رسالة المفتاح
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 403 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي افضل المرسلين و آله الطيبين الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم اني بعد ما شرعت في شرح النتايج لاستدعاء بعض الاخوان و كتبت منه كراريس احببت ان اقيد ما اخترته في ذلك الكتاب في كتاب مختصر من غير اطناب اعنون فيه المسائل التي نزل في شرحها الكتاب او بينها حجج الله الاطياب و اهمل فيه ما لايدل عليه كتاب و لاسنة اذ لايعول علي مثله في الملة و ان اطنب فيه علماء الاصول اذ لافائدة فيه و لامحصول و رتبته علي مقدمة و اربع مقالات و خاتمة و سميته بالمفتاح فانه مفتاح خزاين الفقه و لاحول و لاقوة الا بالله.
المقدمة
فيما يجب تقديمه قبل الخوض في المسائل و فيه فصول.
فصل
اختلفوا في العلم هل يحد ام لا فمنهم من قال هو الصورة الذهنية الحاصلة عند المدرك فالعلم عندهم من مقولة الكيف و منهم من قال العلم حصول تلك الصورة لانفسها لانهم ينفون الوجود الذهني فالعلم عندهم من مقولة الاضافة و منهم من قال ان العلم عبارة عن التعلق الخاص اي تعلق النفس بالمعلوم الذهني فجمع بين القولين و منهم من جعل العلم عبارة عن قبول الذهن لتلك الصورة فهو عنده من مقولة الانفعال و منهم من قال انها صفة توجب لمحلها تميزا لايحتمل النقيض و قيل في حد العلم هو ما اقتضي سكون النفس و قيل انه اعتقاد للشيء علي ما هو به هو مع سكون النفس و قيل هو معرفة المعلوم علي ما هو @به مع طمأنينة النفس و قيل هو اعتقاد يقتضي سكون النفس و منهم من قال انه غني عن التعريف
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 404 *»
لانه وجداني و الصحيح عندنا ان العلم هو الصورة الحاضرة عند النفس او هو ظل ملكوتي ذهني و ان اردناه بالمعني الاعم هو الشيء الحاضر عند المدرك فافهم.
فصل
اعلم ان علمنا هذا هو العلم بما يستنبط به الاحكام الشرعية من الكتاب و السنة كما ان الفقه عندنا هو علم الشريعة و فائدته التمكن من فهمهما و استنباط الاحكام منهما غايته العمل بمقتضاها و موضوعه الالفاظ من حيث دلالتها علي مراد الله عزوجل و دليله المجادلة بالتي احسن بان ترد المبطل بحجة قد نصبها الله تعالي و لاتجحد قوله بلاحجة و ان لاتجحد حقا يريد ذلك المبطل ان يعين به باطله فتجحده مخافة ان يكون له عليك فيه حجة لانك لاتدري كيف المخلص منه فذلك حرام علي الشيعة و ان لاتجحد حقا لايمكنك ان تفرق بينه و بين باطل من تجادله و انما تدفعه عن باطله بان تجحد الحق فتصير انت مثله جحد هو حقا و جحدت انت حقا و ان لاترد عليه بما ليس بدليل و تغالطه في القول و لاتثبت حقك بباطل فانك تستدل لله و الله غني عن الاستعانة بالباطل و لاترد الباطل بالباطل فتستعين بغير الله و مستنده العلم و الكتاب و السنة و شرطه ان تنصف من يخاطبك و يجادلك فان قال حقا صدقته و ان قال باطلا رددته ببرهان من ربك كما قال لقد جاءكم برهان من ربكم و لاتستأنس بالقواعد المسلمة عندك و تنكر ما يخالفها فلعل الخطاء في اصل القاعدة و ان لاتغتر بذهاب الاكثر اليها بعد قوله اكثرهم لايعقلون و اكثرهم لايعلمون و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الايخرصون و ما يؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون و قليل من عبادي الشكور و لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله فانه قال اميرالمؤمنين7 ايها الناس انا انف الهدي و عيناه ايها الناس لاتستوحشوا في طريق الحق لقلة من يسلكه ان الناس اجتمعوا علي مائدة قليل شبعها كثير جوعها و الله المستعان و قال اميرالمؤمنين7 انما يعرف الهدي بقلة من يأخذه من الناس.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 405 *»
فصل
اعلم ان للانسان ثلث مشاعر اعلاها الفؤاد و هو نور من الله جل و عز خلق منه العبد و به يعرف العبد ربه لانه به تجلي له و هو ذكره عند@ و وصفه نفسه له و هو نور مجرد عن المادة و المدة و الصورة و المعني و الاشارة و الكيف و الحيث و النسبة و الحدود الصورية و المعنوية و لايقابله الا الانكار عمدا بعد الوصول اليه و دليله الحكمة و مستنده الكتاب و السنة و ثمرته المعرفة و اوسطها العقل و هو نور يشرق في القلب و به يدرك معاني المعلومات المجردة عن المادة و المدة و الصورة و دليله الموعظة الحسنة و مستنده الكتاب و السنة و ثمرته اليقين و هو الاعتقاد الجازم الذي لايحتمل عنده النقيض و ذلك لايحصل بخلاف الواقع كما يزعمه اقوام لما روي عن ابيعبدالله7 في قوله تعالي و اعلموا ان الله يحول بين المرء و قلبه قال يحول بينه و بين ان يعلم ان الباطل حق و قال7 ابي الله ان يعرف باطلا حقا ابي الله ان يجعل الحق في قلب المؤمن باطلا لاشك فيه و ابي الله ان يجعل الباطل في قلب الكافر المخالف حقا لاشك فيه و لولميجعل هذا هكذا ما عرف حق من باطل و قال ابوجعفر7 ان القلب ينقلب من لدن موضعه الي حنجرته ما لميصب الحق فاذا اصاب الحق قر ثم ضم اصابعه و قرأ هذه الاية فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام و من يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا انتهي.
فاذا جزم العقل و سكن و استقر حصل له اليقين و اذا ورد عليه معنيان علي التعاقب قبل ان يستقر فيه الاول تردد بينها@ اذ قد يلوح عليه هذا و قد يلوح عليه هذا فان تساويا فهو الشك و ان غلب احدهما رسوخاً فهو الظن و المغلوب هو الوهم و الريب و يجتمع هذا اليقين مع المعرفة و الانكار قال الله تعالي و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم. و اسفلها النفس و هي نور يشرق في الصدر اي الخيال و بها يدرك صور المعلومات المجردة عن المدد الزمانية بان تقابل بالخيال المعلوم فينتقش فيه صورته كما ينتقش صورة الشيء في المرآة فتلك الصورة هي العلم و هو ثمرته و دليله المجادلة بالتي هي احسن و مستنده الكتاب و السنة و يقابل العلم عدم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 406 *»
الصورة و هو الجهل و هذا العلم يجتمع مع اليقين و الظن و الشك و الوهم و لاتنافي بينها و لما كان مراتب الخلق مختلفة في هذه المشاعر امر الله نبيه9 ان يدعو كل قوم بما يناسبهم فقال ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن و قال النبي9 انما العلم ثلثة اية محكمة و فريضة عادلة او سنة قائمة فالاية المحكمة هي علم الذي هو اية الله جل و عز و الفريضة العادلة هي علم الاخلاق الذي هو سبب تعديل النفس و السنة القائمة هي الشريعة القائمة و هي مدركات تلك المشاعر.
