21-06 مکارم الابرار المجلد الحادی والعشرون ـ رسالة في طهارة الماء القليل ـ مقابله

رسالة في طهارة الماء القليل

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 455 *»

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.

و بعــد يقول العبد الاثيم الجاني كريم بن ابراهيم الكرماني انه هذه كلمات كتبتها في رفع القال و القيل في طهارة الماء القليل بعد ملاقاة النجاسة لانه اصل اصيل يتفرع عليه مسائل كثيرة و فروع وافرة سائلاً من الله التسديد و الهام الصواب انه كريم وهاب.

اعلم انه قد اختلف علماؤنا الاعلام قدس الله نفوسهم في الماء القليل هل ينفعل بملاقات النجاسة ام لا؟

قال في الحدايق المشهور بل كاد ان‌يكون اجماعاً بل ادعي في الخلاف في غير موضع الاجماع هو النجاسة و عزي الي الحسن بن ابي‌عقيل القول عدم النجاسة الا بالتغير و اختار هذا القول جمع من متأخري المتأخرين.

و في المدارك اطبق علماؤنا الا ابن ابي‌عقيل علي ان الماء القليل و هو ما نقص عن الكر تنجس بملاقات النجاسة له سواء تغير بها ام لم‌يتغير الا ما استثني و في الذخيرة مذهب جمهور الاصحاب نجاسة القليل بمجرد الملاقاة عدا ما يستثني و ذهب الحسن بن ابي‌عقيل الي انه لاينجس الا بالتغير و المسألة محل اشكال و في صراط اليقين المشهور بين علمائنا رضوان الله عليهم الحكم بالنجاسة لم‌ينقل خلاف من المتقدمين الا من الحسن بن ابي‌عقيل و بعد اسطر و تبعه علي مذهبه بعض متأخري المتأخرين و ذهب الي الطهارة المحدث القاشاني و السيد عبدالكريم في الدرر و لابد لنا من نقل الاخبار من الطرفين ليرتفع الغبار من البين اما ما يدل علي ما ذهب اليه الاقلون.

الاول: قوله تعالي و انزلنا من السماء ماء طهوراً وجه الاستدلال انه سبحانه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 456 *»

علق حكم الطهورية علي الماء فكل ما يسمي ماءً فهو طهور سواء قبل الملاقاة و بعدها فانه ماء و لم‌يتغير عماكان عليه و لنعم ما استدل عليه شيخنا اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه علي طهارة الماء ما لم‌يتغير قال في صراط اليقين: اعلم ان لون الماء البياض لان كل بارد رطب فلونه البياض كماقرر في محله و طعم الماء طعم الحيوة كما روي عنهم و كذا رايحته رايحة الحيوة فان تغير احد هذه الاوصاف تغيراً قطعياً بالنجاسة الواقعة به نجس المتغير لقوله7 خلق الله الماء طهوراً لاينجسه شئ الا ما غير لونه او طعمه او ريحه و مع‌ذلك اختار المشهور فكلما كان الماء باقياً علي الوصف الذي به يسمي ماء مطلقاً فهو طهور.

الثاني: قوله تعالي: و انزلنا من السماء ماء ليطهركم وجه الاستدلال علي طبق ماسبق و قد تعلم ضعف ما خدش في هذه الآيات بان الحكم معلق بماء مخصوص و هو ما نزل من السماء فلايعم جميع المياه لان اصل جميع المياه من السماء كمايدل عليه قوله تعالي: و انزلنا من السماء ماء بقدر فاسكناه في الارض و انا علي ذهاب به لقادرون و قوله الم تر ان الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض بل يستفاد من القرآن ان كل شئ نازل من عنده سبحانه كمايدل عليه قوله تعالي: و ان من شئ الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم كماقال و انزلنا الحديد فيه بأس شديد فكل شئ نازل من السماء لااختصاص له بالماء فيتم الاستدلال بها.

الثالث: قوله تعالي: و ان لم‌تجدوا ماء فتيمموا وجه الاستدلال ان الماء الملاقي للنجاسة ماء قطعاً و مع وجدانه لايسوغ التيمم.

الرابع: قوله تعالي خلق لكم ما في الارض جميعاً فالانتفاع بما في الارض مطلق يجوز الانتفاع بكل شئ منه بكل وجه الا ان‌يدل دليل علي عدم جواز النتفاع خاص و الشأن فيه.

الخامس: قوله تعالي: ماجعل عليكم في الدين من حرج وجه الاستدلال انه لاشك ان بنجاسة القليل يحصل حرج و مشقة للناس في الحضر و السفر سواء كان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 457 *»

القليل وارداً او موروداً عليه فانه يعسر علي الناس التحرز عن القطرات الصغار مما ينتضح من غسل الثياب و البدن و الاواني في الحمامات و غيرها لاسيما في الحمامات المصطنعة في العراقات و الشامات و الحجاز و لاهل البادية و القري الذين ليس لهم كثير تحفظ و فطانة و كلابهم تلغ في اوانيهم و مصانعهم و اطفالهم لايتحرزون عن شئ من النجاسات فيستعملون اوانيهم و مياههم و اغلبهم ينزلون بعيداً عن الماء و يحملون لهم المياه بالقرب و المزادات و الجرات و غيرها و من اعسر عسير تحرزهم عن الماء القليل الملاقي و تحرز من نزل عليهم. و ان قلت فعلي هذا اغلب الشرايع فيه عسر و مشقة فيجب تركه؟ اقول ليس كل ماتراه عسيراً عسيراً فانك لم‌تحط بجميع الازمان و الامكنة و ان الذي هو محيط يري ما ذكرته قريباً و ان كنت تراه بعيداً و الشاهد علي ذلك صحيحة محمد بن ميسر قال سألت اباعبدالله7 عن الرجل الجنب ينتهي الي الماء القليل في الطريق و يريد ان‌يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مما قال الله عزوجل ماجعل عليكم في الدين من حرج و ما ذكر فيها من الحمل علي ان القليل هو القليل العرفي مدفوع بعدم استفصال الامام7 و من الحمل علي التقية لذكر الوضوء قبل الغسل مدفوع لاستعمال التوضي في الاحاديث كثيراً في معني غسل اليد بل كل شئ و اما السند فان كان فيه عبدالله بن المغيرة و قيل انه فطحي الا انه ممن اجمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنه و اقروا له بالفقه و هو موثق عند الكل و قد حققنا ضعف ما روي انه فطحي مع ان الرواية لامعارض لها في نفي الحرج عن مثل هذا الماء فظهر ان التحرز عن القليل الملاقي حرج و هو منفي.

