رسالة نظام البشر في المر بالمعروف و النهي عن المنکر
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 5 *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر من عظائم فرايض الاسلام و جلايل واجبات الاحكام بهما عز الدين و قوام الشرع المبين و قيام العباد و عمارة البلاد و هما سبيل الانبياء و منهاج الاوصياء بهما تقام الفرايض و تأمن المذاهب و تحل المكاسب و ترد المظالم و تعز الاولياء و ينتصف من الاعداء و ان اندرست في هذه الايام اعلامهما و انطمست آثارهما و بذلك قد مد الجور باعه و كشف الظلم قناعه و استولي الاشرار علي الابرار و غلب الفجار علي الاخيار و كلما غلب الجور علي العصر زاد انطماسهما و كلما زاد انطماسهما زاد انغماس اهل الجور في لجته علي حذو قول الشاعر:
مسألة الدور جرت بيني و بين من احب | لولا مشيبي ما جفا لولا جفاه لماشب |
و رأيت اصحابنا رضوان الله عليهم و ان كتبوا فيهما و فصلوا لكنهم لميعطوا المسألة حقها و اهملوا بعض فروعها و احكامها المناسبة لهذه الازمان فاحببت اناكتب فيها رسالة لعلي اوفق بحول الله و قوته علي ضبط شواردها و جمع ما ندر منها فالكلام يقع في وجوه: الاول ذكر وجوبها و فوايدها مطلقاً و الثاني ذكر شروطها علي جهة الاطلاق و الثالث ذكر حدها و اقسامها و الرابع ذكر ما يمكن منها في هذه الازمان و اجعل لهذه الرسالة خاتمة في بيان امر التقليد و مايتعلق به نظراً الي ان الافتاء و اجراء الاحكام من فروعها ففي هذه الرسالة مقدمة و ثلثة ابواب و خاتمةو سميتها بـ نظام البشر في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و بالله المستعان و منه التوفيق و لاحول و لاقوة الا بالله العلي العظيم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 6 *»
المقدمة
في ذكر سر الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و فوايدهما و وجوبهما و ذكر الآيات و الاخبار الواردة فيهما و فيها فصول:
فصل
اعلم ان الاصحاب رضوان الله عليهم اختلفوا اختلافاً عجيباً و منشأ ذلك قلة اطلاعهم علي علم الحكمة و الكلام و لاضير فعن بعضهم ان وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ممايستقل العقل بادراكه من غير حاجة الي ورود الشرع نعم هو مؤكد و هو المنقول عن الشيخ و الفاضل و الشهيدين و المقداد و عن بعضهم ان الاظهر ان وجوبهما من حيث كونهما كذلك اي في فعلهما الثواب و في تركهما العقاب سمعي و هو عن السيد و الحلي و الحلبي و الخواجة نصيرالدين الطوسي و الكركي و فخر المحققين و والده في بعض كتبه بل عن المختلف نسبته الي الاكثر بل من السراير نسبته الي جمهور المتكلمين و المحصلين من الفقهاء قال فقال الجمهور من المتكلمين و المحصلين من الفقهاء انهما يجبان سمعاً و انه ليس في العقل ما يدل علي وجوبهما و انما علمناه بدليل الاجماع من الامة و بآي من القرآن و الاخبار المتواترة و اما ما يقع منه علي وجه المدافعة فانه نعلم وجوبه عقلاً لما علمناه بالعقل من وجوب دفع المضار عن النفس و ذلك لاخلاف فيه و انما الخلاف فيما عداه و هذا الذي يقوي في نفسي و الذي يدل عليه هو انه لو وجبا عقلاً لكان في العقل دليل علي وجوبهما و قد سبرنا ادلة العقل فلمنجد فيها ما يدل علي وجوبهما و لايمكن العلم الضروري في ذلك لوجود الخلاف فيه و هذا القول خيرة السيد المرتضي و قال قوم طريق وجوبهما العقل و الي هذا المذهب ذهب شيخنا ابوجعفر الطوسي «ره» في كتاب الاقتصار بعد ان قوي الاول و استدل علي صحته بادلة العقل ثم قال; يقوي في نفسي انه يجب عقلا الامر بالمعروف و النهي عن المنكر قال لما فيه من اللطف و لايكفي فيه العلم باستحقاق الثواب و العقاب قال لانا متي قلنا ذلك لزمنا ان الامامة ليست واجبة بانيقال يكفي العلم باستحقاق الثواب و العقاب و مازاد عليه في
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 7 *»
حكم الندب و ليس بواجب قال «ره» فالاليق بذلك انه واجب و قال الاردبيلي; في شرح الارشاد و الظاهر انه شرعي اذ العقل يجوز كون شخص مأموراً بشيء و معذلك يجوز عدم وجوب الامر لاشخاص اخر ذلك الشيء المأمور به بل قد يجوز كونه قبيحاً لقبح الامر منهم، نعم يمكن ان قد يجد العقل حسن الامر و النهي لخصوص مادة لا لكونه مأموراً به و منهياً عنه فقط مثل ان امر الشارع بانقاذ الغريق و نهي العقل عن احراق النفس و هلاكها فاراد الشخص المأمور و المنهي خلاف ذلك و العقل يجد ان امره و نهيه عن ذلك حسن موجب للمدح عند العقلاء و تركه مستلزم لضده عندهم لانه يجد ان الغرض هو الحفظ و عدم وجود هذا المنكر من العدم لاغير الي آخر كلامه.
و قال الشهيد «ره» في الروضة البهية هما واجبان عقلاً في اصح القولين و نقلاً اجماعاً اما الاول فلانهما لطف و هو واجب علي مقتضي قواعد العدل و لايلزم ذلك وجوبهما علي الله تعالي اللازم منه خلاف الواقع ان قام به او الاخلال بحكمته تعالي ان لميقم لاستلزام القيام به علي هذا الوجه الالجاء الممتنع في التكليف و يجوز اختلاف الواجب باختلاف محاله خصوصاً مع ظهور المتوقع فيكون الواجب في حقه تعالي الانذار و التخويف بالمخالفة لئلايبطل التكليف و قد فعل الي آخر كلامه. و قال في جواهر الكلام و دعوي ان ايجابهما من اللطف الذي يصل العقل الي وجوبه عليه جل شأنه واضحة المنع كوضوح الاكتفاء من الله تعالي بالترغيب و الترهيب و نحوهما ممايقرب معه العبد الي الطاعة و يبعد عن المعصية دون الالجاء في فعل الواجب و ترك المحرم بل في «هي» لو وجبا بالعقل لماارتفع معروف و لماوقع منكر او كان الله تعالي شأنه مخلاً بالواجب و التالي بقسميه باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية ان الامر بالمعروف هو الحمل علي فعل المعروف و النهي عن المنكر هو المنع منه فلو كانا واجبين بالعقل لكانا واجبين علي الله تعالي لان كل واجب عقلي يجب علي كل من حصل فيه وجه الوجوب و لو رجعنا علي الله تعالي لزم احد الامرين و اما بطلانهما فظاهر اما الثاني فلانه حكيم لايجوز عليه
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 8 *»
الاخلال بالواجب و اما الاول فلانه يلزم الالجاء و هو لاينافي التكليف لايقال ان هذا وارد عليكم في وجوبهما علي المكلف لان الامر هو الحمل و النهي هو المنع و لافرق بين الحمل و المنع في اقتضائهما الالجاء بين ما اذا صدر من المكلف او من الله تعالي و ذلك قول بابطال التكليف لانا نقول لانسلم انه يلزم الالجاء لان منع المكلف لايقتضي الامتناع اقصي ما في الباب انيكون مقرباً و يجري مجري الحدود في اللطيفة و لهذا تقع القبايح مع حصول الانكار و اقامة الحدود و ان كان لايخفي عليك ما في ذلك كله و العمدة الوجدان ضرورة عدم وصول العقل الي ذلك علي وجه يترتب عليه الذم و العقاب، نعم يمكن دعوي وصوله الي الرجحان في الجملة لاعلي الوجه المزبور و الامر سهل الي آخر كلامه و علي هذه فقس ماسواها اقول في هذه الكلمات مباحث.
الاول: فيما يبحثون عنه ان الحسن و القبح شرعي ام عقلي؟ و المراد ان الشيء حسن او قبيح في ذاته او صفاته او اعراضه الخارجية فيدركه العقل و الشرع منبه عليه ام لاحسن للاشياء و لاقبح في الجهات الثلث و انما هو بصرف وضع الشارع فماحسنه فهو حسن و ما قبحه فهو قبيح و ذلك نزاع قديمي صدر بينهم عن جهل اي بين المعتزلة و الاشعرية و تمادوا فيه و القوا الناس في الشبهة و ذلك بحث صدر عن جهل بالواقع و ذلك ان الله سبحانه احدي المعني لامناسبة بينه و بين شيء و لامنافرة و هو حكيم لايفعل العبث و غني لايفعل فعلاً بلااقتضاء من خلقه و باقتضاء من ذاته اذ لااقتضاء فيها فيحرم ما يحرم لاقتضاء فيه و يحل ما يحل لاقتضاء فيه اي في ذلك الشيء بالنسبة الي المكلفين و الذي يحرمه هو ما ينافي غرضه من ايجاد الخلق و الذي يحله هو ما يوافق غرضه و هو عليم بمايوافق و ما ينافي فما فيه صلاح الكل او فساد الكل في جميع الاعصار يحل و يحرم ذلك في جميع الاعصار في جميع الشرايع و ما يخص قوماً يحله او يحرمه علي ذلك القوم في شرع النبي المبعوث اليهم و ليس يحرم و لايحلل بلااقتضاء ابداً و ان احل او حرم ابتلاءً و اختباراً كماظنه بعضهم ففيه ايضاً مصلحة عرضية خارجية تخص
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 9 *»
ذلك الشيء و ذلك الثواب و العقاب الموعود علي الافعال هي ايضاً ثمرات تلك الافعال و ليست بشيء وضعت مجاناً كماحققناه في محله و لذا روي ان الاعمال صور الثواب و العقاب و قال الله سبحانه سيجزيهم وصفهم و قال و ماتجزون الا ما كنتم تعملون ذوقوا فتنتكم. و ليس ان الله وصل المحسنين كصلة السلاطين او عاقب المسيئين كمايعاقبونهم فالحسن للحسن موجود في الخارج و القبح للقبيح موجود في الخارج و من عرف حقايق الاشياء كما هي عرفها و ان الله يعلم حقايق الاشياء كما هي و رسله يعرفون حقايق الاشياء كماهي علي اختلاف مراتبهم و الحكماء يعرفون بعض حقايق الاشياء بقدر طاقتهم ثم ينزل الامر هكذا الي ادني العقلاء فانهم ايضاً يعرفون حسن بعض الضروريات و قبحها فالحسن و القبح عقلي و الشرع ايضاً مبني علي العقل يعني ان الشارع العالم بحقايق الاشياء و صفاتها و قراناتها امر بما فيه صلاح الخلق و عليه نظام معاشهم و معادهم و نهي عما فيه فساد الخلق و اختلال معاشهم و معادهم فالشرع ناشيء عن العقل فمن اتي بما فيه الصلاح ممدوح و من اتي بما فيه الفساد مذموم و ما اسخف قول من قال هل العقل لولا الشرع يحكم بهذا ام لا، فان الشرع ليس بشيء وضع بلاعلة في الاشياء و نشأ من غير حكمة و اقتضاء في الاشياء و لولا الشرع كانت الاشياء علي ما هي عليه و انما الشرع هو المبين للواقع لاجاعل الحسن حسناً وضعياً اصطلاحياً و القبيح قبيحاً اصطلاحياً و لميثب المحسن من غير اثر للعمل يقتضي الثواب و لميعاقب المسيء من غير اثر و انما الاعمال بمنزلة العقاقير القتالة و الممرضة و المخلصة المقوية و الشارع كالطبيب المخبر عنها و الثواب و العقاب هما آثارها و ذلك معني ما رواه جميل بن دراج انه سأل اباعبدالله7 عن شيء من الحلال و الحرام فقال7 انه لميجعل شيء الا لشيء انتهي. نعم لماكان متعلق الشرع اعمال المكلفين و امروا باشياء فيها صلاحهم و نهوا عن اشياء فيها فسادهم علم ان هذا الحسن المنظور في المأمور به و القبح المنظور في المنهي عنه ليسا لمعني في ذات الشيء نفسها و انما هما في الاشياء من حيث استعمال المكلفين لها الاتري ان سم الفار مثلاً ليس بسم لنفسه و انما هو سم للشارب الذي ينافي طبعه
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 10 *»
بل و لاكل شارب و انما الممرض ليس بممرض نفسه و انما هو ممرض للذي ينافي طبعه في الجملة لاكل مستعمل مطلقاً و كذلك المخلص و المقوي و كذلك الاعمال و ساير الاشياء فانما هي مصلحة لمن استعملها او اقترن بها او مفسدة لمن استعملها او اقترن بها فالنجس ليس بنجس لنفسه و انما هو نجس لمستعمله و الكذب ليس بقبيح لنفسه في نفسه و انما هو قبيح للكاذب في محل المنع الاتري انه حسن في محل الامر فتبين لمن نظر و ابصر ان الحسن حسن من حيث الاقتران بالمكلف و القبيح قبيح من حيث الاقتران حتي الكمال و النقص فان العلم حسن للعالم لا لوجوده في نفسه و الجهل قبيح للجاهل لا لوجوده في نفسه فانهما خلقان من خلق الله و الشيء له اعتباران اعتبار ذاته في ذاته من حيث هو هو فلاحسن له في هذا الاعتبار و لاقبح فان الحسن معني يزيد علي كون الشيء موجوداً و كذا القبيح و ذلك المعني الزايد هو حيث الاقتران بالمكلف فالشيء حسن له و قبيح له غاية الامر يكون الاشياء علي قسمين: قسم يستوي فيه اقترانه بجميع المكلفين فهو حسن لكل احد او قبيح لكل احد و قسم يختلف فحسن لواحد و قبيح للآخر او حسن في عصر للكل و قبيح في عصر للكل و الي كون الحسن و القبح من حيث الاقتران لا من حيث الذات يشير كلام اميرالمؤمنين7 في الرد علي المجتهدين قال7 و من الدليل علي فساد قولهم في الاجتهاد و الرأي و القياس انه لنيخلو الشيء انيكون يمثله علي اصل او يستخرج البحث عنه فان كان يبحث عنه فانه لايجوز في عدل الله تعالي انيكلف العباد ذلك و ان كان ممثلاً علي اصل فلنيخلو الاصل انيكون حرم لمصلحة الخلق او لمعني في نفسه خاص فان كان حرم لمعني في نفسه خاص فقد كان ذلك فيه حلالاً ثم حرم بعد ذلك لمعني فيه بل لو كان العلة المعني لميكن التحريم له اولي من التحليل و لمافسد هذا الوجه من دعويهم علمنا ان الله حرم الاشياء لمصلحة الخلق لا للخلق الذي فيه الخبر فتبين ان الاشياء ذواتها في انفسها ليست بحرام و لاحلال فان غيرها ليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 11 *»
بمذكور فيها و لامعني لان يكون الشيء حرم لنفسه أيجب عليه انيجتنب عن نفسه او ماذا يصنع، هذا و الحلال معني اقتراني بين شيئين و الحرام معني اقتراني بين شيئين و الحسن هو الحلال و القبيح هو الحرام فافهم فقد اسقيتك ماءً غدقاً.
فتبين ان الحسن و القبح عقليان اي خارجيان لاوضعيان بصرف الامر و النهي من الشارع فمن الاشياء مايدرك العقول حسنه و قبحه بالضرورة و منها ما يدركهما فيه عقول العلماء بصرافتها و منها ما يدركهما فيه عقول الحكماء و منها ما لايدركهما العقول فيه الا بعد تنبيه الشارع الذي هو عقل الكل و منها ما ليس في حد العقول الجزئية درك حسنه و قبحه الا بايقاف خاص من الشارع و بيان سرهما و حكمتهما بتعليم خاص فان العقول الجزئية لاتحيط بجميع الجزئيات و العقل الكلي هو المحيط و ليس اذا لمندرك حسن صوم اول يوم من شهر رمضان و قبح اول يوم من شهر شوال ليس لهما حسن واقعي و قبح واقعي فان عقل الكل يدرك ما لاندركه كماندرك ما لايدركه من هو دوننا في العقل فافهم فقد اشرت الي جميع اطراف المسألة بحول الله و قوته.
الثاني: من الافعال التي هي متعلقة الامر هو الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و المراد بالامر بالمعروف هو حمل المكلفين علي المأمور به لامحض قول «افعل» و المراد بالنهي عن المنكر هو حملهم علي الترك و منعهم عن المنهي عنه لا قول «لاتفعل» فهما ايضاً عقليان اي فيهما مصلحة خارجية اذ بهما نظام المعاش و المعاد و بتركهما اختلالهما و ان الشارع قد امر بهما لكونهما في الواقع الخارج حسنان موافقان مناسبان لغرض الله من الايجاد و هو ان الله الحكيم خلق العباد لفائدة لاعبثاً كماقال عز من قائل أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً و الفائدة لايصح انتكون عائدة الي ذات الله جل جلاله لغنائه المطلق فوجب انتكون عائدة الي الخلق و هي نيل الحيوة الابدية و النعماء السرمدية كما في القدسي خلقتكم لتربحوا علي و ماخلقتكم لاربح عليكم و تلك الفائدة لميكن يجوز انتوصل الي الكل علي السواء لاختلاف القوابل و لميكن يجوز انتوصل اليهم بالتفاوت
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 12 *»
من غير حجة فاحتيج الي ما به يمتاز القوابل و يظهر مقدار استحقاق كل احد هذا في الكلام الظاهر و في الباطن لميكن يجوز انتنزل تلك الفائدة من عند الله جل و عز علي الاختلاف فانه ليس من عنده اختلاف و كان اللازم انتحصل لهم بحسب اختلاف قوابلهم و تلك القوابل لمتكن تحصل لهم الا بما هو منهم من الاسؤلة و الاقتضاءات باعمالهم و لايهتدون الي ذلك الا بتعليم من الله سبحانه فاحتيج الي تعليم و هداية من الله سبحانه و هو اللطف الواجب في الحكمة الذي لولاه لميصل احد من عند نفسه الي ماخلق له ابداً سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم. كما انهم ليسوا بشيء الا بامر الله و مشيته و ذلك هو الامر و النهي و الدلالة و الارشاد و القوي و المشاعر و تخلية السرب و الاستطاعة و الاختيار و غيرها فارسل اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب و امر و نهي و دل و ارشد و بين و اوضح و لماكان الغرض حصول الاستعداد و ظهور مقدار الاستحقاق و لميكن يحصل ذلك الا بالاختيار فجعلهم مختارين باختيار محفوظ و لميكن يجوز انيلجئهم الي الخيرات فلو الجأهم لميستحقوا منه شيئاً و لماكان احد اولي بالالجاء من الآخر و نسبته تعالي الي الكل علي السواء و ذلك ينافي غرض الايجاد هذا و ان الله سبحانه مختار و مشيته جارية علي الاختيار و آثارها ايضاً مختارة و الاثر يطابق صفة مؤثره البتة فلميكن يحسن من الله حمل الناس علي المأمور به علي نحو الالجاء و منعهم عن المنهي عنه علي طريق الاضطرار البتة فقبحهما امر خارجي واقعي و حسن صرف الدلالة و الوعد و الوعيد تمكيناً للقوابل و تأييداً و لطفاً امر خارجي واقعي و ذلك مما لاشبهة فيه فلما دلهم علي طرق استحقاق المدح و الذم و جعلهم مختارين و خلق لهم جميع ما يتمكنون به من اخيتار ما يمدحون به او ما يذمون به اختار من اختار ما اختار فبذلك اختلف القوابل و نال من نال ما نال من تلك الغاية المذكورة.