فصل
اعلم ان العلوم بلحاظ اخر ثلثة علم عقلي و علم عادي و علم شرعي وضعي فالعلم العقلي فهو ما انطبع في قلبلك عند ما قام علي شيء براهين قطعية تنتج ثبوت ذلك الشيء فوقع النتيجة في قلبك و جزمت به بحيث وجب عندك وجوده و امتنع عدمه و سكن عليه قلبك و لايكون برهان اخر دال علي خلاف ذلك و علامة ذلك ان تكذب سمعك و بصرك اذا اديا اليك خلاف ما جزمت به كمعني الكل اعظم من الجزء فانك تيقنت به فلو ادي اليك بصرك خلافه عرفت ان في بصرك مرضاً و شأن العلم العقلي ان يكون كلياً فان العقل لايدرك بنفسه الا الكليات و انما يدرك الجزئيات بالمشاعر الجزئية و ان قام برهان علي وجود شيء و قام برهان اخر علي خلافه و تعاقب نظرك فيهما فيقع نتيجة الاول في ذهنك و يقلع لمايرسخ و يقع فيه نتيجة الثاني و هكذا يقلع لما يرسخ فيتردد القلب في طلب ما يرسخ و في طلب الاطمئنان فاول هذا التردد و هو عند الاحتمال الضعيف ريب فاذا حصل التردد الكامل كان شكاً و ان غلب احدهما كان ظنا و المغلوب وهم و من هذا الباب قال علي7 لاترتابوا فتشكوا فتكفروا و اما العلم العادي فهو الذكر النفسي المستقر في النفس و ذلك ان ما في النفس عكس لما في الخارج و مثال منه و شبح فان كان في الخارج شئ واحد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 407 *»
و الالات صحيحة يقع شبحه في الالات حتي يقع في الخيال فان لميكن فيه شبح غيره يستقر عليه و لاينبيء الا عن ان الموجود في الخارج هذا و اما انه موافق للواقع ام لا فلا مثاله اذا اخبرك رجل بان زيداً قد قام ينطبع شبح اخباره في خيالك و ليس صوت اخر يعارضه فلاينبيء خيالك الا عن الصوت الموجود في الخارج و اما هل هو صدق موافق للواقع ام لا فلا و ان قام شيء في الخارج بازائه ووقع شبحه في الالات و الخيال و تعاقب النفس بالتوجه اليهما فينمحي الاول و ينطبع الثاني ثم يرجع الاول ثم يرجع الثاني كما اذا قام شاخصان و قابلتهما بمرآة وحركتها بسرعة و وجهتها الي هذا اناً والي هذا اناً فلايستقر فيه احدهما و ذلك هو الشك العادي فان غلب احدهما فذلك هو الظن العادي و المغلوب هو الوهم العادي و الريب العادي و اما العلم الشرعي فهو الذكر النفسي الحاصل من وضعيات الشارع فاذا حصل في الخارج وضع شرعي يقع شبحه في ذهنك و لاينبيء الا عن وجود الوضع الشرعي في الخارج و لايدري هل هو يطابق الوجودات الكونية ام لا مثلاً اذا قام شاهدان علي ان زيداً يطلب عمراً ديناراً يقع شبح شهادتهما في ذهنك و هو العلم العادي ثم يقع في ذهنك شبح صدق مفاد شهادتهما بوضع الشارع فهذا العلم بان زيداً يطلب عمراً هو علم شرعي و لاتدري يوافق الوجود الكوني ام لا و كذلك اذا تنجس ثوبك و غسلته حتي شككت في زوال العين فتعلم تلك الحال الكونية بالعلم العادي و تعلم النجاسة بالعلم الشرعي و لاتدري مطابقته مع الوجود الكوني و مخالفته يعني لاتدري هل العين باقية واقعاً ام لا فهذا العلم يجتمع مع العلم الكوني العادي و مع ظنه و شكه و وهمه كما ان كلاً منها يجتمع مع العلم العقلي و ظنه و شكه و وهمه و ما لمتفرق بين هذه العلوم لاتكاد تفوز بوضع كل شيء موضعه.
بسم الله و الحمد لله و سلام علي عباده المصطفين
الباب: في الامر و فيه فصول
فصل
لفظ الامر المركب من الهمزة و الميم و الراء لغة بمعني الطلب من
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 408 *»
المستعلي كما في كنز اللغات لانه فسره بفرمان و هو بالعجمية طلب المستعلي و في ساير كتب اللغة اكتفوا بالطلب و عرفاً ايضاً بمعني ذكره في كنز اللغات و لايشترط في الامر العلو الذاتي غاية الامر انه يقبح امر الداني و يجب امتثال امر اولي الامر بضرورة المذهب و الاخبار المتواترة و منها قيل لابي عبد الله7 الاوصياء اطاعتهم مفروضة قال هم الذين قال الله عزوجل اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم الحديث. و اوامرهم ايجابية الزامية لقول اميرالمؤمنين7 ان الفرايض بامر الله و رضاه و الفضايل ليست بامر الله ولكنها برضاه و المعاصي ليست بامر الله و لابرضاه و لان الطاعة لغة امتثال الامر حتي قيل لايكون طاعة الا عن امر كما ان الجواب لايكون الا عن قول و العصيان لغة ضد الطاعة و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 409 *»
قال ابوعبد الله7 الطاعة ضدها المعصية وقال في حديث اذا لمتطع الله فقد عصيته فامتثال الامر واجب لانه طاعة و هي واجبة بالضرورة و تركه معصية و هي حرام بالضرورة و قد قال الله عزوجل فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم و قال ابوعبد الله7 اعلموا ان ما امر الله بالاجتناب عنه فقد حرمه هذا و امر@ الله في الكون مطاع غير معصي و قال ما امرنا الا واحدة و ما تري في خلق الرحمن من تفاوت ولذلك قال و ما كان لمؤمن و لامؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم.
فصل
صيغة الامر الصرفي حقيقة لغة و عرفا في الطلب و لاجل ذلك تصلح لان يطلب بها فعل علي سبيل الايجاب و الالزام و عدم الرضا بالترك و يطلب بها فعل مع الرضا بالترك و هي اذا صدر من المستعلي تسمي امرا لغة و عرفا و من المساوي تسمي التماسا و من الداني تسمي دعاءا و مسألة و العمل بمقتضاها اذا كان من الداني يسمي طاعة و امتثالا و ائتماراً لغة و عرفاً ففي اللغة لايكون طاعة الا عن امر كما ان الجواب لايكون الا عن قول يقال امره فاطاعه و عن بعضهم اذا مضي لامره فقد اطاعه و اذا وافقه فقد طاوعه و الطاعة الانقياد و العصيان ضد الطاعة و قال ابوعبدالله7 الطاعة ضدها المعصية و قال اذا لمتطع الله فقد عصيته و اذا كان من المساوي يسمي قبولا و اذا كان من العالي يسمي اجابة و اما اوامر الشارع فهي حقيقة في الايجاب لما روي عن الرضا7 عن ابائه: قال عليبنابيطالب7 الاعمال ثلثة احوال فرائض و فضائل و معاصي فاما الفرايض فبامر الله عزوجل و برضاء الله و قضاء الله و تقديره و مشيته و علمه و اما الفضائل فليست بامر الله و لكن برضاء الله و بقضاء الله و بمشية الله و بعلم الله و اما المعاصي فليست بامر الله و لكن بقضاء الله و بقدر الله و بمشيته و بعلمه ثم يعاقب عليها انتهي.