السادس: صحيحة هشام بن سالم عن ابي‌عبدالله7 و قد سئل عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيکف فيصيب الثوب فقال لابأس به ما اصابه من الماء اكثر. وجه الاستدلال انه بمنزلة التعليل علي عدم البأس و قد علل بكثرة الماء و هو و ان كان في الماء الوارد الا انه بانضمام ساير الاخبار يعلم ان العلة هي الكثرة لاغير.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 458 *»

السابع: صحيحة شهاب بن عبدربه قال اتيت اباعبدالله7 اسأله فابتدأني فقال ان شئت فسل يا شهاب و ان شئت اخبرناك بما جئت له قلت اخبرني قال جئت لتسئلني عن الغدير تكون في جانبه الجيفة أتوضأ منه او لا قال نعم قال توضأ من الجانب الاخر الا ان‌يغلب الماء الريح فينتن و جئت تسأل عن الماء الراكد من الكر فما لم‌يكن فيه تغير او ريح غالبة قلت فما التغير قال الصفرة فتوضأ منه و كل ما غلب كثرة الماء فهو طاهر. وجه الاستدلال عدم الاستفصال في الغدير بين القليل و الكثير و عموم الجواب في قوله كل ما غلب فانه اعطاه اصلاً حتي يفرع عليه الفروع و ان كان هو آتياً ان‌يسأل عن الكر.

الثامن: صحيحة حريز عن ابي‌عبدالله7 قال كلما غلب الماء علي ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلاتوضأ منه و لاتشرب.

التاسع: رواية ابي‌خالد القماط انه سمع اباعبدالله7 يقول في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة فقال ابوعبدالله7 ان كان قد تغير ريحه او طعمه فلاتشرب و لاتتوضأ منه و ان لم‌يتغير ريحه او طعمه فاشرب و توضأ.

العاشر: موثقة سماعة عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد انتنت قال اذا كان النتن الغالب علي الماء فلاتتوضأ و لاتشرب.

الحادي‌عشر: رواية زرارة عن ابي‌جعفر7 قال قلت له راوية من ماء سقطت فيه فارة او جرد او صعوة ميتة قال اذا تفسخ فيها فلاتشرب من مائها و لاتتوضأ و صبها ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة اذا اخرجتها طرية و كذلك الجرة و حب الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء قال و قال ابوجعفر7 اذا كان الماء اكثر من راوية لم‌ينجسه شئ تفسخ

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 459 *»

فيه او لم‌يتفسخ الا ان‌تجئ له ريح تغلب علي ريح الماء.

الثاني‌عشر: صحيحة عبدالله سنان قال سأل رجل اباعبدالله7 و انا حاضر عن غدير اتوه و فيه جيفة فقال ان كان الماء قاهراً و لاتوجد منه الريح فتوضأ و ارسل الصدوق بمعناها.

الثالث‌عشر: صحيحة داود بن فرقد عن ابي‌عبدالله7 قال كان بنواسرائيل اذا اصاب احدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع الله عليكم باوسع مما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهوراً فانظروا كيف تكونون. وجه الاستدلال به كماذكرنا في الاية الاولي.

الرابع‌عشر: ما رواه الحسن بن سعيد المحقق في المعتبر قال قال علي7 خلق الله الماء طهوراً لاينجسه شئ الا ما غير لونه او طعمه او ريحه و رواه ابن‌ادريس مرسلاً في اول السراير و نقل انه متفق علي روايته و كذا ارسله الحسن بن ابي‌عقيل و قال انه قد تواتر عن الصادق7 عن آبائه هذا الخبر كمايحكي عنه في المختلف و القاشاني قال انه هو المشهور بين الخاصة و العامة. و كذا ارسله شيخنا الاستاد اعلي الله مقامهم و مراسيل هؤلاء الاكابر حجة لاسيما شيخنا الاستاد اعلي الله مقامه.

الخامس‌عشر: رواية ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله7 انه سئل عن الماء النقيع تبول فيه الدواب فقال ان تغير الماء فلاتتوضأ منه و ان لم‌تغيره ابوالها فتوضأ منه و كذلك الدم اذا سال في الماء و اشباهه.

السادس‌عشر: رواية محمد بن مروان عن ابي‌عبدالله قال لو ان ميزابين سالا احدهما ميزاب بول و الاخر ميزاب ماء فاختلطا ثم اصابك ماكان به بأس.

السابع‌عشر: رواية علي بن جعفر عن اخيه عن موسي بن جعفر7 و هي ظاهر الصحة قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطراً صغاراً فاصاب اناءه هل يصلح له الوضوء منه فقال ان لم‌يكن شيئاً يستبين في الماء فلابأس و ان كان شيئاً بيناً فلاتتوضأ منه قال و سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 460 *»

فتقطر قطرة في انائه هل يصلح الوضوء منه قال لا.

الثامن‌عشر: رواية ابي‌مريم الانصاري قال كنت مع ابي‌عبدالله7 في حائط له فحضرت الصلوة فنزح دلواً من ركي له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فاكفأ رأسه و توضأ بالباقي.

التاسع‌عشر: ما ارسله في الفقيه قال سئل الصادق7 عن الماء الساكن تكون فيه الجيفة قال يتوضأ من الجانب الاخر و لايتوضأ من جانب الجيفة.

العشرون: رواية علي بن ابي‌حمزة قال سألت اباعبدالله7 عن الماء الساكن و الاستنجاء منه و الجيفة فيه فقال توضأ من الجانب الآخر و لاتتوضأ من جانب الجيفة.

الحادي‌و‌العشرون: رواية ابي‌بصير قال قلت لابي‌عبدالله7 انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون الي جانب القرية فيكون فيه العذرة و يبول فيه الصبي و تبول فيه الدابة و تروث فقال ان عرض في قلبك منه شئ فقال هكذا يعني افرج الماء بيدك ثم توضأ فان الدين ليس بمضيق فان الله يقول ماجعل عليكم في الدين من حرج.

الثاني‌و‌العشرون: صحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيغ قال كتبت الي من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقي فيه من بئر و يستنجي فيه الانسان من بول او غائط او يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لايجوز فكتب لاتتوضأ من مثل هذا الا من ضرورة اليه.

الثالث‌والعشرون: رواية عمر بن يزيد قال قلت لابي‌عبدالله7 اغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة فيقع في الاناء ما ينزو من الارض فقال لابأس به.

الرابع‌والعشرون: رواية الاحول انه قال لابي‌عبدالله7 في حديث الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجي به فقال لابأس فسكت فقال اوتدري لم صار لابأس به قلت لا والله فقال ان الماء اكثر من القذر.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 461 *»

الخامس‌والعشرون: موثقة محمد بن النعمن عن ابي‌عبدالله7 قال قلت له استنجي ثم يقع ثوبي فيه و انا جنب فقال لابأس به. وجه الاستدلال ترك الاستفصال في جواب السؤال لاحتمال ان‌يكون الاستنجاء من الجنابة او من البول و عليه المني.

الساد‌س‌والعشرون: موثقة عمار الساباطي عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز او اناء غيره اذا شرب منه علي انه يهودي فقال نعم فقلت من ذلك الذي شرب منه قال نعم.

السابع‌والعشرون: صحيحة محمد بن ميسر قال سألت اباعبدالله7 عن الرجل الجنب ينتهي الي الماء القليل في الطريق و يريد ان‌يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مماقال الله عزوجل ماجعل عليكم في الدين من حرج. وجه الاستدلال ترك الاستفصال في جواب السؤال عن القليل و القذر و مانوقش فيه بانه في محل التقية لقوله7 ثم يتوضأ قبل الغسل ليس بشئ فان الوضوء كثيراً ما يستعمل في غسل اليد كيف و اغلب اهل السنة قائلون بنجاسة القليل بالملاقاة.

