01-01 الرسائل المجلد الاول – رسالة في علم الاشتقاق ـ مقابله

الرسالة الاولي في علم الاشتقاق

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی‌ الله مقامه

 

المقدمة

فصل (1): ان الله سبحانه ليس بمبدأ شيء من الاشياء

فصل (2): لکل شيء ثلاث مراتب کلية: مقام الذات و مقام الفعل و مقام الظهور الجزئي

تنبيه: البساطة و الاحاطة و الاحدية کلها امور نسبية في الاشياء

فصل (3): المراد من المؤثر الذي رئي في الاثار هو اعلي اذکار الاثار او هو المطلق العالي المنزه عن الاقتران بالانوار؟

فصل (4): الوجود البسيط هو غاية الغايات و ليس فوقه شيء و ليس باحد حقيقي بل هو آية الاحد الحقيقي

تجلي الوجود الحق للفعل بنفس ذلک الفعل

حکاية الماضي و المضارع و الاستقبال عن شئون الفعل الکلي

حکاية فعل النفي عن الفعل الکلي

حکاية فعل الامر و النهي عن الفعل الکلي

حکاية‌ الاستفهام عن الفعل الکلي و بيان نفي الجبر و التفويض و اثبات الاختيار و الامر بين الامرين

اداة الاستفهام و بيان ان للموجودات خلقين: کوني و شرعي

وحدة الفعل من حيث نفسه و تکثره من حيث المظاهر الدانية

فصل (5): فعل الله الاطلاقي يسمي بالامکان الراجح و الوجود المطلق و فعل الله التقييدي يسمي بالامکان الجائز و الوجود المقيد

المقامات الثلاثة المذکورة ثابتة في کل شيء

المراد من المصدر الذي کانت الاسماء مشتقة منه

فصل (6): اشراق الفعل الکلي بعد استکمال مراتبه علي عالم النفوس

فصل (7): تنزل الذوات الي عالم الاعراض لاکتساب العلوم و المعارف

فصل (8): بيان احوال الافعال التي نزلت من خزائن الغيب الي عالم الشهود

فصل (9): کيفية نزول الانسان من عالمه الاعلي

فصل (10): تعلق الانسان الباطني بالانسان الظاهري

فصل (11): لکل حقيقة من الحقائق و روح من الارواح مظهر في هذه الدنيا تعرف به و تطلب منه

فصل (12): معرفة مواقع الصفات من طريق علم الاشتقاق

تتمة: معرفة سر اتصال شروط لا اله الا الله من طريق علم الاشتقاق

فصل (13): شرط تأثير المؤثر و تکميل المکمل و عدم وجودها في الضعفاء

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد للّه و سلام علي عباده الذين اصطفي

الصورة المجملة من حياة عظيمنا المصنف اعلي اللّه مقامه:

هو الشيخ محمّدباقر بن محمّدجعفر بن محمّدصادق بن عبدالقيوم بن اشرف بن محمّدابراهيم بن محمّدباقر المحقق السبزواري (صاحب الذخيرة و الكفاية في الفقه).([1])

ولد في سنة 1239 هـ في قرية قهي من نواهي اصبهان و لما قضي ايام صباه في كفاية والده المرحوم العالم الزاهد الورع التقي الميرزا محمّدجعفر سافر الي اصبهان و تلمذ عند الاكابر من العلماء و اخذ الاليات و الفقه و الاصول و الفلسفة و الكلام و كان اصبهان في ذلك اليوم عاصمة العلم بايران و قد اعترف الاساتذة و التلامذة كلهم بعلو مكانته في العلم و دقة نظره في التحقيق و وضوح فضله في الدراسة و انبساط نفسه القدسية للاسرار و المعضلات من العلوم و استعجب الكل ما منحه المولي سبحانه من ملكات فاضلة و نفسيات نفيسة و روحيات قدسية و خلائق كريمة و مكارم و محامد و علي الاخص زهده في هذه الدنيا الدنية و اعراضه عن اعراضها الزهيدة و اهتماماتها الصغيرة لانه كان ينظر اليها من عل مع قيامه فيها بواجباته الخطيرة و كان يمد ببصره وراء الواقع الزهيد المحدود فوهبه ايمانه و يقينه و بصيرته رفعة الهدف و ضخامة الاهتمام و شمول النظر لان المانح الوهاب الذي يمنح من يشاء و يفيض علي من يشاء قد خلق هذا العظيم للذي هو الابقي و الاعلي خلقه لان يقود البشرية الي ما هو ارفع و اكمل خلقه لان يركز راية الحق فوق هامات المكاتب العلمية و المعارف البشرية و المدارس الفكرية فلم‏يجد في العاصمة العلمية (اصبهان) من يقدر علي اثارة كوامنه و استخراج دفائنه و احياء طاقاته فاحس بضيق المجال و عزم علي الترحال فهاجر الي عاصمة الحكمة الحقة الالهية (كرمان) لانه عرف فيها المؤمن الذي تلقي قيمه و موازينه و تصوراته من يد اللّه (القران و العترة) فوجده كعبة المقصود و بذله تمام الموجود و اقبل اليه بكله فاعطاه كله و بعد ماوجده الاستاذ اهلا للهداية و الارشاد و انه لم‏يدع مأثرة الا و قد حازها ارسله الي بلدة همدان و فوض اليه امر الهداية و التعليم و التهذيب و التثقيف و تنفيذ مبادي الانسانية و توفير الدواعي السامية في نفوس ابناء شعبها و الدعوة الي الحق و الاخذ بايدي الناس من مزال المهالك و الضلال. فاقام في هذه البلدة اكثر من ثلاثين سنة و قام باصلاح شعبها و قيضهم للحركات الدينية الالهية و ادّي كل واجب عليه و عرفهم المعارف الحقة و علمهم التوحيد الصحيح و التشيع الاصيل و جذوره و اسسه الواقعية السليمة عن يد التحريف و الشاهد علي ذلك رسائله القيمة التي بين يديك. حتي حكمت بواعث الغي و الشقاق بعداوته و واجهته النعرات الجاهلية من الحساد و الجنايات المنهجية التي ارتكبوها المنكرون المعاندون فاباحوا علي هذا العظيم و اتباعه مايمكنهم من الاذي من القتل و النهب و الحرق فهاجر هو مع اهله فارين الي اللّه بدينهم الي قرية «جندق» و اقام بها سنوات قليلة و لم‌يبرح بها اماماً و قائداً و زعيماً يعظم الشعائر و ينشر المآثر الدينية و اسوة و قدوة لرجال العلم و الفنون فتخرج من حوزته العلمية عدة من رجالات العلم و الاخلاق و تفرقوا في البلاد و القري و كانوا رواد التهذيب و الثقافة و هداة الخير و الفضيلة و شيوخ الاجتماع و الكرامة و حاملي الحياة الايمانية.

و جاءه يومه المحتوم في سنة 1319 هـ و لحق بمواليه الكرام: و حمل جثمانه الطاهر الي الروضة المنورة الرضوية و دفن بجوار قبر مولاه الرضا7 و قبره المنور مشهور معروف واقع في الضلع الشمالي من الصحن الجديد الشريف يزوره المؤمنون و يتبرّكون به و يسألون اللّه تعالي عنده حوائجهم و يتوسّلون الي الائمة المعصومين: بالمدفون فيه.

و اما تصانيفه القيمة:

فقد عد منها ثلاث و اربعون تصنيفاً باللغة العربية و تسعون تصنيفاً باللغة الفارسية و كلها مشرقة و ضاءة علمية فنية تربوية اصلاحية اجتماعية و لاتكون تصانيف بالمفهوم الضيق لهذه الكلمة بل هي في واقعها مكتبة كبيرة ضخمة واسعة شاملة علي اعلي المستويات العالمية من حيث محتوياتها الثمينة الغالية. اضف الي ذلك ما جمع من مواعظه و دروسه المباركة التي كلها آثار صادقة و حقائق راهنة و ثمار شهية تنكشف امام السامع او القاري المبادي الحقيقية و النظريات الصحيحة من التشيع الصحيح الاصيل الوضي‏ء.([2])

و مجمل القول هو العظيم الوحيد الذي عرض الاسلام الحقيقي السليم من اي انحراف علي المجتمع و نشر مفاهيمه الصحيحة الواقعية من الواجبات الفردية و الاجتماعية و الاخلاقية و الاقتصادية و السياسية في الشعب الايراني بحيث ينالها ايدي الطالبين الباحثين من كل الطبقات فجزاه اللّه عن الاسلام و المسلمين خير الجزاء.

و ليحسن ان‏يعلم القاري‏ء الكريم:

انه لما نهبت ايدي الجانية الخائنة اموال هذا العظيم اعلي‏اللّه مقامه بهمدان فقد الطائفة النسخ الاصلية من تصانيف العظيم اعلي‏اللّه مقامه فما وصل الينا من تصانيفه القيمة كلها نسخ مستنسخة و منها هذه الرسائل الخمس التي بين يديك فماعثرنا عليه من الاغلاط التي صححناها في الهامش و رمزنا عليه بــ «ظ» فيمكن ان‏تكون من المستنسخين و الشاهد علي ذلك اختلاف النسخ الموجودة التي اشرنا الي بعضها و تركنا كثيراً منها لعدم تغيير في المعني و نرجو ان‏يوفّقنا اللّه سبحانه لنشر هذه التصانيف القيمة احياء للتشيع الصحيح السالم عن كل تحريف. و الحمد للّه و صلّي‏اللّه علي محمّد و آله و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

(ملخص ما كتبنا في ترجمة المصنف اعلي‏اللّه مقامه المطبوع في موسوعة القيم الخالد «اصول‏الفقه») و اليك بالفهرس المفصل لهذه الرسائل الخمس.

«الناشر»

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 2 *»

بسم اللّه الرحمن الرحيم

 

الحمد للّه رب العالمين و صلّي‏ اللّه علي محمّد و آله الطيبين الطاهرين و علي اوليائهم المنتجبين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين ابد الابدين.

و بعــد لمّا كان في علم الاشتقاق اسرار جمة يكشف بعرفانه نقاب المشكلات و يرفع باتقانه حجاب المبهمات فيصير سبباً لتصديق فضائل آل‏ اللّه صلوات اللّه عليهم عن بصيرة و يقين بحيث لايتطرق فيها@فيه خ‌ل@ شبهات المشبهين و ينجو العالمون به عن افراط الغلو و تفريط التقصير و يوضع كل شي‏ء موضعه المقرر و لايعدي عن محله المقدر.

فبه عرف مواقع الصفة التي هي قرار المعرفة و هو النمرقة الوسطي التي يرجع اليه الغالي و يلحقه التالي و هو العلم الذي من عرفه لحق و من جهله محق.

و هو المكنون المخزون المقصود الذي به يفرق بين العابد و المعبود.

و به يوصل الساجد بالمسجود.

و به ينكشف المستور المحبور الذي هو مقصود الرب الودود لم‌يوجد علم اشرف و اعلي منه و لم‏يخلق نور اوضح و ابهي منه و حقيقته عند من سبقت له من اللّه الحسني.

و لايمكن لي وصفه مع كلال اللسان و ضيق الجنان فأردت ان‏اكتب فيه مما رزقنا اللّه من شطرة و سطرة ليكون تذكرة النفس ان شاءاللّه و لا قوّة الاّ باللّه.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 3 *»

و شرح ذلك يقتضي رسم فصول:

فصل

لمّا كان لكل مسألة مبدأ تنتهي اليه ان بدي‏ء منه و ان لم‏يبدأ منه تتشعب و تتكثر و يتحير الانسان في تيه الحيرة فلابد من ان‏يبين مبدؤها لاكون علي بصيرة ان شاء اللّه تعالي.

و لمّا كان كل مبدأ مربوط بمنتهاه و لابد له من رباط بينهما و لايكون بين الخلق و الخالق ربط مربوط.

فلا بأس بان‏نشير الي نوع الاستدلال بانه سبحانه ليس بمبدأ شي‏ء من الاشياء فاذا اثبتنا ذلك نبحث عن المبدأ.

فاقول و لا قوّة الاّ باللّه انّ من البديهيات الاسلامية انه سبحانه احد و معني الاحد الحقيقي انه ليس بمركب في الخارج و لا في الذهن و لا في النفس و لا في العقل و لا في الخلق و لا في الامر بوجه من الوجوه و اعتبار و نسبة و اضافة و حيث و غيرية و عينية.

فاذا كان شي‏ء و في رتبته شي‏ء آخر كلاهما مركبان لان كل واحد هو هو في نفسه و غير غيره بالنسبة الي غيره فحيث هو هو غير حيث هو غير غيره فكان حيث هو هو مادة له و حيث هو غير غيره صورته.

فكل شيئين متصاقعين مركبان لامحالة متحدان في المادة مختلفان في الصورة فلايجوز ان‏يكون الاحد سبحانه في صقع شي‏ء من الاشياء و الا يلزم ان‏يكون مركباً مشاركاً مع الاشياء في مادة واحدة ممتازاً عنها بصورة خاصة.

و اذا كان شي‏ء في صقع و لايكون في ذلك الصقع شي‏ء([3])  ولكن شرط وجوده عدم الاخر يلزم ان‏يكون كلاهما مركبين لان كونه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 4 *»

هو هو غير كونه هو عدم غيره فان كونه هو هو لا ذكر لغيره فيه و كون هو غير غيره و عدم غيره ذكر غيره و لو بعدم الوجود كالمادة و الصورة. فان المادة هي الشي‏ء الصالح للتصور بصور متعددة تكون من امكاناتها فشرط وجودها كونه صالحاً للتصور و معني الصلوح هو عدم شي‏ء خاص بعينه فاذ لو لم‏يكن عدم شي‏ء يكون هو و اذ كان هو فلم‏يصلح للتصور بصورة غيره.

و نري انها تكون صالحة لهذا و لغيره فبصلوح التصور بصورتهما عرفت ان لاتكون مختصاً بهما و تكون رتبتها عليا من رتبتهما و اذا صارت صقعها اعلي يكون العلو الذي هو عدم غيره شرط وجودها و هي في نفسها من حيث هي هي لا ذكر لغيرها معها و حيث صلوحها غير حيث ذاتها. فهي مركبة من حيث هي هي و من حيث هي صلوح غيرها فكان صلوحها لغيره صورتها و حيث هي هي مادتها فهي مركبة من مادة و صورة.

و كذلك الصورة لها جهتان جهة الي نفسها و هي جهتها التي به يكون شيئاً([4])  في ملك اللّه سبحانه و جهة الي المادة و هي حيث كونها ظهوراً لها و هاتان الجهتان شيئان في الخارج واقعاً.

اما تراك تقدر ان‏تلتفت الي كل واحدة منهما بدون التوجه الي اخري فلو كانتا واحداً لم‏تتمكن ان‏تلتفت‏ الي واحدة بدون الاخري. فاذا تمكّنت الي التفات الي جزء منهما ثم تلتفت الي جزء آخر فاعرف انهما جزءان متعددان غاية ما في الباب انهما ليسا كشيئين متباينين في الخارج كوجود زيد و عمرو.

اما انهما شيئان متباينان فمما لا نكير عليه فكأنّه جهتها من نفسها مادتها و جهتها الي مادتها صورتها لانها جهة امتيازها عن العالي او بالعكس و اما كونهما شيئان([5])  فلا شك فيه فالاحد سبحانه ليس بمادة الاشياء و لا بصورها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 5 *»

فلايكون بأعلي من الاشياء و لا ادني بهذا المعني.

و ان كان الشيئان احدهما مؤثراً و الاخر اثراً و احدهما منيراً و الاخر نوراً و احدهما ظاهراً و الاخر ظهوراً كالمطلق و الافراد فكلاهما ايضاً مركبان لان المنير اذا توجهت اليه مع عدم التوجه الي نوره تجده شيئاً في ملك اللّه سبحانه.

ثم اذا توجهت الي صلوح تجليه للنور تجده ظاهراً في النور مذكوراً فيه ذكر النور و لو لم‏يكن الجهتان متغايرتان([6])  فلم‏تقدر علي التوجه الي احداهما من دون اخري. فاذا حصل له جهتان متغايرتان تعرف انه مركب منهما احدهما اعلي و الاخر ادني([7]) اعلاهما من حيث هو هو و ادناهما جهته الي مادونه من الافراد@الانوار خ‌ل@ فيصير مركباً و كذلك النور له جهتان جهة الي نفسه من حيث هو و حيث الي ربه من حيث هو ظهور ربه. اما تراك تتوجه الي زيد من حيث نفسه و انت غافل من انه يكون فرداً من افراد الانسان. ثم تلتفت اليه كرّة ينقلب هذا الحيث و تراه فرداً من افراد الانسان فهو مركب من الحصة الانسانية الظاهرة له به و من الحصة الزيدية التي هي هو هو فالنور و المنير ايضاً كلاهما مركبان يكون المنير اعلي و النور ادني فلايكون الاحد جلّ قدسه بمنير و لا نور و لايكون اعلي من شي‏ء و لا ادني من شي‏ء سبحانه و تعالي.

و اذا كان الشيئان احدهما امراً و الاخر خلقاً يكون كل منهما مركباً ايضاً فان الامر هو الوجود المطلق الذي شرطه الاطلاق عن قيود جميع ماسواه مؤثراً كان او اثراً مادة کان او صورة ذاتاً کان او صفة جوهراً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 6 *»

كان او عرضاً سبباً كان او مسبباً علة كان او معلولاً موجوداً كان او معدوماً محلاً كان او حالاً منسوباً كان او نسبة حيثاً كان او ذاحيث شبحاً كان او شاخصاً ظلاً كان او ذاظل او ظل ظل و عكس عكس و عكس عكس عكس الي غيرالنهاية كل مايطلق عليه شي‏ء و اسم شي‏ء فقد انطوي تحت سلطان هذا الوجود الوسيع و العجب من احاطته و سعته انه ليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء آخر و هو اقرب بكل شي‏ء من كل شي‏ء فيقوم في حضرته المقيد كما يقوم المطلق و يقوم الاثر كما يقوم المؤثر و تقوم الصفات كما تقوم الذات و يقوم عنده اخس الاشياء كما يقوم اعلاها بل يقوم ترتب الاثر و المؤثر و نسبتهما كما يقومان. «فكل شي‏ء احصيناه في امام مبين»  فسبحان اللّه مااوسع قدرته و مااشمل لطفه و مااعظم شأنه.

فشرط وجود هذا الموجود نفي ماسواه و عدم ماعداه و احاطته علي ماخلاه و شرط وجود الموجودات هو الانطواء تحت سلطانه و الانحواء في جنب عظمته و الاضمحلال عند سطوع نور جماله و الانمحاء عند ظهور جلاله.

و من المعلوم ان المحاط غير المحيط و النور غير المنير و المطلق غير المقيد و لو بالطف تمييز العقل و ادق اشارة القلب و كل مايكون غير شي‏ء يكون متصفاً بالغيرية فله ذات متصفة بصفة و يشهد الصفة بانها غير الموصوف و الموصوف يشهد انه غير الصفة و هما يشهدان بالاقتران و التركيب و تعالي ربنا عن جميع ذلك علواً كبيراً.

و الشيئان ان كان احدهما حقاً و الاخر عبداً و خلقاً و ان لم‏يكن لاحد ان‏يقول الحق شي‏ء و الخلق شي‏ء و هما شيئان مثنيان تعالي اللّه عن ان‏يكون شطراً لخلقه و خلقه شطراً له اذا ظهر نور جماله و سطع بروق جلاله احرق ماسواه ماانتهي اليه بصره من خلقه و ارسلهم الي دار الامتناع بحيث لايبقي معه اثر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 7 *»

واع و لا صوت داع هو هو وحده وحده وحده لا شريك له و لا ذكر لماسواه فيه عيناً و لا كوناً و لا امكاناً و لا صلوحاً و لا صلوح ظهور و لا نفياً و لا اثباتاً بوجه من الوجوه و حيث من الحيوث في ادق الاشارات و الطف البيانات. فليس هو و خلقه شيئين بل هو الشي‏ء بحقيقة الشيئية اذ لا شي‏ء سواه و الاشياء اشياء بمشيته و مشيته فعله و خلقه. فسبحان من خلق الاشياء بمشيته و لم‏يجعل فيها شيئاً من شيئيته كل ما يجوز فيها يمتنع فيه و كل ما يجب فيه يمتنع فيها هكذا ربنا و لا هكذا غيره.

ولكن بعد جميع ذلك و جميع ما قيل و يقال الي يوم القيمة أليس يكون سبحانه منزهاً عن جميع ذلك و أليس انه يمتنع فيه مايجوز في خلقه و يمتنع في خلقه ما يجب فيه و ان لم‏يكن فيه فيه فسبحان من كان منزهاً عن التنزيه و التقديس و الاحاطة و السلطنة و ما قيل و يقال اللّه اللّه.

بالجملة ليس المقصود هنا تفصيل تقديس اللّه سبحانه كما هو و المقصود هو اثبات انه سبحانه ليس بمبدأ شي‏ء من الاشياء لان المبدأ فيه ذكر المنتهي و اللّه سبحانه ليس معه غيره بوجه من الوجوه شريفاً كان او خسيساً حتي يكون هو مبدأه فاذ لم‏يكن مبدأ يشتق منه شئون الاوصاف و الصفات فلنفحص الان من صاحب الصفات المستجمع للكمالات.

فصل

لكل شي‏ء من اعلي مراتبه الي ادني ظهوراته ثلث مراتب كلية: مقام ذات و حقيقة@حقية خ‌ل@ و مقام فعل و حقيقة كلية و مقام ظهور و شخصية جزئية.

فالمقام الاول مقام البساطة و الاحدية النسبية الطاوية السارية في ظهوراته و انواره المعطية اسمه و حدّه علي الظهورات الصادقة علي الكل بالكل تجلّي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 8 *»

لها بها و بها امتنع عنها و اليها حاكمها بريئة عن حدودها و كل ما يجوز فيها بعيدة عن الاقتران بها قريبة منها خارجة عنها داخلة فيها خروجه عنها لا بمناءاة و دخوله فيها لا بمداناة قريبة حين كونها بعيدة بعيدة حين كونها قريبة مبعد عنها الاطوار مذابة عندها الحدود و الاقطار فليس للظهورات فيها ذكر عيناً و لا كوناً و لا امكاناً و لا اثباتاً و لا نفياً هي هي ليست الا هي وحدها.

ثم من دون ذلك المقام مقام الاطلاق و الكلية و مقام التعين الاول و مقام ذكر الاثار فيه بالعدمية و النفيية و صورة هذا المقام هي صلوح الظهور بالاثار و امكان التجلي بالانوار بدون اثبات الاغيار.

ثم المقام الثالث مقام تمام ظهور الاثار و عرصة الكثرات و ديار المتعددات و عالم المباينات و بلدة الانداد و مدينة الاضداد و محل الاختلاف و موضع الاعتساف و غير ذلک من الفاظ الکثرات التي لايحصي عددها الا الاحد الحاوي و لايمكن لاحد عدها الا الواحد الطاوي فبهذه المراتب الثلث عمرت الديار و عرف الدار من الديار و هذه مسألة قد جرت سرّها في جميع العوالم و الاطوار و الاكوار.

و امثال هذه المراتب الثلث هو الحديد و مايصنع منه فان الحديد عند نفسه بسيط له احدية نسبية بريئة عن حدود السكين و السيف و المسمار و مايصنع منه المعطي اسمه لها الصادق عليها بكله.

الاتري ان السكين حديد و السيف حديد و المسمار حديد و كلها حديد و بعضها حديد و مع‏ذلك بري‏ء عن حدودها متعال عن وجودها و نفيها. الم‏تر انه لو كان سكيناً فمايكون سيفاً و لو كان سيفاً فمايكون مسماراً فان السيف لايكون سكيناً و مسماراً و السكين لايكون سيفاً و مسماراً و المسمار لايكون سكيناً و سيفاً.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 9 *»

فلو اذبت السكين و نزعت عنه صورته و كذا اذبت السيف و المسمار و نزعت صورتهما قد وجدت الحديد في تلك الحال فاذاً لا سكين و لا سيف و لا مسمار و انما هو حديد وحده لا ذكر للسكين و اخويه عنده بوجه من الوجوه. ثم اذا كررت النظر تري من دون ذلك شيئاً سوي نفس الظهورات التي هي مايصنع من الحديد و هو الحديد الكلي الذي صورته و سوره الكلية التي بعض منها سكين جزئي و بعضها سيف جزئي و بعضها مسمار جزئي فهذا الكلي لايعطي مادونه اسمه و حدّه بل يعطي جزءها الذي يورث من المطلق الأعلي و اما صورته التي يختص بها فلايعطيها ممادونه لانه بتلك الصورة يكون هو هو فلو اعطاها مادونه فلايكون هو هو بل يكون هو غيره. الاتري ان السكين لايكون حديداً كلياً و كذلك السيف و المسمار بل تكون جزءاً من الكلي و ظهوراً له و المقام الثالث مقام الجزئية التي تراها متميزة مخصوصة كالسكين الذي هو غير السيف و السيف الذي هو غيره و المسمار الذي هو غيرهما. فاذا نظرت الي اي ظهور من الظهورات من السكين و السيف و المسمار تري لكل واحد هذه المراتب الثلث.

فاذا نظرت الي السكين مثلاً بنظر الحقي تري الحديد و في ذلك النظر لست تنظر الي شي‏ء غير الحديد بري‏ء عن الحدود الكلية و الجزئية و تراه وحده وحده.

ثم اذا اسفلت النظر و نظرت الي هذا السكين بعينه تري حديداً صالحاً قابلاً لقبول صورة السكين و غيره من الف الف صورة بلا غاية و لا نهاية.

ثم اذا كررت النظر مرة بعد اخري تري سكيناً ممتازاً عن السيف و غيره ممايصنع من الحديد مخصوصاً بما هو عليه و هذا سرّ سار في جميع الكائنات في المراتب لايشذ عنه شاذ.

فاذا صرفت النظر من الحديد المحسوس الي زيد و نظرت اليه تري هذه المراتب فيه ايضاً محسوساً فانك اذا رأيته من بعيد و ميّزته عن غيره

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 10 *»

من الجماد و النبات و الحيوان تقول هو انسان و لم‏تر في هذا النظر الا الانسان البسيط لانك تغفل عما سوي الانسان.

ثم اذا صار قريباً و عرفته انه زيد تقول هو زيد ممتاز عن عمرو و بكر فتعرف جزئيته المخصوصة به.

ثم اذا نظرت اليه من حيث انه حصة من الحصص الممكنة فيه للتصور بصورة عمرو و بكر و خالد الي ما لا نهاية له رأيته هكذا فتري جميع تلك المراتب في شخص واحد.

فمرّة سمّيته بسيطاً بريئاً عن الحدود الكلية و الجزئية و مرّة سمّيته كلياً بريئاً عن الحدود الجزئية و مرّة سمّيته جزئياً و جميع تلك الانظار حق صدق لايعتريها من الشبهات غبار و من انصف يري جميع تلك المراتب عياناً و يعرف ان كل واحد منها غير الاخر.

و لايقال فاذاً يكون اختلاف المراتب باعتبار نظر المعتبر ان اعتبر استقر و الا فلا.

فان الانظار الباطنية و المشاعر الغيبية يدرك الاشياء كما تدرك الحواس الظاهرة حرفاً بحرف بلا اختلاف قال تعالي ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و قال الرضا7 قد علم اولواالالباب انّ الاستدلال علي ماهنالك لايعلم الا بماهيهنا فكما ان العين لو لم‏يكن الشي‏ء احمر لاتري الاحمر و لو لم‏يكن ابيض لاتري الابيض و كذا سائر الحواس في محسوساتها لاتدرك الا ان‏يكون الشي‏ء في الخارج علي ما هو عليه و الا لاتقدر الحاسة علي ايجاد الحمرة و غيرها بالاعتبار. فاذا رأت حمرة تعلم انها تكون في الخارج و الا لم‏يقدر علي ايجاد ما لم‏يكن. فالمشاعر الباطنية ايضاً لاتقدر علي ايجاد ما لم‏يوجده اللّه سبحانه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 11 *»

بل اذا اوجد اللّه سبحانه شيئاً و جعل له مراتب عديدة و اوجد فيك ايضاً مدارك عديدة تقدر انت ان تدرك كل مرتبة بمدرك خلق لادراكه.

تنبيه

لمّا كان الاشياء متكثرة و لم‏تكن بسيطاً حقيقياً و واحداً حقيقياً اذا قلنا في شي‏ء منها انه بسيط نعني به انه بسيط نسبي و له احدية نسبية بالنسبة الي ظهورات نفسه و ان كان في محله بنفسه عند ماكان موجوداً في عرصته مركّباً كما كان في المثال المذكور يكون الحديد في عرصته مركباً جزئيا ممتازاً عن النحاس و الفضة و الذهب. و كذلك زيد في مقامه ممتاز عن عمرو و بكر و انما البساطة و الاحاطة له نسبية.

