فائدة في عدم حجية العقول المختلفة و لزوم وجود عقل قاطع
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 381 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
فائدة مهمة: اعلم اني كلما اتفكر في الافاق و في الانفس اجد العقول و الافهام مختلفة لاني اجدها مشوبة بالعادات و الطبايع و الشهوات و الغضب مصبوغة بها حتي لااكاد اجد عقلين مطابقين فكلما يحسنه واحد يقبحه الاخر و كلما يقربه واحد يبعده الاخر حتي ان حق قوم عند قوم باطل و محاسن قوم عند قوم مثالب و رأيت كل شيء يثقفه دليل عقلي يعوجه دليل عقلي آخر و كل شيء يثبته دليل من واحد ينفيه دليل من آخر بل الشخص الواحد ان شاء استدل علي اثبات شيء و ان شاء استدل علي نفيه ان كان ماهرا في الاستدلال فاذا اي عبرة بهذه الاستدلالات التي لاتفيد في الحقيقة الا الظن و كيف يناط عليها امر الدين و يبني عليها اساسه و لذلك لميرتض الله لدينه الا ان يبعث الرسل و ينزل الكتب و يشرع الشرايع و يبين حكم كل جزئي و كلي فالواجب علينا اتباع السمع و النطق اليقينيين و الا فهما اوهن من الاستدلالات العقلية فمن كان منا مشاهدا للحجج: كان عليه اتباع ما افتوا به في جميع امور الدين من التوحيد فمادونه الي ارش الخدش فما فوقه و اما من بعد عنهم فلامحيص له ايضا عن اتباع ما صح عنهم و كان يقينيا فاول اليقينيات يومنا هذا الكتاب فوجدنا الامة علي اختلاف فرقها مجمعين علي ان القرآن كتاب الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و ذلك من القطعيات و وجدنا معانيها اقساما فمنها مجمع علي العمل بمضمونها و منها ما اختلفت الامة فيه فمنهم من لميجوز العمل بالباقي الا بنص من الحجج و منهم من اطلق العمل بالظواهر فالآن لا سبيل لنا الي العمل بالظواهر حتي نري ما يقتضيه الاخبار فانا الان لانقدر علي الاستدلال بالعقل و لا بالاجماع و لا بظواهر الكتاب فنذر ظواهره في سنبلها حتي نري ما يلزمنا ثم بعد ذلك عندنا ضروريات ثلث هي من اليقينيات و هي ضرورة الامة و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 382 *»
ضرورة المذهب و ضروري اهل النظر فهذه الثلث ايضا لا محيص لنا عن اتباعها فهذه الاربع هي المعرض و خامس و هو ما اجمع العقول علي حسنه او علي قبحه بحيث لايخالف فيه احد احدا و ذلك لانا نعرف نبوة النبي و امامة الامام بما اجمعت العقول عليه فلو صدر عن رجل ما يقبحه العقول ننكر امامته و نبوته و مروته فكيف لايكون مثل هذا المعقول حجة ثم بعد ذلك مما اجمعت الفرقة عليه ان في زمان غيبة الحجة مرجع الشيعة الاخبار المأثورة و الحجة فيها فهم علي اختلاف فرقهم متفقون علي ذلك لاينكره احد منهم فهو المتبع و يجب الرجوع اليها و طلب الحجة منها ولكن وجدناهم مختلفين فيها فمنهم من انقاد لكل خبر كالحشوية و منهم من انقاد لكل خبر عمل به الاصحاب او دلت القرائن علي صحته و منهم من انقاد للصحاح و الحسان و منهم من انقاد للصحاح و منهم من انقاد للمتواترات دون الاحاد و منهم من انقاد لما صححه الاصحاب فنقول لهم انكم مع اختلافكم متفقون علي ان الحجة في هذه الاخبار في جميع الاعصار و اختلفتم في تحصيلها منها و نحن نطالبكم بدليل قطعي فايكم جاء به علي مذهبه هو الحق اما من انقاد منكم لكل خبر فذلك قول بلا حجة فان الخبر من حيث نفسه يحتمل الصدق و الكذب و لايعبد