظهر الماء تحتها و هو ايضاً جسم ذو طول و عرض و عمق الا انها اصفي و ارق من الاجسام الزبدية العرضية بل في الواقع ان الماء هو الجسم بحقيقة الجسمية و استعار الزبد جسميته من الماء. فاذا نفي احد الزبد عن حقيقة الماء لم‏ينكر الجسم بل هو مثبت الجسم بحقيقة الجسمية و اما اهل الازباد حسبوا انه ينكر المعاد الجسماني لانهم لم‏يعرفوا من الجسم الا الزبد و قد قال سبحانه و اما الزبد فيذهب جفاءاً و اما ماينفع الناس @بحقيقة الجسمية/در ‌خ‌ل نبود@ و هو الماء فيمكث في الارض ارض القيامة و لابد من تبديل هذه الارض و السماء لانهما مركبان من اشياء مستقلة قبل التركيب فعودهما الي تلك الاشياء لامحالة و لذا قال سبحانه يوم تبدّل الارض غير الارض و السموات و برزوا للّه الواحد القهّار و ماداموا في خلل الاعراض لم‏يبرزوا بل احتجبوا تحت استار الازباد فاذا اخذ قبضة من تراب هذا العالم تكون فيه تراب البرزخ بل جميع بسائطه و تراب الاخرة بل جميع بسائطها الا انها مستورة بحجب الاعراض البرزخية و الدنياوية فاذا ارتفعت الحجب تري تلك المستورة فقد و اللّه ظلمنا من افتري علينا و ينسبنا القول بالمعاد الروحاني دون الجسماني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 201 *»

و انا نثبت المعاد الجسماني بحقيقة الجسمية غاية الامر نقول ان الزبد يذهب جفاءاً و ذلك ايضاً من ضروريات مذهب الشيعة بان اهل الاخرة ليسوا بكثافة اهل الدنيا اذ ربّ مبتلي بامراض مزمنة متكرهة و بهيئات مشوهة و هو مؤمن و بالضرورة لايدخل الجنة علي ما هو عليه في الدنيا بل يدخل اولاً عين الحوت و يغتسل في باب الجنة و يغسل الاوساخ العرضية التي ليست منه و يدخل الجنة منفرداً فرداً كما خلقه اللّه اول مرة و يصير جسمه كالمرءاة الصافية مبرأة عن كدورات الازباد البرزخية و الدنياوية لانه مخلوق من الماء الذي به حيوة كل شي‏ء لا من الاوساخ العرضية و اجسام اهل الاخرة ‏ليس لها ظل و لاتحجب ماوراءها كما كان جسم النبي9 في هذه الدنيا فيري فيها وجوه الحورالعين كما تري وجهك في المرءاة فالبدن الاخروي من شدة صفائه و لطافته لايدرك بالحواس الدنياوية و البرزخية المخلوقة من الاوساخ الزبدية اذ الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها و هذا الهواء الدنياوي مع انه من جنس سائر العناصر لايدرك بالعين لانه الطف منها بدرجة فكيف يري بها ماكان الطف منها باربعة آلاف درجة.

بالجملة فظهر من هذا البيان ان اجسام هذه الدنيا هي اجسام البرزخ و اجسام‏ البرزخ هي الاجسام الاخروية الا انها مستورة محجوبة مكنونة في هذه الحجب فلبدن زيد اربعة عوارض في اربع مراتب كلية و الا فجزئيات عوارضه اكثر من ان‏تحصي و اما بيان العوارض الاربعة ان هذه الافلاك و العناصر الدنياوية ايضاً لم‏تبق علي مانزل من البرزخ بل هي ايضاً تعاكس بعض اجزائها في بعض فلم‏يبق جزء منها صرفاً في رتبتها بل يختلط ترابها بالماء و ماؤها بالتراب و هما بالهواء و الهواء بهما و هي بالنار و النار بها و يبرد القمر سخونة الشمس و يسخن الشمس برودة القمر و كل واحد يكسر سورة الاخر و اختلط نور العرش بالكرسي و بالعكس و نور الكرسي و العرش

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 202 *»

بكل واحد من الافلاك و بالعكس فحصل عرش آخر غير العرش الاول و كرسي آخر غير الكرسي الاول و افلاك اخر غير الافلاك الاولي و عناصر اخر غير العناصر الاولي فجعل من هذه العناصر و الافلاك الثانية بدن زيد اي بدنه العرضي الذي فيه البدن الاصلي فاذا اخذ في الصعود يحل بدنه اولاً في الاعراض الحاصلة من تعاكس بسائط هذا العالم و يخلع عن نفسه الاعراض التي حصلت له من هذه التعاكسات ثم يحل في نفس هذه البسائط و يخلع عن نفسه الاعراض التي حصلت من هذه البسائط ثم يحل في مواليد البرزخ و يخلع عن نفسه الاعراض المولودية ثم يحل في بسائط البرزخ و يخلع عن نفسه الاعراض الطبيعية الحاصلة له من بسائط عالم البرزخ و اذا خلص من جميع هذه الاعراض يدخل عرصة القيمة فهذا البدن الذي تباشره في هذه الدنيا و تراه بعينك هو عرض عرض عرض العرض و البدن الاصلي هو المركب من الجواهر الاخروية التي لم‏تستقل قبل التركيب و هو مستور عن عيون الناس في هذه الالبسة و هو لايزيد بزيادة هذه الالبسة و لاينقص شي‏ء منه بنقصانها و ليس استمداده منها بل و في السماء رزقكم و ماتوعدون و مدده من الاعلي من تأييدات العقل و توفيقاته من العقائد الحقة و الاعمال الصالحة ان كان مؤمناً و بالعكس ان كان كافراً فكلما عمل عملاً صالحاً يزيد بسبب الحركة حرارته الغريزية الاصلية و بزيادة الحرارة يقوي بدنه و يدفع عن نفسه الاعراض و يجذب مايناسبه اكثر فيزيد و يربو و يقوي دائماً بالاعمال الصالحة و ازدياد الحرارة الغريزية الناشئة من محبة اللّه سبحانه و هكذا كلما وضعت لهم حلماً رفعت لهم علماً ليس لمحبّتي غاية و لا نهاية فعظم البدن الاخروي و صغره بكثرة الاعمال و قلتها لا بالحبوب و النباتات و الحيوانات الدنياوية التي كل واحد منها عبد من عباد اللّه سبحانه و كل قد علم صلوته و تسبيحه و لكل ثواب او عقاب بحسبه و اللّه سبحانه عدل لايجور و لايحشر زيداً و غيره معه ثم يثيب ذلك الغير بثواب زيد او يعاقبه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 203 *»

بعقاب زيد معاذ اللّه و قد قال في كتابه لاتزر وازرة وزر اخري و قال ليس للانسان الا ما سعي و الانسان هو الذي من عالم الجواهر الاصلية الباقية لا مايتركب من الاعراض الفانية.

فائدة

فاذا اختلفت([21]) اخلاط هذا البدن الدنياوي و طبائعه و غلب بعضها علي بعض او ورد عليه حادثة من خارج بدنه بتقدير العزيز العليم يحضر ملك الموت الذي وكّل به و هو فرد من الافراد الملك([22]) الموت الكلي الذي يوكّله اللّه سبحانه لتفريق المجتمعات و يقبض روحه بالاسباب التي بعضها الاختلافات كما اخبر اميرالمؤمنين7 بقوله و سبب فراقها اختلاف المتولدات و يخر بدنه بلا حراك و تلك الروح المقبوضة هي الروح الحيوانية البرزخية التي ركبها الانسان فاذا قبضت صعدت الي عالم المثال الذي هو عبارة عن سموات عالم البرزخ و بقي بدنه البرزخي في ارض ذلك العالم المعبّر عنها بعالم هورقليا و عالم جابلقا و جابرسا و هي اي البدن الهورقلياوي في غيب هذا البدن الدنياوي فاذا دفن في القبر يعود الروح الي البدن الهورقلياوي و يحيي ثانياً بعد ماكان ميتاً في الدنيا و لايعود الي هذا البدن الدنياوي لانه بسبب اختلاف عناصره لايقبل الحيوة و يمنع الروح من النفوذ فيه و لو لم‏يمنع النفوذ لم‏يفارقه اولاً و لم‏يمت فاذا([23]) لم‏يقبل الحيوة بسبب اختلال الالات فبعد فرار الحرارة الغريزية و طريان البرودة لايمكن عادة ان‏يرجع اليه الروح و لو كان ذلك من الممكنات العادية لعالجه الاطباء الماهرون في جميع هذه القرون و هم احرص الناس علي حيوة الناس او حيوة بعض الناس الذين اذا احيوا كفوا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 204 *»

مؤنة دنياهم و لايشك عاقل في عدم امكان ذلك عادة و من تتبع في الاخبار الواردة في احوال القبر و اهواله عرف بلا غبار انها ليست من الامور المحسوسة بالحواس الدنياوية و عرف انها من اوائل الامور البرزخية. فمن الاخبار الدالة ان احوال القبر ليست علي المعني المتبادر الي الاذهان الناقصة الدنياوية ما روي ان قبر المؤمن يوسع ماانتهي اليه مدّ البصر و لا شك ان القبر الدنياوي لايتغير عما حفر اولاً و كذا روي ان قبر الكافر يضيق عليه ضيق محل الوتد و لايتغير هذا القبر الدنياوي قطعاً و كيف ذلك و قد يمكن ان‏يدفن المؤمن في هذه الدنيا بجنب الكافر فكيف يمكن الجمع بينهما ان كان المراد هو الظاهر المتبادر الي اذهان العوام بل يمكن ان‏يدفن المؤمن و الكافر في قبر واحد فكيف يوسع علي واحد و يضيق علي الاخر و كذلك ما ورد في كيفية مجي‏ء الملكين و ضغطة القبر و سؤالهما عن حاله و جوابه لهما و قعوده في قبره تحت هذه الاتربة و اللبن و كذلك ما ورد ان القبر روضة من رياض الجنة او حفرة من حفر النار و لا شك ان ظاهر القبر الدنياوي ليس كذلك و لايبقي شك لمن اطلع علي الاخبار الواردة في القبر ان المراد غير ما فهمه العوام من المعاني المتعارفة المتداولة فاذا([24]) لم‏يكن المراد هذا القبر الدنياوي العرضي فيكون المراد من قبر زيد قبره الاصلي و المراد من رجوع روحه رجوعه الي بدنه الاصلي الهورقلياوي لا هذا البدن المحسوس العرضي بل هو البدن الذي يبقي في القبر مستديراً و لايبلي و لايبطل صورته الي نفخ الصور و هو في هذا البدن كسحالة الذهب في التراب فبعد خراب هذا البدن يبقي مستديراً و هذا البدن العرضي للبدن الاصلي كالقبر للبدن العرضي.