فاذا سرت بفهمك الي ان‏ينتهي الي الواحد الحقيقي الذي لا ثاني له بمشعر من المشاعر تفهم اسراراً عجيبة غير ماعرفته من الايات فيحصل لك فرق فريق بعد التدقيق و التحقيق انّ جميع مافهمت في الاداني لاترتقي الي الاعالي الا بعد التلطيف و الترقيق فكما يكون الاشياء متعددة متكثرة يكون جهاتها و حيوثها متعددة متكثرة علي طبق تلك الشواخص المتعددة. فاذا انتهي الامر الي امر واحد لا ثاني له و شخص لا تالي له لاترتقي الحيوث و الجهات بكثرتها اليه بل تترقق و تتلطف لامحالة. فمن الكثرات التي تثبت في المثال و غيره ذات بلا صورة حقيقة و كلي مطلق عن الحدود حقيقة و جزئي مقيد حقيقة في الخارج. و لكل واحد من تلك المراتب لوازم و حيوث و لكل مادة غير صورته

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 12 *»

و صورة غير مادته و لكل كمّ و كيف و جهة و رتبة و مكان و وقت و كل واحد من هذه غير غيره و لكل واحد من المراتب و لكل مايكون من لوازمها نسب و اضافات الي كل ذرة ذرة في الملك. فلكل شي‏ء من الاداني في الحقيقة كثرات لاتحصي بعدد ذرات الموجودات فاذا اذيب جميع ذلك في بحر الامكان مثلاً صارت جميع تلك بحراً واحداً سيّالاً متشاكل الاجزاء بل لا اجزاء.

فاذا اثبت مثبت شيئاً في عرصة ذلك الواحد و عرف مايقول فلايقصد الكثرات الممتازة بل يريد ان‏يثبت انه لا شي‏ء الا و هو شأن من شئون ذلك الواحد و تلك الشئون تجمعها في عرصتها و اما في عرصة الواحد فلا شئون بل شأن واحد و امر واحد. الاتري ان الابيض غير الاسود و الاسود غير الاحمر و الاحمر غير الاصفر و الاصفر غير الاخضر ففي عرصتها اختلافات و كثرات لاتحصي لكن اذا رقيت الاوصاف الي مقام الوحدة و اذبت الكثرات في بحره لاتري الا موصوفاً واحداً و هو الملون الذي يصدق علي الابيض كما يصدق علي الاسود و هكذا سائر الاوصاف. فالبياض غير السواد لا غير اللون و السواد غير البياض لا غير اللون و هكذا سائر الالوان يجمعها لون واحد احدي بحيث يرتفع الاختلافات فيه فغيوره تحديد لما سواه الذي في عالم الكثرة.

و اما سرّ اثبات الكثرات في عالم الوحدة فلانّ الكثرات كل ما كانت لها من ذات او صفة او مادة او صورة او افعال او اشباح الي ما لا نهاية لها كلها من فيض جوده و ليس بعادم شي‏ء منها في مراتبها. فاذا اثبتنا شيئاً من تلك الكثرات في عرصته لما ارانا في آياته و ظهوراته و تداركنا بانّ في عرصة الوحدة و البساطة لايلزم الكثرة في ذاته هذا و الكثرات هي هو وجوداً و عياناً و ليست هو جمعاً و كلاً. فاذا نظرنا الي شي‏ء من انواره و قطعنا النظر عن نفسه لانري الا اياه فاذا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 13 *»

نري كثرة له بقي الكثرة في عالم الكثرة و يصعد البساطة التي تنزل من عالم الوحدة. و معني بقاء الكثرة في عالم الكثرة ذوبها عند سطوع نور جماله لا بمعني الفصل و الانفصال بل بمعني نهاية الوصل و الاتصال بحيث تفقد نفسها و تجد ربها.

فصل

ربما تطرق الاسماع كلمات الاساتيد اجل اللّه شأنهم بانه لو كشفت سبحات استار الاثار رئي المؤثر بلا غبار هذا حق صدق آمنا به و صدقنا ولكن الاشكال في المعني المراد فهل المؤثر هو اعلي اذكار الاثار او هو المطلق العالي المنزه عن الاقتران بالانوار و الظهورات. بل المراد هو الاول كما تقول زيد قائم فالضمير المستتر في القائم ان رجع الي زيد المطلق المنزة عن القائم و القاعد و النائم و غير ذلك يلزم ان‏يكون زيد هو القائم حسب و لم‏يكن قاعداً و نائماً و غير ذلك. و هذا خلف بلا شك عياناً فانا نراه قائماً و قاعداً و نائماً و غير ذلك فلايرجع الضمير الي ذات زيد يقيناً و نري عياناً ايضاً ان زيداً هو القائم و هو موجد القيام و محدثها يقيناً. فيجب ان‏يرجع الضمير الي زيد المنصبغ في بطن القيام لامحالة اذ لا ثالث بين زيد المطلق و بين زيد المنصبغ فموجد القيام هو زيد المنصبغ و زيد المنصبغ هو القائم فضمير القائم يرجع الي اعلي اذكاره يقيناً و اعلي اذكاره لايتنزه عن القاف و الواو و الميم اذ المنزه عن القاف و الواو و الميم لاتخصص له بالقاف و الواو و الميم كما لاتخصص بسائر حروف الصفات. فمؤثر القيام هو القائم و مؤثر القائم هو زيد في حروف القائم فتجلي زيد للقائم بالقائم لا بذاته فجعل آلة ايجاد القائم نفس القائم اذ لا ثالث

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 14 *»

بينهما و لا ثالث غيرهما. فموجد كل شي‏ء و مؤثره نفس ذلك من جهة الاعلي فالمفعول هو الفاعل لفعل الفاعل و الفاعل له ايضاً هو نفس المفعول في الحقيقة الا ان‏يقصد به المطلق العالي مرتجلاً من دون اشتقاق.

فكل ماينبغي ان‏يكون للاثر من العلة الغائية و الفاعلية و المادية و الصورية و كل مايقال في حقه يجب ان‏يكون في رتبته و رتبته في عرصة الهمزة و الثاء و الراء اذ لو كان فوق تلك الحروف لا اختصاص له بالحروف و لو كان تحت الحروف فهو اثر الاثر فكل ماينبغي للاثر يجب ان‏يكون في عرصة الاثر الا انك تري شيئاً واحداً و تخبر عنها اخباراً كثيرة مصدقة. كما اذا كنت تنظر الي قطعة شمعة مثلثة و تغفل عن صورتها و مادتها تري شمعاً بلا شك. ثم تنظر اليها و تري ان لها صلوحاً لان تتصور بغير صورة التثليث فتري حينئذ لها مادة ثم تنظر اليها و تري انها مثلثة ثم تنظر اليها و تري انها خلقت هكذا لان لايخلو امكانها عن وجودها الذي ظهور الحق في ذلك المقام.

و ماتري من تعريف العلة الغائية بانها هو جلوس السلطان علي السرير بالنسبة الي السرير مثلاً فانما هو تعريف فصلي ظاهري. و كذا تعريف العلة الفاعلية بالمكمل فصلي منقطع عن تعريف اهل الوصل. اللهم الا ان‏يراد بجلوس السلطان هو ظهور المطلق في تلك الرتبة فلا بأس به حينئذ فاذا ثبت هذا الاصل الاصيل الذي هو كالجبل لاتحرّكه عواصف الشكوك و الشبهات و لاتزيله قواصف الاقاويل و المتشابهات فلا بأس بايراد فصل علي حدة لما كان هو المقصود من هذا التفصيل.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 15 *»

فصل

اذا نظرت الي هذا الكائن شيئاً علي شي‏ء من ذواته و صفاته و جواهره و اعراضه و مواده و صوره و كلياته و جزئياته و عموماته و خصوصاته و مطلقاته و مقيّداته و منيراته و انواره و مؤثراته و آثاره و علله و معلولاته و اسبابه و مسبّباته و فواعله و مفعولاته و قوابله و مقبولاته و شواخصه و عكوساته و حقائقه و رقائقه و مجرّداته و طبائعه و اهبيته و امثلته و مركّباته و سمواته و ارضيه و علوياته و سفلياته و عناصره و طبائعه و جماداته و نباتاته و حيواناته و جنّه و ملائكته و اناسيه و انبيائه و اوليائه و خاتمه و فاتحه و كل ما يطلق عليه اسم و علامة و رسم بل نفس تلك الاسماء و العلامات و الرسوم و امكنته و اوقاته و اوضاعه و جهاته و كمومه و كيوفه و رتبه و ارتباطاته و نسبه و اضافاته و حيوثه و اشاراته و كناياته و ظواهره و بواطنه و غيوبه و شهاداته و امواته و احيائه و امكاناته و اكوانه و اعيانه و كونياته و شرعياته و سعدائه و اشقيائه و مؤمنيه و كافريه و نورانيه و ظلمانيه و اعاليه و ادانيه و شواخصه و اظلاله و اشباحه و كل ما يطلق عليه اسم شي‏ء بحيث لايشذّ منها شاذ تري شيئاً واحداً متوحّداً يصدق عليه اسم الوجود المطلق يصدق علي الكل و يمتنع عن الكل.

اماتري ان المنير مثلاً شي‏ء و له وجود و نوره ايضاً شي‏ء و له وجود فالوجود يصدق علي المنير كما يصدق علي النور بلا تفاوت و يصدق علي النور كما يصدق علي الظلمة بلا اختلاف فهذا الوجود الوسيع ذوالجود المنيع احاط بكل شي‏ء اذ لا شي‏ء اذ الشي‏ء شي‏ء بمادته و صورته و هذا المحيط نافذ في كليهما علي حد سواء بحيث لايدنو منه احدهما بدون الاخر و لايبعد عنه احدهما بدون الاخر و هو اولي بهما من انفسهما بحيث لايبقي بين ذلك اولوية لانه نافذ في الاولوية ايضاً كما نفذ فيهما. فاذا هو هو ليس شي‏ء معه و لا دونه و لا فوقه اذ هو الصادق علي‏ مع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 16 *»

و علي‏ دون و علي ‏فوق و علي ‏غيرها فهو هو ليس له غير.

فاذا رأينا هذا الوجود البسيط و البحر المحيط الواحدي عرفنا انه هو غاية الغايات و نهاية النهايات و محل الاشارات و الكنايات و ليس وراءه شي‏ء اذ لو كان وراءه شي‏ء اما يكون اعلي منه او ادني و هو خلاف فرضنا اذ نحن نفرض اول الموجودات الذي ليس غيره اول فهو الكائن الذي يكون قبل صفات تمكين التكوين و ازل الازال الذي ينحط من دون مقاماته آمال. بالجملة اذا نظرت اليه كما ينبغي ان‏ينظر اليه لاتري شيئاً غيره ابداً لانه اظهر من كل شي‏ء بل اظهر من ان‏يري لانه هو نافذ في الرائي و المرئي و الرؤية بحيث لايكون واحد منها اقرب اليه من غيره فاذا رأيناه هكذا نراه قديماً مستقلاً بنفسه لنفسه اذ ليس شي‏ء يعتمد عليه حتي يكون ذلك الشي‏ء معتمداً عليه و مع‏ذلك كله هو عبد مخلوق و رقّ مرزوق و لايملك لنفسه نفعاً و لا ضرّاً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً.

فمااعجب هذا البيان المتناقض لدي العميان المتضاد البنيان ولكني اقول لرفع ذلك الاشكال و كشف سرّ ذلك البيان و هتك ستر هذا المستور التي لايكشف حجابها ابداً و لايهتك سترها سرمداً و لايرفع نقابها ازلا انّ كل مادونه ليست الا ظهوراته و انواره و ظهورات انواره و انوار ظهوراته فلايقوم شي‏ء عند سطوع شعاعه. و اما فوقه فليس له فوق اذ لو كان له فوق اما يكون شيئاً حادثاً او قديماً و الحادث لايحدث الا باحداثه فلايعقل ان‏يكون فوقه و اما القديم فهو الاحد الحقيقي الذي لا اسم له و لا رسم و لايقوم في جهة حتي يكون جهة خلواً منه فلايكون القديم فوقه اذ يلزم من ذلك خلو القديم من نفس ذلك الواحد و لو كان خلواً منه لكان مركباً و تعالي اللّه عن ذلك. فاذا لايكون فوقه شي‏ء بنحو من الانحاء و بوجه من الوجوه و ليس شي‏ء يعتمد ذلك الواحد اليه و عليه اذ لو كان اما حادث و فساده ظاهر و اما

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 17 *»

قديم فالقديم الاحد لايسكن في جهة حتي يعتمد عليه فينقطع بمادونه الالفاظ و المعاني و المصاديق و المفاهيم و المرادات. فسبحانه من اله استغني بوجوده عن نعت الناعتين و وصف الواصفين سبحان ربك رب العزة عمايصفون.

و بعد تلك الالفاظ المترددة المختلفة المتحدة المؤتلفة يعلم ان ذلك الواحد جلّ جلاله ليس باحد حقيقي بل هو الاحد الحقيقي([8]) و مافوق ذلك ليس له تعبير فاذ لم‏يكن باحد فهو غير احد و غير الاحد البسيط خلق مركب و الخلق محتاج الي خالق و ذات اللّه سبحانه لايقترن بخلق الخلق لما مرّ في الفصل المعنون لذلك فلابد من ان‏يكون هذا الخلق مخلوقاً بنفسه و لهذا الكائن ثلث مقامات كما مرّ مقام الذات و مقام الفعل الكلي و مقام الشخص الجزئي بحسبه و بهذه المراتب الثلث صار موجوداً واحداً تامّاً لاينتظر شيئاً و كل ما ينبغي له جعل فيه ليس بخارج منه. و بهذا يعرف ان حقيقة هذا الكائن مختصة به كما يكون حقيقة زيد مخصوصة به فيعرف من ذلك ان اللّه سبحانه ليس بحقيقة هذا العالم اذ ليس له جهة ارتباط بشي‏ء فحقيقته هي اعلي مقاماته و هي آية اللّه سبحانه في مقامه بها عرف ربه و بها تجلي ربه به و بها امتنع عنه.

فتجلي هذا المقام الذي يعبر عنه بالوجود الحق و بالكينونة للمشية التي هي الفعل بنفس ذلك الفعل. ثم تجلي بذلك الفعل للرتبة الثالثة بنفس تلك الرتبة فحصل المفعول المطلق و شاء اللّه سبحانه شيئاً فاللّه سبحانه ‏اي آيته التي هي حقيقة الفعل مقام الاحدية الحقة و شاء مقام الفعل الكلي و شيئاً مقام نفسه المفعولي فشاء بنفس شاء و شاء المشية التي هي المصدر بنفس شاء بنفس المشية اذ حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فالمشية مخلوقة بنفسها عند شاء و مخلوقة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 18 *»

بشاء عند الاحد سبحانه او شاء مخلوق بنفسه عند الاحد سبحانه فشاء هو حركة العالي علي خلاف التوالي علي نفس المشية. و ليست المشية الا تأكيد الفعل اي هي نفس شاء قائم مقامه كما ان المصدر ليس الا تأكيد الفعل قائم مقامه فان معني قولك ضرب ضرباً هو ضرب ضرب فقام المصدر مقام ضرب في المرتبة الثانية فليس المصدر الا وجود الفعل و ظهوره و الفعل في الظهور ليس الا حركة و الحركة هي المصدر و هي المفعول المطلق.

و اما الفعل مع قطع النظر عن نفسه ليس الا ليس فهو عند العالي مضمحل لا وجود له الا بنفسه و نفسه هي المصدر و جهة العالي هو المقام العالي و هذا الفعل كما تري هو الفعل الكلي الذي هو تعين الاول و ظهور الحق الأعلي الذي ليس اعلي منه شي‏ء فالافعال كل واحد يحكي شأناً من شئونه.

فالفعل الماضي يحكي امضاء وجوده و عدم ترقبه شيئاً و عدم شرط لوجود و انتظار لان الاشياء اشياء بايجاده لها و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فليس مسبوقاً بشي‏ء عداه فهو هو في مقامه لايفقد نفسه و لايخلو مكانه ابداً.

و اما المضارع فاما حال او استقبال فالحال يحكي انه دائماً في حال الانوجاد و واقف ابداً في مقام اول الايجاد و لايمرّ عليه وقت و تمام وقته يكون في حال الانعقاد غض طري لايتبدل له آن فآن واقف في آن واحد فليس له آنان حتي يحتاج الي الامداد المختلفة بل امداده مدد واحد كما ان وجوده وجود واحد بلا اختلاف بوجه من الوجوه.

و الاستقبال فاما مصدّر بحرف ام مجرد، فالمجرد يحكي احتياجه من جميع الجهات الي امداد ربه فان معني الاستقبال هو الامكان المحض في الحال و الامكان بنفسه لايقتضي الا ما هو عليه و ما هو عليه عدم محض فان شمله عناية الفاعل و رجح لها@مما خ‌ل@ فيه شيئاً اخرجه من القوة الي الفعل و ان لم‏

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 19 *»

يشمل عنايته عليه لايصير مما فيه بالقوة بالفعل و يبقي في عرصة العدم. فكل ماكان موجوداً فموجود بعناية الفاعل في كل آن و حين بل هم في لبس من خلق جديد و لايمكن بقاء المعلول بدون امداد العلة.

و اما مايري من بقاء البناء مع رفع عناية البناء عنه فلانّ البناء ليس علة تامة للبناء و انما هو احد اسباب وجود البناء فاذا رفع عنايته عن البناء فانما يبقي بسائر الاسباب الارضية و السماوية. نعم اذا ارتفع عناية جميع الاسباب عنه يعدم في وقته و لايبقي طرفة عين. الاتري ان من اسباب وجوده عدم وصول الماء فان استغرقه الماء عدم لامحالة هذا.

و العلة عند التحقيق علتان: علة تسمّي في اصطلاح اهل الحكمة بالمكمل و شأنه ابراز ما قد كمن يستخرج من القوة و يدعه و خالقه هو يحفظه بعد فمن قبيل هذه العلة كثير في الملك احدها البنّاء للبناء و احدها التراب و احدها الماء و احدها الهواء و احدها النار و احدها القمر و احدها الشمس و هكذا كل ما في العالم يكون له نسبة اليه و علة في بقائه فامثال هذه العلل ان ارتفع واحد يخلف مقامه آخر و لا ضير.

و اما العلة التي لايتخلف المعلول عنه طرفة عين فهي العلة التامة و هي المؤثر و هو لايبرز ما قد كمن بل يوجد ما لم‏يكن فاذا اوجد وجد المعلول و ان لم‏يوجد لم‏يوجد المعلول فاحتياج المعلول الي العلة التي هي المؤثر لا نهاية له و يكون من جميع الجهات و اما احتياجه الي المكملات فلايكون من جميع الجهات بل يكون في بعض الجهات.

و احتياج المشية الي اللّه سبحانه ليس ببعض الجهات بل يكون في جميع الجهات ان اعطاها شيئاً تجده و ان لم‏يعطها شيئاً تفقده فهي دائم الاستمداد من ربه و هو دائم الامداد عليه و لايبقي طرفة عين بدون الامداد و الاستمداد و لا نهاية لذلك و لا غاية.

فلما كان الفعل الماضي يحكي امضاءه و عدم ترقبه و انتظاره و يوهم ذلك عدم احتياجه يقدم اخوه المضارع له و يرفع هذا التوهم و يشهد بانه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 20 *»

مع ما كان عليه ليس غنياً عن ربه بل هو يحتاج اليه احتياجاً دائماً من جميع الجهات بحيث لايكون في الملك احد احوج الي ربه منه في بقاء وجوده.

و اما الاستقبال المصدر فمنه المصدر بالسين كما في قولك سيفعل و منه ما يصدر بسوف كما تقول سوف يفعل و كلاهما لتقريب زمان الاستقبال الا انّ السين تدلّ علي زمان اقرب فسيفعل يحكي صلوح ظهور الفعل بالمطلقات و المنيرات و المؤثرات لانها ابسط و اوسع من المقيدات و الاثار فتكون اشبه بالفعل المطلق و اقرب اليه من المقيدات لان ظهوره بالمظاهر يكون علي احسن طرق الحكمة و الصواب و الترتب فيكون ظهوره بالمقيدات عقيب ظهوره بالمطلقات فان المطلقات هي المؤثرات القريبة للمقيدات فما لم‏يظهر اولاً بالمطلقات لم‏يكن ليظهر بالمقيدات فسيفعل يخبر و يبشر بايجاد المؤثرات و الفواعل و العلل في الكائنات و سوف يفعل يحكي صلوح ظهوره للمقيدات بالمطلقات لان المقيدات ظهور ظهوره و تظهر بدرجة بعد ظهور الاول كما ان سوف يفعل اطول زماناً من سيفعل بدرجة.

و اما فعل النفي فيحكي نفي ماسواه في عرصته و عدم وجود الموجودات في رتبته لا بمعني الامتناع بل بمعني عدم الوجود و صلوح الشهود لان النفي شي‏ء كما روي عن اهل العصمة سلام ‏اللّه عليهم فيكون ذكر الاشياء في نفس الفعل مذكوراً صلوحاً و لو لم‏يكن فيه ذكر الاشياء لامتنع ظهوره بها و ايجاده اياها لان المؤثر لو لم‏يكن علي صفة لايقدر علي ابراز تلك الصفة من غيرها كما ان النار ان لم‏يكن حارة في نفسها لاتقدر علي اسخان حديد فاذا كانت في صفة الحرارة كاملة فاضلة يمكنها ان‏يحدث في الحديد بفضل ما له من الحرارة الفاضلة الحرارة الكامنة النائمة في الحديد و هذا السر جار في كل مكمل بالنسبة الي متكمله فلابد لكل فاعل فعل في شي‏ء ان‏يكون ذكر ذلك الفعل فيه و لولا ذلك لامتنع صدور شي‏ء عن شي‏ء و هذا هو السر الساري فيما بين العلل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 21 *»

و المعلولات و المبادي و المنتهيات و المشتق منه و المشتقات هذا معني قول الاساتيد نور اللّه براهينهم ان حروف الاصول مشتركة بين المشتق منه و المشتق فلو لم‏يكن الضاد و الراء و الباء في ضرب لايشتق منه الضارب و هذا معني ما قيل ان كل شي‏ء يرجع الي اصله و روي في سبب عروج النبي9 الي ما عرج ان روحه من ذلك العالم و لو لم‏يكن منه لم‏يرجع و لم‏يعرج اليه و هذا هو سرّ المعاد في يوم التناد.

بالجملة فلما كان ذكر صلوح ظهور الاشياء في الفعل الكلي و هي معدومة فيه وجوداً يخبر فعل النفي عن ذلك علي صدق و يحكي هذا الحيث من الفعل الكلي و لما كان في الفعل الكلي امكان صور لاتحصي سواء كانت الصور علي طرز الصواب و الحكمة ام علي خلاف ذلك و يقدر اللّه سبحانه باظهار ما هو علي نهج الحكمة و اخفاء ما لايكون علي نهج الحكمة جعل لكل واحد من ذلك حاكياً مخبراً فجعل لم‏يفعل حاكياً عما لايكون ظهوره من الحكمة كاشقاء السعداء و اسعاد الاشقياء فاخبر بانه سبحانه لم‏يفعل ذلك و لما كان لم‏يفعل للنفي في الماضي و الماضي هو ثبوت القضاء في لوح الامضاء و يوهم ذلك بان بعد الامضاء لايغيّر اللّه سبحانه عما اجبله عليه و ذلك يوهم العجز اراد سبحانه رفع ذلك التوهم بلما و جعله حاكياً عن ذلك بانه سبحانه و ان لم‏يفعل خلاف الحكمة ولكنه قادر علي مايريد يفعل مايشاء و يحكم مايريد الا انه لمايفعل خلاف الحكمة فاذا اراد ذلك لفعل بعد ذلك مايريد لا رادّ لحكمه و لا مانع لقضائه. و اما لن‏يفعل فهو في حكم لايفعل و كلاهما للنفي في الاستقبال و قد مرّ بانه يحكي نفي ماسوي الفعل الكلي فيه الا ان لن لنفي الابد علي قول فلو جعل في المستقبل بمعني لم في الماضي لكان صواباً فهو يحكي عدم صدور خلاف الحكمة عن فعل الحكيم و هما مشتركان في اللام و مختلفان في الميم و النون و الميم و النون اخوان ليس بينهما تبايناً كلياً و يقرب مخرجاهما و يقوم كل منهما مقام الاخر في كثير

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 22 *»

من المواضع و عددهما يقرب بكل منهما الا ان النون كثرة مبناها تدلّ علي كثرة معناها فكأنّها يؤكد النفي و هذا التأكيد يصير سبباً لزيادة رجاء السعداء و يأس الاشقياء لانها يؤكد ما وعده اللّه سبحانه السعداء و مااوعد به الاشقياء.

 

و فعل الامر يحكي جهته الاعلي و هو اذن العالي في رتبة الداني لايجاد مايريد فالمأمور هو فاعل لما يريد العالي لا العالي نفسه لانه تعالي عن الاقتران بشي‏ء فمايكون منه هو الاذن و اما الفاعل فهو المأمور لا غير و الاذن ايضاً فعل من الآذن و الآذن هو الظاهر بالاذن و الظاهر بالاذن غير المبرء عن الظهور فهو ايضاً من اعلي مراتب المأمور و المأمور هو الفاعل لا غير كما تقول انت لعبدك اضرب فاضرب فعلك و اذنك له باحداث الضرب و الضارب هو العبد لا غير باذنك و اذنك وحيك و الهامك الظاهر في عرصة العبد و الا لماسمعه و لايدركه. فاذا قال سبحانه لشي‏ء كن فيكون ففاعل كن هو الضمير و هو انت و فاعل يكون ايضاً انت فانت من جهة هو الفاعل لِكُنْ و من جهة فاعل يكون و القائل و الآمر هو الظاهر في كاف و نون و الظاهر في كاف و نون هو المحصور في سورهما لا غير فاللّه سبحانه قال لانت بانت كن انت فيكون انت و انت هو المتقلب في الصور كيف شاء و اراد و تعالي اللّه سبحانه عن مباشرة مذروآته و معانقة مخلوقاته بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها تجلّي لها فأشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويّتها مثاله و اظهر عنها افعاله و مثاله غيره و هو التجلي و التجلي فعله و فعله فعله لا ذاته سبحانه و فعله هو امره و امره هو الامر الشائي المريد. قال سبحانه انما امره اذا اراد شيئاً و «انما» كلمة الحصر فحصر سبحانه بان امره هو المريد ففعل الامر يحكي المريدية للفعل الكلي فالمريد الآمر ان اخذ معناه فهو دون الفعل الكلي بسنتين و السنتان مادته و هي الراء و الياء و الدال و صورته و هي هيأة وضع تلك الحروف علي الترتيب و ان([9]) المراد منه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 23 *»

فهو اعلي من الفعل الكلي بلانهاية لان المراد منه هو نفس المشية التي خلقت بها و بها عرفت ربها قال7 من عرف نفسه فقد عرف ربه و الرب بري‏ء عن حدود المربوب بلا نهاية لانه لم‏يتقيد في الراء و الباء و غيرها من الحروف لانها كلها خلقه و فعله و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه. فالمربوب اصغر من الرب بسنتين و الرب اكبر منه بلا نهاية لانه قد احاط بجميع جهات المربوب و افناها و ابلاها بحيث لايبقي لها اثر ابداً و لايذكر لها ذكر بعد سرمداً لا عيناً و لا كوناً و لا امكاناً و لا نفياً و لا اثباتاً بوجه من الوجوه و اعتبار من الاعتبارات. فاذا ليس شي‏ء غيره و هو هو لا غير غيره فهو بهذا المعني في الواقع ليس باكبر من المربوب مع ان المربوب اصغر منه فالمربوب محدود بحدوده و الرب غير محدود فغيوره تحديد لما سواه لا لنفسه سبحانه انت لاتحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الامال دونك.

و متعلق الامر اما حاضر او غائب فجعل لكل واحد صيغة برأسها فالامر الحاضر يتعلق بالمؤثرات و المطلقات و الامر الغائب يتعلق بما غيب في امكان المطلقات و هي المقيدات و كلا الامرين مذكوران في نفس الفعل بذكر الصلوح و الاستجنان فكلاهما يحكيان ماذكر فيه فيخبران بظهوره بعد و احداثه المؤثرات اولاً ثم الاثار بأيدي المؤثرات علي نظم الحكمة و ترتيب الصواب.