فابان7 ان الفرائض بامر الله و رضاه و لفظة افعل المستعملة فيها امر و الفضائل ليست بامر الله و لكن برضاه فلفظة افعل في الفضائل مستعملة في الرضا و ليست بامر و ان كانت من المستعلي لوجود القرينة هذا و الشارع مفترض الطاعة و الطاعة امتثال الامر و الامر هو الحكم المعبر عنه بالفارسية بفرمان و الحكم هو الطلب مع الالزام و الصيغة الموضوعة للطلب هو افعل فاذا استعمله الشارع المستعلي العالي مجرداً فقد امر عرفاً و لغة قال الله عزوجل ما منعك ان لاتسجد اذ امرتك و هو قوله اسجدوا لادم و يؤيد هذه الجملة قوله تعالي فليحذر الذين يخالفون عن امره انتصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم و قد قال ابوعبدالله7 و اعلموا ان ما امر الله بالاجتناب عنه فقد حرمه و قوله ما كان لمؤمن و لامؤمنة اذا قضي الله و رسوله امراً ان يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبيناً و قال لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون و قال و من يعص الله و رسوله فان له نار جهنم و قد علمت ان العصيان مخالفة الامر و قال ابوعبدالله7 اعلموا انه انما امر و نهي ليطاع فيما امر و لينتهي عما نهي عنه فمن اتبع امره فقد اطاعه و قد ادرك كل شيء من الخير و من لمينته عما نهي الله عنه فقد عصاه فان مات علي معصيته اكبه الله علي وجهه في النار و قال مهلاً مهلاً يا اهل الصلاح لاتتركوا امر الله و امر من امركم الله بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمته و قال ان الله امر رسوله9 بحبهم فمن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 410 *»
لميحب من امر الله بحبه فقد عصي الله و رسوله و من عصي الله و رسوله و مات علي ذلك مات و هو من الغاوين و قال ابوعبد الله7 اذا امرتكم بشئ فافعلوا و قال ابوالحسن7 اذا امرتك بشيء فاعمل و الا غضب عليك و قال الرضا7 لاتنظروا الي ما اصنع انا اصنعوا ما تؤمرون و عن زرارة و محمد بن مسلم قالا قلنا لابيجعفر7 ما تقول في صلوة السفر كيف هي و كم هي فقال ان الله عزوجل يقول اذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلوة فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر قالا انما قال عزوجل ليس عليكم جناح و لميقل افعلوا فكيف اوجب ذلك الحديث. و قد قررهما الامام7 ان افعل دليل الوجوب و لمينكر عليهما و هما من افاضل الاصحاب و اعلم باصطلاح الحجج: و قال ابوعبدالله7 في حديث ذكر فيه ان رسول الله9 امر باشياء و نهي عن اشياء ثم رخص فيهما و امر باشياء و نهي عن اشياء و لميرخص فيهما قال و ليس لاحد انيرخص مالميرخصه رسول الله9 الخبر. فالرخصة قرينة الندب فالامر المجرد عن القرينة لارخصة فيه و ليس لاحد ان يرخص فيما لميرخص فيه رسول الله9 و اخذ الامر المجرد ندباً رخصة فيما لميرخص فيه هذا و اوامر الله في الشرع علي طبق الكون و لن تجد لسنة الله تبديلا و قال و اما امرنا الا واحدة و هل تجد في الكون امراً ندبياً و هي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره فافهم و اغتنم و اما من حمل الاوامر علي الندب لكثرة استعمالها في الندب فان عرفه بالقرائن فاي حجة له و ان عرفه بغير قرينة فاي دليل له.
(ظ فصل)@
في الامر بالامر
فان امر المأمور الاول المأمور الثاني فلاكلام و ان لميأمر و علم الثالث بامر الاول من غير ابلاغ الثاني فليس بمأمور اذ لعل مراد الامر الاول انقياد الثالث للثاني او اظهار علو درجة للثاني او يريد امتحان الثاني
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 411 *»
او الثالث او تأخر ائتمار الثالث بعد حين او وجوه اخر و الاصل براءة ذمة الثالث حتي يبلغ الثاني اليه و يعلم من ذلك ان من علم بدليل عقلي اتفاقاً امر الله من غير ابلاغ الحجج: و دلالتهم لايجوز له العمل بعقله حتي يدل عليه الحجج: قال ابوجعفر7 اما لو ان رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لميعرف ولاية ولي الله فيواليه و يكون جميع اعماله بدلالته اليه ما كان له علي الله حق في ثوابه و لاكان من اهل الايمان و قال اميرالمؤمنين7 في قوله و أتوا البيوت من ابوابها و البيوت هي بيوت العلم الذي استودعه عند الانبياء و ابوابها اوصياؤهم فكل عمل من اعمال الخير يجري علي يدي غير الاصفياء و عهودهم و حدودهم و شرايعهم و سننهم مردود غير مقبول و اهله بمحل كفر و ان شملهم صفة الايمان و قال ابوجعفر و ابوعبدالله8 ان الله فوض الي نبيه امر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا هذه الاية ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا انتهي فظهر انه قد يكون خصوصية ابلاغ المأمور الاول شرطا و غرضاً و ملحوظاً فتنبه.
فصل
الامر الوارد عقيب الحظر اما رفعه الحظر فلاشك في ذلك و لاكلام و اما مفاده اذ لاقرينة فالوجوب اذ هو حقيقة فيه و صرفه عن الحقيقة يحتاج الي القرينة و محض تقدم الحظر ليس دليل استعماله في المجاز فان نسخ الحظر يمكن ان يكون بالرخصة في الفعل و يمكن ان يكون بايجاب الفعل و يمكن ان يكون بالاستحباب و ليس تقدم المنسوخ دليل احدها فان جاء الشارع بقرينة المجاز فهو و الا فيحمل علي الحقيقة لعدم القرينة.
فصل
في المرة و التكرار اعلم ان العبد يجب ان يكون عند ربه كالميت بين يدي الغسال و لايظهر منه حركة الا بامر من ربه فاذا قال له اركع يجب ان يكون راكعاً حتي يقول له ارفع رأسك فاذا قال يجب ان يكون قائما حتي يقول له
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 412 *»
اسجد و اذا كان علي غير ذلك كان متحركاً عاملاً بهواه و يدل علي ذلك ما روي عن ابيعبدالله7 في صلوة لية المعراج قال قال اي الله اركع يا محمد لربك فقال له و هو راكع قل سبحان ربي العظيم و بحمده ففعل ذلك ثلثاًً ثم قال له ارفع رأسك يا محمد فقام منتصباً بين يدي الله فقال له يا محمد اسجد لربك فخر رسول الله9 ساجداً فقال له قل سبحان ربي الاعلي و بحمده ففعل ذلك ثلثاً فقال له استو جالساً يا محمد الحديث و وقوع الامر من الله كان مطلقاً و لكنه كرر الذكر و بقي راكعاً و منتصباً و ساجداً و ذاكر (ظ ذاكرا) حتي امر بغيره ولكن هذا في الواقع و هو علي طبق التكوين و اما في هذا العالم دار اجتماع الاوامر و تصادم الزمانيات و امتناع الاشتغال بالكل في جميع الامر و ضرورة الاسلام علي عدم التكرار و لاحد له و وجود مباحات لاتحصي و لزوم العسر و الحرج و عدم كون الامر في العرف لمرة او تكرار بل لايفهم منه الا المهية و عدم ثبوت معني شرعي له و الاكتفاء في تقييد الكلي بفرد واحد و صدق الامتثال العرفي فالامر للمهية كما في العرف و يكفي في الامتثال الاتيان به مرة واحدة و اما اذا كان قرينة او تصريح فالمدار عليه و الحجج ابر بنا من هؤلاء العلماء و اعدل و لميتركوا امراً الا و ان ارادوا المرة امرونا بالمرة و ان ارادوا التكرار امرونا بالتكرار الي حده و كان مقلدة الامام7 علماء و عوام لاتحصي و كان عليهم التعريف اما العلماء فكانوا علي الفطرة و ان اشتبه عليهم سألوا و اما العوام فلايكادون يعرفون الا بالتوضيح.