بالجملة فاذا دفن الميت في القبر قبره الاصلي يعود روحه المثالي الي بدنه الاصلي الهورقلياوي و سببه الطبيعي ان الروح في اول فراقه من البدن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 205 *»

لايستقر في مكان لايأنسه فيضطرب اشد الاضطراب نعوذ باللّه من تلك الاهوال و الاحوال فيصعد مرة و ينزل اخري الي ان‏يأنس مقامه الاصلي ففي حال نزوله يري بدنه و يتعلق به و ينفذ فيه الي صدره الذي هو اعلي مقامات البدن المتصل بالروح الصاعد فيحيي بحيوة الروح و يتحرك في قبره الاصلي الذي هو ارض عالم المثال المتصل بهذه الدنيا و هو عالم هورقليا و يقعد في قبره فيأتيه الملكان البشير و المبشر ان كان مؤمناً فيسألانه عن ربه و عن كتابه و عن نبيه و امامه و مواليه: فيجيب عما يسألان لان المؤمن يعتقد بقلبه ان ربه هو اللّه سبحانه و ان كتابه القرآن و نبيه محمّد9 و ائمته الائمة الطاهرين([25]) سلام ‏اللّه عليهم و مواليه شيعتهم: و ليس ذلك بلسانه الدنياوي حسب بل كان معتقداً لذلك كله و لجميع الشرائع و الاحكام الواصلة اليه بخلاف المنافق فانه لايعتقد ذلك و لايعقد قلبه علي ذلك بل يقول بلسانه ما ليس في قلبه و لسانه من اعراض هذه الدنيا فاذا اعرض عنها بقي بلا حراك في جملة الاعراض و قلبه غافل من معاني مايقوله في الدنيا فلم‏يقدر علي جواب الملكين في القبر و اما المؤمن عقد قلبه علي الايمان بهؤلاء فاذا خرّ بدنه العرضي بلا حراك كان بدنه الاصلي و روحه معتقداً للايمان لاسيما لماتوجه الي العالم الاعلي و رأي انوار مواليه يتقوي بُنيته و يحضره معني ما يقوله في الدنيا و يستعد للجواب فيجيب بافصح بيان اللّه سبحانه ربي و القرآن كتابي و الكعبة قبلتي و محمّد نبيي9 و الائمة الطاهرون سلام‏ اللّه عليهم ائمتي و سادتي و شيعتهم: موالي و قادتي الي آخر مايريد اللّه سبحانه منه و غير ذلك مما اعتقده فلما توجه الي الاعلي بتذكر هؤلاء: يقع نظره الي موقعه الاصلي الذي هو جنة الاخرة فنظر الي الحور العين اللاتي يشرن اليه و يحرصنه بالصعود اليها و هو ايضاً يعزم علي ذلك و لما كان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 206 *»

متعلقاً بالبدن الهورقلياوي و هو له كهذا البدن بالنسبة الي البدن الهورقلياوي لايقدر علي الصعود الي الجنة لثقل البدن الهورقلياوي فما رآه رآه في الوجدان و هو حالة عارضة له و ليس حالة وجودية و يمكن عروض هذه الحالات الوجدانية في هذه الدنيا ايضاً لمن تخلص عن لوازم هذا البدن و مات بالموت الاختياري و ذلك تأويل قوله تعالي تتنزّل عليهم الملائكة ان لاتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون.

بالجملة لما تخلص المؤمن عن هذه الاعراض الدنياوية توجه الي عالم الهورقليا و الي عالم المثال فرأي اهل ذلك العالم و رأي الملكين الموكلين المخلوقين من جهته الاعلي التي هي جهته الي ربه فيسألانه ما سأل ربه سبحانه في عالم الذر فقال الست بربكم و محمّد نبيكم و علي و احدعشر من ولده و فاطمة الصديقة اولياؤكم ألستم توالون اوليائي و تعادون اعدائي فقال في جواب الملكين بالتفصيل فاذا اجاب الملكين و انس ذلك العالم بالتدريج قطع نظره من اسفل ذلك العالم الذي هو ارض عالم المثال التي فيها قبره و بدنه الي اعلي ذلك العالم الذي هو سماؤه التي هي محل روحه فيبقي بدنه في القبر في الارض و ذلك القبر روضة من رياض الجنة لما جعل اللّه سبحانه بين قبره و بين الجنة منفذاً يصل اليه الامداد المناسبة للجنة فاذا وصل اليه الامداد آناً فآناً يستمد بدنه و يستعد لظهور ما ظهر في الجنة فيظهر منه ما ظهر في الجنة الاعلي فصار روضة من رياض الجنة و لو لم‏يستمد بدنه لفني كما فني بدنه العرضي فلما كان مستمداً دائماً يبقي في القبر مستديراً مستمداً من كل جهة من مبدئه و يحوم حول مبدئه من كل جهة فلذا صار مستديراً فمن ذلك يعلم ان البدن الهورقلياوي ليس كهذا البدن العرضي لان فيه حيوة ضعيفة و لو لم‏يكن فيه بلة الحيوة لم‏يكن قابلاً للاستمداد و جذب الحيوة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 207 *»

اليه بخلاف البدن الدنياوي العرضي فانه لم‏يكن فيه البلة المجانسة للحيوة و لذلك لايكون قابلاً لرجوع الروح اليه و ذلك سرّ الايجاد و التكوين و شرحه في علم الفلسفة التي هي آية في معرفة كيفية عود الارواح الي الاجساد و لابد و ان‏يكون للروح الصاعد و الجسد الهابط مناسبة و مجانسة حتي تتعانق الروح الجسد و يحصل بينهما التمازج و التفاعل و الاتحاد و لو لم‏يكن بينهما تناسب و تجانس فمحال في الحكمة تمازجهما و تفاعلهما و اتحادهما بل يحصل بينهما شقاق البتة و هذا هو تأويل قوله تعالي و ان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من اهله و حكماً من اهلها ان يريدا اصلاحاً يوفق اللّه بينهما فالحكم الذي من جانب الروح هو البلة التي في الجسد من جنس الروح و الحكم الذي من جانب الجسد هو الارضية التي في الروح من جنس الجسد و لو لم‏يكن الحکمان لم‏يوفق اللّه سبحانه بينهما لانه سبحانه لم‏يجر فعله علي خلاف الحكمة و الحكمة اقتضت ان‏يكون بين كل منافرين حكماً مناسباً([26]) و برزخ له جهتان جهة الي العالي و جهة الي الداني حتي يتعلق العالي بما يناسبه فما@مما خ‌ل@ كان في الحكم و يتعلق الحكم به ايضاً لمناسبة@لمناسبته خ‌ل@ معه ثم يتعلق الحكم بجهته@بجهة خ‌ل@ الاخري الي الداني و يألف الداني بما كان فيه من جنسه و يألف به الداني ايضاً بما فيه من جنسه فاذا تعلق العالي بالحكم و الحكم بالداني يمكن بينهما التعانق و التداخل و التمازج و التفاعل و الاتحاد و لو لم‏يكن في شي‏ء مايكون من جنس الشي‏ء الاخر لايطلبه الشي‏ء الاخر مطلقاً قال سبحانه معاذ اللّه ان‏نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده و ذلك المتاع هو من جنس العالي مملوك له و اثره و شعاعه و نوره و ظهوره و لو لم‏يكن ذلك المتاع المضاف الي العالي لم‏يأخذ العالي الداني و لو اخذ لصار ظالماً و لذلك قال سبحانه انا اذاً لظالمون اي ان اخذنا من لم‏يكن عنده متاعنا و في ذلك آيات كثيرة منها انك لاتسمع من في القبور اي الاموات

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 208 *»

الذين ليس فيهم حيوة الايمان و منها قوله لتنذر من كان حياً اي بحيوة الايمان و ماكانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل لانهم ليس في نفوسهم التي قبل ابدانهم الاقرار بالايمان بل كان فيها تكذيب الايمان فاخبر سبحانه بانهم لايؤمنون ابداً.

و من عرف هذا السرّ الساري في جميع الملك من الاكوان و الشرائع و الاحكام عرف سرّ ارسال الرسل و انزال الكتب و الوعد و الوعيد و عرف سرّ المعاد و الحشر و النشر و سرّ التقرب الي اللّه سبحانه و التباعد منه و عرف سرّ مفارقة الارواح من الاجساد و سرّ موافقتها معها و عرف انه لايمكن تعانق كل روح مع كل جسد و عرف ان كل معانق مع شي‏ء لابد له من المجانسة القريبة بينهما و المناسبة التامة و الا فلايمكن التركيب بينهما فلو كان الروح بمنزلة الهواء و الجسد بمنزلة التراب لايمكن بينهما التداخل و التمازج و التفاعل و الاتحاد فاذا كان هذا حال الهواء بالنسبة الي التراب مع انهما عنصران متصلان فكيف يمكن التركيب بين فلك القمر و التراب مع انهما في غاية التباعد الظاهري و الباطني و اذ لم‏يمكن ذلك فكيف يمكن التركيب مع سائر الافلاك و هكذا الي العرش و اذ لم‏يمكن تركيب التراب مع العرش مع انهما جسمان دنياويان من صقع واحد فكيف يمكن تركيب التراب اي التراب الدنياوي العرضي مع الروح المثالي مع كونهما من عالمين متباعدين مختلفين في الرقة و الغلظة غاية الاختلاف و اذ لم‏يمكن التركيب بين الروح المثالي و بين التراب الزماني مع انهما من عالمين متصلين فكيف يمكن تركيب الروح النفساني المجرد عن المادة و المدة مع هذا التراب الكثيف العرضي الدنياوي و بهذا يعرف ان كل مولود من اي عالم كان لابد و ان يكون روحه و بدنه من ذلك العالم لا غير و قد مرت الاشارة الي ذلك في المقدمات السابقة في علم الاشتقاق فلايمكن ان‏يكون روحه مثالياً و بدنه دنياوياً و مع ذلك يصير شخصاً واحداً معاذ اللّه او يكون روحه نفسانياً و جسده

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 209 *»

برزخياً او دنياوياً و مع ذلك يكون شخصاً واحداً و لايقول به الا جاهل او غافل فلابد و ان‏يكون الروح و الجسد متناسبين متجانسين من عالم واحد. ألم‏تسمع ما روي ان الروح جسم لطيف البس قالباً كثيفاً و القالب ايضاً جسم فكل روح لطيف جسمه و كل جسم غليظ روحه و لابد و ان‏يكونا من عالم واحد فان كان الروح مادياً فجسده مادي و ان كان مجرداً فجسده مجرد و ان كان زمانياً فجسده زماني و ان كان مثالياً فجسده مثالي و ان كان نفسانياً فجسده نفساني و ان كان عقلانياً فجسده عقلاني و ان كان ترابياً فجسده ترابي و ان كان مائياً فجسده مائي و ان كان هوائياً فجسده هوائي و ان كان نارياً فجسده ناري و ان كان فلكياً فجسده فلكي و ان كان كرسياً فجسده كرسي و ان كان عرشياً فجسده عرشي و انت علمت ان الافلاك و العناصر في كل عالم موجودة بحسبه مناسبة له و ان علمت علم الاشتقاق رأيت كما اقول رأي‏العين و مع ذلك كله لابد و ان‏يكون لكل شخص شخص و فرد فرد روحه مناسباً لجسده بخصوصه مخصوصة به فلا كل روح مناسب مع كل جسم و ان كانا من عالم واحد فلاتناسب روح الاسد جسد الثعلب مثلاً و ان كانا@کان خ‌ل@ كلاهما من عرض واحد فلايناسب روح زيد بدن عمرو و ان كانا من عالم واحد و لابد من مناسبة مخصوصة بين كل روح و جسده فلذلك لايمكن ان‏يخلو جسد من رائحة روحه و بالعكس فلذلك قلنا ان البدن البرزخي ليس ميتاً محضاً و تراباً صرفاً و لو كان كذلك لايختص بروح خاص دون روح آخر فكان كل جسد برزخي فيه من جنس روحه لامحالة حتي يكون قابلاً لتعلق الروح الخاص به فبدن زيد في عالم المثال فيه رائحة روحه الخاص و كذا بدن عمرو فيه رائحة من روحه و لو لم‏يكن ذلك لصار بدن زيد قابلاً لتعلق روح عمرو و بكر و خالد كما يكون بدنه العرضي الدنياوي يصير قابلاً لان‏يصير نباتاً او حيواناً او انساناً آخر لما لم‏يكن بينه و بين زيد مناسبة ذاتية حقيقية بل ربما يناسبه حين تعلقه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 210 *»

به بلحاظ و هو ان يكون بدنه العرضي في غاية الكراهة و القباحة و يكون هو بنفسه مؤمناً صالحاً في نهاية الصباحة. بالجملة ان البدن الهورقلياوي لما لم‏يكن غليظاً كالبدن الدنياوي و كان لطيفاً في الجملة لايكون مفارقة الروح منه كمفارقته من البدن الدنياوي و يتعلق به في الجملة و يمده و لذلك يبقي مستديراً في قبره و لايبلي مدة البرزخ و البدن الاخروي ايضاً فيه و هو ايضاً يستمد في الجملة من الروح الاخروي و يتعلق به اكثر من تعلق الروح البرزخي بالبدن الهورقلياوي و سبب مفارقة الروح منه تخلل الاعراض الدنياوية فيه كما يكون سبب فراق الروح الاخروي من بدنه تخلل الاعراض البرزخية فيه و لماكانت الاعراض خاصة@غاصة ظ@ في جميع اجزاء البدنين لابد في الحكمة حلّهما لاستخراج الاعراض عنهما اذ المنعقد لايمكن عادة خروج الاعراض منه و قد اجري اللّه سبحانه فعله في ملكه علي حسب العادة المحكمة فاذا@فلذا خ‌ل@ يميت البدن الدنياوي و يحله في العناصر الدنياوية حتي يستخرج منه البدن الهورقلياوي و يرمي الاعراض الدنياوية التي هي كالاعراض الهبائية في علم الفلسفة خارج العالم عالم المولود الذي هو البدن الطبيعي الهورقلياوي و يميت البدن البرزخي ايضاً في الهورقليا و يحله في عناصر ذلك العالم و يستخرج البدن الاخروي الاصلي منها و يرمي الاعراض الطبيعية خارج عالم الاخرة في عالم الطبائع فيصير البدن الاخروي بدناً خالصاً محضاً اخروياً مخلداً و قبل هذا الحل و العقد كان مختلطاً بالاعراض البرزخية و الدنياوية التي ليس مبدؤها منه و لا عودها اليه بل بدء كل واحد منهما في عالمها و عودها اليه و لايتجاوز شي‏ء ماوراء مبدئه و بخلع الاعراض لاينقص من ذي الاعراض مثقال ذرة و ان كانت الاعراض الوفاً كما انك ان مزجت مثقالاً من سحالة الذهب في الف منّ من التراب ثم نزعت منه الاتربة لاينقص من ذهبك الاول ذرة و كذا بخلع الاعراض الترابية عن الذهب لايخرج الذهب عن الجسمية معاذ اللّه بل صار