و اما فعل النهي فهو يحكي عدم توجه الفعل الكلي الي غير اللّه سبحانه لانه سبحانه قد نهاه عن ذلك و نهيه سبحانه ليس كالنهي بين المتصاقعين بل نهيه نهي كوني يتعلق بذات الشي‏ء لا الي صفته لان عرصة المشية عرصة الذات و الصفات دونها توجد بها لانها هي اول الخلق و مبدأ المبادي و المفروض انه لايكون فوقها شي‏ء اذ لو كان فوقها شي‏ء نقلنا الكلام اليه لان كلامنا في الكائن الاول و معني الصفة في نفسه هو التابعية لغيره و ليس شي‏ء قبل الكائن الاول حتي يكون هو تابعه. و لايقال ان اللّه سبحانه قبل الكائن الاول

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 24 *»

لانه سبحانه تعالي قدره عن القبلية و الكائنية و سائر الصفات الخلقية لانه سبحانه احد محيط لا ذكر لشي‏ء من الاشياء معه سواء كان الكائن الاول او ادني الخلق هذا و لو كان سبحانه متبوعاً موصوفاً لکان محلاً للحوادث لشهادة الصفة و الموصوف بالاقتران و شهادة الاقتران بالحدث الممتنع عن الازل. فالكائن الاول هو الذات الحقيقية التي هي صاحبة الصفات فاذا صار ذاتاً و لم‏يكن صفة فالامر و النهي يتعلق بنفسه اما الامر فقد مرّ معناه و اما النهي فهو ايضاً كالامر يتعلق بذاته و ينهاه عن كونه علي خلاف ما هو عليه و هذا ايضاً لايكون شيئا ثالثاً بين الحق و الخلق برزخاً بينهما لعدم المباينة بينهما و عدم المسافة. قال7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فالنهي هو مقام من مقامات الفعل الكلي و شي‏ء وجودي ليس بعرض كما يفهم منه في بادي النظر. فالامر و النهي كلاهما امران وجوديان متذوّتان و الامر اثبات الوجود علي ما هو عليه بنفس الوجود و النهي امتناع كونه علي غير ما هو عليه و اشار7 بهذه الدقيقة فقال فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة اذ لا واسطة بين اللّه سبحانه و بين ذلك الفعل و لا ثالث و لذا قال7 بمشيتك اي بنفس مشيتك و امرك دون قولك اذ لا قول في ذلك المقام سوي نفس المشية و قال بارادتك اي بنفس ارادتك دون نهيك اذ لا نهي لك سوي نفس المنهي عنه. و اما في قوله7 مؤتمرة و منزجرة اشارة صريحة الي الامر و النهي لان الايتمار لايمكن بدون الامر و الانزجار لايحصل بدون النهي فنفي7 الامر و النهي الذين بين الفعل و بينه بقوله دون قولك و دون نهيك و اثبت الامر و النهي الذين هما نفس الفعل بقوله مؤتمرة و منزجرة هذا اذا فسر النهي في نفس الفعل من حيث هو هو.

و اما اذا فسر في ما هو مذكور فيه من الامكانات الدانية فهو يتعلق بالامكانات التي هي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 25 *»

كامنة فيه و ليس ظهورها بعد موافقاً للحكمة كاشقاء السعداء و اسعاد الاشقياء فنهي سبحانه عما هو مخالف لحكمته المتقنة فلاتجسر علي الخروج الي عرصة الفعلية فتبقي في مكمن الخفاء ابداً منزجرة عما نهي عنه ابداً و ذلك تقدير العزيز العليم.

و له ايضاً معني آخر و هو انه لما كان في ظهوراته اي ظهورات ذلك الفعل مبدأ خير و مبدأ شرّ و كل واحد منهما يدعو اهل كل عالم الي انفسهما و كان اتباع مبدأ الخير من الحكمة الشرعية و اتباع اهل الشر مخالفاً للحكمة فامر سبحانه باتباع هذا و نهي عن اتباع ذلك و كل ذلك مذكورة بذكر صلوح الظهور في نفس ذلك الفعل فيحكي الامر اتباع اهل الخير و النهي مخالفتهم و اتباع اهل الشر.

و اما الاستفهام فيحكي اختياره و عدم اجباره سبحانه عليه اذ قال له كن فيكون و فاعل يكون هو نفس الفعل بداهة فليس بمجبور لانه هو يكون و لو لم‏يكن لم‏يكن فاذا تكون و انوجد ارتفع الجبر فان معني الجبر هو الايجاد بلا انوجاد كما ان معني التفويض هو الانوجاد بلا ايجاد و كلاهما غير معقولين فاذا اوجد الموجد و انوجد المنوجد فقد ثبت الامر و هو الاختيار الذي بين الجبر و التفويض كما اذ@اذا خ‌ل@ تكسر الكأس و ينكسر هو يحصل الكسر الذي بين الفعلين فاذا ارتفع الفعلان او احدهما لم‏يحصل الكسر. هذا اذا كان الفاعل غير القابل فكيف اذا كان القابل بنفسه يداً للعالي في ايجاد نفسه فيصير اعلاه الفاعل و اسفله القابل كما كان في ايجاد المشية بل كل ايجاد لم‏يكن مادته سابقة من نفسه و يكون لا من شي‏ء فهو بنفسه يد و آلة للعالي في ايجاد نفسه فكيف يمكن فرض الجبر و التفويض فهل يعقل ان يجبر شي‏ء نفسه او يفوض شيئاً الي نفسه لان نفسه هو و هو نفسه و ليس ثالث حتي يقال يجبر او يفوض اليه و كثيراًما نري اقوال العلماء في كتبهم لم‏يفرقوا بين الجبر و التفويض و الاختيار و مع‏ذلك يريدون ان‏يرفعوا الجبر و التفويض و يثبتوا الاختيار كلا بل لايستطيعون مع عدم التفريق فتراهم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 26 *»

يقولون ان تصعيد الحجر جبر واقع عليه و ان هبوطه مثلاً تفويض او طيران الطائر مثلاً تفويض و كلاهما واقعان و لايمكن رد الواقع و اثبات خلافه و نري بعضهم بل جلهم عرّف الاختيار بالتفويض و يزعم ان معني الاختيار هو ان شاء فعل و ان شاء ترك بدون فعل العالي فيه و هذا هو معني التفويض الصرف. فاذا رام اثبات ذلك لم‏يستطع البتة لانه غير واقع لانه ليس لاحد من الخلق ان شاء فعل كل مايريد و ان شاء ترك كل ما لم‏يحبه. الاتري الناس كلهم يؤملون ان يصيروا اغنياء مسلطين علي اعدائهم و كلّهم يكرهون الافتقار و الاحتياج و الانقهار فلو كانوا مختارين بهذا المعني فلم لم‏يحصل لهم جزء من الف الف جزء مما يريدون فمن لم‏يفرق بين معاني هذه الثلثة لم‏يقدر علي فهم معناها بداهة.

فمما رزقنا اللّه سبحانه ببركة اوليائه الكرام بقدر سعتنا هو ان معني الجبر هو الايجاد بلا انوجاد و معني التفويض هو الانوجاد بلا ايجاد و كلاهما لايعقلان الحمد للّه و معني الاختيار هو الانوجاد بالايجاد. فاذا اوجد الموجد علي حسب مايريد و انوجد المنوجد علي حسب قابليته يحصل الاختيار فعرف من ذلك ان الاختيار يختلف في الاشخاص بعدد الاشخاص بل بعدد ذرات الموجودات لان لكل شي‏ء في ملك اللّه سبحانه رأس([10]) من رؤوس الفعل يتعلق به مخصوص([11]) به دون غيره و لكلٍ قابلية مخصوصة به دون غيره فبين كل رأس من الرؤوس و بين كل قابلية يحدث اثر خاص و اختيار خاص لايمكنه التجاوز عما هو عليه فكل موجود مخصوص بفعل مخصوص به و بقابلية مخصوصة به فاذا تم المركب بين الفاعل و القابل يصدر منه فعل بحسب الفاعل و القابل لامحالة فاذا كان الفاعل في نهاية القوة و القدرة و القابل ايضاً في نهاية القبول و المطاوعة يحصل بينهما مركب في نهاية القوة و القدرة كالفاعل لان القابل في نهاية المطاوعة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 27 *»

و لايحجب فعل الفاعل و لايمنعه عن الظهور منه كما هو فمثل ذلك المركب يكون في نهاية الاختيار و الفعالية كما هو موجود في وجود الخاتم صلي الله عليه و آله الطيبين صلوات‏ اللّه عليهم اجمعين و ان كان الفاعل ضعيفاً و القابل ايضاً لايطاوع كمال المطاوعة يكون هذا المركب في نهاية الضعف و يكون الاثر الصادر من مثل هذا المركب في نهاية الضعف و اختيار مثل هذا المركب ضعيف جداً بحيث لايدرك كاختيار الجمادات فيصير قلة الاختيار فيها سبباً لانكار الاختيار كما زعموا و قالوا انها مضطرة علي ماجبلت عليه و بحسب اختلاف قوة الفاعل و قدرته و قبول القابل و مطاوعته تختلف المركبات و الاثار الصادرة عنها بداهة و اما مايري من المضطرات في بادي النظر فبعد تحقيق النظر يظهر انها ليست بمضطرة لانك ماتري في خلق الرحمن من تفاوت كيف يصير الصادر من الفاعل المختار مضطراً و الاثر يطابق صفة المؤثر و بيان ذلك ان الاشياء بأسرها ممكن و من الامكان و لا شك في ذلك و الحمد للّه و لاتجد منكراً لذلك الا من يقول قولاً و لايقصد من قوله شيئاً و لايعرف هراً من برّ فاذا كانت كلها من الامكان و معني الامكان هو عدم الاختصاص بشي‏ء دون شي‏ء و صلوح الظهور لكل شي‏ء بلا نهاية ففي كل شي‏ء صلوح الظهور بكل شي‏ء و لايظهر تلك الصلوحات بنفسها لانها اعدام و العدم لايعقل ان‏يصير موجوداً بنفسه لان كل شي‏ء يقتضي ما هو عليه في وجوده و لايقتضي ما ليس فيه فالعدم بنفسه لايوجد و لايظهر الا ان‏يفعل فيه فاعل علي حسب ارادته و صورته فالفاعل بفضل مايكون عليه علي حسب ارادته يقوي مايكون كامناً صالحاً للظهور راقداً تحت حجاب امكانه فاذا قوي الفاعل احدي القوي الكامنة تستيقظ و تتقوي و تخرج من الامكان الي العيان و من القوة الي الفعل كما ان الطين مثلاً شي‏ء صالح و الامكان([12]) قابل للتصور بصورة التربيع و التثليث و التدوير و غير ذلك مما لا نهاية لها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 28 *»

فان وضعت قالباً مربعاً و وضعت الطين فيه و سطحته يصير مربعاً علي حسب ارادتك و لولا ارادتك و فعلك ليبقي الطين علي ما هو عليه صالحاً فان وضعت القالب المثلث يظهر فيه التثليث و هكذا فان وضعت الطين في القالب المربع و صنعت لبنة لاتجبره لانه بنفسه صالح للتصور بكل صورة مما لا نهاية لها غاية الامر انك تختار واحدة منها و بقبولك الواحدة لايلزم الجبر لانك لاتجعله علي غير ما هو عليه ليكون جبراً و كذلك لو لم‏تفعل فيه صنيعاً هو بنفسه لايقدر ان‏يصير لبنة مربعة لانه لايقتضي الا ما هو عليه و ما هو عليه هو صلوح التصور بكل صورة لا غير فلنشرح الان كيفية صعود الحجر الذي يسمونه بالاضطرار أهو مضطر ام لا.

فنقول لا شك ان المضطر مأخوذ في معناه انه جابر يجبره و الا لايعقل ان‏يقال هو مجبور مضطر فلابدّ من اثبات جابر يجبره فهذا الجابر أهو الرامي و هو بعد الرمي ساكن و لعله قد مات في ساعته و الحجر في صعوده بعده بساعات فكيف يكون الجابر ساكناً و مفعوله متحرّكاً و لايعقل تخلق المعلول عن العلة في طرفة فان تخلف في طرفة ففي تلك الساعة لم‏يكن المعلول معلولاً لتلك العلة فاذ لم‏يكن معلولا له لم‏يكن مجبوراً مضطراً في تلك الساعة هذا و لايعقل ان‏يكون الاثر المتحرك اثراً لمحرك ساكن لان الاثر اثر ان كان علي صفة المؤثر و الا لم‏يسمّ الاثر اثراً و المؤثر مؤثراً ان عدم بينهما التطابق و التابعية و المتبوعية كما هو مشاهد في جميع الموجودات و آثارها كما ان النار الحارة اليابسة الصاعدة ان عملت في شي‏ء يحدث الحرارة و اليبوسة و الصعود و الماء البارد الرطب النازل ان عمل في شي‏ء يحدث البرودة و الرطوبة و النزول و هكذا كل مؤثر و اثره كل يعمل علي شاكلته و لايعقل ان يؤثر المؤثر في شي‏ء ما لم‏يكن له ثابتاً حاصلاً و لايعطي الفاً من لم‏يكن له الف و اكثر و فاقد الشي‏ء كيف يعطيه و عادمه كيف يوجده. فالنار كيف تحدث البرودة و الرطوبة و الماء كيف يحدث الحرارة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 29 *»

و اليبوسة فالساكن كيف يحدث الحركة و النازل كيف يحدث الصعود و هكذا فهب ان الرامي يجبر الحجر حين الرمي فبعد الرمي مع سكون الرامي بل و موته اين الجابر فثبت و الحمد للّه ان الرامي بعد رفع اليد لايكون جابراً للحجر فاذ لم‏يكن جابره لم‏يكن حركته من اثر الرامي الساكن بالبداهة. فالرامي بعد الرمي لايضطره الي الحركة يقيناً و تري انه متحرك بالمشاهدة مع عدم فعل من الرامي و اجبار فيه فلم‏يكن مضطراً للرامي فاذ لم‏يكن مضطراً للرامي فأين الجابر فهل الجابر الهواء الساكن و لايعقل ان يكون الساكن موجباً للحركة كما مرّ و لعل الهواء متحرك بالعكس فيجري الرياح الي المشرق و هو يتحرك الي المغرب فلايكون الهواء ايضاً جابرة@جابره خ‌ل@ فاين الجابر فظهر و الحمد للّه ان القول باضطرار شي‏ء في ملك اللّه سبحانه المختار غير معقول لايتفوه به ذورأي و حكمة و هذا البيان و ان كان في الحجر و حركته ولكنه جار في جميع الملك و الحمد للّه لان الحكمة لاتخصص بشي‏ء ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏ تري من فطور فاذ لم‏يكن حركة الحجر بالقسر كما يظهر فكيف المخلص من ذلك اذ نري عياناً انه بنفسه ساكن لايتحرك ابداً الا ان يحركه محرك فنقول كما مرّ ان الحجر شي‏ء من الاشياء و كون من الاكوان و فيه ايضاً من امكانات كما في سائر الاشياء فمن تلك الامكانات هو التحرك و هو فيه راقد لم‏يقدر علي الاستيقاظ و الخروج الا بيقظان منبه مكمل و الرامي هو المكمل اليقظان فبفضل ما له من الحركة يقوي و يكمل الحركة الراقدة تحت حجاب امكانه فاذا استيقظ يتحرك بقدر الاستيقاظ لا ازيد و لا اقل لان معني القوة هو الصلوح المحض لا غير و اما مقدار الحركة و زيادتها و نقصانها انما يكون بالمكمل الخارجي فانه ان كان قوياً في نهاية القوة يحرك الحجر الصالح و يكمل حركته في نهاية الدوام و السرعة و ان كان اقل قوة منه يكون تحريكه و تكميله اقل الي ان يبلغ حد الزلزلة مثلاً و بمحض التصرف و الفعل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 30 *»

في شي‏ء لايستلزم([13]) الجبر فان الرامي ان كان جابراً محضاً فلم لم‏يجبر الارض او الجبال و ان سمي احد الفاعل جابراً و القابل مجبوراً ثم يقول بالجبر و اراد من الجابر هو الفاعل و اراد من معناه معناه فذلك و ان كان صحيحاً معناه ولكن ليس له سلطان من اللّه سبحانه و اوليائه: و هم لم‏يرضوا بذلك لان في هذا الاصطلاح خراب الدنيا و الاخرة فيجب الاعراض عنه فهو لايكون جابراً يقيناً و الاثر لابد له ان يكون بين شيئين فاعل و قابل ان وجدا وجد و ان فقدا او فقد احدهما فقد فاين الجبر و اين التفويض ايضاً لان الحجر مادام ملك اللّه في مكانه ساكن لايتحرك الا ان‏يحركه محرك فاين التفويض و يكون الامر بين الامرين اي الفاعل و القابل لا بمعني مايقول بعض المنتحلين للحكمة ان‏يكون الامر بين الجبر و التفويض ليس جبراً محضاً و لا تفويضاً محضاً و هذا القول عند التحقيق الحقيق انكر و افحش من القول بالجبر وحده او بالتفويض وحده فهو يجمع بين الفاسدين و يختار كفرين هرباً من الكفر و الفساد الواحد من حيث لايعلم فالحمد للّه علي ما منّ علينا ببركة اوليائه الهداة المهديين جزاهم اللّه خير الجزاء كما هو اهله و ما كنا لنهتدي لولا ان هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربنا بالحق ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و توفّنا مع الابرار بحرمة اوليائك الاخيار صلواتك عليهم مااختلف الليل و النهار.

فلنرجع الي ما كنا فيه بان فعل الاستفهام يحكي اختيار الفعل الكلي و المشية المطلقة و اداة الاستفهام هل و الهمزة و ام فهل للتصديق المحض و الهمزة للتصور و ام في‏الحقيقة بمعني الهمزة الا انها تقع في الوسط و لما كان للموجودات خلقان خلق كوني و خلق شرعي و خلق ذاتي و خلق وصفي و هذان الخلقان نسبيان فربما خلق وصفي لشي‏ء ذاتي لشي‏ء آخر كما ان وجود زيد وصفي بالنسبة الي هذا العالم كوني بالنسبة الي الشرع الظاهر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 31 *»

ذاتي و لذا اصطلح الاساتيد نور اللّه براهينهم الواضحة بان للشي‏ء كونين و شرعين كون في الكون و المراد منه المادة و شرع فيه ايضاً و المراد منه الصورة و كون له في الشرع و هو امر الشارع7 و شرع فيه و المراد منه امتثال ذلك فامر الشارع7 يكون كالمادة لا تعيّن له و انما عيّنه الممتثل بحسن اتيانه و غيره و لما كان في التعبير عن هذا الوجود بالشرع الشرعي شائبة ركاكة عدلوا عنه و قالوا الشرع الوجودي فبقول مطلق مقام المادة مقام الكون و مقام الصورة مقام الشرع.

فلما كان لكل شي‏ء كون و شرع و كونه مقام الايجاد لا من شي‏ء و شرعه مقام الاظهار و الايجاد من شي‏ء ففي الايجاد لا من شي‏ء لايعقل الاتيان بالهمزة اذ لا شي‏ء هناك حتي يسأل و يستفهم منه فلابدّ و ان يكون للحكاية بنحو اختيار الكون بهل لانه لطلب التصديق و يسأل المكون و يستخبر حين ايجاده لا قبل اذ لا قبل فاذا كان السؤال حين الايجاد فلايعقل التصور حينئذ فيجب التصديق لانه لايتخلف عن امر الآمر و لايعقل الخلاف فهل يحكي اختيار كون الاشياء التي مذكورة في نفس المشية بذكر الصلوح و الهمزة تحكي اختيار صفات الاشياء بعد ماكانوا علي ماكانوا و هي للتصور فالآمر يقول مثلا الست بربكم فيجري امره علي نحو الاستخبار اشارة الي ان امره علي سبيل الاختيار لا علي سبيل الحتم لان الفاعل كان غنياً عن مطاوعة القابل و القابل ان قبل و امتثل يصير حسناً و ان تخلف و امتنع يصير قبيحاً و لاينفعه امتثاله و مطاوعته و لايضره تخلفه و امتناعه آمناً من هذا غنياً عن ذاك كما تري ان الشمس مثلاً اذا اشرق علي السفليات و انبسط نورها عليها علي حد سواء فان حكي عنها المرآة لاينفعها حكايتها و لايستزيد نوراً من المرآة و ان لم‏يحك المكدرات عنها لاتضرها شيئاً و لاينقص من نورها ذرة و اذا كان آية من آيات اللّه سبحانه مع كونها حادثة لايضرها مادونها و لاينفعها فماظنك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 32 *»

باللّه سبحانه فالامر الحتمي لايصدر الا عن محتاج دعته الحاجة الي الحتم و الغني لايأمر الا علي سبيل الاختيار و بعد ذلك ان احسنتم احسنتم لانفسكم و ان اسأتم فلها.

و يمكن ان‏يكون التصديق و التصور كلاهما في التشريع فهل يختص بالمؤمنين لانهم اصحاب التصديق اختياراً و الهمزة للمنافقين و الكفار اتماماً للحجة و اظهاراً للمحجة لئلا يقولوا انا كنا عن هذا غافلين.

و هذه الافعال في الحقيقة جهات الفعل الكلي و حيوثه و تلك الجهات في نفسه تتوحد و تتفصل في المظاهر الدانية و اما في نفسه فلاتعدد. فالماضي فيها عين المضارع و هما عين النفي و هي عين الامر و هي عين النهي و هي عين الاستفهام و كل واحد عين الاخر كماتري في الظاهر ان الماضي فعل و المضارع فعل و النفي فعل و الجحد فعل و الامر فعل و النهي فعل و الاستفهام فعل و ليس لواحد منها شي‏ء غير الفعل و الفعل صادق علي كل واحد بتمامه و لاينضم الي الفعل شي‏ء آخر فيصير ماضياً و لا الي المضارع شي‏ء سوي الفعل فيصير مضارعاً و هكذا في سائر الافعال فكل ما لها و بها و منها و اليها كل من الفعل و الي الفعل نعم الماضي غير المضارع و المضارع غير النفي في المظاهر فهي بكل حيث واحد في نفس الفعل و كل واحد غير الاخر فيما دون الفعل فغيوره تحديد لماسواه اذ لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه.

و لايقال اذا كان في الفعل شي‏ء واحد فلم‏ اثبتم الجميع لانا نقول ان في المظاهر الدانية كل واحد غير الاخر يقيناً و كل واحد مع غيريته للاخر و نسبته كلها ظهورات ذلك الفعل و تجلياته و لكل منها ذكر فيه علي نحو الصلوح فلكل منها فيه حظ و لو علي نحو الصلوح([14]) فاذاً اثبتنا فيه مارأينا من آياته و ظهوراته علي نحو التلطيف و الاذابة بحيث ترتفع فيه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 33 *»

الكثرات و مع ذلك اثبتنا فيه ذلك و ليس محض اعتبار و فرض من غير حقيقة بل لكل واحد واحد فيه ذكر و هو لايفقد جزئياً من جزئياتها محيط بكلها الا انه لما كان حقيقة لتلك المظاهر و مذاباً لتلك الجمودات لايجري فيه كثراتها لان كثراتها هناك ليست الا كنفس تلك الافعال قائم به كما ان نفس تلك الافعال قائمة به فحينئذ لم‏يبق تعدد اذ الحد يقوم مع المحدود و النسبة بينهما تقوم معهما بحيث لايقرب بشي‏ء دون الاخر و ليس شي‏ء منها اقرب اليه من شي‏ء آخر فلايبقي عادّ و لا معدود و لا حاسّ و لا محسوس و لا حادّ و لا محدود و لا نسبة بينهما فاذا ليس شي‏ء الا هو ففي الحقيقة هو هو و لا كثرة و ليس شي‏ء غيره و هو شي‏ء واحد و كل ماينبغي له و به و عليه من العلل الاربع كلها فيه اذ خلقه‏ اللّه  سبحانه بنفسه لا من شي‏ء اذ لا شي‏ء سواه و لم‏يخلقه من حصة ذاته سبحانه بل خلقه به له عليه بقوله سبحانه كن و هو الاذن منه له و ليس هناك هواء ثالث يصاغ منه كلمة كن الا نفس الفعل ففاعل كن هو الضمير المستتر فيه و هو انت فاذا قال له به كن انت كوناً فانت يكون كوناً و يصير كوناً فانت هو فاعل كن و فاعل يكون و فاعل كوناً لانه هو قول اللّه سبحانه الملبس بكن و هو الساري في كن و يكون و كوناً و هو المطلق عن القيود الاطلاقية و الكلية و الجزئية و مقام كن مقام الاطلاق و مقام يكون مقام الكلية و مقام كوناً مقام الجزئية و المفعولية و هو آخر مقامات الفعل و ادناه و بهذه المراتب الثلث تم مراتب الفعل التي في المظاهر يظهر باثناعشر شأناً كما مرّ بالتفصيل و ان لوحظ مقام الاطلاق و مقام جمعية الكثرات يصير اربع‏عشر في مقامات الظهور و اما في نفس الفعل كلها واحد اولنا محمّد آخرنا محمّد و اوسطنا محمّد و كلنا محمّد9 فاذا تم مراتبه الثلث تم وجوده في نفسه من ذاته و حقه و فعله و حقيقته و نفسه و مفعوليته فالفعل ظهور الحق و المفعول ظهور الفعل لانه فرع منه متأخر عنه و لذا يقع تأكيداً له تقول ضربت ضرباً فضربت فعلك المقدم و ضرباً مفعولك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 34 *»

بل مفعول فعلك لانك اولاً تظهر بضَرَبَ ثم تظهر بضَرَبَ لضرباً فمعني ضربت ضرباً في تأويل اوجدت ضرباً فلولا ايجادك للضرب لايوجد ضرباً قطعاً و لايقال لو لم‏يكن الضرب ايضاً لايوجد ضرب لانا نقول لما كان زمان ضرب و زمان ضرباً مساوقاً يصدق ان‏يقال لو لم‏يكن الضرب لم‏يكن ضرب ايضاً و لاننكر ذلك ولكن القول في انه ايهما اصل و ايهما فرع و لا شك ان ايجادك للضرب مقدم علي الضرب رتبة و ان كان زمانهما واحداً في عالم الاعراض ولكنه فرع لايجادك كيف لا و بايجادك اياه يصير ضرباً فكيف يكون اصلاً بل هو فرع مشتق من فعلك الذي هو ضربت.

بالجملة اذا تم وجود الفعل المطلق من ذاته و فعله و مفعوله المطلق تجلي بالامر المفعولي بنفس الامر لا بشي‏ء آخر اذ لا شي‏ء و لا ثالث و الامر الفعلي بالنسبة الي الامر المفعولي كالذات بالنسبة الي الفعل و المؤثر بالنسبة الي الاثر فكما ان المؤثر يوجد الاثر بنفس الاثر لا بذاته و لا بشي‏ء آخر كذلك هذا الامر المفعولي موجود بنفسه عند الفعل الاعلي و الامر الفعلي و لا بأس بايراد فصل علي‏حدة لشرح ذلك.

فصل

ان للّه سبحانه فعلين و امرين: امر فعلي اطلاقي كما قال سبحانه انما امره اذا اراد شيئاً ان‏يقول له كن فيكون و امر مفعولي تقييدي كما قال كان امر اللّه مفعولاً. فالاول يسمي من حيث صلوح الظهور بالامكان الراجح و من حيث نفسه بالوجود المطلق و الثاني يسمي بالامكان الجائز و الوجود المقيد. فالامر الاول لما كان في غاية البساطة الامكانية لايصلح لان‏يصدر منه المقيدات و الافراد لكمال البساطة الحاوية للقيد و المقيد الا بعد نزوله في درجة ادني بظهوره فيها لا بنفسه اذ لو نزل بنفسه لاحترقت سبحات وجهه كما لم‏يصلح العناصر لان‏يصير باباً حتي نزل من مقامها الي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 35 *»

مقام الخشب فاذا ظهرت بالخشب يمكن ان تظهر بالباب لان العناصر لعلو مكانها لا اختصاص لها بالباب بل هي وجود بسيط بالنسبة يعم الخشب و الحديد و الذهب و الفضة و سائر المعادن و سائر مقيدات المعادن و اذا ظهرت لانعدم الخشب و الحديد و غيرهما و احترقت. فاذا اراد الحكيم ان‏يصنع باباً لابدّ له ان‏ينزلها الي مقام الخشب ثم يصنع منه الباب فالامكان القريب للباب هو الخشب لا العناصر و ان كان العناصر ايضاً امكاناً ولكن امكان بعيد و الشي‏ء يوجد من الامكان القريب الذي له مادة و صورة و صورته غير مادته و مادته غير صورته و لذلك يكون اشبه بالكثرات التي لها جهات عديدة و اما في العناصر ينحل مادة الخشب و صورته و ليس لها مادة مقيدة بصورة مثل الخشب فهي تعالت عن الكثرات التي لها جهات عديدة و لايشبهها و لايناسبها لعلو مكانها و الطفرة باطلة في الوجود و انما خلق الحكيم علي نهج ترتيب الحكمة و ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.