و اما بالنسبة الي اعمال المكلفين يعني امر بعضهم بعضاً بالمعروف و نهي بعضهم بعضاً عن المنكر فذلك مسألة مشكلة و ذلك ان فعلهم في ذلك فعل الله فانه بامر الله فان كان الجاء فهو الجاء الله سبحانه و قد عرفت قبحه و عدم صدوره
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 13 *»
من الله و ان لميكن الجاء فما معني حمل المأمور علي المأمور به فان فعل و الا ينفي من عرصة الوجود و يقتل و منع المنهي عن المنهي عنه فان امتنع و الا ينفي عن الوجود و اي الجاء اشد من هذا و ما زعمه بعض المحصلين جواباً عن هذا من ان المنع لايستلزم الامتناع، فليس بشيء اذ لولا ان الحمل علي الشيء بحيث ان فعل و الا يغلظ عليه و يضرب و يجرح و يقتل الجاء فلاالجاء في الدنيا و كذلك الحدود و التعزيرات كلها من هذا الباب بل و الجهاد فانه يدعي الي الحق فان قبل و الا يقتل و كذلك قتال البغاة ففي الظاهر لامعني للالجاء الا هذا و هو في الظاهر اشد الاكراه مع انه قال الله سبحانه لااكراه في الدين فالجواب من هذا يشكل عليهم جداً ولكني اجيب عنه بحول الله وقوته و هو انه لاشك ان الانسان يمدح علي فعل الخير اذا كان فعل الخير باختياره و يسعه الترك اما اذا كان مجبوراً علي فعل الخير و لايسعه الترك فلايستحق مدحاً و لاثواباً و لماكان الغاية ايصال الثواب و لميك يمكن ذلك الا بالاختيار وجب انيخلق الله الخلق مختارين و الاختيار ينافي الاكراه و الالجاء فلايصدران من الله ابداً ولكن للاعمال الحسنة اقتضاء للثواب و الاجر الجميل و للاعمال القبيحة اقتضاء للعقاب و ايصال الاذي اليه و الدنيا ملك الله سبحانه كما ان الآخرة ملك الله و كل نعيم في الدنيا و الآخرة نعمة الله ينيلها من يشاء من خلقه كماقال من كان يريد ثواب الدنيا نؤته منها و من كان يريد ثواب الآخرة نؤته منها و كل مكروه في الدنيا و الآخرة عقاب الله يصيب من يشاء من خلقه كماقال لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم و قال تعالي ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و قال ما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم. الي غير ذلك من الايات و الكتاب بها مشحونة و جميع مراتب التشديد في الامر و النهي و جميع مراتب التعزير و الحد و قتال البغاة و الجهاد و غير ذلك آلام و اذيات في الدنيا ينيلها الله سبحانه من يستحقها بسوء عمله و عقوبات كالآلام و الاذيات و العقوبات الاخروية ففي الآخرة ينيلها الله من يستحقها علي ايدي الملئكة و في الدنيا ينيلها الله باسباب منها ايدي المؤمنين قاتلوهم يعذبهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 14 *»
الله بايديكم و يخزهم و ينصركم عليهم لمتقتلوهم ولكن الله قتلهم و مارميت اذ رميت ولكن الله رمي و ليس الله سبحانه امر بقتل احد او جرحه او ضربه او شتمه او التغليظ عليه اول وهلة و انما امر بالدعوة و اقامة الحجة حتي يحصل للمكلف العلم بان اللازم عليه المتعين في حقه هذا سواء كان ذلك في اصل الاسلا م او في فروعه فلاتكليف الا بالبيان قال الله سبحانه و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون. و لايكلف الله نفساً الا ماآتاها فبعد ما عرفه الهدي كماقال انا هديناه السبيل اما شاكراً و اما كفوراً. و بعد ان كمل القابلية بالترغيب و الترهيب و اتمام الحجة فان امتثل فله الغاية و ان لميمتثل استحق العقاب في الدنيا و الآخرة و عدم اخذ الله سبحانه اياه بجميع ما يستحقه لطف في حقه و احسان فمن كمال احسانه امر حينئذ بالحمل و هذا القسم من الاكراه و الالجاء في الدين موجود وافر بل هو واجب و بغيره لاينتظم العالم و يهلكون عن آخرهم.
و ان قلت كيف يكون بترك ذلك بوار الخلق و اغلب اقاليم الدنيا كفار لايأمرون بمعروف و لاينهون عن منكر و هم باقون يعيشون في الرخاء؟
قلت انهم ايضاً لايخلون عن امر و نهي و انما تعلموا ذلك من انبيائهم و يفعلون و به ينظمون البلاد و يقومون العباد غاية الامر انهم حرفوا سنن الانبياء و قواعدهم و بقدر ذلك يحصل الاختلال في امرهم و قد مثلنا لذلك مثالاً في بعض كتبنا ان الله الذي خلق الجوع يجب في الحكمة انيخلق ما يسد الجوع و يوافق المزاج من كل جهة فلو عدل الانسان عنه و اكل التراب و الحجر مثلاً فانه يسد الجوع و يعيش اياماً الا انه لايوافق المزاج من كل جهة و يمرضه الي انيميته و ان الله سبحانه جعل شرايع مناسبة لمزاج العالم و صلاحهم ولكنهم عدلوا عن ذلك و استعملوا ناموساً لاجهلم منحرفاً و ذاكان([1]) معدولاً عن الحق فتقوتوا به فيعيشون بذلك اياماً ولكنه ليس بعيش هنيء راخ بل هو عيش مبهظ مولم متعب فيعيشون اياماً في نصب و وصب ثم يقتلهم و ذلك خلاف الحكمة و فساد التدبير فالحكمة فيما جاء به الانبياء و امروا بالامر به و النهي عن مخالفته فافهم و تدبر.
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 15 *»
الثالث: كماعرفت انهما يجبان بالعقل قد ورد الحث عليه و الامر به من الشارع ايضاً كماقال الله سبحانه ولتكن منكم امة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و قال كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و قال و امر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر علي ما اصابك و قال الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلوة و آتوا الزكوة و امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و قال المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و قال في المنافقين المنافقون و المنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف الي غير ذلك من الآيات و الذكر الحكيم و اما الاخبار فكثيرة منها مارواه في الوسائل باسناده عن ابيسعيد الزهري عن ابيجعفر و ابيعبدالله7 قال ويل لقوم لايدينون الله بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و عن ابيجعفر7 بئس القوم قوم يعيبون الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و عن غياث بن ابرهيم كان ابوعبدالله7 اذا مر بجماعة يختصمون لايجوزهم حتي يقول ثلثاً اتقوا الله يرفع بها صوته.
و عن محمد بن عرفة قال سمعت اباالحسن الرضا7 يقول لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلايستجاب لهم و عنه7 كان رسولالله9 يقول اذا امتي تواكلت الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله. و عن جابر عن ابيجعفر7 قال يكون في آخرالزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن الي ان قال و لو اضرت الصلوة بساير ما يعملون باموالهم و ابدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمي الفرائض و اشرفها ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرايض هنالك يتم غضب الله عزوجل عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الابرار في دار الاشرار و الصغار في دار الكبار ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الانبياء و منهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 16 *»
تقام الفرايض و تأمن المذاهب و تحل المكاسب و ترد المظالم و تعمر الارض و ينتصف من الاعداء و يستقيم الامر فانكروا بقلوبكم و الفظوا بالسنتكم و صكوا بها جباههم و لاتخافوا في الله لومة لائم فان اتعظوا و الي الحق رجعوا فلاسبيل عليهم انما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم هنالك فجاهدوهم بابدانكم و ابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطاناً و لاباغين مالاً و لامريدين بالظلم ظفراً حتي يفيئوا الي امر الله و يمضوا علي طاعته.
و عن اميرالمؤمنين7 في خطبة له اما بعد فانه انما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي و لمينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك و انهم لماتمادوا في المعاصي و لمينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات فامروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و اعلموا ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لنيقربا اجلاً و لنيقطعا رزقاً. و عن ابيعبدالله7 ان رجلاً من خثعم جاء الي رسولالله9 فقال يا رسولالله اخبرني ما افضل الاسلام قال الايمان بالله قال ثم ماذا قال صلة الرحم قال ثم ماذا قال الامر بالمعروف و النهي عن المنكر قال فقال الرجل فاخبرني اي الاعمال ابغض الي الله قال الشرك بالله قال ثم ماذا قال قطيعة الرحم قال ثم ماذا قال الامر بالمنكر و النهي عن المعروف.
و عنه7 قال قال النبي9 كيف بكم اذا فسدت نساؤكم و فسق شبابكم و لمتأمروا بالمعروف و لمتنهوا عن المنكر فقيل له و يكون ذلك يا رسولالله فقال نعم و شر من ذلك كيف بكم اذا امرتم بالمنكر و نهيتم عن المعروف فقيل يا رسولالله و يكون ذلك قال نعم و شر من ذلك كيف بكم اذا رأيتم المعروف منكراً و المنكر معروفاً و عنه9 ان الله عزوجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لادين له فقيل و ما المؤمن الضعيف الذي لادين له قال الذي لاينهي عن المنكر. و عن ابيعبدالله7 ويل لمن يأمر بالمنكر و ينهي عن المعروف و عن النبي9 لاتزال امتي
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 17 *»
بخير ما امروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا علي البر فاذا لميفعلوا ذلك نزعت منهم البركات و سلط بعضهم علي بعض و لميكن لهم ناصر في الارض و لا في السماء.
و عن ابيجعفر7 الامر بالمعروف و النهي عن المنكر خلقان من خلق الله فمن نصرهما اعزه الله و من خذلهما خذله الله. و عن الصادق7 في حديث شرايع الاسلام و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان علي من امكنه ذلك و لميخف علي نفسه و لا علي اصحابه و عن ابيجعفر7 اوحي الله الي شعيب7 اني معذب من قومك مأة الف اربعين الفاً من شرارهم و ستين الفاً من خيارهم فقال يا رب هؤلاء الاشرار فمابال الاخيار فاوحي الله عزوجل اليه انهم داهنوا اهل المعاصي و لميغضبوا لغضبي.
و عن اميرالمؤمنين7 من ترك انكار المنكر بقلبه و لسانه فهو ميت بين الاحياء. و من خطبة له اما بعد فانه انما هلك من كان قبلكم حيث ماعملوا من المعاصي و لمينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك و انهم لماتمادوا في المعاصي و لمينههم الربانيون و الاحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات فامروا بالمعروف و انهوا عن المنكر و اعلموا ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر لنيقربا اجلاً و لنيقطعا رزقاً ان الامر ينزل من السماء الي الارض كقطر المطر الي كل نفس بما قدر الله لها من زيادة او نقصان الخطبة.
و عنه7 اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به اولياءه من سوء ثنائه علي الاخيار اذ يقول لولا ينهيهم الربانيون و الاحبار عن قولهم الاثم و قال لعن الذين كفروا من بنياسرائيل علي لسان داود و عيسي بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون و انما عاب الله تعالي ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين اظهرهم المنكر و الفساد فلاينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة ممايحذرون و الله يقول فلاتخشوا الناس و اخشوني و قال المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 18 *»
المنكر فبدأ الله تعالي بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بانها اذا اديت و اقيمت استقامت الفرايض كلها هينها و صعبها و ذلك ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر دعاء الي الاسلام مع رد المظالم و مخالفة الظالم و قسمة الفيء و الغنائم و اخذ الصدقات من مواضعها و وضعها في حقها الي غير ذلك و علي وجوبهما اجماع المسلمين و لاكلام في اصل وجوبهما و انما الكلام في انه هل هو عيني علي كل نفس او هو كفائي.
الرابع: اختلف علماؤنا رضوان الله عليهم اجمعين في ان وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر هل هو عيني ام كفائي؟ فالاول هو المحكي عن الحلي و عن الشيخ حكايته عن قوم من اصحابنا و هو خيرة صاحب الشرايع و نقله ابن ادريس عن قوم منهم الشيخ في الاقتصاد و الثاني هو المحكي عن الاكثر و خصوص السيد و الحلبي و القاضي و الحلي و الفاضل و الشهيدين و المحقق الطوسي في التجريد و الاردبيلي و الخراساني و غيرهم و دليل القائلين بالوجوب العيني عمومات الاخبار كقوله9 لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليعمكم عذاب الله و في آخر مروا بالمعروف و ان لمتعملوا به كله و انهوا عن المنكر و ان لمتنتهوا عنه كله الي غير ذلك و بان الاصل في الوجوب العينية و دليل القائلين بالكفائي ان الغرض حصول ذلك في الخارج و يحصل بالبعض و بظاهر قوله تعالي و لتكن منكم امة و برواية مسعدة بن صدقة كمايأتي و الواجب اولاً تحرير موضع النزاع و ثمرته.
فاقول: لاشك عند الفريقين انهما واجبان عند وجود العلة و هو عمل العاصي و اصراره و اذا اقلع لايجب سواء كان الاقلاع بتذكر نفسه او بسبب منع البعض و لايجب علي غير المطلعين و لا علي المطلعين غير المستجمعين للشرائط و كذا لاشك عندهم ان المطلع ان كان منفرداً و مستجمعاً للشرايط تعين عليه و ان كان متعدداً و لايقدر بعضهم علي التنفيذ ولكن يقدرون معاً وجب علي جميعهم معاً فيبقي موضع النزاع في انه اذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 19 *»
كان المطلع متعدداً و كلهم مستجمعون للشرائط و يقدر بعضهم علي تنفيذ الامر و شرع بعضهم في الاجراء هل يجب علي الباقين المبادرة قبل حصول الغرض حتي يحصل الغرض بكلهم ام مقصود الشارع حصول الغرض و لو بواحد فاذا قام بعضهم بالامر لايجب المبادرة علي الباقين.
فاقول: دليل القائلين بالكفاية ان مقصود الشارع حصول الغرض و يحصل بالبعض و مبادرة الباقين لغو و السيرة المعروفة في جميع الاعصار الاكتفاء بقيام البعض و بقوله تعالي و لتكن منكم امة و برواية مسعدة بن صدقة في شرح الآية و حاصلها انهما ليسا بواجبين علي كل الامة و انما هو علي القوي المطاع العالم بالمعروف و المنكر لا علي الضعيف الذي لايهتدي سبيلاً الي اي من اي ثم استدل بالآية و قال في آخره و ليس علي من يعلم في هذه الهدنة من حرج اذا كان لاقوة له و لاعدد و لاطاعة هذا غاية استدلالهم و خلاصتها.
اقول: اما قولهم ان مقصود الشارع حصول الغرض فذلك استنباط منهم و نطالبهم بالدليل و لعل ذلك عبادة استعبد الله بها خلقه و ليمتحنهم في المبادرة الي الخدمة و ليعرف اتفاق كلمة المسلمين علي اقامة الحق و اماتة الباطل و ليكون ذلك اردع للعاصين اذا علموا انكار الكل عليهم و مسارعتهم غاية الامر انه اذا حصل الخدمة بالبعض سقط عن الباقين لانه لميبق لها موضع و لو كان مقصود الشارع ذلك لكان اللازم انيصدر عنهم حديث واحد في جميع هذه الاعصار.
و اما الآية فهي دالة علي وجوب كون امة آمرة ناهية قليلة او كثيرة في المسلمين و للخصم انيقول ان تلك الامة هم المستجمعون للشرايط فلاكل الامة يستجمعون الشرائط بل ظاهر الآية ذلك و تفسير الامام له في رواية مسعدة بن صدقة يؤيد ذلك بل هي صريحة فيما ذكرنا لانها تصرح بانهما ليسا علي كل الامة و انما هما علي القوي المطاع العالم و هو المستجمع للشرايط فهو الامة المرادة في الآية و لاتدل ابداً علي ان بعض المتصفين اذا شرع في القيام سقط عن الباقي و اما السيرة فالقطعي منها انه كان يقوم بعض بالامر و يتخلف آخرون و لعل المتخلفين غير مستجمعين للشرائط و اما عمل الفقهاء في الاعصار اما الكل فممنوع الاطلاع و اما البعض فلعله كان قائلاً بالكفائي فليس عمله بحجة علي الباقين هذا و الظاهر
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 20 *»
من عبارة من اطلعنا عليه من المستدلين بالسيرة التزلزل و عدم ادعاء القطع فهم يظنون ظناً.
و الحق في المسألة ان الآيات و الاخبار متفقة الدلالة متحدة الكلمة علي انها واجبة عيناً من غير تعرض بذكر الكفاية و لميذكر احد ظفره برواية في ذلك فالعدول عن عموم الآيات و الاخبار بمثل هذه الخيالات مشكل غاية الامر ان النفس طالبة للراحة و تخفيف الامر لايكن ذلك لها و لتقم بخدمة مولاها كما امرها و لو كان ذلك كفائياً لكان اللازم انيقع سؤال في كل تلك الاعصار عن ذلك و ان لميسأل احد كان الواجب علي الهداة: الابتداء و بعيد غاية البعد انيكون الامر كذلك و لميقيموا عليه دليلاً من كتاب او سنة او اجماع فالحق احق انيتبع هذا و في المقام نصوص صريحة كحديث الاعمش عن ابيعبدالله7 و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان علي من امكنه ذلك. و في حديث شرايع الاسلام عن الرضا7 و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان اذا امكن و حديث مجالس الطوسي لايحل لعين مؤمنة تري الله يعصي فتطرف حتي تغيره و عن النبي9 لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليعمنكم عذاب الله ثم قال من رأي منكم منكراً فلينكر بيده ان استطاع فان لميستطع فبلسانه فان لميستطع فبقلبه فحسبه انيعلم الله من قلبه انه لذلك كاره. الي غير ذلك من الاخبار و كلها ظاهرة او نادية بالوجوب علي الجميع و لايمكن العدول عن ظواهرها و نصوصها الا بمعارض اقوي و ليس هذا و من مراتب الانكار القلب و هو ممكن للجميع ثم اكفهرار الوجوه و تمعرها و ذلك ممكن للكل و الهجر و الاعراض فذلك ايضاً ممكن للجميع بلامزاحمة و اما تغليظ القول فذلك ايضاً امر ممكن انيجتمع علي العاصي قوم و يغلظوا له القول معاً ان قلوا او واحداً بعد واحد و ان كثر المطلعون المجتمعون و خيف عدم انتفاعه لكثرة اللغط تكلم قوم بعد قوم او واحد بعد واحد و لايبعد انيكون تكلم واحد و تصديق الآخرين لذلك كافياً فان الواجب علي الكل النهي و يحصل نهيهم جميعاً بهذا و الهيئة الاجتماعية حكمها غير حكم الواحد فظهور اجتماع الكل علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 21 *»
صرف عاص عن عصيانه كاف في الصرف و تكلم واحد معرب عن مقصود الكل لاسيما مع ظهور تصديقهم و ليس هذا من باب الكفاية بل من باب ان هذا المقدار كاف في انفاذ الامر بالجملة ان كفي هذا المقدار فهو و الا تكلموا و لاضير.
و اما الضرب ان جاز فلايمكن من الجميع لحصول الزيادة عن مقدار الحاجة اللهم الا ان لايحصل زيادة و ان حصلت فلايجوز البتة و يكفي ضرب البعض و ظهور الرضا من الباقين كمامر و كذا القتل اذ لايمكن تعدده و انما يقتل واحد و يظهر الرضا من الباقين فحاصل القول انه اذا ظهر منكر و اطلع عليه قوم مستجمعون للشرايط يبادرون الي خدمة مولاهم و لاعبث مع مبادرة بعض فانه ربما لميقدروا او عرضهم مانع و لايقاس ذلك بساير المواضع الكفائية فانا عبيد الامر و النهي فلماذكروا هنالك الكفاية قلنا بها و لميذكروا هنا فلمنقل بها فلعل مرادهم من خطاب الكل ما ذكرناه فتدبر.
الباب الاول
في ذكر شروط الامر بالمعروف و النهي عن المنكر
الذي صرح به بعض علمائنا ان له شروطاً اربعة و هو المنقول عن الفاضل و الشهيدين و غيرهم و هو صريح الشرايع و الجواهر و المسالك و الارشاد و مجمع الفوائد و غيرها و منهم من قال ان له ثلثة شروط كصاحب الدرر و الوسائل اما الاربعة شروط علي مختار الاولين.
فالاول: العلم بالمعروف و المنكر لئلاينهي عن المعروف و يأمر بالمنكر فالجاهل بذلك ليس بمكلف و يشهد بذلك رواية مسعدة بن صدقة و هي ما رواه في الوسايل عن الكليني باسناده عن مسعدة بن صدقة عن ابيعبدالله7 قال سمعته يقول و سئل عن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أواجب هو علي الامة جميعاً فقال لا فقيل له و لم قال انما هو علي القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا علي الضعيف الذي لايهتدي سبيلاً الي اي من اي يقول من الحق
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 22 *»
الي الباطل و الدليل علي ذلك كتاب الله عزوجل قوله ولتكن منكم امة يدعون الي الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فهذا خاص غير عام كماقال الله عزوجل و من قوم موسي امة يهدون بالحق و به يعدلون و لميقل علي امة موسي و لميقل علي كل قومه و هم يومئذ امم مختلفة و الامة واحد فصاعداً كماقال الله عزوجل ان ابرهيم كان امة قانتاً لله يقول مطيعاً لله عزوجل و ليس علي من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج اذا كان لاقوة له و لاعدد و لاطاعة انتهي.