فصل
اذا تعلق الامر بالمهية و كان لها افراد متداخلة فاختار الاكثر و اتي بالاقل فبدا له في ترك الباقي هي يجوز له تركه ام لا كما اذا امر بالذكر في الركوع فاختار الثلثة فذكر مرة هل يجوز له ترك المرتين ام يجب عليه الاتيان بهما اما ما يدل علي جواز اختيار كل عدد فما رواه في كنز الدقايق من الخصال في حديث مناقب اميرالمؤمنين7 عنه7 قال و اما الرابع و العشرون فان
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 413 *»
الله انزل علي رسوله يا ايها الذين امنوا اذا ناجيتم الرسول الاية فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت اذا ناجيت رسول الله اتصدق قبل ذلك بدرهم فوالله ما فعل هذا احد قبلي و لابعدي فانزل الله ءاشفقتم ان تقدموا الاية فهل تكون التوبة الا عن ذنب الحديث. فاكتفي7 بصدقة درهم لتعلق الامر بالمهية و صدق الامتثال بصدقة درهم مع انه دونه افراد و فوقه افراد و اما ما يدل علي ترك الاكثر اذا اتي بالاقل فما قيل لابيجعفر7 رجل قرأ سورة في ركعة فغلط ايدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته او يدع تلك السورة و يتحول عنها الي غيرها فقال كل ذلك لابأس به و ان قرأ اية واحدة فشاء ان يركع بها ركع انتهي و التقريب انه اختار السورة فاذا قرأ اية و شاء ان يركع ركع و ترك باقي السورة و الحديث خاص بموضع و يؤيده ما روي عن ابيعبد الله7 صلي رسول الله9 الظهر و العصر فخفف في الصلوة في الركعتين فلما انصرف قال له الناس يا رسول الله احدث في الصلوة شيء؟ قال و ما ذاك؟ قالوا خففت في الركعتين فقال لهم او ما سمعتم صراخ الصبي انتهي علي انه9 كان ناوياً ان يصلي علي المعروف منه فلما صرخ الصبي خفف الصلوة و ليس المراد بالتخفيف الدرج و لو كان ذلك لما قالوا احدث في الصلوة شيء ظاهراً بالجملة العبادات توقيفية و البراءة بعدم ترك الباقي قطعي و الاكتفاء بما عمل مشكوك و الاحتياط طريق النجاة.
فصل: في الفور و التراخي
اعلم ان المفهوم من الامر عرفا اصل الطلب و لايعرفون شيئا من ذلك الا بالقراين و اما في الشرع فما كان منها موقتاً بامر مضيق كصلوة المغرب او صلوة الجمعة او صوم شهر رمضان فهو علي ما وقت و ما كان منها موسعاً و كان وقته اوسع من الاتيان بالمأمور به فهو ايضا علي ما وقت يجوز الاتيان به في جميع اجزاء وقته و ما كان منها لحدوث حادث او وجود علة فوقته وقت حدوث ذلك الحادث كصلوة الميت و صلوة الايات و يكشف عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 414 *»
هذه الكلية قول الرضا7 في حديث انما جوزنا الصلوة علي الميت قبل المغرب و بعد الفجر لان هذه الصلوة انما تجب في وقت الحضور و العلة و ليست هي موقتة كساير الصلوات و انما هي صلوة تجب في وقت حدوث الحادث ليس للانسان فيه اختيار و انما هو حق يؤدي و جايز ان تؤدي الحقوق في اي وقت كان اذا لميكن الحق موقتاً الحديث و من هذا الباب فورية كل امر صدر لعلة عند حدوث العلة كغسل المسجد و الحج في عام الاستطاعة و امثال ذلك و اما ما سوي ذلك من الاوامر غير الموقتة و المعللة فوقتها بعد صدور الامر بها فوراً لقوله تعالي استجيبوا لله و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم و قول ابيعبدالله7 اذا امرتكم بشئ فافعلوا و قول ابيالحسن7 اذا امرتك بشيء فاعمل و الا غضب عليك و وقت الجزاء وقت الشرط و يدل علي ذلك انه رؤي ابوالحسن7 دعا ببدنة فنحرها فلما ضرب الجزارون عراقيبها فوقعت علي الارض و كشفوا شيئاً من سنامها فقال اقطعوا و كلوا منها و اطعموا فان الله يقول فاذا وجبت جنوبها فكلوا منها و اطعموا بالجملة اذا صدر الامر من غير مستعجل و غير خائف للفوت و عالم بالمقتضي و المانع و آمر بما يصلح العبد ناه عما يفسده يجب الاتيان بما امر حين صدر كما هو في التكوين و ما امرنا الا واحدة فافهم راشدا.
فصل
في ان القضاء هل هو بالامر الاول او بفرض جديد
اعلم ان الامور مختلفة فمنها ما يأمر الشارع به لاجل نفسه و لكن لما كان الحادث لابد له من وقت يضرب له وقت ارادة كماله فما كان هذا حاله اذا مضي الوقت مضي سبب كماله و المطلوب باق علي حاله و منها ما هو مطلوب بنفسه و ضرب له وقت لاجل كماله و لكن وضع هيئته للوقت فاذا مضي الوقت مضي عمره@ بتلك الهيئة فلافائدة فيها و اما اصل العمل فباق فيؤتي به في وقت اخر بدل الوقت الاول علي هيئة يقتضيه اصل العمل و منها ما هو مطلوب للوقت بذاته و هيئته كصلوة العيد فاذا مضي ذلك الوقت ذهب فائدة العمل بذاته و هيئته و منها ما امر بها بنفسها و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 415 *»
لميضرب له وقت فهو مطلوب في كل وقت و لما كان هذه الوجوه خفية علي الناس و لايعلمون حقايقها الا الاوحديون العارفون باشارات الاخبار فاقتضي لطف الحجج و رأفتهم برعيتهم ان يبينوا كل قسم و بعد تصريحهم يعرف ان العمل من اي قسم و ليس ذلك حد الرعية و لايجوز لهم القول علي نحو الكلية و وضع القاعدة نعم اذا اردت ان تعرف ان القضاء بالامر الاول او بامر جديد فاعلم انه بالامر الاول كما عرفت حقيقته و لو كان بامر جديد لكان اداء الا ان الامر لما كان مجهولا اوقفونا علي القضاء بقولهم اقضه و اعد و دلونا عليه فالامر الجديد ليس لتأسيس القضاء بل لبيان ان المطلوب الاول باق و الوقت الذاهب من اسباب كماله فات به في هذا الوقت الذي هو بدله.
فصل في مقدمة الواجب
هل الامر بشيء علي الاطلاق يقتضي وجوب مقدمته ام لا
اعلم ان الله سبحانه امر باشياء ليطاع فيما امر و نهي عن اشياء لينتهي عما نهي عنه كما قال ابوعبدالله7 اعلموا انه انما امر ليطاع فيما امر و لينتهي عما نهي عنه الخبر و ليس مدلول الفاظه الا ما وضعت عليه فاضرب يعني احدث الضرب و كل يعني احدث الاكل و ليس يخطر علي قلب احد شيء غير ذلك الا المجتهد المسبوق بالشبهة من كثرة الخوض في الشبهات و الواجب علي المكلفين امتثال امره و نهيه و المطلوبات الشرعية هي مقتضيات الاوامر و النواهي و اما المقدمات التي هي اسباب التمكن من الامتثال فثلاثة فاما هي طبعية طبع المخلوق علي ان لايتمكن من عمل الا بها كالمشي الي الحج اذا امر بالحج و كبسط اليد اذا امر بالضرب و هذا النوع من المقدمة مختلف علي حسب مقارنتهم للعمل و بعدهم عنه ودرجات الاختلاف و انواع المقدمات لاتعد و لاتحصي و ليس وجوب تلك الامور مدلول لفظ الامر و لايخطر تلك المقدمات بقلب احد عند سماع اللفظ و وجوبها وجوب طبعي و هو ظل الوجوب الشرعي و لميكن يحتاج الي الامر من الشارع بها فانها مجبولة في الطباع كما اذا وقع الامر بالاكل ليس يحتاج ان يأمر الشارع بتحريك الاعصاب و العضلات و فتح
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 416 *»
الحلقوم و جذب القوة الجاذبة و دفع الدافعة و امثال ذلك فانها جبلية و لو دل الامر عليها لكانت واجبة شرعية كذي المقدمة و لمتكن مقدمة.
