رسالة في جواب سائل عن خمس مسائل
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 357 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعد – اما ما سألت عنه يرحمك الله من صوم من خرج في سفر بعد الزوال و افطاره مع الاختلاف الشديد في الاخبار و اقوال العلماء الاخيار رضوان الله عليهم اجمعين فاعلم ان الله سبحانه هو الذي شرع الشرايع و حكم بالاحكام و بعث الرسول و انزل الكتاب و قال لنبيه اتبع ما اوحي اليك من ربك لا اله الا هو فالنبي ليس يخالف كتاب ربه الذي هو برهانه و نوره و قال له قل انما اتبع ما يوحي الي من ربي هذا بصاير من ربكم و هدي و رحمة لقوم يؤمنون فهو متبع في جميع ما يقول امر الله و حكمه فلاجل ذلك قال اذا حدثتم عني بالحديث فانحلوني اهنأه و اسهله و ارشده فان وافق كتاب الله فانا قلته و ان لميوافق كتاب الله فلماقله و كذلك آل محمد: متبعون رسول الله9 في كل جليل و دقيق لايخالفونه بوجه لأنهم معصومون مطهرون و لذلك قالوا لاتقبلوا علينا حديثاً الا ما وافق القرآن و السنة او تجدون شاهداً من احاديثنا المتقدمة فمحال ان يحلوا ما حرم رسول الله او يحرموا ما احل او يرخصوا في شيء لميرخص فيه رسول الله9 فما جاء عنهم صلوات الله عليهم صحيحاً من الاحاديث المختلفة فهو لأحد شيئين اما هو حكم و رخصة فيما حكم رسول الله9 ثم رخص فيه لأجل ان جميع احكامه9 لميكن عزيمة فلربما كان يحكم بلارخصة و كان عزيمة و لربما كان يحكم بحكم ثم يرخص فيه و في تلك الايام كان يعرف الكراهة بالرخصة في الحظر و الاستحباب بالرخصة في الحتم و لميكن اصطلاحهم يستحب و يكره فلاجل ذلك جاء الاخبار مختلفة امراً و نهياً فخرج
«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 358 *»
اوامرهم امر حتم و امر رخصة و نواهيهم نهي تحريم و نهي رخصة و تعارض الاخبار اذا لميكن لسبب اخر قرينة لهذا المعني لانهم محال ان يخالفوا رسول الله9 او يختلف كلماتهم فتوي اولهم فتوي آخرهم و فتوي آخرهم فتوي اولهم و لا اختلاف في طرفي الاستحباب و الكراهة و اما (ما ظ)يجيء الاختلاف من جهة التقية و هم مهما امكنهم ان يتوقوا شر المنافقين بالاختلاف الاول يتوقون و ان لميمكن و كانت ضرورة يتقون فيحكمون بموافقتهم فما صدر عنهم تقية و لامعارض او صدر في الواقع تقية و لانعلم يؤخذ به لقولهم و يسعهم ان يأخذوا بما يقول و ان كان تقية و ان علم و كان له معارض يترك ما كان تقية لقولهم خذ ما خالف القوم فان الرشد في خلافهم و اعلم ان آل محمد: معصومون مطهرون هادون لايقصرون في تبليغ شرع محمد9 فمحال ان يتكلم اولهم بكلام مفاده العموم و لم يفسره الي ان يفسره آخرهم فيبين ان المراد منه الخصوص او يقولوا لأحد كلاماً مفاده العموم ثم يبينوا بعد حين لرجل آخر خاصاً يفهم منه المراد من ذلك العام و ذلك محال في حقهم بل اذا قال اولهم او واحد منهم في زمان لرجل كلاماً عاماً مرادهم العموم حقيقة و اذا قال آخرهم او قال هو في زمان آخر لرجل آخر خاصاً مراده الخصوص و ليس ذلك تفسير ذلك العام و كاشفاً عن المراد منه حاشا ان يبقوا الخلق في ضلالة ازمنة حتي يهدوهم بعدها فالعام و الخاص و المطلق و المقيد متعارضان كساير اخبارهم و ينبغي علاجهما و لايحمل عندنا عام علي خاص و لامطلق علي مقيد ابداً.