الثامن‌والعشرون: صحيحة عبدالله بن مسكان عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن الوضوء مماولغ الكلب فيه و السنور او شرب منه جمل او دابة او غير ذلك أيتوضأ منه او يغتسل قال نعم الا ان‌تجد غيره فتنزه عنه.

هذه جملة ما اطلعت من الاخبار مما يصلح ان‌يكون دليلاً لاولئك الاخيار و قد نوقش في بعض هذه الاخبار و لابأس بذكرها و تحقيق الحق فيها قال في الحدائق الذي ظهر لنا بعد امعان النظر في الادلة المتوهمة منها المخالفة ان جلها انما ورد في السؤال عن مياه الحياض و مياه الغدران و مياه الطرق من حيث عموم الحاجة اليها سيما في الاسفار الي ان قال اذا عرفت ذلك فنقول من الغالب و الوجدان يقضي به ايضاً ان تلك المياه لاتنفك عن بلوغ الكرور المتعددة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 462 *»

فضلاً عن كر واحد و ربما كان لهم: علم ببعض تلك الاماكن المسئول عنها و انها كذلك فاجابوا باعتبار التغير و عدمه و ربما اجابوا عن ذلك ببلوغ الكرية و عدمها الي ان قال و مما يزيدك تأييداً و بياناً انك بالتأمل في السؤالات الواقعة في تلك الاخبار التي جعل مناطها التغير و عدمه يظهر لك صحة ما قلناه حيث ان في بعضها تبول فيها الدواب بلفظ الجمع اعم من ان‌يكون ذلك دفعة او دفعات و في بعضها تردها السباع و الكلاب و البهايم الي ان قال يظهر ذلك ان ما يكون معرضاً لهذه الاشياء لاينقص مساحته عن كرور عديدة فضلاً عن كر من ماء الي ان قال و يزيد ذلك ايضاً تأييداً ان الظاهر ان هذه المياه المسئول عنها كلها من مياه الطرق الواقعة بين مكة و المدينة و بينهما و بين العراقات و نحوها من الامكنة التي لاوجود للمياه الجارية فيها غالباً و من المنقول انهم كانوا يعمدون تلك الايام الي بعض الامكنة فيجعلون فيها حياضاً تستقي من آبار هناك و امكنة يعدونها لاجتماع السيول فيها كل ذلك لاجل المسافرين و المترددين في تلك الطرق و هي بين الحرمين الي الآن موجودة ثم تكلم علي صحيحة محمد بن ميسر فاولاً عدها حسنة مع انه عنده كل هذه الاخبار صحيحة و انما عدها حسنة بابرهيم بن هاشم و قد حققنا انه ثقة عدل في محله ثم عد وجوها في ردها و نفي دلالتها عن نفسه و عن بعض العلماء منها ان القليل ربما هو القليل العرفي و منها ان‌يكون المراد بالقذر الوسخ و منها ان‌يكون القليل هو الشرعي مع الجريان و منها ان‌يكون الضمير في يتوضأ عايداً الي الرجل بتجريده عن وصف الجنابة و اقر بانه بعيد و منها الحمل علي ضرب من الرخصة و منها الحمل علي التقية لان ذلك مذهب كثير من العامة كماذكره الشيخ و ايد بعضهم هذا الحمل بذكر الوضوء مع الغسل ثم تكلم علي المراسلة التي ارسلها المحقق بانا لم‌نعثر عليه مسنداً و لامرسلاً في كتب الاخبار التي عليها المدار ثم قد ذكر وجوهاً اوردها القاشاني و ردها لانطيل الكلام بذكرها لان اغلب ما اوردها القاشاني وجوه عليلة هي بالرد حقيق و نحن الان نتكلم ان‌شاء‌الله فيما ذكرنا من اقواله.

اما ما ذكره من ان الوجدان يقضي بان المياه المسئولة عنها يزيد علي كرور

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 463 *»

فذلك تحكم محض فان ما وقع فيه بلفظ الغدير فهو قطعة من الماء يغادرها السيل علي ما صرح به اهل اللغة و هو مطلق عن القليل و الكثير و اما الماء الذي فيه الجيفة فكذلك فان الجيفة جثة الميت و يطلق علي الجرد و السام ابرص و اليربوع و جميع الحيوانات صغيرها و كبيرها و اما ما فيها بلفظ النقيع فهو مجمع الماء قليلاً و كثيراً مع ان كثيراً من الاخبار التي ذكرنا مطلق كصحيحة حريز و رواية ابوخالد و صحيحة داود و مرسلة المحقق و رواية ابي‌مريم و غيرها مماقدمنا ذكرها ليس فيها القرائن التي ذكرها نعم ما ذكره وجوه يحمل عليها عند ترجيح ضدها صوناً عن طرحها و ليست بحيث يدل عليه الروايات بمنطوقها او مفهومها او فحويها او لحنها فتدبر تجد ما ذكرته واضح المنار مرفوع الغبار و اما ما ذكره بانه7 ربما كان له7 علم ببعض تلك الاماكن الي آخر ما ذكره فلاشك انهم: كان لهم علم بجميع الاماكن و عجيب من مثل هذا العالم الشيعي ان‌يقول ربما كان له علم ببعض تلك الاماكن و لم‌يحتمل كلها و ظن البعض مع ذلك نعوذبالله بالجملة لعلمهم بجميع تلك الاماكن و ترك استفصالهم و ابقاء اللفظ علي اطلاقه و عمومه مع علمه بان مفاد لفظه الاطلاق او العموم علمنا ان مراده الاطلاق و لو بنيتم علي ان‌تخصصوا الاخبار بمواضع السؤال لما بقي للدين عمود و لااخضر في الاسلام عود و ارتفع التكليف و بطل الدين و اما ما ذكره ان الظاهر ان هذه المياه مياه الطرق الي آخر فكذلك الا ان في الطرق مياه كثيرة مختلفة كر و غير كر و اللفظ عام و العبرة به و اما ما تكلم في صحيحة محمد بن ميسرة فقد نبهنا في ما سبق ان ترك الاستفصال في جواب السؤال عند قيام الاحتمال يفيد العموم في المقال و ساير الوجوه التي ذكرها في رده كماتري من انها كلها خلاف الظاهر و اما حمله علي التقية فهو خلاف الظاهر فان العامة كلهم الا قليل منهم ذهبوا الي نجاسة القليل بالملاقاة و لايمكن حمله علي التقية و ما ذكر في غير موضع من كتابه ان التقية لايلزم ان‌يكون في العامة قائل به فهو يجري ايضاً فيما

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 464 *»

تمسك به من الاخبار فلااختصاص له بهذا الخبر فتدبر و اما تكلمه علي المرسلة فليس بواجب ان‌يكون الخبر مكتوباً في كتب الاخبار بل و مصنفات الفقهاء لايقصر عنها مع ان مثل هذه الكبار ارسلوها و اثبتوها و اقض العجب من قوم يعتمدون علي مراسيل الفطحية و الناووسية و الواقفية و لايعتمدون علي مراسيل العلماء الاخيار و اما ما استدل به علي ما ذهب اليه الاكثرون اخبار.

الاول: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر8 قال سألته عن رجل رعف و قد مر الخبر بتمامه.