الله بما يحتمل انه علي خلاف رضاه و باطل و لا دليل لكم علي ذلك من كتاب و لا ضروري و لا عقل و يلزمكم التناقض لان في هذه الاخبار ان الكذبة كانوا يكذبون علي كل امام و علي رسول الله صلي الله عليه فان صدقتم الاخبار ففيها الكذب و ان كذبتم عدلتم عن قولكم و اما من انقاد لكل خبر عمل به الاصحاب فان اراد جميعهم فلايحاط بهم و ان اراد بعضهم فاي حجة فيه و ذلك البعض مثلك انت و نطالبه بدليل عمل به و ليس هذا الانقياد في كتاب و لا اجماع و لا عقل و هم عملوا باخبار مختلفة كما هو مشهود و منهم من عمل بالخبر ظنا بصحته و منهم من عمل بالخبر لادلة لاتريها دليلا و لاتجوزها و اما ما دلت القرائن علي صحته فان كانت ظنية فلا حجة فيها و ان كانت قطعية فدون اثباتها خرط القتاد فان صحة صدور الخبر بعد العلم بوقوع دس الداسين و ساير احتمالات الاصوليين لايمكن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 383 *»
اثباتها ابدا و اما من انقاد للصحاح و الحسان او الصحاح وحدها فلعمري ان كانت الاخبار مكذوبة فلانأمن علي كذب الاسانيد ايضا و ان كانت صحيحة فلاحاجة الي الاسانيد اللهم الا ان يراد من مراجعة الاسانيد الترجيح و الا فلافائدة فيها و اما من انقاد للمتواترات فلعمري يلزمه ترك الكل اذ المتواتر القطعي في الاخبار يومنا هذا معدوم و العلم بتواتر الاخبار عسير جدا فان حصل و لن يحصل ابدا ففيه الحجة ولكن اني و متي؟ و اما من انقاد لما صححه الاصحاب فبعد انه تقليد نطالبهم بدليل من الخمس القطعي و اذ ليس لهم فلاحجة فيه و ان قلت يحصل لنا العلم بصحة الصدور بتصحيح الاصحاب فلعمري لايحصل فان اجتهاد واحد لايفيد العلم لاخر ابدا و من المصححين من يصححه بالظنون و الاجتهادات و قرائن ظنية فكيف يجوز لمن يعمل باليقين الاتكال عليه بالجملة جميع ذلك ظنون يتبعونه و نحن نطالبهم بدليل عقلي او اجماعي او كتابي فليأتوا بسلطان مبين ان كانوا صادقين و عند الانصاف لايعمل مستوجبهم للعلم الا بالظنون و جميعهم سواء في العمل بالظن و اكثرهم يعمل بنتيجة الادلة سواء افادت الظن او لمتفد عند التحقيق و لاشك ان كل ماسوي اليقين يحتمل فيه مطابقة رضا الله و مخالفته و ما يحتمل فيه مخالفة رضا الله لايعبد به الله و يدل علي ذلك سبعون آية من كتاب الله و اجمعت الامة علي ان مضمون تلك الايات ان الظن لايغني من الحق شيئا فمنهم من خصها بزمان من غير برهان و منهم من تركها من غير دليل و الا اتفقوا علي ان معانيها عدم جواز العمل بالظن و ان اتفقت الامة علي معني آية و انها غير منسوخة ثم خالف قوم اياها لايضر مخالفتهم بالاية و اهلها و انما تضربهم حيث خالفوا فاقول اتفقت الموحدون ان الله كامل و اتفق المسلمون علي ان دين الله كامل و علي معني الاية اكملت لكم دينكم و اتفقت الشيعة علي ان الارض لاتخلو من حجة و اتفقت العقلاء علي انه لايجب رؤية المتصرف فيه المتصرف فان الله يتصرف في الناس و الملائكة و الشيطان و لايرون و اتفقت الشيعة علي ان الامام اليوم موجود و اتفقت الامة علي ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 384 *»
