رسالة في الوقف
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 279 *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد سألني بعض الاجلة الذين تفرض علي طاعتهم عن ضياع وقفت علي الروضات المقدسة و شرط واقفها انيصرف في اسراج الروضات و تجميرها من منافع تلك الضياع دراهم بخس معدودة و يجعل عشر المنافع في الناظر و الباقي في اولاده مع الناظر علي ما فرض الله و قد جعل النظر الي نفسه مادام حياً و بعده الي بعض ولده هل ينفذ هذا الوقف او يرجع ميراثاً؟
اقول: و من الله التسديد انه قد اجمعت العلماء رضوان الله عليهم و نطقت الآثار و الاخبار عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم علي ان للوقف شروطاً و من تلك الشروط اخراجه عن نفسه يعني ان لايشترط اكل نفسه من منافع تلك الموقوفة سواء وقف علي نفسه او قضاء ديونه او ادوار مؤنته، اشرك احداً مع نفسه او لميشرك فالوقف علي جميع ذلك باطل و يستدل علي ذلك في صورة الاشراك بانه قد ورد الخبر عن الائمة: انه لايحل مال الا من وجه احله الله و ان المستفاد من هذا الخبر ان ملك كل مالك ثابت مستقر له الا انينتقل عنه الي غيره بوجه شرعه الله عزوجل و اذن فيه فلو نقل بغير وجه شرعي لمينقل و ملك المالك مستقر فلو وقف مال بغير الوجه الذي اذن الشرع به لميحل للموقوف عليهم منافعه و هو للمالك و بعد موته يرجع ميراثاً، قبض ام لميقبض و لميرد عن الشرع فيمابلغنا الوقف علي النفس و الغير بل ورد ما يمنع عنه و من ذلك ما كتب الي ابيالحسن7 جعلت فداك ليس لي ولد و لي ضياع ورثتها من ابي و بعضها استفدتها و لا امن الحدثان فان لميكن لي ولد و حدث بي حدث فماتري جعلت فداك ان اوقف بعضها علي فقراء اخواني و
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 280 *»
المستضعفين او ابيعها و اتصدق بثمنها عليهم في حيوتي فاني اتخوف ان لاينفذ الوقف بعد موتي فان وقفتها في حيوتي فلي ان اكل منها في ايام حيوتي ام لا؟ فكتب7 فهمت كتابك في امر ضياعك و ليس لك انتأكل منها و لا من الصدقة فان انت اكلت منها لمتنفذ ان كان لك ورثة فبع و تصدق ببعض ثمنها في حيوتك الخبر.
اقول لايخفي ان معناه ان انت وقفت بحيث تأكل لمتنفذ لا انك ان وقفت صحيحاً و اكلت بعده لمتنفذ فانه غايته حينئذ عصيانه و اكله حراماً و لايؤثر عصيانه في انفاذ الوقف و عدمه علي انه طلب حيلة في الوقف حتي يمكن له اكله منه فظهر انه لو وقف بحيث يأكل منها لمتنفذ فعلي هذا لو وقف و شرط النظر لنفسه و جعل لنفسه جعلاً يصدق انه اكل منها و لايصح و ما قيل من ان بطلان الشرط لايلزم بطلان العقد يدفعه في هذا الموضع انه لو علم انه عقد العقد بهذا الشرط بحيث لولاه لميرض بالعقد و بطل الشرط بطل العقد و من يجعل لنفسه جعلاً انما غرضه اكله منه و لايرضي بدون ذلك و هذا في امثال هذا الوقف ظاهر مع انا نقول ان هذه القاعدة لو صحت لمتنقض بالخبر لان صريح الخبر انه لو اكل لمتنفذ باي وجه كان الاكل بشرط او عقد كما مر و قد ورد في مثل هذا المقام بطلان العقد بالشرط و هو انه سئل ابوعبدالله7 عن الرجل يتصدق بربع ماله في حيوته في كل وجه من وجوه الخير و قال ان احتجت الي شيء من المال فانا احق به تري ذلك له و قد جعله لله يكون له في حيوته فاذا هلك الرجل يرجع ميراثاً او يمضي صدقة قال يرجع ميراثاً علي اهله و قال في حديث آخر من اوقف ارضاً ثم قال ان احتجت اليها فانا احق بها ثم مات الرجل فانها الي ميراث هـ و قد صرحا هذان الخبران بان شرط اكله يرجع الموقوفة ميراثاً فمن وقف ضياعاً و شرط اكل نفسه مطلقاً سواء جعل النظر الي نفسه ام لميجعل يرجع الوقف ميراثاً و هذا احد وجوه البطلان في هذا الوقف.