فاذا عرفت هذه المقدمة التي جمعت لك فيها كثيراً من العلم ان لماقل كله فاعلم ان الله جل و عز يقول فمن كان منكم مريضاً او علي سفر فعدة من ايام اخر و انت لو سمعت هذه الاية و لمتسمع غيرها لحكمت بها ان الصوم في السفر غير جايز و من خرج بعد الظهر تقول له انت مسافر و ليس لك ان تصوم و يجب لك قضاء هذا اليوم و لاسيما اذا سمعت حديث الزهري عن عليبنالحسين8 و اما صوم السفر و المرض فان العامة قداختلفت في ذلك فقال قوم يصوم و قال آخرون لايصوم و قال قوم ان شاء صام و ان شاء افطر و اما نحن فنقول يفطر
«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 359 *»
في الحالين جميعاً فان صام في حال السفر او في حال المرض فعليه القضاء فان الله عزوجل يقول فمن كان منكم مريضاً او علي سفر فعدة من ايام اخر و هذا تفسير الصيام فاذا سمعنا هذا الخبر عرفنا تفسير الاية بيقين و عرفنا ان مذهب آل محمد: الافطار حال السفر فمتي صدق اسم السفر وجب الافطار فالذي يخرج بعد الظهر يصدق عليه المسافر فيجب فيه الافطار و ان الصوم بالعزم و الخيار في السفر مذهب العامة و يؤيد هذا المعني جميع ما روي في باب وجوب الافطار في السفر فمن راجع كتب الاخبار وجدها بلاغبار و تؤيد بقوله تعالي فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال ابوعبدالله7 ما ابينها من شهد فليصمه و من سافر فلايصمه و قال7 لو ان رجلاً مات صائماً في السفر ما صليت عليه و كذلك تشهد بذلك الاخبار في باب من صام في السفر عالماً و عن الرضا7 اذا قصرت افطرت و من لميفطر لميجز عنه صومه في السفر و عليه القضاء لانه ليس عليه صوم في السفر و بهذا المضمون احاديث عديدة كلها موافقة للكتاب مخالفة للعامة كما سمعت في حديث الزهري و اسألك انت لو سمعت هذه الاخبار و لمتسمع غيرها الست كنت تفهم منها حرمة صيام من خرج بعد الظهر بلي كنت تحكم بذلك فتبين ان مدلول هذه الاخبار المتواترة الموافقة للكتاب المخالفة للعامة حرمة الصوم و يؤيد ذلك ما روي خصوصاً في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال يفطر و ان خرج قبل ان تغيب الشمس بقليل و ما عن المقنع قال و روي ان خرج بعد الزوال فليفطر و ليقض ذلك اليوم و ما من الفقه الرضوي حيث قال فان خرجت في سفر و عليك بقية يوم فافطر و كل من وجب عليه القصر في السفر فعليه الافطار و كل من وجب عليه التمام في الصلوة فعليه الصيام متي اتم صام و متي قصر افطر و كذا يدل عليه اطلاق رواية ليث المرادي عن ابيعبد الله7 قال اذا سافر الرجل في شهر رمضان افطر و اختار هذا القول عليبنبابويه و ابن ابيعقيل و المرتضي و ابن ادريس رحمهم الله كما حكاه عنهم
«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 360 *»
الشيخ يوسف و حكاه صاحب الرياض عن السيدين و الفاضل في الارشاد و المراد بالسيد الاخر ابن الزهرة و قدورد روايات اخر مقيدة علي خلاف ذلك فمنها ما يدل علي انه ان خرج قبل الزوال يفطر و ان خرج بعده فلايفطر و منها ما يدل علي انه اذا خرج بعد الصبح يصوم الا ان يدلج دلجة و منها ما يدل علي انه اذا سافر بعد الصبح هو بالخيار و منها ما يدل علي انه ان بيت النية افطر اذا خرج من منزله و اذا لميبيت صام و هذه الاخبار كما تري مخالفة للكتاب و تلك الاخبار المتكاثرة موافقة و قدنقل اشتراط التبيت عن الشافعي و ابي حنيفه و الاوزاعي و ابي ثور و النخعي و المكحول و الزهري من العامة و قدعرفت ان الاخبار الاولة ايضاً يخالف اطلاق الكتاب و انما يقيد اطلاق الكتاب بالخبر اذا لميكن له معارض و الا فالمعول علي ما يوافق الكتاب هذا و الاخبار المطلقة ابعد عن العامة و عن شباهة اقوالهم و قدقرن الله السفر بالمرض في حكم واحد فكما انه يفطر بالمرض و لو عرض قبيل الغروب كذلك ينبغي ان يفطر ان عرض سفر و لو كان قبيل الغروب و يمكن حمل بعض اخبار لايفطر بعد الزوال علي انه لايفطر تأديباً و يمسك عن الاكل احتراماً و حمل ما قال انه يصوم اذا سافر بعد الصبح علي التقية لان الصوم في السفر مذهب العامة و ليس فيه انه يفطر باقي ايام سفره فهو محمول علي التقية و كذلك حديث الخيار محمول علي التقية لانه ليس فيه انه يفطر ساير الايام و ضعف الخبرين المضمر و المرسل منجبر بموافقة الاخبار المتواترة المطابقة للكتاب فعلم مما ذكرنا ان الافطار مقرون بالتقصير فمتي قصرت افطرت و متي صدق اسم المسافر حرم الصوم هذا هو مؤدي النظر القاصر في اخبار الآل: و الله يعلم حقايق احكامه.