فالامر المطلق عن القيود لايجوز و لاينبغي ان‏يصنع منه المقيد فلما رآه اللّه سبحانه کذلك انزله في العالم المقيد و قيّده بقيد الصورة و تلك الصورة ليست كسائر الصور بل هي صورة معنوية كلية لطيفة جائزة لان يظهر منها الاسماء و الصفات الدانية و هذا الامكان قائم مقام الامكان الاعلي فهو ايضاً فعل الا انه فعل منسوب الي المفعول جائز لان يظهر منه المفعول و الفعل الاول فعل اذ لا مفعول و لا ذكر للمفاعيل فيه لان المفاعيل تنحل في الفعل القريب و اذكارها و اعلي مراتبها لايجاوز عنه. اماتري ان الضارب مشتق من الضرب و اعلي مقاماته مذكور في الضرب الذي فيه الضاد و الراء و الباء و لا ذكر له في الفعل الذي يتعالي عن الضاد و الراء و الباء فاذا جاوزت الضاد و الراء و الباء فلاتشم في ذلك المقام رائحة الضارب لان شرط وجوده هذه الحروف المذكورة فلايصعد الضارب و لو بارق مراتبه الي الفعل الذي ليس فيه الضاد و الراء و الباء و تنحل فيه هذه الحروف بل سائر الحروف الا الفاء و العين و اللام.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 36 *»

نعم للضارب ذكر في الفعل الكلي من حيث ظهوره له و ظهوره له هو الفعل الذي فيه الضاد و الراء و الباء و هو ضرب لانه يجاب بالفعل في جواب ما هو فرجع القول الي القول الاول بعبارة الطف و اعلي فالضارب لايشتق الا من فعل يكون فاؤه الضاد و عينه الراء و لامه الباء لا غير رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله. و اما فوق الضاد و الراء و الباء فالطريق للضارب اليه مسدود و طلبه مردود لانه ينحل و لايبقي حتي يسلك مسلكاً و يطلب طلبة بل يفني هو و مسلكه و طلبته فاياب الخلق اليكم و حسابه عليكم اذ الخلق وجودات مقيدة بالخاء و اللام و القاف فمتي لم‏توجد هذه الحروف لايذكر الخلق و متي توجد يذكر الخلق و لاتوجد الا في الخالق تعالي.

بالجملة هذا الامكان الجائز المقيد فعل ثان في مقام دان و له ايضاً ذات و فعل و مفعول فذاته آية اللّه سبحانه له و هي مقام بساطته بالنسبة الي مادونه. ثم دون ذلك مقام ذكر ماسواه فيه بذكر النفي و الصلوح و مقام الكلية و الجمعية. ثم دون ذلك مقام المفعول المطلق الذي به يتم وجود الشي‏ء اذ به يصير الشي‏ء شيئاً لان الشي‏ء شي‏ء بصورته الشخصية و انيته المختصة و لولا انيته و شخصيته لم‏يكن هو هو لانه بمنزلة الجسم بل هو الجسم الذي يجذب روحه من العالي فلو لم‏يكن جسم لم‏يكن روح و ان وجد الجسم ينجذب الروح فيصير الشي‏ء شيئاً ذاجسم و روح فلايمكن ان‏يكون في الملك شي‏ء واحد تام الا ان‏يكون له هذه المراتب الثلث اعني مرتبة الذات و مرتبة الفعل الكلي و مرتبة الشخص الجزئي الذي به تمام مراتبه كما ان لزيد ذاتا معراة عن الصفات الكلية و الجزئية ثم له دون ذلك مقام ظهور اول للصفات الجزئية ثم له دون ذلك صفات جزئية و شرح ذلك ان لزيد ذاتا اذا نظرت اليها تراها غافلاً عماسواها و هي الحصة الانسانية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 37 *»

مع قطع النظر عن خصوصيتها. فاذا تراها انسانا بكله بحيث لايذكر معه غيره ثم تغفل عن هذا النظر و تري زيداً مع خصوصية الزيدية و تراه انه شخص من الاشخاص غير الاشخاص ثم تري بين هذين المقامين مقاماً برزخياً ليس بساطته كالمقام الاول و ليس مقيداً بقيد الشخصية كالمقام الثاني و هو نظرك الي زيد بانه ظهور من ظهورات كلي يكون خصوصية زيد لديه احد ظهوراته و خصوصية عمرو احد ظهوراته و هكذا فيكون خصوصية زيد بعض([15]) منه و خصوصية عمرو بعض([16]) منه و هكذا و هو كل هذه الخصوصيات و الفرق بينه و بين المقام الاول ان المقام الاول بري‏ء عن الحدود الكلية و الجزئية فليس له صورة مطلقاً فلايقيد بقيد و لايحبس في ضيق حد فلايمنع من النفوذ فيما دونه بالكليات و الجزئيات و هو المعبر عنه في بعض العبارات بلابشرط و المقام الثاني هو المقام المعبر عنه بشرط لا فجزء كينونته عدم الجزئيات فحينئذ يحبس في سور الكلية فلايقدر علي النفوذ في الجزئيات بكله بل ينفذ ببعضه فليس احاطته كاحاطة ما هو فوقه و نفوذه كنفوذه كما ان الخشب المطلق بكله ينفذ في الخشب الكلي و الجزئي و يصدق علي الكلي انه خشب و علي الجزئي انه خشب ولكن الخشب الكلي لاينفذ بكله في الجزئي بل ينفذ ببعضه فلايصدق علي الجزئي انه الخشب الكلي فالباب بعض و جزء من الخشب الكلي ولكنه خشب بقول مطلق كما ان الخشب الكلي خشب بقول مطلق فزيد ايضاً انسان بقول كلي و الانسان يعطي اسمه بكله اياه اذ لا كل له ولكن ليس بانسان كلي و بكل الاناسي بل يكون بعض الكلي و بعض الاناسي.

و هذه المقامات الثلثة ثابت في كل شي‏ء بحيث لو نقص واحد منها لمابقي شي‏ء فان وجد شي‏ء فله هذه المقامات الثلثة لامحالة و ان لم‏يوجد فلم‏يوجد و هذه المقامات مقام الشخص التام من حيث نفسه فاذا تم و كمل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 38 *»

فبعد الكمال يمكنه التجلي بمرتبة دونه فان الشي‏ء ما لم‏يكن تاماً كاملاً لايمكنه التجلي بالاثار فاذا تم و كمل يؤثر فيمادونه فهذه المراتب الثلث يكون في تأويل قولك زيد ضرب ضرباً او زيد كان كوناً او غير ذلك من التعبيرات فزيد مقام الذات و كان مقام الفعل و كوناً مقام المصدر و المفعول المطلق فالمصدر بالنسبة الي زيد كالشبح المتصل بوجهك فما لم‏يكن لوجهك شبح متصل لايمكن ان‏ينعكس منه في المرءاة الاشباح المنفصلة فانت انت و وجهك فعلك و شبحه المتصل هو المصدر المشتق من فعل وجهك و الاشباح المنفصلة هي اسماء الفاعل و المفعول المشتقة من المصدر الشبح المتصل بوجهك كماتري ان المصدر يجي‏ء بمعني الفاعل مرة و بمعني المفعول مرة و ذلك لاحاطته و عدم قيده بقيد خاص و نفوذه فيهما لانه في الحقيقة فعل ثان قائم مقام الفعل الاول و تأكيد له فله احاطة كاحاطته و لذا([17]) يجاب عن الفعل في جواب ما هو باسم المصدر كما اذا قيل لك ضرب ما هو تقول فعل و فعل بنفسه هو المصدر لا غير و كذلك يجاب عن المصدر ايضاً بالفعل كما يقال الفعل ما هو تقول ضرب فهو هو و هو هو الا انه ان الاول هو الاصل و المشتق منه و الثاني هو الفرع و المشتق و لا فرق بينهما في التأثير و العمل فيمادون فكما ان ضرب يعمل الضرب يعمل بلا فرق فلا فرق بينهما في العمل و التأثير و الظهور للغير و فرق بينهما في ذاتهما بان الاولي اصل و الثانية فرع ففي الدعاء لا فرق بينك و بينها اي في الايجاد و التأثير الا انهم عبادك و خلقك في الذات اي ليس لهم احاطتك و بساطتك و نفوذك فهو هو وجوداً و عياناً و شهوداً و ليس هو كلاً و جمعاً و احاطة و كل هذه التفاصيل لاجل اثبات ان الفعل الكلي و الامر المفعولي له هذه المراتب الثلث و كلها جزء تماميته و بها يكون الامر امراً

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 39 *»

فلولا واحد منها لم‏يكن شي‏ء([18]) فاذا تمّ مراتب الفعل يشتق من اسفل مراتبه الذي هو المصدر الاسماء كما ان زيداً لما ضرب ضرباً صار ضارباً فكما ان للفعل مراتب ثلث كذلك لظهوراته مراتب ثلث يحكي كل مرتبة منها رتبة منه لان الاثر اثر اذا كان مطابقاً لصفة المؤثر فلو لم‏يكن مطابقاً لم‏يكن اثرا لذلك المؤثر البتة كما تري ان عكس كل شي‏ء و نوره يطابق صفته كما تري ان نور الشمس في المرءاة يطابق صفتها في الاستدارة و الاصفرار و الحرارة و التلألؤ و الاشراق و عكس السراج يطابق السراج في المخروطية و الاصفرار و اللمعان و عكسك يطابق هيأة وجهك و لونه و اثر النار الحارة اليابسة حرارة و يبوسة و اثر الماء البارد الرطب برودة و رطوبة و اثر العالم العلم و اثر الجاهل الجهل و اثر المؤمن الايمان و اثر الكافر الكفر و هكذا اثر كل شي‏ء يطابق صفته سواء كان في عالم الفصل فيكون علي الانفصال ام في عالم الوصل فيكون علي الاتصال و اما نوع البيان و نوع الخلقة فواحدة ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لولا ذلك لبطل نظام الاستدلال لان كل مستدل يستدل علي الشي‏ء بصفته فكما ان زيداً لما تمّ مراتبه الثلث تجلي بالاسماء و كل اسم منه له مراتب ثلث فالقائم مثلاً اسم من اسمائه تجلي له به فانت اذا نظرت اليه و رأيت زيداً فيه مع قطع النظر عن الحروف اي حروف القائم و حدوده لرأيت حينئذ حقيقة القائم و هذه الحقيقة في المرتبة الدنيا تحكي حقيقة زيد في المرتبة العليا فكما ان الانسان في تلك المرتبة حقيقة زيد فزيد في هذه المرتبة حقيقة القائم بلا شك فكما ان الانسان في تلك المرتبة ليس له خصوصية بزيد و عمرو و بكر و غير ذلك كذلك زيد لا خصوصية له بقائم و قاعد و آكل و شارب و غير ذلك و كما يكون في زيد رئي انسان كلي يعطي بعض اسمه زيداً كذلك في القائم رئي زيد كلي محيط بالقائم و القاعد و غيرهما يعطي القائم بعض ما له و كما ان هناك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 40 *»

زيد غير عمرو محدود بالحدود الزيدية مخصوص بها كذلك هنا يكون قائم غير قاعد محدود بالحدود القائمية مخصوص بها فاذا رأيت قائم([19]) و رأيت في قلبه و سويدائه الالف الذي هو علامة المؤثر و المراد بالالف هو مرجع ضمير القائم و هو زيد لرأيت حقه و حقيقته ثم اذا رأيته من حيث ظهور زيد فيه بالوصف الكلية رأيت فعل زيد الذي هو مرجع القائم ثم اذا نظرت الي القائم من حيث انه ظهور زيد من حيث انه ظهور واحد منه و انه غير القاعد و الآكل و الشارب رأيت في سويداء قلبه حدوداً ستة بها يمتاز عن غيره من الاسماء و ذلك المميز هو الواو في المفعول و تلك الحدود هي الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان. اماتري ان كمّ القائم غير كمّ القاعد و كذلك كيفه و جهته و رتبته و وقته و مكانه غير كيف القاعد و جهته و رتبته و وقته و مكانه. فاذا عرفت ان الاسماء تكون بعد تمام الفعل و يوجد من شعاع الشبح المتصل بزيد و هو المصدر في تلك الرتبة عرف ان شاءاللّه ان الاسماء كلها توجد بعد تمام الفعل الكلي و كلها مقهورة تحت سلطانه و كلها اشباح منفصلة عن شبحه المتصل فالخالق اي اسم الخالق شبح منفصل عن الشبح المتصل بالفعل الكلي و هذا الشبح المتصل هو مصدر جميع الاسماء.

فاذا صعدنا الي هنا فاقول و ان كان المشهور في السنة اهل الحق ان الاسماء كائنة ماكانت مشتقة من المصدر ولكن اريد ان اقول ان الاسماء و ان كانت مشتقة من المصدر ولكن ليست بمشتقة من نفس المصدر لان المصدر هو القائم مقام الفعل الكلي فكما ان للفعل بساطة و عدم تعيّن بشي‏ء من الاسماء كذلك المصدر له بساطة و عدم تعيّن بالنسبة الي الاسماء. اماتري ان المشتق و المشتق منه يكون الحروف الاصول فيهما متحدة كالضارب المشتق من الضرب فان الحروف في كليهما ضاد و راء و باء و المصدر الاعلي الذي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 41 *»

هو قائم مقام الفعل ليس فيه حروف اصول اسم مخصوص و لو كان فيه خصوصية بالحروف التي في القائم لايمكن ان يشتق منه اسم القاعد و سائر الاسماء فهذه الكلمة اي ان الاسم مشتق من المصدر صحيح ولكن اي مصدر هذا المصدر؟ أهو المصدر الذي هو شبح العالي ام المصدر الذي ظهر في رتبة الداني من عكس شبح العالي؟ بل الحق ان المصدر الذي يشتق منه الاسم لابد و ان يكون في صقع الاسم و لابد و ان يكون الحروف الاصول فيهما واحدة و الا لا معني للاشتقاق مطلقاً بالجملة فمصدر كل اسم مخصوص به البتة و تلك المصادر انوار و اشباح منفصلة من المصدر الاعلي فالرازق مثلاً اسم من الاسماء مشتق من الرزق المشتق من رزق اللّه سبحانه فاللّه سبحانه الظاهر بالرزق هو الذات و رزق فعله و رزقاً مفعوله و الرازق مشتق منه لا غير. اماتري انه لو([20]) لم‏يرزق احداً لم‏يكن رازقاً و ليس المقصود من الرازق الذات الاحدية حتي يرد اشكال نعوذ باللّه بل المراد اسم الرازق و معناه. نعم ان اريد بالرازق الذات الاحدية من غير قصد معناه فلايشتق حينئذ من الرزق فكأنّه مرتجل حينئذ يطلق و يراد الذات سبحانه و تعالي و هكذا سائر الاسماء كلها مشتقة ان اريد بها معانيها و كلها دون مقام الفعل الكلي كما بيّن و شرح بل الافعال التي مرّ ذكرها كلها جهاته و شئونه و ليست هي الا فعل واحد([21]) و انما تتفصل في عالم الزمان كما يأتي ان شاء اللّه تعالي.

فصل

فلما استكمل ذلك الفعل مراتبه في عالمه اشرق علي عالم النفوس في مرءاة قوابل الاناسي و ذلك الاشراق من جهة الاعلي وحداني فلما تعلق

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 42 *»

بالقوابل و نبتت حبته من ارض القوابل تكثرت و اختلفت بحسب اختلافها فتلك الحبة في نفسها حبة واحدة قال سبحانه و ما امرنا الا واحدة و بعد الانبات حبات متكثرة كما ان الحبة المزروعة واحدة و المنبتة متكثرة و كما ان نور الشمس واحد متشاكل الاجزاء من جهة نفسه و من جهة الشمس و بعد الانصباغ في المرايا تصير مختلفة متكثرة و كما ان الماء النازل من السماء متشاكل الاجزاء له لون واحد و طبع واحد و اقتضاء واحد و في بطن قابلية الارض تختلف بحسب اختلاف اجزائها و بقاعها فمن بقعة ينبت ريحاناً و من اخري حسكاً و من بقعة درياقاً و من بقعة سماً و من بقعة حلواً و من اخري مراً و من اخري حامضاً و من اخري ابيض و من اخري اسود و من اخري احمر و من اخري اصفر و من اخري اخضر و هكذا بما لا نهاية له و في كل واحد من متعلقات ذلك النور يسمي باسم خاص و حدّ و رسم خاص و تلك الاسماء و الحدود و الكثرات كلها راجعة الي القوابل بدؤها منها و عودها اليها و ان كان ظهورها من ذلك النور الواحدي و كل مايكون فيها من رائحة البساطة و الوحدانية فكلها من جهة ذلك النور مبدؤها ذلك النور و اليه معادها كما ان الالوان المختلفة من حيث اللون راجعة الي المرايا بدؤها منها و عودها اليها و ان كانت بالشمس و كل ما كان فيها من ضياء و اشراق و تلألؤ و لمعان كلها من الشمس منها بدئت و اليها تعود فالاحمر مثلاً ذات ثبت لها الحمرة و تلك الصفة و الوصف مبدؤها و منتهاها تعلو و تسفل في بحر الحاء و الميم و الراء و ان جاوزت من تلك الحروف ففي نور الشمس ليس حدود الحاء و الميم و الراء و لا غيرها من حروف الاوصاف الاخر فرجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله و لايتجاوز شي‏ء ماوراء مبدئه فمبدأ الاحمر هو النور المنصبغ في بطن المرءاة الحمراء لان وراء المرءاة ليست حمرة و لا ماسواها من الحدود فاعلي اذكار الاحمر هو حمّر و حمّر فعل المحمِّر و المحمِّر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 43 *»

هو فاعل حمّر و حمّر هو موجد الاحمر بفعله الذي هو التحمير و هو المصدر و اما مافوق المحمر فليس فيه صبغ مطلق فنور الشمس في بطن المرءاة الحمراء يصير محمراً بلا شك و هذه الامثال كلها من عالم الفصل الذي يكون الفاعل في جهة و القابل في جهة اخري و اهل الفصل يقيس عالم الوصل بالفصل و اما اهل الوصل فعلموا ان القابل هو جهة نفس الفاعل و نفس الشي‏ء لايكون مبايناً منه و لايمكن الابانة بينهما ابداً بل الفاعل و القابل كلاهما واحد في المنظر و ان اختلفا في المخبر فكل ما يقال في عالم الوصل ان الفاعل كذا و القابل كذا فكلها اخبار عن جهات الشي‏ء و مقاماته و مدارجه ففي ذلك العالم يكون المفاعيل كلها مفاعيل مطلقة و ليس فيه مفعول‏به بل فيه مفعول‏به ايضاً ولكن المفعول ليس مبايناً عن المفعول المطلق و المفعول المطلق ليس مبايناً من@عن خ‌ل@ الفعل و الفعل ليس مبايناً من الفاعل اي المراد بالفاعل([22]) لا اسم الفاعل فان اسم الفاعل يكون دون المصدر و اثر منفصل منه كما يأتي ان شاء اللّه تعالي.

فللفعل الكلي رؤوس بعدد افراد الاناسي و كلها فعل و يسمي بالفعل لانها آثاره و الاثر يطابق صفة المؤثر فتجلي ذلك الفعل لكل اناس([23]) برأس من رؤوسه و ذلك الرأس هو مبدأ هذا الانسان المخصوص فاذا تعلق بمحمد مثلاً تجلي اولاً بحمّد ثم بواسطة حمّد تجلي بتحميداً و هذه المراتب مقامات نزول الفاعل و تعلقه بالمفعول قبل ايجاد المفعول فالمقام الاول مقام الفاعل و المقام الثاني مقام الظهور الكلي و مقام الفعل و المقام الثالث مقام الظهور الجزئي و مقام المصدر و مقام المفعول المطلق و بهذه المراتب تم مراتب الفعل من مبدئه الي منتهاه فيصير تاماً كاملاً فاذا صار كاملاً يصير ذااشراق و نور كما قال في الدعاء و كل نورك منير فاثّر بعد الكمال في المفعول و القابل.

فاول ماتجلي له

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 44 *»

هو اسم الفاعل اي المحمِّد بالكسر و الاسم الفاعل له جهتان جهة اراءة للعالي و هو المراد من اسم الفاعل و هو اعلي مراتب الاسم و جهة نفسه و هو مقام ظهور المراد في الفاعلية و هذا المقام يقابل الفعل في المقام الاعلي ثم تجلي باسم الفاعل للمفعول فيصير محمَّداً بالفتح فلمحمّد ايضاً ثلث مراتب كما ان للفعل المتعلق به ثلث مراتب و ذلك لان محمّداً اثره و الاثر يطابق صفة المؤثر لامحالة و الا لايصدق عليه انه اثره كما مرّ مراراً و جميع تلك المراتب الستّ واحد منظراً و متعدد مخبراً و في جميع المراتب يسير الحروف الاصول و هي الحاء و الميم و الدال و ماوراء تلك الحروف منزه عن حدود الحروف و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه فكل ما ميّزتموه بادقّ معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فلايمكن تركيب شي‏ء من غير اجزاء وجوده كما ان المركب من الماء و النار و الهواء و التراب لابد و ان يكون في عالم فيه النار و الهواء و الماء و التراب و اما فيماوراء هذه الاصول التي هي حروف المركب لايمكن ان‏يوجد فيه المركب من ذلك و ذلك بديهي الاجمال نظري التصديق في التفصيل ميسور الظاهر معسور الباطن بل لاتجد العاثر عليه بحقيقته الا الاقلين.

بالجملة اذا كان شرط وجود المركب وجود حروفه و لم‏تكن الحروف في عالم اعلي من عالم المركب فيجب ان‏يكون مثل ذلك المركب موجوداً في عالمه دائماً و لايعقل ان‏يعدم طرفة عين فان كان كان كذلك و ان لم‏يكن لم‏يكن ابداً لانه في العالم الاعلي منفي ابداً و في عالمه مثبت ابداً و لو لم‏يكن طرفة عين فمن اين يوجد أيؤخذ لوجوده حصص من نفس وجود العالي الذي ليس فيه حروفه ام من عالم دونه و ليس فيه حروفه بل لاتؤخذ من ذاك و لا من ذلك فتؤخذ من نفس عالم المركب سواء كان الايجاد لا من شي‏ء او من شي‏ء فاذا كان من شي‏ء فذلك كالمركبات الظاهرة التي يوجد وجودها بالعلاج و التكميل و الاستخراج و اما الموجود لا من شي‏ء الذي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 45 *»

ليس له مادة قبل وجوده فحروفه مخلوقة حين وجوده في ضمن وجوده لا قبل وجوده و اذا علم ذلك كما ينبغي ان‏يعلم يعلم ان الاثر من المؤثر لايوجد بعد ترقب و انتظار و بعد وقت ممدود و لا بحركة و فعل بعد السكون و لا بنطق بعد السكوت و لا من شي‏ء غير نفسه و لا لشي‏ء غيره و لا علي صورة شي‏ء و لا في شي‏ء و لا بشي‏ء غير وجوده و كل ما له و به و منه و فيه و عليه و اليه كلها في وجوده مودوعة و لايصل اليه من غيره شي‏ء ابداً ابداً لا من اعلاه فضلاً عمن كان في عرضه فضلا عما هو دونه فمادته و صورته و ذاته و صفته و وجوده و ماهيته و كمّه و كيفه و جهته و رتبته و وقته و مكانه و كل ماينبغي له يوجد في وجوده بلا ترقب و هو دائر علي نفسه فمثل هذا الوجود لايعقل نفيه و عدمه في محله فهو هو ابدالابد غنياً بمؤثره عن سواه و لايحتاج الي ماعداه فتعالي من خلق خلقه غير محتاج الي ماسواه ابداً و هذا هو الفرق بين خلق الرحمن و خلق غيره فخلق الخلق محتاج الي علل عديدة و اسباب كثيرة و اما خلق الرحمن فلايحتاج الي غيره ابداً فسبحان من غني اوجد الاغنياء في ممالكه و من جواد اظهر جوده من ايدي مماليكه تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله و اظهر عنها افعاله.

بالجملة ان الفعل المتعلق بمحمّد لابد و ان‏يكون مخصوصاً به و الا لماصدر منه محمّد فلايكون اعلي من محمّد و لايكون اسفل من محمّد لان مادون محمّد توجد بمحمّد فلايوجد به محمّد و لايكون في عرض محمّد من غير حروف محمّد فلابد و ان‏يكون في نفس محمّد فلمحمّد جهتان جهة الي ربه و جهة الي نفسه و جهته الي ربه جهته من حيث السعة و الاحاطة([24]) و جهته الي نفسه هي حيث نفسه و ضيقه و حدوده و عدم نفوذه في غيره فجهته الاعلي مضافة الي ربه و يسمي فعل الرب و جهته الي نفسه تضاف الي نفسه و يسمي بالمفعول و لكل منها جهات ثلثة كما مرّ فاذا نظرت الي هذا الموجود

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 46 *»

من حيث الرب من غير قصد الي حدوده و ما هو به هو رأيت الرب حينئذ بلا شك كما انك لو نظرت الي السيف مع قطع النظر عن حدوده المميزة لرأيت حديداً غير مميز غير محدود بحد السيف صالحاً للسيف و السكين و المسمار و غير ذلك بلا شك فرأيت السيف حينئذ متلاشياً في جنب ظهور الحديد ثم اذا رقيت النظر الي الحديد مع قطع النظر عن صلوحه للظهور في المظاهر رأيته هو هو غير صالح للظهور بل يمتنع فيه ذكر الظهور بهذا النظر ثم اذا رددت النظر و نظرت اليه من حيث انه ظهور واحد من ظهورات الحديد مع قطع النظر عن سيفيته رأيته كذلك و لا شك انک تقدر علي هذه الانظار المختلفة بلا شك و ما لم‏يكن المنظور اليه مختلفاً لم‏تقدر علي رؤية اشياء مختلفة فان مدركك ليس الا كالمرءاة فما لم‏يكن في الخارج شي‏ء لم‏يقع فيه شبحه ثم اذا نظرت اليه من حيث انه نور و اثر للعالي رأيت اسم الفاعل من حيث الاعلي اي من حيث قطع النظر عن الاسم ثم اذا نظرت اليه من حيث الاسمية رأيت ظهور الفاعل فيه ثم اذا نظرت اليه من حيث نفسه بانه هو بحدوده و مميزاته رأيت المفعول‏به فاذا نظرت اليه بان مفعوليته بواسطة الحدود رأيت المفعول و يمكن اثبات جميع ما في عالم الفصل في عالم الوصل بالترقية و التصفية و التلطيف و جميع ما في عالم الوصل الذي هو عالم الغيب و عالم الجواهر الاصلية و عالم الذاتيات توجد هكذا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فان قدرت علي فهم كيفية خلقة واحد من الافراد علي نهج الصواب و الحقيقة تقدر علي فهم كيفية خلق جميع الافراد ماخلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة، و ما امرنا الا واحدة، ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ‏تري من فطور.

فصل

فاذا تمّ خلق عالم المجردات الاصليات الذاتيات بعد الحلين و العقدين

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 47 *»

اراد سبحانه ان‏ينزل الذوات الي عالم الاعراض لاکتساب علومها و معرفة فنونها و لم‌يکن ذلک الا  ان‏تدركها بمدرك من جنسها اذ الادوات تحدّ انفسها و الالات تشير الي نظائرها لان ذوات تلك الافعال قبل الانغمار في الكثرات كانت في غاية الاجمال و نهاية الابهام لاتعرف شئون الحكم و فنون العلوم المسطور في الرقم في انحاء الرسوم و عجائب مااستودع في بطون الامهات السافلة و مااستجن في الامكانات الدانية التي لايعترف العبد بالعجز و لايتهيّأ للخشوع و الخضوع عند ربه تعالي شأنه الا بعد عرفان طرائق تلك الحكم و طرائف تلك العلوم و رؤية عجز نفسه عن اقل قليل منها فلما كانت احوالها كذلك انزلها اللّه سبحانه في خلال ديار الاداني حتي تعرف من القهارية و الجلال ماكانت للاعالي فاول منزل نزلت هو عالم الطبايع فنزلت و انغمرت فيها بعد مااماتها عن حياتها([25]) و دثورها بعد وجودها و تلاشت و اضمحلت في بحر الطبع و استجنت في بطون امكانه بحيث لايبقي من حياتها الاولية اثر و لا من اكوانها و اعيانها خبر فصارت مدفونة في قبرها مزروعة في ارضها مستورة في ترابها مضمحلة فيه متلاشية بحيث لايبقي حاس و لا محسوس كالحبة المزروعة في المزارع فانها بعد السقي و الفعل و الانفعال لايبقي لها اثر و يبطل صورتها في بطن الارض اولاً. بالجملة فاذا بطلت صورها و اضمحلت في الطبايع و تغوصت في اعماق بحارها و تسري في خلال ديارها تتطبع بطباع مافيها و تنصبغ باصباغها و تتكثر بحسب جهات كثراتها و تتشعب في شعبها فلما اماتها اللّه سبحانه في الطبائع و زرعها فيها و سقاها بماء الوجود و دور عليها افلاكها و اثر فيها شعلات كواكبها و انوارها و دبرها ايدي الفواعل يوماً فيوماً و آناً فآناً و استخرجت في قوتها و قوتها بما فيها من قدرة اللّه سبحانه و انماها فانبتها نباتاً حسناً و كفلها خرجت من بطون الارض شعب كثيرة و برزت فنون و اغصان متعددة من انحاء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 48 *»

مااكتسب في البوادي و ربحت تجارتها من تضاعيف المعاملات فزرعت واحدة و حصدت عشراً او سبعين او سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبّة واللّه يضاعف لمن يشاء انما يوفّي الصابرون اجرهم بغير حساب  فلكل منا مقام معلوم فما كان اغوص في لجج بحار الطبائع يكون فروع شجرته اخضر و اكثر و ماكان اقل غوصاً كان اقل فرعاً و حظاً تسمي@و سمي خ‌ل@ هذا المزرع بعالم الاظلة و الامثلة لكثرة ما فيه من اقسام الخيالات و الفكر و الموهومات و تعاكس بعضها في مرءاة بعض و لما كان عالم الامثلة ايضاً في نفسه له ابهام و اجمال و انما كان تفاصيل شئونه من عالم الزمان لتباين اجزائه و اختلاف ابعاضه من السموات العالية المباينة للارضين السافلة و اختلاف مراتب السموات و الارضين اختلافاً مبايناً و ليست الكثرات و التباينات في عالم المثال و اراد اللّه سبحانه اراءة تلك الشئون و الفنون الصادرة عن قدرته التي لا نهاية لها انزلها اي انزل ذوات تلك الافعال الي عالم الزمان فاماتها و اقبرها في اجزاء عالم الزمان و فرق بين اجزائها و افسد اعضاءها و اخرب بنيانها و عمرانها بحيث لايبقي لها اثر و لا من انياتها خبر فجعلها امكاناً في بسائط هذا العالم فجعل حصة في امكان العرش و حصة في امكان الكرسي و حصة في امكان فلك زحل و حصة في امكان المشتري و حصة في امكان المريخ و حصة في امكان الشمس و حصة في امكان الزهرة و حصة في امكان عطارد و حصة في امكان القمر ثم جعل امكانات الافلاك في بطون‏ العناصر فجعلها اولاً في النار ثم في الهواء ثم في الماء ثم في التراب فصار التراب قبراً لجميع تلك الاموات و امكاناً لجميع تلك القوات و جميع تلك مراتب نزول الاثار فمراتب النزول في الحقيقة كلها مراتب الاماتة و الابهام و الاجمال.