الثاني: موثقة سماعة قال سألت اباعبدالله عن رجل معه اناءان فيهما ماء وقع في احدهما قذر لايدري ايهما هو و ليس يقدر علي ماء غيره قال يهريقهما جميعاً و يتيمم.

الثالث: صحيحة شهاب بن عبدربه عن ابي‌عبدالله7 في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في الاناء قبل ان‌يغسلها انه لابأس اذا لم‌يكن اصاب يده شيء.

الرابع: رواية ابي‌بصير عنهم: قال اذا ادخلت يدك في الاناء قبل ان‌تغسلها فلابأس الا ان‌يكون اصابها قذر بول او جنابة فان ادخلت يدك في الماء و فيها شيء من ذلك فاهرق ذلك الماء.

الخامس: مرسلة ابن‌بابويه قال سئل الصادق7 عن ماء شربت منه دجاجة فقال ان كان في منقارها قذر لم‌تتوضأ منه و لم‌تشرب و ان لم‌يعلم في منقارها قذر توضأ منه و اشرب.

السادس: صحيحة احمد بن محمد بن ابي‌نصر قال سألت اباالحسن7 عن الرجل يدخل يده في الاناء و هي قذرة قال يكفي الاناء.

السابع: موثقة سعيد الاعرج قال سألت اباعبدالله7 عن الجرة

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 465 *»

تسع‌مأة رطل من ماء يقع فيها اوقية من دم اشرب منه و اتوضأ قال لا.

الثامن: موثقة سماعة عن ابي‌عبدالله قال: اذا اصاب الرجل جنابة فادخل يده في الاناء فلابأس اذا لم‌يكن اصاب يده شيء من المني.

التاسع: موثقته قال سألته عن الرجل يمس الطست او الركوة ثم يدخل يده في الاناء قبل ان‌يفرغ علي كفيه قال يهريق الماء ثلث حفنات و ان لم‌يفعل فلابأس و ان كانت اصابته جنابة فادخل يده في الماء فلابأس به ان لم‌يكن اصاب يده شيء من المني و ان كان اصاب يده فادخل يده في الماء قبل ان‌يفرغ علي كفيه فليهرق الماء كله.

العاشر: رواية ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن الجنب يحمل الركوة او التور فيدخل اصبعه فيه فقال ان كانت يده قذرة فاهرقه و ان كان لم‌يصبها قذر فليغتسل منه هذا مماقال الله ماجعل عليكم في الدين من حرج.

الحادي‌عشر: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر8 قال سألته عن الدجاجة و الحمامة‌ و اشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلوة قال لا الا ان‌يكون الماء كثيراً قدر كر من ماء.

الثاني‌عشر: عن كتاب علي بن جعفر عن اخيه قال سألته عن حب من ماء فيه الف رطل وقع فيه اوقية بول هل يصلح شربه او الوضوء منه قال لايصلح.

الثالث‌عشر: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي‌عبدالله7 و سئل عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال اذا كان الماء قدر كر لم‌ينجسه شيء.

الرابع‌عشر: صحيحة معوية بن عمار عن ابي‌عبدالله7 قال اذا كان الماء قدر كر لم‌ينجسه شيء.

الخامس‌عشر: رواية ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله7 في حديث قال و لاتشرب من سؤر الكلب الا ان‌يكون حوضاً كبيراً يستقي منه.

السادس‌عشر: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر8

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 466 *»

قال سألته عن الدجاجة و الحمامة و اشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلوة قال لا الا ان‌يكون الماء كثيراً قدر كر من ماء.

السابع‌عشر: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي‌عبدالله7 قال قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب قال اذا كان قدر كر لم‌ينجسه شيء.

الثامن‌عشر: صحيحة اخري لمعوية بن عمار مثل ما مر.

التاسع‌عشر: صحيحة اسمعيل بن جابر قال سألت اباعبدالله7 عن الماء الذي لاينجسه شيء فقال كر قلت و ما الكر قال ثلثة اشبار في ثلثة اشبار.

العشرون: رواية الحسن بن صالح الثوري عن ابي‌عبدالله7 قال اذا كان الماء في الركي كراً لم‌ينجسه شيء قلت و كم الكر قال ثلثة اشبار و نصف عمقها في ثلثة اشبار و نصف عرضها.

الحادي‌و‌العشرون: صحيحة صفوان قال سألت اباعبدالله7 عن الحياض التي مابين مكة الي المدينة تردها السباع و تلغ فيها الكلاب و تشرب منها الحمير و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منه قال و كم قدر الماء قال نصف الساق و الي الركبة فقال توضأ منه. و رواها الكافي صحيحاً الا انه قال و الي الركبة و اقل فقال توضأ.

الثاني‌و‌العشرون: صحيحة اسمعيل بن جابر قال قلت لابي‌عبدالله7 الماء الذي لاينجسه شيء قال ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته.

الثالث‌والعشرون: مرسلة ابن ابي‌عمير عن بعض اصحابنا عن ابي‌عبدالله7 قال الكر من الماء الذي لاينجسه شيء الف و مأتا رطل.

الرابع‌والعشرون: حسنة الفضل ابي‌العباس قال سألت اباعبدالله7 عن فضل الهرة الي ان قال حتي انتهيت الي الكلب فقال رجس نجس لاتتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء و انما ذكروا هذا الخبر في الصحاح و لي فيه اشكال لمكان الحسين بن الحسن بن ابان فانه

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 467 *»

لم‌يوثق و ان وثقه ايضاً احد فانما وثقه بتصحيح بعض العلماء الخبر الذي هو في طريقه و ذلك ليس بدليل مع ان الصحيح في اصطلاح القدماء غير ما اصطلح عليه المتأخرون.

الخامس‌والعشرون: حسنة معوية بن شريح قال سأل غذافر اباعبدالله7 و انا عنده عن سؤر السنور الي ان قال قلت الكلب قال لا قلت أليس هو سبع قال لا والله انه نجس لا والله انه نجس. و هي حسنه بمعوية.

السادس‌والعشرون: مرسلة رواها ابن‌يعقوب; عن ابي‌بصير و في آخرها ما يبل الميل ينجس حباً من ماء يقولها ثلثاً.

السابع‌والعشرون: رواية عيص فهي عن الشهيد في الذكري و عن الشيخ و سنده اليه علي ما في الفهرست حسن قال سألته عن رجل اصابته قطرة من طشت فيه وضوء قال ان كان من بول او قذر فليغسل ما اصابه.

الثامن‌والعشرون: صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر7 في حديث قال و سألته عن خنزير شرب من اناء كيف يصنع به قال يغسل سبع مرات.

التاسع‌والعشرون: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء.