و هذا الخبر مطابق للكتاب موافق لما عليه كثير من الاصحاب موافق للعقل السليم فالعمل عليه لا علي عموم الاخبار كما ظن بعضهم بل العمومات ايضاً مطابقة معها كمايأتي بل هذا الخبر شرح العمومات و بيان معناها فليس المكلف بهذا التكليف جميع الجهال و العلماء فمن تأمل من اصحابنا في اشتراط ذلك في الوجوب و قرب انيكون الجاهل ايضاً مكلفاً غاية الامر انه لايصح منه الامر و النهي لمكان جهله فعليه تحصيل العلم ثم الامر و النهي كما ان الصلوة واجبة علي المحدث و لاتصح منه و عليه التطهير ثم الاتيان بالصلوة ليس في محله فانا نقول ان هذا الخبر نص علي حصر الوجوب في العالم بل العمومات ايضاً ظاهرة في ذلك فان خطاب اتوا الزكوة خطاب بمن له نصاب و ليس للناس جميعاً و ليس علي فاقد النصاب تحصيله و كذلك اتموا الحج و العمرة لله ليس علي الناس الفقراء تحصيل ما يحجون به و رتل القرآن ترتيلا انما هو لمن يعلم القرآن و لايجب تعلم القرآن مقدمة للترتيل و هكذا جميع الاوامر في الكتاب و السنة فكذلك مروا بالمعروف ظاهر في ان المخاطب العالمون بالمعروف و انهوا عن المنكر خطاب بالعالمين بالمنكر فعلم المعروف و المنكر و ان كان واجباً بنفسه الا ان خطاب «مروا» و «انهوا» ليس لهم هذا و قد ورد النص انه محصور في العالم و يلزم هؤلاء ايضاً ان يقولوا اذا صدر من رجل عمل و لانعلم انه خلاف الحق يجب لنا الفحص انه موافق فنقرره ام مخالف فنأمره و ننهاه بل علي قول هؤلاء اذا عمل رجل في عقر داره عملاً و لانعلم ما عمل يجب علينا اننفحص عن عمله حتي اذا كان منكراً نهيناه فان الخطاب عام
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 23 *»
و تحصيل جميع ذلك مقدمة الواجب و هو بالضرورة باطل و جميع اوامر الشارع واقعة علي من يأتي ذلك منه و هو واجد مايحتاج اليه فيها فخطاب انظروا لمن له عين و اسمعوا لمن له اذن و امشوا لمن له رجل فروي ان الله امر و نهي فمن كان له عذر عذره الله و الجاهل معذور باني لااعرف المعروف و المنكر حتي آمر و انهي و مقدمة الواجب واجبة اذا وقع الواجب و اما اذا لميقع الا علي ذيالمقدمة فلاتجب و هذه الاوامر واقعة علي ذي المقدمة و ابين لك الفرق حتي تعلم و هو ان صلوا ليس في مفهومه الطهارة و ليست بمأخوذة فيه فوجب علي الناس البدار ثم قال الشارع تطهروا و صلوا فوجب عليهم الطهارة و اما انفقوا مأخوذ فيه المال فمن ليس مال ليس بمخاطب به فهكذا مروا بالمعروف مأخوذ فيه العلم بالمعروف مثل اكتبوا فانه مأخوذ فيه العلم بالكتابة فاصل الاوامر لمتقع الا علي العالمين و هذا الاشتراط هو المحكي عن صريح الحلي و الفاضل و الشهيدين و المقداد و صريح كثير من المتأخرين و عن المنتهي نفي الخلاف عنه و فصل الاردبيلي (ره) انه لو كان عالم غير نافذ الامر و جاهل نافذ الامر وجب عليه التعلم و علي ما ذكرنا يرفع النزاع فان طلب العلم بنفسه واجب و قد علم وجوبه من ادلة اخر لئلايقع الانسان في محرم و لولا وجوب طلب العلم لبطل جميع الشرايع و الاحكام و قال هما علي العالم اما بالدليل ان كان مجتهداً او بالتقليد للغير ان كان مقلداً و الظاهر انه في الاجماعيات و العلميات لايحتاج الي تقليد الحي و فتواه بل في المسائل الاجتهادية فقط علي تقدير القول بعدم جواز تقليد الميت الي آخر كلامه. و لي في هذا المقام كلام لمار من تنبه به من الاصحاب و هو ان المسائل علي اقسام:
منها ما هو ضروري بين اهل الاسلام و منها ما هو ضروري بين اهل المذهب و منها ما هو اجماعي بين جميع العلماء بحيث من ورد الفقه و راجع الکتاب و السنة و اقوال الاصحاب لمير فيه خلافا و منها ما هو خلافي و اتبع كل فقيه فيه دليله. اما ما هو ضروري بين اهل الاسلام او المذهب فلايحتاج الي تقليد فقيه. و اما ما هو اجماعي بين اهل العلم فلايتفاوت فيه تقليد حي او ميت ان علم
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 24 *»
انه اجماعي. و اما ما هو مختلف فيه فهو الذي يحتاج الي تفقه او الاخذ من فقيه و الغرض ان من صدر عنه عمل يمكن انيؤمر و ينهي اذا كان من الثلثة الاقسام اي التي لاخلاف فيها. و اما ما كان خلافياً و يطابق عمل الرجل احد اقوال الفقهاء فلامعني لامره و نهيه بخلاف ما هو عليه اذ افعال المسلم محمولة علي الصحة و هذا العمل الصادر منه يمكن انيكون هو الحق و ليس بواجب عليه انيقلدك او يقلد من قلدته او يقلد حياً فلعله يري تقليد الميت او هو فقيه ان كان يحتمل ذلك و يري کذلك بل ان رأيت منه عملاً و لاتعلم انه اجماعي ام لا، لايجب عليك التعرض له و لست حينئذ المخاطب بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر فانحصر المورد في ما لاخلاف فيه فان الرجل حينئذ تارك للحق.
و ان قال قائل فمابالنا لانحمل افعال المسلمين علي الصحة و ان ارتكب محرماً و نقول انه اضطر اليه كماروي ما من شيء حرمه الله الا و قد احله لمن اضطر اليه ففعله هذا يحتمل الحل و الحرمة و الرجل مسلم و فعله محمول علي الصحة.
قلنا: هذا و ان احتمل الا انه خلاف الاجماع و السيرة القطعية و لو بنينا علي هذا للزم ان نسكت اذا رأينا رجلاً يقتل رجلاً و يضرب رجلاً او يجني به جناية او نسكت عن رجال اخذوا العقبة و قطعوا السبيل فلعل القاتل يقتص و كذا الضارب و الجاني و لعل قاطع السبيل يأخذ ماله منهم و المال ماله و هكذا و يتسع الخرق و يشيع الفواحش و انما علينا اذا رأينا انه صدر عن مسلم ما حرمه الله انننكر عليه و الاصل عدم الاعذار و علينا الرفق به اولاً فان كان له عذر مقبول قبلناه و الا رددناه و ما اشبه ذلك بقول ذلك السني حيث يقول:
اني احب اميرالمؤمنين و لا | ارضي بسب ابيبكر و لاعمراً | |
و لااقول اذا لميعطيا فدكاً | بنت النبي رسولالله قد فجرا | |
الله يعلم ما ذا يأتيان به | يوم القيمة من عذر اذا اعتذرا |
لو بنينا علي ذلك لماوسع احداً انينكر علي احد من الماضين و الحاضرين منكراً و لارتفع هذه الفريضة بالكلية و ما روي من حمل افعال الاخوان سبعين محملاً فانما هو في سلوكهم معنا بما نكره لا بما هو خلاف الضرورة و الاجماع و لذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 25 *»
لميذكر من احد من فقهائنا حمل فواحش الناس علي المحامل و ترك الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و الثاني: من الشروط تجويز التأثير و ذلك ان مع امتناع التأثير عادة لغو لافائدة فيه و يدل علي ذلك رواية مسعدة التي مضت و فيها انما هو علي القوي المطاع و كذا ينص عليه آخرها فمن لايطاع و لاقوة له للحمل علي الطاعة فليس عليه و حكي عن المنتهي الاجماع عليه و يدل عليه ايضاً فقرة اخري في رواية مسعدة تركناها اولاً و هي انه قال مسعدة و سمعت اباعبدالله7 يقول و سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي9 ان افضل الجهاد كلمة عدل عند امام جاير ما معناه؟ قال هذا علي انيأمره بعد معرفته و هو مع ذلك يقبل منه و الا فلا و عن يحيي الطويل صابح المقري قال قال ابوعبدالله7 انما يؤمر بالمعروف و ينهي عن المنكر مؤمن فيتعظ او جاهل فيتعلم فاما صاحب سوط او سيف فلا و عن مفضل بن يزيد عن ابيعبدالله7 قال قال لي يا مفضل من تعرض لسلطان جاير فاصابته بلية لميوجر عليها و لميرزق الصبر عليه الي غير ذلك من الاخبار و مع امتناع التأثير لاكلام في السقوط ولكن قال بعضهم انه يسقط مع غلبة الظن بعدم التأثير و بعضهم قال بسقوطه بالظن المتاخم بالعلم و بعضهم قال بسقوطه بمطلق الظن بعدم التأثير و ذلك كله لادليل عليه اللهم الا انيستدل عليه بان المرء متعبد بظنه و ذلك حديث لمنره بل رأينا من شك و ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله و رأينا ان الظن اكذب الكذب و رأينا ان الظن لايغني من الحق شيئاً هذا و غايته انك تأمر و تنهي فان انجح و الا تركت كماروي عن محفوظ الاسكاف عن ابيعبدالله7 انه انكر علي رجل امراً فلميقبل فطأطأ رأسه و مضي بل يدل علي وجوب الانكار مع ظن عدم القبول ما روي عن الحرث بن المغيرة انه قال له ابوعبدالله7 لاحملن ذنوب سفهائكم علي علمائكم الي ان قال ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 26 *»
علينا به الاذي انتأتوه فتؤنبوه و تعذلوه و تقولوا له قولاً بليغاً قلت جعلت فداك اذا لايقبلون منا قال اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم انتهي. فلامعني اذا لعدم وجوب الانكار و الامر مع ظن عدم القبول فان للانكار مراتب فان لميمكن الحمل و المنع يمكن الهجر و التقطيب بل القول البليغ.
بقي شيء و هو ان في امثال زماننا حيث لاعدد و لامدد يمكن انينجحا احياناً ماداموا في قبال الآمر و الناهي القوي و اما الاتعاظ و الانزجار بالكلية فقد لايمكن و اذا غابوا يصرون علي ما كانوا فيه فان الحكام اصحاب اسواط و اسياف و يؤدبون علي كثير من المناكير و غايته تركهم علانية ولكنهم مصرون عليها في الخلوات ففي هذه الصورة هل يجب ام لا؟ لايبعد القول بوجوبه فانه تأثير في الجملة و تغيير و قد روي لايحل لعين مؤمنة تري الله يعصي فتطرف حتي تغيره انتهي. و ترك عصيان الله ساعة او علانية من الغنائم فان العصيان عصيان و اعلانه عصيان آخر و تغيير احد العصيانين ايضاً فائدة عظيمة.
و الثالث: انيكون الفاعل له اي المنكر او تارك المعروف مصراً علي الاستمرار و هذا الشرط و ان لميكن مذكوراً بالصراحة في الاخبار الا انه معلوم من سبك الخبر و مفهوم اللفظ انه يؤمر بالمعروف تاركه و ينهي عن المنكر فاعله و هذا لاشك فيه و انما الكلام فيما ذكروه من انه لو لاح منه امارة الامتناع سقط الانكار و هو يدل علي انه لو ظن انه امتنع عن المعصية سقط فمنهم من استشكل ذلك بسبب استصحاب الوجوب و لعل دليل المكتفين بالظن ما حقق في الاصول من جواز الاستصحاب في الموضوعات و اما في الاحكام فهو من القياس و ذلك ان ظاهر الاخبار النهي عن المنكر و هو ما علم كونه منكراً فمن ارتكب منكراً معلوماً او ادام عليه قطعاً وجب الانكار عليه و اما اذا صار بحيث ظننت اقلاعه و امتناعه فقد تغير الموضوع و يمكن انيكون لهذه الحال حكم غير الحالة الاولي و لمينصوا علي حكمه فهو مجهول و كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص و ليس النص علي ذلك ما ورد في موضوع العلم او تمسكوا باصل عدم التكليف و في
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 27 *»
حال العلم قد ثبت بالاجماع و في حال الظن مشكوك فالاصل عدمه و هذا وجه سخيف لان الاصل لايعارض النصوص و قد يقال ان في هذا المقام الموضوع باق فان الرجل كان فاسقاً و في حال ظن الاقلاع هو ايضاً فاسق ما لميظهر منه التوبة و انت يجب عليك النهي عن الفسق فانه منكر فعلي ذلك لايكتفي بعدم الاصرار و الاقلاع و الامتناع بل و عدم ارادة العود ما لميندم و لميتب فان موضوع الفسق باق الا ان الحق ان الظاهر من الاخبار الاكتفاء بالامتناع و الاقلاع الظاهري و لعل التوبة امر باطني و لادخل له بهذا المقام و يدل عليه ما رواه في الوسايل باسناده عن جابر عن ابيجعفر7 في حديث فانكروا بقلوبكم و الفظوا بالسنتكم و صكوا بها جباههم و لاتخافوا في الله لومة لائم فان اتعظوا و الي الحق رجعوا فلاسبيل عليهم انما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الارض بغير الحق الخبر.
و كلمة «انما» حصر فيمن يظلم الناس و يبغي و ليس كذلك غير المصر ما لميتب فالمراد بالاتعاظ و الرجوع الي الحق ترك الظلم و البغي و في حديث عبدالاعلي اذا عرفتم من عبد اذاعة فامشوا اليه فردوه عنها فان قبل منكم و الا فتحملوا عليه بمن يثقل عليه الخبر فاكتفي فيه بالاقلاع عن الاذاعة و في حديث آخر عن الصادق7 انتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلاتنكرون عليه و لاتهجرونه و لاتؤذونه حتي يترك و في حديث آخر عنه7 اذا بلغكم عن الرجل شيء تمشيتم اليه فقلتم يا هذا اما انتعتزلنا و تجتنبنا و اما ان تكف عن هذا فان فعل و الا فاجتنبوه فاكتفي بالترك و الكف هذا و لنا اننقول ان عدم التوبة معصية اخري باطنية و الذي يراعي في الظاهر هو مباشرة العمل او الاصرار عليه فينهي حتي يترك و يكف و هذه الاخبار ايضاً يرد (ترد ظ) علي المكتفين بظن الاقلاع فان الترك هو ما علم تركه و ظن الترك لايغني من الحق شيئاً فانت تأمر بالمعروف حتي يأتمروا و تنهي عن المنكر حتي ينتهوا و اني لك بالعلم بقلوب الناس انهم ندموا ام لا، عازمون علي الترك ام لا، و هذا الشرط هو الذي لميذكره بعضهم و لعله لوضوحه و الاستغناء عنه فان الممتنع ليس بفاعل منكر و ليس بمحتاج الي النهي
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 28 *»
و كذا العامل بالمعروف لايحتاج الي الامر بداهة.
و الرابع: ان لايكون في الانكار او الامر مفسدة و مضرة علي نفسه او علي اخوانه و حكي علي ذلك عدم الخلاف في المسألة و يدل علي ذلك ما في رواية الاعمش و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان علي من امكنه ذلك و لميخف علي نفسه و لا علي اصحابه و كذلك حديث الرضا7 و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر واجبان اذا امكن و لميكن خيفة علي النفس و يؤيد ذلك اخبار التقية و ان اضرار النفس و الغير من المسلمين بنفسه قبيح و ينبغي النهي عنه فكيف يرتكب منهياً لازالة منهي و لما روي من اخبار لاضرر و لاضرار فهذا لاشك فيه و انما الكلام في ظن الضرر هل يجوز الاكتفاء به ام يحتاج الي العلم.
فاقول: ان احداً من المكلفين لايمكنه العلم بما سيأتي و انما يحصل الظن بسبب الامارات و هو من الضرر الذي يجتنبه العقلاء و الذي يدل عليه ما في الحديثين السابقين ما لميكن خيفة و الانسان يخاف من الضرر المظنون فظن الضرر كاف هذا و لو بني الانسان علي الاجتناب من الضرر القطعي و ذلك لايحصل الا عند وقوع الضرر لهلك اكثر الناس اذ عند وقوع الضرر يمتنع العلاج او يعسر. بالجملة تحمل ظن الضرر ايضاً حرج و عسر عادة و يريد الله بكم اليسر و ماجعل عليكم في الدين من حرج و ذلك واضح انشاءالله.
فتبين الفرق بين الظن في هذا الشرط و بين الظن في الشرط السابق و اما ما روي عن ابيجعفر7 قال يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤن فيتعرون و ينسكون حدثاء سفهاء لايوجبون امراً بمعروف و لانهياً عن منكر الا اذا امنوا الضرر يطلبون لانفسهم الرخص و المعاذير الي ان قال هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه فمعناه اذا امنوا الضرر علي رياستهم الباطلة و اموالهم المجتمعة من الحيل و الخدايع و عزتهم التي اكتسبوها بالرياء و السمعة و ذلك ليس بضرر يجب اجتنابه شرعاً بخلاف الضرر الذي يخافه المؤمن علي عزته المحللة و مقامه الذي اعطاه الله و ما له المكتسب
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 29 *»
من الحلال و امثال ذلك و لميتنبه بهذا المعني احد فيما اعلم و هو ظاهر و انما مثل ذلك رجل تحته زوجة محللة يخاف عليها انيسلبوها عنه و زوجة محرمة تحت رجل يخاف انيسلبوها عنه فهذا الخوف و الضرر ليس بشرعي فالمطاع المرائي يخاف الضرر علي ماء وجهه و عزته و رياسته التي عليه اجتنابها كماروي عن علي7 اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به اولياءه من سوء ثنائه علي الاحبار اذ يقول لولا ينهاهم الربانيون و الاحبار عن قولهم الاثم و قال لعن الذين كفروا من بنياسرائيل الي قوله لبئس ما كانوا يفعلون و انما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة المنكر و الفساد فلاينهونهم عن ذلك رغبة فيماكانوا ينالون منهم و رهبة ممايحذرون والله يقول فلاتخشوا الناس و اخشوني و قال المؤمنون بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فبدأ الله بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بانها اذا اديت و اقيمت استقامت الفرايض كلها هينها و صعبها الخبر. فهؤلاء الاحبار الراغبون في دول الفجار المتقربون اليهم بالرياء و التنسك كانوا يرون المنكر و الفساد فلاينهونهم رغبة في الصلات و القطايع و العطايا و رهبة ممايحذرون من قطع ذلك عنهم فذمهم الله بذلك بالجملة لاشك انه لاضرر و لاضرار في الدين.
و اما قوله تعالي و امر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر علي ما اصابك ان ذلك من عزم الامور فعن الطبرسي عن علي7 اصبر علي ما اصابك من المشقة و الاذي في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر انتهي. فذلك ليس في الضرر من الناس فمعناه اصبر علي تعبك و مشقتك و تأذيك من شمس او ريح او مشي او جوع او عطش او عرق فلاتكسل لاجل هذا التعب فانه في سبيل الله راحة و افضل الاعمال احمزها و لماكان مما يؤيد هذا الشرط و يرتبط به امر التقية فاحببت ان اضم بذلك مسائل من امر التقية.
