22-12 مکارم الابرار المجلد الثانی والعشرون ـ رسالة في الاستخارة ـ مقابله

 

 

رسالة في الاستخارة

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 287 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي.

اما بعد فاعلم انه قدورد الحث الاکيد في الاستخارة حتي انه روي من دخل في امر بغير استخارة ثم ابتلي لم‌يوجر و روي في القدسي من شقاء عبدي ان‌يعمل الاعمال فلايستخيرني و الاستخارة علي اقسام:

فمنها الدعوات لابخير و وروده علي العبد في الصلوات المأثورة او غيرها معها او بغيرها فيستخير الله بهذا النوع و کلما ورد هو الخير و ان کرهته نفسه کما روي ما استخار الله عبد مومن الا خار له و ان وقع ما يکره و لايجوز اتهام الله سبحانه بعدم کون الوارد خيراً له لقوله سبحانه عسي ان‌تکرهوا شيئاً و هو خير لکم و ان لم‌يعرف وجه الخير فيه فان الله يعلم ما لايعلم العبد.

و منها ما يستخار الله ثم يعمل بما وقع في القلب و ذلک ايضاً کالاول ولکن هذا القسم يحتاج الي ازاحة الاهواء و اماتة الشهوات و تخلية القلب حتي‌لايشوب ما يلهم به بما ينفث الشيطان في روعه و ذلک عسير.

و منها الاستخارة بالرقاع و الحبوب و ذلک اوضح مسائلها و ابينها ولکن مواقع الاستخارة مجهولة عند الاکثر فلربما يستخيرون في غير موضع الخيرة فليعلم ان الفرايض ليست محل الاستخارة کأن‌يستخير ان‌يصلي الظهر ام لا فان الله سبحانه قدخار له فيها بالقطع و فيها الخير قطعاً و في ترکها الشر قطعاً و الاستخارة في محل الاشتباه و الحيرة و لا حيرة في خيرية فعل الفرايض و شرية ترکها قطعاً و کذلک لا استخارة في المحرمات فان المحرمات معلوم قطعاً انها شر فعلها و خير ترکها فلاحيرة و لا استخارة و کذلک المستحبات فان الله سبحانه قدخار للعبد فيها و بين بالکتاب و السنة خيرها و ازال الحيرة فيها و کذلک المکروهات فان الله سبحانه قدبين و اوضح مرجوحيتها فلا حيرة نعم اذا تردد الانسان بين مستحبين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 288 *»

يمکن الاستخارة اذا لم‌يکن من الشرع مرجح بينهما او بين مکروهين اذا اضطر الي احدهما او بعض المتممات الخارجة عن الفرايض الموسعة کتقديم صلوة و تأخيرها اذ کان الوقتان متساويين شرعاً او في مکانين متساويين و کذلک يمکن الاستخارة في المباحين و هل يمکن الاستخارة فيما تبين له في عقله مستبداً او بشور وجه الخير فيه و الشر في ترکه فالظاهر انه لايحتاج فيه الي الاستخارة لعدم الحيرة العادية و الترديد المعروف الا ان‌لايطمئن بعقله و بعقلهم و لولا رجحان الاعتماد بالشور و العمل به و کان يحتاج فيه ايضاً الي الاستخارة لم‌يکن لتشريع الشور مزيد فائدة و يقول الله سبحانه و امرهم شوري بينهم و يقول و شاورهم في الامر و عن النبي صلي الله عليه و آله ما حار من استخار و ما ندم من استشار ولکن ينبغي ان‌يسأل الله سبحانه قبل مشاورة الناس الخير و ان‌يلقي الله علي السنتهم الخير لما روي عن الصادق عليه السلام اذا اراد احدکم امراً فلايشاور فيه احدا من الناس حتي‌يشاور الله فاذا بدأ بالله عزوجل اجري الله الخير علي لسان من احب من الخلق انتهي فالسنة العباد حينئذ کالرقاع و الحبوب في الکشف عن حقيقة الحال فتعمل بشورهم اعتماداً علي الله لا علي عقولهم و کذا اذا اردت النظر بنفسک فاستخر الله اولا ثم اعمل باجزم الامرين عندک اعتماداً علي خيرة الله لا علي فهمک فالمشورة علي ما بينا ايضاً من ابواب الاستخارة فلايحتاج بعده الي استخارة اخري بالرقاع کما لايحتاج الي تکرار الاستخارة