الثلثون: رواية عمار بن موسي عن ابي‌عبدالله7 الي ان قال كل شيء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان ‌تري في منقاره دماً فان رأيت في منقاره دماً فلاتتوضأ منه و لاتشرب و في رواية الشيخ زاد و سئل عن ماء شربت منه دجاجة قال ان كان في منقارها قذر لم‌تتوضأ منه و لم‌تشرب و روايات اخر فيها النهي عن الاغتسال بمجمع ماء الحمام قد اعرضنا عن ذكرها لانه لم‌يكن لها مزيد فائدة فانها محمولة علي الكراهة او عدم الطهورية اذ لاخلاف في طهارته.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 468 *»

فهذا ما وقع عليه النظر من ما يدل علي قول الاكثر. وجه الاستدلال بهذه الاخبار ان فيها ما فيه لفظ النهي عن استعمال ماء لاقي نجاسة و النهي حقيقة في التحريم و لانعني بالنجس الا ما يحرم شربه و الوضوء منه للصلوة و فيها ما فيه امر بغسل الاناء من ولوغ الكلب و الخنزير و الامر حقيقة في الوجوب و لانعني بالنجس الا مايجب غسل الاناء منه و بالاجماع المركب يجري الحكم في جميع النجاسات. و فيها ما فيه لفظ ان القليل ينجس بالملاقات كرواية ابي‌بصير و الخبر و ان كان ضعيفاً الا ان ضعفه منجبر بعمل الاصحاب و فيها ما يدل علي نجاسة القليل بمفهوم الشرط و هو علي الاصح حجة اذ بدون حجيته يصير الكلام لغواً و هو لايصدر عن الحكيم كالاخبار التي فيها اذا كان الماء قدر كر لم‌ينجسه شيء فمفهومها اذا لم‌يكن قدر كر ينجسه شيء و لفظة شيء في المفهوم و ان كانت نكرة في سياق الاثبات الا انه بالاجماع المركب يثبت ان كل ما ينجسه شيء ينجسه كل نجس و ايضاً يعمم بعمل الطائفة قديماً و حديثاً و لايصح ان‌يقال ان الشيء الذي ينجس الاقل من الكر هو المغير فانه لم‌يبق حينئذ تفاوت بين الكر و اقل منه فيبطل فائدة الشرط فيجب ان‌يكون حكم الاقل بخلاف الكر فالكر لاينجس بالملاقاة فيجب ان‌ينجس الاقل بالملاقاة و فيها ما فيه سؤال الاصحاب عن قدر الماء الذي لم‌ينجسه شيء و من هنا يعلم ان الامر كان معروفاً مشهوراً بينهم ان للماء مقداراً لم‌ينجسه شيء فكانوا يسئلون عنه فلو كان حكم جميع المياه سواءً لماكانوا يسئلون عن مقداره و فيها ما فيه امر بالاهراق و الامر حقيقة في الوجوب فلو كان ما لاقي النجس طاهراً لماكان يجب اهراقه اجماعاً و ليس الا لنجاسته و اما تلك الاخبار السابقة فمطلقات تقيد بهذه المقيدات او يحمل علي ايقاع الخلاف لحفظ الرقاب لصراحة هذه الاخبار و كثرتها و شهرتها في كتب الاخبار مع ان العامل بتلك نادر جداً بحيث لم‌ينقل خلاف عن المتقدمين الا عن

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 469 *»

الحسن بن ابي‌عقيل; بل ادعي عليه اجماعات منقولة و لعله كذلك اذ خروج معلوم النسب لايضر بالاجماع و الظاهر ان الاجماعات المنقولة منقولات عن المحقق العام اذ هو الاصل في الاجماع المنقول و الاجماع المنقول بشروطه كالخبر الصحيح بل هو اصرح منه لعدم احتمال سبعين وجهاً فيه و اشتراك ارادة الحجة مع ارادة العلماء و تلك الاخبار علي فرض معارضتها مع ان المطلق لايعارض المقيد يحتمل فيها احد سبعين وجهاً فلاتقاوم الاجماع و لو لم‌تكن تلك الاجماعات لكفت الشهرة فان الشهرة‌ هي المجمع عليه و المجمع عليه لاريب فيه و النادر فيه ريب فبجميع الوجوه هذه الاخبار ترجح علي تلك.

اقول اذا عرفت اخبار الفريقين و طريق استدلالهم بها فاصغ لما اقول و استدرك المأمول و اياك و الخطل و الممارات و الانس بما سبق الي ذهنك فان معها لاتكاد تدرك الحق ابداً فلازم الانصاف و جانب الاعتساف و ابرز الي المصاف و جاهد في سبيل ربك ليهديك سبله فتري الحق واضح المنار بعين صحيحة و لاغبار و السلام علي من اتبع الهدي و تجنب سبيل الردي فاللازم لنا اولاً بيان بعض ما يجب في هذا المقام من الاصول علي وجه الاشارة و الاختصار مشيراً الي دليله و لو علي الاقتصار لتكون الرسالة اجمع و الحق انقع و البيان انفع.

اعلم انا قد حققنا في الاصول ان الاسماء موضوعة للمعاني المعلومة اي للمعاني من حيث المعلومية اذ الشيء عند نفسه في نفسه لنفسه لايحتاج الي اسم و رسم و ان الاحكام المعلقة بالاسماء تدور مع الاسماء فمتي ما يسمي ذلك الشيء بذلك الاسم فذلك الحكم حكمه.

فاذا تغير ذلك الشيء و تغير الاسم فلايصح اجراء ذلك الحكم المعلق بذلك الاسم علي الشيء الثاني المسمي بالاسم الثاني و ذلك لان مفهوم اللقب حجة و الحكيم لايعلق الحكم بلقب الا لعلية لذلك اللقب في ذلك الحكم و لولا خصوصية ذلك اللقب لكان التعليق عليه لغواً و هم حاشاهم عنه.

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 470 *»

و ان الاخبار اذا وردت عن الائمة: يجب عرضها علي الكتاب فان ذلك الكتاب لاريب فيه لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فان وافق كتاب الله نأخذ به و الا فنعرض عنه و ان كانت صحيحة قطعية الصدور فان الكتاب لايحتمل التقية و كلامهم يحتمل التقية و ايقاع الخلاف و مع ذلك نحن مأمورون بذلك عن الائمة: و سر صدور ما يخالف ظاهر الكتاب عنهم امور يطول ذكرها في هذه العجالة و الاشارة الي نوعها التقية و تفريق الكلمة و ايقاع الخلاف لحفظ الرقاب فان راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم و هم قد اوقعوا الخلاف بيننا لحفظنا فان مخالفينا لو رأوا اتفاق كلمتنا لاخذوا برقابنا و هذا حكم آخر موافق للكتاب من جهة آخر و ان الشهرة اذا كان خلافها نادراً و لامرجح للنادر يجب الاخذ به فان المجمع عليه لاريب فيه كماورد به الاخبار عن الائمة الاطهار فاذا كانت شهرة خلافها نادر و له مرجح من الكتاب و السنة يؤخذ به و يجانب الشهرة فرب مشهور لااصل له و كون الحق في الاقلين امر معروف نزل به الكتاب و وردت به السنة و ان الاخبار اذا وافقت الجماعة و خالفت العصبة تترك لان الجماعة كانوا يأخذون عن علي7 و يقولون بخلافه محادة لاولياء الله فاذا وقع خبران احدهما يوافق السنة او ما هم اليه اميل و الآخر يخالفهم جميعاً او اكثرهم يؤخذ بالمخالف اذا لم‌يكن مرجح للموافق اذ نفس الخلاف مرجح فاذا كان مرجح للموافق يؤخذ به اذ ليس كل ما في ايديهم علي خلاف الحق و الحجة القائم علي كل نفس عالم بما يوافق الحق مما في ايديهم و ما يخالف فينصب القرينة عند موافقتهم و يرفعها عند المخالفة و يكتفي بنفس الموافقة.