او كانت مقدمة شرعية و اما هي وضعية شرعية قد جعلها الشارع اسباب الدخول في المأمور و لايمكن الدخول فيه بغيرها شرعاً و قد تعلق الامر بها و جعلت سبب الدخول في شيء اخر كالطهارة للصلوة علي القول بكونها واجبة لغيرها مثلاً فالمقدمة الشرعية واجبة شرعا لغيرها قد تعلق الامر بها و اما هي اسباب غير تكليفية و انما هي حوادث تحدث بفعل الله و عند حدوثها اوجب عليك امور و ما لمتحدث تلك الاسباب لاتقدر علي فعل ذلك الواجب عندها فهي مقدمة وجوبها اما المقدمات الطبعية فقد امر الحجج سلام الله عليهم بها و علموا ارشادا لاايجابا كما قال ابوعبد الله7 في المني يصيب الثوب ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك مكانه فاغسله كله و قال من نسي من صلوة يومه واحدة و لميدر اي صلوة هي صلي ركعتين و ثلثاً و اربعاً و قال في المتحير في القبلة اذا كان كذلك فليصل الي اربع وجوه الي غير ذلك من الاخبار المأثورة في فصل الخطاب و اما القسمان الاخران فامرهما ظاهر و ان ترك رجل المقدمة الطبعي لاحرج عليه لان فعلها ليس بواجب شرعي فان قضي بعده اسباب اخر و عمل بالواجب فلاشيء عليه و ان لميقض و ترك فعليه اثم ترك الواجب و اما قبل الترك في ابانه فلااثم عليه و الذي يدل عليه ما روي عن جعفربن محمد8 لو كانت النيات من اهل الفسق يؤخذ بها اهلها اذا لأخذ كل من نوي الزني بالزني و كل من نوي السرقة بالسرقة و كل من نوي القتل بالقتل و لكن الله عدل كريم ليس الجور من شأنه و لكنه يثيب علي نيات الخير اهلها و اضمارهم عليها و لايؤاخذ اهل الفسق حتي يفعل و قال في حديث و من هم بسيئة لمتكتب عليه حتي يعملها و عن احدهما8 في حديث و من هم بسيئة لمتكتب له و من هم بها و عملها كتبت عليه سيئة الي غير ذلك من الاخبار المذكورة في فصل الخطاب فقبل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 417 *»
صدق الترك لااثم عليه علي العمل و اما المقدمة فلمتك واجباً من عند الله و بامر الله و لااثم عليه في تركها او فعلها لما قال7 حتي يفعل و يعملها و لميقل حتي يفعل مقدماتها و كذلك في ساير الاخبار.
فصل في الامر هل يقتضي النهي عن ضده ام لا
اعلم ان مدلول الامر بالشيء لغة طلب فعله لاغير كما عرفت و ضد الشيء ضدان ضد يناقضه و هو تركه بالكلية و ضد لايجامعه و الامر بلفظه لايدل علي واحد منهما و انما هو موضوع لمحض الطلب و اما النهي عن الترك فهو امر عقلاني يعرفه العقل بالاستدلال بان امتثال امر الشارع طاعة و ترك الامتثال عصيان و الطاعة مفروضة لقوله اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم و العصيان محرمة لقوله و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً و اما النهي عن الضد الذي لايجامعه فاللفظ لايدل عليه لغة و لاشرعاً الا ان العقل يحكم بان الانسان في ان واحد لايمكنه الاشتغال بهما معاً فان توجه الي هذا فهو معرض عما سواه او الي هذا فكذلك و ليس ترك احدهما مقدمة فعل الاخر و لا العكس و فعل احدهما غير ترك الاخر و ترك كل واحد فعل وجودي ثم يقارنه فعل الاخر مثلاً اذا ورد امر بتطهير المسجد اذا تنجس و ورد امر بالصلوة موسعة فهما ضدان لايجتمعان و تطهير المسجد فعله تطهيره و غسله و تركه فعل وجودي و هو اعراض النفس عنه و تخليته و ليس تخليته و تركه صلوة و لا الصلوة تركه و انما اتفق بعد تركه ايقاع الصلوة و ليس معني طهر المسجد لاتصل باحدي الثلث نعم اذا صلي لايطهر اختياراً و تارك باعراض نفسه التطهير هذا و القول بالدلالة تاثيم جميع الخلق ومستلزم الحرج الشديد الذي لايطاق و يدل علي عدم النهي تصحيح الائمة: اعمال الخلق و تقريرهم اياها مع انه لا احد الا و عليه فرض من الفرايض من دين او حق او استرضاء او استغفار اقلاً و لمينكروا علي الناس اعمالهم علي انه يكفينا عدم قولهم بانه يدل علي النهي في شرعنا و اما اللغة فنري انه ليس فيها ذلك و يدل عليه خصوص ما روي ان كاتبا من بنيامية اصاب من دنياهم مالاً كثيرا و اغمض فيه و طلب المخرج من ابي عبد الله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 418 *»
7 فامره ان يخرج من جميع في ديوانهم و يرد مظالم العباد و ضمن له الجنة ففعل فمات و اخبر عند موته بوفائه7 له الجنة و لميأمره باعادة فرايض مع انه كان عليه ديون لايحصيها و لميك اولاً ناويا للرد.
فصل في نسخ الوجوب اذا اوجب الشارع شيئا ثم نسخ الوجوب هي يبقي الجواز ام لا
اعلم ان الاشياء قبل نزول الشرع مطلقة حتي يرد فيها امر او نهي فاذا ورد في شئ من الاشياء امر فرض ثم نسخ الشارع ما احدثه و رفعه رجع الي الاطلاق الاول فان كان مطلقاً اولاً ثم ندب اليه فصار مندوباً اليه ثم اوجبه ثم نسخ الايجاب فالظاهر هنا انه يرجع الي الاطلاق فان الايجاب نسخ الندب و رفعه و عوده يحتاج الي دليل و لادليل من السمع و النطق علي بقاء الندب و الادلة العقلية غير مجدية.
فصل في امر الامر مع العلم بانتقاء الشرط هل يجوز ام لا
اعلم ان الله الغني العليم الحكيم خلق الخلق لغاية تعود اليهم و هديهم بلطفه الي سبل الوصول اليها فامرهم بما يوصل اليها و نهاهم عما يمنع عنها و جعلهم مختارين ليستحق الممتثل الوصول و يتم الحجة علي غير الممتثل و امتثال امره و نهيه عبادة و مخالفتهما معصية فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ولميرد وقوع الامتثال من جميعهم ارادة حتم و لويشاء الله لهدي الناس جميعا ولكن اراده ارادة محبة كما انه سبحانه لميخلق الماء لغاية تعود الي نفسه و لميخلقه ليشرب حتماً و انما خلقه لفائدة رفع العطش فمن شرب نال منه الفائدة و من لميشرب لمينل و لميكن خلقه الماء لغواً و لاعبثاً لان لها فائدة فمن لم يشرب فالقصور منه فكذلك امر الله الخلق بما امر لالغاية تعود اليه بل اليهم و لا لان يأتمروا جبراً@ فلايستحقوا جزاءاً فامرهم بما عرفهم و علمهم و احتج عليهم بما اتيهم و عرفهم و لميكلفهم بما علمه و لميعلموا لايكلف الله نفساً الا ما اتاها و الا وسعها و الناس في سعة ما لميعلموا و رفع عنهم ما لايعلمون فلميكلفهم بما في علمه فرض و باجتناب ما في علمه حرام قال علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 419 *»
7 ما ابالي ابول اصابني او ماء اذا لماعلم فامر الرجل بصلوة الظهر لان فيها صلاحه و خيره و عليه العزم علي الامتثال قبل وقتها و بعد وقتها فان مات بعد حلول وقتها و مضي اقل من مقدار ادائها و كان يعلم الله ذلك لامحه ليس موته دليل انه لميكن خير في صلوة الظهر له و لميدله علي خيره اذ ليس غاية امر الامر وقوع المأمور به حتماً بل الغاية الهداية الي خير المكلف و ارشاده اليه و قد حصلت صلي او لميصل اختياراً او اضطراراً و كذلك كلف المرأة بصوم شهر رمضان ارشاداً الي صلاحها و قد حصل سواءاً اصامت ام لمتصم فان افطرت طاهرة ثم حاضت هي عاصية فتدبر.