فصل
اعلم ان التقية لغة هي الحذر عن الضرر المتوقع و هي مجملاً من الواجبات التي لاشك فيها و عليه اجماع الامامية رضوان الله عليهم و بها نزل
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 30 *»
الكتاب و تواترت السنة و يشهد بوجوبها العقل المستنير قال الله سبحانه ادفع بالتي هي احسن السيئة فعن الصادق7 قال التي هي احسن التقية و قال تعالي اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا قال7 علي التقية و قال تعالي و يدرؤن بالحسنة السيئة قال7 الحسنة التقية و السيئة الاذاعة و قال تعالي و لاتستوي الحسنة و لا السيئة قال7 الحسنة التقية و السيئة الاذاعة و قال تعالي ياايها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا قال7 اصبروا علي المصائب و صابروهم علي التقية و رابطوا علي من يقتدون به و قال تعالي لاتلقوا بايديكم الي التهلكة قال هذا في التقية و قال تعالي ان اكرمكم عند الله اتقيكم قال7 اشدكم تقية و قال7 تسعة اعشار الدين في التقية و لادين لمن لاتقية له و سئل ابوالحسن7 عن القيام للولاة فقال قال ابوجعفر7 التقية من ديني و دين آبائي و لاايمان لمن لاتقية له و عن ابيجعفر7 اي شيء اقر لعيني من التقية ان التقية جنة المؤمن و عن ابيعبدالله7 التقية ترس المؤمن و التقية حرز المؤمن و لاايمان لمن لاتقية له و عنه7 كلما تقارب هذا الامر كان اشد للتقية و عنه7 ماعبد الله بشيء احب اليه من الخبأ قيل و ما الخبأ؟ قال التقية و في حديث اعمش و استعمال التقية في دار التقية واجب و لاحنث و لاكفارة علي من حلف تقية يدفع بذلك ظلماً عن نفسه و عن الرضا7 لادين لمن لاورع له و لاايمان لمن لاتقية له و ان اكرمكم عند الله اعملكم بالتقية قيل يا ابن رسولالله الي متي قال الي قيام القائم فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا و عن علي بن محمد لو قلت ان تارك التقية كتارک الصلوة لكنت صادقاً الي غير ذلك من الاخبار.
و اما الدليل العقلي علي ذلك فان كل عقل سليم يحكم بوجوب دفع الضرر عن النفس و حفظها عن الهلاك و ان خالف العمل الحق فلاضير لانه ليس عن ايمان بالباطل و ارتداد عن الحق قال الله تعالي الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 31 *»
و ذلك مما لاريب فيه.
فصل
فيما يتقي عليه
اعلم ان ما يتقي عليه هو النفس سواء كانت نفسك او نفس اخوانك في الدين و مالك و مالهم و عرضك و عرضهم و عزك و عزهم و اما قلة المنافع فليس بضرر و العزل عن المناصب المحرمة و قطع العطايا المحرمة و اخذها و سلب كل محرم عنك فليس بضرر فان الواجب عليك الاعراض عنها اللهم الا انتكون قد غصبت مالاً لاخيك فتتقي عليه لاجل ان تريد رده علي اخيك فهو تقية علي مال اخيك و لاضير و معرفة الضرر ممااشتبه علي كثير و لايعلمون ان سلب المحرمات عنك ليس بضرر بل هو نفع عظيم.
و اما ما يعد في العرف ضرراً سواء كان نفسياً او مالياً فعليه التقية فانه لاضرر و لاضرار في الدين و عن زرارة عن ابيجعفر7 التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به و عنه7 التقية في كل شيء اضطر اليه ابن آدم فقد احله الله له و يؤيد ذلك ما روي ما من شيء حرمه الله الا و قد احله الله لمن اضطر اليه و عن ابيجعفر7 التقية في كل ضرورة و عن ابيعبدالله7 ان الله فوض الي المؤمن اموره كلها و لميفوض اليه انيكون ذليلاً اما تسمع الله عزوجل يقول و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين فالمؤمن يكون عزيز و لايكون ذليلاً الي غير ذلك من الاخبار و الانسان يضطر في حفظ نفسه و ماله و اخوانه الي امور و كلها اضطرار و ضرورة و ليس يجب انيصبر الي الضرر العظيم الذي لايتحمله للاخبار العامة و لصدق اسم الضرر بل و كذلك يجوز عند ظن الضرر فان التقية هي الحذر و الخيفة و الخشية و الانسان يحذر عند ظن الضرر و لايمكن القطع عليه الا بعد وقوعه و الذي يحذر عنه العقلاء هو الضرر المظنون البتة كمامر في الشرط الرابع.
فصل
فيما يتقي فيه
قد مر الاخبار في الفصل السابق انه في كل شيء اضطر
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 32 *»
اليه ابن آدم و في كل ضرورة و انه لاضرر و لاضرار في الدين فهذه العمومات و الاطلاقات يشمل كل عمل حتي روي عن ابيعبدالله7 مابلغت تقية احد تقية اصحاب الكهف ان كانوا ليشهدون الاعياد و يشدون الزنانير فاعطاهم الله اجرهم مرتين و عن ابيعبدالله7 اياكم انتعملوا عملاً نعير به فان ولد السوء يعير والده بعمله كونوا لمن انقطعتم اليه زيناً و لاتكونوا علينا شيناً صلوا في عشايرهم و عودوا مرضاهم و اشهدوا جنايزهم و لايسبقونكم الي شيء من الخير فانتم اولي به منهم الخبر. و قال ابوجعفر7 خالطوهم بالبرانية و خالفوهم بالجوانية اذا كانت الامرة صبيانية و عن موسي بن جعفر7 لاتذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم و عن النبي9 طاعة السلطان واجبة و من ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله عزوجل و دخل في نهيه ان الله عزوجل يقول لاتلقوا بايديكم الي التهلكة. و عنه9 طاعة السلطان للتقية واجبة و عن ابيعبدالله7 ان مثل ابيطالب مثل اصحاب الكهف اسروا الايمان و اظهروا الشرك فآتاهم الله اجرهم مرتين و عن مسعدة بن صدقة قال قلت ان الناس يروون ان عليا قال علي منبر الكوفة ايها الناس انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البراءة مني فلاتبرأوا مني فقال ما اكثر ما يكذب الناس علي علي7 ثم قال انما قال انكم ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البرائة مني و اني علي دين محمد و لميقل و لاتبرأوا مني فقال السائل أرأيت ان اختار القتل دون البرائة فقال والله ما ذلك عليه و لا له الا ما مضي عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه اهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان فانزل الله عزوجل فيه الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان فقال له النبي9 عندها يا عمار ان عادوا فعد فقد انزل الله عذرك و امرك انتعود ان عادوا و يظهر من بعض الاخبار جواز عدم التقية في البرائة كماروي انه قيل لابيجعفر7 رجلان من اهل الكوفة اخذا فقيل لهما ابرئا عن اميرالمؤمنين فبرئ
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 33 *»
واحد منهما و ابي الآخر فخلي سبيل الذي برئ و قتل الآخر فقال اما الذي برئ فرجل فقيه و اما الذي لميبرأ فرجل تعجل الي الجنة. و عن ميثم النهرواني قال دعاني اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 و قال و كيف انت يا ميثم اذا دعاك دعي بنيآمية عبيدالله بن زياد الي البرائة مني فقلت يا اميرالمؤمنين انا والله لاابرأ منك قال اذا والله يقتلك و يصلبك قلت اصبر فذاك في الله قليل فقال يا ميثم اذا تكون معي في درجتي و يؤيد ذلك ما مر ستدعون الي سبي فسبوني ثم تدعون الي البرائة مني و اني علي دين محمد و لميقل تبرأوا بل روي عن الرضا7 عن آبائه عن علي بن ابيطالب7 انه قال انكم ستعرضون علي سبي فان خفتم علي انفسكم فسبوني الا انكم ستعرضون علي البرائة مني فلاتفعلوا فاني علي الفطرة و في حديث آخر فاما السب فسبوني فانه لي زكوة و لكم نجاة و اما البرائة فلاتبرأوا مني فاني ولدت علي الفطرة و سبقت الي الايمان و الهجرة.
و يمكن القول بان هذه الاخبار مكذوبة عليهم و قد كذبوا هذه الاخبار ليحملوا الشيعة علي ترك التقية و يقتلوا رجاء انينقرض الشيعة و يصيبهم العنت و المشقة العظيمة بقرينة رواية مسعدة حيث قال ان الناس يروون ذلك و انكار الامام صدور ذلك عن اميرالمؤمنين7 و يحتمل الحمل علي مراتب التولي فرخصوا للضعيف دون القوي و الاول اقرب لما روي في احتجاج اميرالمؤمنين علي بعض اليونان و آمرك انتصون دينك و علمك الذي اودعناك فلاتبد علومنا لمن تقابلها بالعناد و لاتفش سرنا الي من يشنع علينا و آمرك انتستعمل التقية في دينك فان الله يقول لايتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا انتتقوا منهم تقية و قد اذنت لك في تفضيل اعدائنا ان الجأك الخوف اليه في اظهار البرائة ان حملك الوجل عليه و في ترك الصلوات المكتوبات ان خشيت علي حشاشة نفسك الآفات و العاهات فان تفضيلك اعداءنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 34 *»
عند خوفك لاينفعهم و لايضرنا و ان اظهارك برائتك منا عند تقيتك لايقدح فينا و لاينقصنا و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و انت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها و مالها الذي به قيامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك اولياءنا و اخواننا فان ذلك افضل من انتتعرض للهلاك و تنقطع به عن عمل في الدين و صلاح اخوانك المؤمنين و اياك ثم اياك انتترك التقية التي امرتك بها فانك شائط بدمك و دماء اخوانك معرض لنعمتك و نعمتهم للزوال مذل لهم في ايدي اعداء دين الله و قد امرك الله باعزازهم فانك ان خالفت وصيتي كان ضررك علي اخوانك و نفسك اشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا. و عن ابيعبدالله7 في حديث انه قيل له مد الرقاب احب اليك ام البرائة من علي7 فقال الرخصة احب الي اما سمعت قول الله عزوجل الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان.
و عن عبدالله بن عجلان عن ابيعبدالله7 قال سألته فقلت ان الضحاك قد ظهر بالكوفة و يوشك انتدعا الي البرائة من علي فكيف تصنع قال فابرأ منه قلت ايهما احب اليك قال ان تمضوا علي ما مضي عليه عمار بن ياسر اخذ بمكة فقالوا له ابرأ من رسولالله9 فبرأ منه فانزل الله عزوجل عذره الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان و عن ابيعبدالله7 انه ذكر اصحاب الكهف فقال لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فقيل له و ما كلفهم قومهم فقال كلفوهم الشرك بالله العظيم فاظهروا الشرك و اسروا الايمان حتي جاءهم الفرج و في حديث قال7 ان اصحاب الكهف اسروا الايمان و اظهروا الكفر و كانوا علي اجهار الكفر اعظم اجراً منهم علي اسرار الايمان و عن ابيجعفر7 انه يقول ان يزيد بن معوية دخل المدينة و هو يريد الحج فبعث الي رجل من قريش فاتاه فقال له يزيد (لعنهالله) اتقر لي انك عبد لي ان شئت بعتك و ان شئت استرققتك الي ان قال فقال له يزيد ان لمتقر لي والله قتلتك فقال له الرجل ليس قتلك اياي باعظم من قتل الحسين7 قال فامر
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 35 *»
به فقتل ثم ارسل الي علي بن الحسين7 فقال له مثل مقاله للقرشي فقال له علي بن الحسين7 ارأيت ان لماقر لك أليس تقتلني كماقتلت الرجل بالامس فقال له يزيد بلي فقال له علي بن الحسين7 قد اقررت لك بما سألت انا عبد مكره فان شئت فامسك و ان شئت فبع فقال يزيد اولي لك حقنت دمك و لمينقصك ذلك من شرفك و قال ابوعبدالله7 ما ايسر ما رضي الناس به منكم كفوا السنتكم عنهم و عنه7 في حديث نهي الله عن سب آلهتهم لكيلا يسب الكفار اله المؤمنين فيكون المؤمنون قد اشركوا بالله من حيث لايعلمون و اما ما روي عن ابيعبدالله7 التقية في كل شيء الا في النبيذ و المسح علي الخفين و ذلك محمول علي ان العامة ليس يوجبون ذلك فيشرب الانسان النبيذ و يعتذر بالتقية او يمسح علي الخف اعتذاراً بالتقية غاية الامر انهم يرخصون في ذلك.
و اما اذا اخذ الانسان بالفعل ففيه التقية لساير العمومات و لانهما ليسا باعظم من السب و البرائة من اولياء الله بل و عن الشرك بالله و قد رخصوا فيها او يحمل علي ما حمله زرارة حيث روي قال قلت له في مسح الخفين تقية فقال ثلثة لااتقي فيهن احداً شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج قال زرارة و لميقل الواجب عليكم ان لاتتقوا فيهن احداً انتهي. و لعل ما ذكرنا اوجه و اما المتعة فالاحلال امر خفي يمكن انيحل الانسان و يمشي كالمحرمين نعم قد روي في القتل انه لايجوز فيه التقية فانه غاية الغايات فعن ابيجعفر7 انما جعل التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية.
فصل
فيمن يتقي عنه
فعن علي7 و اما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار فان الله نهي المؤمن انيتخذ الكافر ولياً ثم من عليه باطلاق الرخصة له عند التقية في الظاهر انيصوم بصيامه و يفطر بافطاره و يصلي بصلوته و يعمل بعمله و يظهر له استعمال ذلك موسعاً عليه فيه و عليه انيدين الله في الباطن بخلاف
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 36 *»
ما يظهر لمن يخافه من المخالفين المستولين علي الامة قال الله تعالي لايتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا انتتقوا منهم تقاة و يحذركم الله نفسه فهذه رحمة تفضل الله بها علي المؤمنين رحمة لهم ليستعملوها عند التقية في الظاهر و قد قال رسولالله9ان الله يحب انيؤخذ برخصه كمايحب انيؤخذ بعزائمه. و عن مسعدة بن صدقة عن ابيعبدالله7 في حديث ان المؤمن اذا اظهر الايمان ثم ظهر منه ما يدل علي نقضه خرج مماوصف و اظهر و كان له ناقضاً الا انيدعي انه انما عمله تقية و معذلك ينظر فيه فان كان ليس ممايمكن انتكون التقية في مثله لميقبل منه ذلك لان للتقية مواضع من ازالها عن مواضعها لمتستقم له و تفسير ما يتقي مثل انيكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي غير حكم الحق و فعله فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي الي الفساد في الدين فانه جايز انتهي. فاذا لميكن لهم حكم نافذ و فعل ظاهر غالب فلاتقية عنهم و في حديث حجب الرضا7 الشيعة تتهاونون بعظيم حقوق اخوانكم في الله و تتقون حيث لايجب التقية و تتركون التقية حيث لابد من التقية انتهي. و في حديث العسكري7 اعظمها فرضان قضاء حقوق الاخوان و استعمال التقية من اعداء الله عزوجل. و في حديث اميرالمؤمنين التقية من افضل اعمال المؤمن يصون بها نفسه و اخوانه عن الفاجرين و عن النبي9 ان طاعة السلطان للتقية واجبة انتهي. و احاديث نفي الضرار معروفة و احاديث المرفوعات مشهورة منها ما اضطروا اليه و ما اكرهوا عليه و ما لايطيقون و آيات نفي العسر و الحرج و عفو المضطرين متلوة.
فتبين و ظهر ان التقية في كل ما اضطر الانسان سواء كانت عن واحد مخالف له في الدين او عن قوم او سلطان او سوقة او غير ذلك لاتفاوت بينهم اذا كان لايقدر علي دفع شره عن نفسه بنفسه و لامعين له علي دفع شره فاضطر في
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 37 *»
دفع شره عن نفسه او اخوانه الي انيعمل او يقول علي خلاف الحق او يسكت عن الحق فيجوز له ذلك و عليه يشهد جميع عمومات الكتاب و السنة و مطلقاتها و اما رواية مسعدة بن صدقة فانما هي مثل بفرد من افراد المواضع التي يجب فيها التقية و ليس فيها دلالة علي وجوب التقية من القوم السوء دون اقل منهم فان موضع التقية هو الموضع الذي تخشي علي نفسك او مالك او احد من اخوانك فيه من القول بالحق او العمل به ضرراً فيجب عليك دفع الضرر عنها و يجب الاكتفاء علي قدر دفع الضر و الانسان اعلم به اذا نزل به. و قد ذكرنا ان الضرر الذي ينبغي اجتنابه هو الضرر في الحلال و ذهاب عزة محللة و امثال ذلك و ليس الضرر عدم حصول المنافع المتوقعة منهم و المناصب المرجوة كما هو الشايع في امثال بلادنا و زماننا حيث يتذللون للفجار و يبصبصون عندهم و يصدقونهم في اباطيلهم و يمدحونهم علي ظلمهم و يوافقونهم اذا عادوا ولياً او والوا عدواً حتي ينالوا منهم الوظائف و القطايع و المنايح و المناصب فامثال ذلك هي التقية المذمومة و ايثار الدنيا علي الله و علي دينه كماروي عن اميرالمؤمنين7 في قوله تعالي لعن الذين كفروا من بنياسرائيل الي قوله لبئس ما كانوا يفعلون و انما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة المنكر و الفساد فلاينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم و رهبة ممايحذرون والله يقول فلاتخشوا الناس و اخشوني الخبر.
و اما اذا كان غير ذلك و يخاف من شر احد غير مخالف في الدين و لايقدر علي دفعه و لامعين له و لا من ينتصف منه فذلك هو من باب الاكراه و هو مرفوع عن هذه الامة و هي اي التقية واجبة الي خروج القائم7 كماروي عن الرضا7 لادين لمن لاورع له و لاايمان لمن لاتقية له و ان اكرمكم عند الله اعملكم بالتقية قيل يا ابن رسولالله الي متي قال الي قيام القائم فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا و عن ابيعبدالله7 كلما تقارب هذا الامر كان اشد للتقية و سئل7 عن قوله اجعل بينكم و بينهم ردماً قال التقية فما اسطاعوا انيظهروه و ما استطاعوا له نقبا قال اذا عملت بالتقية لميقدروا لك
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 38 *»
علي حيلة و هو الحصن الحصين و صار بينك و بين اعداء الله سد لايستطيعون له نقباً و سئل عن قوله فاذا جاء وعد ربي جعله دكاً قال رفع التقية عند الكشف فانتقم من اعداء الله و عن حبيب بن بشر قال قال ابوعبدالله7 سمعت ابي يقول لا والله ما علي وجه الارض شيء احب الي من التقية يا حبيب انه من كانت له تقية رفعه الله يا حبيب من لمتكن له تقية وضعه الله يا حبيب ان الناس انما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا الي غير ذلك من الاخبار و سر ذلك ان الدولة دولة باطل و الغلبة لاهله و هو7 يأتي لزوالها و الشروط معه و مع اصحابه مجتمعة فلامعني هنالك للتقية و اما اليوم فالدار دار هدنة و يجب التقية.
و اعلم انه اذا اوجب الله عليك ترك العمل و القول بالحق لمكان التقية و عدم اذلال نفسك و اخوانك و امامك فما ظنك بلزومها في ساير اعمالك المباحة اذا صارت سبب اتلاف نفسك او مالك او عزك او شيء من اخوانك فان ذلك محرم بالطريق الاولي و لست احكم بالقياس ولكن من عموم قوله تعالي و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة و بانه ليس للمؤمن اذلال نفسه و التعرض لما لايطيق و بمطلقات التقية فانها تشمل ذلك الموضع ايضاً قال ابوعبدالله7 ان الله فوض الي المؤمن اموره كلها و لميفوض اليه انيكون ذليلاً اما تسمع الله عزوجل يقول و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين فالمؤمن يكون عزيزاً ثم قال ان المؤمن اعز من الجبل ان الجبل يستقل منه بالمعاول و المؤمن لايستقل من دينه شيء و عنه7 لاينبغي للمؤمن انيذل نفسه قيل و كيف يذل نفسه قال يتعرض لما لايطيق و عنه7 ليس منا من لميلزم التقية و يصوننا عن سفلة الرعية و عنه7 عليكم بالتقية فانه ليس منا من لميجعله شعاره و دثاره مع من يأمنه فتكون سجية مع من يحذره. و لعمري من سلك هذا المسلك اعزه الله و لايكاد يذل انشاءالله ولكن كمايحرم عليك ترك التقية في محله يحرم عليك التجاوز عن حد دفع الضرر فانه افساد الدين و لاتعذر فيه فان الضرورات تتقدر بقدرها فافهم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 39 *»
و ان قلت ربما يكلف فاجر مؤمناً بمعصية كشرب او اذي مسلم او غير ذلك من المعاصي الكبيرة او الصغيرة و ذلك الفاجر مستحل لها كفراً او غير مستحل فان فعل و الا يضربه او يأخذ من ماله شيئاً قليلاً او كثيراً هل يجوز لذلك المؤمن ارتكاب تلك المعصية حذراً من الضرب او اخذ شيء من ماله ام لا؟
قلت ان كان يكره علي الفعل بالضرب حتي يفعل فلاريب في جوازه و اما ان كان بحيث اذا اعطي من ماله شيئاً تجاوزوا عنه و لميكرهوه عليه فهو حينئذ غير مكره علي ارتكاب تلك الامور فهو مخير بين عطاء المال و بين ترك الواجب او فعل الحرام فلو فدي ببعض ماله لميكلفه به فليس من باب الاكراه و لا الاضطرار و لا التقية و انما هو من باب الضرر الظاهري و تحمل الضرر للتوصل الي الطاعات او اجتناب المعاصي من باب مقدمة الواجب واجب و لولا ذلك ما ادي فرض من فرايض الله اذ ما من واجب غالباً الا و له مقدمات ينبغي انيحصلها الانسان بمال.