و ليست هي كما يظهر من ظواهر البيانات في تلك المراتب. اماتري انه لو كان المراد منها هي مايظهر من الالفاظ لصار جميع هذه الصناعات باطلة و لايفعل ذلك الا العابث اللاهي و تعالي اللّه سبحانه عن ان‏يجري فعله علي غير طرز الاتقان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 49 *»

و الحكمة فاذا كانت الاثار تامة فيما ينبغي لها و عليها و اليها لكانت اماتتها في عالم اعلي و دفنها في عالم ادني لغواً و عبثاً و تعالي اللّه عن ذلك.

و هب انه سبحانه خلقها في عالم@العالم خ‌ل@ الاعلي تامة في انفسها و ذواتها ولكن اراد ان‏يريهم آثار قدرته ليقرّوا له بالربوبية و يذعنوا لديه بالعجز عن مثل ما فعل سبحانه و ذلك لايحتاج الي افساد ما هم عليه و ابطال صورهم و اماتتهم ثم احيائهم ثم اماتتهم و هكذا و يمكن انزالهم علي نحو اسهل و اقرب الي الحكمة و اولي و هو انزالهم من غير الاماتة فان الحي كلما نزل من منزل الي منزل شعر ما فيه و تعلم و الميت لايقدر علي التمييز و شعور مافيه هذا. و لو فرضت ان الامر كان هكذا غاية الامر انا لانعلم وجوه حكمته اقول لك اماتري انه سبحانه لو ابطل صورة المركب و يجعلها في الامكان ثم ينشي‏ء خلقاً آخر خلق خلقاً آخر و لم‏يجعل المركب الاول بعد موته حياً و هذا القول و ان كان في بادي النظر مخالفاً لما في ايدي الناس ولكن اكثر الناس لايعلمون بل هو الحق الصدق الواقع الذي لايشك فيه عاقل و ذلك من الايات المحكمات و مايكون خلاف ذلك فذلك من المتشابهات و يجب رده الي المحكمات و اما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ماتشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله للافساد بين العباد و لايعلم تأويله الاّ اللّه او من علمه بفضله و جوده و كرمه و لما كان هذه الكلمة من الابواب الكلية التي يفتح منها ابواب لاولي‏الالباب خصوصاً في فهم مسألة المعاد لا بأس ببيان يكشف النقاب عن وجه تلك الحسناء ليلتذّ عنها من قدر ان‏يلثمها و يتصل بها.

و شرح ذلك ان كل شي‏ء كان في ملك اللّه سبحانه و يصدق عليه انه شي‏ء مميز عن غيره فذلك لايكون الا بصورته كائناً ماكان بالغاً مابلغ لان المادة من حيث نفسها ليست فيها خصوصية بشي‏ء و انما هي صالحة لقبول اي صورة تعرض عليه فهي لاتصدق علي شي‏ء من الاشياء فالاشياء اشياء بصورها لا بموادها و ذلك مشاهد محسوس في جميع العوالم و لابد لتمثيل بعض الامثال ليكون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 50 *»

دليلاً في جميع المراتب لاولي الابصار. فانظر الي المداد الذي هو بمنزلة المادة للحروف ان كتبت منه الالف فلفظ الالف يصدق علي هذه الهيأة المستقيمة عند اللّه سبحانه و عند انبيائه و اوليائه:و عند الناس اجمعين و لايصدق علي المداد انه الف عند احد لانه ليس فيه خصوصيات الحروف و لذلك يكون عالمه فوق عالم الحروف فان امرك آمر بالاتيان بالالف و تأتي قطعة من المداد زاعماً بانها يمكن ان‏يكتب منها الالف لم‏تمتثل امره عند كل احد و يستهجن استدلالك كل احد و ذلك ظاهر ان شاءاللّه تعالي. فان كسرت الالف و رددته الي المداد ثم تكتب من المداد حرفاً آخر لم‏تكتب من الالف حرفاً بل كتبت من المداد سواء كتبت الفاً آخر او باءاً او غيرها.

فان قلت ان الشي‏ء لابدّ له من مادة و صورة و علي ماقلت ليس الشي‏ء الا صورة وحدها،

اقول لا شك ان كل شي‏ء مركب من مادة و صورة ولكن القول في المادة لكل شي‏ء أتكون المادة هي العليا التي ليست فيها خصوصية شي‏ء ام المادة هي التي تقترن بالصورة و هما متضايفان لم‏يقم احدهما بدون الاخر بل المادة لكل شي‏ء ما هو مقترن بصورته و ما لم‏يقترن لم‏يكن له خصوصية به فليس بمادة له فالمداد لايكون مادة الالف و لا سائر الحروف و لايجري عليه خصوصياتها فلايصدق عليها بوجه من الوجوه فمادة الالف مثلاً مايكون في ضمن الالف و هي حصة من ظهور المداد الاعلي لا من نفسها و ظهورها للالف بالالف اي بنفس الالف اذ لا ثالث بينهما فالمادة و الصورة شيئان مخبراً لا منظراً فانك تقدر علي النظر الي الالف و رؤية المادة من غير التفات الي الفيتها و ان تنظر الي الفيتها مع قطع النظر عن ماديتها ولكن في المنظر شي‏ء واحد و الف واحد ان كان علي ماكان كان لها المادة و الصورة و ان انكسرت و ارتدت الي المداد بطل مادتها و صورتها كلتاهما فالالف التي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 51 *»

تكتب بعد كسرك الالف الاولي لم‏تكتب الالف الاولي الفاً ثانية بل كتبت الفاً من المداد ابتداء و لذلك ان وقع الكلب في المملحة و يصير ملحاً تحكم بانه طاهر طيّب شفاء و يصير مأكولاً للاصفياء و الكلب نجس خبيث حرام بمادته و صورته فيعلم من ذلك ان اسم الكلب يقع علي هذه الحصة مادام عليها صورة الكلبية فان زالت عنها صورة الكلب يزول اسم الكلب و حكمه و يأتي اسم الملح لصورة الملح و حكمه فالاسماء و الاحكام تقع علي الصورة كائنة ماكانت بالغة ما بلغت و الا ففي نفس العناصر التي لاتخصص لها بكلب و لا بملح لايقع عليها اسم كلب و حكمه و لا اسم ملح و حكمه و انما الاسمان يقعان عليهما علي صورتهما و صورتهما لاتكون بلامادة بل المادة في ضمنها معها باقية ببقائها فانية بفنائها فاذا خلق اللّه سبحانه من العناصر كلباً ثم يميت الكلب و يصيره تراباً طاهراً مسجداً للمؤمنين ثم يخلق من التراب الطاهر كلباً آخر لم‏يجعل الكلب الاول حياً بل خلق كلباً ابتداء فاذا افترس الكلب الاول احداً لايجوز في عدل اللّه سبحانه الانتقام من الكلب الثاني لانه لم‏يفترس احداً كما انك لو كتبت من المداد اسم سعيد لا شك انه يجب عليك حرمته و لايجوز لك مسه من غير طهارة فان كسرت ذلك الاسم و ترده الي المداد ثم تكتب عمر يجب عليك اهانته و لعنه و يجوز لك تنجيسه بل تثاب بذلك و لايجوز لاحد ان‏يمنعك عن فعالك بالنسبة الي عمر بالاستدلال بانه يوماًما يكون بصورة سعيد.

فان قلت فان كان الامر كذلك فكيف تقول في احياء الاموات و النشر و الحشر؟

اقول ان للاموات ابدان([26]) اصلية غير هذه الابدان العرضية و تلك الابدان لاتعود الي اصولها عود ممازجة كالابدان العرضية حتي يرد اعتراضك و يأتي ان شاءاللّه تعالي في قوس الصعود مايكشف عن حقيقة الحال.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 52 *»

بالجملة فثبت و الحمد للّه ان الامر اي امر التنزل ليس كما يزعمه الناس في ظاهر الالفاظ و انما يكون النزول في جميع المراتب بالابهام و الاماتة بخلاف الصعود فان مراتبها كلها يكون بالتفصيل و الاحياء و لذلك يصير الطريق في التسطيح كالدائرة التي هي قوسان قوس منها طريق النزول و قوس منها طريق الصعود فلو كان الامر علي مايظنون ليصير الطريقان طريقاً واحداً كالسلم لا كالقوس ينزل منه و يصعد هذا.

و يرد علي زعمهم ما ليس لهم جواب عنه و هو انه لو كان الامر كما تظنون بان اللّه سبحانه خلقهم تاماً كاملاً في المقام الاعلي ثم اماتهم و انزلهم الي هذه الدنيا ليجب ان‏يكون في قوس الصعود يصعد جميع الصاعدين الي مقام واحد و درجة واحدة لان المفروض ان كل واحد من الاثار انما ينزل الي هذا العالم من الخزائن العالية و يلزم ان‏يستوي العامل و غير العامل و العالم و غير العالم و يلزم ان‏يكون الاطفال مساوين في الدرجة مع المؤمنين الكاملين الممتحنين بعد خلع الاعراض عنهما لان المفروض ان كليهما يكونان قبل النزول في المقام الاعلي مشخصان معيّنان([27]) و ذلك خلاف المذهب و الدين و العقل المتين بل لكل درجات مماعملوا و ليس للانسان الا ماسعي و انّ سعيه سوف يري، هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولواالالباب فليس روح زيد مثلاً قبل جسده الزماني موجوداً في عالم النفوس ثم بدا له ان‏يسافر في العوالم و سافر اياماً و ليالي الي ان وصل الي عالم المثال ثم بدا له و سافر اياماً الي ان وصل الي عالم الزمان بل نفس زيد قبل جسده لم‏يكن([28]) في عالم من العوالم كما لم‏يكن له جسد في عالم من العوالم و اما حين ماخلق جسده في الزمان خلق روحه في عالم الارواح و يكون عالم الارواح قبل الاجساد باربعة آلاف سنة فبعد ايجاد الجسد

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 53 *»

في الزمان خلق نفسه و روحه باربعة آلاف سنة قبل جسده بالفعل الا ان في حال تعلق النفس بالجسد الدنياوي و بالمراتب البرزخية يسمي نزولاً لانها نزل من عالمها الاعلي و تعلق بالادني و حين التخلص عن الاعراض يسمي صعوداً لانها دائماً تتخلص عن شوائب الاعراض التي ليست منها و اليها و تتوجه الي عالم التجرد اما اختياراً او اضطراراً.

و ماافهم من سبب هذه التعبيرات من الاساتيد نور اللّه برهانهم انهم لما رأوا ان الحكماء يقولون ان مبدأ الانسان هذا التراب و يترقي شيئاً بعد شي‏ء الي ان يصير نفساً مجرداً ارادوا الاشعار بانه لايمكن تصفية الاعراض الي ان تصير جواهر و تلطيف الفاني الي ان يصير باقياً بل الانسان مبدؤه من عالم اعلي و منتهاه الي ذلك كما قال سبحانه كما بدأكم تعودون و لفظة ما مصدرية و تجعل مابعدها في تأويل المصدر فيصير معناه بدؤكم عودكم فلما كان بدء الانسان من العالم الاعلي عوده اليه فلو كان بدؤه من التراب العرضي كما يقول الحكماء فلابدّ و ان‏يكون عوده اليه و ليس كذلك بالبداهة من المذهب و الملة فالبدء هو العود الا ان في البدء ابهام و اجمال لشدة توغله في الاعراض و في العود تفصيل و تمييز لتخلصه عن شوائب الاعراض و اكتسابه الكمالات في عرض المنازل و ليس لهذا التوغل و التخلص وقتان و زمانان مادام الانسان في قيد الاعراض بل وقتهما واحد لان النفس دائمة التعلق و دائمة الاكتساب الا انهما تختلفان بحسب الاشخاص فمنهم من يكون الغالب فيه جهة النفس و يكون نفسه مفارقاً للاعراض فيكون صعوده و تخلصه اكثر و منهم من يكون الغالب فيه جهة الاعراض فتكون نفسه ممازجة فيها مقهورة تحت سلطانها فيكون صعوده اقل و انغماره اكثر حتي ينفخ في الصور و يتلاشي الاعراض و يأتلف الاصول هذا اذا كان الانسان مؤمناً و اما اذا كان كافراً فيكون نزوله

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 54 *»

و هبوطه يزداد شيئاً فشيئاً([29]) الي ان يطفأ([30]) الاعراض فوقه كالزبد و هو ينزل الي ان وصل الي منشئه الذي نشأ منه و يختلف مبدأ كل واحد منهم بحسب دركات الجحيم نعوذ باللّه من غضب اللّه. بالجملة و ليس المقصود شرح ذلك كما ينبغي و انما جري ذلك استطراداً و المقصود بيان كيفية نزول الاثار الحقيقية الي عالم الاعراض و لما طال الكلام في ذكر بعض الاحوال لا بأس بايراد فصل لرفع الكلال.

فصل

اصل الكلام في بيان احوال الافعال التي نزلت من خزائن الغيب الي عالم الشهود فلما نزلت الي ان اتصلت الي هذا العالم تكون في اول النزول فعلاً واحداً ايضاً لان للزمان جملة حالة دهرية فيكون الحال فيه لاتختلف و لاتتكثّر نعم لما كانت ابعاضه و اجزاؤه مختلفة بعضها بالنسبة الي بعض يكون الحال فيه مختلفاً ايضاً بحسب اختلافها فيكون قطعة منها موازية مساوقة لحالنا سميناها حالا بالنسبة الينا و قطعة منها قد مضي سميناها ماضياً بالنسبة الي حالنا و قطعة منها لما تجي‏ء بعد سميناها مستقبلاً بالنسبة الي حالنا و كل تلك الحال و الماضي و المستقبل تختلف بحسب حالاتنا و الا ففي نفس الامر و حقيقة الحال يكون الزمان ساكناً كالبحر و نحن سائرون فيه و يسمي كل قطعة منه باسم مخصوص لحاجاتنا و اغراضنا فمن الاشياء المستجنة في بطون هذه الدنيا مايكون مقتضيه موجوداً و مانعه مفقوداً و وجود المقتضي لسان داع يسأل اللّه سبحانه وجوده في الخارج فيستجيب سؤاله بحسب وعده سبحانه ادعوني استجب لكم فمادام سؤاله باقياً و لم‏يسأل سائل آخر اقوي منه عدمه يكون باقياً فان سأل سائل اقوي و بسبب

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 55 *»

سؤاله يضعف سؤال الاول بل يعدم اعدمه اللّه سبحانه بحسب سؤال السائل الاقوي و ذلك المعدوم يسمي ماضياً لانه يمضي و يثبت في لوح الوجود بالنسبة الي مابعده. و منها مايكون مقتضيه مفقوداً في الزمان السابق فلم‏يوجد فيصير ماضياً منفياً و منها مايكون مقتضيه موجوداً في زمان الحال و مانعه مفقوداً فيصير وقته حالا و منها لما يكون مقتضيه موجوداً و سيصير او سوف يصير بالنسبة الي الحال و يعلم العالم و يخبر به فيصير وقته مستقبلاً و منها ما يكون مقتضيه مفقوداً او مانعه موجوداً فيما سيأتي و يعلمه اللّه سبحانه و يخبر بانه لن‏يكون او يكون مقتضيه موجوداً و مانعه ايضاً موجوداً يخبر بلايكون و اما الامر و النهي و الاستفهام فيحتاج اليها في كل من زمان الماضي و الحال و الاستقبال.

و اما بيان كيفية خروج ماقدر ان‏يخرج الي العيان ان اللّه سبحانه بذاته لايباشر امر الايجاد للزوم التغيّر اللازم للحدوث و التركيب و تعالي اللّه عن ذلك فخلق ماخلق بفعله و مشيته و لا شك في ذلك ان شاءاللّه و خلقه سبحانه نوعان نوع منه مخلوق بالذات و نوع مخلوق بالوصف و نوع مخلوق لا من شي‏ء قبله اي لا من مادة سابقة و نوع مخلوق من شي‏ء اي من مادة سابقة. فالنوع الاول يسمي بايجاد ما لم‏يكن و النوع الثاني يسمي بابراز ماقد كمن فالخلق الاول مخلوق بنفسه في اي مرتبة كان عند مؤثره القريب كخلق المشية و خلق المطلقات بالنسبة الي المقيّدات و قد مرّ كيفية خلقة هذا النوع من الخلق و نوع منه مخلوق بغيره و هو المخلوق الثاني الذي خلق من مادة سابقة و لما كان سبحانه لايباشر بذاته امر خلقه و كذا اوامره المطلقة لاتباشر ايجاد الخلق من شي‏ء لانها كلها في كل رتبة آية من آياته سبحانه و بتلك الاية عرف نفسه لاهل تلك المرتبة بانه سبحانه منزه عن المباشرة فخلق بالخلق الاول في كل مرتبة فواعل و مفعولات و جعلهما يديه في ابراز المكوّنات و ايجاد الموجودات فالفواعل يده اليمني و القوابل يده اليسري فصار هو الفاعل باحدي يديه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 56 *»

و القابل باخري و هاتان اليدان في كل رتبة بحسبها. ففي العوالم التي ليس فيها التباين بين اجزائها و ابعاضها يكون الفاعل و القابل قريباً كل واحد الي الاخر و في العوالم التي فيها كثرة التباين و الاختلاف لبعدها عن مبدأ الوحدة يكون تباينهما كثيراً و لما كان هذه الدنيا تقع في غاية البعد عن المبدأ الواحد الاحد كما روي انّ للّه سبحانه الف الف عالم و الف الف آدم و انتم في آخر تلك العوالم و اولئك الادميين فيكون الاختلاف و التباين فيها اكثر من جميع العوالم السابقة بحيث يقوم الفاعل في طرف و القابل في طرف آخر كما هو محسوس مشاهد بالعين فمن الاسباب و الفواعل في هذا العالم اسباب كونية و منها اسباب شرعية. ولما كان المقصود بيان كيفية الصعود و الترقي يليق ان‏يبيّن اولاً مايكون في اول الصعود و هو الكون الذي هو مقدمة و شرط في ظهور الشرع المقصود بالذات الذي قال سبحانه في حقه خلقت الخلق لكي‏اعرف فلما صارت الاثار الحقيقية بالقوة في مادة هذا العالم و اراد اللّه سبحانه ابرازها حرك السموات التي هي يده اليمني و دورها علي الارضين التي هي يده اليسري و اثار الارض بيد التدبير بالقاء انوار الكواكب و اشعتها في ظلمات اجواف العناصر البسائط و اثرت فيها شيئاً بعد شي‏ء و ضربت بعضها ببعض فاختلطت و امتزجت فحصل شيئاً واحداً مركباً من البسائط العبيطة في جميع اجزائه جميع العبائط الا ان في اعلاها لطائف العبائط و في اسفلها كثائفها و في اوسطها اوسطها فيكون في اعلاها عنصر النار اغلب و في مايليه عنصر الهواء اغلب و فيمايليه عنصر الماء اغلب و فيمايليه عنصر التراب اغلب فسمي مايكون النار فيه اغلب بالنار و ما فيه الهواء اغلب بالهواء و ما فيه الماء اغلب بالماء و ما فيه التراب اغلب بالتراب. ففي هذه النار نار و هواء و ماء و تراب و في الهواء كلها و في الماء كلها و في التراب كلها و الشاهد علي ذلك امكان استحالة كل واحد منها بالاخر@بآخر خ‌ل@ بآلات التفريق كمايصير الملح بالتدبير ماءاً و الماء بخاراً و البخار

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 57 *»

هواءاً و الهواء ناراً و تري ايضاً من اصطكاك بعض الاشياء الصلبة ببعض تظهر النار فهذه العناصر ليست بعناصر اصلية بسيطة و الا لم‏يمكن استحالة كل واحد منها الي آخر. فهذه العناصر المركبة اول مولود يولد بين الاباء العلوية و الامهات السفلية و هذا اول صعود العالم و هذا مقدمة من مقدمات ايجاد الغاية. ثم ادار السموات علي الارض اي علي هذه العناصر العرضية و القي شعلاتها عليها و ضرب بتلك الايدي بعضها ببعض و نعمت و اختلطت و امتزجت و تفاعلت و تعانقت بسبب حرارة الاشعة و برودتها و حرارة الليل و برودة النهار او بالعكس ظاهراً فحصلت الجمادات باختلاف طبع البقاع و اختلاف الفواعل و قراناتها فان من البقاع مايكون شرقياً و بعضها غربياً و بعضها جنوبياً و بعضها شمالياً و بعضها برزخياً بين الجهات و الفواعل ايضاً بعضها حار بعضها بارد بعضها رطب بعضها يابس بعضها مركب ذوجسدين بعضها معتدل بعضها قوي في طبع فتختلف المواليد اي الجمادات بحسب اختلاف الفواعل و القوابل فلما جمد فيها رطوبات المطاوعة لم‏يصعد ازيد مماتري فبقيت علي حالها و لم‏يصعد. ثم ادار الفواعل علي القوابل دورة اخري لتحصيل الغاية و اثار القوابل مرة بعد مرات فنعمت و اختلطت و امتزجت و اعتدلت في الجملة فحصلت المعادن باختلاف البقاع و الفواعل ثم لما جمدت رطوبات المعادن بقيت لم‏تطاوع الفواعل اكثر مما كانت فادارها دورة اخري و اشرقت بانوارها علي الارض و اثارت لطائفها بعد التنعيم في الدورات السابقة فرقت و لطفت و نعمت اكثر من السابق و اعتدلت اجزاؤها و اختلطت و امتزجت و انفعلت بعضها في بعض و انكسرت الحرارة في البرودة و بالعكس و الرطوبة في اليبوسة و بالعكس و صارت شيئاً واحداً معتدلاً بالنسبة ليس بحارّ و لا بارد و لا رطب و لا يابس و تعلق من مبدأ الفياض روح الوحدة عليها و صار مستوياً علي اركان عرشه و هو المعبّر عنه بالمزاج الخامس و الطبيعة الخامسة و صار روحاً في جسد العناصر يفعل مايشاء

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 58 *»

و يحكم مايريد و كانت العناصر مسخرة تحت سلطانه منقادة مطيعة له تتحرك بحركته و صار كل واحد منها عبداً من عبيده و آلة من آلاته في اجراء امره و نهيه فصار يجذب المنافع بالنار الحارة اليابسة المقتضية للجذب و يمسك بالتراب البارد اليابس المقتضي للقبض و يهضم بالهواء الحار الرطب المقتضي للطبخ و يدفع الفضول المضرة بالماء البارد الرطب المقتضي للدفع و يغير الغذاء علي صورة اجزاء المركب و اعضائه بالمغيرة التي اعلي الهاضمة و يزيد و ينمي بالغاذية التي هي اعلي الجاذبة و يوصل الغذاء الي كل جزء علي حسبه بالمربية التي هي اعلي الكل و كل هذه القوي و الافعال خوادمه و آلاته في اجراء فعله و فعل جميع ما فعل لاجل تحصيل الاجزاء المناسبة لبدنه من الارض ليبقي بدنه علي نحو الاعتدال المناسب لحاله ليتعلق به و يأمر و ينهي و ذلك الروح غير بدنه بالبداهة. اماتري انك تري جسد النبات كما تري جسد سائر المعادن و الجمادات و لاتقدر علي رؤية الروح النامية التي فيه. نعم لما رأيت انه اي جسد النبات يزيد و ينمو و ينقص تستنبط بحواسك العليا بان فيه روحاً يفعل هذه الافعال و لاتشك ان الجسد بنفسها لايزيد و لاينقص لانك رأيت انه بعد القطع هو هو بعينه لاينقص منه شي‏ء الا انه لايزيد و لاينقص فتعلم ان صاحب هذه الافعال غير هذا المحسوس بالعين بالبداهة و لاتزعم ان جسد النبات هذا المحسوس لان كل روح مع جسده لابد و ان يكونا متشاكلين و الا لمايتعلق به الروح و لايمكنه النفوذ فيه و لابد و ان‏يكونا من جنس واحد حتي يقع بينهما التفاعل و التمازج و الاتحاد فلو كان الروح لطيفاً و الجسد كثيفاً لايزدوجان البتة لوقوع التنافي التام بينهما. اماتري ان الهواء بسبب لطافته لايمازج التراب الكثيف و لايمكن تركيبهما مع كونهما من جنس واحد لان كليهما عنصر غاية الامر ان احدهما لطيف و الاخر كثيف فكيف ظنك بلطافة الروح بل الروح الطف من الهواء بسبعين مرة فكيف يمازج هذا الجماد المحسوس حاشا فيكون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 59 *»

الجسد النباتي مشاكلاً للروح النباتي لامحالة ليقع بينهما التفاعل و الاتحاد فكما لايري الروح النباتي لايري جسده ايضاً و جسده الاصلي فوق هذه الاجساد العرضية و هذا الجسد المحسوس وقاية له عرضي كاللباس العرضي لبدنك تلبسه لوقاية بدنك و حفظه فكما ان لباسك ليس جزء بدنك و ليس مما به بدنك بدنك بل ربما تخلعه في يوم مرات و لاينقص من بدنك شي‏ء و تلبسه و لايزيد في بدنك شيئاً نعم تحتاج اليه لحفظ بدنك عن الحر و البرد و غيرهما من الواردات و لولاه لينكأ بدنك عن الافات و يمرض كذلك النفس النباتية قد البست جسدها الاصلي بهذا اللباس العرضي ليكون صوناً له عن الافات الواردة عليه لاسيما لما كان مددها من هذه الارض و لابد من واسطة بينها و بين الارض فاختارت هذا الجسد المناسب للارض و جعلته ممراً للاستمداد لانها بنفسها للطافتها لم‏تطاوعها الاجزاء الارضية فلابد من كلاب و واسطة مناسبة الاجزاء الكثيفة لتجذبها بتلك الالات الي نفسها كالشخص القائم علي السطح لو اراد ان‏يصعد اليه الاشياء الثقيلة من السفل لابد له ان يرسل حبلاً يتعلق بالثقيل ليصعده اليه و ليس الحبل جزءاً منه و لا اليه و انما هو آلة مناسبة لتصعيد الاثقال فكذلك@فلذلک خ‌ل@ هذا الجسد المرئي من النبات ليس بجسد النبات و انما هو عرض له قائم به قيام اللباس ببدنك.

بالجملة فلما حصل النبات و ليس له مطاوعة لفعل الفاعل اكثر مما قد طاوع لجفاف رطوبته و عدم لطافته كمال اللطافة وقف في هذه الرتبة من الوجود فلما رأي المبدأ ان النبات لم‏يطاوعه كما اراد ادار السموات دورة اخري علي الارض و اثارتها مرة بعد المرات السابقة و حصلت مادة الطف و انعم و اعدل من المواد المأخوذة من قبل فرقّتها و ربتها و صعدتها الي رتبة الجماد ثم الي رتبة المعدن ثم الي رتبة النبات ثم رفعتها الي مقام اعلي منها و استخرجت من غيوبها روحاً اقوي حساساً متحركاً مبصراً سامعاً شاماً ذائقاً لامساً ذارضي و غضب لم‏يقم علي ساق واحد بل يتحرك و يسير في اطراف

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 60 *»

الارض و هذا الروح هو روح الحيوة التي هي في غيب فلك القمر و لما كانت سماوية كانت خصالها خصال السموات من الحركة و الانتقال لكن لما كانت مقيدة بقيد الجمادات الجامدة لاتتمكن علي اظهار خصال مبدئها كما هو فتظهر حركتها مستقيمة انتقالية و لو طاوعتها الجمادات لتحركت بالحركة الوضعية البتة و الحيوان الحقيقي هو المبصر السامع الشام الذائق اللامس الشاهي لما يناسبه الفارّ عما ينافره فمايري من الهيأة المخصوصة بالعيون العرضية في الحقيقة ليست بحيوان و لا هذا جسمه الاصلي و انما جسمه مايتركب معه روحه و جسمه فوق افلاك هذه الدنيا و الطف من محدب العرش فما فيه من الروح النباتية و الجسم النباتي و الجسد الجمادي اعراض له و آلات بها يفعل في هذه الدنيا مايفعل و انما سمي هذا المحسوس بالحيوان لما طاوع النفس الحيوانية و تحرك بحركتها و تسكن بسكونها فاذا كان حال الحيوان هكذا فماتزعم بالانسان.

