فائدة في اصول الفقه
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 339 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي.
و بعد هذه فائدة جليلة عظيمة قد افاضها الله جل و عز علي عبده الذليل الاثيم كريم بن ابرهيم عفي عنهما فاحب تقييدها و تسطيرها في هذه الاوراق لتكون ذخرا له ليوم معاده و ينتفع بها من اطلع عليها من اخوانه في الدين.
اعلم يا اخي المطلع علي هذه الاوراق هداك الله سبيل رضاه ان الله سبحانه خلق الانسان من قبل و لميك شيئا مذكورا و كان من تقديره الحكيم ان يبدأ في خلقه بخلق جماديته فخلقها اول شيء من الطبايع الاربع الميتة التي لا حيوة لها فالف منها طبايع علي ما شاء و اراد علي كيف شاءه و كم اراده و هي عديمة الشعور و الحيوة و الحركة و الارادة نعم لاجزائها حركات طبيعية كحركات العناصر الي مراكزها و احيازها من غير مشايعة كل واحد لكل واحد لتباين بينها و لما قدر الله هذه الجمادية للانسان و لها فسحة كانت اصلح ما يمكن و ذات صوافي فاصطفي منها صوافي و افاض عليها صورة النما فتحرك كل جزء منها الي مركزه و شايع كل جزء منها كل جزء فحصل منها النماء و الزيادة في الاقطار فتحرك اجزاؤه الي كل قطر علي حسب كمها و كيفها ولكن تلك الصوافي موادها من الطبايع و الصورة المفاضة عليها تكثفت علي حسبها و تابعتها فلاجل ذلك كانت تلك الصورة مقهورة للطبايع تابعة لها لاتقدر علي التخلف عنها و تستمد عنها دائما و ان كان لها من حيث نفسها التي هي تلك الصورة خواص النماء و الحركة الي الاقطار ولكن منتتهي حركتها اقطارها في عرصة الطبايع و لاتقدر علي التفصي عنها و الانقطاع فهي مرتبطة بارض جماديته دائم الاستمداد منها بالعرض فلاشعور لها و لا حيوة و لا ارادة و لا حركة الا علي نحو حركات الجمادات و تزيد مشايعة بعضها لبعض لسر مشاكلة الاجزاء و كأنه حكم كلها حكم بعضها و بالعكس و لماوجدت الصورة بالفعل و صارت نامية باقتضاء تلك الصورة صارت خميرة لما يصل اليها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 340 *»
من الطبايع شيئا بعد شيء فيستحيل الي طبعها و تصير شكلها و لاشك ان استحالة الامداد الواصلة الي طبع المستمد بعد وجوده اسهل من احداث الصوافي اول مرة كما ان احالة اجزاء الحجر الي الاكسير مع خلط الخميرة اسهل من صنعة الاكسير اول مرة و كل ما هو اسهل اقرب الي الانوجاد و الفعلية من الابعد فلايرجح الله الاصعب علي الاسهل يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر فلاجل ذلك بعد وجود النبات يجعل الله فاضلا من الامداد الواصلة المستحيلة و يجعله بذرا و خميرة لاحداث نبات ثان و ربما يجري الله هذه السنة في بعض الجمادات القريبة من الاعتدال ايضا اذا كانت مادتها سيالة كماشاهدنا في كثير منها بالجملة احدث الله بعد خلق جمادية الانسان نباتيته بافاضة صورتها علي صوافي الجمادية و لانصباغها فيها انجمدت فكانت كالجماد وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و زين لهم الشيطان شيطان الجمادية اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لايهتدون الا يسجدوا لله ثم لصوافي الجمادية مراتب و فسحة و لماقدر الله ان يكون صوافي الجمادية التي في بدن الانسان اعدل من ساير النباتات و كانت اكثر اعتدالا افاض الله علي تلك الصورة صورة الحيوانية فحصل لها حركة ارادية في الجملة علي خلاف طبايع الجمادية و علي خلاف النباتية ولكن لماكانت الصورة النباتية منهمكة في الجمادية تابعة لها و كثيفة تكثفت تلك الصورة الحيوانية ايضا فيها و صارت الحيوانية ايضا تابعة للنباتية و الجمادية في الجملة و كانت قليل الاختيار تابعة لهما مستمدة منهما بالعرض مقبلة اليهما ظهرها الي المبدأ و وجهها الي النباتية الا ان لها حيوة وحركة ارادية في الجملة لكن في الطبيعة الجمادية و النباتية لا في غيرهما و لذلك يكون الحيوان مقهورا في الطبايع فيكون غضوبه دايم الغضب و حليمه دايم الحلم و سبعه سبعا و بهيمته بهيمة لايقدر علي البراح من طبعه و مقتضاه و حصل له شعور في عرصة الجمادات و النباتات فسمع الاصوات و ابصر الاضواء و شم الروايح و ذاق الطعوم و لمس الكيفيات و هي شعورات منجمدة لاتجوز الصور الجمادية و النباتية و علي ما شرحنا لما وجد الحيوان التام صار خميرة و استحال اليها الامداد الواصلة فما فضل صار بذرا له و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 341 *»
خلق الله الحيوان من بذر الحيوان لانه اسهل و اولي من احداث حيوان جديد فسن في خلقه توالد الحيوان و تناسله بعد الحيوان الاول و خلق الحيوان البديء ابعد و اصعب من الخلق النبات البديء و لذلك يكثر بديء النبات و يقل بديء الحيوان و بديء النبات اصعب من بديء الجماد فلاجل ذلك يكون الجماد دائم البدء دون النبات بالجملة حيوانية الانسان تابعة للنباتية و نباتيته تابعة للجمادية و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث افمن يمشي مكبا علي وجهه اهدي امن يمشي سويا علي صراط مستقيم فهذه الثلثة المواطن صارت مواطن الشياطين و هي الظل ذي ثلث شعب لا ظليل و لايغني من اللهب الشياطين السكنة في كل موطن دائموا الدعوة الي مقتضاه يزينون ما هم عليه للانسان المسكين و لماكان لهذه الحيوانية فسحة و مراتب قدر الله للانسان اشدها حيوة و حركة و ارادة كما قدر من النباتية اصفاها و من الجمادية الطفها فلاجل ذلك خلق بدن الانسان في احسن تقويم صورة و هو جماد علي هذه الصورة افيض علي صوافيه صورة النما و النباتية و علي تلك الصورة صورة الحيوانية الناطقة فكان حيوانا ناطقا يمشي علي رجلين و لماكانت حيوانيته قوية ناطقة افيض عليها صورة الانسان الكوني من الافلاك فحصل لها عاقلة و عالمة و واهمة و متفكرة و متخيلة و هي تدرك امورا وراء الطبايع و وراء شهادة هذا العالم و لماكانت هذه الصورة من فلكيات هذه الحيوانية و النباتية و الجمادية صارت هذه الصورة منهمكة في الحيوانية المنهمكة في النباتية المنهمكة في الجمادية فتكثفت و تسفلت و طاوعت الثلث و تابعتها و تايعتها مع ما لها من تلك المشاعر المدركة لما وراء الطبايع و غيبها و لذلك صاروا كالانعام بل هم اضل لشدة شعورهم و انهماكه في تلك الشعب و الاودية التي هي من اودية سجين فهم و ان كانوا اولي شعور الا ان نظرهم مقصور في تلك الاودية فهم يعقلون و يتوهمون و يتفكرون و يتخيلون ما في تلك الشعوب فلايرون غير ما فيها شيئا فلايستمدون الا منها و لايتصرفون الا فيها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 342 *»