المتسمع ما روي صفوان قال سألت اباالحسن7 عن رجل احتاج الي الوضوء للصلوة و هو لايقدر علي الماء فوجد بقدر ما يتوضأ به بمأة درهم او بألف درهم و هو واجد لها أيشتري و يتوضأ او يتيمم قال لا بل يشتري قد اصابني مثل ذلك فاشتريت و توضأت و ما يسرني بذلك مال كثير و في رواية ما يسؤني و في رواية في قوله فلمتجدوا ماء قال فان لمتجدوا بشراء و غير شراء قيل ان وجد قدر وضوء بمأة الف او الف و كم بلغ قال ذلك علي قدر جدته انتهي. و ليس ذلك بضرر فان ما يتوقع من الثواب بوضوء افضل من الدنيا و ما فيها و انما هو بمنزلة من يشتري شيئاً نفيساً يسوي الف الف ديناراً بالف درهم مثلاً و انما الضرر هو اتلاف المال في غير سبيل المنعم و في سبيله شكر و صرف في احسن مصارفه فعلي ذلك لو كان دولة باطل و صالحوا المؤمنين علي انيمشوا علي مقتضي دينهم من غير خطر بانيؤدوا شيئاً من المال وجب من باب المقدمة و اي مصرف للمال اهنأ من هذا و ذلك ان ما امر الله به في تركه ضرر الدين و الدنيا و ما نهي عنه في ارتكابه ضرر الدين و الدنيا و لايجوز اختيار ضرر الدين علي ضرر الدنيا و انما ذلك مثل ما يأخذه الاعراب من الحاج باسم الاخوة و ان لميبذلوها صدوهم عن الحج و لم
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 40 *»
يقل احد من الاصحاب بسقوط الحج بأخذ الاعراب الاخوة و يعدون ذلك من مال الاستطاعة و سر ذلك انهم يخيرون الانسان بين البذل و الحج فتركه البذل باختياره لا بالاكراه اللهم الا انيطلبوا منه ما لايطيق فيسقط الحج لعدم الاستطاعة حينئذ و كذلك الامر هنا و هذا احد افراد المسألة بعينه.
و اما موضع التقية فهو الموضع الذي يري اهله ديناً غير دين الحق و لو خالفتهم لرأوك مخالف دينهم و يحملوك علي العمل بدينهم بالقتل او الضرب او الاذلال او اخذ المال كماظهر من رواية مسعدة و غيرها و هم مستمرون علي ذلك فهنالك من الله علينا بالاذن بالمشي علي مقتضي احكامهم لرفع العسر و الحرج و لو لميأذن لكان فعن النبي9 في حديث لو شاء لحرم عليكم التقية و امركم بالصبر علي ما ينالكم من اعدائكم عند اظهاركم الا فاعظم فرايض الله عليكم بعد فرض موالاتنا و معاداة اعدائكم استعمال التقية علي انفسكم و اموالكم و معارفكم الخبر.
فصل
و عن البهائي; نقلاً عن بعض العلماء زيادة انه لايجب الامر و النهي الا بعد كون الآمر و الناهي مجتنباً عن المحرمات و عدلاً و عليه يدل ظاهر قوله تعالي لم تقولون ما لاتفعلون و خبر الخصال عن ابيعبدالله7 انما يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر من كانت فيه ثلث خصال عامل بما يأمر به تارك لما ينهي عنه عادل فيما يأمر عادل فيما ينهي رفيق فيما يأمر رفيق فيما ينهي و عن علي7 في حديث انما امرنا بالنهي بعد التناهي و ما في مصباح الشريعة قال الصادق7 من لمينسلخ عن هواجسه و لميتخلص من آفات نفسه و شهواتها و لميهزم الشيطان و لميدخل في كنف الله و توحيده و امان عصمته لايصلح له الامر بالمعروف و النهي عن المنكر اذا لميكن بهذه الصفة فكل ما اظهر كان حجة عليه و لاينتفع الناس به قال الله عزوجل أتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم و يقال له يا خائن أتطالب خلقي بما جنت به نفسك و
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 41 *»
ارخيت عنه عنانك روي ان ثعلبة الاسدي سأل رسولالله9 عن هذه الآية ياايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لايضركم من ضل اذا اهتديتم فقال7 و امر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر علي ما اصابك حتي اذا رأيت شحاً مطاعاً و هوي متبعاً و اعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك و دع امر العامة و صاحب الامر بالمعروف يحتاج الي انيكون عالماً بالحلال و الحرام فارغاً من خاصة نفسه مما يأمرهم به و ينهاهم عنه ناصحاً للخلق رحيماً لهم رفيقاً بهم داعياً لهم باللطف و حسن البيان عارفاً بتفاوت اخلاقهم لينزل كلاً منهم منزلته بصيراً بمكر النفس و مكايد الشيطان صابراً علي ما يلحقه لايكافيهم بها و لايشكوهم و لايستعمل الحمية و لايغلظ لنفسه مجرداً نيته لله مستعيناً به و مبتغياً لوجهه فان خالفوه و جفوه صبر و ان واقفوه و قبلوا منه شكر مفوضاً امره الي الله ناظراً الي عيبه. و كتاب مصباح الشريعة و ان لميكن من الكتب المصححة و استثناه بعضهم منها الا ان الشهيد الثاني; روي اخبارها مرسلاً عن الصادق7 و هو يدل علي صحته عنده بالجملة هذا الشرط لميذكره اكثر اصحابنا و اطلاقات الاخبار المتواترة تعارضها. و عندي ان هذه الاخبار منزلة علي الامر و النهي الكلي فان لهما حقيقة درجات فاول درجاتهما الدعاء الي الاسلام و تجنيد الجنود و حفظ الثغور و تأمين البلاد و تربية العباد و الحكم بالحق في الامور العامة و سياسة المدن و اجراء الحدود و تعزير المقصرين فذلك هو مقام الامام المعصوم العادل بالحق ثم بعد ذلك مقام الحكم في القضايا الواقعة و الافتاء في المسائل الواردة و التعزير و اجراء الحدود علي فرض جوازه فذلك مقام القضاة و الفقهاء المستجمعين للشرائط و من البين ان منها العدالة ثم بعد ذلك مقام امر من يترك معروفاً بديهياً او يرتكب منكراً بديهيا باللسان و تغليظ القول او مع الضرب علي فرض امكانه و جوازه فذلك مقام الاعيان و الاشراف الذين هم مقبولوا القول في البلد محترمون لايجتري احد من السوقة علي اساءة الادب اليهم ثم مقام الامر بمعروف بديهي ترك و النهي عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 42 *»
منكر بديهي ارتكب باللسان و التغليظ فذلك مقام المعاريف و اصحاب المرة ثم بعد ذلك مقام الامر و النهي بالهجرة و تقطيب الوجه و الانكار بالقلب فذلك حد الضعفاء فالاخبار الواردة في الاشتراط هي في المقامين الاولين و ذلك احسن محاملها في مقابلة الاخبار المتواترة و اما السايرون فلايشترط فيهم مع ما رواه في الوسائل عن الارشاد للديلمي عن رسولالله9 انه قيل له لانأمر بالمعروف حتي نعمل به كله و لاننهي عن المنكر حتي ننتهي عنه كله فقال لا بل مروا بالمعروف و ان لمتعملوا به كله و انهوا عن المنكر و ان لمتنتهوا عنه كله انتهي. و كيف يمكن القول باشتراط ذلك مطلقاً و من مراتب النهي انكار القلب و لايسع احداً انيقول ان الانكار بالقلب واجب لمن ينتهي بنفسه و كد تمعر الوجه و الهجر فتبين ان الظاهر منها ان هذا الشرط للهادي و الدليل للخلق الذي يشترط انيكون بحيث يطمئن بقوله قلوب الرعية و اما وجوب الائتمار و الانتهاء فذلك مما لاشك فيه و ساير الاخبار ظاهرة فيها بل يمكن حمل خبر الخصال علي الاستحباب اذ ليس فيه لفظ امر و اما حديث علي7 فاحد معانيه ان الله كلفنا بالتناهي و لمايكلفنا بالنهي ثم بعد ذلك كلفنا بالنهي بعد مدة فلادلالة فيه علي الاشتراط و اما حديث مصباح الشريعة فظاهره انه في صاحب منصب الامر و النهي و المرجع في ذلك لا من يصدر ذلك منه احياناً فهو ظاهر فيما قلنا من انه في القسمين الاولين.
الباب الثاني
في ذكر اقسام الامر و النهي و فيه ايضاً فصول
فصل
اعلم ان الاحكام الشرعية علي خمسة اقسام: واجب و مندوب و حرام و مكروه و مباح فمن ترك واجباً وجب امره به اجماعاً و من ارتكب محرماً وجب نهيه عنه اجماعاً و المراد من الامر الحمل علي الفعل و المراد من النهي الحمل علي الترك و اما من ترك مندوباً فلايجب امره به فان الله يحب انيؤخذ برخصه
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 43 *»
كمايحب انيؤخذ بعزائمه بل قد يصير ترك المندوب راجحاً للاشتغال بمندوب اولي كما ان طلاب العلم لايتمكنون من كثير من القربات لاشتغالهم بما هو اهم او ربما لايرضي النفس بأخذ الرخصة فيه فحينئذ ربما يرجح الاخذ بالرخصة و الترك فلايكون مستحباً ايضاً و اما في غير ذلك يستحب كما هو مختار جمع و نقل عليه الاجماع فحينئذ يكون معني الامر الحث و الترغيب و ذكر الثواب لا الحمل و لو بتقطيب الوجه و الهجران و الضرب و الجرح و القتل اللهم الا انيبلغ ترك المندوب مبلغ التهاون بالعبادة و استخفاف امر النبي9 فيجب الحمل بالتقطيب و الهجران و التهديد الشديد كماروي عن ابيعبدالله7 ان اناساً كانوا علي عهد رسولالله9 ابطأوا عن الصلوة في المسجد فقال النبي9 يوشك قوم يدعون الصلوة في المسجد اننأمر بحطب فيوضع علي ابوابهم فتوقد عليهم نار فتحرق عليهم بيوتهم و في رواية اشترط رسولالله9 علي جيران المسجد شهود الصلوة و قال لينتهي اقوام لايشهدون الصلوة او لآمرن مؤذناً يؤذن ثم يقيم ثم لآمرن رجلاً من اهل بيتي و هو علي بن ابيطالب فليحرقن علي اقوام بيوتهم بخرم الحطب لانهم لايأتون الصلوة و كذا روي ان عليا7 بلغه ان قوماً لايحضرون الصلوة في المسجد فخطب فقال ان قوماً لايحضرون الصلوة معنا في مساجدنا فلايؤاكلونا و لايشاربونا و لايشاورونا و لايناكحونا و لايأخذوا من فيئنا شيئاً او يحضروا معنا صلوتنا جماعة و اني لاوشك ان آمر لهم بنار تشعل في دورهم فاحرق عليهم او ينتهون قال ابوعبدالله7 فامتنع المسلمون عن مؤاكلتهم و مشاربتهم و مناكحتهم حتي حضروا الجماعة مع المسلمين انتهي. و انما ذلك اذا لميكن عن عذر و كان تهاون و استخفاف.
و اما فعل المكروه فكذلك يستحب النهي عنه لكن قد يرجح فعل المكروه اذا لميرض النفس بالرخصة تعوداً او لبيان الجواز اذا لميمكن بغير ذلك او كان اوقع في النفس و امثال ذلك فحينئذ لايستحب نهيه و اما اذا بلغ مداومة المكروه مبلغ الاستخفاف بنهي رسولالله9
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 44 *»
فيجب نهيه البتة كمامر. و اما ما قاله صاحب الجواهر لولا الاجماع الذي قد عرفت امكن القول بوجوب الامر بالمعروف الشامل لهما و ان لميجب المندوب علي المأمور الي آخر كلامه. فذلك توهم عجيب فانه من البينات الضرورية انه لميجر الاسلام بان تأمر في كل مجلس فيه جماعة فتقول قوموا، صلوا، صوموا اليوم، اذكروا الله صلوا علي النبي و اله و هكذا الي ما لانهاية له لان كل ذلك امر بالمندوب لمن تركه و يكون ذلك واجباً علي كل اهل المجلس و ان لميجب الاستماع و علي ذلك يجب انيكون كلامهم في المجلس كله من هذا القبيل بالجملة هو توهم بارد.
و اما الامر بالمباح و النهي عنه فلايمكن اللهم الا انيتركه باعتقاد الحرمة او الكراهة فتأمره به ليعلم انه مباح او يفعله باعتقاد الوجوب او الندب فتنهاه ليعلم انه مباح بل ربما يواظب قوم علي فعل مباح او تركه بحيث يصير سيرة و شعاراً يشتبه الحال بعد مدة بانه من الواجبات او المندوبات او المكروهات او المحرمات فيجب نهيهم عن ذلك او امرهم حذراً عن صيرورته بدعة و ما قيل النهي عن المنكر لايكون مستحباً لان المكروه ليس بمنكر ليس بشيء بعد ظهور المراد فان المراد حينئذ النهي عن المرجوح و كمابينا قد يكون ايضاً منكراً فتدبر.
فصل
ان للامر بالمعروف و النهي عن المنكر مراتب اولها بالقلب و هو لاضعف الخلق و اطلاق الامر و النهي بذلك شرعي و الا فليس ذلك بحمل الغير و منعه او المراد نيتهما اذا امكنا له او اعتقاد الوجوب و الحرمة و الندب و الكراهة و الاباحة و ذلك اول مراتب الوجوب و بعد وضوح المطلب لايحتاج الي مشاجرة في الاطلاق بعد ما ورد الاخبار به فمن لميقدر علي ازيد من ذلك فعليه هذا دون غيره كماروي عن ابيجعفر7 في حديث مر فانكروا بقلوبكم و كما روي عن علي7 ايها المؤمنون انه من رأي عدواناً يعمل به و منكراً يدعي اليه فانكره بقلبه فقد سلم و بريء و من انكره بلسانه فقد اجر و هو افضل من صاحبه و من انكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا و كلمة الظالمين السفلي فذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 45 *»
الذي اصاب سبيل الهدي و قام علي الطريق و نور في قلبه اليقين. و عنه7 في كلام له فمنهم المنكر للمنكر بقلبه و لسانه و يده فذلك المستكمل لخصال الخير و منهم المنكر بلسانه و قلبه التارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير و مضيع خصلة و منهم المنكر بقلبه و التارك بيده و لسانه فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلث و تمسك بواحدة و منهم تارك لانكار المنكر بلسانه و قلبه و يده فذلك ميت الاحياء الخبر. و عنه7 ان اول ما تغلبون عليه من الجهاد الجهاد بايديكم ثم بالسنتكم ثم بقلوبكم فمن لميعرف بقلبه معروفاً ولمينكر منكراً قلب فجعل اعلاه اسفله و عن النبي9 من رأي منكم منكراً فلينكر بيده ان استطاع فان لميستطع فبلسانه فان لميستطع فبقلبه فحسبه انيعلم الله من قلبه انه لذلك كاره. الي غير ذلك من الاخبار ثم بعد ذلك اي بعد انكار القلب اكفهرار الوجوه و تقطيبها و اظهار الكراهة فعن اميرالمؤمنين7 امرنا رسولالله9 اننلقي اهل المعاصي بوجوه مكفهرة و عنه7 ادني الانكار انتلقي اهل المعاصي بوجوه مكفهرة انتهي. فذلك ادني ما يؤثر في عامل المنكر لا ادني مطلقاً فان ادناه بالقلب و عن ابيعبدالله7 قال ان الله بعث ملكين الي اهل مدينة ليقلباها علي اهلها فلماانتهيا الي المدينة فوجدا فيها رجلاً يدعو و يتضرع الي ان قال فعاد احدهما الي الله فقال يا رب اني انتهيت الي المدينة فوجدت عبدك فلان يدعوك و يتضرع اليك فقال امض لما امرتك به فان ذا رجل لميتمعر وجهه غيظاً لي قط انتهي. و ذلك لاشك فيه ثم بعد ذلك الهجر و ترك المعاشرة كماروي عن ابيعبدالله7 في حديث امر بالانكار فقيل اذا لايقبلون قال اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم و قال7 قد حق لي ان آخذ البريء منكم بالسقيم و كيف لايحق لي ذلك و انتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح فلاتنكرون عليه و لاتهجرونه و لاتؤذونه
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 46 *»
حتي يترك و عنه7 لو انكم اذا بلغكم عن الرجل شيء تمشيتم اليه فقلتم يا هذا اما انتعتزلنا و تجتنبنا و اما انتكف عن هذا فان فعل و الا فاجتنبوه. الي غير ذلك من الاخبار و انما ذلك لمن لايقدر علي ازيد من ذلك فيجتنبهم اقلاً لئلا يري معاصي العاصي او لايشمله ما نزل عليه ان نزل او لعله يري ترك الاخوان له فيرجع عن غيه.
ثم بعد ذلك القول باللسان باللوم و العذل و القول البليغ الغليظ فعن ابيعبدالله7 لاحملن ذنوب سفهائكم علي علمائكم الي ان قال ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به الاذي انتأتوه فتؤنبوه و تعذلوه و تقولوا له قولاً بليغاً الخبر. الي غير ذلك من الاخبار و ذلك ايضاً لمن لايقدر علي ازيد من ذلك ثم بعد ذلك النهي باليد و المراد به الضرب و قد مر ما يدل علي الدفع باليد و عن بريد العجلي قال سئل ابوجعفر7 عن رجل شهد عليه الشهود انه افطر من شهر رمضان ثلثة قال يسئل هل عليك في افطارك اثم فان قال لا فعلي الامام انيقتله و ان قال نعم فان علي الامام انينهكه ضرباً انتهي. و هذا الخبر يدل علي ان الضرب علي الامام و يأتي القول فيه و لليد مراتب و فوق ذلك الجرح و فوقه القتل و قد مر في حديث اميرالمؤمنين7 من انكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا و كلمة الظالمين السفلي فذلك الذي اصاب سبيل الهدي و قام علي الطريق و نور في قلبه اليقين.
فصل
اعلم بعد ما عرفت درجات الامر بالمعروف ان اصحابنا رضوان الله عليهم اختلفوا في الترتيب وليكن المراد من ذلك انه لو اثر نوعان من الانواع المذكورة يقدم ايهما و هل هو علي التخيير ام غير ذلك؟ فقال في الشرايع و يجب دفع المنكر بالقلب اولاً كما اذا عرف ان فاعله يزجر باظهار الكراهة و كذا اذا عرف ان ذلك لايكفي و عرف الاكتفاء بضرب من الاعراض و الهجر وجب و
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 47 *»
اقتصر عليه و لو علم ان ذلك لايرفعه انتقل الي الانكار باللسان و لو لميرتفع الا باليد مثل الضرب و ما شابهه جاز فلو افتقر الي الجراح او القتل هل يجب قيل نعم و قيل لا الا باذن الامام و هو الاظهر و صدقه صاحب الجواهر و زاد لكن ذلك كله مع فرض ترتبه في الايذاء و الا فلو فرض ان الهجر اشد ايذاء من بعض القول وجب الثاني و لو علم من اول الامر انه لايجدي الا المرتبة الاخيرة من المراتب استعملها من غير تدرج و قريب من ذلك ما عن الدروس و عن الشيخ و ابن حمزة يجب اولاً باللسان ثم باليد ثم بالقلب و عن سلار باليد اولاً فان لميمكن فاللسان فان لميمكن فالقلب و عن الحلبي يجب باليد و اللسان فان نفدت القدرة او تعذر الجمع فيه بين ذلك فباللسان و القلب خاصة فان لميمكن الجمع فيه بينهما لاحد الاسباب المانعة فلابد منه باللسان و لايسقط الانكار به شيء و استدلال صاحب الجواهر بحرمة ايذاء المؤمن و تقدر الضرورات بقدرها و كان استدلال الشيخ ان الظاهر من الامر و النهي هو باللسان فان انجح و الا فيستعان باليد فان لميؤثر فيقتصر علي القلب و يدل عليه رواية جابر عن ابيجعفر7 في حديث فانكروا بقلوبكم و الفظوا بالسنتكم و صكوا بها جباههم و لاتخافوا في الله لومة لائم فان اتعظوا و الي الحق رجعوا فلاسبيل عليهم انما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الارض بغير الحق اولئك لهم عذاب اليم هنالك فجاهدوهم بابدانكم و ابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطاناً و لاباغين مالاً و لامريدين بالظلم ظفراً حتي يفيئوا الي امر الله و يمضوا علي طاعته. و يؤيده ايضاً فاصلحوا بينهما فان بغت احديهما علي الاخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء الي امر الله.