بالجملة لما يئس المبدأ عن الحيوان و يري([31]) انه لايطاوعه اكثر مما قد طاوع لعدم صفاء قابليته ادار السموات دورة اخري علي الارض بعد دوراتها@دورانها خ‌ل@ عليها و تلطيفها اياها و تنعيمها مراراً لاظهار الافعال الحقيقية غير العرضية و انما ادار السموات اول لارادة اظهار الذاتيات في العالم و لما كان فعله غير ممنوع عن الاشياء ينفعل بفعله كل من الجماد و النبات و الحيوان علي حسب قوابلها و استعدادها و ليست هي مقصودة بالذات فدارت السموات علي الارض و اثارتها و استخرجت لطائفها و دبرتها و صفتها عن الاكدار اكثر مما سبق فاخذت مادة جمادية الطف و اصفي من جماد الجمادات و من جماد النباتات و الحيوانات و استخرجت منه روحاً نباتية اصفي من روح النباتات و استنبطت منها روح حيوة اصفي من روح الحيوانات فجماديته و نباتيته و حيوانيته و ان كانت من جنس سائر الجمادات و النباتات و الحيوانات الا انها اصفي و الطف منها بمراتب شتي لانها كماتري لاتليق لركوب الانسان عليها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 61 *»

و هي تليق. نعم هي ايضاً من جنسها و ليست من الانسان و لاترجع اليها و هي البسة لبسها الانسان لحاجة و بعد رفع الحاجة خلعها و رجع كل الي اصله الذي بدي‏ء منه. و لما وصل الكلام الي هنا اقتضي فصلاً برأسه لكيفية نزول الانسان من عالمه الاعلي و لا قوّة الا باللّه.

فصل

لما خلق هذا الانسان الظاهر الذي يشارك الجمادات و النباتات و صفي مزاجه حتي صار بلطافة جوزهر فلك القمر ظهر فيه روح الحيوة المشارك فيها الحيوانات نوعاً صعد من قلبه الصنوبري تلك الروح الي دماغه و تلطفت في مدارج الصعود و تخلفت كثائفها الي ان وصلت الي دماغه في اول درجة منه التي سمتها الحكماء بالبطن الاول بقيت في تلك الدرجة بعض غلائظها و صعد خلاصتها فخلق من تلك الغليظة حسه المشترك و بعض الحكماء سماها البنطاسيا و وجه تسميتها بالحس المشترك علي زعم الحكماء لانه يشترك فيه الحواس الخمس الظاهرة لانها كلها تؤدي صورها المدركة اليه و هذا مع قطع النظر عن الاصطلاح تحقيق غير حقيق لان الخيال ايضاً مجمع جميع الصور المستنبطة من الحواس الظاهرة فلو جعل وجه الاشتراك بانه برزخ بين الحواس الظاهرة الدنياوية و بين الحواس الباطنة المثالية لكان اوفق الي الصواب و اقرب الي التحقيق.

بالجملة هذا الحس محل الصور المدركة بالحواس الظاهرة من المبصرات و المسموعات و المشمومات و المذوقات و الملموسات ثم تصعد تلك الروح درجة اخري حتي تصير بلطافة فلك الزهرة و تبقي غلائظها في تلك الدرجة و تصعد خلاصة خلاصتها فيخلق من تلك الغلائظ المتخيلة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 62 *»

و هي محل الخيال كالعين التي هي محل الابصار فكما ان العين بعينها لاتبصر و انما تبصر بها الروح الحالة فيها كذلك المتخيلة بنفسها لاتدرك شيئاً و انما يدرك بها الخيال الحال فيها. ثم تصعد الروح درجة حتي تصير بلطافة فلك عطارد و تبقي في هذه الدرجة ايضاً فضولاً فيخلق منها المتفكرة و هي ايضاً محل الفكر و الفكر روح حالة فيها و بها يتفكر كالروح الحالة في العين المبصرة بها. ثم تصعد الروح درجة حتي تصير بلطافة فلك المريخ و تخلف فضولاً و غلائظ و تصعد لطائفها فيخلق منها اي من تلك الفضول المتوهّمة و هي محل القوة الواهمة ثم تصعد درجة حتي تصير بلطافة فلك المشتري فتخلف فضولاً فيخلق منها العالمة و هي ايضاً محل لروح العلم و ليست بنفسها هي العلم لان معني العلم هنا هو الصورة المجردة عن المادة الزمانية و العالمة حصة من فلك المشتري الزماني فهي ايضاً محل العلم لا نفسه كما مرّ. ثم تصعد الروح درجة و تخلف فضولاً في تلك الدرجة و تصعد فتخلق منها العاقلة و هي ايضاً محل لقوة العاقلة لا نفسها كما مرّ ثم تصعد تلك الروح درجة حتي تصير بلطافة فلك الشمس و تبقي في تلك الدرجة ما هو من فلك الشمس و تصعد اللطيفة فخلق مما بقي مادة سارية في الكل و صارت قطباً لسائر محال الحواس فكما ان انوار الكواكب مكتسبة من الشمس و هي قطبها و ممدها كذلك ما خلق في الانسان من جنسها يصير قطباً و ممداً لسائر المدارك. ثم تصعد الروح درجة و تصير بلطافة الكرسي الوسيع فخلق من تلك الحصة مقر لظهور النفس فيه و سرير لسلطنتها و سمي ذلك السرير بالصدر. ثم تصعد خلاصة ما في الكرسي و تصير بلطافة فلک الافلاك و العرش المحيط الذي مبدأ المبادي في هذا العالم فخلق منها قلب الانسان الذي هو مستوي الرحمن. فاذا تمّ قبضاته العشر من الارض الي العرش صار كل قبضة منه لساناً سائلاً من اللّه سبحانه روحه لان كل واحد منها جاذب لروحه و كل واحد بدن لروحه الخاص به و كل هذه المراتب مراتب الروح البخاري الذي هو

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 63 *»

من صوافي العناصر و كلها مراتب نباتية الانسان اي نباتية بدن الانسان الظاهري الدنياوي العرضي. فاذا نشأ ذلك البخار في القلب الصنوبري و صار بلطافة فلك القمر يجذب من باطن روحه و هو روح الحيوة فاذا صعد ذلك البخار مشتعلاً بالحيوة من ارض البدن الي سماء الدماغ قلّ رطوبته المانع لتفصيل المراتب و غلب حرارته فصار دخاناً و ذلك تأويل قوله تعالي ثم استوي الي السماء فهي دخان فحييت بتلك الحيوة جميع المراتب الواقعة في الدماغ فصار كلها حياً بالحيوة الحيوانية و تلك الحيوة هي الحيوة البرزخية ليست مما به الانسان انسان بل بجميع مراتبه من جنس الحيوان الا ان لسائر الحيوان ليست لطافة بهذه المثابة حتي تتفصل منه المراتب بل حياته حيوة مبهمة قلبية و ليس لها حيوة دماغية فليس لها الحواس الباطنية و لذلك تري افعالهم افعالاً طبيعية من غير تدبير و ترديد و فكر و روية كما اخبر الصادق7 عن حالها فتري الصفراوي يصول و يفترس كالاسد و لايقدر علي الصبر و القرار علي حسب طبعه و البلغمي منها علي طبع البلغم كالحمار و لايقدر علي خلاف طبعه و لايخطر ببالهما خلاف الصفراء و البلغم اذ ليس لهما خاطر لان الخاطر من الحواس الباطنة. فماتري من افعالها توافق الحكمة و الصواب بحيث يتحيّر فيها الحكماء فليست منها من قصد و ارادة بل جلّ باريها من خالق يخلق خلقاً دائراً علي نهج الحكمة و الصواب من غير قصد فاذعن لحكمة الحكيم تعالي و اخشع له و اخضع لانه هو العليم الحكيم الذي اتقن حكمته و احكم صنعه و لاتغتر برؤيتك تلك الافعال من الحيوان و تزعم انها تصدر منها من روية و فكر و شعور أتزعم الزنبور تصنع هذه البيوت المسدسة المتساوية الاضلاع بحيث يعجز عن صنعة مثلها الانسان البالغ و أتزعم ان العنكبوت تنسج هذه الحبالة بهذه اللطافة و هذا التساوي الذي يعجز الانسان عن مثل نسجة منها مع حكمته و تدبيره و أتزعم ان النمل يدبر معاشها و يفكر في امره انه سيجي‏ء الشتاء و يدخر الحب و كلما يصل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 64 *»

اليه رطوبة تخرجه من بيوتها الي الفضاء في الشمس ليفني رطوبته كلا بل ذلك تقدير العزيز العليم فتبارك اللّه احسن الخالقين و هذه الحيوان ليست الا كآلة و قلم في يد الصانع الحكيم يظهر الافعال من شق القلم و هو غافل جاهل بما كتب و رسم. فاذا رأيت خطاً مستقيماً معتدلاً حسّن راقمه و لاتغفل عنه فترجع الي الالة و تزعم انها تعقل. نعم في الحيوانات درجات في البهمية فبعضها ابهم من بعض و ذلك الذي غر المغتر الذي عقله بالبصر بان فيها حواس باطنية او بعضها كما قال بعضهم فيها القوة الواهمة و بعضهم اثبت الخيال لها متمسكاً بانها تفر من المضار و تقبل الي المنافع فالجواب انه لا كلّ فارّ يفرّ عن شعور و لا كلّ مقبل اقبل عن قصد بل ربما فارّ يفرّ عن طبع و مقبل يقبل عن طبع بل كاد ان‏يكون افعال كثيرٍ([32]) من الاناسي الا قليلاً من غير قصد و شعور و انما تصدر عنهم بالطبع. فاذا كان هذا حال الانسان فكيف زعمك بالحيوان؟ الاتري ان الجبان لايقدر علي السير في الليل المظلم وحده و هو يعلم انه كل ما يكون بالنهار يكون بالليل و يحلف عن ذلك يميناً مغلظة و مع علمه و يقينه و حلفه علي يقينه لايقدر علي السير وحده و لو اجهد نفسه و شجعه بعلمه و ليس ذلك الا بحسب طبعه و بحسب اخلاطه المحترقة غير المعتدلة. و كذلك تري الشجاع يلقي نفسه في المهالك و لايخطر بباله ان فيها تلف النفس و تضييع الحال بل يعلم و يقطع بان في التهور هلاك([33]) و مع ذلك تهور و تري ان الرجل يعلم انه يموت عن قريب و لايشك في ذلك ابداً و يعلم ان وراء هذه الدار دار الاخرة و يعلم ان الاعمال الحسنة اسباب الصعود في المعارج و يعلم ان الاعمال السيئة اسباب الهلاك و اسباب الهبوط في الدركات و لايعمل الحسنات و لايترك السيئات. هب انه لايعتقد الاخرة الايعلم انه يموت عن قريب؟ بل يعلم انه يموت ولكن بعد الرجوع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 65 *»

الي مشاعره الباطنية و لما كانت مقهورة تحت سلطنة طبعه حكم طبعه في مملكة بدنه علي مقتضاه و لايمهله لان يرجع الي مشاعره بل بعثه علي الافعال علي مايقتضيه و ان علم مفاسده بعد الرجوع و بهذا العلم يحتج اللّه سبحانه عليه يوم القيمة. نعم كثيراًما يوجد من يعلم بمشاعره و يرتكب المعاصي عن عمد منه نعوذ باللّه و لا كلام في امثاله و الكلام في امثال من يعمل بحسب عادته و طبعه من غير روية و فكر و يوجد امثال ذلك كثيراً فيما بين الاناسي تراه حريصاً علي جمع الاموال ليلاً و نهاراً و لايستريح طرفة عين و اذا سألته لم ‏اتعبت نفسك هذا التعب و لاي شي‏ء و سبب لاتستريح من الطلب؟ تراه لا جواب له فمايعمل من هذه الافعال من غير روية فهي تصدر عن حيوانيته و لذا عدّ اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين في حديث تعداد النفوس من خواص النفس الحيوانية اكتساب الاموال و الظلم و الغشم.

بالجملة فلما حييت جميع مراتب الانسان من ارض بدنه الي سموات مشاعره بالحيوة الحيوانية استعد لظهور النفس فيه و تلك المراتب كالمرايا الموضوعة تحت شمس النفس فتظهر في كل مرءاة علي حسب طبعه و شكله لانها في نفسها ليس لها طبع و شكل من جنس طباعها و اشكالها و جعلها ظهورها في اي عالم من العوالم بين ظهراني الناس و اعطتها اسمها ليسميها الناس عند الحاجة اليه و نسبت الي نفسها كل ما فعلت تلك المراتب بالناس او فعل الناس بالنسبة اليها لانها قد افنت نفسها و حييت بالنفس الاعلي و اعرضت عن مقتضي انفسها و ابرزت مقتضي النفس الاعلي فصار الاعلي اولي بافعالها من نفس تلك المرايا. الاتري انه لما استولت روح النبات في بدن الجماد سمي هذا الجماد بعينه نباتاً عند اللّه و عند رسوله و عند اوليائه سلام‏اللّه عليهم و عند الناس في العرف و اللغة بحيث اذا نذر احد سقي نبات و سقي هذا الجماد وفي بنذره عند كل احد بل سقي النبات لايمكن الا هكذا و لا معني لسقي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 66 *»

النبات عند احد في عالم من العوالم الا هكذا. و من طلب غير ذلك فقد طلب محالا و اين يوجد الروح النباتية الا في بدن الجماد النامي و لولا هذا الجماد فواللّه لاتقدر علي الاتصال بالنبات بل ليس لك نبات مطلقاً اذا فقد هذا الجماد النامي بل ماسمعته من لفظ النبات انما تسمعه من لسان هذا الجماد و الا فمن اين تعرف النبات و تسمع لفظ النبات؟ فانك ان كنت من اهل بيت يقصدون من الفاظهم معاني فمعني النبات ليس الا هذا الجماد النامي و ان كنت ممن لم‏يقصد من لفظه المعني فقل ماشئت الا انا نخبرك بان لفظ الخبز موضوع لمعني في الخارج و كذلك لفظ الماء و النار فان كنت جوعاناً فاطلب المعني الخارجي المشبع و ان كنت عطشانا فاطلب المعني الخارجي المروّي و كذا ان احتجت الي النار فاطلب المعني و الا فلفظ الخبز لايشبعك ابداً و لفظ الماء لايرويك ابداً و لفظ النار لايحميك ابداً و ان ذكرت هذه الالفاظ سرمداً و تكون من الخاسرين الخائبين في الدنيا و الاخرة بل كفرت بالذي خلقك فسوّاك و عدلك و هداك لما روي عن اهل اللّه سلام ‏اللّه عليهم من عبد الاسم بدون المعني فقد كفر و كذلك اذا ظهر روح الحيوان في بدن الجماد و استولي عليه يعطيه اسمه و رسمه بحيث يطلق اسم الحيوان و تبادر الي الاذهان هذه الجثة الخارجية لا ماسواها من الارواح المثالية. نعم بعد علمك بالروح النباتية و بعد علمك بالجسد الجمادي تعلم ان هذا الجسد ليس من ذاتية الروح و انما هو مظهر لها لا نفسها لانه لو كان نفس النبات لمايختص بهذا الجسد المخصوص بل يلزم ان‏يكون كل الجمادات نباتاً فاذ لم‏يكن كلها نباتاً لم‏يكن هذا الجسد ايضاً نباتاً فاحفظ المراتب و لاتكن من الملحدين في اسماء اللّه سبحانه.

فصل

اذا تمّ مراتب شخص الانسان الظاهري يتعلق به الانسان الباطني

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 67 *»

و النفس الحقيقية فاول ماتتعلق به تتعلق بعناصره التي لولاها لكانت من الغافلين فاحيتها بحياته و حياته غير الحيوة الحيوانية و النباتية لانهما كانتا من قبل و كانتا من الغافلين. ثم تتعلق بمتخيلته فتشتعل بها فتصير تدرك الصور التي ادتها الحواس الخمس الظاهرة الي الحس المشترك ثم تتعلق بمتفكرته فتشتعل بها فتصير تترتب صورة و صورة و صورة و معني و تستخرج النتائج و اللوازم فاذا رأت تغيّر العالم و رأت التغير من لوازم الحدوث حكمت بان العالم حادث البتة و هذه النتيجة ولد بين الابوين الكبري و الصغري ولده الفكر ثم تتعلق بالمتوهّمة فتشتعل بحياتها فتدرك المعاني الجزئية في تلك الصور مثلاً اذا تصور الخيال بصورة هرب الشاة من الذئب يقابل بصورها القوة الواهمة فتدرك الواهمة من تلك الصور معناها و هو خوف الشاة من الذئب و عداوة الذئب للشاة. ثم تتعلق بالقوة العالمة فتشتعل بها و تدرك الصور المجردة عن المواد ثم تتعلق بالقوة العاقلة فتشتعل بها و تدرك معاني تلك الصور المجردة ثم تتعلق بصدر الانسان الظاهري فتشتعل بها و تدرك الصورة@الصور خ‌ل@ المجردة الكلية ثم تتعلق بقلب الانسان و تدرك به المعاني الكلية المجردة و ليس خواص تعلق النفس بالبدن هذه المذكورات حسب الا انه لما اشتهرت هذه ذكرتها و يقتضي ذكر ماندر فصلاً برأسه.

فصل

لايخفي علي الحكيم ان كل مايحدث في هذه الارض من الجمع و التفريق و الكون و الفساد و التركيب و التخريب و الغناء و الفقر و الصحة و المرض و الحيوة و الموت و العلم و الجهل و الرفعة و الوضع و كل مايحدث التي يجمعها لفظ الجمع و التفريق انما هو بواسطة الافلاك و اشراق اشعة الكواكب و حالاتها التي يقترن بعضها بعضاً و من المعلوم ان السموات انما تجري علي حسب ارادة اللّه سبحانه و ليست بنفسها مؤثرة تلك التأثيرات

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 68 *»

المتقنة كما روي مامعناه اذا اراد اللّه سبحانه احداث شي‏ء في الارض يلقي الي روح‏القدس و يلقي روح‏القدس الي الكواكب و تجري الكواكب علي حسب مااراد اللّه سبحانه و ارادة اللّه سبحانه غير ذاته علي مذهب الحق لان كل مايمكن سلبه عن اللّه سبحانه وقتاًما ليس بذاته اذ بسلبه يلزم سلب الذات ان كان عين الذات فتقول اراد اللّه سبحانه ان‏يكون زيد سعيداً و لم‏يرد ان‏يكون شقياً و اراد ان‏يكون عمرو شقياً و لم‏يرد ان‏يكون سعيداً بخلاف الصفة الذاتية كالقدرة مثلاً لانك لاتنفيها عنه سبحانه في حال من الحالات. فاذا كانت الارادة غير ذاته سبحانه فهي خلقه لانه حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فاذا كانت خلقاً لابد و ان تكون اول الخلق اذ المفروض انه خلق ماسواها بها. ثم لا شك ان عالم الاجسام يقع في ادني مراتب الوجود كما روي ان للّه سبحانه الف الف عالم و الف الف آدم و انتم في آخر تلك العوالم و اولئك الادميين  فبين هذا العالم الادني و بين الارادة التي هي الغاية القصوي عوالم عديدة ليست بجسم مثل هذه الاجسام البعيدة عن المبدأ و تلك العوالم وسائط المبدأ و اكمام المشية و مماكن الارادة و هي في غيب هذا العالم و تظهر ما في كيانها الي عيان هذا العالم علي حسب قابلية العالم لغنائها المكتسب من اللّه الغني المطلق. فاذا اراد اللّه اظهار امر و احداث شي‏ء في هذا العالم يجري فعله الذي ينزل في المراتب الغيبية علي يد مناسبة و يظهره في هذا العالم و لايجري فعله في كل شي‏ء بكل شي‏ء في هذا العالم لانه لايطاوع كل فعله كل شي‏ء. اماتري ان الاحراق مثلاً فعل من الافعال و لا فاعل في الوجود غير اللّه سبحانه قل اللّه خالق كل شي‏ء ولكن ابرز هذا الفعل علي يد النار و لم‏يطاوع الماء و الهواء و التراب لابراز فعل الاحراق و لايجبرها اللّه سبحانه علي الاحراق و كذلك الترطيب فعل من الافعال و يجري علي يد الماء و الترطيب و التسخين فعل الهواء و لايجري علي يد غيره و التبريد و الامساك فعل التراب و لايجري علي يد غيره من العناصر و هكذا الحيوة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 69 *»

مثلاً فعل القمر و لايجري علي يد غيره و هكذا كلما يجري اللّه سبحانه في هذه الارض ضرب لكل فعل باباً مخصوصاً و يبرز من كل باب فعلاً مخصوصاً مناسباً به و سبب اختلاف تلك الابواب عدم الامتزاج و الاعتدال و الاتحاد لان التراب شي‏ء برأسه ممتاز عن الماء و الماء شي‏ء ممتاز عنه و هما ممتازان عن الهواء و هي ممتازة عن النار و هي ممتازة عنها و هي ممتازة عن الفلكيات و كذلك القمر ممتاز عن عطارد و هما ممتازان عن الزهرة و هن ممتازة عن الشمس و هن ممتازة عن المريخ و هن ممتازة عن المشتري و هن ممتازة عن زحل و كلها ممتازة عن الكرسي و هو ممتاز عن العرش. فلاتتعلق بها روح متوحد مع كثرتها و تباين اجزائها فكأنها اطراف و املاك لايصدر من واحد منها الا فعل واحد فلما تركب منها مركب بحسن التدبير و اتقان التقدير بحيث يضمحل ترابه في مائه و يغلظ ماؤه فيه و كذا هواؤه و ناره فتصير ناره سائلة و هواؤه راكداً و ماؤه جامداً و ارضه سائلة فيختلط بعضها ببعض و يفعل بعضها في بعض و ينفعل بعضها من بعض و ينكسر سورة بعضها ببعض و يمتزج و يتحد و يصير شيئاً واحداً يسأل من المبدأ روحاً وحدانية و هو المسمي بالمزاج عند بعض و بالبلسان الطبيعي عند بعض و بالحرارة الغريزية عند بعض و بالقوة الخامسة عند بعض و بالقوة الخارجة عند بعض و بالرحمن المستوي عند بعض.

بالجملة لما توحدت العناصر تستحق من المبدأ الفياض روحاً مناسباً له و هي الروح الواحدانية لان بين الروح و الجسد لابد من مناسبة و مشابهة حتي يتعانق كل واحد صاحبه بتلك المناسبة و لولا ذلك لاستحق كل جسد بكل([34]) روح و تري عياناً ان الجسد اذا تركب علي هيأة الاسد تعلق به روح الاسد و اذا تركب علي هيأة الفرس تعلق به روح الفرس و ان تركب علي هيأة الانسان تعلق به روح الانسان فلم‏يتعلق روح الانسان ببدن الفرس لعدم المناسبة لان في روح الانسان كمالات لايمكن له ابرازها الا بالبدن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 70 *»

المناسب له المطاوع لامره و بدن الفرس لم‏يطاوع تلك الروح اللطيف ذاقوات كثيرة و كذلك سموات المركب اذا امتزج بعضها في بعض و اتحدت و امتزجت مع عناصره و اتحدت علي حسب ماتري في الانسان تعلق بذلك المركب روح لطيف متحد نافذ قوي الطف و اشرف و اقوي و اوحد من الروح التي تعلقت بالسموات و الارضين بالف مرة فهذا هو الولد الذي اشرف من ابويه بمراتب لاتحصي و يطاوع بدنه الروح الغيبي في ابراز ماشاءت و ارادت ما لم‏يطاوعه هذه السموات و الارضين فلربما يظهر من بدن المركب المتوحد فعل و امر في طرفة عين ما لم‏يظهر من السموات و الارض في الف سنة بل آلاف سنة كما يفعل الاكسير في ساعة ما لم‏يفعل السموات في آلاف سنة فيظهر من عرش ذلك المركب الذي هو قلبه جميع مايظهر من هذا العرش في طرفة عين ما لم‏يظهر من هذا العرش في آلاف سنة و كذا يظهر من كرسيه الذي هو صدره ما لم‏يظهر من هذا الكرسي([35]) و يظهر من زحله الذي هو عاقلته ما لم‏يظهر من فلك زحل في آلاف سنة و يظهر من مشتريه الذي هو عالمته ما لم‏يظهر من فلك المشتري في آلاف سنة و يظهر من مريخه الذي هو واهمته ما لم‏يظهر من فلك المريخ في آلاف سنة و يظهر من شمسه التي هي مادته الثانية ما لم‏يظهره فلك الشمس في آلاف سنة و تظهر من زهرته التي هي خياله ما لم‏يظهر من فلك الزهرة في آلاف سنة و يظهر من عطارده التي هو فكره ما لم‏يظهر من فلك عطارد آلاف سنة و يظهر من قمره الذي هو حياته ما لم‏يظهر من القمر آلاف سنة و يظهر من ناره التي هي صفراؤه ما لم‏يظهر من كرة النار آلاف سنة و يظهر من هوائه الذي هو دمه ما لم‏يظهر من كرة الهواء آلاف سنة و يظهر من مائه الذي هو بلغمه ما لم‏يظهر من كرة الماء آلاف سنة و يظهر من ترابه الذي هو سوداؤه ما لم‏يظهر من كرة التراب آلاف سنة و يظهر من مجموعه ما لم‏يظهر من مجموع

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 71 *»

هذا العالم آلاف سنة فمثله كمثل الاكسير الذي يدبر بالعناية الخاصة و يكمل الاجساد الناقصة في ساعة ما لم‏يكمله هذه الافلاك و الارضون في سنين عديدة و ذلك لان التأثير و التكميل من الارواح النافذة لا من الاجساد الكثيفة فكلما غلب الروحانية في الشي‏ء يكون تأثيره اقوي و كلما كان اقل كان تأثيره اقل و لايكون سبب غلبة الروحانية في شي‏ء الا للطافة مادته و نعامتها و اعتدالها و عدم حجبها الارواح التي في غيبه و لايكون سبب غلبة الاجساد الا لكثافة مادة الشي‏ء و اختلافها و كدورتها المانعة من سريان الروح في جميع اجزائه و اظهار افعاله من جميع جهاته.

فلما كان هذا المركب الذي هو الانسان الكامل للطافة مادته و نعامتها و اعتدالها لايحجب الارواح المحتجبة به يريها كما هي لان تلك الارواح لايمنعها مانع عن الظهور و التأثير الا كدورة المواد انت لاتحتجب عن خلقك الا ان تحجبهم الامال دونك  فاذ لم‏يحجب الكامل المعتدل عن الارواح المؤثرة فنفذت فيه اثرت فيه و به فيصير جميع افعاله و آثاره و انواره افعال الارواح و آثارها و انوارها و هو بنفسه يضمحل في جنب سطوع بهائها بحيث يموت عن نفسها و يحيي بتلك الارواح فاذا حي بتلك الارواح و عمل بمقتضاها و لم‏يعمل بمقتضي نفسه تعطي اسمها و رسمها اياه و تصدق عليه اسماؤها شرعاً و عرفاً و لغة و يصير جميع معاملاته مع الخلق معاملات الارواح مع الخلق و جميع معاملات الخلق مع الارواح معاملاتهم معه اذ طرق الخلق الي تلك الارواح مسدودة و طلباتهم مردودة اذ لا سبيل لهم اليها الا من ابوابها و ابوابها لاتكون الا ماتظهر فيه و لاتظهر الا في هذه الابدان المخصوصة فكان هذه الابدان هي الارواح الظاهرة و ظاهر الارواح فان اردت الارواح فهذه هي الارواح و ان طلبت ارواحاً غيرها فاطلب مدي عمرك بل عمر الدنيا و لعمري لن‏تجد سبيلاً الا علي هذا النحو. ان اردت النبات فاطلب الجماد النامي فانه هو النبات شرعاً و عرفاً و لغة عند اللّه و عند رسوله

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 72 *»

و عند اوليائه: و ان طلبت النبات و قصدت غير ماقصده اللّه سبحانه فانك لم‏تعرف النبات البتة فاسع اولا في صفة النبات حتي تعرفه و تعرف ان لا سبيل لك الا الي الجماد النامي و لولا هذا الجماد النامي لماعرفت النبات مطلقاً ابداً ابداً. قال7 بنا عبد اللّه و لولانا ماعبد اللّه و بنا عرف اللّه و لولانا ماعرف اللّه، ماآتاكم الرسول فخذوه و مانهاكم عنه فانتهوا، من يطع الرسول فقد اطاع اللّه، من اطاعكم فقد اطاع اللّه، السلام علي من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه كمن عرف الجماد النامي فقد عرف النبات و من جهله فقد جهله فلا سبيل الي اللّه سبحانه الا الي الانبياء و الاولياء: و من طلب غير ذلك فلايعرف النبات و الا فمعني النبات في العوالم هذا الجماد النامي لا غير.

