فائدة في ان الامر للفرض و النهي للحرمة ام للکراهة
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 375 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
فائدة مهمة: اعلم انه لاشك و لاريب ان مسألة ان الامر للفرض ام للفضل و النهي للحرمة ام للكراهة ليست من البديهيات الاولية التي يعرفها كل جاهل و عالم و كل ذكي و غبي بالبداهة لما تري من تشاجر العلماء الاعلام و اختلاف ذوي الالباب و الاحلام في عصر ظهور الائمة: و خفائهم عليهم صلوات الله الملك العلام فكان فيهم في كل عصر النقض و الابرام و الايراد و الالزام و لو كان الامر من البديهيات لماوقع فيه هذا الاختلاف الذي ليس في اغلب المسائل مثله فتبين و ظهر انه من المسائل النظرية بل من اعضلها و اشكلها و مما كان الاختلاف فيها و من المسائل التي عليها مدار معرفة الفرائض و الفضائل و المحرمات و المعافات فهي مما يجب في الحكمة بيانها علي الله سبحانه و علي رسوله و علي الائمة صلوات الله عليهم لايقال ان ذلك من جملة معرفة اللغة و ليس علي الشارع بيانه لانا نقول اولا مع قطع النظر عن الشرع لا فرض و لا فضل و لا حرمة و لا اعافة فان تلك احكام شرعية و ثانيا قد نطقوا في كثير من اللغة من تفاسير القرآن و اخبارهم لمااشكل علي الاصحاب علمه و هذا من اهمها و ثالثا اذا كان امر عليه مدار معرفة الشرع جملة و قد وقع فيه هذا الاختلاف الشديد كيف يجوز اهماله و رابعا يشمله عموم و ما اختلفتم فيه من شيء و قوله و ان تنازعتم في شيء و عموم يحكموك في ما شجر بينهم و لا مخصص مع انه من اعظم ما يجب حله في الحكمة و بيانه في السياسة فلاجل ما ذكرنا و غيره من الادلة وجب علي الرعية العرض عليهم و وجب عليهم في الحكمة بيانه فاذا نرجع اليهم لنؤدي ما علينا و هم معصومون قد قضوا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 376 *»
ما عليهم فنجد اولا جملا الفرائض التي بني الاسلام عليها ما عرضه عبد العظيم الحسني رضي الله عنه علي علي بن محمد8 فرضيه و دعا له قال اقول ان الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلوة و الزكوة و الصوم و الحج و الجهاد و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر فقال7 له يا ابا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه الحديث و هذا مما اجمعت الامة علي فرضه لاشك فيه و لاريب يعتريه فما ورد في هذه السبعة من امر فهو للفرض بلا ارتياب و كذلك الخمس هو مما فرض علي عباده و اجمعت الامة علي كونه فرضا و ورد به الكتاب و السنة الجامعة فهذه اصول جملة الفرائض في دين الله الذي وضعه الله لعباده و كلفهم به من الاعمال لا العقايد و عليه تدل اخبار متواترة و اجماع ثابت لا اختلاف فيه و زاد في بعض الاخبار الوضوء و في بعضها الغسل من الجنابة و لا بأس لوقوع النصوص عليهما و عدم الاختلاف فيهما و ان اختلفوا في كونهما عبادة برأسهما ام تبعا و شرطا لغيرهما و لا ثمرة في هذا الخلاف بعد ما اثبت عدم لزوم نية الوجه في الاعمال بل عدم لزوم معرفة هذه الدقايق للمكلفين فليس شيء مما امر الله به بعد هذه الامور فريضة ابتدائية من الله علي عباده و هذه الفرائض لمتنسخ و هي ثابتة و اما ما سن رسول الله9 فقسمان قسم سنه في اداء هذه الفرائض و تفصيل لاجمالها و كيفية لاتيانها فهو فرض ايضا و قسم هو في غير الفرائض فهو فضل او اعافة و يدل علي هذه الجملة قول علي7 السنة سنتان سنة في فريضة الاخذ بها هدي و تركها ضلالة و سنة في غير فريضة الاخذ بها فضيلة و تركها الي غير خطيئة و ذلك لان الله امر بالصلوة مثلا فلمتعرف الامة ما هي فسئلوا عنه فقال هذه كيفيتها فوجب علي الامة اتباعها لان سنته حينئذ في بيان كيفية الفرض و شرح له و هكذا غيرها من الفرايض و اما السنة في الفريضة في الصلوة مثلا كالقرائة و الذكر في الركوع و السجود و التشهد و غير ذلك فانها سنة في فريضة كما ورد به الخبر فوافق امر النبي9 امر الله عزو