و يدل علي مذهب سلار النبوي من رأي منكم منكراً فلينكر بيده ان استطاع فان لميستطع فبلسانه فان لميستطع فبقلبه فحسبه انيعلم الله من قلبه انه لذلك كاره. و اما ما يدل علي مذهب الحلي ما روي عن ابيعبدالله7 ماجعل الله بسط اللسان و كف اليد ولكن جعلهما يبسطان معاً و يكفان معاً انتهي. و معلوم انه ان تعذر اليد فلامانع من اللسان و القلب و اما آخره فأظنه سهواً من الناقلين او الكتاب
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 48 *»
اذ اذا تعذر الجمع بينهما لايسقط الانكار بالقلب بوجه لا اللسان و لااظنه اختار اللسان فانه بعيد جداً.
اقول: اما وجوب الانكار بالقلب و اكفهرار الوجه و تمعره و عدم سقوطهما بحال من الاحوال فلاشك فيه فان الواجب بغض المعصية و البرائة منها و الغضب لله علي اهلها دائماً كماروي عن ابيعبدالله7 حسب المؤمن غير اذا رأي منكراً انيعلم الله عزوجل من قلبه انكاره. و عن اميرالمؤمنين7 امرنا رسولالله9 اننلقي اهل المعاصي بوجوه مكفهرة انتهي. و هو مطلق و مؤيد بساير المطلقات فهما واجبان علي كل حال سواء انجح ام لمينجح فان ذلك من شرائط الايمان و ليس انه اذا لمينجح سقط ذلك لان شرط وجوب الامر و النهي مفقود اللهم الا انيخاف علي نفسه من تقطيب الوجه فحينئذ يظهر البشر. و اما الهجر فان كان لامانع منه فكذلك للاخبار المطلقة سواء انجح ام لمينجح لما مر الامر به عند عدم القبول و اما اذا علم انه يحتاج الي القول باللسان او العمل باليد فلاهجر اللهم الا انينجح الهجر مع المكاتبة فانه قد يكون اقوي من القول مع المعاشرة فليس الهجر علي كل حال ولكن عند اليأس عن اللسان و اليد يكون الهجر و يكون الكراهة و البغض بالقلب و ان اتفق اللقاء في طريق فتقطيب الوجه و التقطيب مقدم علي الهجر فانه لازم علي كل حال فان انجح فلايبقي موضع للهجر و ان لمينجح فيحتاج الي غيره و اما اللسان فهو مقدم علي اليد فان اللسان ثابت علي كل حال و لامعني لبسط اليد من غير تكلم و من غير اعلام المسلم اني اضربك لاي شيء او اجرحك لاي ذنب فاللسان موجود قبل اليد و مع اليد و معلوم انه ان انجح اللسان فلايبسط اليد اذ لميبق موضع فلامعني للبدء باليد ثم اللسان فانه لايبسط باسط يده ساكتاً صامتاً فلعل للفاعل عذر في فعله و علة ساقته اليه فلامعني لانيقتل او يجرح او يضرب قبل النطق فاما قول ابيعبدالله7 ماجعل الله بسط اللسان و كف اليد ولكن جعلهما يبسطان معاً و يكفان. فيحتمل قريباً قريباً انيكون المعني انه يجب علينا اليوم التقية و السكوت عن القوم و لميجعل الله بسط اللسان مع كف ايدينا عن ازالة دولة الباطل الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 49 *»
ظهور القائم فانا لو بسطنا اليوم لساننا و كففنا ايدينا لقتلونا عن آخرنا فلميجعل الله ذلك و انما جعلهما يبسطان معاً كما في زمان القائم و يكفان معاً مثل زمان الهدنة فلميجعل الله عليكم اليوم انتنطقوا بالحق و لاتتقوا و تكفوا معذلك ايديكم فان فيه هلاككم. و اما النبوي لقد اوحي الله الي جبرئيل و امره انيخسف ببلد يشتمل علي الكفار و الفجار فقال جبرئيل يا رب اخسف بهم الا بفلان الزاهد ليعرف ما ذا يأمره الله فيه فقال اخسف به قبلهم فسأل ربه فقال يا رب عرفني لم ذلك و هو زاهد عابد قال مكنت له و اقدرته فهو لايأمر بالمعروف و لاينهي عن المنكر و كان يتوفر علي حبهم في غضبي فقالوا يا رسولالله فكيف بنا و نحن لانقدر علي انكار ما نشاهده من منكر فقال رسولالله9 لتأمرن بالمعروف و لتنهن عن المنكر او ليعمنكم عذاب الله ثم قال من رأي منكم منكراً فلينكر بيده ان استطاع و ان لميستطع فبلسانه و ان لميستطع فبقلبه الخبر. فمحمول علي ان الاصحاب اظهروا انا لانقدر علي انكار ما نشاهده و حمل العاصين علي الطاعة و ترك المعصية بالسنتنا لانهم لايقبلون منا فعلمهم انه يجب حينئذ الانكار باليد حتي يرتدع العاصي عن عصيانه و اني اذا اوجبت عليكم الانكار باليد فلامانع من اليد فانكروا و ان لمتستطيعوا لاجل تقية فاكتفوا بالسنتكم معذرة الي ربكم كماقال تعالي لمتعظون قوماً الله مهلكهم او معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة الي ربكم و لعلهم يرجعون فان اشتدت التقية و لمتقدروا علي اللسان فاكتفوا بالقلب حتي يعلم الله من قلوبكم و نياتكم ذلك فلربما يكون نية المرء خيراً من عمله بالجملة تقديم اليد في هذا البيان لاجل اظهار القوم عدم مكنتهم و عدم مقبولية قولهم فامرهم باليد فتدبر. و لو كان المعني غير ذلك لكان اللازم بعد اظهارهم العجز انيقول ساقط هو عنكم لفقدان الشرط و لماامرهم و اوعدهم عرف ان مراد القوم ان العصاة لايقبلون منا و لايرتدعون بقولنا فامرهم باليد و اما اللسان الذي بعد اليد فهو لسان عظة لالسان تهديد فانه بعد عدم الاستطاعة باليد لاتهديد من نفسه او يهدده بغيره من الرفع الي السلطان او الوالي او الاجتماع او غير.
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 50 *»
ذلك و اما الهجر و النطق باللسان فان انجح الهجر و انجح اللسان فاللسان مقدم فان الهجر بغير لسان لايفيد شيئاً فلابد فيه من البيان باللسان فينطق اولاً فان لمينجح يضم اليه الهجر و يدل علي ذلك ان الاصحاب بعد ان قالوا انهم لايقبلون منا تأنيبنا و عذلنا و قولنا البليغ قال فاهجروهم و اجتنبوا مجالسهم و كذلك في الحديث الآخر جعل الهجر بعد اتمام الحجة علي العاصي و تهديده بالهجر و لاشك ان الهجر اشد من اللسان فانه منبيء عن القطع بالمرة و كذلك جعل الله ذلك حيث قال فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فبهذه الآية يكون الهجر مقدماً علي اليد ايضاً لانه اهون و آخر الدواء الكي و هكذا في حديث منع تاركي الجماعة في المسجد بعد القول امر بالهجر فعرف ان ما ذكرنا هو المؤيد المنصور و القوي الذي لايلحقه فتور فاذا رأيت منكراً يجب عليك بغضه بالقلب و كراهته علي كل حال ثم اظهار الكراهة بالوجه فان انجح لميبق موضع ازيد ثم باللسان فان انجح و الا فيضم اليه الهجر فان انجح و الا فيضم اليه اليد بالضرب فان انجح و الا فيضم اليه اليد بالجرح و الا فيضم اليه اليد بالقتل ليكون كلمة الله هي العليا و كلمة الشيطان هي السفلي هذا في اصل المسألة و اما جواز الضرب و الجرح و القتل لكل احد فيأتي.
فصل
اختلف العلماء رضوان الله عليهم في الضرب و الجرح و القتل اما الضرب فعن الشيخ انه موقوف باذن الامام و اما الجرح و القتل فعن السيد و الشيخ في التبيان و الحلبي و الفاضل و العجلي و يحيي بن سعيد و الشهيد جوازه لغير الامام و عن الشيخ ايضاً و الديلمي و القاضي و فخر الاسلام و الشهيد و المقداد و الكركي لايجوز لغير الامام اما دليل المجوزين اطلاق الاخبار و ذكر اليد و الجهاد بالبدن في بعضها خصوصاً و انهما كانا واجبين علي الامام فكذلك علي الرعية للتأسي و اشتراك التكليف و انهما شرعاً لمصلحة العالم فلايقفان علي شرط و ان الجرح و القتل هنا غير مقصودين بالذات فهما كالدفاع.
اقول: اما ادلتهم العقلية فغير مسموعة في
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 51 *»
الاحكام الشرعية مع انها مخدوشة. اما الاول فلان لا كل ما يسع الوالي المستولي علي الرقاب يسع كل سوقة و لا كل ما يتحمل منه يتحمل من غيره و اما الثاني فلو بنينا علي ذلك بان الامر و النهي واجبان علي كل عادل و فاسق و جوزنا لجميعهم الجرح و القتل لتوسل الفساق الي جرح الابدان و قتل النفوس و الاعتذار بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و عظم الفساد لاسيما مع استيثار الفجار و دول الفساق و غلبة الجور و انما الامر و النهي صلاح العالم اذا كان له نظام و هو الامام و اما اليوم فلا و ربك. و اما الثالث فهو محض استحسان و قياس غير مسموع في الدين نعم الاخبار دالة علي ذلك و سيأتي القول فيها و اما دليل المانعين الاصل و صرف اطلاق الاخبار الي غير ذلك بقرينة ان الانكار للمنع عن المعصية و بالقتل يفني الشخص فلايبقي حتي يرتدع و لزوم الفساد في العالم و حمل الاخبار علي الامام يعني ان ذلك وظيفته.
اقول: اما دلالة الاخبار علي ان مراتب الانكار هذه الثلث فغير منكور و اما الاصل فبعد ورود النص لاعبرة به و اما ان بالقتل لايبقي العاصي حتي يرتدع فكلام عجيب فان الذي يحكم به يقول اذا لميرتدع العاصي عن غيه و لميعالج بشيء و اصر علي عصيانه يقتل فان وجوده في الدنيا مضر بحاله و بحال ساير المكلفين و ذلك عذاب من الله قدمه الله له كما انه يقتل صاحب الكبيرة المصر في الثالثة او الرابعة و لو كان ما قالوا حقاً لماجاز للامام ايضاً قتله و بهذه الاستحسانات لايمكن منع احكام الله و اما الفساد فهو حق لكن كان ينبغي انيخصص ذلك بالذين لايلزم بضربهم او جرحهم او قتلهم فساد و لايجوز لغيرهم و لعلهم خافوا من ذلك خرق الاجماع هذا و الفساد الذي ذكروه و الهرج و المرج الذي استندوا به لعمري موجود في الضرب ايضاً بلاتفاوت فمابالهم لايمنعون عن الضرب ايضاً و لذلك قال صاحب الجواهر ان القول بعدم الجواز مطلقاً اقوي ثم جوزها لنايب الغيبة الذي امن الضرر و تمكن من الاقسام بالجملة ادلة الطرفين كماتري غير لايقة بالركون و الاعتماد فلنراجع الاخبار حتي نري ما يفهم منها و عن الشهيد الثاني تجويز الجرح دون القتل و
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 52 *»
ردوه بانه خرق للاجماع و بقاء الفساد.
فاقول: اما الاخبار في ذلك فمنها حديث جابر عن ابيجعفر انه امر بعد اللسان هنالك فجاهدوهم بابدانكم و ابغضوهم بقلوبكم فالظاهر من صدر الحديث ان المراد الامر بالمعروف و النهي عن المنكر المذكور فيه بالمعني الاعم الذي يشمل سياسة المدن و الجهاد و حفظ الثغور و تأمين الطرق و دفع الاعداء فامره بالجهاد فيه كساير حثهم علي الجهاد مع انه موقوف بوجود الامام و في زمان الغيبة لايتحقق شرايطه او المخاطب به عمال الامام و قواده المنصوبون و ان قلت ان الباقر7 لميكن له بسط يد و عمال و قوام و لميكن يجاهد قلت و كذلك شيعته في زمانه و بعده لميكونوا من اهل الجهاد حتي يأمرهم به لانهم كانوا في اشد التقية فالمراد اما عمال الخلفاء الذين كانوا في الباطن شيعته او هو لبيان حكم المسألة اذا تحقق شروطه و امثال ذلك و اما رواية الطبري في تاريخه عن ابن ابيليلي عن علي7 قال سمعت علياً7 يوم لقينا اهل الشام ايها المؤمنون انه من رأي عدواناً يعمل به و منكراً يدعي اليه فانكره بقلبه فقد سلم و بريء و من انكره بلسانه فقد اجر و هو افضل من صاحبه و من انكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا و كلمة الظالمين السفلي فذلك الذي اصاب سبيل الهدي الخبر. فبعد ان الخبر من طريق العامة و امرنا اننخالف ما يروونه عن علي7 لانهم كانوا يسألونه و يخالفونه و ليسوا بمؤتمنين علي الرواية عنه7 فهو ظاهر في جواز الاكتفاء بالقلب فانه يقول سلم و بريء هذا و يحتمل فيه الاشارة الي نفسه او حث الناس الي جهاد اهل الشام معه و اما ما عن الرضي; عنه7 فمنهم المنكر للمنكر بقلبه و لسانه و يده فذلك المستكمل لخصال الخير و منهم المنكر بلسانه و قلبه التارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير و مضيع خصلة و منهم المنكر بقلبه و التارك بيده و لسانه فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلث و تمسك بواحدة
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 53 *»
و منهم تارك لانكار المنكر بلسانه و قلبه و يده فذلك ميت الاحياء الخبر. فلاشك ان المقصود من هذه الفقرات استعمال كل في محله و لايجب استعمال الثلث بجميع اقسامها في كل مورد فليكن من موارد اعمال اليد في زمن الامام و عند اذنه اذ ليس فيه ما يدل علي اعمال اليد في كل عصر و لميبين فيه موضع كل واحد بل هو حديث مجمل مرسل لايمكن الحكم به اذ لايوجب علماً و لاعملاً. و اما ما رواه في الوسائل عن الرضي عن ابيجحيفة قال سمعت اميرالمؤمنين7 يقول اول ما تغلبون عليه من الجهاد بايديكم ثم بالسنتكم ثم بقلوبكم الخبر فهو ظاهر في الجهاد، نعم الذي يدل علي اليد ظاهراً النبوي الذي مر و فيه من رأي منكم منكراً فلينكر بيده الخبر. ولكن قيده بالاستطاعة و هو استجماع الشروط و هي في هذا الخبر مبهمة فلعل من شروط الانكار باليد العصمة فكأنه قال من رأي منكم المنكر فان كان عالماً قوياً مطاعاً يقدر علي انفاذ حكمه و يأمن الضرر علي نفسه و اخوانه و كان معصوماً فهو الذي يستطيع فلينكر بيده و الا فلينكر بلسانه فالاستطاعة مبهمة و ليس علي ظاهره قطعاً و يحتمل احتمالات لايمكن فهمها من لفظه هذا و في المقابل اخبار ناصة علي خلاف ذلك فعن عبدالاعلي قال سمعت اباعبدالله7 يقول والله ما الناصب لنا حرباً باشد علينا مؤنة من الناطق علينا بما نكره فاذا عرفتم من عبد اذاعة فامشوا اليه فردوه عنها فان قبلوا منهم و الا فتحملوا عليه بمن يثقل عليه و يسمع منه الي ان قال فان هو قبل منكم و الا فادفنوا كلامه تحت اقدامكم الحديث. فامر7 اذا لميقبل المذيع باللسان بستر كلامه و لميأمر بضرب و عن الحرث بن المغيرة ان اباعبدالله7 قال له لاحملن ذنوب سفهائكم علي علمائكم الي ان قال مايمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون و ما يدخل علينا به الاذي انتأتوه فتؤنبوه و تعذلوه و تقولوا له قولاً بليغاً قلت جعلت فداك اذا لايقبلون منها قال اهجروهم و اجتنبوا مجالسهم فامر7 بعد اللسان و عدم القبول بالهجر
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 54 *»
و لميأمر بضرب و جرح و قتل و عن هشام بن سالم عن ابيعبدالله7 قال لو انكم اذا بلغكم عن الرجل شيء تمشيتم اليه فقلتم يا هذا اما انتعتزلنا و تجتنبنا و اما ان تكف عن هذا فان فعل و الا فاجتنبوه كذلك لميأمر بضرب و جرح و قتل و انما امر بالاجتناب و عن ابيبصير في قول الله عزوجل قو انفسكم و اهليكم ناراً قلت كيف اقيهم قال تأمرهم بما امر الله و تنهاهم عما نهاهم الله فان اطاعوك كنت قد وقيتهم و ان عصوك كنت قد قضيت ما عليك. و هو ظاهر انه اكتفي باللسان و ان منتهي ما عليك اللسان و لميأمر بضرب الاهلين مع انه اسهل من ضرب غيرهم و آمن و في حديث آخر عن ابيعبدالله7 في تفسير تلك الآية حسبك انتأمرهم بما تأمر به نفسك و تنهاهم عما تنهي عنه نفسك. و هو ظاهر في اللسان بقرينة نفسك و في الفقيه قال الصادق7 فيها تأمرونهن و تنهونهن قيل انا نأمرهن و ننهيهن فلايقبلن قال اذا امرتموهن و نهيتموهن فقد قضيتم ما عليكم.
فبهذه الاخبار و ما يلزم في زمان الهدنة من التوصل الي الفساد العظيم للفساق و الفجار لانا لانشترط العدالة فيهما و لغلبة دولة الباطل و نهيهم الشديد عن ضرب احد احداً و عداوتهم لمن يعلو يده و لو كان اوحدي الزمان. و لعدم مستند واضح بين و لجهل عامة المكلفين بمقدار الضرب و الجرح و عدم تحديد شرعي و لعدم تمكين كل احد انيضرب علي يد كل احد او يجرح او يقتل و كون الاصل برائة الذمة عما لميثبت يقيناً. و ما في حديث المفطر صيامه و هو ما روي عن بريد العجلي قال سئل ابوجعفر7 عن رجل شهد عليه الشهود انه افطر من شهر رمضان ثلثة ايام قال يسئل هل عليك في افطارك اثم فان قال لا فان علي الامام انيقتله و ان قال نعم فان علي الامام انينهكه ضرباً و لميقل اضربوه او يضرب مطلقاً و خصه بالامام و كذا ما روي في حديث حماد عن ابيعبدالله7 عن حد التعزير قال علي قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه لايبقي مستند يعتمد عليه لقول القائلين بجواز اعمال اليد بالضرب او بالجرح و القتل.