و ان الكتاب اذا عارض الشهرة يعمل بالكتاب للحديث المجمع عليه بين الخاصة و العامة اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن‌تضلوا و ذلك الكتاب لاريب فيه و لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 471 *»

خلفه تنزيل من حكيم حميد و لايحتمل فيه الباطل و التقية.

و اما الشهرة ربما لااصل لها و يحتمل فيها التقية و ان الامام ربما جمع فيها لتسلم ثم يفرق لتسلم و ربما تكون مخصوصة بوقت خاص لمصلحة خاصة في ذلك الوقت فترتفع المصلحة فيرتفع الحكم فلربما يتعاقب اجماعان لتلك المصلحة فيقدح فيهما من لابصارة له بسر الشريعة فعند تعارض الكتاب و الشهرة بان كان خبران احدهما يوافق الكتاب و الآخر يوافق الشهرة يؤخذ بالكتاب فان النادر الموافق للكتاب ارجح من شهرة تخالفه و كذلك موافق الجماعة اذا وافق الكتاب و مخالفها يخالف فانه حينئذ مما قد قام القرينة علي صحة ما يوافقهم و ان الشهرة اذا عارضت مخالف العامة بان كان خبران احدهما يوافق الشهرة و الآخر يخالف العامة و هما معارضان فالترجيح للشهرة فان المجمع عليه لاريب فيه و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و ساءت مصيراً فيؤخذ بالخبر الذي يوافق سبيل المؤمنين و يترك ما يخالفه.

و ان الاجماع المنقول حجة بالشروط المذكورة في كتب الدراية من صحة النقل و عدالة الراوي و عدم معارض اقوي و يشترط في الاجماع المنقول ان‌يكون منقولاً عن المحقق العام و الا لاتكون حجة فانه ان كان من الاجماع المشهوري هو حجة لمحصله الذي رجح الشهرة و ان كان عن المحصل الخاص فهو له ايضاً اذ لعلك اذا اطلعت علي مأخذه لم‌يحصل لك القطع كماحصل له و كذلك ساير اقسام الاجماع و لانطيل الكلام بذكرها و ان العام و الخاص و المطلق و المقيد متعارضان عندنا خلافاً للاكثر لان العام حقيقة في جميع افراده و الحكم معلق به فيشمل الحكم جميع الافراد بتمامها و الخاص مخصوص بفرد خاص من تلك الافراد و الحكم معلق به و الفرض ان هذا الحكم بخلاف ذلك الحكم فلايمكن القول بهما جميعاً في تلك المادة الا بتجويز مجاز في احدهما و هو طرح ذلك الخبر و هو خلاف الاصل فنوجب الرجوع الي المرجحات و لذا لم‌يرد في الاخبار المرجحات حمل المطلق علي المقيد و العام

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 472 *»

علي الخاص و دعوي انه من لحن الكلام و عادة اللغة دعوي بلابينة اذ لعل الخاص نسخ لذلك الفرد الذي في ضمن العام و دعوي ان النسخ قليل و لايصار اليه دعوي ظنية و لعل العام او الخاص من باب ايقاع الخلاف او التقية او مصلحة اخري فيجب الرجوع الي القراين التي نصبوها العالمون بكمها و كيفها و لمها.

و ان الجمع عندنا هو طرح الخبرين و صرفهما عن حقيقهما و احداث قول لم‌يرد به اثر و اجتهاد في مقابلة النصوص بل الواجب عندنا خلافاً لقوم الترجيح لجانب بالمرجحات ثم بعد الترجيح فان قدر علي حمل المخالف محملاً غير بعيد حمله صوناً عن الطرح و الا فيرده الي قائله لانه اعلم بما قال و تكليفه ذلك الراجح فان تعذر له الترجيح اما يرجه حتي يلقي امامه بالبيان لا العيان في هذه الازمان و عند تعذر الارجاء بايهما اخذ من باب التسليم وسعه او يتحري و لعله اقرب اذ به عمل بالاول و نفسه اسكن.

هذه جملة ما احببنا الاشارة اليه في هذه العجالة و من اراد تفصيل ما نذهب اليه في الاصول فليرجع الي كتابنا المسمي بالميزان القويم و القسطاس المستقيم فذلك خير و احسن تأويلاً ثم لنعد الي بيان الحق و الصواب و الراجح من اخبار الائمة الاطياب و نكشف عن الحق اللثام بما لايحتاج الي نقض و ابرام و الله خليفتي عليك ان‌تلازم الانصاف و تجانب الانس و الاعتساف و تكون ممن يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.

اعلم انك اذا نظرت بعين الاعتبار الي محكمات الاخبار و غمضت عن متشابهات الاثار تري من كلا الطرفين اخباراً صحيحة و آثاراً صريحة و روايات كثيرة فالواجب عليك حينئذ ان‌تجانب رأيك و انسك و تستعين بالله ربك و ترجع الي المرجحات الواردة عن ائمتك و ترجح ما رجحه الحجة و علم انه تكليفك فاذا ننظر الي اخبار الاقلين فنري فيها اخباراً صحيحة صريحة منها صحيحة حريز و صحيحة شهاب بن عبدربه و صحيحة عبدالله سنان و صحيحة محمد بن ميسر

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 473 *»

بحيث لايناقش فيها الا من رجح طرف الخلاف و اضطر الي رد هذه الاخبار او تأويلها او حملها و كذا اخبار الاكثرين فيها صحاح يظهر منها ما ذهب اليه المشهور كصحيحة محمد بن مسلم و صحيحة معوية بن عمار و اخري لمحمد بن مسلم و اخري لمعوية فنتكلم في القسمين علي فرض دلالة اخبار الاكثر فنقول ان خبر الاقلين مطلق من وجه و خاص من وجه اذ هو مفادها ان الماء لاينجسه شيء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه فهو مطلق من جهة لفظ الماء و خاص من جهة انه يتنجس بما يغيره و خبر الاكثرين مقيد من وجه و عام من وجه اذ مفاده ان الماء اذا كان كراً لاينجسه شيء فهو مقيد من جهة لفظ الكر و عام من جهة عموم النكرة الواقعة في سياق النفي فينبغي هنا الترجيح.