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 211 *»

جسماً بحقيقة الجسمية مخلداً صابراً و بخلطه بالاتربة كان غير صابر في نار الفلق و كان اجزاؤه متفرقة في الاتربة بحيث لم‏يظهر من الذهبية الاصلية شي‏ء فاذا تطهر عن الاتربة صار ذهباً خالصاً نافعاً مخلداً و اما الاتربة فهي الازباد التي ليست من اصل الماء و من اصل الذهب و هي ذاهبة غير نافعة بشي‏ء و اما ماينفع الناس هو الماء الصرف بلا كدورة الزبد و الذهب الخالص عن شوب الغرائب و هو الذي يمكث في الارض الثابتة الدائمة ارض الاخرة قال اللّه سبحانه في شرح ذلك لاهل الدراية و اصحاب الاشارة الذين يفهمون اللحن من الكلام و يكشفون القشر من اللباب و يفرقون الماء من السراب و انزلنا من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً و مما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله كذلك يضرب اللّه الحق و الباطل فاما الزبد فيذهب جفاء و اما ماينفع الناس فيمكث في الارض الي آخرها فالمراد من السماء سماء الانسانية و الاباء العلوية و المراد بالماء المنزل هو الماء النازل من شجرة المزن و تلك الشجرة مغروسة في عالم الملكوت عالم النفوس المجردة عن الاعراض المادية و هو المطر الذي فيه رائحة المني و هو حبة الانسانية المزروعة في ارض المواد البرزخية و الدنياوية فسالت الاودية البرزخية و الاوعية الدنياوية الطبيعية المادية بقدرها بحسب قوابلها و سعتها بحسب اللطافة و الكثافة لان المواد الطبيعية البرزخية و المادية الدنياوية مختلفة في حكايتها انوار المبدأ المجرد عنها فكل ما كانت منها لطيفة تحكي ماوراءها اكثر و كل ما كانت كثيفة تحكي علي حسب كدورتها فلم‏تحك ماوراءها من النفوس المجردة كما ينبغي بل تحكيها مشوبة بانفسها المادية فمثال ذلك هو المرءاة الصافية الحاكية للشمس كما هي و المرءاة الكدرة المعوجة الملونة الحاكية للشمس شيئاً كدراً معوجاً ملوناً فتلك الکدورة و الاعوجاج من نفس المرءاة و هي اولي بها مااصابك من حسنة فمن اللّه و مااصابك من سيئة فمن نفسك و ان كان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 212 *»

كلها بالله و لو لم‏يكن الشمس لم‏يظهر شي‏ء في المرءاة صافية كانت او كدرة فالخير و الشر كلها بالشمس ولكن النور الصرف يرجع الي الشمس و الاعوجاجات التي من لوازم المراتب الكدرة الحاجبة غير الحاكية من نفس القوابل فترجع الي القوابل و هي اولي بها و ان كان كلها وجودها بالشمس فقل كل من عند اللّه.

بالجملة ففي بطن قوابل الاودية العرضية برزخية و دنياوية انصبغ مثال النفس المجردة الملكوتية فما كانت من الهويات لطيفة اظهرت النفس المجردة فعلها و مثالها اكثر لعدم مانع و كل ما كانت غليظة مانعة من اظهارها علي حسبها اظهرت علي حسبها اي علي حسب الموانع كما مثلنا بالمرءاة الصافية و العوجاء المانعة فسالت الاودية و جرت بذلك الماء النازل من سماء النفس المجردة بقدرها بحسبها فصارت تلك النفس في المواد الدانية بحسبها زيداً و عمراً و بكراً و هكذا في كل واد من اودية مواد القابليات بحسبها و كانت قبل نزول الماء ماء النفس في الاودية اودية المواد الدنياوية ماء مطلقاً و نفساً مطلقة لاتختص بزيد و عمرو و غيرهما بل كانت شائعة في المواد كشيوع الزبد في اللبن او الماس في الحجر او المعني الظاهر من اللفظ في اللفظ فكما لم‏يكن زبد قبل المخض و انما كان الظاهر هو اللبن لا غير كذلك كان نفس زيد قبل ظهورها من مادة بدنه غير متعينة بل لم‏تكن نفس مطلقاً موجودة بل معدومة قابلة للظهور من المادة البدنية التي بمنزلة اللبن فمن هذا المثال فاعرف انه قبل ظهور الاناسي في ابدانهم في هذه المواد الدنياوية ليست ارواحهم معلقة معطلة في عالم النفوس موجودة فيه قروناً و سنين ثم بعد تركيب ابدانهم طاروا من ذلك العالم و نزلوا و اتوا ابدانهم و دخلوا فيها كما دخل الطائر في قفسه بل هذه القوابل الدنياوية المادية كانت صالحة لان‏يظهر منها روح زيد و عمرو و قبل ظهورهما في هذه الدنيا ليس لهما ظهور في مرتبة من المراتب و بعد ظهورهما

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 213 *»

في هذه الدنيا كانت هذه الابدان@در خ‌ل الابدان نداشت@ المواد اعراض([27]) لهما و هما من عالم اعلي من عالم المواد بجميع مراتبهما من عقلهما الي جسمهما. الاتري ان بدن زيد حين ظهور زيد فيه كان صالحاً لظهور عمرو و بكر منه و اما بدنه الاصلي لايكون صالحاً لان‏يصير بدن غيره فبهذا عرفنا ان هذه الابدان العرضية عرضيات للاناسي كلهم لانها حين اتصالها بهم و بعد اتصالها و قبل اتصالها في جميع ذلك صلوح محض لظهور كل الاناسي فليست مخصوصة باحد منهم و لايصير جزءاً منهم ابداً فانظر ماذا تري هل‏ تري غير ما ذكرت؟

بالجملة فلما القت النفس الكلية امثلتها في هويات قوابل مرايا المواد انصبغت في بطن تلك المرايا فصارت زيداً و عمراً و غيرهما بل قبل الالقاء ليست الا نفس([28]) واحدة و في بطن المرايا صارت الامثلة امثلة و تلك الامثلة هي اشعة النفس الكلية و قطرات الماء المطلق النازل من المزن فاذا نزلت من@في خ‌ل@ اودية القوابل سالت الاودية بها اي تحركت هي و جرت بما فيها من ماء الحيوة فتلك الاودية هي هذه الابدان العرضية الحية بالحيوة الذاتية فاحتمل السيل اي ذلك الماء الذي قد جري في الاودية و الحيوة التي نفذت في الابدان زبداً رابياً و ذلك الزبد هو من جنس الاودية اذ الزبد هو الاتربة الناعمة التي تحصل من الارض و تعرض علي الماء و المراد هو البدن الدنياوي الذي هو من صوافي العناصر العرضية و اشار بقوله سبحانه فاحتمل ان العرض الدنياوي لايكون ممازجاً في البدن الاصلي و لا مخالطاً بل يكون مفارقاً طافياً فوقه و بينونته بينونة ظاهرة يظهر بادني تأمل لكل ذي حجي كالزبد فوق الماء و لذا يوصف الزبد بقوله سبحانه رابياً تأكيداً للمراد و توضيحاً لمن اراد فهم المقصود بخلاف الاعراض البرزخية فانها كانت كأنها تمازج البدن الاصلي بحيث يشتبه آثارها مع آثار البدن الاصلي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 214 *»

بل و لايفرق بينهما الا الاقلون و ذلك مما غفل عنه الاكثرون اماتري لايكاد يفرق بين رضا الشخص و غضبه بانهما كانا من آثار النفس الحيوانية او من آثار النفس الانسانية بل لعله يزعم الاستهزاء و السخرية لو قيل له ان هذا الغضب او الرضا ليس منك بل هما من آثار النفس الحيوانية و كذا لو قيل له ان المبصر و السامع و الذائق و الشام و اللامس هو حيوانيتك و تلك الاثار هي من خصال الروح الحيواني و اما انت علي ما انت انت اجل من ان‏توصف بهذه الصفات و انت ليس صفاتك الا العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النزاهة و الحكمة.

بالجملة لماكان خصال النفس القدسية و خصال النفس الحيوانية متشابهة ظاهراً متشاكلة لان كليهما من عالم الغيب و كانت النفس القدسية الانسانية تكتسب ماتكتسب في بطن الجسم الحيواني و روحه و كانت ممازجة معه ظاهراً غاية المزاج بحيث يشتبه امرهما و خصالهما علي كثير من المنتحلين فضلاً عن الغافلين و ان كان تغايرهما و تغاير خصالهما في الباطن عند اولي الابصار اظهر من الشمس في رابعة النهار غير اللّه سبحانه التمثيل فقال و مما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية او متاع زبد مثله و انت تري ان مايوقد في النار ليس زبده كزبد الماء طافياً فوقه مبايناً معه بل كان الزبد مختلطاً معه غاية الاختلاط و الامتزاج بحيث يوجد في كل جزء منهما اي من المتاع و الزبد معاً حين التركيب كل واحد منهما فصار ذلك المركب كرة مركبة منهما و كل واحد من الزبد و الاصل سائر فيها من محيطها الي مركزها و لايبقي لها جزء ليس فيه كلاهما كما تري من حجر النحاس و امثاله ان النحاس الذي هو الاصل و الارضية التي هي الزبد الذاهب في كل جزء جزء من الحجر علي السواء فمثل هذا المركب الذي قد نفذ الزبد و العرض في اصل جوهره لابد و ان‏يحل حلاً طبيعياً حتي يمكن استخراج الزبد العرضي من جميع اجزاء النحاس حتي يصير نحاساً خالصاً محضاً من شائبة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 215 *»

زبد و عرض و تراب و رمال فيه و لايمكن ذلك الا بالنار المفرقة للمختلفات الجامعة للمؤتلفات و ذلك الحل اي الحل الطبيعي يكون في غاية الاشكال بالنسبة الي الحل الهبائي و ذلك لايمكن الا في نار الطبيعة الموقدة في عالم الطبائع عالم البرزخ حتي ينحل فيها الحاس و المحسوس و يصير بحراً متشاكل الاجزاء فيمخض مخض السقاء فيجتمع الزبد الذي هو الحلي و المتاع من بين الازباد العرضية الطبيعية الذاهبة التي بمنزلة المخيض فلابد لمن اراد فهم حقيقة ماينفع الناس ان‏يفرق بين الماء الاول و بين الزبد الاول اللذان يفرق بينهما بالحل الدنياوي الهبائي و ان‏يفرق بين ماينفع الناس و يمكث في الارض و بين الزبد البرزخي الطبعاني بالحل الثاني الطبيعي و ذلك سرّ سار في جميع المركبات كائنة ماكانت فلكل مركب لابد من حلين و عقدين الحل الاول في المادة النوعية و العقد الاول في الصورة النوعية و الحل الثاني في المادة الشخصية و العقد الثاني في الصورة الشخصية او بالعكس و سرّ هذا الحل و العقد هو استخراج الاعراض المتخللة في المركب حتي يصير المركب مركباً علي ما هو عليه لايبقي فيه شي‏ء مما ليس هو جزء ما هو عليه.