و لاتزعم من المثال بان اللّه روح في بدن اوليائه لعن اللّه من اعتقد ذلك لانه سبحانه بذاته احد ممتنع معه ماسواه نفياً و اثباتاً و هو لايحل في اجسام عباده ولكن خلق لنفسه ارواحاً و نسبهم الي نفسه و شرفهم بهذه الشرافة و اختارهم من بين خلقه و جعلهم قائمين مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به الافكار و لاتمثّله غوامض الظنون في الاسرار قال سبحانه و نفخت فيه من روحي فله روح اذا تعلقت ببدن يسمي ذلك البدن باسم تلك الروح يقيناً ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏تري من فطور فان طلبت النبات فاطلب الجماد الذي يظهر فيه صفات النبات من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الزيادة و النقصان و ان طلبت الحيوان فاطلب الجماد الذي فيه آثار الحيوان من السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب و لاتتعب نفسك في تحصيل ما لايصل اليه يدك ابداً و ان اردت انساناً فاطلب الجماد الذي ظهر فيه الروح النفسانية([36]) فاعرفها بخواصها التي عرفها اميرالمؤمنين7 من العلم و الحلم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 73 *»

و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و لاتستدل بان قوي الانسان مثلاً هذه الخصال و هذا جماد ألم‏تر انها تظهر منه فخذ ما منه اليك و لاتطلب ما لا سبيل لك غير ذلك و ان اردت روحاً اعلي من الروح الانسانية فاطلب الجماد الذي ظهر فيه تلك الروح و اعرفها بخواصها التي بيّنها اميرالمؤمنين7 في النفس الكلية و هكذا اي حقيقة طلبتها فاعرفها بخواصها من الجماد الذي ظهرت فيه تلك الخواص فان اللّه سبحانه عدل رؤف رحيم لايكلفك ما لم‏يظهر في رتبتك حتي تقدر علي عرفانه. ألم‏تر هذا الجماد المحسوس الملموس ذاطول و عرض محدود صعد المنبر و خطب الناس و قال انا مرسل الرسل و انا منزل الكتب و قال انا الاول انا الاخر و انا الظاهر و انا الباطن و انا بكل شي‏ء عليم و قال انا الذي لايقع علي اسم و لا صفة و قال ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزّ و جلّ و معرفة اللّه عزّ و جلّ معرفتي  و امثال تلك العبارات في الكتاب و السنة و اخبار العترة كثيرة ادخرها اللّه سبحانه لمن سبق له من اللّه الحسني و سترها عمن هو اعمي و الحمد للّه رب العالمين بل انك ان تعمقت في فكرتك و تدبرت في نزول الانبياء من لدن آدم7 الي الخاتم صلوات‏ اللّه عليه و آله فماوجدت غير هذه المسألة التي هي غاية الغايات و نهاية النهايات.

علم المحجة واضح لمريده   و اري القلوب عن المحجة في عمي

و ان تعمق العاقل في ابتلاء الانبياء و الاولياء: و في مشقّتهم و سعيهم في الابلاغ هذا المبلغ عرف ان جميع ذلك ليس لاجل فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الي المرافق و امسحوا برؤسكم و ارجلكم الي الكعبين و عرف ان هذه المشاق لاتكون الا لاجل امر عظيم و هو معرفة اللّه سبحانه كما اخبر سبحانه ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و روي اي ليعرفوني و قال في القدسي كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف و هل يحصل لك معرفة شي‏ء من الاشياء الا ان‏يكون

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 74 *»

ذلك الشي‏ء في عرصتك تدركه حواسك و مشاعرك فانصف ربك و اختر لنفسك ماينجيها أيقصد من هذه الاوامر التي يأمرك معني ام لا و ان قصد منها معني واقعاً حقيقياً و لم‏يلعبوا بك بالفاظهم فهل يمكن ان‏يكلّفوك ما هو فوق مشاعرك كلاّ بل قال لايكلّف اللّه نفساً الا ماآتاها و الا وسعها فلاتلعبن باوامر ربك العليم الحكيم العظيم و باوامر العلماء الحكماء العظماء: و خذها بالطوع و الرغبة و انظر فيها بنظر التعلم في نهاية الدقة و اصدع قلبك بمعناها لانها امور عظيمة جاءت من عند العظماء و لاتلعب بها و لاتكن كأبناء الدنيا الفانية الذين يأخذون مايصلح دنياهم و يتركون ماامروا ان لايكتموها لزعمهم انها لاتصلح دنياهم و قد خبطوا خبط العشواء في ذلك فان صلاح الدنيا و الدين في اتباع الانبياء و المرسلين عليهم صلوات المصلين. فان اخذ احد تلك الاوامر بقلب ساكن و فكر دائم صائب و نور لائح لامع عرف لزوم وجود الركن الرابع و وجوب ظهور النور السابع الذي قال7 المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً ثم معرفة الامام رابعاً ثم معرفة الاركان خامساً ثم معرفة النقباء سادساً ثم معرفة النجباء سابعاً فكل حقيقة من الحقائق طلبتها فاطلبها من مظهر لها في هذه الدنيا.

و اعلم ان كل حقيقة من الحقائق ليست فرداً مميزاً في عالم‏ما حتي تستطيع ان‏تتوجه اليه و تطلبه فان طلبت حقيقةً‏ما من الحقائق من دون توجه الي تجليه الظاهر في المظهر فاعلم انك توهمت من عند نفسك شيئاً لم‏يكن مطابقاً للواقع و لم‏تصل حينئذ الي شي‏ء و تكون ممن قال سبحانه في حقه افرأيت من اتّخذ الهه هواه بل الحقيقة ما لم‏تتجل علي فرد لم‏تكن نعم ان تجلت تكون في عالم اعلي و يكون ظهوره في عالم ادني و لابد للحقائق التي تريد ان‏تعرفها ان‏تكون ظاهرة في مظهر من المظاهر التي هي مجانس لحواسك و ما لم‏يظهر لاتكون مكلّفاً بمعاملة معه فکل من کلفک بمعرفته

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 75 *»

لايعقل الا  ان‏يكون ممن يدخل في حواسك لضرورة المناسبة بين المدرك و المدرك فجميع المراتب العالية التي كلفك اللّه سبحانه معرفته رجال قال تعالي مثل نوره كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنّها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضي‏ء فالنور هو الظاهر لنفسه المظهر لغيره و هو الفؤاد الذي هو نور اللّه سبحانه الذي نور السموات و الارض لاحاطته السموات و الارض لانه آية اللّه سبحانه المحيط باحديته بكل شي‏ء و هو المصباح الذي يهتدي المهتدون بضياء انواره و يستمد المستمدون من فضل نواله ولكن لما كان نوره في غاية الضياء و التلألؤ قد اعمي الناظرين عن النظر اليه فخفي لشدة ظهوره و استتر لعظم نوره فاستدعي قوابل المخلوقات ستراً و حجاباً ليمتازوا فيستطيعوا للاشارة الي ربهم و الخشوع له و الاستعانة به و العبادة له فلذلك اتخذ لنفسه زجاجة العقل الذي ليس بصرافة الفؤاد المعري عن الصور و ليس كسائر المواد المتصورة المتكثرة لبطلان الطفرة في الوجود و لما كان العقل ايضاً لمعنويته و كليته و عدم تصوره بالصور كان غير مدرك للمخلوقين لشدة رقة زجاجته و تلك الزجاجة هي الصورة المعنوية التي هي نفي مادونه فلذلك كان كأنه لم‏يكن شي‏ء و كأنه هو الفؤاد لا غير علي حذو قول الشاعر :

رقّ الزجاج و رقت الخمر فتشاكلا فتشابه الامر
فكأنّما خمر و لا قدح و كأنّما قدح و لا خمر

فتنزل في عالم النفوس و يظهر من وراء مشكوة النفس فاذا وصل الي النفس و تسربل بسربال الامتياز فاستطاع الخلق علي النظر اليه و الاستماع منه و التمسك و الاستعانة به فلما نظروا اليه رأوا رداء العظمة و الكبرياء علي عاتقه و عرفوا ان جمال اللّه كان معانقه و جلال اللّه سبحانه يتفرع منه الي حضرته اذعنوا له بالرقاب الخاضعة و القلوب الخاشعة فسجدوا للّه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 76 *»

سبحانه و اقتربوا بعد ماامروا اذ قال ربک للملائكة اسجدوا لآدم و تلك المشكوة هي البيت المعمور الذي في السماء الرابعة فهي مقام النفس الواقعة في المرتبة الرابعة فلما كان البيت في السماء الرابعة و لم‏تنل اليه ايدي اهل التراب استدعوا نزوله و هبوطه فقالوا «اين الثريا من يد المتناول» و «اين التراب و رب الارباب» انزل اللّه سبحانه المشكوة في كعبة عالم التراب. في الزيارة فجعلكم بعرشه محدقين حتّي منّ علينا بكم فجعلكم في بيوت اذن اللّه ان ترفع و هذه البيوت هي مظاهر تلك النفس و ابدان تلك الارواح في عالم الدنيا و الزمان المدرکة لابصار العباد فالمصباح مثال نور اللّه سبحانه الملقي في بطن زجاجة العقل المحجوب بحجاب النفس المستور بمشكاتها المضروبة في بيوت الابدان الزمانية التي اذن اللّه ان ترفع و يذكر فيها اسمه ‏اي اسم اللّه و يسبح فيها بالغدو و الاصال بالبناء للمفعول اي يسبّح اللّه و ينزه فيها بالغدو و الاصال او بالبناء للمعلوم اي يسبح اللّه من يشاء اللّه هدايته فيكون الموصول فاعل يسبح فيسبح اللّه فيها من يهدي اللّه لنوره بالغدو و الاصال فاوجب اللّه سبحانه قصد تلك البيوت علي المستطيع اليه سبيلاً و الاستمداد منها بالطواف حولها في سبع مراتب و عدّ تاركه كافراً.

و لما رمز في هذه الايات و فصل بعضها عن بعض صوناً عن غير اهله اراد ان‏ينبه لاهله لئلايحرمه فجري الكلام علي نهج الابدال فقال رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه  اي تلك البيوت رجال لايمنعهم مانع عن ذكر اللّه بحيث صار وجودهم ذكر اللّه لانهم معصومون عن حجب نور التوحيد و ذكر التفريد و صار نور اللّه فيهم غالباً بحيث اذا نسب شي‏ء منهم الي اللّه سبحانه كان اولي من النسبة الي انفسهم و لذا قال تعالي و مارميت اذ رميت ولكنّ اللّه رمي اي نسبة رميك الي اللّه اولي من نسبة رميك اليك و قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و من اراد الوصول الي حقائق الامور فلايحمل كلام اللّه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 77 *»

سبحانه علي المجاز فاذا تفكر في هذه الاية الشريفة و دقق النظر مامعني هذه الاية فهل يجوز ان‏يقول الحكيم من اطاع زيداً فقد اطاع عمراً و من عرف زيداً فقد عرف عمراً و من عرف شعيراً فقد عرف حنطة كلاّ بل من اطاع زيداً فقد اطاع زيداً و من اطاع عمراً فقد اطاع عمراً و من عرف شعيراً فقد عرف شعيراً و من عرف حنطة فقد عرف حنطة و من قال غير ذلك فقد قال كذباً. نعم اذا كان لشخص اسم و صفة يجوز ان‏يقول مثلاً من عرف محمّداً عرف رسولاً او بالعكس لان الاسم و الصفة كلاهما([37]) يقعان علي شخص واحد فيجوز ان‏يقال محمّد رسول و رسول محمّد مرة يحمل الذات علي الصفة و مرة تحمل الصفة علي الذات و هذان الحملان شايعان صادقان مصدقان مشعران علي الاسرار العظيمة الغريبة و لاتزعم منه([38]) جواز قول اَللّهُ محمّد و محمدٌ اللّه نعوذ باللّه لعن اللّه من زعم هذا بل اللّه اللّه و محمّد محمّد و المثل لايطابق الممثل من جميع الجهات فاذا قيل زيد كالاسد لايجب ان‏يكون زيد من جميع الجهات كالاسد نعم يكون في شجاعته كالاسد فالمراد من هذه الامثال ان لمحمّد9 مقام فناء و اضمحلال في جنب سطوع انوار اللّه سبحانه و صفاته بحيث لايملك لنفسه نفعاً و لا ضراً و لا موتاً و لا حيوة و لا نشوراً فاللّه سبحانه يفعل به مايشاء و يحكم علي لسانه مايريد و لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فاللّه هو الولي و هو يحيي الموتي و هو علي كل شي‏ء قدير ولكن فيهم و بهم كما يكون هو يحيي الارض بعد موتها ولكن بالشمس و القمر و السحاب و الرياح و الهواء و الماء و غير ذلك و ليست الالات شريكة له بل يستعملها متي شاء فيما شاء.

بالجملة و ذلك المصباح توقد من زيت شجرة مباركة فالزيت مقام

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 78 *»

الامكان الذي يصلح للضياء و هذا الامكان فوق عالم المقيدات فان اعلي مراتب المقيدات هو العقل فان دققت العقل و نعمته تري العقل المرتفع و الفؤاد الذي هو المصباح فالذي يستمد منه المصباح هو في عالم الرجحان فمقام الزيت مقام الوجود الراجح و المشية المطلقة و ذلك الزيت تستجاب@تستجلب خ‌ل@ من الشجرة فالشجرة@فللشجرة خ‌ل@ مقام فوق الرجحان بل مقامها مقام الاستواء علي عرش الرجحان لانها موصوفة بلاشرقية و لا غربية و مقام الاستواء مقام الاطلاق المحض الذي ليس فيه شائبة القيد و زيتها مقام الرجحان و المشية المطلقة الذي يكاد يضي‏ء فالمقام الاول هو مقام الكينونة و هو مقام الكينونة الذي قال اميرالمؤمنين7 كنّا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غير مكوّنين ازليين و هذا هو مقام الذات التي قال7 انا الذات انا ذات الذوات للذات و هذا هو مقام الحق الظاهر للخلق الذي قال7 نحن امره و حكمه و حقه فالذات التي هي صاحبة الصفات فهذه و اما الذات التي لايقع عليها اسم و لا صفة فهو هو و قد عبر اللّه سبحانه عن هذا المقام بالشجرة المباركة لانه غاية الغايات و نهاية النهايات الذي يتفرع جميع الاشياء من بركة فروعه و اغصانه و انواره و انوار انواره و انوار انوار انواره الي ما لا نهاية له لان عنده جميع التفاصيل كلية و جزئية امكاناً و كوناً اجمالاً و تفصيلاً مطلقاً و مقيداً ذاتاً و صفة و منسوباً و نسبة و اضافة لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصاها و كل شي‏ء احصيناه في امام مبين، و ماتسقط من ورقة الا يعلمها و لا حبّة في ظلمات الارض و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين فسبحان من احد يحصي جميع الكثرات و لايجري عليه كثرة و ذلك لان الكثرات اضداد للوحدة و هو سبحانه ينطوي في جنب احاطته الكثرة و الوحدة فلايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه، انتهي المخلوق الي مثله رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك و الطريق اليه مسدود و الطلب مردود،

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 79 *»

انا للّه و انا اليه راجعون فمقام البيان و المعاني و الابواب و الامامة هي المقامات التي تقع فوق عالم المقيدات لقوله7 نحن امره و حكمه و حقه و لقوله7  كنّا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين فهم كائنون من غير تكوين و من غير تمكين قابلية التكوين و مقام الاركان هو مقام الفؤاد الذي هو في اعلي الوجود المقيد لقوله9 اول ماخلق اللّه نور نبيك يا جابر فنور النبوة يقع في اعلي مقامات الوجود المقيد و مقام النقباء هو مقام العقل و مقام النجباء مقام الروح البرزخ بين العقل و النفس و سفير من العقل الي النفس و مقام النفس مقام الاناسي المأمورين بمعرفة هذه المراتب السبع و كل هذه المراتب انوار بعضها علي بعض نور علي نور و كلها نور اللّه سبحانه يهدي اللّه لنوره من يشاء و يضرب اللّه الامثال للناس اي هذه الانوار للناس و اللّه بكل شي‏ء عليم علم ان الناس لايستطيعون ان‏يصلوا اليه و الي صفاته الا بالوسائط فضرب لهم الامثال العليا مناً منه تعالي عليهم و لما كانت الاناسي في رتبتهم الدانية لم‏يقدروا علي معرفة الانوار العالية و الارواح المتعالية البست لباس الانسان و ظهروا بينهم و قالوا انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد اي القي في روعي هذا الوحي و لايكون هذا الوحي في روعكم ماكان لبشر ان‏يكلمه اللّه الا وحياً او من وراء حجاب او يرسل رسولاً فيوحي باذنه مايشاء فاذا البس لباسهم و نطق بلسانهم رأوه و سمعوا صوته و ان هو الا وحي يوحي علّمه شديد القوي.

بالجملة نزل ذلك النور اي النور الاول في كل عالم و كل مقام حتي لايخلو منه مقام و كلما نزل في رتبة اشتعل تلك الرتبة بذلك النور و صارت لساناً داعياً اليه بانه يقول كذا و كذا الي ان وصل الي مقام التراب و قال باللسان الترابي المشتعل بذلك النور قال النور كذا و كذا و كل تلك المراتب مقامات النور و علاماته التي قال7 في دعاء رجب و بمقاماتك

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 80 *»

التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك رتقها و فتقها([39]) بيدك بدؤها منك و عودها اليك فمرة نطق في اي مقام من مقاماته بمقتضي ذاته و بمقتضي صرافته عن شوائب المقامات فقال انا اللّه لا اله الا انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري  و مرة نطق بمقتضي نفس تلك المراتب فقال لا اله الا هو فاعبده و اصطبر لعبادته و في كلا الحالين ليس القائل الا هو فاعتبر من قوله تعالي تبارك الذي نزّل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً و قوله فانما يسّرناه بلسانك و قوله انه اي القرآن لقول رسول كريم ففي كلا الحالين هو القائل لان الرسول9 لاينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و بين هذين الحالين فرق عظيم فرق الرب و العبد فلربما تزل الاقدام فيها اما غلواً ان وصف الادني باوصاف الاعلي و اما تقصيراً ان وصف الاعلي باوصاف الادني قال7 من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة فلمعرفة المواقع يعنون فصل من علم الاشتقاق لتقع كل صفة في موقعها ليحصل بين المراتب افتراق.

فصل

لنا ضربان من الاشتقاق نحتاج الي كليهما في فهم المسائل لان المباينة بين الشيئين اما بينونة عزلة كبينونة زيد و عمرو و اما بينونة صفة كبينونة قيام زيد مع ذاته فان القيام ليس بمعزل من ذات زيد كعزلة زيد و عمرو ولكن غير زيد من حيث الحد فزيد غيره لانه يكون قائماً و قاعداً و آكلاً و شارباً و هو غيره اي القيام غير زيد لانه لايكون قاعداً و آكلاً و شارباً بل يكون قائماً فقط فزيد هو القائم وجوداً و اثباتاً و هو غير القائم احاطة و جمعاً و بينونة الاشياء اي ماسوي اللّه لاتخرج عن هاتين من مبدأ الخلق الي

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 81 *»

منتهاه فالاشياء المعزولة اما معزولة في الخارج الظاهر كعزلة زيد و عمرو و لا كلام فيه لوضوحه و ظهوره و اما مخلوطة ممزوجة كالسكنجبين فالكلام فيه لان المزلة فيه.

فنقول ان الحموضة المشتقة من الخل مثلاً لازمة له و تكون من صفاته و خصاله و خواصه و الحلاوة المشتقة من الانجبين لازمة له و من خواصه فلايتصف الخل بالحلاوة و لا الانجبين  بالحموضة و ان اقترنا و تخالطا و رئيا في المنظر شيئاً واحداً الاتري انهما تنفصلان بعد وضعهما في آلة التفصيل و ترجع الحموضة الي الخل و الحلاوة الي الانجبين فالعارف يعرف ان الحموضة من الخل و الي الخل منه بدئت و اليه تعود و الحلاوة من الانجبين و اليه منه بدئت و اليه تعود حين التركيب قبل التفصيل و لايشك ابداً بان الحموضة من الانجبين و الحلاوة من الخل.

فاذا عرفنا هذين الاشتقاقين نقول ان الكامل لما نزل من المحل الاعلي الي ان وصل الي مرتبة الناقصين و البس لباسهم و نزل الي مرتبة التراب و اغبر بغباره فكل مالحقه في مراتب النزول كانت مشتركة بينه و بين سائر الناقصين في النوع غاية الامر ان مالحقه كانت الطف و اصفي مما بقي و مما لحق الناقصين و كونها لطيفة لاتخرجه من تحت النوع و لكل مرتبة لوازم و مشتقات بدئت من تلك الرتبة المعينة و اليها تعود و لايجوز في الحكمة منع اللوازم عن الملزومات و المسببات عن الاسباب و المشتقات عن المبادي و في ذلك ابطال النظام و افساد القوام و الدليل علي صدق المقال عادة المتعال في اجراء فعله بهذا المنوال فممالحق بالكامل من العوارض عرض هذه الدنيا و ادناه اللباس الجمادي المحسوس بالعين الملموس باللمس فهذا الجماد اصل من الاصول و مبدأ من المبادي يتفرع عنه فروع كثيرة و لوازم عديدة و مشتقات متشتة.

ـ فمن فروعه و مشتقاته طول محصور و عرض محصور و عمق محصور فاذا كان محصوراً بين هذه الحدود المخصوصة يلزمه انه اذا كان في مكان يخلو منه سائر الامكنة بالمشاهدة

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 82 *»

و العيان فلاينبغي لغال ان‏يغلو فيه و يستدل بما سمعه اذن بدنه و لم‏يسمعه اذن قلبه بان الكامل مثلاً آية اللّه في العالمين و هو لايخلو منه مكان فهذا الكامل بهذا البدن لايخلو منه مكان و هو في كل مكان حاشا بل له طول مخصوص و اطول منه كثير في الدنيا و له عرض مخصوص و اعرض منه كثير و له عمق مخصوص و اعمق منه كثير و لايكون ذلك له نقصاً و لا عيباً.

ـ و من فروعه اي فروع هذا البدن الجمادي ان‏يكون له وزن معين فاذا يوزن باثقل منه في كفتين لترتفع كفته لامحالة فلاينبغي ان‏يستدل بان الكامل قلبه عرش الرحمن و ليس شي‏ء في الدنيا اثقل من العرش فهذا البدن اثقل من جميع الاشياء و ثمرة نوع هذا الاستدلال و فائدته انه لو رأي احياناً انه يوزن بشي‏ء اثقل ثم يرتفع يشك في جميع ما له من الاعتقادات و المعارف التي زعمها انها معارف و ليست بها فيميل مع كل ريح نعوذ باللّه.

و ليس المقصود بيان الطول و العرض و العمق و الوزن حتي يقول احد ماهذه البديهيات التي لم‏يخف علي ذي‏عين تضيع بها القرطاس لان مسائل الحكمة كلها من باب واحد الا ان بعضها سهل في بادي النظر لغاية وضوحه و تمييزه عن غيره و بعضها مشكل في غاية الاشكال لعدم تميزه عن غيره و كلها من باب واحد بعد التدقيق فان قدمت الواضحات لفهم المبهمات لاتكون سبباً لتضييع المال ان شاء اللّه.

ـ و من فروع هذا البدن لون مخصوص و حرارة و برودة و رطوبة و يبوسة مخصوصة كما تكون لسائر الجمادات و لسائر الابدان فان اقترن بذي‏لون اقوي ينفعل منه البتة كماتري يختضب و ينصبغ بلون الخضاب و ان اقترن بحرارة اقوي او برودة اقوي او رطوبة اقوي او يبوسة اقوي يتأثر منها كما يتأثّر سائر الابدان و سائر الجمادات و لذلك يصير مآله الي الفناء الدثور كسائر الابدان لانه بكل اثر يتأثر و كلما يتأثر يضعف بنيته و يضعف حرارته الغريزية الحافظة للبدن

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 83 *»

الي ان وصل الضعف في منتهاه فيتفرق كما يتفرق سائر الابدان و الجمادات و ليس لاحد ان يستدل بان اللّه سبحانه لايغيره الازمنة و هذا الكامل آية اللّه سبحانه فلايغيره الازمنة فلايمرض و لايموت ابداً بل يقول اللّه سبحانه انّك ميّت و انّهم ميّتون ثمّ انكم يوم القيمة تبعثون.

ـ و من فروعه انه اذا قطع بسيف حاد ينقطع كما قطعوا.

ـ و من فروعه انه اذا كثرت رطوبات باطنة@باطنه خ‌ل@ بسبب توجه الروح الي الظاهر في اليقظة تبخر و تصعد الي دماغه و تملؤه و تغلب علي الروح البخاري فتجتمع في قلبه للتقوي فيخر نائماً فلاينبغي الاستدلال بانه آية الذي لاتأخذه سنة و لا نوم فلاينام و هكذا سائر فروع هذا البدن و مشتقاته. اما بعد ما عرفت ان هذه الفروع مشتقات من هذا البدن و مبدأ اشتقاقها لايجاوز هذا البدن ليسهل عليك الامر من كثير من الاستدلال و تعلم ان هذه المشتقات ان كانت من الاوصاف الحسنة ترجع الي هذا البدن و ان كانت غير معتدلة مريضة ترجع الي هذا البدن كما بدئت منه تعود اليه فاذا كان نفس البدن من الاعراض التي لحقت بالكامل و ليس من ذاتيته فاي نقص يصل منه و من صفاته. اما سمعت من كراهة صورة لقمان مع صباحة حكمته و ليس هذا البدن العرضي الا كلباس ان خشن ليس بنقص اللابس و ان نعم ليس من كماله و الخشونة و النعومة كلاهما بدئا من اللباس و تعودان اليه و ماتري من علامات القيافة التي يستدل بها علي حسن النفس و قبحها مثلاً انما هي استدلال عليها من جهة حجب هذه الاعراض عنها و عدمه مثلاً اذا استدللت من خشونة الشعر علي شجاعة صاحبه و حمقه او من نعومته علي جبن صاحبه فذلك لان خشونة الشعر تدل علي غلبة النفسانية غير المعتدلة التي غلب عليها الصفراء التي تورث كثرة تولد البخار الدخاني الذي هو مادة الشعر الموجب لاتساع مسام البدن و من لوازم غلبة النفسانية و الصفراء علي البدن التهور و عدم المبالات بشي‏ء و عدم التفكر و التردد في شي‏ء فان كانت النفس ضعيفة مقهورة تحت سلطان الصفراء تنصبغ

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 84 *»

في بطن الصفراء و تظهر افعاله علي يد الصفراء علي مايقتضيه و كذلك نعومة الشعر تدل علي غلبة الروحانية الغالبة فيها البلغم علي بدنه و من لوازم البلغم الجبن و عدم الاستعلاء و سائر لوازم البلغم فان كانت النفس مع ذلك ضعيفة تجري افعالها علي يد البلغم علي مايقتضيه و لذلك تتخلف احكام اهل القيافة بالنسبة الي الكامل المرتاض الذي قوي اثر النفس فيه و لايجري افعاله علي مقتضي طبائعه و لذلك نهي في الشرع عن الحكم بمقتضي علم القيافة هذا. و ان دققت النظر تري ان النفس فيما هي عليه ليست بشجاع و لا جبان و انما هما من مقتضيات الطبائع.