اما عموم لاينجسه شيء فيخصص بخصوص الخبر الاول بالاجماع من الفريقين فيصير دلالة العموم علي باقي الافراد مجازاً فيخصص بباقي الافراد بلااشكال فيصير المراد من الشيء الغير المغيرات للكر بلاشك فبقي اطلاق الخبر الاول و قيد الخبر الثاني فمن المرجحات الكتاب و فيه و انزلنا من السماء ماءً طهوراً و في اخري ليطهركم و اخري فان لم‌تجدوا ماءً فتيمموا و علي ما قررنا من المسائل الاصولية و قدمنا سابقاً في تلو الايات مناط الطهورية يدور مع اسم الماء فمتي ماكان يسمي ماءً يجب ان‌يكون طهوراً فالماء الذي لاقاه النجس و لم‌يغيره يسمي ماء فينبغي ان‌يكون الحكم المعلق بلقب الماء باقياً لبقاء العلة فالكتاب يؤيد الاطلاق بلاشك فاذا تغير الماء و خرج عن وصف الماء الذي لونه لون البياض و طعمه و ريحه طعم الحيوة و ريحها يخرج عن علية الطهارة فيزول عنه الحكم و يصير حكمه غيره و هو في الاخبار النجاسة و كذلك يؤيد الاطلاق قوله تعالي و ان لم‌تجدوا ماءً فتيمموا فان واجد ذلك واجد الماء عرفاً و حقيقة فان دل دليل علي نجاسته و الا فهو ماء و كذلك يؤيد الاطلاق ان الماء طهور و من شأنه ان‌يطهر كل ما يلاقيه من النجاسات فان الطاهر لايحتاج الي التطهير فهو يطهر كل نجس بالازالة و الاحالة و الاهلاك و الرفع فان قوله تعالي طهوراً مطلق فيطهر ما يقع فيه بالاحالة اذ لاشك ان النجس الذي لم‌يغيره يستحيل

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 474 *»

فيه اذ الرطوبة اسرع احالة للاشياء من اليبوسة اذ قد ثبت في الحكمة ان الحل لايمكن الا بالرطوبة و الشيء ما لم‌يحل لم‌يستحل و لذا لو لم‌يكن في الارض رطوبة لايستحيل ما يدفن فيها تراباً ابداً و يكون سرعة احالتها و بطؤها بحسب رطوبتها فيكون الماء اسرع شيء في الاحالة لشدة رطوبته و ذلك مشاهد معلوم فيطهر ما يقع فيه سريعاً و لذا اذا لم‌يستحل و تبين فيه اجزاء النجس نحكم بنجاسة تلك الاجزاء لا غير و نحكم بنجاسة ذلك الموضع من الماء و يؤيد الاطلاق ذهاب اكثر العامة و معاصري الصادق7 الي نجاسة القليل فانه نقل ان العامة الا المالك ذهب الي نجاسة القليل بالملاقاة.

و اما المقيد فيرجحه الشهرة علي ما قيل ان كان مما له اصل و بينا انها اذا قابلت الكتاب لااصل لها و لاتعارضه و يرجحه الاجماعات المنقولة علي ما قالوا و هي ليست بشيء اذا الاجماع المنقول حجة اذا لم‌يكن عن ساير الاجماعات التي ذكرناها و ليس بمعلوم انها لم‌تكن عن بعض فان اكثر القدماء يسمون الشهرة اجماعاً علي ما صرح به الشيخ الاستاد اعلي الله مقامه في رسالته في الاجماع فيحتمل قوياً ان‌تكون اجماعاً مشهورياً و قد قررنا في الميزان القويم و اشرنا اليه هيهنا ان الاجماع اذا كان منقولاً عن المشهوري ليس بحجة لانك ربما اذا اطلعت علي تلك الشهرة رجحت النادر و لم‌تك حجة لك فباحتمال ان الاجماع المنقول هيهنا يمكن ان‌يكون هو المشهوري لايقوم حجة للمنقول له و لايرجح به شيء فبقي المقيد بلارجحان هذا علي فرض دلالة الاخبار و المحقق خلافها لانه كماسمعت المراد بالشيء الواقع في سياق النفي نكرة هو ما لايغير الكر و المعني ان الماء اذا كان قدر كر لاينجسه شيء من غير المغيرات له اي للكر فالمفهوم اذا لم‌يكن الماء كراً ينجسه شيء من غير المغيرات للكر و لاشك فيه اذ رب شيء لم‌يغير الكر و يغير القليل و لفظة شيء في المفهوم نكرة واقعة في سياق الاثبات و يكفي في صدقه وجود شيء واحد ينجسه و ذلك الشيء بعد ما عرفت مما اسلفنا من البيان الواضح و التحقيق اللائح هو المغير حسب فينجسه شيء يغيره فلادلالة في مثل هذه الاخبار علي نجاسة القليل بالملاقاة و ما قيل من انه لابد و ان‌يكون

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 475 *»

حكم مفهوم الشرط علي خلاف المنطوق حق و يتحقق المخالفة بما بينا.

و ان قيل اذا كان القليل لاينجس الا بالتغير و كذا الكر فما الفائدة في هذا الشرط و هذا التقدير فنقول اولاً ليس اللازم علينا ان‌نحمل كل خبر علي شيء صحيح يصل اليه عقولنا اذ رب خبر يقع لايقاع الخلاف و التقية و هذا من ذلك الباب و ان اردنا صون مثل هذا الخبر عن الطرح نقول: ان المراد به ان الكر غالباً لاينجس بما يعتاد وروده علي الماء في الاستعمالات و بخلافه الاقل منه فبينوا: ان الكر لاينجس غالباً هذا اذا اردنا الصون عن الطرح و الا فهو محمول علي التقية و ما ورد في النهي عن استعمال ماء وقع فيه نجس و هو دون الكر فمحمول علي كراهة استعماله الا عند الضرورة كمايدل عليه اخبار اتلوها عليك و علي ذلك يحمل جميع ما ورد من النهي عن استعمال مياه الاواني التي لاقاها نجس و ممايدل علي ذلك صحيحة عبدالله مسكان عن ابي‌عبدالله7 قال سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه و السنور او شرب منه جمل او دابة او غير ذلك أيتوضأ منه او يغتسل قال نعم الا ان‌تجد غيره فتنزه عنه و صحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيع قال كتبت الي من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقي فيه من بئر و يستنجي فيه الانسان من بول او غائط او يغتسل فيه الجنب ما حده الذي لايجوز فكتب لاتتوضأ من مثل هذا الا من ضرورة اليه و ما يمكن ان‌يخدش في هذا الخبر اضماره.

و قد ذكر اهل التحقيق ان المضمرات من الاكابر اولي الاصول لايضر اذ قد كانوا يصدرون الرواية باسم امام7 ثم يضمرون جميع ما سمعوا منه ثم الاصحاب رضوان الله عليهم ذكروا الاخبار من دون تغيير و محمد بن اسمعيل بن بزيع; من اكابر الاصحاب و ثقاتهم و له كتب. و ايضاً يمكن ان‌يخدش فيه بعدم ذكر منجس فيه و يدفع بانه كتب يغتسل فيه من الجنابة و ترك الامام7 الاستفصال بانه ان كان بدنه قذر كذا و ان لم‌يكن كذا كما هو عادته في امثال هذه الاخبار و راجع تراه كماقلنا فتركه الاستفصال يفيد العموم و صحيحة محمد بن ميسر قال سألت اباعبدالله7 عن الرجل الجنب ينتهي الي الماء القليل في الطريق و يريد ان‌يغتسل منه و ليس معه اناء

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 476 *»

يغرف به و يداه قذرتان قال يضع يده ثم يتوضأ ثم يغتسل هذا مماقال الله عزوجل ماجعل عليكم في الدين من حرج فيظهر من هذه الاخبار الصحاح صحة ما حملنا عليه النواهي الواردة مع ان اصل النهي لايدل علي النجاسة‌ اذ لعلها لكراهة او لتنفر النفوس عما لاقي النجاسة او لان ماء الشرب و التطهير ينبغي فيه مزيد اختصاص و يؤيد ذلك عدم ورود خبر صحيح في غسل ما لاقي مثل هذا الماء و عدم ورود نص بنجاسته و ان قيل بلي قد ورد الامر بغسل ما ولغ فيه الكلب كحسنة الفضل ابي‌العباس و ورد النص بنجاسة القليل الذي لاقاه نجاسة كرواية ابي‌بصير نقول له اما ما ورد في غسل ما ولغ فيه الكلب ففيه و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب مرة ثم بالماء و يفهم منه وجوب الغسل بالماء مرة فان الامر للمرة و هو لم‌يعمل به احد من الاصحاب و هذا الخبر متروك عن ديوان العمل مع ان الرواية حسنة لاتعارض الصحاح او لان الامر بالغسل للتنفر الذي للنفوس مما ولغ فيه الكلب فعلي اي حال هذا الخبر غير معمول به.