فاذا عرفت ذلک فاعلم ان الامر الذي تستخير الله فيه لابد و ان‌يکون معيناً بحدوده مميزاً عن غيره مخصوصاً بقراناته فانه رب شيء يکون خيراً لرجل شراً لرجل آخر فلاتنو ان هذا الامر خير ام لا و اعلم ان حقايق الاشياء من حيث انفسها ليس فيها خير و لا شر و انما الخير و الشر فيها لاجل قراناتها و الميزان في الاستخارة في المباحات ان کلما يجوز ان‌يکون متعلق حکم شرعي يجوز ان‌يستخار فيه فاستخر ان شئت للشيء المحدود المميز مقترناً بک ثم استخر بعد ذلک لوقته و مکانه و کمه و کيفه و وضعه فان الجوعان مثلاً خير له ان‌يأکل الغذا و شر له ان‌يأکل ازيد من حاجته فلربما يستخير المرء للاکل مثلاً فيأتي الامر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 289 *»

فيأکل و يضره و لايدري انه اتاه الضرر من جهة الکمية او الکيفية او غير ذلک مما لم‌يستخر فيه و دونک دونک لايؤديک ذلک الي الوسوسة فتستخير دائماً لامور لاتغير الحکم عادة کأن‌تستخير لکل حبة حبة او شبر شبر او آن آن و امثالها و اجعل مناط الاستخارة ما يکون سبب اثر عادة کالاوقات المتباعدة و الامکنة المتنائية فان الاحکام الشرعية جارية علي المتعارفات و العادات فکل شيء يغير الشيء عادة استخر له و الا فلايحتاج اليها.

و کذلک لا استخارة في تعيين ما جعل الله لتعيينه ابواباً خاصة و حد لها حدوداً معينة فلايمکن تعيين حکم واقعة بالاستخارة و تعيين مسئلة حکمية بان‌تنوي اعتقد کذا او کذا و کذلک لايمکن تعيين الامراض و معالجاتها و حقايق العلوم و الرسوم بالاستخارة فينبغي الرجوع في کل ما له باب الي بابه و انما الاستخارة باب ما لاباب له سواها فالجاهل لايمکن له ان‌يعالج المرضي بالاستخارة و انما بابه الطبيب نعم اذا جوز الطبيب دوائين يمکن له ان‌يستخير لا حدهما و يفعل بما خار الله له يقول الله سبحانه فأتوا البيوت من ابوابها و انما ذلک في الدواء مثلاً انا قلنا ان الاستخارة في المباحين و هو لايعلم ان هذا الدواء مضر فحرام او نافع فحلال و لايتعين بالاستخارة نفع الادوية و ضررها فمن جهة غلط مواقع الاستخارة يخبطون الناس و يرون ما يکرهون و کذلک لايمکن الاستخارة في تعديل الناس و جرحهم مثلاً کأن‌يصلي خلف هذا المجهول ام لا او اعتمد عليه ام لا في ديني و امثال ذلک و ان الله سبحانه جعل لکل شيء باباً فأتوا البيوت من ابوابها فاذا عرفت مواقع الاستخارة فاستخر علي برکة الله لاتري الا خيرک ان شاء الله و اما انواع الاستخارات فمذکورة في محالها کتبه العبد الاثيم کريم بن ابرهيم في قرية داوران حامداً مصلياً في شهر ذي‌القعدة من شهور سنة1264تمت.