فصل في متعلق الاوامر و النواهي
اعلم ان الالفاظ صفات منفصلة عن الموضوعات فمن الالفاظ ما وضع للماهيات للحاجة الي التعبير عنها و منها ما وضع للافراد للحاجة الي التعبير عنها و من الالفاظ الاوامر و النواهي و اسماء الاجناس و لما كان بني العباد ضعيفة لايقدرون علي تعلم اسماء جميع الافراد التي لانهاية لها بل كان ممتنعاً و كان لله سبحانه تكليف في كل فرد علق الفاظ احكامه علي المهيات لسهولة الضبط و كلفهم باتيان فروعها و افرادها فامر بالماهية و نهي عنها علي طبق علينا ان نلقي اليكم الاصول و عليكم ان تفرعوا و اراد منهم الامتثال بالافراد و الانتهاء عنها فامرهم بماهية الصلوة و اراد منهم افرادها و نهاهم عن الغصب و اراد الاجتناب عن افرادها و يشهد بكون تلك الالفاظ موضوعة للماهيات تصريحات اهل اللغات حيث لميفسروا شيئاً منها بالافراد فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الفرد مركب من ظهور الماهية و صورة شخصية فتلك الظهور مادة الشخص و تلك الشخصية صورته و يتصور هنا في صلاحهما و فسادهما اربعة اقسام فقد يكون المادة طيبة و الصورة طيبة ايضا و قد تكون خبيثة و ان كان المادة خبيثة فقد يكون الصورة طيبة و قد تكون خبيثة كما ان الخشب طيب و قد يصور بصورة ضريح و قد يصور بصورة صنم و العذرة رجسة و قد تصور بصورة انسان مثلاً و قد تصور بصورة خنزير و في عالم الصورة الظاهرة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 420 *»
المدار علي الصور الاتري ان الفقهاء يقولون اذا نزي كلب علي شاة فان كان الولد علي صورة الكلب هو رجس نجس و ان كان علي صورة الشاة هو طيب و المادة واحدة و كذلك الكب نجس مادام كلباً فاذا وقع في الملاحة و تملح هو ملح و شفاء فكذلك النكاح مثلاً نكاح بنت العم هو مادة طيبة فقد تنكحها علي كتاب الله و سنة نبيه فهو حلال مادة و صورة و قد تنكحها و هي في عدة من غيرك فنكاح بنت العم حلال و اما صورة الفرد حرام و خبيث و شرب الخمر مادة خبيثة فقد تشربها في اناء الذهب فيكون الفرد خبيثاً مادة و صورة و قد تشربها في اناء زجاج فاستعمال اناء الزجاج طيب و الشرب خبيثة فاذا كان العمل مادة و صورة طيبة فانت مطيع مطلق او خبيثة فانت عاص مطلق و اذا اختلفا فانت مطيع عاص كما سئل ابوجعفر7 عن رجل تزوج عبده بغير اذنه فدخل بها ثم اطلع علي ذلك مولاه قال ذاك لمولاه ان شاء فرق بينهما و ان شاء اجاز نكاحهما الي ان قيل له فانه في اصل النكاح كان عاصياً فقال ابوجعفر7 انما اتي شيئاً حلالا و ليس بعاص لله انما عصي سيده و لميعص الله ان ذلك ليس كاتيان ما حرم الله من نكاح في عدة و اشباهه انتهي فاذا اتفق عمل للمكلف بسوء اختياره انه من حيث المادة حلال و من حيث الصورة حرام وجب عليه الانتهاء عنه لقوله9 ما اجتمع الحرام و الحلال الا غلب الحرام الحلال و يشهد علي ذلك اخبار كثيرة رويناها و اشرنا اليها في شرح النتايج و فصل الخطاب و كذلك اذا كانت المادة محرمة و الصورة محللة تغلب المادة الصورة لان المادة التي هي الاصل منهي عنها و وجب تركها و اذا ترك المادة تستقر الصورة بلامادة فتغلب المادة الصورة لما مر و لاحاديث لاتحصي اشرنا اليها فيهما و ليس الامر هنا ككلب وقع في ملاحة فاستحال ملحاً بل هو ككلب تلطخ بالملح فلايحل و لو استحال لحل لامحالة الاتري ان شرب الخمر في الزجاج ليس يحيل الخمر عن خمريته و من ذلك ما قال ابوعبد الله7 لمن سرق رغيفتين و رمانتين و تصدق بها انك لما سرقت رغيفيتين كانت سيئتين و لما سرقت الرمانتين كانت ايضاً سيئتين و لما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 421 *»
دفعتهما الي غير صاحبهما كنت اضفت اربع سيئات الي اربع سيئات و لمتضف اربعين حسنة الي اربع سيئات.
فصل في ان الامر هل يقتضي الاجزاء ام لا
اعلم ان الامر موضوع لطلب الفعل و الذي يصدر من الشارع يجب امتثاله و لايدل امره الا علي ايجاب ما طلب و امتثال ذلك الامر مع الاتيان بشرائط الصحة يقتضي الصحة و براءة الذمة التي اشتغلت بسبب ذلك الامر و الاجزاء و تركها اختياراً يقتضي عدم البراءة و مع التعذر فالله اولي بالعذر و يقوم النية مقامه اذ بنياتهم خلدوا و نية المؤمن خير من عمله و ان تعذر البعض فالله اولي بالعذر لقول ابي عبد الله7 كلما غلب الله عليه من امر فالله اولي بالعذر و قال7 الناس مأمورون و منهيون و من كان له عذر عذره الله و ان كان شرط الصحة فريضة وضعت لنفسها كالوضوء عند من يقول بانه فرض مستقل و الصلوة مشروطة به فان تعذر الوضوء لايرتفع الحدث المانع عن الصلوة و اما المشروط فصحيح لان الله اولي بالعذر و قيام الامر الموجب للصلوة فوقه و قوله9 اذا امرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم و لقوله لايترك الميسور بالمعسور و لقوله مالايدرك كله لايترك كله ففاقد الطهورين يصلي و لايتمسك بقوله لاصلوة الا بطهور فانه في وقت الامكان و من اضطر غير باغ و لاعاد فلااثم عليه و القضاء مع ذلك احوط لفقد رافع المانع و فقد البدل المبيح.
(ظ فصل)
اذا ورد اوامر معطوفة بعضها علي بعض كأن يقول اذا دخل عليك الوقت فقم و اقرأ كذا و كذا و امش الي المسجد و قدم رجلك اليمني و افعل كذا و افعل او في مثل الزيارات قم فاغتسل و اقرأ كذا و امش كذا و ادخل كذا و قف كذا و هكذا ايدل الامر و عطف بعض علي بعض علي ان كل مأمور به شرط للاخر فلايتم الامتثال الا بالمجموع ام لا.
اعلم ان اصل الامر لايدل الا علي الطلب و طلب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 422 *»
الله عزوجل ايجاب و يدل علي الوجوب الا ان يقوم قرينة علي ارادة غيره و عطف البعض علي البعض يدل علي ان الامر يريدهما معاً و يطلبهما (يطلبها@) معاً و اما ان احدهما (احدها@) شرط صحة الاخر فلاتدل عليه باحدي الثلث اللهم الا اذا كان فريضة مبهمة او مندوب اليه مبهم و سئل عن كيفيتها فشرحها فذلك يدل علي ان جميع ما ذكر صفة تلك المبهمة اللهم الا ان يقوم دليل علي شيء انه ليس بجزء و لاشرط لتلك الفريضة و كذا المندوب اليه. يدل علي ذلك قول علي7 السنة سنتان سنة في فريضة الاخذ بها هدي و تركها ضلالة و سنة في غير فريضة الاخذ بها فضيلة و تركها الا غير خطيئة انتهي ففي المندوب اليه و ان لمتكن فرضاً و لابأس بتركها الا ان ذلك العمل الموصوف لميؤت به اللهم الا ان يدل دليل اخر علي ان تلك الاوصاف ليست باجزاء ذلك المندوب اليه و لا من شروطه.