و لايحسبون غيرها ممدا لهم و ينقادون لها ايها غلب فقد يستولي عليهم الشيطان الجمادية و قد يستولي عليهم الشياطين النباتية و قد يستولي عليهم الشياطين الحيوانية فهم يتصورون في كل حال بصورة ما غلب فلا فصل لهم علي التعيين فقد يتصورون علي صور انواع الحيوانات علي حسب غلبتها و تلك الحيوانية ايضا تابعة لنباتيتهم و نباتيتهم ايضا تابعة لجماديتهم فقد يتصورون بصور النباتات و قد يتصورون بصور الجمادات فـان هم الا كالانعام بل هم اضل و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة فهؤلاء هم اهل النار و دار البوار جهنم يصلونها فبئس القرار نعوذ بالله من غضب الجبار وجدتها و قومها يسجدون للشمس من دون الله و كما بينا هذه الانسانية الكونية اذا صارت تامة صارت خميرة لمايصل اليها من الامداد السجينية فيفضل منها فاضل يصير بذرا فيتولد من ذلك البذر انسان كاصله و هو اسهل انوجادا و انخلاقا فلايخلق انسان بديء لانه اصعب و ابعد عن الانوجاد فيتولد بعضهم من بعض كماتري و هم علي هذه الصورة اولي (اولوا ظ) مقتضيات جمادية و نباتية و شعور و ادراك حيواني و انساني و ليس مرادي من قولي اصعب انه اصعب ايجادا علي الله سبحانه فانه علي ما يشاء قدير بل المراد انه اصعب انوجادا و ابعد عن القبول لفعل الفاعل فلايذهبن بك المذاهب بالجملة هذا الشعور هو مناط التكليف و الامر و النهي و لانه لشدة اختياره متمكن من مخالفة الحيوانية و النباتية و الجمادية بخلاف الثلث فانها ضعيفة الاختيار جدا جدا لعدم شعورها و ذكرت لك هذه المقدمة الالهية النبوية الولوية لتكون فيما اريد ان اقول علي بصيرة و كشف كأنك تشاهد كفك ان فهمت.
ثم لماكان هذا الانسان مستعدا للامر و النهي و التكليف و الصرف عن مقتضيات الثلث بعث الله اليها الرسل و هم العلل و المبادي الشرعية الذين خلقهم الله بديئين في الشرع كما خلق آدم بديئا في الكون و جعله بديع فطرته و اجتباهم و جعل فيهم نور المعرفة و افاض علي قوابلهم و انسانيتهم الكونية صورة النبوة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 343 *»
و معرفة الخير و الشر و الصلاح و الفساد و الحق و الباطل و صورهم بصورته و افاض عليهم صورة علي طبق صفاته و اسمائه خلق الله آدم علي صورته اي في الشرع و جعلهم سرجا منيرة و عللا شرعية فاشرق منهم نور تلك الصفات و ظهر علي جوارحهم بالاعمال الصالحة و علي السنتهم ببيان الحق و الباطل و التعريف و التوصيف فصاروا قدوة و اسوة لساير الاناسي فمن قبل منهم و آمن بهم تصور انسانيته الكونية بصور اولئك الرسل فصاروا في تلك الصورة شيعة و شعاعا لهم و من لميقبل و استبد بفهمه و عقله ففهمه و عقله منكوس مكب علي وجهه ناظر الي الشعب الثلث و فهمه مصبوغ باصباغها فاتبعوا الشياطين الثلثة و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و انهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون انهم مهتدون ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم ان الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا انما يدعوا حزبه ليكونوا من اصحاب السعير فلانجاة لاحد من الاناسي من تلك المهاوي الشيطانية الا باتباع الرسل و الاعراض عن الاستبداد في الجل و القل فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما و ماكان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و يجب عليهم ترك آرائهم و افهامهم و عقولهم و تسليم الرسل تسليما محضا و ان قلت ان كان يجب عليهم ترك افهامهم فبم يعرفون الرسل قلت ذلك علي الرسل ان يعرفوا انفسهم بتعريفات بديهية واضحة يخفي علي مكلف ذي حجي و ذلك علي الله حتي يبتين لهم الرشد من الغي و خلقهم بحيث يمكنهم معرفة الرسل بعد ما عرفوهم انفسهم فاذا عرفوهم فقد بلغوا المني ثم يجب عليهم التسليم لهم في جميع ما يقولون لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف الله نفسا الا ما آتاها و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم مايتقون
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 344 *»
و ان قلت ان كان يجب عليهم ترك افهامهم فبم يعرفون اقوال الرسل قلت ذلك ايضا علي الرسل و علي الله فما عرفوك فقد اقاموا عليك الحجة و ارادوه منك و ما لميعرفوك لك الحجة عليهم و علي الله و قد انزل الله في كتابه مأة آية انه لميرد منك ما لميعرفك و صدر من الحجج الف و مأتا آية (حديث ظ) انهم لميردوا منك ما لميعرفوك فما بالك تتكلف ما لمتكلف به قال الله عزوجل و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال ابوعبدالله7 ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قال ابوجعفر7 ليس علي الناس ان يعلموا حتي يكون الله هو المعلم لهم فاذا علمهم فعليهم ان يعلموا و قال ابوعبدالله7 لميكلف الله العباد المعرفة و لميجعل لهم اليها سبيلا و قال7 ليس لله علي خلقه ان يعرفوا و للخلق علي الله ان يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان يقبلوا و قال اميرالمؤمنين7 ان الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض فرايض فلاتنقصوها و سكت عن اشياء لميسكت عنها نسيانا فلاتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها انتهي. و عجبا لهذا الانسان انه يتكلف ما لميكلف و يوجب علي نفسه اشياء و يحرم اشياء و لميكلف بشيء منها بل يعذب بكلها فان ما صدر من الله و عمل به فهو عبادة الله و ما سكت الله عنه و تكلف فهو علي ما عرفت من الشيطان و هو عبادة الشيطان و يعذب عليه و يهوي به الشيطان الي قعر جهنم و مع ذلك هو حريص في ان يقول برأيه و قياسه و ظنونه و ما يري من المصالح و الاستحسان و غير ذلك و استحوذ عليهم الشيطان فانسيهم ذكر الله و لميرد الله منهم شيئا من ذلك و لميكلفهم به و مع ذلك يقول بقول الشيطان و بما زين له و لايقنع به حتي يفتري علي الله و يقول هو دين الله و شرع رسول الله و لعمري ما ادري كيف صار من الله ما ليس من الله الا تري ان المرآة اذا لمتر من نفسه شيئا و لمتصف و اكتفت بمثال القيته اليها فهو منك و اليك و اذا وصفت من نفسها شيئا و ارت فهو من نفسها و من غيرك و كذلك والله العباد فما اظهر العبد من صورة افاض الله عليه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 345 *»
فهو من الله و الي الله و ما تصرف فيه من قول و عمل من نفسه فهو من الشيطان و لقد عهد اليهم ربهم ان لايعبدوا الشيطان انه لهم عدو مضل مبين و والله اري عيانا ان جميع ما يقوله قائل من نفسه و ظنه مما لميعرفه الله و لميبينه له علي اليقين هو عبادة الشيطان بلاشك و لا ارتياب و يجب علي الانسان ان يكون بين يدي حجج الله كالميت بين يدي الغسال يتحركون بتحريكهم و يتقلبون بتقليبهم و يسكنون بتسكينهم و يقولوا اذا قالوا و يصمتوا عما صمتوا قولا و فعلا
علم المحجة واضح لمريده
و اري القلوب عن المحجة في عمي
و لقد عجبت لهالك و نجاته
موجودة و لقد عجبت لمن نجا
و منتهي الغرض في هذه الفائدة ان اعرفك طريق اليقين بما اراد الله منك حتي تأخذ به و تدع التكليف فيما سواه.