فمن المركبات التي لابد من تخليصها من الاعراض التي ليست منها و لا اليها هو الانسان فله اربع مراتب كسائر المركبات فله مادة نوعية و صورة نوعية و مادة شخصية و صورة شخصية و بتلك المراتب تم اركانه في عالمه و عقد علي ما هو عقداً محضاً خالصاً فلما نزل الي عالم الطبائع لحقها@لحقتها خ‌ل@ اعراض طبيعية و لما نزل منه الي عالم الزمان لحقها@لحقتها خ‌ل@ اعراض زمانية و لابد من استخراج هذه الاعراض حتي يكون محضاً فرداً كما يكون اول مرة فالحل الاول باعتبار الصعود هو الموت الدنياوي و يستخرج منه الاعراض الهبائية و ذلك الحل الهبائي بعد العقد العرضي الدنياوي و العقد الثاني في عالم المثال و الحل الثاني في عالم الطبايع فاذا حل حلين و استخرج منه عرضين بعد عقدين عرضين عقد علي ما هو عليه في عالمه محضاً و هذا كلية امر الحل و العقد

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 216 *»

بالنسبة الي الانسان في حال نزوله و صعوده ففي حال نزوله له عقد في عالمه الذاتي و حل في عالم الطبائع و عقد في عالم المثال و حل في طبائع هذا العالم اي العناصر المشهودة فاذا حل في العناصر عقد في هذه الدنيا ثانياً في حال الصعود عقداً عرضياً ممازجاً مختلطاً بالاعراض فحل بالموت لاستخراج هذه الاعراض الهبائية و عقد في عالم المثال و البرزخ عقداً عرضياً مختلطاً بالاعراض الطبيعية فحل في الطبائع لاستخراج الاعراض الملحقة به حال النزول فاذا زال عنه الاعراض الهبائية الدنياوية و الاعراض الطبيعية البرزخية صار صرفاً محضاً فرداً كما خلقه اللّه سبحانه اول مرة ليس معه غيره مطلقاً فاذا صار محضاً يصير قابلا للثواب الواحد او العقاب الواحد و مثال ذلك ان الاكسير الفعال موجود في مركبات هذا العالم ولكن لما لكان مختلطاً باعراض مختلفة لايظهر فعله قبل التخلص منها فاذا حل اولاً و استخرج منه الاعراض الهبائية العارضة له من اتربة البقاع و رمالها عقد علي صورة طبيعية اي علي صورة يكون معها اعراض طبيعية و تلك الاعراض غير الاعراض الاولية لانها ليست بنافذة في جوهره بل كانت معه مجاورة بخلاف الاعراض الطبيعية فانها نافذة في اصل كينونته و طبيعته و تلحقه قبل الانعقاد في اصل البخار و الدخان الذين هما مادته و صورته فلابد من حله ثانياً بعد الحل الاول حتي يستخرج منه الاعراض التي لحقته حين التركيب فذلك الحل الثاني عبارة عن تفكيك اجزائه الاصلية الطبيعية حتي يستخرج من روحه اعراضه الروحية و من نفسه اعراضه النفسية و من جسده اعراضه الجسدية حتي يطهر من الاعراض المانعة من اظهار فعله فاذا خلص عن الاعراض و فارق الاضداد فقد شارك السبع الشداد و صار فعالاً مثلها اطعني فيما امرتك من خلع الاعراض اجعلك مثلي تقول للشي‏ء كن فيكون فاذا خلص من الاعراض الهبائية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 217 *»

و الاعراض الطبيعية عقد([29]) علي ما هي عليه صرفاً محضاً صار مؤثراً فيما دونه فيؤثر فيها و يقول لها كن مثلي فتكون مثله.

بالجملة اذا مات الانسان دفن بدنه في اعراض هذه الدنيا و يأكل العناصر اعراضه المناسبة المجانسة لها فذلك هو الحل الاول لاستخراج الاعراض الهبائية فيعقد في عالم المثال و له اعراض برزخية حيوانية و بنفخ الصور يموت في عالم الطبائع و تأكل تلك الطبائع اعراضه المجانسة لها فيصير محضاً خالصاً غير ممتزج بشي‏ء غيره فيحشر يوم القيمة انساناً له روح و بدن و بسلب الاعراض الخارجة عن كينونته عنه لايلزم ان لايكون له بدن كما ان الاكسير اذا صار صرفاً محضاً لايصير بذلك روحاً صرفاً بلا جسد بل مع كونه خالصاً يكون له روح و نفس و جسد كما هو محسوس مشهود فالانسان ايضاً بعد خلع الاعراض عنه يكون له روح و نفس و جسد يقيناً ولكن لايجب ان‏يكون جسده الاصلي مثل هذا الجسد العرضي كما لايكون جسد الاكسير مثل جسد سائر المركبات الناقصة كثيفاً غليظاً بل يكون جسده الطف من محدب محدد الجهات باربعة آلاف مرة و مع ذلك جسد له طول و عرض و عمق و سائر لوازم الجسم من الكميات و الكيفيات الا انها بحسب ذلك العالم لا بحسب عالم الاعراض فطوله استمداده من المؤثر الاعلي و عرضه اتصافه بالامداد النازلة اليه بسبب اعماله و عمقه تعمقه في تلك الصفات فكلما كان اعماله اكثر يستمد بسببها اكثر فكبر الجثة في الاخرة و صغرها بحسب كثرة الاعمال و قلتها اذ كل شي‏ء يستمد مما هو من جنسه و قد طال المقال في هذه الفائدة حتي كاد ان‏يورث الملال فيناسب الحال رسم فائدة لاظهار ما في البال و لا قوّة الا باللّه المتعال.

فائدة

فاذا صعد الانسان الي عالم البرزخ بعد السؤال في القبر القي جسده

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 218 *»

في قبره مستديراً و كان جسده الاصلي الاخروي في ذلك الجسد الهورقلياوي كما كان الجسد الهورقلياوي في الجسد الدنياوي و سار روحه في سموات عالم المثال و ينعم في جنان ذلك العالم ان كان مؤمناً و هذه الجنان غير الجنان الخلد لان الجنان الخلد لايخرج منها من دخل فيها و لايقبل الاستثناء بخلاف هذه الجنان([30]) لانها يخرج اللّه سبحانه من يشاء منها كما قال اللّه سبحانه خالدين فيها مادامت السموات و الارض الا ما شاء ربك و قال و من دونهما جنّتان الي قوله مدهامّتان و بعكس ذلك ان كان كافراً فهبط روحه في دركات نار ذلك العالم و هي غير نار الاخرة لانها لاينجو منها من دخل فيها نعوذ باللّه سبحانه منها و لاتقبل الاستثناء بخلاف نار البرزخ لانها تقبل الاستثناء و ينجو منها كثير من الناس كما قال سبحانه خالدين فيها مادامت السموات و الارض الا ما شاء ربك.

بالجملة يسير الانسان بروحه الحيوانية في عالم البرزخ ما قدر اللّه سبحانه فاذا بلغ التقدير و الكتاب اجله ينفخ اسرافيل في الصور فيصعق من في السموات سموات ذلك العالم و الارض ارضه فيموت كل ذي روح و يصير كل من عليها فانياً و يبقي وجه ربك فيصير ما في ذلك العالم من المتولدات هالكاً بحراً سيالاً متشاكل الاجزاء بحيث لايبقي حاس و لا محسوس فيبقون علي تلك الحالة اربعمأة سنة و قد مرت الاشارة في بعض المقدمات السابقة في شرح هذه العبارة فيقول وجه الرب الباقي لمن الملك اليوم اين الجبارون الذين اكلوا رزقي و عبدوا غيري في دار الدنيا فليس فيه مجيب يجيبه فيقول بلسانه جلّ شأنه للّه الواحد القهّار فالمنادي و المجيب هو لسانه جلّ شأنه الباقي بعد فناء كل شي‏ء ففي تلك المدة المديدة يأكل العناصر البرزخية من اعراض بدن الانسان ما هو من جنسها كما اكل العناصر الدنياوية ما هو من جنسها في الدنيا فيطهر البدن الاصلي الاخروي من اوساخ الاعراض

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 219 *»

الدنيوية و البرزخية فيمخض اللّه سبحانه ارض ذلك العالم مخض السقاء فيجمع اجزاء بدن كل انسان فيجتمع في مكان واحد بعد ما كانت منتشرة في الاعراض كانتشار الزبد في اللبن فاذا اجتمعت الاجزاء يأمر اللّه سبحانه شجرة المزن ان‏تمطر علي تلك الابدان المجتمعة الاجزاء فاذا امطرت عليها و كانت في قطراتها رائحة المني الانساني و تلك القطرات هي القطرات التي نزلت في عالم الطبائع حين النزول بقوله و انزلنا من السماء ماء فسالت اودية بقدرها فصار العود كالبدء كما بدأكم تعودون فاذا وصلت القطرات الي تلك الابدان نبت عليها اللحم و تتصل اجزاؤها و يوضع كل عضو منها الي موضعه الذي خلقت عليها اول مرة فاذا اتصلت الاعضاء كلها في مواضعها و تصير قابلاً لاجتذاب الروح اليها تسأل اللّه سبحانه بلسان قوابلها ان‏يفيض عليها ارواحها فيأذن اللّه سبحانه اسرافيل بنفخ الدفع في الصور فاذا نفخ فيه اخري فاذا هم قيام ينظرون فتتعلق نفس كل احد ببدنه الذي كان له من قبل في الدنيا فلما كانت الابدان يومئذ طاهرة عن كدورات الاعراض الدنيوية و البرزخية ماحضة في ما هي عليه من مقتضي عالمها المخلد تتعانق كل بدن روحه فتتداخلان و تتمازجان فتتفاعلان فتتحدان وحدة حقيقية بحيث يمتنع انفكاكهما عادة فيصيران شيئاً واحداً حقيقياً و لعلك علمت مما مرّ ان الواحد الحقيقي الاخروي ليس مركباً من شيئين مركبين و علمت ان الوحدات الدنيوية و البرزخية كلها مركبة من مركبات و كان ذلك سبب افتراقها و عودها اليها عود ممازجة و فساد فالواحد الحقيقي ما كان مركباً من جزئين لا من شيئين و الجزءان لايعقل ان‏يقوم كل واحد منهما بدون الاخر. فان فرض قيامهما منفرداً اما يصيران معدومين او شيئين مركبين مستقلين و كلاهما مما لايكون كما يعرف بعد التأمل و التعقل فاذا كانا بسيطين غير مركبين لايعقل قيامهما في الخارج منفرداً اذ هما ليسا الا شيئاً واحداً و الواحد الحقيقي ان كان كان مركباً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 220 *»

من روح و جسد و ان لم‏يكن لم‏يكن مطلقاً فاذا كان كان و لايعقل لكونه بدء اذ ليس اجزاؤه قبل تركيبه حتي يتركب منها بعد حين و لا له منتهي اذ ليس اجزاؤه اشياء مستقلة حتي يعود اليها فلذلك كان اهل الاخرة مخلدين ابدالابد مادام ملك اللّه سواء كانوا في الجنة او في النار نعوذ باللّه منها.

نعم لهم بدء و ختم طولي فبدؤهم من اعطاء مؤثرهم لهم بهم و ختمهم الي حيث لم‏يكونوا فيه فهذا هو الفرق بين بدء المركب الحقيقي و ختمه و بين بدء المركب العرضي و ختمه فالمركب العرضي بدؤه من اشياء و عوده الي اشياء فوجوده من اشياء حين التركيب فهو حين التركيب ليس الا اشياء و كل شي‏ء له بدء و عود حين التركيب بالنظر الدقيق كما مرّ المثال من اجتماع اناس في مجلس و صدق اسم المجلس الواحد عليهم و هم مع ذلك حين الاجتماع لكل واحد بدء و عود و ثواب و عقاب بسبب اعمالهم و لا اجد فرقا بين المجلس الواحد الذي يجتمع فيه الناس و بين كيس من جلد يملأ حبوباً و لحوماً و غير ذلك و بسحق الحبوب و نضج اللحوم و التداخل و التمازج و التلاصق لاتصير الاشياء شيئاً واحداً في الواقع ولكن اكثر الناس لايعقلون.