ثم قد اجمعت العلماء علي ان من شروط الموقوف عليه امكان التملك له للمنفعة و دليله انه لميصل الينا عن الشرع جواز الوقف علي من لايتملك و الاموال باقية في ملك ملاكها حتي ينتقل عنه بوجه شرعي و لمنجد ما يدل عليه و لسنا من
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 281 *»
تحقيق الوقف علي العبيد في شيء هيهنا ثم المشهور بينهم جواز الوقف علي المساجد و القناطر و عللوا بانه راجع الي المسلمين و انتفاعهم في هذا المصرف الخاص فيبني المسجد و يسكن فيه المسلمون و يسرج فيه فيستضيء المسلمون و هكذا القناطر لعبور المسلمين عليها فلماكان الوقف عليهما راجعاً الي المسلمين صح و خالفهم الصدوق في الوقف علي المساجد و تبعه صاحب الحدايق و استدلا بما روي انه سئل ابوعبدالله عن الرجل اشتري داراً فبقيت عرصة فبناها بيت غلة أيوقفه علي المسجد؟ قال ان المجوس وقفوا علي بيوت النار. و سئل عن الوقوف علي المساجد فقال لايجوز لان المجوس وقفوا علي بيوت النار و هذان الخبران صريحان في عدم جواز الوقف علي المساجد و يؤيده انه ورد في الحديث القدسي قل لعبادي لايطعموا مطاعم اعدائي و لايلبسوا ملابس اعدائي و لايسلكوا مسالك اعدائي فيكونوا اعدائي و الوقف علي المساجد سلوك مسالكهم و هو حرام و لانه قد ورد انما يحلل و يحرم الكلام فقول من قال وقفت علي المسجد غير قوله وقفت علي المسلمين انيصرفوا في مساجدهم و الكلام الذي منع منه لايجوز في العقد فالصحيح انه لايجوز الوقف علي المساجد لانها لاتأكل و لاتشرب و الواجب علي الفقيه الوقوف موقف الاخبار أليس يقولون في بطلان العقود ان المقصود غير ملفوظ و الملفوظ غير مقصود و كذلك هنا لو كان القصد الوقف علي المسلمين فالمقصود غير ملفوظ و الملفوظ غير مقصود و قد عرفت ان الاصل المستنبط من الاخبار بقاء كل ملك لمالكه حتي يثبت الناقل الشرعي و لميثبت عن الشرع جواز الوقف علي المساجد و لميقم اجماع علي جوازه و انما هي شهرة معارضة مع الخبر و لايعول عليها لاسيما بعد ان عرف ان دليلهم الدليل العقلي و الاستحسان و لايعول في الشرع عليه فالوقف علي الحضرات المقدسة لايجوز لاسيما اذا لميعلم هل قصد الواقف ارجاعه الي المسلمين ام لا، و علينا اننحكم باللفظ و هو لايدل علي الرجوع الي المسلمين باحدي الثلث فلعله قصد محض الاسراج و
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 282 *»
التجمير لانه مستحب من غير التفات الي انتفاع المسلمين فلايصح الوقف علي الحضرات المقدسة فمن اراد ذلك فليوقف علي المسلمين انيصرفوه في تلك الحضرات المتبركة علي مشرفيها السلام بوجه مخصوص و هذا ايضاً احد الوجوه التي يتطرق البطلان الي هذا الوقف.
و ان قيل الواجب حمل افعال المسلمين علي الصحة فاذا وقف مسلم علي الحضرة نحمل علي انه اراد المسلمين قلنا لو بنينا علي ذلك لماقام للمسلمين سوق و لميحكم علي احد باقراره و اعترافه و انما يحمل الافعال علي الصحة اذا لميعلم وجهه لا انيحمل علي الصحة و لو اعترف بالفساد فالرجل يقول وقفت علي الحضرة و انت تقول وقفت علي المسلمين هذا شيء عجاب ثم ان المتلقي عن الشرع انيكون الموقوف عليه هو المنتفع عن منافع الموقوف فلو وقف ضياعاً علي زيد ثم شرط انيصرف المنافع في عمرو كلها او جلها يكون الشرط علي خلاف مقتضي العقد الذي جعله الشارع لذلك و الشرط الذي ينافي العقد باطل ساقط كأنيقول انكحتك فلانة و شرطت انيتمتع منها عمرو او يقول بعتك هذه السلعة و شرطت انيكون فلان قادراً علي بيعه و انتفاعه منها و منعك عنها بكل وجه فانه خلاف مقتضي العقد و قد جعل الشارع هذا العقد لانتفاع القابل عن مقتضاه فلو لزم العمل بالشرط انفسخ البيع و لو بطل الشرط بطل المشروط به ان علم عدم رضاه بالعقد لولا الشرط و هذا الوضع منها فقوله اوقفت هذه الضياع علي الحضرات المقدسة مقتضاه انتكون منافعها لها فاذا قال و شرطت انيكون العشر للمتولي و الباقي لساير اولادي و انيصرف في الحضرة منها دينار يكون الشرط علي خلاف مقتضي العقد و هو غير راض بالعقد لولا الشرط قطعاً لوضع الجل في الاولاد و وضع جزء من الف الف جزء من منافعه في الحضرات فكيف هو راض بالوقف بدون الشرط و انما جعل الوقف علي الحضرات وسيلة لبقاء المنفعة لاولاده و العقود تابعة للقصود و لميصل الينا وقف هكذا عن الشارع فالاصل بقاء الملك لمالكه فالوقف المذكور ليس بنافذ و راجع الي الورثة انشاءالله.
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 283 *»
كتبه العبد المذنب الاثيم كريم بن ابرهيم بيمناه الداثرة في ليلة الثلثا من العشر الاوسط من شهر ذيالقعدة من شهور سنة خمس و خمسين من المأة الثالثة بعد الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.