اعلم انه لايشك ذو مسكة انه لميكن ثم كان و هو ما كون نفسه و لا كونه ساير المعدومات فقد كونه موجود قبله و هو حي عليم حكيم قدير بصير سميع خبير اذ مثل هذا الخلق المتقن و الصنع المحكم لايصدر ممن لميكن كذا و ذلك الموجود ان كان قديما فهو و الا فهو عبد قديم و خلق رب ازلي فوقه حي قيوم عليم حكيم سميع بصير و هكذا ساير الصفات التي قد ظهر آثارها في صنعه هذا و جميع ما تراه مفعول بالبداهة و لابد له من فاعل غير مفعول و ذلك مفروغ عنه و الحمد لله رب العالمين ثم لاشك انه قد ظهر رجل بمكة اسمه محمد بن عبدالله و ادعي النبوة و دعا الي الله الواحد جل و عز و خلع الانداد و كسر الاصنام و بين و اوضح معرفة الله بما لامزيد عليه و لميأت احد من الحكماء و العلماء و العرفاء بل الانبياء بمثل ما جاء به من المعارف و بين صفات الله و اسماءه و افعاله و حكمه بما يعجز عنه العقول لولا بيانه و بما عرفت العقول حقيته و صدقته و امر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و نهي عن الفحشاء و المنكر و البغي و دعا الي كل خير يستحسنه العقول السليمة و حظر عن كل سوء و قبيح تستقبحه و ذلك مما لاشك فيه و لا
* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 346 *»
ريب يعتريه و انه كان مع ذلك يتيما عاش في العرب الجهال و ساس الخلق سياسة ملك بها الخلق في اقرب مدة و بين احكام السلطنة و الملك و تجنيد الجنود و حفظ الثغور و تعمير البلاد و حفظ العباد بما لامزيد عليه مع ما عليه من الصفات الحميدة و الاخلاق الزكية و الزهد و الورع و الرياضة و العبادة و العمل بما يأمر به و الاجتناب عما نهي عنه و اتي بخوارق عادات عجز الخلق عن مقابلته بمثله نوعا يقينا و اتي بكتاب و تحدي الخلق بمثله فعجزوا عنه و صبروا علي ظبي البتار و تحمل العار و لميقدروا ان يأتوا بمثله الي يومنا هذا و اتي ببينة ما في الصحف الاولي و الشهادة علي نفسه و صفاته و اخلاقه و اتي بعلوم احيي العالم بها و علمهم ما لميكونوا يعلمون و ايده الله و سدده و صدقه و لميقم احدا يكذبه ببرهان و لميقدر احد علي تكذيبه و الاتيان بشيء يبطل دعواه و ليس معني النبي من عند الله الا هكذا و كل هذا مفروغ عنه و قد ملأنا به الكتب و لاشك فيه عند المسلمين و ذكرنا هنا اطرادا للكلام ليكون مقدمة لما نحن بصدده ثم نصب بعده خلفاءهم في جميع تلك الامور مثله علماء حكماء زهاد عباد اولوا معجزات و كرامات حتي انه يصدر من قبورهم معجزات تشهد علي انهم احياء عند ربهم يرزقون قادرون صادقون مصدقون سعت جبابرة اعصارهم و جميع مخالفيهم علي اطفاء نورهم فلميزيدوا الا ثباتا و دواما و عزا و شرفا و دعوا الي الله و خلع الانداد و نشروا علوما يعجز ساير العلماء عن مثلها و ذلك ايضا مفروغ عنه و الحمد لله عند الشيعة و لا حاجة فيه الي تطويل المقال فهم حجج الله علي الخلق قطعا و لايكون الحجة الا هكذا و لا معني له الا هذا ان ذكر الخير كانوا اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه فهم الدعاة الي الله و الي دينه الحق المنصوبون من عند الله لذلك فيجب اتباعهم و الاعراض عما سواهم و الاخذ عنهم و الرجوع اليهم بلاشك و لا ارتياب و لاشك انهم بشر و ظهروا بصفات البشرية و سكنوا بلدة من البلاد و دعوا العباد و تكلموا بلسانهم و عرفوهم مرادات الله و من البينات ان رسول الله9 جاء و كلف الخلق بدين الله و من البينات انه لميسر الي كل مكلف مكلف بنفسه النفيسة ظاهرا و من البينات انه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 347 *»
لميكلف كل فرد فرد من امته ان يسير اليه و يأخذ عنه جميع دينه و من البينات انه لميبلغ جميع احكام دينه الي كل بنت ذات تسع و ابن ذي اربع عشرة سنة علي نحو التواتر و لميكلفهم بترك ما لميتواتر و لو كان ذلك من الفرايض لكان ضروري الدين بل كان يأمر و ينهي و يسمع من حضر و يبلغ الي من غاب حتي انه كان يقول و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون و كان يرسل الرسل الي العشاير و يدعوهم و يأمرهم و ينهاهم و يكتب الكتب و يبعث اليهم كما هو شأن كل انسان و بشر و ملك في ملكه و لولا ان ذلك كاف في دينه لمااكتفي به و لاشك ان رعيته كان اذا بلغهم حكم و عرفوا انه منه عادة كانوا يأخذون به و اذا لميعرفوا توقفوا حتي يعرفوا و بذلك امرهم مع ان ذلك سجية كل عاقل و رعية في اوامر سلطانه و لاشك ان مناط المعرفة اخبار من يثق نفس الانسان به او يكون معه قرينة تدل علي صدقه و معها تطمئن نفسه اليه و ذلك سجية الانسان في جميع اخبار العالم و بذلك قرر رسول الله جميع امته بل امرهم به في كتابه و سنته و من البينات انه لميوجب عليهم ان لايأخذوا بخبر الا ان يكون معه عدلان مؤتمنان او يكون مقرونا بمعجز و من البينات الضروريات في هذا المذهب قديما و حديثا الاكتفاء برواية ثقة حكمه و منه الاخذ بقول فقيه واحد كما هو الديدن في جميع الامصار و الاعصار بل الامم و لاشك انه ان كان يقول ذلك الفقيه برأيه لاحجة في قوله و ان كان يقول برواية هي خبر واحد و قام ضرورة الاسلام علي جواز الاخذ عنه و منه عمل الفقيه برواية الثقة و ان كانت واحدة عند من يعمل باخبار الاحاد كما هو الصحيح الذي قام عليه الاجماع الذي لاريب فيه و علي ذلك اساس جميع العالم و نظام امر بني آدم و نزل الكتاب و امر الحجج الاطياب فهو الاجماع الذي لاشك فيه و لا ارتياب و يجب العمل به فمن دينه و شرعه الاكتفاء بخبر الواحد الثقة او المحفوف بقرينة تثق بها النفس و ان كان المخبر فاسقا فان العمل حينئذ علي القرينة لا خبر الفاسق فلايعارضه قوله تعالي ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا بل يؤيد ما قلنا قوله فتبينوا و طلب القرينة و العمل بها هو التبين و التثبت و المناط