بالجملة فاذا@فاذ خ‌ل@ لم‏يقم اجزاء الشي‏ء الواحد الحقيقي منفردة مستقلة فلاتغفل من معني الاجزاء المتفرقة التي قد مرّ ذكرها آنفا من البدن الاصلي و لاتغفل من معني مفارقة النفس من البدن و عودها اليه فلاتزعمن اجزاءه اشياء و لا مفارقتها افتراقاً و لا عودها عوداً بعد ذهاب كما يتبادر الي الاذهان الدنيوية الظاهرة المنفصلة و اني اخاف من اظهار ما في البال من مباغتة استيحاش الجهال فان كنت من اهل الديار تري جميع تقلبات الاحوال و تغيرات العبائر في حال واحدة و عبارة واحدة و العلم نقطة كثّرها الجهال و ماامرنا الا واحدة، ماخلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة.

عباراتنا شتي و حسنك واحد   و كل الي ذاك الجمال يشير

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 221 *»

ولكن لا بأس باظهار ما في الخيال في طي العبارات مستوراً فيها عن الاغيار مشهوداً لمن نفذ بصره من الحجاب و رأي ماوراءه من وراء الباب و الا فمن تعمد الي الحجاب لايري و اللّه الا السراب و يحرم من الوصول الي الماء الذي هو من وراء الازباد و منه المبدأ و اليه المعاد لدي اولي‏الالباب و مع ذلك كله اسأل اللّه سبحانه ان‏يحفظني من الخطاء في البيان و الاذاعة عند العميان و عليه التكلان في جميع الاحوال.

فائدة

فاقول ان وقت كل شي‏ء و كل عالم بحسبه في الكثافة و اللطافة و التكثر و التوحد و كذلك سائر حدوده من المكان و الجهة و الرتبة و الكم و الكيف و لما كان المقصود هنا كيفية النزول و الصعود و فناء بعض الاشياء و بقاء بعض و استخراج بعض من بعض و يوهم ذلك امتدادات متعددة متكثرة كامتدادات هذا العالم المحسوس ناسب ان‏يبين اوقات العوالم التي فيها البدء و العود و الفناء و البقاء فالعوالم التي غرضنا الان بيانها و بيان اوقاتها ثلثة عالم الزمان و عالم البرزخ و عالم الاخرة و لكل واحد وقت يناسبه و اهل يناسبه و وقت كل واحد من هذه العوالم مختص لاهل عالمه و لايمرّ علي اهل عالم اعلي وقت العالم الادني فلايمرّ علي اهل البرزخ الاوقات الزمانية كما لايمرّ علي اهل الاخرة اوقات البرزخ و الوقت وقتان وقت هو من حدود ماهية الشي‏ء فهو لايعقل مروره عن ذلك الشي‏ء ابداً الي شي‏ء آخر و هو الوقت الذاتي الذي لايفارق صاحبه ابداً و وقت عرضي و هو الوقت العرضي الزماني الذي يمرّ علي الاشياء فيمر علي شي‏ء واحد اوقات عديدة. فهذا الوقت الذي يمرّ علي الاشياء قاعدته في هذا العالم عالم الزمان و رأس مخروطه في عالم المثال عالم البرزخ لان فيه ايضاً بكرة و عشياً كما قال سبحانه و لهم رزقهم فيها بكرة و عشياً و اما اهل الاخرة فلايمرّ عليهم وقت مطلقاً و ليس لهم بكرة و عشي و وقتهم وقت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 222 *»

واحد كوقت مابين الطلوعين فهم دائماً كانوا في وقت واحد و لايصير وقتهم ضحي و ظهراً و عصراً و مغرباً و عشاء و ليلاً لا بمعني انه يمرّ عليهم اوقات عديدة و لما لم‏يكن في ذلك العالم ارض كثيفة موجبة لاحداث الليل يكون اوقاته متشابهة و كلها كحال مابين الطلوعين معاذ اللّه بل يكون وقتهم وقتاً واحداً لايمرّ عليهم و لايحدث لهم آن بعد آن حتي يقال ان آناته متشابهة و انما يعبر عن ذلك الوقت الواحد بمابين الطلوعين لاعتدال ذلك الوقت في الحر و البرد او لظهور نور شمس العقل الوحداني في ظلمات النفوس المتكثرة المتعاكسة فيظهر بينهما نور كنور الصبح او لظهور الامداد العقلية و تأييداته النورانية الي النفس الظلمانية او لان الرزق يقسم علي العباد فيما بين الطلوعين كما روي او لاحتجاب اهلها عن مشاهدة انوار الرب الواحد جلّ شأنه الا تحت حجاب الصور المتعددة او غير ذلك فاذا سمعت اوقاتاً لاهل ذلك العالم ماتشبه اوقات هذه الدنيا و البرزخ فلاتحملها علي ماتفهمه من مرور آنات عديدة بل قرونه كلها في سنيه و سنوه كلها في شهوره و شهوره كلها في اسابيعه و اسابيعه كلها في ايامه و ايامه كلها في ساعاته و ساعاته كلها في آناته و آناته كلها في آن واحد و ذلك الان لايشبه آن هذه الدنيا مطلقاً فلاتزعم ان جميع اوقات ذلك العالم كآن واحد من هذه الدنيا معاذ اللّه و هذا الظن من سوء تشبيهك اوقات الدهر باوقات الزمان و معاذ اللّه ان‏تكون كذلك بل اقول ان ذلك الان الواحد اوسع من جميع آنات البرزخ و آنات الزمان بما لانهاية و جميع تلك الانات بالنسبة اليه كلمح البصر و معاذ اللّه من ان‏تكون كلمح البصر@کلمح خ‌ل@ ايضاً و ذلك تعبير محض.

بل القول الفصل ان آناته لاتشبه هذه الانات مطلقاً مطلقاً فاذ لم‏تكن آناته تشبه آنات هذه الدنيا مطلقاً فلاتزعم من ان آنات هذه الدنيا جميعاً كآن واحد ان ذلك الان آن ممتد يندرج تحته جميع آنات الدنيا و البرزخ كما اذا سميت اسبوعاً بآن و يندرج تحته سبعة ايام يندرج تحت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 223 *»

كل يوم ساعات يندرج تحت كل ساعة آنات معاذ اللّه اذ لو كان كذلك لكان كآنات هذه الدنيا بعينها غاية الامر انت سميتها كلها آناً واحداً كما تسمي اثني‏عشر شهراً عاماً و ثلثين عاماً قرناً مثلاً و القول الفصل ان لاتشبه آناته بهذه الانات مطلقاً. الم‏تعلم ان تلك الانات كلها تحضر يوم القيمة و تقوم و تشهد كما يقوم الرجل فكما يكون الرجل يقوم يوم القيمة و ليس هو يندرج تحت آنات القيمة بل هو شي‏ء له وقت معلوم كذلك الانات الدنيوية و البرزخية تحضر و تقوم يوم القيمة و لاتندرج تحت ذلك الان بل لها وقت معلوم.

فان قلت قد ذكرت سابقاً ان هذه السموات بعينها هي سموات البرزخ و سمواتها بعينها هي سموات الاخرة و كذلك ارضها و كذلك مواليدها فلم لم‏تقل ان آنات هذه الدنيا بعينها هي آنات الاخرة؟

اقول ان كان معني قولي ماتفهمه فأسألك فما الفرق بين الدنيا و الاخرة و ان فهمت مرادي تعلم ان قولي هذا مع قولي ذاك مطابقان و اقول الان ان آنات الدنيا بعينها هي آنات الاخرة و اقصد من هذا القول ان الانات التي نزلت حبتها من الاخرة الي البرزخ الي الدنيا نزولاً هي بعينها آنات الاخرة صعوداً و اما ما لم‏تنزل حبتها منها لم‏يصعد اليها و كذلك معني قولي ان هذه السموات هي سموات الاخرة بعينها و كذلك سائر اقوالي و اما ما لم‏ينزل حبه من الاخرة لم‏يصعد اليها البتة. نعم قد يطلق القيمة و المعاد و يراد منهما القيمة العامة الشاملة للانسان و الحيوان و النبات و الجماد و العناصر و الجواهر و الاعراض و كل مايسمي باسم شي‏ء و ذلك لاينافي ما اقول بان لوازم الرتبة الدنيا لاتصعد الي الرتبة العليا اذ بتلك اللوازم تكون الرتبة الدنيا دنيا فكما لايصير الجماد حيواناً و لايصير الحيوان انساناً كذلك لايصير وقت الجماد وقت الحيوان و وقت الحيوان وقت الانسان. فاذا عرفت ان وقت الانسان الحقيقي الاصلي هو وقت واحد ليس له آنات و عرفت

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 224 *»

وقت هذه الدنيا بان له آنات فاعرف وقت البرزخ الذي بين الوقتين ولاتجر الوقت الداني علي اهل العالم العالي بل اجر الوقت الدنيوي علي اهلها و الوقت البرزخي علي اهله و الوقت الاخروي علي اهلها فاذا عرفنا ذلك يسهل علينا الخطب ان شاء اللّه تعالي.

فنقول ان الولد مادام في بطن ام ليس له نفس انساني مطلقاً و ان كان صالحاً لان‏تظهر عليه بعد الولادة فاذا تولد من امه تتعلق به النفس الانسانية كما نص عليه اميرالمؤمنين7 و تشتد فيه شيئاً بعد شي‏ء و كانت في اول التعلق في غاية الضعف لكثرة رطوبات دماغ الطفل فكلما قل الرطوبات قويت آثار النفس الانسانية فيه و يكون هذا البدن المحسوس مركباً من جماد و نبات و حيوان و تلك المراتب تحصل له في بطن الام بالتدريج و بعد التولد الدنياوي يكون مركباً من تلك الثلثة و من نفس انسانية فلجماده و نباته وقت معلوم و هو وقت سائر الجمادات و النباتات كما هو مشاهد محسوس اذ جماده و نباته مشاركان لسائر الجمادات و النباتات فوقتهما وقت سائر الجمادات و النباتات بعينه و لايمرّ هذا الوقت علي حيوانيته مطلقاً لانها من عالم المثال فوق هذا العالم المحسوس. اماتري انك تري بعينك الجمادية الدنياوية زيداً في المسجد يوم الجمعة حال الصلوة و يمرّ عليه الوقت الزماني الدنياوي و لاتراه يوم السبت في ذلك المكان في تلك الحال بعينك الدنياوي و تراه بعينك المثالية البرزخية في المسجد يوم الجمعة حال الصلوة و تخبر عنه و تقول اني رأيته يوم الجمعة يصلي في المسجد فلايمرّ الوقت الدنياوي علي خيالك الذي هو عينك المثالية و لو مرّ عليه الوقت الدنياوي لم‏تقدر علي الاخبار عنه يوم الجمعة و ذلك لان عالم المثال غير هذا العالم و فوقه و لايمرّ عليه اوقاته حتي يحجب عن اهله بعض مارآه بعينه الدنياوي قبل ذلك و يكون باسره مع ما فيه من الامكنة و الاوقات و سائر لوازمه تحت عالم المثال فاهل ذلك العالم يرون مادونهم كما يلتفتون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 225 *»

اليه سواء مرّ علي المرئي آن واحد او الف عام او الف الف عام او جميع عمر الدنيا لانه اي عالم المثال فوق هذا العالم باسره من اوله الي آخره و اوله وآخره حاضران لدي آن واحد من ذلك العالم و كذا ما بين الاول و الاخر و نسبة اوله الي ذلك العالم كنسبة آخره بلا تفاوت. الاتري انك تخبر عن حال ما رأيته بعشرين سنة قبل اخبارک کما تخبر عن ما رأيته قبل يومك او قبل ساعتك التي تخبر فيها بآن واحد و انت تري بعينك المثالية ما كان يمرّ عليه عشرون سنة كما تري ماكان يمر عليه آن واحد علي نسبة واحدة.