بالجملة العمل باليد مطلقاً ضرباً كان او جرحاً او قتلاً مشكل في زمان الغيبة
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 55 *»
و لامستند له كماعرفت واضحاً بيناً يمكن الركون اليه فبناء الامر بالمعروف يومنا هذا ان حصل الشروط القول اللين ثم القول الخشن ان جوز القبول و الا فالهجر و تقطيب الوجه ان امكنه و الا فبالقلب و ابتدأنا بالقول اللين لتأديب الله سبحانه قولا له قولا ليناً لعله يتذكر او يخشي. و ما روي عن عمر بن حنظلة عن ابيعبدالله7 قال يا عمر لاتحملوا علي شيعتنا و ارفقوا بهم فان الناس لايحتملون ما تحملون. و عن ابيعبدالله7 قال قال رسولالله9 امرني ربي بمداراة الناس كماامرني باداء الفرايض. و عنه7 ان الله تبارك و تعالي رفيق يحب الرفق فمن رفقه بعباده تسليله اضغانهم و مضادتهم لهواهم و قلوبهم و من رفقه بهم انه يدعهم علي الامر يريد ازالتهم عنه رفقاً بهم لكيلا يلقي عليهم عري الايمان و مثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فاذا اراد ذلك نسخ الامر بالآخر فصار منسوخاً. الي غير ذلك من الاخبار المتواترة و لان اذية المؤمن بازيد من الحاجة لاتجوز و لست اجوز الضرب فضلاً عن الجرح و القتل لمامر و يأتي لذلك مزيد بيان.
فصل
فيما يمكن في هذه الايام
اعلم ان الدنيا في هذه الطخية العمياء التي يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و يكدح فيها مؤمن حتي يلقي ربه دارت كهيئته يوم اول و اقول كماقال الشاعر:
اصبحت جم بلابل الصدر | و ابيت منطوياً علي الجمر | |
ان بحت يوماً طل فيه دمي | و لئن كتمت يضيق به صدري |
فلااقدر علي الافصاح عن جميع ما الدين و اهله فيه و المشتكي الي الله و المستعان به ولكني اقول ان الذي يمكن في هذه الايام من هذه الفريضة العظيمة التي بها تقوم عمود الاسلام و الايمان الانكار بالقلب فانه صندوق الله الذي لايطلع عليه احد و اما تقطيب الوجه و تمعيره فلايمكن مع الولاة و اعوانهم و انصارهم و
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 56 *»
العظماء و الاشراف الذين يقدرون علي الايذاء و الاهانة غياباً و شهوداً و يقدرون علي السعي عند الولاة و محال انيقبلوا و ينزجروا عن عصيانهم و ان قطبت وجهك لهم يؤذونك و يسلقونك بحد اللسان و يستهزؤن و يشتمون و لو غياباً و لافائدة فيه غير اذلال نفسك و اما المؤمنون الضعفاء فلايبعد انيؤثر فيهم اذا لمتكن ضعيفاً مثلهم و خافوك و الا فلافائدة فيه فلايبالون بمن لايخافون اذاه و ضرره انيكون راضياً عنهم او ساخطاً عليهم، نعم قد ينفع في اهلك و ولدك و خويصتك الذين لايريدون كراهتك و اما الهجر فان كنت من المعاريف و من يعرفك الولاة و اتباعهم و الاشراف فهجرك عنهم ان لمتكن متهماً عندهم بكبر او خلاف او عدم رضاء عنهم فلايضر و اما اذا كان ذلك فيحملون الهجر علي العداوة و البغض و يؤذونك و ان كنت من المجاهيل فاهجر ما استطعت فان لمينفعهم ينفعك و كذلك هجرك عن الضعفاء لاينفعهم و انما ينفعك و اما عن خويصتك فلربما ينفعهم في بعض الموارد و قد تواتر الاخبار بلزوم مجانبة الاشرار و هجرهم ان لميقدر علي ردعهم ولكن قد يختل نظام عيشك فانك لو بنيت علي هجر العصاة لزمك الهجر الي قلة جبل لو تركوك ولكن ما لايدرك كله لايترك كله و الضرورات تتقدر بقدرها.
و اما اللسان فمع الولاة و اتباعهم الذين يتوقعون منك مدح فسوقهم و تزيين فجورهم و الثناء عليهم بما يليق علي الله و علي رسوله و حججه: فلو قصرت في ذلك عادوك و ان لمتثبت لهم الالوهية و العصمة و الطهارة قلوك فماتقول لهم و ما تعظهم و ان قدرت ان لاتنزلهم منزلة الالوهية او العصمة او الايمان الكامل و السياسة الكاملة الحكيمة فانت انت. و اما الاشراف و الاعيان فقد ينفعهم بعض المواعظ علي المنابر من دون تخصيص بهم اذا كانت بليغة و اما تغليظ القول فقد ينفع اذا كنت اعظم منهم و خافوك علي اموالهم و عزهم و ان استأمنوك فلا و ابيك بل يكافوك بالزبر و الزجر بل و الشتيمة و السباب و اما خويصة نفسك فلابأس بوعظهم و تغليظ القول عليهم فان لمينفع لميضر و يمكن النفع في بعض الموارد
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 57 *»
و اما الضرب باليد و ما فوقه فقد سمعت اني لمافت به هذا و في هذا الدهر العضوض الذي مد الجور باعه بل كشف قناعه و تبرج ساكن القلب ثلج الفؤاد و صار المعروف منكراً بل اقبح كل شيء و المنكر معروفاً بل احسن كل شيء و وضعت الامة بينهم شريعة بهواهم يسلكون فيها و يتعارفونها بينهم و يستقبحون ماسواها و سبق المقصرون و استعلي الادنون و ابور شيء عندهم الحق اذا ذكر و اغلي شيء عندهم الباطل اذا برز الذي لايقدر المؤمن علي القول باللسان كيف يمكن فيه اعمال اليد و اذا اخرج يده لميكد يريها بل تقطع قبل انيراها فعلي فرض القول يجوز اعمال اليد لايمكن في هذا الزمان فنحن في راحة من هذا النزاع فعن ابيعبدالله7 انه سئل النبي9 عن هذه الآية عليكم انفسكم لايضركم من ضل اذا اهتديتم امر بالمعروف و انه عن المنكر و اصبر علي ما اصابك حتي اذا رأيت شحاً مطاعاً و هوي متبعاً و اعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك و دع امر العامة. و في المجمع روي ان اباثعلبة سأل رسولالله9 عن هذه الآية فقال ايتمروا بالمعروف و تناهوا عن المنكر حتي اذا رأيت ديناً مؤثرة و شحاً مطاعاً و هوي متبعاً و اعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك و ذر عوامهم. هذا منتهي ما يمكنني من القول من امر الزمان و لاحول و لاقوة الا بالله و اعتصمت به و هو حسبي و نعم الوكيل.
خاتمــة
في تقليد الميت
و ناسب ذكر ذلك حيث ذكر الاصحاب بعض القول فيه هنا فرأيت ان اختم رسالتي هذه بذكره و اشباع القول فيه حيث لماذكره في ساير كتبي و اسأل الله التأييد و التسديد انه ولي حميد. اعلم ان اصحابنا رضوان الله عليهم في ذلك علي اقوال فمنهم من منع من تقليد الميت مطلقاً سواء قلده في حيوته او لميقلده. و منهم من يجوز تقليده اذا كان قلده في حيوته فيبقي علي تقليده. و منهم من يجوز تقليده
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 58 *»
عند عدم وجود حي يقلده و ان وجد حي فلايجوز. و منهم من يجوز تقليده ابتداءً و بقاءً و لكل منهم برهان. و اعلم ان الاختلاف بين اصحابنا يحدث من جهات.
منها من جهات نفس الاخبار فانها مختلفة في كثير من المسائل لوجوه لسنا بصدد بيانه. و منها من جهة اختلاف الافهام للاخبار و لو لميكن في المسألة اخبار مختلفة. و منها من جهة اختلاف الانظار في وجوه الاعتبارات الاجتهادية فماكان منشأه من اختلاف الاخبار او اختلاف الافهام فليس يبلغ هذا المبلغ فان اختلاف الاخبار ليس بذلك الكثير و ان كثر في موضع يمنع عن كثير منها ترك الاصحاب لها او قيام الاجماع علي خلافها او القرائن الدالة علي كونها تقية او يجمعها وجه وجيه فيجتمع غالباً. و اما اختلاف الافهام فاذا كثرت الافهام و اخبر كل واحد صاحبه عن وجه فهمه و هم منصفون يجتمعون علي الحق من ذلك غالباً و ان بقي اختلاف فيكون قليلاً. و اما الاختلاف الناشيء عن الاعتبارات المعتبرة و غير المعتبرة فذلك الذي لايقف علي حد كما لميقف لان الافهام مختلفة بعدد اختلاف الصور و الي الله تصير الامور.
اما ادلة المانعين علي الاطلاق و وجوب العمل بقوله الحي فمن الكتاب قوله تعالي لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون و هذا في الحي لا في الميت. اقول هذه الآية تدل علي وجوب النفر علي طائفة من الامة ليتفقهوا و لينذروا اذا رجعوا و هذا مما لاشك فيه بين الامة و ليس فيها دلالة علي وجوب تقليد الحي دون الميت و استدلوا بقوله تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و المسئول حي قلت من البين ان جميع الرعية لايشاهدون المجتهد الحي و كلهم الا آحاد يراجعون كتاب الفقيه و ليس سؤال و جواب بينهم فهل عملوا بهذه الآية ام لا؟ فان عملوا فكذلك هم عاملون بالرجوع الي كتاب الميت و ان لميعملوا فالواجب المواجهة و لاتقولون به هذا و الفقيه بنفسه كيف يعمل بهذه الآية هل يراجع الاخبار ام يشاهد و يسأل فان كان الرجوع الي الآثار سؤالاً فليكن هناك و المؤمن حي عند ربه مرزوق و الرجوع الي كتابه سؤال عنه و هو من اهل الذكر
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 59 *»
و بقوله تعالي لعلمه الذين يستنبطونه منهم و هذا في الحي لا في الميت قلت ان كان ضمير يستنبطون راجعاً الي اولي الامر كما هو المفهوم من الاخبار فلادلالة فيه علي المراد و ان اخذ راجعاً الي قوم مستنبطين و ضمير «منهم» راجعاً الي اولي الامر فذلك بعيد جداً عن ظاهر الآية و مخالف لتفسير اهل الذكر و بقوله و جعلنا بينهم و بين القري التي باركنا فيها الاية.
اقول: ان القري الظاهرة علي ما فسره الامام7 هم الرسل و النقلة و الفقهاء و الخدام و القوام و ليس في الآية ما يدل علي وجوب تقليد الحي دون الميت فان الميت ايضاً قرية ظاهرة كما ان الامام قرية مباركة باطنة و ان كان ميتاً و المراد بالظاهرة التي تكون في عرضنا بدليل تفسير الامام بالنقلة و الرسل و الفقهاء و الخدام و القوام كلها اعم من الحي و الميت بل لو قلنا ان للقائلين بتقليد الميت انيستدلوا باطلاق هذه الاخبار و الآيات جاز فان المطلق حجة باطلاقه و استدلوا ايضاً باخبار:
منها مقبولة عمر بن حنظلة انظروا الي رجل منكم روي حديثنا فان المخاطبين بانظروا في كل عصر انما امروا بالنظر الي من هو حي بين اظهرهم. اقول هذا الحديث في الحكم بين الخصم و لاشك ان الحاكم الفاصل يجب انيكون حياً و لانزاع في ذلك و محل النزاع جواز تقليد الميت في الحلال و الحرام.
و منها ما روي عن ابيبصير قال قلت لابيعبدالله7 الي ان قال7 رحمك الله يا ابامحمد لو كان اذا نزلت آية علي رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كماجري فيمن مضي يعني ان الرجل العالم بتلك الآية اذا مات و لميقم بعلمه آخر ماتت الآية يعني العلم بها. اقول اول الخبر هكذا: قلت لابيعبدالله7 انما انت منذر و لكل قوم هاد فقال رسولالله9 المنذر و علي صلوات الله عليه الهادي يا ابامحمد هل من هاد اليوم قلت بلي جعلت فداك مازال منكم هاد من بعد
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 60 *»
هاد حتي دفعت اليك فقال رحمك الله يا بامحمد الي آخر الخبر. و الذي نعرفه من هذا الخبر انه7 فسر الهادي بعلي7 ثم اراد انيستدل ان الآية اذا نزل في شأن رجل و مات ذلك الرجل و لميبق لها مصداق ماتت الآية و مات الكتاب و ليس الامر كذلك بل اذا نزل في شأن رجل آية و مات تجري تلك الآية في الازمنة الآتية فلكل قوم الي آخر الدنيا هاد و ان نزلت الآية في علي و نظير ذلك روايات اخر كماروي عن ابيجعفر7 في حديث: لو ان الآية اذا نزلت في قوم ثم مات اولئك القوم ماتت الآية لمابقي من القرآن شيء ولكن القرآن يجري اوله علي آخره مادامت السموات و الارض و لكل قوم آية يتلونها منها من خير او شر. و عن الرضا7 في وصف القرآن لايخلق من الازمنة و لايغث علي الالسنة لانه لميجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان و حجة علي كل انسان لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. و عن ابيعبدالله7 في القرآن الله تبارك و تعالي لميجعله لزمان دون زمان و لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد و عند كل يوم غض الي يوم القيمة بالجملة الذي نعرف من ذلك الخبر واضحاً هو هذا المعني اي ليس معاني القرآن مخصوصة بالمشافهين و انما تجري في كل زمان و تصدق في كل زمان علي اقوام مشاكلين للمشافهين.
و منها صحيحة الحرث بن المغيرة النصري قال سمعت اباعبدالله7 يقول ان العلم الذي نزل مع آدم7 لميرفع و ما مات عالم الا و قد ورث علمه ان الارض لاتبقي بغير عالم. اقول اولاً ان هذا الحديث و امثاله في شأن الائمة: و مفاده ان كل عالم يموت يقوم مقامه عالم مثله و لاشك في ذلك ولكن لادلالة فيه و في اشباهه علي وجوب تقليد الحي بالمعني المتعارف و حرمة تقليد الميت و اخبار الباب كلها شاهدة في ان المراد من الخبر انه لاتقوم الارض الا بحجة عالم بمثل علم الماضي و ما قيل ان دلالة الخبر في ساير العلماء بالطريق الاولي فان علمهم ظن و احتياجه بمن يقوم به اكثر ليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 61 *»
باستدلال قطعي.
و منها ما روي عن داود بن فرقد قال قال ابوعبدالله7 ان ابي كان يقول ان الله عزوجل لايقبض العلم بعد ما يهبطه ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم.
اقول الظاهر من الخبر ان العالم اذا مات و لميبق له حافظ بعده يندرس آثاره علي مر الجديدين و لايبقي و يفني بعد مدة و اما اذا كان بعده حافظ يجدده كماكان اول مرة و هذا في شأن الائمة: كما هو في كلام الامير7 لان علومهم غير مسطورة و انما هي في صدورهم فان تعلم منهم احد و الا يذهب بذهابهم و كذا اذا كانت كتب و لميعلمها احد بعد صاحبها فانها يندرس و يفني و كذلك كل صنعة و حرفة و كل علم فان ريب المنون و حوادث الدهر الخؤن يبليان كل جديد و يفنيان كل عتيد و نظير ذلك كلام الامير7 كذلك يموت العلم بموت حامليه اي اذا لميجد من يعلمه ينقرض و يندرس و يفني فانه ان لميعلم احداً و لميكتب كان في صدره و ذهب و ان كتب و لميعرفها احد يندرس و ان تعلم منه احد يرثه بعده و يقوم به بعده هذا هو ظاهر المراد الذي نعرفه و اما عدم جواز تقليد الميت نصاً فلايظهر منه و من امثاله بالبداهة لاسيما اذا دل اخبار علي خلافه كمايأتي.
و استدلوا ايضاً بوجوه اعتبارية منها انه لو جاز الاخذ عن الميت لكان اذا وجد اربعة اقوال اما انيعمل بايها شاء او يرجح احدها فان كان يعمل بايها شاء فقد عمل المقلد بخلاف ما يقول صاحب ذلك الحكم الذي اخذه لان ذلك العالم الميت ممايحكم به انه لايجوز الاخذ بغير دليل و لااختيار من لميكن مجتهداً و لارد حكم العالم و لاالترجيح بغير مرجح و لاالعمل بقول الميت و هذا المقلد خالفه في ذلك كله اخذ بغير دليل و اختار و لميكن مجتهداً ورد حكم من لميأخذ حكمه و رجح الحكم الذي اخذه من غير مرجح و عمل بقول الميت فان صح تقليد هذا الميت صح انه لايجوز الاخذ بقوله و الا فلايجوز تقليده.
اقول اما الاخذ بغير دليل فلميكن فانه اداه اجتهاده بتقليد كل فقيه سواء كان حياً او ميتاً و كما انه اذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 62 *»
كان اربعة احياء مخير بين كلهم كذلك مخير بين الاموات اذا كان لايستوجب تقليد الاعلم او الاتقي و الاورع و اما اختيار من لميكن مجتهداً فلميكن لان هذه المسألة ان كانت اجتهادية فقد اجتهد و ان كانت تقليدية يقلد حياً فاي ضرر في ذلك فيقلد حياً يجوز تقليد الميت لان جواز تقليده اجماعي فان خيره بين جميع الفقهاء الاحياء منهم و الاموات يقلد من يشاء. و اما رد حكم العالم فلميكن فان من قلد حياً ليس براد قول الباقين كما ان الفقيه في الحديثين اللذين خير بينهما اذا اختار واحداً من باب التسليم ليس براد لاحدهما و مثلهما الكفارة المخيرة و اما الترجيح من غير مرجح فلميكن و انما مثله كقدحي عطشان و قرصي جوعان يعلم ان كل واحد منهما كاف له مأذون فيه فيختار ايها يتيسر له و لو كان ذلك قبيحاً لكان من يحب انيقول لااله الا الله و لايقول ذلك الحين سبحان الله قوله قبيحاً فانه ترجيح من غير مرجح بل كلاهما مندوب اليه يختار ايهما يحب و يهوي من جهة تخيير امامه من باب التسليم و اما ان ذلك الميت لايجوز تقليد الميت فاولاً ليس بكلي فلاكل ميت لا يجوز تقليد الميت و ثانياً لايجب تقليد فقيه واحد في جميع المسائل بل يقلده في بعض و غيره في بعض فالفقهاء روات اخبار الامام يأخذ كل حكم من واحد ولادليل علي وجوب تقليد الفقيه في كل مايقول هب لايكون من يقلده مجوزاً لتقليد الميت و مثله فقيه غير اعلم لايجوز تقليد غير الاعلم و يكون حي آخر اعلم منه و انا ساقني اجتهادي الي جواز تقليد غير الاعلم او قلدت من يقول ذلك ثم اقلد ذلك غير الاعلم فاي محظور في ذلك اذا لميدل دليل علي وجوب تقليد فقيه واحد في كل المسائل ولايوجد فقيه اجتهد في كل المسائل و المقلد يحتاج و يقلد غيره و لافرق و ليس الفقيه بامام لايجوز الشرك به و ان اخذ المقلد احدها بترجيحه فلاخلاف بين العلماء ان ترجيحه لايعتبر و لااثر له و ان كان عارفاً فترجيحه و عدمه سواء فاذا وجد في وقته من يعتبر ترجيحه من العلماء المجتهدين وجب علي المقلد الرجوع اليه لان ظن الاصابة من المقلد غير مقطوع به وان اصاب في نفس الامر كمايشير اليه الحديث النبوي في تقسيم القضاة و رجل قضي بحق و هو لايعلم فهو في النار.
اقول ان المنحط عن درجة
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 63 *»
الاجتهاد لابد و انيقلد مجتهداً و طريق معرفته بالمجتهد الفحص عن اهل الخبرة و ان لميكونوا مجتهدين ان لميكن من اهل الخبرة و لو شرطنا تصديق المجتهد ينقل الكلام اليه فلايشترط فاذا يخبره جمع من اهل الخبرة ان فلاناً الميت مجتهد فان كان يستوجب الاعلم باجتهاد او تقليد يفحص عن اعلم الاموات و يقلد و الا فيتخير كماقلنا فكيف لايعتبر ترجيحه هذا و مسألة الاجتهاد و التقليد اجتهادية و الا يلزم الدور فكيف لايعتبر ترجيح المقلد و ان قيل ان فروعها اجتهادية قلت لايجب تعيين الموضوعات علي الفقهاء بل ربما يشتبه عليهم و ربما يصيب المقلد الموضوع و يخطي الفقيه فالمقلد يقلد الحي في الفروع اي فروع هذه المسألة ثم يعين الموضوع بنفسه ان كان من اهل الخبرة و الا فيفحص حتي يعرف اي ضرر في ذلك و هل يمكن غير ذلك.