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 348 *»
وثوق النفس و يكونها بالخبر و بذلك وردت الاخبار عن الائمة الاطهار روينا كثيرا منها في كتابنا فصل الخطاب فالنبي او الامام اذا حضره احد و سمعه ففيه الحجة و ان لميحضره و بلغه قوله بما يثق به هو الحجة و ذلك مما لاشك فيه و لا ارتياب و استقر عليه مذهب الشيعة الان و الحمد لله و لاشك و لاريب ان الامام7 بعد ما غاب لمصالح هو اعلم بها لميترك بيننا خليفة منصوصا عليه او ذا معجز يدعو رعيته الي ما كان يدعو اليه و لميترك بيننا الا هذه الاخبار فلابد و ان يكون عليها المدار و تكون هي الخليفة في الاعصار الي ان يظهر مدبر الليل و النهار و يرتفع الغبار فهذه الاخبار هي اليوم امامنا و مقتدانا و المعصوم المحفوظ من الله لهدايتنا و اسوتنا و حجة الله علينا و خليفة الله بيننا من اخذ بها رشد و من تركها غوي و ضل و هي الان بمرأي و مسمع من صاحب المرأي و المسمع و لا مانع له من اجراء رضائه في العالم فانه ان كان المانع تقية فحكمهم في حال التقية بما يناسبها هو حكم الله و ان كان عدم قابلية الخلق فحكمهم له هو حكم الله بالجملة عرفوا صلاح زمان الغيبة في هذه الاخبار فتركوها لهم و لو عرفوا ان الصلاح في غيرها لتركوا غيرها و من زعم غير ذلك فقد قال بانهم فرطوا في دين الله و ضيعوا من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و كما انه لايجوز ان يكون في عصر الامام امام ليس له علامة بها يعرف حقيته و في الناس مدعون للامامة الباطلة و لو لميكن بينهما علامة مميزة لميكن لله علي خلقه حجة فيجب ان يكون للامام الحق علامة بها يعرف صدقه من نص او اعجاز و صفات كريمة و علوم غزيرة كذلك يجب ان يكون للاخبار الحق التي هي خليفة الله بعد الامام في غيبته علامة حق تعرف بها و لاتشتبه بغيرها و الا لميكن لله علي خلقه حجة و لاشتبه الحق بالباطل و لميكن حجته بالغة و تلك العلامة لابد و ان يكون قطعية لا ظنية قال الله فيها ان الظن لايغني من الحق و ذم متبعيه و قال ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و قال الصادق7 من شك او ظن و اقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و قال ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 349 *»
تعلموا فردوه الينا ذو تلك العلامة مجملا عدم انكار صاحب المرأي و المسمع عليه فما نسب اليه في المذهب و لمينكره و هو يري و يسمع و يقدر علي الانكار فهو المقرر المسدد كما عرفنا نفسه بتقرير الله و تسديده و عدم انكاره عليه و السنة انكاره كلما علم منه كذب الخبر و اما تفصيلا فهي اخبار الثقة لما وصي الحجة بعد ما غاب و قال اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و قال لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و قال ابوعبدالله7 في حديث اما اذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلميثق به فهو كافر فاليوم كل خبر رواه ثقة مصححا له فهو الحجة سواء عمل به ذلك الثقة او لميعمل به و ليس تركه له فسقا بل لاجل ان عنده ما هو اصح منه او اولي بالاخذ و كذا ان كان يرويه من غير تصحيح و تراه عمل به فالثقة لايعمل الا بما صح لديه اللهم الا ان يكون يجوز العمل بما لميصح و ذلك يكون كاهل العراق حيث زعموا ان دباغ الميتة ذكوته فمنعوا عن فرائهم لاجل ذلك فمن يعمل بما لايصح لا عبرة بعمله و اما من لايري العمل الا بالصحيح و لمينص بالتصحيح لكن عمل به ففيه الحجة فان المؤمن امين و ان كان الراوي غير ثقة او ثقة و لميصححه علما و عملا فتثبت و اطلب القرائن فان وافق كتابا او سنة او اجماعا او خبرا صحيحا آخر فاعمل به و ان خالفها فاتركه فانها السنة انكار صاحب المرأي و المسمع و ان لميخالف و لميوافق و لميظهر الولي7 انكاره و تكذيبه بوجه من الوجوه و هو الشاهد القادر المأمور من عند الله بذلك فهو حق لاريب فيه مقرر من عند الحجة7 كما قررناه في علم اليقين و ساير كتبنا بالجملة خليفة الله اليوم و خليفة رسوله و حججه: الاخبار التي تثق بها و لاتثق النفس الا بخبر الثقة او المحفوف بالقرينة الموثوقة جملة و بقول مطلق كل حديث صدقه الله و صدقه رسوله و حجته في ارضه هو خليفة الله في ارضه في زمان الغيبة و كل حديث كذبوه فهو مردود الي راويه و لابد و ان يكون التكذيب بلسان معلوم الصدق قطعي البيان و لايكتفي بظن الكذب فان الظن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 350 *»
لايغني من الحق شيئا افمن يهدي الي الحق احق ان يتبع ام من لايهدّي الا ان يهدي فما لكم كيف تحكمون فكل ما لميكذبوه عن قطع و يقين هو حق بيقين بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق هذا في اصل الرواية و اما في احتمال غلط النسخ و امثالها فالمدار علي المقابلة حتي تطمئن و تعلم انه صدر من ذلك الراوي الذي الكتاب منه و ذلك سهل و بناء العالم في جميع الاعصار علي ذلك و اما مداليل الالفاظ و الكلمات فاعمل بما قرر الرسول و الحجج في اعصارهم كل الامة و كانوا يعلمون ان مدار فهم المنطوقات في العالم علي الظواهر و قرروهم علي ذلك و لمينكروا و لميأمروا بغيره من يوم بعث النبي9 الي اول الغيبة مع اختلاف البلدان و الاعصار و اصطلاحات الامصار و قرر صاحب المرأي و المسمع اليوم جميع شيعته عليه فان جميع الامة يعملون علي ذلك و عليه الاجماع الذي لاريب فيه.