فبذلك عرفنا ان الاوقات الدنيوية لاتمر علي اهل عالم المثال ابداً و كما لايمرّ عليه الاوقات الزمانية و لايحجب علي اهله مرورها عما رآه لاتحجب ايضاً امكنتها عما رآه كماتري انك تري زيداً في مكان مخصوص و لاتقدر ان‏تراه في مكان آخر غير مكانه بعينك الدنياوية ولكن تقدر ان‏تراه بعينك المثالية في مكانه  في اي مكان تكون فيه و لايمنعك بعد مكان عن الاخبار عن حاله كما لايمنعك قرب مكان علي نسبة واحدة و ذلك لان جميع الامكنة الدنياوية ايضاً حاضرة لدي تلك العين فتخبر عن حال مارأيته بمكة في حال اخبارك و مكان اخبارك كما تخبر عن حال ما رأيته بكربلا و تخبر عن حال مارأيته بكربلا كما تخبر عن حال مارأيته بكرمان في بيتك مع ان بدنك الجمادي في حال اخبارك ليس في مكة و لا في كربلاء و يكون في كرمان في بيتك و تري بالمشاهدة و العيان ان الجدران تمنع بدنك عن المشي من جوفها و لاتمنع بدنك المثالي عن المرور منها و تري انك ببدنك الدنياوي لاتقدر علي الخروج من البيت المقفل عليك بابه و تقدر ببدنك المثالي علي الخروج عنه و تري انك لاتصل الي بلد بعيد منك ببدنك الدنياوي الا بالمرور قدماً بعد قدم و بكل قدم تقرب اليه بالتدريج الزماني و اما ببدنك البرزخي تذهب اليه في طرفة عين و تلك الطرفة ايضاً ليست من العين

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 226 *»

الدنيوية و العجب انك بذلك البدن تسير الي البلد البعيد كما تسير الي البلد القريب علي نسبة واحدة و لاتحتاج الي مرور الي البلد القريب و التجاوز منه حتي تصل الي البلد البعيد حاشا بل بمحض التفاتك مكة تكون فيها و بمحض التفاتك كربلاء تكون فيها و لاتحتاج الي السير الدنياوي بل تكون مكة و كربلاء حاضرين عندك علي نسبة واحدة بل نسبتهما اليك كنسبة المكان الذي تكون فيه الان بلا تفاوت فبمحض التفاتك الي مكة يكون بدنك البرزخي في مكة و ان كان بدنك الدنياوي في الكرمان في بيتك و كذلك بمحض ان‏تذكر كربلاء تكون في كربلاء و لاتكون في الكرمان و ان كان بدنك الدنياوي في الكرمان و ان لم‏تقدر علي تصوير مااقول فاعتبر من منامك تصدقني ان شاء اللّه فانك في حال منامك بدنك الدنيوي ملقي علي فراشه في مكان واحد و انت تسير ببدنك المثالي مرة الي مكة و مرة الي كربلاء و مرة الي المدينة و مرة الي البقيع و مرة الي النجف و مرة الي العسكريين و مرة الي مشهد الرضا7 و لعلك تسير ببدنك المثالي شهوراً و سنين و ربما لايمر علي بدنك الدنيوي الا ساعة من الساعات الدنيوية.

فمن ذلك عرفنا ان ساعات العالم الادني لاتمر علي العالم الاعلي مطلقاً فان مات زيد قبل هذا بعشرين سنة يكون بين موت بدنه الدنياوي و بين بدننا الدنياوي عشرون سنة ولكن لايمر هذه السنون علي بدنه المثالي مطلقاً فلايكون مفارقة بدنه المثالي عن هذا البدن الدنيوي بعشرين سنة و لا اكثر و لا اقل و لايمر عليه هذه الاوقات مطلقاً فان مات ابن‏عشرين سنة يكون بدنه الدنيوي ابن‏عشرين سنة و اما بدنه ‏المثالي ليس بابن‏عشرين سنة و لا باقل و لا باكثر فبهذا يظهر ان العاصي الكافر و ان عصي عشرين سنة مثلاً في هذه الدنيا ولكن لم‏يعص في العوالم العالية في عشرين حسب بل عصي في تلك العوالم دائماً ابداً فلذلك عذبه اللّه سبحانه بعدله دائماً ابداً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 227 *»

و@اذ خ‌ل@ لايمر هذه الاوقات علي بدنه البرزخي او الاخروي حتي يلزم الظلم من عذابه الدائم و كذلك الامر في المؤمن فانه ان اطاع اللّه سبحانه في هذه الدنيا ثلثين سنة لاتمر هذه السنون علي بدنه البرزخي او الاخروي حتي يلزم نعيمه الدائم من غير استحقاق بل ان اطاع آناً واحداً استحق بفضل اللّه و كرمه النعيم الابد الدائم و كذلك الكافر ان كفر في آن واحد استحق العذاب الدائم و ذلك لان اوقات بدنهما الاصلي ليست كهذه الاوقات بل تكون كما مرّ جميع آناتهما آن واحد([31]) و ذلك الان اوسع من آنات جميع عالم البرزخ و عالم الدنيا و يكون المؤمن مطيعاً في ذلك الان و الكافر كافراً في ذلك الان فهما مخلدان فيه ابداً اللهم صلّ علي محمّد و آل‏محمد اسألك ان لاتفرق بيني و بين آل‏محمّد طرفة عين بحق محمّد و آل‏محمّد صلواتك عليهم اجمعين.

فاذا عرفنا ان لذلك المولود بدناً جمادياً كما هو مشاهد انه كان نطفة لم‏يكن فيه روح مطلقاً و كانت كسائر الجمادات فاذا وردت الرحم اخذت في النما و تعلقت النفس النباتية بها و تزايدت شيئاً بعد شي‏ء و قويت بالتدريج و لم‏يكن فيها النفس الحيوانية الي اربعة اشهر فتعلقت بها النفس الحيوانية و لم‏يكن له نفس انسانية مادام في البطن فاذا تولد تعلقت النفس الانسانية به فبفقدانه كل هذه النفوس و بوجدانه لها واحدة بعد واحدة بالتدريج عرفنا ان كل واحدة من هذه النفوس و هذه المراتب غير الاخري بالمشاهدة و العيان و عرفنا ان كل ماكان مقدماً في الوجود كان مؤخراً في الظهور و نري ان النفس النباتية تؤخر في الظهور عن الجمادات ثم النفس الحيوانية تؤخر في الظهور من النفس النباتية ثم النفس الانسانية تؤخر عن النفس الحيوانية فعرفنا ان النبات مقدم علي الجماد و الحيوان مقدم علي النبات و الانسان مقدم علي الحيوان وجوداً فعرفنا ان وقت كل واحد منها ايضاً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 228 *»

يناسب صاحبها فوقت الانسان و عالمه اعلي من وقت الحيوان و عالمه و وقت الحيوان و عالمه اعلي من وقت النبات و الجماد و عالمهما و عرفنا ان الوقت الادني لايمرّ علي الاعلي كما مرّ مشاهدة فنقول ان هذا الطفل المتولد له حواس ظاهرة من جنس هذا العالم و له حواس باطنة و ان كانت ضعيفة لانها من آثار النفس الحيوانية و هي موجودة فيه و له نفس انسانية كما نص عليه اميرالمؤمنين7 و ان شئت زيادة بيان فارجع الي المقدمات السابقة تجدها كافية ان شاءاللّه.

و لا شك انها في اول التعلق ضعيفة و قبل التعلق ليست بموجودة معلقة في عالمها كما مرّ شرح ذلك ايضاً فاذا احس الطفل بشي‏ء من محسوسات هذه الدنيا باحدي حواسه الظاهرة يقع شبح ذلك الشي‏ء في تلك الحاسة فلما كانت الحاسة و ذلك الشبح من جنس واحد و من عالم واحد تتأثر منه و تتهيأ بهيأته و تتشكل بشكله و تنصبغ بصبغه كالمرءاة المتأثرة عن الشبح فتؤديه الي البنطاسيا اي الحس المشترك و لماكان اسفله متصلا بهذه الدنيا و بهذه الحواس يتأثر منه ايضاً فيتهيأ بهيأته و يتشكل بشكله و ينصبغ بصبغه فينعكس الشبح منه الي المتخيلة اذ اعلاه مرتبط بعالم البرزخ الذي كانت فيه المتخيلة فيتهيأ المتخيلة ايضاً بهيأته و تنصبغ بصبغه فينعكس الشبح منها الي الخيال الحال في المتخيلة و هو من آثار النفس الانسانية الظاهر في عالم البرزخ فيتهيأ الخيال بهيأته و ينصبغ بصبغه و لما كان الخيال @بنفسه خ‌ل@ من آثار النفس الانسانية و هي دراكة و الاثر يطابق صفة المؤثر لامحالة فيكون الخيال ايضاً دراكاً بفضل ادراك النفس و هو متهيئ بهيأة الشاخص و هو لايفقد نفسه فيدرك نفسه بتلك الهيأة و هكذا ينعكس الاشباح من الخارج الي الحواس الظاهرة و منها الي البنطاسيا و منه الي المتخيلة و منها الي الخيال و منه الي النفس و المراد من الخيال هنا اعم من الخيال و الفكر و الوهم لانها كلها من عالم المثال و يطلق عليها الخيال و ان اردت الخيال الاصطلاحي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 229 *»

و اخويه فالخيال هو المدرك للصور الاتية من الحس المشترك و الفكر هو الذي يتصرف في تلك الصور المجموعة في الخيال فيرتب بينها و ينسب بعضها الي بعض او ينسب صورة الي معني و  يستخرج نتايج لم‏تكن من الخارج و الواهمة يدرك معاني تلك الصور مثلاً صورة معاملة الحبيب مع الحبيب او معاملة العدو مع العدو موجودة في الخيال ولكن مدرك المحبة من تلك المعاملة او العداوة من تلك المعاملة هو الواهمة و المحبة و العداوة هما معني تلك الصور التي في الخيال.

بالجملة نوع ادراك النفس من الحواس هكذا فمن هذا تبصر انه لو لم‏يكن لزيد بدن في هذه الدنيا فيه مشاعر ظاهرة لم‏يكن له نفس موجودة معلقة في عالم الدهر منتظرة لخلق البدن بل لابد لها من بدن ذي مشاعر حتي تدرك بواسطتها و تتعلم شيئاً بعد شي‏ء و لو لم‏يكن العلم لم‏يكن لها مستقر و مستقرها العلوم فلو لم‏يكن العلوم مطلقاً لم‏يكن عالم مطلقاً و المراد من النفس الانسانية هو العالم فلو لم‏يكن لزيد بدن في الدنيا لم‏يكن له نفس عالمة في الدهر و لاتقل ان له نفساً جاهلة قبل البدن فاذا خلق البدن و اكتسب منه العلم صارت عالمة لانها خلقت عالمة و قبل الاكتساب ليست شيئاً و بعد الاكتساب تصير هي هي و مع ذلك اي مع ان اكتسابها من هذا البدن الدنياوي ان لفظة «ما لم‏يكن هذا هنا لم‌تكن تلك هناك» في التحقيق لا معني له لان نفس زيد لم‏تكن قبل بدنه و كانت مع بدنه و لاتكون بعد بدنه و ان قيل ذلك جواباً للناقصين و اسكاتاً لهم و ربما كتب في الكتاب@الکتب خ‌ل@ و ليس معناه مافهمه العامة الذين لايفرقون بين الاوقات الدنيوية و البرزخية و الاخروية، فاقول ان هذه العبارة التي قيل ما لم‏يكن بدن زيد هنا اي زمان لم‏يكن فيه بدن زيد هنا و انت عرفت آنفاً ان الاوقات الزمانية لاتمرّ علي المواليد الدهرية كما مرّ ان خيال زيد لايمر عليه الوقت الزماني مطلقاً فضلاً عن نفسه التي لايمرّ عليها الوقت البرزخي المثالي فلفظ لم‏يكن نفس زيد قبل بدنه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 230 *»

مداراة مع الناقصين اذ لايمر عليها الوقت الزماني مطلقاً فهذا القبل و البعد لايجري عليها ابداً فنفس زيد لم‏يكن قبل بدنه و لا مع بدنه و لا بعد بدنه اذ هي فوق هذه الازمنة الثلثة جميعاً فلايعقل انها لم‏تكن ثم كانت ثم لاتكون فليس للسائل عن ان نفس زيد هل كان قبل بدنه او كان مع بدنه جواب نعم اقرب الاجوبة للناقصين هو ان نفس زيد مع بدنه لا قبل و لا بعد ولكن في التحقيق انها لاتكون مع بدنه ايضاً كما عرفت اللهم الا ان‏يراد من لفظة ماء التوقيتية الوقت السرمدي الذي هو فوق جميع اوقات هذه العوالم الثلثة و هذا معني قول المشايخ نور اللّه براهينهم ان بدن زيد ان مات قبل ذلك بعشرين سنة يمر علي بدنه عشرون سنة و لايمر علي نفسه عشرون سنة و لا اقل و لا اكثر فليس لنفس زيد قبل و لا بعد و لا وقت بينهما.