الباب
في النواهي و فيه فصول
فصل في اجتماع الامر و النهي
اعلم ان الحكيم العدل الرؤف لايأمر عبده بمالايطيق و ليس من العدل و الحكمة ان يأمر بشيء واحد شخصي و ينهي عن ذلك الشيء من جهة واحدة فان الله لايأمر الا بما فيه الصلاح و لاينهي الا عما فيه الفساد و الشيء الواحد من جهة واحدة لايكون صالحاً فاسداً و ان كان للامر و النهي جهتان مختلفتان فهما عامان مختلفان اجتمعا في فرد واحد فذلك الفرد بلحاظ من افراد هذه و بلحاظ من افراد هذه و لايمكن في الخارج ان يأتي بالشيء الواحد ذي جهتين عن علم و لايكون تحت العامين كالصلوة في الارض المغصوبة للعالم بالغصب فكما يكون صلوته تحت مهية الصلوة تكون تحت ماهية الغصب لانها حركات و تصرفات في مال غيره و لايحل لاحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه فيغلب الحرام الحلال لقوله9 ما اجتمع الحرام و الحلال الا غلب الحرام الحلال نعم اذا كان جاهلاً بالغصب و ليس بغاصب و صلوته تحت مهية الصلوة المحبوبة و ليست تحت الغصب المعلوم الذي نهي عنه قال ابوجعفر7
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 423 *»
في حديث فمن جهل وسع له جهله حتي يعرفه فاذا عرف تحريمه حرم عليه و وجب عليه فيه العقوبة اذا ركبه كما يجب علي من يأكل الربوا انتهي و قال ابوعبد الله7 اي رجل ركب امرا بجهالة فلاشيء عليه فبعد ما علم بالغصب لمالكها اجرة المثل و مضي صلوته صحيحة و يحتاج القضاء بعد الوقت الي امر جديد و اما الاعادة في الوقت فهو فرع الفساد و الفساد فرع النهي ولميكن الجاهل منهياً عما يجهله و لايرد هنا قوله7 من جهل السنة رد الي السنة فانه جهل الموضوع لا السنة بل لايصدق عليه الغصب و لم يصل في المغصوبة و اما من جهل الحكم و صلي في المغصوبة عمداً ثم علم الحكم فقد خالف السنة و يجب رده الي السنة فيعيد و يقضي هذا في الامر الخارجي و اما في الذهن فيمكن التفكيك كأن تحب رجلاً من حيث و تبغضه من حيث فيرجعان الي الحيثين فيحب ايمانه مثلاً و حيث انه مؤمن و يبغض عصيانه و حيث انه عاص.
فصل
في العبادات التي نهي عنها في خصوصيات نهي تنزيه و يعبر عنها بمكروه العبادة
اعلم ان الله سبحانه لميأمر العباد الا بما يقربهم من الجنة و يبعدهم من النار و لمينههم الا عما يبعدهم من الجنة و يقربهم من النار و كل مهية عمل له مقدار اثر معين من هذا التقريب و التبعيد و لذلك اختلف ثواب الاعمال ثم ان العمل حادث و لابد لظهوره في هذا العالم من مكان و زمان و كمّ و كيف و جهة و رتبة و وضع و قرانات و نسب و هذه الحدود ايضاً لها تناسب و تضاد و تنافر لتلك الاعمال فمنها ما يوافق العمل و منها ما يخالف و منها ما يضاد و منها ما لايوافق و لايخالف فاذا وقع العمل فيما لايخالف و لايوافق يكون له اثره علي ما يخصه و اذا وقع فيما يوافقه يزداد نوراً علي نور و يزداد نور مادته ايضا و اذا وقع فيما يخالفه يحجب ظهور نوره و ينقص نور مادته و ان وقع فيما يضاده يبطل نوره و بهاؤه فالاول كالصلوة في البيت و الثاني كالصلوة في المسجد و الثالث كالصلوة في الحمام و الرابع كالصلوة في المغصوب فيعبر عن ما يحجب بعض نوره و يكسر ظهوره و ينقص نوره بمكروه العبادة و اما سر تعلق النهي باصل العمل في الاخبار
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 424 *»
نحو لاتصل المكتوبة في الكعبة مثلاً بلسان اهل الظاهر تعلق الحكم الي القيد الزايد و كون القيد علة الحكم فمعناه لاتوقع الصلوة في الكعبة تنزيهاً عن الحرمان عن ما ينقص من ظهور نور الصلوة و اما بلسان اهل الحكمة فالمواد تختلف و تتغير احوالها في الصور البتة كما ان الخشب في صورة الضريح يطيب و يحسن و يزداد كمالاً و في صورة الصنم يزداد خبثاً و قبحا و نقصا كذلك العمل اذا تصور بصورة ليس بخبيث و لاطيب يباح و اذا تصور بصورة ينقص حسنه يكره و اذا تصور بصورة يزيد حسنه يستحب و اذا تصور بصورة خبيثة ينهي عنه نهي تحريم و ذلك كالصوم فانه مادة حسنة نوعاً في ذاته و لكنه في صورة العيد يحرم و في صورة يوم الاثنين يكره و في صورة شهر رمضان يجب و في صورة الثلثة الايام يستحب و في صورة يوم السبت يباح هذا و قد يتفق ان في حدود كثيرة حد مضاد بالمهية ولكن يصعب علي العباد الاطلاع عليه فلو كانوا يعلمونه@ لنهوا عنه نهي تحريم و لكن لجهلهم ينهون عن تلك الحدود نهي تنزيه لينجو المتقون و لايعسر علي المقتحمون و ذلك كما انه قد يتفق في بعض الثقب حيوان سمي لداغ فان علم بخصوصه اجتنب البول فيه و لكن لايعلم فينهي عن البول في الثقب لينجو المؤمن من شره و لايعسر علي غيره التكليف.
فصل
في دلالة النهي علي الفساد
اعلم ان الله جل و عز امر باشياء فيها صلاح الخلق و نهي عن اشياء فيها فساد الخلق فمن ارتكب ما فيه صلاحه صلح و من ارتكب ما فيه فساده فسد و ان الله لايحب الفساد و يحب الصلاح فكل ما كان محبوباً لله مأموراً به فهو صالح و امتثال الامر علي ما امر يقتضي الصحة و ممتثله مثاب و كل ما كان مبغوضاً لله منهياً عنه فهو فاسد و مرتكبه عاص سواءاً كان العمل علي صورة عبادة او غير عبادة ثم قد يتعلق النهي بنفس فرد نحو لاتصم يوم العيد و لاتبع بيعاً ربوياً و قد يتعلق بجزئه نحو لاتقرأ العزائم في الصلوة و لاتدع الثمن مجهولاً او بشرطه نحو لاتدع ثوبك نجساً في الصلوة و لاتبع الملاقيح علي ان شرط البيع القدرة علي التسليم او بوصفه الداخل نحو لاتجهر في النهارية و لا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 425 *»
شغار في النكاح او الخارج كالنهي عن الصلوة في المغصوبة و البيع وقت النداء او بشيء خارج مقارن كالنظر الي الاجنبية حال الصلوة و البيع اما النهي عن نفس الفرد فهو اذا كان نهي تحريم يدل علي الفساد و كذلك اذا كان النهي عن جزئه او جزئه او شرطه او وصفه الداخل و جميع ذلك لان من خالف الكتاب و السنة ردّ الي الكتاب و السنة كما روي و لاجتماع الحرام و الحلال في فرد خاص و اما الوصف الخارج فلقوله9 ما اجتمع الحرام و الحلال الا و غلب الحرام الحلال و اما الخارج المقارن فلايفسد العمل به لحصول الامتثال بنفس العمل و عدم اجتماع الامر و النهي في نفس العمل و انما اتفق المقارنة و عدم دليل علي الفساد و ورود الامتثال علي اصل الفساد و الاشتغال و اعلم ان النهي علي ما ذكرنا يدل علي الفساد اذا كان بلامعارض او بلامعارض مساو و اما ان كان له معارض خاص او عام او مقيد او مطلق فالمدار علي الترجيحات المأثورة و محض ورود النهي لايدل علي شيء فلعله منسوخ او تقية فتنبه.