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 377 *»
جل فهو ايضا فرض و يدل عليه قول الرضا7 في حديث كذلك قد نهي رسول الله9 عن اشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي الله و امر باشياء فصار ذلك الامر واجبا لازما كعدل فرائض الله فوافق في ذلك امره امر الله الخبر. فما جاء من السنة في هذه الفرائض فهي لازمة واجبة لعموم حديث علي7 الذي مر بل نقول ان الائمة: اذا سنوا في الفرائض شيئا يوافق امرهم و نهيهم امر الله و رسوله و نهي الله و رسوله9 و ان لميرد به كتاب او سنة في الظاهر و لايقر بذلك الا المسلمون و يدل علي ذلك حديث محمد بن سنان عن ابيجعفر7 في صفة الائمة: و فيها فهم يحلون ما شاؤا و يحرمون ما شاؤا و لن يشاؤا الا ان يشاء الله ثم قال يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق و من تخلف عنها محق و من لزمها لحق خذها اليك يا محمد انتهي و في حديث ابن اشيم عن ابيعبدالله7 ان الله فوض الي سليمان بن داود فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و فوض الي نبيه فقال ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فما فوض الي رسول الله9 فوض الينا انتهي فما جاء عنهم من سنة في فريضة فرضوه فذلك ايضا يكون الاخذ بها هدي و تركها ضلالة كما مر و اما ما جاء عن النبي و الائمة: في غير فريضة ثابتة بالكتاب او السنة او المذهب فالاخذ به فضيلة و تركه الي غير خطيئة فهذا اصل القول في تحقيق الفرض فاما ما يثبت به الفرض و الفضل و الحرمة و الاعافة هو اي شيء هل هو من لفظ افعل و لاتفعل ام بغيرهما و هل الامر هو حقيقة في الوجوب و مجاز في الندب و غيره و النهي هو حقيقة في الحرمة و مجاز في الكراهة و غيره ام لا؟ و هل الامر هو لفظة افعل و النهي هو لفظة لاتفعل ام لا؟ قد اختلفت فيه آراء العلماء و اضطربت فيه كلماتهم و الذي نص عليه في الاخبار ان الامر امران امر فرض و امر فضل و النهي نهيان نهي حرمة و نهي اعافة و لفظة افعل مستعمل في الفرض و الفضل و غيرهما و لفظة لاتفعل ايضا مستعمل في الحرمة و الاعافة و غيرهما و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 378 *»
لكن الذي يدل عليه الاخبار بلاغبار كما فصلنا في فصل الخطاب وجوب الايتمار بما امروا و قالوا افعل بلاقرينة دالة علي رضاهم الترك و وجوب الانتهاء عما نهوا و قالوا لاتفعل بلا قرينة دالة علي رضاهم الفعل و القرينة امور كثيرة منها التصريح في خبر آخر و منها الرخصة في حديث آخر او في نفس ذلك الخبر و منها قيام الاجماع علي عدم ارادة الحقيقة و منها لحن الخطاب و غير ذلك فمن نقض علي ذلك باستعمال الامر في المستحبات و النهي في المكروهات يسئل انه بما ذا عرف انه مستحب او مكروه فكل ما عرف به ذلك هو القرينة و مع عدمها لميعرف ذلك حتي ينقض علينا و كذلك الله سبحانه حرم في كتابه امورا علي الاجمال فما جاء عن المعصومين في بيان افراد تلك الحرمات المطلقة و تفصيلها و تعيينها فهو حرام كعدل حرمات الله و ذلك رويت في روايات مستفيضة انه ليس الحرام الا ما حرم الله عزوجل في كتابه فما جاء في النهي عن المعصومين في بيان تلك الحرمات فهو حرام و ما جاء من النهي في غير ذلك فهو اعافة و قد يأمرون و ينهون لكنه لغير الاحكام و انما هو معالجة او مشاورة.