و اما اختلاف اخبارهم فاعلم ان محمدا و آل محمد: هم الحجج المعصومون المبعوثون من عند الله الي العباد لاينطقون الا بوحي من الله كماقال ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون ان اتبع الا ما يوحي الي فمحال ان يكون في ما ورد من رسول الله9 اختلاف الا ان يكون احدهما مكذوبا عليه عمدا او سهوا فما ورد عنه و لميعلم صدقه من كذبه وجب التثبت و هو العرض علي الكتاب فماخالف كتاب الله المجمع علي تأويله و بقاء حكمه فهو مكذوب عليه و ان لمتجده في الكتاب و كان يخالف سنته الضرورية فهو مكذوب و ان لمتجده في الكتاب و السنة المجمع عليهما فاطلب القرائن فان وجدت قرائن تفيد اليقين ان احدهما او كليهما قول رسول الله9 فهو فتأخذ بما علمت و تترك الاخر و ما لمتجد القرائن له فرده الي الحجج و انظر تقريرهم فاعمل به فكل ما سكتوا عن رده و لميكذبوه و هم الشاهدون المأمورون من عند الله بذلك كما يشهد به آيات و اخبار و افردنا له كتبا فخذ به و ما كذبوه فدعه فما صح عنه9
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 351 *»
فمحال ان يكون فيه اختلاف الا من وجهين احدهما ان يكون احدهما ناسخا للآخر فان علم يقينا يؤخذ بالناسخ و يترك المنسوخ و ان لميعلم الناسخ من المنسوخ فلست بمكلف بان تنسخ بهواك احدهما و تثبت الاخر و اعلم انه ارادهما منك فالاختلاف من باب الرخصة فانت موسع عليك العمل بهما او بايهما شئت من باب التسليم و لايجوز لك ترجيح احد قولي رسول الله9 علي الاخر و هما وحيان من عند الله و اما ما ورد عن الائمة سلام الله عليهم فلايمكن ان يختلف الا من ثلثة وجوه احدهما ان يكون احدهما مكذوبا عليهم عمدا او سهوا و يعلم ذلك بان يكون علي خلاف الكتاب المجمع علي تأويله و بقاء حكمه فما خالفه فهو مكذوب عليهم فانهم محال ان يخالفوا كتاب الله الذي هو سنادهم و عمادهم و ان لميكن في الكتاب فما خالف السنة المجمع عليها فهو مكذوب عليهم فانه محال ان يحكموا بخلاف سنة النبي9 و ان لميكن في كتاب و لا سنة فيطلب له قرائن اخر فمن ذلك ان يعرض علي شيمتهم و سنتهم و طريقتهم فما خالفها فهومكذوب عليهم و هو ما امرونا بالعرض علي اخبارهم فما شابهها فهو منهم و ما خالفها فليس منهم و كذا غير ذلك من القرائن الخارجية فان عجزت فرده اليهم و استعلم ذلك بالتقرير الذي هو بصر كل ضرير فما لميكذبوه بشيء فهو منهم و اليهم هذا اذا لميعلم صدق الخبر من كذبه و اما اذا علم صدق الخبر برواية ثقة فمحال ان يكون علي خلاف الكتاب او خلاف السنة الا في محل ضرورة و تقية و مخالفتهما مع التقية مقرونتان لايتخلف احديهما عن صاحبتها البتة و لذلك جمعها في مقبولة عمر بن حنظلة قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة فبعد صحة الخبر برواية الثقة يكون الكتاب و السنة معرضان لمعرفة التقية فان خالفهما فهو تقية و يترك ما فيه التقية و ان لميكن فيهما او كانا معا مستنبطين منهما يعرض علي العامة فما وافق اجماعهم و اتفاقهم ففيه التقية فانهم لايجمعون الا علي خلاف الحق و كذا ما هم اليه اميل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 352 *»
حكامهم و قضاتهم و كذا اخبارهم فهذه الامور علامة التقية ثم لماكان الرواية و ان كانت عن ثقة يحتمل فيه السهو و النسيان و سوء الضبط و غيرها امرونا بالاخذ برواية الاعدل و الافقه و الاوثق و الاورع و المشهور و المجمع عليه فان ذلك ابعد عن الخطاء و السهو و النسيان و ذلك ان هذه الامور ليست بمرجحة احد قولي الحجة المعصوم الصحيح الصدور المحفوظ بلاشك و انما ذلك لرفع هذه الغائلة ثم لماكان احد اسباب الاختلاف تقية حدثت و لمتكن او كانت و ارتفعت و الامام المراقب يعلم ذلك و يغير الحكم بحسب ذلك امرونا بالاخذ بالاحدث فانه حكم من يليه و اما المحكم و المتشابه و المفسر و المجمل و الناسخ و المنسوخ و المريب و غير المريب فذلك مما لاشك فيه و لاريب يعتريه و يجب رد المتشابه الي المحكم و رد المجمل الي المفسر و ترك المنسوخ و العمل بالناسخ و الاخذ بغير المريب و ترك المريب و قد امرونا بالاخذ بالاحوط و هو اذا كان الاخذ باحدهما مستلزما للاخذ بالاخر لامحالة و لايكون الاخذ بالاخر من وجه احوط فذلك طريق النجاة و لاشك في ذلك و هو طريق السلامة و التفصي عن الزلل و ذلك فيما اذا وصل الخبران عن ثقة بعد ان لميعلم كذبهما بما مر فانهما مقرران اذا و احدهما يحوي الاخر و هو طريق السلامة و يوافق الموعظة الحسنة ولكنه ليس علي سبيل الوجوب فان الخبر المكذوب مردود و المقرر مقبول و التقية مجهولة فكلاهما مقبولان و لا اختلاف في ما صح عنهم الا ان احدهما يحوي الاخر مع ان الاخر لايحتمل البطلان مع العلم بالتقرير و لذلك ورد اخبار السعة و تعارضه و علي ما ذكرنا لا اختلاف في الوجوه المرجحة و لاتعارض و الحمد لله و كل واحد له موضع و له ثمر كما عرفت و ان حارت الالباب في اختلافها و ترجيح بعضها علي بعض و اما ساير المرجحات غير المنصوصة فذلك مزخرفات لايحوم حولها المسلّم لآل محمد: و لايتمشي في مذهبنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 353 *»
و اما ما ذكروه من ان الجمع بين الدليلين مهما امكن اولي من طرحهما فذلك مما لادليل عليه من كتاب و لا سنة الا وجوه استحسانية ظنية عقلية عندهم هي عندنا جهلية و اما ما ذكروه من تقييد المطلق و تخصيص العام حكما ان كان الاختلاف بهما فذلك ايضا مما لاكتاب فيه و لا سنة و لميرد به اثر و لا خبر و لميأمروا علي كثرة اخبارهم في المعالجات ان ردوا المطلق الي المقيد و العام الي الخاص هذا و ادلتهم عليه ظنية وهمية و بينهم ايضا فيه اختلاف و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الي الله فلايجوز عندنا رد المطلق الي المقيد و العام الي الخاص و الحال انه ربما كان بين المطلق و المقيد او العام و الخاص مأة سنة او مأتان و كان الناس يعملون باحدهما دون الاخر او قالوا المطلق و العام لرجل مصري يعمل اهل تلك الاقطار بهما و قالوا المقيد و الخاص لرجل خراساني و يعمل اهل تلك الاقطار بهما و لو كان احدهما استثناءا من الاخر لما فرقوا بينهما و لايجوز علي الحكيم ان يقول المستثني منه لقوم و المستثني لقوم آخر هذا و لربما يكون احدهما تقية و الاخر غير تقية او احدهما مكذوبا و الاخر صدقا و اما ما جري عليه كثير منهم في كثير من المواضع عند اختلاف الاخبار بحمل الامر علي الاستحباب و النهي علي الكراهة فذلك ايضا غير وارد في كتاب و لا سنة و لميأمروا به في مقام الاختلاف و ليس بكلي و ليس بقاعدة يجب الجري عليها بل يحتاج عندنا الي القرينة لحمل النهي علي الكراهة و الامر علي الاستحباب فاذا عرفت ذلك و تبينت ما هنالك فاعلم ان الكتاب و السنة معرضان اذا كانا مجمعا علي تأويلهما و بقاء حكمهما و ان كانا مختلفا فيهما فلايمكن العرض فاذا هما في معني الضروري و اخبارنا بعد تنقيحها و تهذيبها و كتب اصحاب الاصول اصولهم للعمل لايكاد يوجد فيها ما يخالف الضرورة فهذا العرض في اخبارنا اليوم عديم الفائدة او نادرها جدا جدا و اما غير المجمع عليه منهما فلايمكننا العرض عليهما لانهما مجملان غالبا و اخبارنا كلها شرح مجملاتها و تقييد مطلقاتهما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 354 *»