الباب في المفاهيم و فيه فصول
فصل
المنطوق ما يدل عليه اللفظ بحسب الوضع اولاً و بالذات و المفهوم ما ينتقل اليه السامع من المنطوق ثانياً و بالتبع فالمنطوق اما صريح في معناه و هو ما يدل عليه بالمطابقة او غير صريح و هو ما يدل عليه بالالتزام و دلالة غير الصريح علي اقسام دلالة الاقتضاء و هي بان يكون في الكلام حذف و عرف بلزوم كذب او امتناع عقلي او شرعي نحو رفع عن امتي الخطاء و اسأل القرية و اعتق عبدك عني بالف و دلالة التنبيه و الايماء فهي من اقتران الجواب بالسؤال حيث يدل علي علية السؤال للجواب نحو قوله كفر بعد قوله جامعت شهر رمضان و دلالة الاشارة فهي من ضم كلام مستقل في معناه الي كلام اخر و استلزامها معني اخر نحو و حمله و فصاله ثلثون و يرضعن اولادهن حولين حيث يعرف منها ان اقل الحمل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 426 *»
ستة اشهر و الحق ان هذه الدلالات كلها عقلية يفهمها العقل بعد سماع اللفظ و قد يمكن ان لايكون المنطوق مراداً و المفهوم مقصوداً كما في قوله تعالي بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون و المفهوم حجة اذا لميعارضه نص منطوق فان عارضه فالمنطوق مقدم و دليل عدم ارادة المفهوم و يدل علي ذلك قول ابيعبدالله عليه السلام في حديث فان الله جل ثناؤه يقول فمن تعجل في يومين فلااثم عليه و من تأخر فلااثم عليه فلو سكت لميبق احد الا تعجل و لكنه قال و من تأخر فلااثم عليه انتهي و ذلك ان مفهوم@ فمن لميتعجل في يومين فعليه اثم فلما عارضه المنطوق علم ان المفهوم لميكن مقصوداً هذا و تقييد المنطوق له فوائد كثيرة فان علم الفائدة يرجع الكلام اليه و الا فمع عدم القراين فالمفهوم متعين و مفهوم كل كلمة نفيها و خلافها فقولك ان جاءك زيد اليوم فاكرمه فان اخذ مفهوم جاءك فهو لميجئك اي ان لميجئك زيد اليوم فلاتكرمه و مفهوم زيد غير زيد اي ان جاءك غير زيد اليوم فلاتكرمه و مفهوم اليوم غير اليوم اي ان جاءك زيد في غير اليوم فلاتكرمه و علي هذه فقس ماسواها و فهم المفهوم من المنطوق شئ طبيعي يعرفه الاطفال و النساء و العوام و لايخفي علي احد من اللسان فهو حجة لانه فهم من كلام الحجة بداهة و ما تنازعوا فيه ان كان غير مفهوم من المنطوق فلانزاع و ان كان مفهوما فلاينبغي النزاع لما عرفت و ستعرف ان شاء الله.
فصل
مفهوم الموافقة و هو ما يفهمه العقل من اللفظ ثانيا و بالتبع بطريق الاولوية كما يفهم حرمة الشتم من قوله لاتقل لهما اف و ذلك يختلف بحسب المقامات و لايجوز العمل اذا كان ظنياً و هو من افراد القياس المحرم و الرعية لايعرفون الاولي من غير الاولي اذا لايعرفون علة الحكم و اذا علم بسبب القراين الشرعيه و العرفيه علي سبيل القطع علة الحكم ثم عرف اولوية شيء من تلك الجهة علي القطع و اليقين جاز الاخذ به و الا فلا.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 427 *»
فصل
مفهوم الشرط و المراد به اصطلاح النحاة و اهل العربية و هو حجة لما روي عن ابيعبدالله عليه السلام انه سئل عن الشاة تذبح و لاتتحرك و يهراق منها دم كثير عبيط فقال لاتاكل ان علياً عليه السلام كان يقول اذا ركضت الرجل او طرفت العين فكل و قال في حديث ابرهيم انما قال فاسألوهم ان كانوا ينطقون ان نطقوا فكبيرهم فعل و ان لمينطقوا فلميفعل وقال في حديث فان الله جل ثناؤه يقول فمن تعجل في يومين فلااثم عليه و من تاخر فلااثم عليه فلو سكت لميبق احد الا تعجل ولكنه قال و من تاخر فلااثم عليه و قال في قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه قال ما ابينها من شهد فليصمه و من سافر فلايصمه و المدار في المفهوم علي فهم الانسان اياه من المنطوق فان فهم فهو الحجة و ان لميفهم لقرينة فليس بحجة و القانون الذي عرف من الاخبار في اخذ المفهوم جعل الايجاب سلبا و السلب ايجابا و يكون باقي الالفاظ علي حاله كما نبهوا علي مفهوم اية ابرهيم ان لمينطقوا لميفعل و في اية الصيام من لميشهد لميصم و في اية الحج من لميتعجل فعليه اثم و في حديث الذبح اذا لميركض و لميطرف فلاتاكل فعلي ذلك المفهوم في مثل اذا جاءك العلماء فاكرمهم اذا لميجيئوا فلاتكرمهم و في مثل اذا جاءك العلماء فتصدق اذا لميجيئوا فلاتتصدق و في مثل ان جاءك زيد فاكرم العلماء ان لميجئك فلاتكرمهم و في مثل ان جاءك زيد فلايجب عليك اكرام بعض العلماء ان لميجئك يجب اكرام بعض العلماء.
فصل
في مفهوم الوصف وقد ذكرنا ان المفهوم شيء يفهم طبعاً و لاحاجة له الي الاستدلال فان فهم من كلام الحجة فالعمل به لازم و لاحاجة الي نزاع و المأثور فيه حجيته كما روي عن ابيعبدالله عليه السلام في حديث و اما خلاف الكلب مما تصيده الفهود و الصقور و اشباه ذلك فلاتاكل من صيده الا ما ادركت ذكوته لان الله عزوجل يقول مكلبين فما كان خلاف الكلاب فليس صيده بالذي يؤكل الا ان تدرك ذكوته انتهي و ذلك ان كلّبه اي علمه الكلبية
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 428 *»
التي تنبغي لاخذ الصيد و قال الرضا عليه السلام في حديث اليس يقول بغير عمد ترونها قيل بلي قال فثم عمد و لكن لاترونها و لاشك ان الحكيم لايقيد كلامه بقيد الا لتخصيص الحكم به و العبرة بكلام العلماء و الحكماء الاتري ان العلماء اذا عرفوا شيئاً بتعريف و لميوافق طرداً او عكسا زادوا فيه قيدا ليدخل الداخل و يخرج الخارج و كذلك الله و حججه اذا قيدوا بقيد يكون تعلق الحكم به هذا و هو قطعي و خلافه لادليل علي شمول الحكم اياه فلايجري عليه مسلماً و لو كان حكمه كحكم المنطوق لعمم القيد او رفعه فحكمه علي خلاف حكم المنطوق هذا و نقول لهم ان تفهمون هذا المعني فلانزاع فيما يفهم من كلام الحجة و ان لايفهم منه فلانزاع ايضا و لكن وجدنا الاطفال يفهمون المفاهيم ولايخطؤن . . . . . .