فان قيل نعم لايمر علي نفسه هذه الاوقات الزمانية يقيناً ولكن يمكن ان‏يقال انه لو لم‏يكن بدن زيد هنا في الوقت الزماني لم‏يكن له نفس هناك في الوقت الدهري،

اقول هذا الخيال ايضاً من عدم معرفة وقت النفس و الدهر فانك فرضت ان الدهر صفحة مطابقة للزمان غاية الامر انه فوق الزمان بحيث ان كل جزء منه مطابق لكل جزء من الزمان كما ان رجلك تحاذي رأسك و رأسك فوق رجلك فتقول ما لم‏يكن رجلي محاذية للشمس مثلاً لم‏يكن رأسي محاذياً لها فاذا صارت الرجل محاذية صار الرأس محاذياً و ليس الامر كذلك لان عالم النفس عالم المجردات عن المواد و عالم الزمان عالم المواد و لايعقل ان‏يصير المجرد صفحة مطابقة للمواد و لو كان مطابقاً لكان هو ايضاً من المواد العرضية. بالجملة و قد عرفت ان اوقات عالم الاخرة ليست متعددة كاوقات عالم الدنيا حتي يطابق كل جزء منها كل جزء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 231 *»

من الدنيا حاشا بل لها وقت واحد و لايتجدد لها وقت ابداً و لايكون وقتها مشابهاً لهذه الاوقات مطلقاً حتي توزن به هذه الاوقات و تقول ان هذا الوقت من الدنيا مساوق لذلك الوقت من الاخرة فان كان بدن زيد فيه كانت نفسه في ذلك الوقت و ان لم‏يكن لم‏يكن.

بالجملة ان علم اللّه سبحانه انه يخلق زيداً فزيد زيد علي ما علمه في عالم الاخرة و لايمرّ وقت في ذلك العالم لم‏يكن زيد زيداً و ان علم انه لايخلق زيداً فلايكون زيد و مع ذلك كله لو فرض انه لم‏يوجد لزيد بدن في هذه الدنيا و لايوجد بعد بدن له فيها لم‏يحصل له نفس في الاخرة مطلقاً و هذا الوجدان و الفقدان و الحصول و اللاحصول كلها في عالم الزمان لا في عالم الاخرة اذ ليس فيها آنات متعددة حتي يكون زيد معدوماً في آن من آناته موجوداً في آن آخر بل كان الان فيها غير متجدد و لا متعدد فان كان فيه زيد كان ابداً و ان لم‏يكن لم‏يكن ابداً فليس في الاخرة ترقب و انتظار ابداً و مع ذلك كان ذلك الان الواحد محيطاً بجميع آنات البرزخ و اوقات الدنيا من اولها الي آخرها و ليست احاطته كاحاطة صفحة عريضة منطبقة علي شي‏ء او كاحاطة السماء علي الارض بحيث يحاذي كل جزء من الدنيا جزءاً من الاخرة كما يحاذي كل جزء من الارض بجزء من السماء و قد حمل احاطة الاخرة علي الدنيا جميع الاذهان الناقصة كاحاطة السماء علي الارض فاذا سمعت بهذه العبارة بان ما لم‏يكن بدن زيد هنا لم‏يكن له نفس هناك فوق هذا الوقت الزماني في الدهر فاذا وجد بدنه يوماًما توجد نفسه في الدهر فوق ذلك اليوم بخط مستقيم و ليس الامر علي مايتبادر الي الاذهان مطلقاً بل اقول ان الاخرة بكلها محيطة بكل الدنيا لا بمعني ان لها آنات يطابق كل آن منها بآن من آنات الدنيا بل ليس فيها الا آن واحد و ذلك الان بكله منطبق لكل آن آن من الدنيا فبكله يطابق يوم الاحد و بكله يطابق يوم الاثنين و بكله يطابق يوم الثلثاء و بكله يطابق يوم الاربعاء و بكله يطابق يوم الخميس

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 232 *»

و بكله يطابق يوم الجمعة و بكله يطابق يوم السبت و هكذا بل بكله يطابق كل آن آن من كل يوم و بكله يطابق اسبوعاً و بكله يطابق شهراً و بكله يطابق عاماً و بكله يطابق قرناً و بكله يطابق كل الدنيا فلو فرض سعة الدنيا اكثر من هذه السعة الف الف مرة او بلا نهاية يطابق ذلك الان الواحد كلها بهذا المعني لا بمعني ان له آنات و للدنيا آنات و كل آن منها ينطبق آناً من الدنيا و مثال ذلك للتقريب ان تفرض كرة و تخرج من مركزها الي كل جزء جزء من محيطها خطوطاً مستقيمة فتري المركز محاذياً لجميع المحيط و هذا مثال تقريبي قشري ان سكن قلبك عنده فاسكن و الا فاسع في فهم الواقع. الاتري ان زيداً رأي يوم الاحد شيئاً او سمع قولا و فهم معناه في نفسه ثم يخبر عن نفسه عن ذلك المعني يوم الاثنين بل اسبوعاً بعده بل شهراً بل سنة بل بعد مائة سنة و اقل و اكثر علي طول عمره بل لو كان ممن لايموت كخضر و عيسي يخبر عن ذلك المعني بعد الف سنة او بعد مائة الف سنة تمام عمر الدنيا و ذلك معني قولي ان ذلك الان بكله يحاذي كل آن آن من البرزخ و الزمان و لو كان الامر كما زعمه الكثيرون([32]) بان كل جزء و آن من ذلك العالم يحاذي جزءاً و آناً من عالم الزمان فلو لم‏يكن زيد يوم الاحد في الدنيا لم‏يكن في الاخرة ايضاً نفسه يوم الاحد فاذا وجد بدنه في الدنيا يوم الاثنين توجد نفسه في الاخرة يوم الاثنين فوق هذا اليوم فلو كان الامر علي هذا الظاهر لمايمكن لزيد ان‏يخبر عن حالته التي وصلت اليه يوم الاحد فيما بعده كما لايمكنه ان‏يذهب يوم الاحد الي يوم الاثنين او الي الثلثاء و هكذا لان يوم الاحد ثابت في محله ابداً و لايمكن ان‏يصير يوم الاثنين و كذا كل ماكان فيه ايضا ثابت فيه و لايمكن تحويله الي يوم الاخر.

و علي زعمك ان الاخرة ليست الا دهرية ثابتة فوق الزمان فدهرية يوم الاحد ايضاً ثابتة فوقه و تلك الدهرية لاتكون فوق يوم الاثنين بل ليوم الاثنين ايضاً دهرية ثابتة فوقه و هكذا يوم الثلثاء و الاربعاء الي ما لا نهاية لها و كذلك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 233 *»

كل ماكان في يوم الاحد له دهرية ثابتة فوقه و كل ماكان في يوم الاثنين له دهرية ثابتة فوقه و هكذا فاذا كان بدن زيد في يوم الاحد في الدنيا تكون نفسه في دهرية يوم الاحد في الاخرة و ان لم‏يكن في يوم الاحد لم‏يكن له نفس في الاخرة فوق يوم الاحد و دهرية يوم الاحد غير دهرية يوم الاثنين كما يكون يوم الاحد غير يوم الاثنين و كذلك دهرية ماكان في يوم الاحد غير@غير دهرية خ‌ل@ ماكان في يوم الاثنين لان يوم الاحد مع ما فيه ثابت في محله لايحول و يوم الاثنين مع ما فيه ثابت في محله لايزال فاخبرني ايها الزاعم كيف يخبر زيد يوم الاثنين عن حالته في يوم الاحد و عن ما فهمه في يوم الاحد.

فان قلت انه بنفسانيته يخبر عن يوم الاحد في يوم الاثنين،

اقول انك ادعيت ان دهرية يوم الاحد ثابتة فوقه و ليس نفس زيد في يوم الاحد الا دهرية بدنه و هي فوقه و كما لم‏يصير يوم الاحد يوم الاثنين كذلك لايصير دهريته دهرية يوم الاثنين.

و ان قلت ان نفس زيد لا خصوصية لها بيوم الاحد و بيوم الاثنين و هكذا و هي فوق الايام و الليالي باسرها و ان كان بدنه في واحد من تلك الايام و الليالي فقد ظهر خطاء زعمك و انك ان سمعت ان دهرية كل يوم ثابتة فوقه فتلك كلمة حق ولكن ليس معناه ان تلك الدهرية وقت نفس زيد و هي المرادة من نفس الاخرة بل الدهر و الزمان امران اضافيان كما مرّ في المقدمات السابقة فالزمان هو نسبة متغير الي متغير و الدهر هو نسبة المتغيرات الي ثابت و هذه النسب امور اضافية فكم امر ثابت لمادونه متغير عند مافوقه كماتري ان ساعة الصبح غير ساعة الظهر و هي غير ساعة المغرب فنسبة هذه الساعات زمان لان الساعات متغيرة و نسبة تلك الساعات الي اليوم نسبة متغيرات الي ثابت لان اليوم يصدق علي جميعها فهو بالنسبة الي الساعات دهر ثابت ولكن بالنسبة الي الاسبوع زمان اذ هو متغير بالنسبة الي الاسبوع و الاسبوع دهر بالنسبة الي الايام و هكذا الشهور دهر بالنسبة الي الاسابيع و زمان بالنسبة الي الحول و الحول دهر بالنسبة الي الشهور و زمان بالنسبة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 234 *»

الي القرن و هكذا فليس كل ما يصدق عليه اسم الدهر و ان كان علي سبيل الاضافة يصير وقتاً للنفوس المجردة فدهرية يوم الاحد ثابتة فوقه و دهرية يوم الاثنين ثابتة فوقه و كذلك كل ما يكون من جنس هذه الدنيا يكون دهرية ثابتة فوقه و لايصير دهرية يوم دهرية يوم آخر بلا شك و مع ذلك لاتصير تلك الدهرية وقتاً لنفس زيد الاخروية المجردة. نعم دهرية يوم الاحد ثابتة فوقه و لبدن زيد العرضي ايضاً دهرية فوقه و تلك الدهرية هي دهرية يوم الاحد بعينها و هي لاتصعد الي الاخرة و لاتتجاوز الي يوم الاثنين و نفس زيد فوق جميع هذه الدهريات و لذا تخبر عن حالها كلما تريد بل نفسه الحيوانية البرزخية ايضاً فوق هذه الدهريات و ليست هي بوقتها ابداً اذ لايجاوز@لايتجاوز خ‌ل@ شي‏ء ماوراء مبدئه ابداً.

فان قيل ان كانت النفس و عالمها فوق هذه الايام و الليالي و فوق الزمان و تحاذي لكلها و تحيط بكلها فلم تنسي اشياء تعلمها من قبل؟

قلت ان النفس في عالمها لاتنسي ابداً بل هذا البدن يكون لها كالمرءاة ان كان صافياً يظهر فيه آثارها و اذا كدر لم‏يحكها فالنسيان من هذا البدن لا من النفس و سبب ذلك اما زيادة رطوبة في دماغه او صعود ابخرة رطبة او شغل شاغل او هم او غم او حزن مانعة عن التوجه الي النفس و غير ذلك و الشاهد علي ذلك ان الشخص يتذكر بعد نسيانه فيظهر ان نفسه عالمة و يمنعها الموانع البدنية عن اظهار علمها من وراء البدن الي هذه الدنيا.

فقد ظهر و الحمد للّه ببركة الاولياء الكرام: ان اوقات المرتبة الدنيا لاتمرّ علي المرتبة العليا ابداً فاذا مرت الف الف سنة لاتمرّ علي المرتبة العليا آن و لا دونه فاذا سمعت قبل وقتك هذا بخمسين سنة لفظ زيد قائم و فهمت معناه فقد مرّ خمسون سنة علي ذلك الوقت الذي سمعت فيه زيد قائم و كذا مرّ خمسون سنة علي لفظ زيد قائم و لم‏يمرّ علي معناه عشر عشير معشار آن لانك تخبر الان بمعناه فاعتبر من هذا و تبصّر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 235 *»

بانك لو لم‏تسمع زيد قائم ليست نفسك عالمة بمعناه ابداً و اذا سمعت تعلم معناه ابداً فبدن زيد ان لم‏يكن في هذه الدنيا ابداً لم‏يكن له نفس ابداً فاذا وجد في هذه الدنيا كان نفسه في الدهر ابداً سواء بقي هذا البدن في الدنيا زماناً طويلاً ام لم‏يبق فاذا وصل الكلام هنا ناسب ان‏يبين كيفية صعود المعني عن اللفظ الي النفس و يقتضي ذلك رسم فائدة.

