19-15 مکارم الابرار المجلد التاسع عشر ـ فائدة في ان الله قد تکفل عن العبد ما ليس له صنع فيه ـ مقابله

 

فائدة في ان الله قد تکفل عن العبد ما ليس له صنع فيه

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 395 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

فائدة مهمة: اعلم ان الذي يحتاج اليه العبد اما له قدرة في الصنع فيه او ليس له قدرة في الصنع فيه اما الاول فهو موكول الي العبد و ان كان هذا ايضا بمبادي ليس للعبد فيها صنع و بمشية لله هي روح صنع العبد علي التفصيل المقرر في مقامه و انما وكل الله ذلك الي العبد ليخرجه من البطالة و الاضاعة و الغي و التعطيل لطفا منه سبحانه في تدبيره و ذلك كالزرع مثلا فان للعبد اثارة الارض و نثر الحب و السقي بعد اجراء المياه و حفر الابار و امثال ذلك و اما ما ليس له صنع فيه فان الله سبحانه قد تكفل ذلك باسباب اخر و كفي العبد مؤنته كاجراء الافلاك و تسيير الكواكب و اجراء الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الارض و انبات النبات و خلق الجنين و امثال ذلك فقد تكفل الله هذه الامور باسباب اخر فوق صنع العبد تجري بامر الله و لا صنع للعبد فيها و هذه الكلية جارية في التشريح كما هي سارية في التكوين ففي التشريع ايضا امور للعبد فيها صنع و قد وكل الله اليه امره بمشيته و يجب عليه العمل به و ان كان القدر روح عمله لا يعمل الا به و ذلك كالتدبر و التفكر و النظر و الجد و الطلب من محله و عند اهله و مجالسة اهل العلم و مسائلتهم و امثال ذلك و اما الخفايا و البواطن الغيبية التي لايعلم بها العبد مما لاصنع له فيها و له حاجة فيها ففي الحكمة تكفل الله سبحانه امر ذلك باسباب اخر و وكل بها اسبابا اخر لها صنع فيها مثلا ان العبد يقدر ان يطلب بعثة النبي و يصغي الي مدعيه و يطلبه ولكن لايقدر علي معرفة المحق من المبطل و السحر من المعجز فانما ذلك علي الله سبحانه فان العبد يحتاج الي معرفة ذلك و لا صنع له فيها و لايقدر للكشف عن حقيقتها فذلك علي الله ان يقرر المحق و يبطل الباطل ليسد حاجة عبده كما كان يحتاج الي الحنطة مثلا و عمل ما له الصنع فيه من نثر البذر و اثارة الارض و السقي و اما ما لم‌يكن له الصنع فيه كالانبات تكفله الله سبحانه له و انبته كذلك في معرفة النبي و الائمة: اذا صنع العبد ما له

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 396 *»

فيه صنع فالباقي الذي لا صنع له فيه من معرفة الحق من الباطل علي الله سبحانه و كذا الامر في اقوالهم و شرايعهم فانما علي العبد اخذ الرواية عن الرواة و النظر فيها بقدر ما له فيه صنع كالعرض علي الكتاب المستجمع علي تأويله و السنة الجامعة الغير المتفرقة و ما علم من اجماع العامه في عصر صدور الخبر ان علم و ذلك غالبا لايعلم الا من نفس الخبر الصادر تقية فان لنا صنع في هذه الثلثة في بعض الموارد و ان لنا علما قطعيا بها اذا كانت علي ما وصفنا فان وافقت الاولين او احدهما او خالفت الاخير علمنا صحتها بصنعنا و لزمنا التعبد بها و ان كانت بعكس ذلك بان خالفت الاولين او احدهما او وافقت الاخير علمنا انها لايجوز التعبد بها لمخالفتها المقطوع بحقيته فندعها و لما لم‌يكن بايدينا امر مقطوع به يدل علي صحة الخبر في هذه الايام غير ما ذكرنا ليس لنا صنع في تصحيح ساير الاخبار التي ليس في الكتاب و السنة ما يوافقها او يخالفها و لانعرف من اجماع العامة في ذلك شيئا و جميع ما ذكر اهل الاصول من اسباب عدم القطع و حصول الشك موجودة و هم صادقون فيه و علم الرجال غير مجد في صحة الاخبار شيئا لظنية نفسه و القرائن معدومة و التواتر مفقود و يحتمل في كل خبر ما ذكروا من اسباب عدم القطع بحسب الظاهر و ليس لنا صنع في علم الغيب و لانعلم الغيب فذلك موكول الي عالمه و يجب ان يكون هو المتكفل به لحاجة العباد اليه مع عدم القدرة عليه فحفظ الاخبار علي مصادرها يحفظونها عن جميع تلك الاسباب و يمنعوا المحرفين و الداسين و المأولين عن التصرف فيها و ذلك قوله تعالي اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و قال قبلها اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون فلماكان الله سبحانه هو المتكفل علي ذلك باسبابها قال فلاتخشوهم و اخشون فنحن نرجع الي رواة الاخبار الذين هم القري الظاهرة و نسير فيها ليالي و اياما آمنين و نزرع في الارض بقدر صنعنا و الانبات علي الله فما انبت من ثمرة نأكله و نحمد الله و هو علي الله فعلي هذا الاصل الاصيل جميع اخبارنا الا ما خالف المقطوع به صحيح الصدور لا ريب فيه فمن زعم غير ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 397 *»

فقد ادعي ما ليس له به علم و ان قال لا اعلم هل هي صحيحة ام لا؟ فليس لمن لايعلم حجة علي من يعلم و اعلم انك ان تنكبت ما قلت وقعت في تيه الظنون و ان الظن لايغني من الحق شيئا و اما العمل بها و استنباط الاحكام منها فاذا نظرت فيها و فيما نصبوا من القرائن عليها تغنيك عما سواها فلاتطلب فهمها قبل الدخول فيها فتتيه كما تاهوا و يعوق عليك العلم كما عوق عليهم و الحمد لله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا كتبه بيمناه الداثرة كريم بن ابرهيم في شهر جمادي الاول 1256.