واجب و لايجوز تركهما الا عند الخوف او شروط اخر ليس هنا محل ذكره و لا شك ان الائمة شهداء علي الناس لقوله ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء علي الناس و بنص الكتاب لكل امة شهيد يوم نبعث من كل امة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيدا و لاشك للشيعي ان الائمة شهداء علي الخلق و تواتر بذلك اخبارهم معني و من انكر هذه الفضيلة لهم فقد انكر الكتاب بلاارتياب و لايضر بقطعية الدليل انكار من حاد عن السبيل و لاشك ان الزيادة في الدين و النقص منه منكر و حفظ الدين واجب علي الحجة و لاشك ان الامام ليس باعجز من الشيطان باجماع الشيعة و تواتر الاخبار و ان الله يقول و ان جندنا لهم الغالبون و حزب الله هم المفلحون و ان كيد الشيطان كان ضعيفا و يقول بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه و قال يحق الله الحق بكلماته و يبطل الباطل و امثال ذلك من الايات المحكمات و الشيطان قادر علي الاغواء فكيف لايقدر الحجة علي الهداية و هو الهادي و الائمة الهداة هم باجماع الشيعة فاذا كان الامام قادرا شاهدا مأمورا من الله بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و لايخالف علي نفسه لغيبته فان زاد المؤمنون شيئا يجب ان يردهم و ان نقصوا شيئا يجب ان يكمله لهم و يجب ان يحفظ الدين عن دس الداسين و تحريف المحرفين و جميع ما يلبسه علي المؤمنين و بذلك استفاضت اخبارهم صلوات الله عليهم و هي مطابقة للكتاب و ادلة العقل و ضرورة الشيعة و يقينياتهم فوجب عليهم اصلاح الدين عن فساد المفسدين و هداية المهتدين الي الحق المبين فمن امتثل منا اوامرهم و دخل من حيث امروا وجب ان يصل الي الحق البتة فقد امرونا بالرجوع الي هذه الاثار و الكتاب بالاجماع و ليس عليهما علامة نعرف بها صحيحهما من سقيمهما كما عرفت و الظنون غير معتبرة و لابد من علامة قطعية فبعد اذ امرونا بالرجوع الي الاثار وجب علينا الرجوع اليها و تعريف حقها من باطلها عليهم فما خالف من ذلك اليقينيات الخمسة نتركه و ما وافقها نأخذها و ما لميخالف و لميوافق فماكان يرويه مجهول او فاسق فجبلت
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 385 *»
القلوب علي عدم تصديقها علي الله و رسله و حججه و نهوا عنه و ما كان عن ثقة فان كان يصححه يعمل به او لايعمل به و يخبر عن يقين فلامحيص عن الاخذ به فانهم امرونا بالرجوع الي الاثار مطلقا و لميميزوا بينها و لميفرقوا شيئا منها عن شيء و لمينهوا عن هذا بل امروا بالاخذ بخبر الثقة في روايات مستفيضة فبقي تحت عموم قولهم و هو مسدد و مصحح لان عليهم رد السقيم و قبول الحكيم و ما كان يرويه و لا يصححه فان كان يوافق اصلا او مطلقا او عاما صحيحا فلابأس به و ما كان يخالف و لايخرج في العمل به عن العمل باليقين فلابأس به و ان كان يخرج به عن اليقين فلايجوز العمل به و ليس بمسدد و مقرر فانه كمن يقول بحضرة الامام لا ادري هل قال الامام هذا ام لا؟ فلايحتاج الي تقرير فانه ليس بمدع و انما الراوي مدع انه سمعه من فلان حسب بالجملة كل خبر نسب بحضرة الامام الي الامام و كان الراوي ممن يعتني به فقرره و سدده و لمينكر عليه و لميضربه بعلامة الكذب فهو صحيح و ما ضربه بعلامة الكذب فاقام قراين تدل علي كذبه او اقام ضروريا علي خلافه او كتابا مجمعا علي تأويله و بقاء حكمه او دليل عقل تعرف العقول عدله يرد ذلك الخبر و ما لميقم عليه مثل هذه الادلة فهو صحيح مقرر فانه لا دليل سوي ما ذكرت والله الموفق للصواب كتبه مشقا كريم بن ابرهيم في 16 ربيع الاول 1276.