                   فائدة

ان الانسان الدنياوي اذا واجه شيئاً من المحسوسات الخمسة الدنيوية بحواسه الخمسة انطبع فيها اشباحها لان تلك الحواس ليست الا كالمرايا تنطبع فيه الصور و الاشباح غاية الامر ان الاشباح تختلف هيئاتها بحسب اختلاف الشواخص فاذا كان الشاخص لوناً و شكلاً كان شبحه مطابقاً له فشبحه ايضاً لون و شكل و ان كان الشاخص صوتاً كان شبحه ايضاً كذلك و هكذا سائر الاشباح بالنسبة الي شواخصها فاذا بين كيفية صعود نوع منها الي النفس يقاس به سائر الانواع فاذا انطبع الشبح في العين مثلاً تتهيأ العين بهيأته و تتلون بلونه و بقي الشاخص في محله فلايدخل جثته في العين و انما يدخل شبحه فيها حسب فهذا اول مرتبة الصعود الي النفس فتري ان ما لايناسب العين يبقي في محله و لايصعد و انما يصعد مايناسبها و هو الشبح و لماكانت العين من المواليد الدنياوية العرضية و يمرّ عليها و علي سائر المواليد وقت واحد دنياوي فمادامت مواجهة للشاخص كان الشبح فيها فاذا ولت عن المواجهة انطبع فيها شبح آخر في([33])@و محي@ الشبح الاول فشرط انطباع الشبح فيها مواجهتها للشاخص ثم ينطبع الشبح الي الروح البخاري الذي في العصبة الجوفاء التي خلف الجليدية و منه الي الحس المشترك الذي يسمي ببنطاسيا فيتهيأ البنطاسيا بهيأته و يتلون بلونه و لما كان بنطاسيا برزخاً بين الدنيا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 236 *»

و عالم المثال حالته ايضاً حالة برزخية فيمسك الشبح في نفسه مدة قليلة و ان لم‏تواجه العين للشاخص بخلاف العين فانها لم‏تقدر علي امساك الشبح بعد التولي فكان الشبح حين كونه في البنطاسيا يقع@يقطع خ‌ل@ اصله من الدنيا في الجملة فلايمرّ عليه الاوقات الدنياوية تمام المرور فلذلك يري القطر النازل خطاً و الشعلة الجوّالة دائرة مع انهما لاتكونان في الخارج الا في جزء من الخط و الدائرة و ذلك لان الشبح الاول ثابت فيه بعد آن المواجهة قليلاً فيجي‏ء شبح قبل محو الشبح الاول و هكذا فيري خطاً دائماً و دائرة.

ثم ينطبع الشبح منه الي المتخيلة و هي قوة برزخية حقيقية فتتهيأ بهيأته و تتلون بلونه و لما كانت من عالم المثال لايمرّ عليه الاوقات الدنياوية مطلقاً فتمسك الشبح في نفسها و ان ولت العين عن المواجهة الي الشاخص و يمكث الشبح فيها و ينقطع اصله من الدنيا و لايحتاج في ثبوته فيها الي المواد الدنياوية فيمر الاوقات الدنياوية علي المواد الشاخصة و تزيلها عن محالها و تفسدها و تفنيها و يبقي الشبح في عالم المثال و لايستمد من المواد الدنياوية مطلقاً و لايحتاج اليها ابداً لان اصله انقطع عن الدنيا فانظر الان ماذا يصعد الي عالم المثال هل يصعد الشواخص الدنياوية ام الاشباح المناسبة([34])  فلما كانت الشواخص اعراضاً دنيوية بقيت في الدنيا و صعد الي عالم المثال ماكان منه.

ثم ينطبع الشبح من المتخيلة الي المتوهمة و هي قوة تدرك المعاني الجزئية البرزخية من المحبة و العداوة و اللين و الخشونة و الملايمة و المنافرة و امثال ذلك و تستنبط تلك من الصور التي في المتخيلة فانظر ان الاشباح لما وصلت الي المتوهمة وصلت اليها بكثافتها الدنياوية او الكثافتة البنطاسياوية او الكثافة الصورية@الصور خ‌ل@ الخيالية بل عرفت عياناً ان لوازم الرتبة الدنياوية الخارجية لم‏تصعد الي العين بل صعد اليها مااستخرج منها من جنس العين و لم‏يصعد ما في العين بنفسها بل صعد مااستخرج منه ما ناسب البنطاسيا و بقي في العين

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 237 *»

ما لم‏يناسبه و كذلك صعد من البنطاسيا الي المتخيلة صوافي ما فيه و بقي فيه ماكان من لوازمه و لوازم رتبته و كذلك صعد من المتخيلة الي المتوهمة صوافي ما في المتخيلة و معانيها لا الصور اللازمة للمتخيلة فبقيت في المتخيلة ما كانت من لوازم رتبتها و لم‏تصعد.

ثم ينعكس الشبح من المتوهمة الي العالمة فتدرك العالمة صورته المجردة عن المادة البرزخية فيبقي في المتوهمة المعني المقترن بالمادة البرزخية و يصعد الي العالمة مايستخرج من تلك المادة من الصورة المجردة الجزئية و ينقطع اصلها من المواد البرزخية و لايستمد منها بعد و لايمرّ عليها اوقاتها كما انقطعت الصور الخيالية عن المواد الدنياوية فلم‏تستمد منها و لم‏تمرّ عليها اوقاتها.

ثم ينعكس الشبح من العالمة الي العاقلة فتدرك العاقلة معاني تلك الصور المجردة و هي خلاصة ما في العالمة لا نفسها فبقي فيها غلائظ تناسبها و لاتناسب العاقلة.

ثم ينطبع الشبح منها الي بدن زيد الاصلي و يصعد اليه ايضاً مايناسبها و يبقي في المراتب الدانية لوازم رتبها و هكذا يصعد من بدنه الي مثاله الاصلي و من مثاله الي طبعه الاصلي و من طبعه الي نفسه الاصلية و من نفسه الي روحه و من روحه الي عقله و من عقله الي فؤاده ان كان جامعاً و الا فعلي حسب رتبته و مقامه و في كل رتبة يبقي فيها ماكان لازماً لها و يصعد الصافي كماعرفت فبهذا النحو يصعد الاشياء الي المراتب العالية و كلما تصل الي المرتبة العليا لاتمرّ عليها اوقات الرتبة الدنيا كما عرفت بل شاهدت.

و قد عرفت سابقاً ان عالم النفوس لاتتغير اوقاتها و لاتتجدد عرضاً فمن هذا المعني فاعرف انه ليس بين النفختين اوقات دنياوية فيكون اوقاتها برزخية بملاحظة ان اسرافيل يجذب النفس الحيوانية من البدن الحيواني و باعتبار اوقات بين النفختين نفسانية بملاحظة انه يجذب النفس

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 238 *»

الانسانية من البدن الانساني او البدن الانساني من البدن الحيواني فتلك الاوقات حينئذ اوقات متساوقة متقاربة متشابهة غاية التشابه و التشاكل فنزول المطر من المزن و احياء الاموات متساوقان وقتاً متخالفان رتبة فهما يتحدان@متحدان خ‌ل@ منظراً مختلفان مخبراً اسفلهما الموت و اعلاهما الحيوة الناشي من الماء اذ به حيوة كل شي‏ء اسفلهما البدن اعلاهما الروح فاذا نظرت الي البدن في عالم الطبائع تراه ميتاً منتشراً اعضاؤه في تراب الطبائع و اذا نظرت الي الماء النازل رأيته حياً بذلك الماء نافضاً للتراب من رأسه و التراب المنفوض هو الاوساخ البرزخية المتخللة في البدن الاصلي الاخروي فاذا نفضها عن نفسه و يقوم من قبر الطبائع يدخل عرصة المحشر و لاينكر من نفسه شيئاً و يري نفسه هو هو بعينه كما يكون في الدنيا و البرزخ بلا تفاوت ابداً ابداً الا انه حين كونه في الدنيا لحقه اعراض دنيوية و حين كونه في البرزخ لحقه الاعراض البرزخية كما مرّ و هي ليست منه و لا اليه و عودها عود ممازجة و فناء و فساد و عوده عود مجاورة و دوام و بقاء خلقتم للبقاء لا للفناء و انما تنتقلون من دار الي دار و بخلع الاعراض لايختلف حاله و لا شكله و لا لونه فزيد الذي يحشر في القيمة و يدخل في الجنة او النار فو اللّه الذي لا اله الا هو هو الذي كان في البرزخ و هو الذي كان في الدنيا بجسمه المحسوس الملموس ذي طول و عرض و عمق بحيث اذا وزنته في الدنيا ثم في البرزخ ثم في المحشر ثم في الجنة او النار لايختلف ابداً ابداً و لايزيد و لاينقص مثقال ذرة لكن لايجب ان‏يكون علي صفة الدنيا بل ربما كان في الدنيا مريضاً قبيح الصورة و في الاخرة صحيحاً حسن المنظر او بالعكس كما قامت الضرورة علي ذلك بان المؤمن مع ما فيه من الامراض و الاعوجاجات لايدخل الجنة و كذا الكافر مع ما معه من متاع الحيوة الدنيا لايدخل النار فهيأة كل شخص في الاخرة علي صورة اعماله فان كان حسن الاعمال يكون حسن المنظر و اذا كان قبيح العمل يكون قبيح المنظر فكل من كان اكثر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 239 *»

عملاً يكون اكبر جثة و من@کل من خ‌ل@ كان اقل عملاً كان اصغر بدناً فكبر البدن الاخروي و صغره بحسب كثرة الاعمال و قلتها اذ الاعمال هي فعليات البدن فكلما كان فعلياته اكثر يكون اكبر و كلما كان اقل يكون اصغر و لايصير كثير العمل الا ان‏يستمد من عناصره كثيراً فاذا استمد منها و جذبها اليه و احالها في قابليتها علي صورته يصير عظيماً كبيراً كما ان البدن الدنياوي كلما يستمد من الاغذية اكثر و يحيلها الي شكله اكثر يصير اكبر و اكثر فعلية و عملاً. و صلّي اللّه علي محمّد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

هذا آخر مااردت ايراده في هذه المسألة كلية و قد تمّت علي يد العاصي المقصر القاصر ابن محمّدجعفر الباقر الشريف الطباطبائي غفر اللّه ذنوبهما و ستر عيوبهما بفضله و جوده و كرمه في ليلة السبت الحادية و العشرين من شهر جمادي‏الاولي من شهور سنة ست و سبعين بعد المأتين و الالف 1276 من الهجرة علي هاجرها و آله الف الف صلوة و تحية حامداً مصلياً مستغفراً.

 

([1]) قال الحور هي البيض المضمومات الحديث. نورالثقلين ج 5 ص 202، الناشر.

([2]) الظاهريون. ظ

([3]) فعلية. ظ

([4]) كثيفة. ظ

([5]) المَعاء بالفتح ج امعية : مصران البطن. الناشر

([6]) شيئاً. ظ

([7]) كعرض. خ‌ل

([8]) عالماً واحداً. ظ

([9]) ذاتاً. ظ

([10]) لمرتبتين. ظ

([11]) نقسم. خ‌ل

([12]) سقوط كلمة «و مادة». ظ

([13]) عمراً. ظ

([14]) منها. ظ

([15]) مخلوقاً. ظ

([16]) متعدداً. ظ

([17]) مقاماً عرضياً روحانياً. ظ

([18]) لباساً عرضياً. ظ

([19]) خيراً. ظ

([20]) جسماً رطباً سيالاً طهوراً. ظ.

([21]) فاذا اختلط. خ‌ل

([22]) ملک. ظ

([23]) فاذ. خ‌ل

([24]) فاذ. خ‌ل

([25]) الطاهرون.‌ ظ

([26]) حکم مناسب. ظ

([27]) اعراضا. ظ

([28]) نفساً. ظ

([29]) و عقد. ظ

([30]) و انما يقبل الاستثناء هذه الجنان. خ‌ل

([31]) آناً واحداً. ظ

([32]) الاكثرون. خ‌ل

[33] @تايپيست در اينجا به جاي (في)، (و محي) نوشته بود و ظاهراً از روي نسخه ديگري بوده که در دسترس ما نبود.@

([34]) المثالية. خ‌ل