و منها ان جواز تقليد الميت ليس قولاً للشيعة و انما هو قول للعامة و قد صرح بهذا كثير من العلماء و انما القول به من الشيعة مستحدث و قد مضي وقت طويل من الزمان لميقل احد من الشيعة به فدل علي بطلانه.
اقول اما انه لميقل به احد من الشيعة فعلي الحقيقة لايسمع لغير المعصوم المحيط و حقيقة مراد الفقهاء من ذلك عدم الاطلاع و لايشهدون شهادة نفي و عدم اطلاع فقيه لايقوم حجة علي غيره و اما انه قول العامة فكثير من شرايع ديننا يقول به العامة و لايجب علينا تركه و اما انه ليس قولاً للشيعة فقد نري جمعاً منهم يقولون به من الاخباريين و الاصوليين و هم لايخالفون ضرورة مذهب الشيعة و لاالاجماع المحصل العام حتي ان الكليني; قال في اول كتابه انه كتبه ليأخذ عنه من يأتي بعده و هو كتاب فتواه يقيناً فكيف يكون مستحدثاً و هو الظاهر من جميع اصحابنا المحدثين كمايأتي و لي في هذا المقام مقال يأتي بعد الفراغ من ادلة المانعين عن تقليد الاموات فترقب.
و منها انه اذا اتفقت الامة علي قولين في مسألة و قد دل الدليل علي انحصار الحق فيهما و انقرضت احدي الطائفتين اجمعوا علي بطلان حكم الطائفة المنقرضة.
اقول علة ذلك ان من قضي نحبه و استوفي اجله و رزقه و مات فقد استغني عن الدنيا و الدنيا لابد و انيقوم علي الحق و يدور علي الحق فلايمكن
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 64 *»
انيكون الباقي باطلاً فانه لايدور الدنيا علي الباطل فهو حق و ماسواه باطل و قد كان باطلاً ايضاً في حيوتهم و انما الموت كشف عن بطلانهم فليس بطلان قولهم من باب بطلان قول الميت علي ان لو مات احد من اهل الحق معهم كان هو ايضاً باطلاً بل بطلان قولهم لانه علي خلاف الحق اليقيني الذي دار عليه الدنيا.
و منها و هو اصح الادلة عندهم و اقواها ان دلايل الفقه لماكانت ظنية لايكون بينها و بين نتايجها لزوم عقلي كماتقرر في محله فلايكون حجة من حيث هي بل من حيث افادتها الظن للمجتهد فالحجة هو ظنه و هو يزول بموته فبقي حكمه خالياً عن الدليل.
اقول اما هذا الدليل ففي غاية الغرابة فانه اقر ان ادلتهم لاتستلزم النتيجة فجميع اقوالهم قول بغير دليل احياءً و امواتاً و ان الله منع من اتباع الظن في سبعين آية و منعت حججه عنه في اخبار متواترة فسقط قولهم عن درجة الاعتبار بالكلية ثم قال ان حجيتها من حيث افادتها الظن. اقول ان كان يقول بدليل الكتاب و السنة كيف لايكون منتجاً و ان كان يقول بهما فكيف لايكونان بحجتين و انما الحجة ظن المجتهد و الحجة علي الخلق هو رسوله و وليه فمعني هذا القول ان حجة الله علي الخلق ظن المجتهد لا القرآن و لا محمد و لا علي و آله8 و ان الله سبحانه كلف خلقه بتكاليف نظرية و لميجعل لها ادلة منتجة اصلاً و سبيلاً اليها و جعل الحجة علي خلقه ظن المجتهد و ذلك شطط من القول بل نحن نقول ان الله كلف عباده بتكاليف و جعل لها ادلة موصلة منتجة و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هداهم حتي يبين لهم مايتقون و المتبع هو الله لانه الخالق و رسوله و حججه لانهم المعصومون و الفقهاء ان قالوا عنهم فهم الروات لافرق بين الاحياء و الاموات و ان قالوا عن انفسهم فلاعبرة بقولهم احياءً و امواتاً.
و منها ان التقليد خلاف الاصل خرج تقليد الحي بالاجماع و لزوم الحرج فيبقي الباقي علي اصله.
اقول ان التقليد ليس خلاف الاصل بل هو موافق للاصل فان غير المعصوم من الرعية لابد و انيقلد امامه و هذا هو الاصل فيه و الاجتهاد للرعية خلاف الاصل و لميخرج منه خارج و ان سمي اخذ الرواية عن الرواة تقليداً فالاجماع علي جواز اخذ الرواية عن الاحياء و الاموات و عليه عمل الامة
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 65 *»
و ان قلت ان صراح الكتاب و السنة لاتكفي لجميع المسائل فلايكفي الاخذ عن الرواة و لابد و انيكون فقيه يستنبط ساير الاحكام من فحاويها و دلالاتها و اشاراتها و يفتي و وجب تقليد غير المعصوم لاجل تلك الاحكام و تلك الاحكام لايفهم علي اليقين فاضطروا الي الظن قلت ان كانت الاحكام يفهم من الاخبار يقيناً بلاغبار فيفتي به و هو الرواية و ان كان يظن ظناً فلايجوز له الفتوي فان الظن لايغني من الحق شيئاً و عليه التوقف في الحكم و له السعة في العمل فمع الاقرار بالسعة ان كان يريد انيعمل بشق يظن انه الاقرب الي الواقع من غير نفي الآخر فلاضير فلعله اولي و احوط و ذلك ايضاً لايتفاوت فيه الحي و الميت فان الحكم الظاهر السعة بالجملة التقليد واجب و لاتقليد الا للمعصوم و الفقهاء روات امناء يؤخذ عنهم و جوز لهم النقل بالمعني.
و منها ان هذه المسألة اجتهادية و الواجب فيها تقليد المجتهد فان رجع الي تقليد الميت يلزم الدور و ان رجع الي الحي و في غيرها الي الميت يلزم مخالفة الاعتبار.
اقول علي فرض ذلك اي نقص في مخالفة الاعتبار و ليس الاعتبار بكتاب و لاسنة و اي ضرر في تقليد فقيه في مسألة و تقليد غيره في الباقي و اي كتاب منع من ذلك ام اي سنة؟ و الادلة الاعتبارية اوهن من بيت العنكبوت و ذكروا بعض اعتبارات اخر يعرف وهنها كل ذي مسكة فاعرضنا عنها خوف التطويل بلاطائل. و اما من يجوز البقاء علي تقليد الميت دون الابتداء فدليله ان اقواله صارت حكم الله في حقه و كان الواجب عليه اتباعه فبحكم الاستصحاب وجب عليه البقاء عليه و اما عدم جواز الابتداء فلاجل الادلة السابقة. و اما من يجوز تقليده عند عدم وجود حي فلرفع العسر و الحرج و اما مع وجود حي يرتفع العسر و الحرج بتقليده فلايجوز و ان راجعت مابينا من وهن تلك الادلة عرفت وهن هذه الاقوال.
و اما الدليل علي القول بالجواز مطلقاً فاوله عدم دليل صالح علي المنع فالقول بالجواز متعين لان الحق لايرتفع عن الامة فاذا وهن ساير الاقوال فالقول
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 66 *»
الباقي هو الحق هذا علي نحو الاجمال و اما علي التفصيل فاعلم ان من نظر في طريقة اصحاب الائمة و اخبارهم و آثارهم عرف بلاغبار كالشمس في رابعة النهار ان نسبة الشيعة ذلك اليوم الي امامهم كانت و لهم المثل الاعلي كنسبة المقلدين الي الفقيه اليوم يدخلون عليه و يستفتونه و يعملون بفتاويه في كل شيء سواء السوقي و البدوي و العالم و الجاهل و الائمة يكلمونهم و يفهمونهم كمايفهم بعضنا بعضاً و كمايفهم الاستاد تلميذه بلاتفاوت بل اكمل و اكمل و اما رؤساء الصحابة فهم كانوا ملازمين للامام مستمعين لاكثر احاديثه ضابطين له حافظين اياه فقد كانوا يأمرون من لميقدر علي الوصول الي حضرتهم الاخذ عن اولئك الصحابة الذين اجتمع عندهم علم كثير من احاديثهم و هم ايضاً يجيبونهم بماسمعوا من امامهم من غير زيادة و لانقيصة حتي ان اصحابنا الي زمان المشايخ الثلثة ماكانوا يجسرون علي رسم كتاب في الفقه بغير الفاظ الاخبار حتي ان الكليني لميعنون ابواب كتابه بالوجوب و الاستحباب فلميقل باب وجوب الركوع بل قال باب الركوع خوفاً من صدور لفظ عنهم بخلاف الخبر و هذا من لايحضره الفقيه و الكافي و التهذيب و الاستبصار فانها كتب فتواهم كساير الاصول الاربعمأة و كذلك مشي الشيخ في نهايته ثم تجاوز في ساير كتبه طريقة الاصحاب كماصرح به في المبسوط بالجملة كان المعروف من طريقة الاصحاب و المجمع عليه بينهم ان العالم هو الامام و الناس متعلمون كما قالوا نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و روي اين التقليد الذي كنتم تقلدون جعفراً و اباجعفر و روي انتم نصبتم رجلاً و لمتقلدوه يعني الامام و لعمري هذا اوضح من الشمس في رابعة النهار و علي هذا المعني كان المعروف من مذهب الشيعة وجوب تقليد الحي اي تقليد الامام الحي و لميكن تقليد لغيره.
و اما العامة فجوزوا تقليد الميت لانهم جعلوا علماءهم في مقابلة ائمتنا و قلدوهم بعد موتهم ايضاً فبذلك عرف ان جواز تقليد الميت من العامة و منعه من الشيعة علي هذا المعني و هذا الاجماع لايتمشي في غير محله بل هو جار في محله و هو وجوب كون امام حي في كل عصر و عدم جواز خلو
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 67 *»
عصر من العالم اي الامام فلماجعل تراب الغيبة علي رؤس الشيعة و غاب امامهم كانوا مدة كذلك يقلدون الامام الغايب برواية الرواة فانه كتب اليهم ان (اما ظ) الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و لميقل الي مجتهد ظان بل من يروي الحديث بلفظه او معناه و اما حديث الصادق7 في حديث التقليد فاما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً علي هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام انيقلدوه و ذلك لايكون الا بعض فقهاء الشيعة لاجميعهم فاما من ركب من القبايح و الفواحش ماركب فسقة فقهاء العامة فلاتقبلوا منهم عنا شيئاً الخبر. و من نظر صدر الخبر و سوابق هذا الكلام عرف بيناً ان هذا التقليد هو اخذ الرواية لاغير و معذلك مطلق عن الحي و الميت و لميكن ذلك اليوم معني للفقيه الا ضابط اخبار و عارفها و لميكن معني للافتاء الا ذكر مضمون الاخبار و لميكن معني للتقليد الا الوثوق بالغير و اخذ الرواية عنه بلفظها او معناها مختصراً او مطولاً.
بالجملة ففي اوائل زمان الغيبة كانوا كذلك الي ان ظهر فيهم ما ظهر من الاصول و تفريع الفروع ففرعوا اولاً قائلين بوجوب تحصيل العلم ثم فرعوا قائلين بتجويز الظن الحاصل عن الاخبار ثم فرعوا قائلين بتجويز الظن المطلق و الظاهر ان في هذا الزمان رخصوا للقياس علي ان الاخبار في منع قياسات من لميراجع الامام لا في منعنا و الاجماع علي المنع لاصراحة له في منع اهل هذا العصر و الظن منه حاصل و الاصل حجية الظن بالجملة لمافتحوا باب الاجتهاد اوجبوا علي الناس تقليدهم فانه لابد و انيكون الناس بين مجتهد و مقلد نعم كان كذا ولكن العالم الذي يجب تقليده و علمه حجة هو المعصوم و المقلد جميع الشيعة و العلماء و الفقهاء رسل و نقلة للآثار فان نقلوا الاثر يسمع منهم و ان اخبروا عن ظنونهم لا كما روي خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا و قد ذكرنا في كل من هذه الفقرات اخباراً متضافرة في فصل الخطاب و كتب الاخبار بها مشحونة فلميكن في الشيعة هذا القول و انما القول
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 68 *»
بالاجتهاد و التقليد مستحدث و لذلك منع صاحب القوانين الاجماع في المسائل الاصولية لانها مستحدثة و لمتكن في العصر الاول فصح انا لانجوز تقليد الميت و ليس من دين الله يقيناً و لابد من وجود امام حي بل اقول انا نعمل باخبار الائمة الماضية لاذن الامام الموجود فلو لميأذن لمنعمل بها البتة.
فالمدار علي وجوب تقليد الحي فاتفق من جميع الشيعة القول علي ذلك الا من قليل من المتأخرين المجوزين تقليد الميت بقاءً او ابتداءً فانهم يريدون من التقليد الاخذ عن المجتهد الميت بالمعني المتعارف فهذا خلاف اجماع الشيعة و اما اخذ الرواية عن كتب الاموات فلامنع عنه عندنا لماروي من تجويزه و لقيام الاجماع علي جواز اخذ الرواية عن الاموات بلاخلاف من احد من الشيعة بل من العامة فاذ لمنجوز نحن تقليد غير المعصوم ظاناً كان او عالماً متيقناً الا انيكون له رواية يرويها فلايتفاوت انيكون الرواي حياً او ميتاً و لااثر لحيوته و موته في الرواية و الادلة الاعتبارية القوية في المقام عندنا و هي صحيحة بلاشك ولكنها جارية في المعصوم لاغيره و هو المرآة التي تحكي نور الله لخلقه و يجب انتكون سليمة حية و هو الواسطة التي لايجوز انتكون ميتاً بين حيين و هو الذي اذا مات و رفع عنايته عن الخلق لميبق مرب للعالم و مستمسك لهم و سبيل لهم الي ربهم و يجب انيكون حي يكون مستمسكاً و سبيلاً و دليلاً و هكذا و جميع ذلك صادق علي المعصوم و جار في حقه و لادخل لها بالراوي فهو7 العالم و جميع الشيعة المتعلمون و هم علي صنفين فمنهم من يتصدي بجمع الاخبار و ضبطها و تصحيح مبانيها و معانيها بقدر حاجته و حاجة غيره و منهم من يشتغل بالمكاسب و امر معاشه و يسأل اولئك عمايحتاج اليه حيناً بعد حين و مثل الاولين كالرواة و الوسائط بين المقلد و المجتهد و كما انه لاعبرة بحيوة الواسطة و موتها و انما العبرة بحيوة المجتهد عندهم كذلك لاعبرة عندنا بموت الرواة الفقهاء و العبرة بحيوة الامام7 و الدليل علي ذلك من الكتاب و السنة قوله تعالي و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الي الله و قوله عزوجل اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اوليالامر منكم و قوله عز من قائل و ان تنازعتم في شيء فردوه الي الله و الرسول و قوله جل
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 69 *»
و عز و لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم و قوله سبحانه فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون ففي جميع ذلك و امثالها امر بالرجوع الي المعصوم في كل نزاع لا الي اهل الظنون و عن ابيعبدالله7 يغدو الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و قال ابوالحسن7 لمحمد بن عبيدة انتم اشد تقليداً ام المرجئة؟ قال قلت قلدنا و قلدوا فقال لماسألك عن هذا فلميكن عندي جواب اكثر من الجواب الاول فقال ابوالحسن7 ان المرجئة نصبت رجلاً لمتفرض طاعته و قلدوه و انكم نصبتم رجلاً و فرضتم طاعته ثم لمتقلدوه و عنه7 اياك انتنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ماقال و عنه7 من دان الله بغير سماع من صادق الزمه الله و من ادعي سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي سر الله المكنون و عن اميرالمؤمنين7 في حديث انما الطاعة لله و لرسوله و لولاة الامر و انما امر الله بطاعة الرسول لانه معصوم مطهر لايأمر بمعصية و انما امر بطاعة اولي الامر لانهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصية. و قال ما لميخرج من هذا البيت فهو باطل و عنه7 من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال و من اخذ دينه عن الكتاب و السنة زالت الجبال و لميزل و في رسالة ابيعبدالله7 و اتبعوا آثار رسولالله و سنته فخذوا بها و لاتتبعوا اهوائكم و رأيكم فتضلوا فان اضل الناس عند الله من اتبع هواه و رأيه بغير هدي من الله و قال ايتها العصابة عليكم بآثار رسولالله9 و سنته و آثار الائمة الهداة من اهل بيت رسولالله9 من بعده و سنتهم فانه من اخذ بذلك فقد اهتدي و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لانهم هم الذين امر الله بطاعتهم و ولايتهم الخبر. و هذا الخبر و امثاله مما لااحصيها عام غير مختص بالفقهاء فالكل مكلفون بالرجوع الي الآثار فان فهموها فهو و الا فيفحصون عن معناها حتي يفهموا كمايفحصون
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 70 *»
عن عبارة مشكلة او شعر مشكل حتي يفهموا.
و ان قلت ان لكلامهم وجوهاً سبعين و هو صعب مستصعب قلت ان الفقهاء ايضاً لايعرفون الوجوه السبعين و صعوبة كلامهم و اما الظاهر فقد كانوا يفتون به للبدوي و السوقي فكل احد يعرفه و عبارة الفقهاء اصعب منها بمرات و ان لميفهم حديث فرضاً فهو من المتشابهات يرد اليهم.
و ان قلت في الاخبار تقية و غير تقية قلت ان لميكن في نفس الخبر ما يدل علي التقية فالفقيه ايضاً لايعرفها و محض المطابقة مع قول سني لايدل علي التقية و اجماع العامة لايعرف ابداً لاسيما في عصرنا هذا.
و ان قلت في الاخبار موافق للكتاب و مخالف قلت اما مخالف ضروريات كتابنا فليس في اخبارنا و ان كان فهو معروف لكل معتن بدينه و اما مخالف غيرها فلايترك لان آلمحمد: اعلم بالكتاب هذا و الكتاب اغلب احكامه مجمل يحتاج الي تفسيرهم:.
و ان قلت لابد من معرفة مواقع الاجماع قلت اما الضروريان فمعروفان و المحصل العام يعرف بادني فحص و اما غيرها فلايجب الفحص عنه لعدم دليل من الكتاب و السنة عليه و لميرد اذا بلغكم عنا حديث فلاتعملوا به حتي ترون اصحابكم مجمعون علي خلافه ام لا؟
و ان قلت في الاخبار معارض قلت لميرد ابداً في كتاب و لاسنة وجوب الفحص عن المعارض و ادلة الجماعة ظنية لاعبرة بها.
و ان قلت فيها محكم و متشابه قلت المحكم ما دلالته واضحة فان وضحت يعمل به و الا فهو متشابه لايعمل به.
و ان قلت ناسخ و منسوخ قلت احاديث آلمحمد: ليس فيها ناسخ و منسوخ و انما هو في احاديث الرسول و نحن نراجع آلمحمد العلماء:.
بالجملة الذي امرونا به الرجوع الي آثارهم عموماً و عن الصادق7 لايسعكم فيما ينزل بكم مما لاتعلمون الا الكف و التثبت و الرد الي ائمة الهدي حتي يحملوكم فيه علي القصد و يجلو عنكم فيه العمي و يعرفوكم فيه الحق قال الله فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون الي غير ذلك من الاخبار المتواترة و قد ملأنا منها كتبنا كفصل الخطاب و السوانح و القواعد و علم اليقين فمن شاء
«* مکارم الابرار عربي جلد 22 صفحه 71 *»
فليراجعها فخذ بآثار آلمحمد: ثلج الفؤاد بارد القلب.
و ان قلت هب من اين اعرف الخبر الصحيح عن غير الصحيح؟ قلت اما هذا فمرجع فهمه القرائن و التسديد فمهما ورد خبر و نسب اليهم في كتب الاصحاب الثقات التي صححوها و ضمنوا صحتها و دل عليه القرائن فهو صحيح و الا فان لميظهر الحجة بطلانه فهو صحيح و لاطريق قطعياً في تصحيح الاخبار الا هذا و الكل ظنون و ان الظن لايغني من الحق شيئاً فماوجدت في الآثار عملت به و ما لمتجد ترد علمه الي آلمحمد: و انت فاحص باحث عن العلماء و الفقهاء لعلهم اوقفوك عليه فان لميوقفوك فهو ممايرد اليهم صلوات الله عليهم و من اراد ازيد من ذلك فعليه بساير كتبنا.
و قد فرغ من تسويد هذه الاوراق العبد الاثيم في التاسع و العشرين من شهر محرم الحرام من شهور سنة ست و سبعين من المأة الثالثة عشرة حامداً مصلياً مستغفراً تمت.