و تخصيص عموماتهما بل روي ان بعض الشريعة ثابت في الكتاب رسمه و في السنة نسخه مع انا لانعلم منهما الا الاقل و علمهما في صدور آل محمد: بتواتر الاخبار و اما الكتاب المفسر منهم فليس بمعرض ايضا فان جميع اخبارهم تفسير الكتاب بلاتفاوت و المعرض هو الحاکم الذي لا اختلاف فيه و اما العرض علي العامة فالمراد ما اجمعوا عليه او ما هم اليه اميل و محال في حقنا اليوم معرفة اجماعهم مع كثرة آرائهم و تفرقهم في البلدان و هو من علم الغيب و نحن في عويل من معرفة اجماعنا فكيف اجماعهم و ان امكنت في مسألة او مسألتين اني تغني في ما لاتحصي من الاخبار؟ فهذا العرض لاولئك المعاشرين المخالطين الذين كانوا يعرفون آراءهم هذا و نحن لايمكننا معرفة آرائهم و اخبارهم الا بالتتبع في كتبهم و هذا هو الذي خرب الدين و هدم اساس مذهب المتشيعين و زين في اعينهم زخارف اقوالهم حتي دخل كثير منها في مذهبهم و حصل جميع المفاسد في مذهبنا من الرجوع الي اقوالهم و اخبارهم و لذلك نهونا عن مراجعة كتبهم و اخبارهم فهذا العرض ايضا غير ممكن لنا الا نادرا نعم اذا عرف التقية من لحن اخبارنا فذلك هو الذي يجب الاخذ بخلافه حال التعارض و اما بمحض قول عشرة من العامة او عشرين اذا اطلعنا عليه فلايمكن حمل الخبر علي التقية البتة فتدبر و انصف و اما الاخذ بالاعدل و الاوثق و الافقه و الاورع فكان يمكن ذلك لمن كان يأخذ الحديث من ثقة واحد و يراه و يشاهد و اما بعد ان وصل الخبر الينا بعشرة وسائط او اقل او اكثر و بعد الف و مأتي سنة فذلك مما لايمكن معرفته و يلحق بعلم الغيب و لايكاد يتفق حديث جميع (اهل ظ) سنده اعلم من جميع اهل سند الاخر او اوثق او افقه او اورع و لربما يتعارض هذه الصفات و كفاية الظن في ذلك مما لادليل عليه من كتاب و لا سنة هذا و لايمكن استعماله في حديثين وصل كل واحد بعشرة وسائط و يتعارض الطبقات و لذا لميستعمله احد من المجتهدين و المحدثين في التراجيح و اما المجمع عليه و المشهور فلايمكن استعمالهما اليوم لدروس الاصول
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 355 *»
وعدم وصولهما الينا و المجامع المعروفة كلها مشهورة بين الفقهاء و اخبارها في درجة واحدة و نحن لانحيط بجميع الفقهاء في الاعصار و الاقطار حتي نعرف المجمع عليه و الشاذ و وصول رواية بخمسة طرق او عشرة لايبلغه حد الشهرة والاجماع و اما الاحدث فذلك من امام واحد غير ممكن لعدم تورخ الاحاديث و عن امامين غير متيقن لاذن الامام7 ان يروي حديث واحد منهم عن واحد آخر و رووا جميع احاديثهم عن رسول الله و عن الله و لعل ذلك مخصوص بالسامع كمايشعر به الحديث قال ابوعبدالله7 ارأيت لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالاخر فقال يرحمك الله و قيل له اذا جاء حديث عن اولكم و حديث عن آخركم بايهما نأخذ قال خذوا به حتي يبلغكم عن الحي فاذا بلغكم عن الحي فخذوا بقوله ثم قال انا والله لاندخلكم الا في ما يسعكم و الظاهر من الحديث الاول زمان الشهود و مقتضي الحديث الثاني الاخذ بحديث الحي و الحي عجل الله فرجه امرنا بالرجوع الي اخبار آبائه و اجداده و يعارضه الاخذ بساير المرجحات و لذلك لميستعمله احد من الفقهاء في مقام الترجيح الا الصدوق في مسألة واحدة و اما الاخذ بالاحوط فيعارضه ساير المرجحات و لعل الاحوط الحاوي للاخر يوافق العامة فيكون الاحوط الاخذ بالاخر و يعارضه اخبار السعة و الاخذ بالاسهل و عدم وروده الا في خبر غير مصحح و هو مرفوعة زرارة و لميرد في مقام الترجيح في ساير الاخبار هذا و يجب ان يستعمل كل واحد من هذه المرجحات اذا استعملت عن علم و يقين و لايكفي الظن و التخمين لما روي من النهي و لايحصل العلم بها في آخر الزمان و كل من استعملها استعملها بالظن و التخمين الا نادرا في نادر و نحن منهيون عن استعمال الظن في الدين و ان وجد في موضع نادر يمكن استعمالها عن علم فذلك لايجدي في جميع الفقه فاذا كان الامر كذلك فالاحوط اجتناب الترجيح بالظن و تزييف الاخبار الواصلة بالاوهام المنهية و رد علم ذلك كله الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 356 *»
الحجة7 فما عرفك عن علم و يقين انه مكذوب عليه فاردده و اتركه و ما لميعرفك و سكت عن تكذيبه فاسكت عنه و لاتتكلف ما لمتكلف و التعريف هو تكليفه لاتكليفك فما لميعرفك انه مكذوب و نسب اليه بمرأي منه و مسمع و هو المأمور القادر فلاتكذبه و خذ به للتقرير كما شرحناه في ساير كتبنا ثم ما صح عنهم فمحال ان يختلف الا ان يكون احدهما تقية فان عرفوك انه تقية و انت في غيرها فاتركها و خذ بالاخر وان لميعرفوك فلمتكلف بالغيب و لا بالظنون فليس لك رد واحد منها و يجب عليك قبولها لان الحجة صدق كلها و قال هذا حق و هذا حق فقل انت ايضا هذا حق و هذا حق و لاتتصرف بعقلك و ظنك و وهمك و هواك و رأيك و سلم لهما و الاحوط ان لمتكن مضطرا الي العمل بهما ان تتركهما و تردهما الي الحجة اذ ما حان حينك و لعل الي ان يحين حينك و تحتاج اليه يعرفك الحجة ما لمتكن تعرف كما يدل عليه حديث سماعة قال سألت اباعبدالله7 قلت يرد علينا حديثان واحد يأمر بالعمل به و الاخر ينهانا عن العمل به قال لاتعمل بواحد منهما حتي يأتي صاحبك قلت لابد ان يعمل باحدهما قال اعمل بما فيه خلاف العامة انتهي فالواجب اذا لمتحتج الي العمل ردهما الي الحجة و ان احتجت فان عرفت الحق من الباطل فاعمل بالحق و اترك الباطل و الا فهما لك من باب الرخصة و لو كان العزيمة في واحد و الاخر باطل لعرفك اياه بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون و لايقوم باطل بازاء حق الا و غلب الحق علي الباطل و جند الله هم الغالبون لله العزة و لرسوله و للمؤمنين كتب الله لاغلبن انا و رسلي فمحال ان يقوم الباطل بازاء الحق و يقاومه و لايزهق فلايكون حجة الله هي الغالبة البالغة فاذا لميبين الحجة ان احدهما مكذوب او تقية فقد قال انهما حق فقل انهما حق و خذ بهما قيل للرضا7 يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلانعلم ايهما الحق فقال اذا لمتعلم فموسع عليك بايهما اخذت و قال ابوعبد الله7 اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 357 *»