بالجملة فاذا صعدت من البدن العرضي الجمادي و نظرت الي البدن النباتي و روحه فاعرف صفاته و خواصه من الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و الزيادة و النقصان. فاذا رأيت الانسان يأكل و يشرب و يزيد و ينقص و يسمن و يهزل فاعلم ان هذه من خصال نباتيته العارضة و لاتسند هذه الخصال الي المرتبة العالية لانها لاتأكل و لاتشرب و لاتزيد و لاتنقص و كذلك لاتسند خصال جماده العرضي الي نباته او اذا نسبتها الي مرتبة اعلي فانسب علي بصيرة لئلايلزم([40]) الغلو فاذا نسبت المشي الي النفس مثلاً فاعلم ان النفس ليس لها رجلان تنقلهما من مكان الي مكان بل و لاتحتاج الي النقل لو خليت و طبعها و انما مشيه لايكون الا ان تتعلق بالبدن الذي له رجلان فتنقل رجل بدنه او اذا نسبت الجذب و الاكل اليها فانسب اليها من حيث التعلق بالنبات فاذا قلت رأيت انساناً فاعلم ان الانسان علي ما هو عليه في ذاته لايري بالعين العرضي الترابي الا بدنه العرضي الترابي و هكذا اذا قلت رأيت نبياً فاعلم انه بذاته لايري الا ببدنه العرضي و معني رؤيته ليس الا هكذا. فان قلت رأيت الخاتم9 فاعلم انه بما هو هو لايري بالعين العرضي الترابي بل لايري بالاعين التي هي تحت مقامه و انما رؤيته بهذه العيون العرضية

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 85 *»

ليست عوارضه و انما رؤيته في العوالم العرضية ليست الا هكذا و اما رؤيته من حيث هو هو ليست الا بالفهم و المعرفة فان شئت سمّ فهمك و معرفتك له عينان و ذلك عين حقيقة ولكن لا بمعني عضو@عضو عضو خ‌ل@ منك تنطبع فيه شبحه بل بمعني انه اعارک عينه فتراه بعينه لا بعينك و تلك العين اذا اعطيتها لاتبقي انت و لا حواسك و لا فهمك و لا عقلك و لا معرفتك لانه بما هو هو ملأ اركان كل شي‏ء ففي الدعاء و بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت فانت مادمت انت لاتقدر علي رؤيته و ادراكه فضلاً عن ادراكه بالعين العرضي فاذا عدمت فانت لم‏تره و انما هو يري نفسه و ذلك معني ما روي اعرفوا اللّه باللّه و الرسول بالرسالة اه. فقل :

اذا رام عاشقها نظرة و لم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً رأها به فكان البصير بها طرفها

بالجملة فان رأيته و لك مشعر ادراك ما هو هو و تدعي ذلك يصدقك بل يأمرك علي ذلك و ان لم‏يكن لك مشعر ادراكه و رأيت بعض ما لحقه من العوارض و تدعي ادراك تلك الذات العالية عن الادراك بسبب سمعك بعض الالفاظ تقليداً او تسليماً لايصدقك و يقول بلسان هذه الرتبة التي ادركتها اني عبد من عبيد تلك الذات ما انا و ما خطري و كلما تلح لان يصدقك يوحش اكثر و صدق في وحشته لانك تري عبداً من عبيده و تريد ان تجعله مصداق ماسمعته تقليداً و لولا ذلك لما قال7 ان معرفتي بالنورانية هي معرفة اللّه عزّ و جلّ و معرفة اللّه عزّ و جلّ معرفتي و معرفة شي‏ء لايكون معرفة شي‏ء آخر كما مرّ في الفصول السابقة فمعني ان معرفتي اي معرفة اللّه فالمتكلم بان معرفتي هو اللّه لا غير بالنورانية اي بما انا انا هي معرفة اللّه عزّ و جلّ لان المتكلم هو اللّه و لاتزعم بانه اراد7 بان معرفتي معرفة علي معرفة اللّه عزّ و جلّ حاشا و لرفع هذا التوهم قال7 بالنورانية و قيد كلامه بها لان معرفة غير النورانية ليست بمعرفة اللّه عزّ و جلّ و عرفها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 86 *»

المؤمن و المنافق و الضعيف و القوي و لايجدي لهم نفعاً في معرفة اللّه سبحانه.

بالجملة ان عرفت النور في الطور و تدعي رؤيته صدقك لانك علمت حينئذ النور لايري بالعين الطورية و انما يري بالعين النورية و العين النورية هي معرفتك به لا غير و علمت ان حظ عينك الطورية من النور ليس الا الطور فانت رأيت الطور حينئذ و عرفت النور فان وصل اليك من هذا القبيل من الاخبار مثل من رآني فقد رأي الحق فاعلم ان رؤية اللّه سبحانه هي رؤية انبيائه: في الدنيا و الاخرة و اما رؤية ذاته فغير معقول لا في الدنيا و لا في الاخرة كما روي عن الرضا7 في حديث طويل.

بالجملة فان صعدت من جماده و نباته الي روح حياته فاعرفها بخصالها و خواصها كما روي عن اميرالمؤمنين7 حين سأله الاعرابي فخصالها السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و خاصيتها الرضا و الغضب. ثم اعلم ان نوع ادراك هذه الحواس كادراك سائر الافراد فالسمع حس يدرك الاصوات بواسطة الهواء ان وجدت فان منعها مانع غليظ بين الصوت و الحس لم‏يسمع سواء كان صاحب الحس نبياً او ولياً او مؤمناً او كافراً و العين حس يدرك الالوان و الاشكال بواسطة الضياء فلايدرك في الظلمة و لايبصر خلف الحجب غير الشفافة سواء كان البصير نبياً او غيره و لايلزم نقص ان لم‏يري النبي خلف الجدار لان شأن البصر هكذا و هكذا خلق نعم اذا رأي النبي خلف الجدار فرآه بحس آخر اعلي من الحواس الظاهرة و الشامة حس يدرك الروائح بواسطة الهواء و الذائقة حس يدرك الطعوم بواسطة الاعصاب المفروشة تحت اللسان و اللامسة حس يدرك الكيفيات من الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و امثالها فان لمس شيئاً يدركه و الا فلا و ليس بنقص للنبي ان لم‏يلمس شيئاً ان لايعلم بهذا الحس هذه الكيفيات فاذا سئل عن شي‏ء منها قبل لمسه و قال لااعلم([41]) صدق نعم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 87 *»

ان اراد اخبر بمشعر اعلي من هذه الحواس و كذلك الشأن في الشم و الذوق بلا تفاوت و من خواص هذه الروح الرضا و الغضب فان احست بشي‏ء مناسب لها ترضي و ان احست بشي‏ء منافر تغضب و اذا لم‏تحس بشي‏ء لاتظهر الرضا و الغضب كما مرّ في سائر الحواس حرفاً بحرف.

فان صعدت الي حواسه الباطنية من الخيال و الفكر و الوهم و غيرها فنوع ادراكها كادراك سائر الافراد ايضاً فحين كونه مشغولاً بالخيال يغفل عن الفكر و حين الاشتغال بالفكر يغفل عن الوهم و بالعكس و حين الاشتغال بخيال شي‏ء يغفل عن شي‏ء آخر البتة فلربما تسأله عن شي‏ء يغفل عنه فلم‏يجبك و يقول لااعلم و صدق و لم‏يعلم الا ان يتوجه الي نحو مسألتك و ينزل من نفسه الي خياله جبرئيل تلك المسألة كما روي يبسط لنا فنعلم و يقبض عنا فلانعلم مع كونهم في جميع مراتبهم مظاهر فعل([42]) اللّه سبحانه ولكن الفعل في بطن المظاهر يتشكل بشكل المظاهر و يتخصص بها ففي عالم الزمان الذي اوقاته متدرجة ماضيه غير حاله و هما غير مستقبله يظهر فعل الكلي المطلق فيه متدرجاً فيفعل شيئاً بعد شي‏ء و يعلم شيئاً بعد شي‏ء و هكذا في عالم المثال يظهر آثاره متدرجة بالتدريجات المثالية و في عالم الملكوت بالتدريجات الملكوتية و في عالم الجبروت بالتدريجات الجبروتية الكلية الدفعية و في عالم اللاهوت بالتدرج اللاهوتي و لاتدرج فيه فلاينتظر لنفسه شيئاً و كل ما له و ينبغي ان‏يكون له حاصل بالفعل حاضر لديه فلاتسأل منه في الزمان من بدنه الزماني حصول مايحصل له من عالم السرمد و اللاهوت فانه امر محال و لا في المسألة عنه جواب و لا للّه في معناه تعظيم و كذلك في المثال و الملكوت و الجبروت.

ثم اعلم انه يتكلم معك علي قدر مقامك كما روي نحن معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم فان كنت من اهل عالم الاجسام و تسأل عنه

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 88 *»

يقع سؤالك علي جسمه لامحالة فكلما تقول له انت تقع لفظ انت علي جسمه و هو ايضاً يكلمك علي قدر عقلك فان اجابك و قال انا يقصد من لفظ انا جسمه لامحالة فان سألته عن شي‏ء و ليس من شأن الجسم جواب مسألتك يقول انا لا اعلم ماعندي مسألتك و عبر عن المراتب التي تغيب عنك بهو و يقول هو يعلم او هو يقدر علي قضاء حاجتك و ماانا و ماخطري و يصدق في ذلك فان قلت ان كنت من اهل الجسم فماادري المسألة التي هي من فوق عالم الجسم قلت و ان كنت من اهل عالم الاجسام ولكن لك مراتب فوق هذه الاجسام ضعيفة في نهاية الضعف منغمرة في الاجسام مبهمة لاتقدر علي تمييز ماسمعته و قد سمعت بعض الالفاظ من المراتب العالية و تحفظها مجملة تقليداً من غير تحقيق فتسأل عنها و ليس ادراكها سوي ان فوق عالم الاجسام شي‏ءما و مرتبة‏ما بقدر رجوع ضمير هو لكن لاتميزها فتشاهدها حتي تخاطب معها فكما تقول هو يقول في جوابك هو فان قدرت علي التخاطب و التكلم بانت فحينئذ لاينكر نفسه فيجيبك بانا لامحالة و لما كان هو ابصر بحاله منك فاعلم انه كلما يجيبك بهو يعلم انك اهل هو فان اجابك بانا يوماًما فاعلم انك قد وصلت الي مقام انت و مادام يتكلم معك بلفظ انا@هو خ‌ل@ لاتتكلف بلفظ انت فانك كلما تقول انت تقع لفظ انت علي جسمه فيجيبك بالمطابقة لامحالة و انما حظك هو و لفظ انت رسول جاء من عند هو قال انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و اما اللّه سبحانه يقول اني انا اللّه لا اله الا انا فاعبدني و اقم الصلوة لذكري و كلا القولين يظهر من لسان واحد. الم‏تسمع قال انا عبد من عبيد محمّد9 و قال انا الاول انا الاخر و الظاهر و الباطن و انا بكل شي‏ء عليم و قال انا مرسل الرسل و انا منزل الكتب و محمّد9 رسول فمن عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة ففي مقام الجسم يفعل بمقتضي الاجسام و في عالم الارواح بمقتضي عالم الارواح ففي مقامات فيها تدرجات يعلم

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 89 *»

بالفعل اشياء و ينتظر اشياء و يحصل له اشياء و يترقب اشياء فكل ما لم‏يكن له حاصلاً يسأل دائماً و يتضرع و يبكي و يضطرب لانه لايأمن من مكر اللّه و يعلم انه ان شاء فعل و ان لم‏يشأ لم‏يفعل فيخاف من ربه اشد الخوف و يرجو رحمة ربه لاييأس من روح اللّه اشد الرجاء فبهذا يظهر فساد قول الصوفية التاركين الاعمال ببعض الخرافات التي يزعم مريدوهم انها عرفان بان المكلف غير المكلف و ان هو الا مكر و تلبيس و خديعة لتحصيل الراحة و ليكون مطمئناً في ترك الاعمال لعنهم اللّه و قولهم و فعلهم و اعتقادهم و تلبيسهم فان كانت هذه الاقوال من الدين و الايمان فالانبياء: اولي باظهارها و تعليمها و تراهم كانوا اخوف الناس و ارجاهم و اعبدهم و اعملهم و كيف لا و بهذه الاعمال و التضرعات تقربوا الي اللّه تعالي و الي جواره فأفنوا انفسهم بالاعمال و اظهروا ربهم لان العبودية جوهرة كنهها الربوبية فالعبودية ظاهر الربوبية و الربوبية باطن العبودية فاذا فني الظاهر ظهر الباطن و كلما رق الزجاج ظهر ما فيه من السراج الوهاج و كلما غلب السر و الباطن هتك الستر و الظاهر قال7 في دعائه غير ضنين بنفسي فيمايرضيك عني اذ به قد رضيتني و الاعمال اسفلها سؤال و عبودية و اعلاها الاستجابة و الربوبية فالجزاء هو العمل من حيث الاعلي و العمل هو الجزاء من حيث الاسفل قال تعالي ليس للانسان الا ماسعي و ان سعيه سوف يري و بقاعدة علم الاشتقاق يعلم ان ما لم‏يكن في عالم حروف اصول الشي‏ء لايمكن صوغ كلمة منها فما لم‏يكن ضاد و راء و باء لايمكن صوغ الضارب و المضروب فالضارب اعلي و المضروب ادني و حروف الاصول واحدة و في هذا العالم يكون الضارب منفصلاً عن المضروب ففي عالم الوصل يكون منظرهما واحداً و مخبرهما متعدداً فان المفعول الحقيقي هو المفعول المطلق و هو المصدر و هو تأكيد الفعل و نفسه من حيث الاسفل و اعلي الفعل هو الفاعل المراد باسم الفاعل و تلك الثلثة واحدة في المنظر ثلثة في المخبر و قد مرّ تفصيل ذلك في الفصول السابقة.

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 90 *»

فان صعدت من عالم المثال و من مشاعره المثالية الي عالم النفوس فالنفس شأنها العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و يحصل منها النزاهة و الحكمة و لاتقدر علي فوق ماجبلت عليها من الحكم و التصرف في الاشياء الا التصرفات العلمية. و فوقها مقام البقاء في الفناء و النعيم في الشقاء و الفقر في الغناء و العزّ في الذل و الرضا و التسليم لما وراءه و كل هذه المراتب غير مقصودك و كل ما كان غير المقصود لاينبغي ان‏يشترك به معه و مقصودك هو الذي اذا أيست من كل شي‏ء تجده قادراً غير عاجز علي قضاء حاجتك و لايمنعه مانع من خلقه في انجائك و هو الذي اذا اراد شيئاً لك يصل اليك من اي باب من ابوابه و اي سبب من اسبابه و ان لم‏يرد لم‏يصل اليك ماتطلبه و ان تبتغي نفقاً في الارض او سلماً في السماء فلاينبغي التوجه الي غير الغني المطلق الذي ليس فوقه غني و كل ما كان غيره محتاج واقف في باب مسألته فو اللّه قد خسر من طلب غيره و يئس من وجد غيره و سفه من استمد محتاجاً مثله. نعم اذا اراد شيئاً جعل لذلك باباً مخصوصاً فادعه في ذلك الباب يعطيك يا مسبب الاسباب من غير سبب سبّب لنا سبباً لن نستطيع له طلباً و اغننا بحلالك عن حرامك و بفضلك عمن سواك يا حي يا قيوم رب عاملنا بفضلك و لاتعاملنا بعدلك يا كريم يا ارحم الراحمين.

تتمّة

هنا مطلب دقيق و سرّ مستسر يكون بالتحقيق حقيق([43]) لم‏يكشف حجابه في ظاهر البيان و لم‏يفض ختامه الا في طي الكلام في العيان و ليس ذلك الا خوفاً من نقصان الافهام و طغيان الطغام فتدبر لم لم‏يقبل التوحيد من اهل الكتاب ان لم لم‏يصدقوا بالنبي اللاحق و ما السر في ذلك مع انه سبحانه عادل لايظلم الناس شيئاً فمع اقرارهم بتوحيده و وحدانيته لم‏يعذّبهم اللّه العادل ابداً ان لم‏يصدقوا النبي اللاحق غاية الامر انهم عصوا في شي‏ء و اطاعوا في شي‏ء فعلي هذا استحقوا عقاب ماعصوا فيه و استوجبوا

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 91 *»

ثواب مااطاعوا و انك لاتجد عاقلاً مما مضي و ما يأتي ان‏ينكر توحيد اللّه سبحانه او ان‏ينكر عبادته خصوصاً ان كان من اهل الكتاب و قد قال من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و اي خير اعظم من توحيده و جميع اهل الكتاب قائلون بان المعبود هو اللّه سبحانه و ان وجد بينهم من عبدة الاصنام ففي الحقيقة عقلاؤهم يعلمون ان الاحجار و الاشجار و غيرها لاتكون معبوداً و يجعلونها وسيلة الي المعبود الحقيقي و يقولون مانعبدهم الا ليقرّبونا الي اللّه زلفي ففي الحقيقة عقلاء عبدة الاصنام ايضاً لاينكرون ان المعبود الحقيقي هو اللّه سبحانه غاية الامر جعلوا لانفسهم وسائل لم‏يأذن اللّه لها و لم‏يجعل لها من سلطان فان اخطئوا في شي‏ء و عوقبوا عليه لم‏يخطئوا في شي‏ء و هو اعتقادهم بوحدانية الخالق و استحقاق العبادة الحقيقة@الحقيقية خ‌ل@ له و هو خير فلم لم‏يثابوا لها@بها خ‌ل@ الا ان يقروا بالنبي اللاحق بل لايكفي الاقرار بالنبي اللاحق ما لم‏يقروا بامام و وصي بعده بل لايكفي الاقرار بامام واحد الا ان يقروا بالامام اللاحق بل لايكفي الاقرار بالامام اللاحق الا ان يقروا لاوليائه الاقربين المقربين. ففي الدعاء في صفة اميرالمؤمنين7 لااري الاعمال منجية لي و ان صلحت الا بولايته و الايتمام به و الاقرار بفضائله و القبول من حملتها و التسليم لرواتها و صار ذلك و الحمد للّه بديهياً من المذهب الحق فتدبر ايها العاقل ان لم‏تكن ممن يعملون الاعمال بمحض العادات و محض تقليد الاباء و الامهات و الامثال اي سر في ذلك و لم لم‏يقبل التوحيد من اهله ان لم‏يقر بالنبوة و لم لم‏يقبل الاقرار بالنبي منه ان لم‏يقر بالنبي اللاحق و لم لم‏يقبل الاقرار بالنبوة منه ان لم‏يقر بالاوصياء و لم لم‏يقبل منه الاقرار بالاوصياء الا بالقبول من الحملة و لم لم‏يقبل منه القبول من الحملة الا بالتسليم للرواة و اي دخل للقبول من الحملة بالاقرار بالفضائل و اي دخل لتسليم الراوي في ذلك بل ليس الراوي في الظاهر الا كالرسل

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 92 *»

المرسلة الي البلدان لحمل الكتاب و نقله الي المرسل اليه فما معني هذه العبارة و هل عدم التسليم لهؤلاء الرسل اثّر فيما كتب في الكتاب مؤمناً كان الرسول او كافراً فليتدبر في هذه ‏العبارات و ليتأنق في هذه الاشارات و ليتعمق في هذه الشروط و ليتفكر في معانيها و ترتب بعضها علي بعض و ليستيقظ من العادات و الغفلات فهل يشترط بعض هذه المراتب علي بعض مرتجلاً من غير اتصال ام هل يفعل المشروط و يعمل به ان لم‏يف بشرطه و هل يصلي من لم‏يتطهر و ان عمل في الظاهر اعمال المصلي قال الرضا7 من قال لا اله الا اللّه وجبت له الجنة ثم قال بشروطها و انا من شروطها فمن لم‏يف بشرطها لم‏يقل لا اله الا اللّه حقيقة و ان قال تلك الكلمة ظاهراً كمن صلي من غير طهارة بل هذه الشروط اتصالها اشد من اتصال الصلوة بالطهارة لانهما فعلان ممتازان وقت كل واحد غير وقت الاخر و اما الشروط التي منها الرضا7 ليس اتصالها كاتصال الصلوة بالطهارة بل كل واحد منهما شرط للاخر و كل واحد مشروط للاخر نور علي نور و شرط علي شرط و مشروط علي مشروط فكان هذه الشروط حروف و اطراف و ابعاض([44]) ان ركبت حصلت الكلمة التامة المرادة و ان لم‏تتركب لم‏تحصل الكلمة مطلقاً و ليس كل واحد شي‏ء مستقل تام([45]) مسمي باسم بعضها شرط بعض بل كل واحد بعض الشي‏ء التام و جزؤه و حرف من حروفه فــ السلام علي حروف لا اله الا اللّه في الرقوم المسطّرات فبحذف كل واحد من الحروف ينفي كلمة لا اله الا اللّه و تنقص و بتركيب الكل تتم الكلمة فهذا معني ما روي انه سئل اميرالمؤمنين7 عن الشي‏ء و عن نصف الشي‏ء فقال اما نصف الشي‏ء فمؤمن مثلي و مثال ذلك ان السرير شي‏ء تام له صورة شخصية و مادة شخصية و صورة نوعية و مادة نوعية ان

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 93 *»

وجد السرير وجد هكذا و ان لم‏يوجد لم‏يكن شي‏ء مطلقاً فالصورة الشخصية ليست بسرير و لا بشي‏ء آخر و المادة الشخصية ليست بسرير و لا بشي‏ء آخر و المادة النوعية ليست بسرير و لا بشي‏ء آخر ولكن بعد وجود السرير يكون مادته النوعية اعلي ثم تليها صورته النوعية ثم تليها مادته الشخصية ثم تليها صورته الشخصية و هذه الاربع حروف السرير ان ركبت يوجد السرير و الا فلا و كلها شروط لكل و كل واحد منها مرتبة من مراتب السرير يسمي باسم مخصوص و لايصدق الاسم الاعلي علي الادني و لا العكس بقاعدة علم الاشتقاق. فمن استعمل الاسم الاعلي للادني فقد غلا و من عكس قصّر و من يرد اي مرتبة من المراتب فليأت السرير فكذب من زعم انه اتي الي مادة السرير او صورته النوعيتين او مادته الشخصية و لم‏يأت الصورة الشخصية فمن ادعي وصول واحد من المراتب فقد وصل الي مرتبة من مراتب شي‏ء آخر و لم‌يصل الي مرتبة السرير فان سمي ما وصل اليه سريراً فقد غصب حق السرير و اعطي غيره و ما له من السرير نصيب و قد ورد في الخبر كذب من زعم انه منا و هو متمسك بفروع غيرنا فالاله الحق الذي لا اله الا هو المتجلي بآدم7 و بوصيه و بنوح و بوصيه و بابراهيم و بوصيه و بموسي و بوصيه و بعيسي و بوصيه و بمحمّد و بوصيه و بالاوصياء من بعد وصيه و بالحاملين لفضائل الاوصياء و بالرواة لها فمن يرد ان يتقرب منه و يدخل بيت التوحيد الحقيقي فليأت من احد من الابواب المذكورة فمن عرفه فيهم فقد عرفه و من لم‏يعرف فيهم فلم‏يعرفه و من عبده فيهم فقد عبده و من لم‏يعبد فيهم فلم‏يعبده فمعبود الكفار ليس بمعبود

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 94 *»

المؤمنين و ان كانوا غير عابدي الاوثان و ان دققوا التحقيق فيه و ان وصفوا اوصاف اهل الحق و ان وصفهم الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءاً حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئاً و الشاهد علي ذلك قوله تعالي قل ياايها الكافرون لااعبد ماتعبدون و لا انتم عابدون مااعبد و لا انا عابد ماعبدتم و لا انتم عابدون مااعبد لكم دينكم و لي دين و روي بنا عبد اللّه و لولانا ما عبد اللّه و روي بنا عرف اللّه و لولانا ما عرف اللّه و في الزيارة السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه  فهذه المراتب السبع مراتب المعرفة و كل مرتبة نور من انوار اللّه يهدي اللّه لنوره من يشاء و من لم‏يجعل اللّه له نوراً فما له من نور و في الدعاء بسم اللّه النور بسم اللّه نور النور بسم اللّه نور علي نور فختم الكتاب الحمد للّه و صار ختامه مسك([46]) و في ذلك فليتنافس المتنافسون.

فصل

لايقال ما ظهر من الفصول السابقة ان كل من يظهر فيه مراتب الافلاك التسعة يصير يد اللّه في اجراء فعله كما يكون السموات آلة و يداً له فعلي هذا كل من ظهر فيه بعض الافلاك فيكون يد اللّه سبحانه في ذلك البعض في اجراء فعله و نري من انفسنا و ممن كان مشاركاً لنا انا احياء و قد ظهر فينا فلك القمر و مع ذلك لانقدر علي احياء شي‏ء و كذلك سائر المراتب، لانا نقول ليس محض ظهور شي‏ء في شي‏ء يصير مؤثّراً فيما شاء اذ شرط التأثير و التكميل ان‏يكون المكمل قوياً في نفسه مقوياً لاخر. الم‏تر ان الجمرة و ان ظهرت فيها النار ولكن لما كانت النار ضعيفة فيها لاتغلب عليها

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 95 *»

حتي اثرت و انارت و حجاب الفحمة مانع من الاضاءة و الانارة و اما السراج لما كان لطيفة غير حاجبة لظهور النار فيه علي ما هي عليه غلبت النار علي دخانه بحيث اخفته و ظهرت هي بنفسها فاضاءت و انارت في السراج بالسراج و ان كانت النار من حيث هي واحدة في الجمرة و السراج ولكن في الجمرة تحتجب بالفحمة و في السراج لم‏تحتجب بدخانه فكذلك الضعفاء لضعف القوي السماوية فيهم و انقهارها تحت حجب العناصر الغليظة لم‏يقدروا علي التأثير في غيرهم لان عناصرهم غالبة علي فلكياتهم و حكمها غالبة علي حكم فلكياتهم بخلاف الكاملين فانهم لمفارقة ارواحهم عن عناصرهم و غلبة فلكياتهم علي عناصرهم صاروا ايدي الرب في التأثيرات علي ماشاء اللّه و اراد و ذلك لايكون الا بعد صفاء المزاج و اعتدال العناصر و تصحيح المنهاج علي النهج المقرر من اللّه سبحانه و لذا قال اميرالمؤمنين7 فاذا صفي مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شاركت بها السبع الشداد و السبع الشداد هي السموات الفاعلة المؤثرة و لايشاركها الا من اعتدل مزاجه اعتدال السموات في اللطافة و عدم حجب ظهور الارواح الغيبية و صح منهاجه في عباداته الجسمانية و الرياضات المتعلقة بجسمه و في عباداته الخيالية و رياضاتها و في عباداته النفسانية و رياضاتها و في عباداته العقلانية و رياضاتها فلا كل من يدب علي فوق التراب دبيب سائر الدواب يصير مرآة جمال اللّه سبحانه و مظهر انواره و محل افعاله بل هم الذين قال فيهم7 المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن اقل من الكبريت الاحمر و هل رأي احدكم الكبريت الاحمر و هم الذين قال اللّه سبحانه فيهم انما يتقرّب الي العبد بالنوافل حتي احبّه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته و هم الذين قال9 فيهم اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر

 

 

«* الرسائل جلد 1 صفحه 96 *»

بنور اللّه و هم الذين لو علم الناس شدة اتصال نورهم بنور اللّه لم‏يستشفعوا@لم‌يستشفوا خ‌ل@ الا بتراب اقدامهم هذا آخر مااردت بيانه لتذكرة نفسي الناسية و قد تمّ في ليلة الرابعة من شهر الجمادي الاخرة من سنة 1275 و صلّي‏ اللّه علي محمّد و آله الطيبين و شيعتهم الانجبين و لعنة اللّه علي اعدائهم ابدالابدين و دهر الداهرين.

 

([1]) المتوفي سنة 1090 هـ و هو من اعاظم الفقهاء و الحکماء و له نظريات في الفقه متداولة في السنة الفقهاء و تعليقات علي کتاب الشفاء لابن سيناء في الحکمة و من تلمذة المجلسي الاول و الشيخ البهائي عليهما الرحمة باصبهان و مرقده الشريف بجوار مرقد الشيخ الجليل و المحدث الکبير الحر العاملي رحمه الله بمشهد الرضوي علي مشرفه افضل السلام.

([2]) و قد طبع منها: کفاية المسائل، دره نجفية، بشارات، ازالة الاوهام، اجتناب، اسرار الشهادة، ميزان، موضح، رسالة معادية ترجمها احد تلامذته، رسالة غيبت، امانيه، الکليات في الحکمة، رسالة جبر و تفويض و بيان سر الامر بين الامرين، احقاق الحق و ابطال الباطل، التحفة النجفية، اصول الفقه.@

([3]) شي‏ء آخر. ظ

([4]) هي مكون و شي‏ء. خ‌ل

([5]) شيئين. ظ

([6]) متغايرتين. ظ

([7]) احداهما اعلي و الاخري ادني. خ‌ل

([8]) بل هو آية الاحد الحقيقي. ظ

([9]) و ان اخذ. ظ

([10]) رأساً. ظ

([11]) مخصوصاً. ظ

([12]) امكان. ظ

([13]) لايلزم. خ‌ل

([14]) ولو صلوحاً. خ‌ل

([15]) بعضاً. ظ

([16]) بعضاً. ظ

([17]) و لهذا. خ‌ل

([18]) شيئاً. ظ

([19]) القائم. خ‌ل

([20]) اذا. خ‌ل

([21]) فعلاً واحداً. ظ

([22]) اي المراد بالفاعل الفاعل الموجد. ظ

([23]) لكل انسان. ظ

([24]) البساطة. خ‌ل

([25]) حيوثها. خ‌ل

([26]) ابداناً. ظ

([27]) مشخصين معيّنين. ظ

([28]) ليسو خ‌ل.

([29]) شيئاً بعد شي‏ء. خ‌ل

([30]) يعلو. خ‌ل

([31]) رأي. ظ

([32]) کثيرة. ظ

([33]) هلاکه. ظ

([34]) كل ظ.

([35]) في آلاف سنة. ظ

([36]) الانسانية. ظ

([37]) كليهما. ظ

([38]) و لاتزعم من هذه الامثال. خ‌ل

([39]) في الدعاء : فتقها و رتقها.

([40]) بحيث لايلزم. خ‌ل

([41]) لم‏اعلم. خ‌ل

([42]) افعال. خ‌ل

([43]) حقيقاً. ظ

([44]) حروفاً و اطرافاً و ابعاضاً. ظ

([45]) شيئاً مستقلاً تاماً. ظ

([46]) مسكاً. ظ