و اما النص المدعي فهو مرسلة مع ان ابابصير مشترك و لايعد خبر يسند اليه و هو لاقرينة لتعيينه صحيحاً فمع ذلك لايعد في الصحاح و لايعارض الصحاح و له معارض يقابله و هو خبر زرارة و قد ذكرنا في الاخبار الاولة.

و اما رواية عيص فمع انها ليست في كتب الاخبار و انها مضمرة و يعدون ذلك من اسباب الضعف و طريق الشيخ الذي ذكرها في كتابه الي عيص حسن و علي فرض الدلالة لاتعارض الصحاح المذكورة فمحمول علي المتغير او علي التنزه.

و اما رواية محمد بن مسلم فلم‌يعمل به علي اطلاقه و علي المتبادر منه اذ المتبادر منه ان‌تغسله بالماء مرة و هو لم‌يعمل به احد من الاصحاب.

و اما صحيحة علي بن جعفر في حديث الخنزير فلم‌تدل علي النجاسة لاحتمال ان الغسل لغاية اخري مما ذكرنا او لدسومة مضرة في لعابه و لسانه يغسل ما شرب منه لدفع ذلك و علي فرض دلالة جميع هذه الاخبار لاتقاوم ما ذكرنا لمخالفتها الكتاب و عدم صراحتها في المطلوب و كونها اخص من المدعي.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الحق الحقيق الذي هو بالاتباع يليق ان

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 477 *»

القليل لاينجس بالملاقاة بل يستحب التنزه عنه بل اهراقه اذا كان متمكناً من غيره و الا فيستعمل و لايصير مع وجدانه الي التيمم و هذا مما قال الله ماجعل عليكم في الدين من حرج.

و ما ورد موثقاً في الانائين المشتبهين فهو محمول علي ان‌يكون احدهما متغيراً بالنجس و الاخر من قبل نفسه كماء آجن او منتن او اصفر او مالح او مر او غير ذلك فيشتبه عليك النجس بعينه فتريقهما و تتيمم هذا اذا حكمنا بوجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة ‌و الا فيطرح الخبر رأساً و مما يؤيد ما اخترنا من القول ان اطلاع المكلف علي الكر من اعسر عسير و هو لايريده الله بعباده اما في الوزن فلاختلاف الموازين و اختلاف الصنجات و لان مرجع تمييزها الي النظر و هو امر تخميني و الي العيار و هو مختلف و لو ميزته و نزلته الي الحبات و الي اوساطها فاوساطها مختلفة بحسب الامكنة و الازمنة و الاحوال و اما في المساحة فلاختلاف الاشبار.

و ان قلت ان المعتبر المستوي الخلقة عرفاً اقول لاتكاد تجد في المستوي الخلقة اثنين متفقين في الشبر في بلد واحد فكيف البلاد المتفرقة المختلفة و الازمان المختلفة فتختلف الاوساط اختلافاً فاحشاً و الذي يلزم هذا الحكم ان‌يكون الماء الممسوح بالنسبة الي رجل طاهراً و بالنسبة الي الآخر نجساً و كذا الموزون.

و ان قلت ان الامر تقريبي كماذكره المحققون لاتحقيقي اقول لو كان الحقيقة امراً واحداً معيناً و يعسر تحقيقه كنا نقول بالتقريب اليه و المفروض ان الشبر ليس امراً واحداً معيناً معلوماً فان الشبر يختلف باختلاف الاشخاص و البلاد و الازمان و الاحوال و كذا الوزن فاذا مسحت ماءً او وزنت ثم اغترفت غرفة منه لايكاد يتبين لا في المساحة و لا في الوزن ابداً بل و غرفة و غرفة فمتي يكون طاهراً و متي يكون نجساً بالملاقاة.

و ان قلت ان الرجوع الي العرف اقول العرف مختلف اذ كل الاشبار و الاوزان شبر و وزن و تريد التقريب الي اي شبر الحاصل لم‌يعرف له حقيقة و لاتقريب و لاعرف و لايمكن القول بان الماء الواحد لواحد نجس و للاخر طاهر و لايكلف الله نفساً الا وسعها و عسر آخر فيه انه ليس في كل البراري و الصحاري و القري حياض و برك و مصانع

 

 

«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 478 *»

مقدرة مكيلة او ممسوحة و يمكن ان‌يكال او يمسح و اغلب المياه في الغدران و الحفر و النقر و الانهار التي هي مجري المياه و ليست اغلبها علي هيئة يقدر علي مساحتها المهندس النحرير البالغ فضلاً عن العوام و النساء و الصبيان فكيف يمكن للناس مساحتها او وزنها بل معرفة ذلك في حد الحرج فاذا ابتلي بدوي او غيره من المسافرين بحفرة و ولغ فيها كلب و حضر وقت الصلوة و لايمكن له مساحتها لانها ليست علي هيئة يعلم مساحتها بالهندسة فضلاً عن التخمين و لايمكن ان‌يوزن ماؤها حتي يعرف فما ذا تري في حقه يعدل الي التيمم مع وجود الماء الذي جعله الله طهوراً ام يتوضأ و اوجب الله عليه ذلك و هو ليس ماء معلوم القلة حتي تجري عليه حكمها و لامعلوم الكرية حتي تجري عليه حكمها و ما هذا الضيق في مثل هذه الشريعة السهلة السمحة و لولا خوف ان‌يقولوا فلان يتكلم في الفقه بعقله لرأيت ما يجول قلمي في ميدان البيان و اقامة البرهان مما افاض الله علينا من حكمة ولكن نجري علي ما اصطلح في العلم و يجب الدخول في الحكم منه فان لكل شيء باباً يؤتي منه و سبيلاً يسلك منه و فيما كتبنا كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد هذا آخر ما اردنا ايراده في هذه المسألة علي ما هدانا الله اليه و الحمد لله علي ما هدانا من سبيله و عرفنا من دينه و ملته السهلة السمحة الحنيفية و لم‌يجعل علينا في الدين من حرج.

و قد حصل الفراغ من تسويد هذه العجالة في عصر تاسوعا من شهر المحرم‌الحرام من سنة اربعة و خمسين بعد المأتين و الالف 1254 حامداً مصلياً مستغفراً تمت علي يد مصنفه كريم بن ابرهيم الكرماني غفر الله لهما و سهل مخرجهما تمت.