عليك حتي تري القائم فترده اليه و روي الناس في سعة ما لميعلموا الي غير ذلك من الاخبار و اذا تعديت السعة وقعت في الترجيحات الظنية المنهية فالاحوط في الدين ضبط اللسان عن القول بالظن و التسليم لآل محمد: فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما و ثمرة هذا المذهب انه يتفق الكلمة و يجتمع الفرقة و لايرد احدهم علي احد اذا اخذ بحديث منهم و يتسع الدين و يسهل الشريعة السمحة السهلة و يرتفع هذه الحيرة و الضيق الحاصل بسبب اختلاف الاراء و انت تعلم ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك ثم ينقطع لسان الرد من بعضهم علي بعض و قدح بعضهم في بعض و هذه الاغتيابات الشايعة في الكتب من بعضهم لبعض التي ظنوها نصرة الحق و ما كانوا يحتاجون في نصرة الحق الي هذه الاقوال الشنيعة التي تبلغ التفسيق بل التكفير في بعض المواضع و التبكيت و التعيير و التجهيل و القدح في جميع الموارد و اني اتعجب و هو موضع العجب مما اري في كتب الفقهاء مجتهديهم و محدثيهم انهم يستحلون غيبة بعضهم لبعض و ينسبون الي اصحابهم ما لايليق و يتجاوز التجهيل الي التفسيق العظيم بل التكفير في بعض الموارد فان كانوا يزعمون انهم اموات غير احياء و الميت لا غيبة له فاين قولهم: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا فلربما يذكرون احدهم باسمه و رسمه ثم ينسبون اليه العظايم و يسبونه بما لو واجهوا به احدا من اهل السوق لغضب و انكر عليهم و ان زعموا ان ذلك مستثني من الغيبة و الشتم و السب فما الذي استثناه و كيف صار حرمة علماء المذهب اقل من حرمة اهل السوق و ان زعموا ان ذلك لبيان الحق و لابد منه فيمكن بيان الحق و رد القول الضعيف بزعمهم برد نفس القول و اقامة البرهان علي فساده من دون تعرض للقائل و شتمه و سبه و لعمري ان كثيرا منها شتايم لايصبر عليها السوقي فما الذي جوزه للعلماء بل قد يتعرضون لعلماء العصر الاحياء و ينسبون اليهم من التفسيق و التكفير ما لايرضي به احد و يسبون و يشتمون و ذلك امر مشهود و قد خفي قبحه حتي صار ذلك شايعا من غير
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 358 *»
نكير و ان زعم زاعم ان ذلك من باب الجرح الجايز في الشاهدين فذلك قياس مع الفارق و الشاهد ايضا لاينبغي جرحه بازيد مما يفيد عدم قبول شهادته الا ان يكون فاسقا معلنا لا غيبة له هذا و ليس يتوقف بيان الحق الي التعرض بنفس القائل و عرضه بالجملة و اراهم مع ذلك يبجلونهم في موضع آخر و يوصلون القدح فيهم درجة الكفر و ما ادري الذي يجب او يستحب او يجوز شتمه و سبه و تفسيقه اي حرمة له و اشنع من ذلك ما صار شايعا بينهم ان الاساتيد يبادرون التلامذة بشتايم و سباب عظيمة علي غضب شديد و رفع صوت و يد و عصا و كتاب اذا لميذعنوا بما يقولون او لميفهموا و ذلك ايضا عجيب و اعجب من ذلك انه لاينافي عدالة الاساتيد فكأنهم يستحلون هذا السب و لو قال قائل ان هذا السب عصيان ينكرون عليه و ينسبونه الي العظايم و يواجهونه باعظم من تلك الشتايم بالجملة العهدة في ذلك عليهم و لست بصدد ذلك و انما جري استطرادا و لما لميكن المقصود و المذكور شخص معين حري التنبيه عليه علي لسان القلم ليتورع من ذلك اخواني ان شاء الله و قد اوردنا بابا في كتابنا فصل الخطاب في تحريم هذه المباحثات و المجادلات و حرمتها كحرمة شرب الخمر و لحم الخنزير.
و شيء آخر اني تتبعت كثيرا في كتب الفقهاء و لعل تتبعي كان اكثر من كثير منهم و وجدت مجتهديهم و اخباريهم ملأوا كتبهم في كل باب من الاستنباطات الظنية و الاستدلالات الوهمية و ان كان محدثوهم يدعون انهم يعملون بالاخبار لكن اراهم يحكمون بالاستنباطات الظنية و الاستدلالات الوهمية و الحدس و القياسات و الاستقراءات و الخيالات التي سموها تحقيقات و جميعها ظنون و استدلال بالظنون علي ما في قلب الامام و علي ارادته من حديثه حتي اني ما وجدت استدلالا منهم بغير صريح الاخبار الا ظنيا و كل دليل يقيمه واحد منهم يكسره واحد آخر و جميعها ظنون الا في قليل من الموارد مع ما نهينا عن الظن في الكتاب و السنة اما المجتهدون الذين قالوا نحن نعمل بالظنون فهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 359 *»
ماشون علي وجههم و ما ادري ماعذر المحدثين و لعمري يحكمون في كثير من الموارد بما يستنبطون من الاخبار و بما يستدلون بالوهميات علي ما في قلب الامام و مراده في صدره و ليست بمدلول الخبر و العامل بالعلم لايجوز عليه شيء من ذلك و لايعلم ما في قلب احد من الناس بالاستدلالات الوهمية فكيف قلب الامام بالجملة اجدهم جميعا يعملون بهذه الاستنباطات و الظنيات و الوهميات التي سموها التحقيقات و قلب الامام لاينبيء عنه الا لفظ الامام و هو يقول اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لمتسمعوه منا و الاطلاع علي ما في قلب الامام من علم الله لايمكن الا بالنطق و السمع و منطوق نطقه اليقيني فلااجد والله شيئا احوط و لا اولي و لا اوجب من سد باب جميع هذه الاستنباطات و طلب هذه القرائن الظنية و رد علم الجميع الي الامام نفسه و الاكتفاء بمنطوق ما نطقوا به و السكوت عما سكتوا عنه كالمقلد الذي يقلد الفقيه في هذا الزمان و هل رأيت مقلدا يستدل بالوهميات علي ما في قلب المجتهد او يتجاوز عن موضع نطقه و لفظه او يأتي بادلة عقلية ان الامر عند مجتهدي كذا و النهي كذا و العام كذا و الخاص كذا و علي الفقيه ان يكون برا رحيما يفهم مقلده ما يفتي به باي نحو كان و انتم مقلدوا جعفر و ابا (ابي ظ) جعفر صلوات الله عليهما فما بالكم لاتجسرون علي التصرف في فتاوي فقيهكم و تجسرون علي التصرف في فتاوي ائمتكم بالجملة
هذا جناي و خياره فيه
و كل جان يده الي فيه
هذا اعتقادي فيه قد ابديته
فليقبل الواشون او فليمنعوا
انا اكتفي في كل ما يرد علي بنص فيه قد قرره الامام و سدده فان وجدته منفردا اعمل به و ان وجدت له معارضا فان علمت قطعا ان احدهما مما لايرضي امامي بالاخذ به بشواهد قطعية مما قرروه سلام الله عليهم اتركه و آخذ بالاخر و ان لمآخذ شيئا قطعيا كذلك و هما مقرران و لميعلمني امامي ان احدهما رضاي دون الاخر و هو نهاني عن العمل بالظن فاعلم انه لايريد احدهما بعينه مني فاعلم اني في سعة منهما الي ان يري صلاحي في احدهما و يعلمني علي اليقين ان رضاه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 360 *»
في احدهما و لا اعمل بالمرجحات الظنية و الاستدلالات المسماة بالعقلية و الاستنباطات المسماة بالظنون الخاصة فانه لا اذن لي في شيء من ذلك.