و اما مسئلة حمل المتنجس في الصلوة فاني لمافت بالمنع حتياستدل علي المنع و كل ما لايجوز الصلوة فيه وحده جاز انيكون مع الرجل و منتهي الادلة النهي عن نجاسة الثوب و البدن.
«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 361 *»
و اما صحة طلاق ابن عشر سنين فالاخبار فيها مختلفة فمنها ما يدل علي جوازه و منها ما يدل علي عدمه و لامرجح في البين من كتاب و لاسنة و لا اجماع الا ان اخبار المنع فيها شبهة التقية لخبر حسين بن علوان و يمكن الجمع بينهما بانه يجوز طلاقه اذا امضاه بعد الكبر فلايحتاج الي طلاق جديد و ان لميمضه فلايجوز و يشهد بذلك حديث آخر عن الحلبي قال قلت لابيعبدالله7 الغلام له عشر سنين فيزوجه ابوه في صغره ايجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين فقال اما تزويجه فهو صحيح و اما طلاقه فينبغي انتحبس عليه امرأته حتييدرك فيعلم انه كان قدطلق فان اقر بذلك و امضاه فهي واحدة بائنة و هو خاطب من الخطاب و ان انكر ذلك و ابي انيمضيه فهي امرأته الخبر. و هذا الخبر يشهد بصحة الطلاق مع الحاجة الي الامضاء و يمكن تنزيل الخبرين علي هذا و امر الفروج ينبغي الاحتياط فيه كثيراً و ان كان القول بجواز الطلاق من ابن عشر سنين عندي قوياً و اصل الفتوي عليه.
و اما صلح نفقة ايام العدة فهي و ان كانت غير مالكة للنفقة الا ما حازتها يوماً فيوماً الا ان الاخبار الواردة في نشوز المرء نادية بجواز الصلح في النفقة و ليس مدار الشرع العقول الناقصة فاذا كان صلح النفقة من افراد الصلح شرعاً يشمله عموم الصلح جايز بين المسلمين.
و اما ما سألت عنه من ترجيح زيارة الاخوان علي بعض الاعمال الموظفة فاعلم يرحمك الله ان مدار الطاعة و الامتثال ليس علي افضلية العمل و الا لترك الشارع التكليف بغير الافضل و اقتصر علي عمل واحد هو افضل الاعمال و ليس كذلك بل جعل الشارع لكل عمل موضعاً ينبغي المحافظة عليه مهما امكن ليجد الله العبد في جميع المواطن المحبوبة له قائماً بجميع انحاء خدماته و عباداته فينبغي التوجه الي الاعمال الموظفة الموقتة في اوقاتها و عدم تركها مع ضيقها و يشتغل بعد ذلك بما شاء من طاعة ليكون مؤتماً بامامه ممتثلاً امره في كل شيء
«* مكارم الابرار عربي جلد 21 صفحه 362 *»
و يؤدي هذا الرأي الي ترك جميع السنن و المواظبة علي سنة واحدة و ذلك مما لاينبغي البتة فان لكم في رسولالله اسوة حسنة و هو كان يشتغل في وقت كل طاعة به مع وجود افضل منه في الاعمال و كذلك كان الائمة: يفعلون و يأمرون.
و اما المسئلة الاخري فلااحب النظر في هذه الحيل و ليس لي اقبال الي امثالها و لمار نصاً في معناها و السلام خير ختام كتبه كريم ابرهيم و ختم في ليلة الفطر من شهور سنة ست و سبعين بعد الماتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً تمت.