بقي شيء اختم به هذه الفائدة النافعة ان شاء الله و هو انه بعد ما علمت ان ما لميعلمك امامك علما يقينيا ان احدهما مراده لاشك انه لايريد منك احدهما بعينه و ذلك في اغلب الاحكام في هذا الزمان فلك الخيار ان تعمل بايهما شئت تسليما لامرهم فلما كان لك الخيار و جاز لك الاخذ بايهما شئت و احببت لا مانع من ان ترجح للعمل ايهما كان اصح او اولي او اشبه او انسب او اقوي او اوفق بظواهر الكتاب او اوفق بظواهر السنة او ابعد عن العامة او احوط او اشهر او اقرب الي مواقع الاجماعات المنقولة او المطابق معها او المطابق للمشهور او الاوفق بالمدلولات العقلية او الاقرب الي ما يسكن النفس عنده او الانسب الي علم السياسة او الحكمة او الاخذ بما يتسق به موارد الاحكام او غير ذلك من مرجحات الاصحاب مما لاينكرونه و مما يجتمع عليه الكلمة عملا لكن من دون انكار للحديث الاخر و القول الاخر علما فتعمل بما يرضي به نفوس العلماء او بما هو احوط بالاتفاق فلاتصير غرضا لسهام ايراداتهم و ما ينسب بعضهم الي بعض و ذلك غير ضاير و عليه تأتلف القلوب و تسكن النفوس و تقل الفتن و لايجب ان تقول او تكتب اني اجوز ما يخالف هذا و يكفي ان تقول عملي علي ذلك و انا آخذ بهذا و الله الموفق للصواب و اما ساير المدارك التي يعمل بها الفقهاء علي اختلاف آرائهم اما الاجماع فالضروريان منه فلاشك فيهما و لاريب يعتريهما و يجب العمل بهما و اما المحصلان فان كانا علي موضع نص فالعمل علي النص غاية الامر انه تأکد فهم معناه و حصل يقين مؤکد بمراد الحجة منه و لا کلام فيهما ايضا فانه لولاهما کان العمل علي النص ايضا و اذا كان نص حصل الاجماع عليه و عارضه نص آخر فهو مريب يرجح عليه المجمع عليه فان المجمع عليه لاريب فيه و ينبغي ان يأخذ بما لايريبه و يدع ما يريبه و ان كانا علي غير موضع نص فذلك محض ادعاء
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 361 *»
لا برهان عليه و لميرد باتباعه كتاب و لا سنة و روي دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و ما روي في معني الاجماع فذلك في الضروري كما اوردنا اخباره في فصل الخطاب و الاجماعات المدعاة لا نص عليها و اما المنقول فكذلك فان كان في موضع نص فالمتبع النص و لايفيد الاجماع المنقول الا ظنا نادرا لاسيما مع اختلاف الاراء في معني الاجماع و كثرة الاجماعات المدعاة الواهية المختلفة و ربما يدعون الاجماع و لا قائل به غير المدعي و ربما يخالفه نفسه في موضع آخر و ان كان في غير موضع نص فهو اوهن من بيت العنكبوت لعدم نص عليه و اما المشهوري فكذلك ان كان في موضع نص فالمتبع النص و لاتفيد الشهرة الا ظنا غالبا مع انها علم غيب يدعي مع كثرة الفقهاء و خمول ذكر اكثرهم و ان كانت في غير موضع نص فلادليل قطعيا علي حجيتها و اما السكوتي و المركب فهما علم غيب يدعي و لا حجية فيهما و اما الاستصحاب فان كان الحكم السابق علي المادة فلااستصحاب لشمول النص و ان كان علي الحالة السابقة فالحالة السابقة قد فنيت و الحالة المتجددة غير منصوصة اسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله و ان كان الحكم السابق يوافق الاصل فالثاني مثله و ان كان يخالف فاجراؤه في الحال الثانية قياس محض و اما في الموضوع فلاشك فيه فلاتنقض اليقين الا بيقين مثله و الحالة الثانية مشكوكة الوجود و لا حكم لها و اما اصل البراءة فلاشك في اطلاق ما لانص فيه و اشتغال الذمة بما فيه نص و ليس بدليل عقلي لورود النص به و ان ساعده العقل و اما اصل العدم و ما يرجع اليه فلاشك فيه لان ما لميعلم وجوده لاحكم له و الناس في سعة ما لميعلموا قطعا و اما ساير الاصول فما استفيد من نص فالنص هو المتبع و ما كان مبناه علي الظنون و الادلة الجهلية المسماة بالعقلية فلاعبرة بها عندي بالجملة الذي انا عليه ما دمت حيا و اموت عليه ان شاء الله و احشر عليه ان شاء الله ان الواجب ان يكون الانسان عند آل محمد: كالمقلد المسلم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 362 *»
عند الفقيه لايتكلم بشيء الا بنص و يطلب في ما يرد عليه اولا النص الخاص فان وجد فالعمل عليه و الا فنصا عاما او مطلقا فان وجد فالعمل عليه و ان وجد نصين متعارضين فعلي ما وصفنا و ان لميجد نصا لا عاما و لا خاصا فالعمل علي الاطلاق حتي يرد عليه نص و لايجوز له الاجتهاد لا في مقابل النص و لا في موضع عدم النص
هذا اعتقادي فيه قد ابديته
فليقبل الواشون او فليمنعوا
و كتب ذلك العبد الرق المسلم لآل محمد: الداعي لتعجيل ظهور فرجهم سلام الله عليه كريم بن ابرهيم في بعض جبال لنجر في الحادي و العشرين من شهر الجمادي الاولي من شهور سنة سبع و ثمانين بعد المأتين من الالف الثاني من الهجرة علي مهاجرها آلاف الثناء و التحية حامدا مصليا مستغفرا.