رسالة في التسديد
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 281 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين .
اما الدليل من الكتاب قوله تعالي اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و قوله تعالي الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و قوله تعالي و ماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته الآية ، و قوله تعالي لاتحرك به لسانك لتعجل به ان
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 282 *»
علينا جمعه و قرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه و قوله تعالي و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قوله تعالي انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و قوله تعالي بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء و قوله تعالي ام حسب الذين يعملون السيئات ان يسبقونا ساء ما يحكمون و قوله تعالي ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين و من هذا القبيل كثير في القرآن ،
اما وجه الاستدلال بالآية الاولي انه قد وردت الآية بعد نصب اميرالمؤمنين للخلافة كما اورد في المجمع عنهما عليهما السلام انما نزل بعد نصب النبي صلي الله عليه و آله و سلم عليا عليه السلام علما للانام يوم غديرخم عند منصرفه عن حجة الوداع قالا و هي آخر فريضة انزلها الله ثم لمتنزل بعدها فريضة و في الكافي عن الباقر و العياشي و القمي عنه عليه السلام ما يقرب منها فبنصبه صلوات الله و سلامه عليه اياه عليه السلام قد اكمل الدين و يئس الكافرين لحفظه عليه السلام الدين المبين عن تحريف الغالين و انتحال المبطلين و دس الداسين و افتراء المفترين و تكذيب المكذبين و الحاد الملحدين و تشكيك المشككين و غير ذلك من المفاسد الواردة علي هذا الدين و ليس المقصود من حفظه (ع) صرف الواردين و منع الغاشين و الجاء المفسدين بل المراد ايضاح الحق بالتبيين و نصب القرائن للمتأملين و دلالة السالكين و هداية المجاهدين و الاشارة الي صريح الحق للمتوسمين و تسديده الي الحق في هذا المقام علي اقسام كفحوي الخطاب و لحن الخطاب او دليل التشبيه او دليل التنبيه او التصريح او التلويح او المثال او الاهمال او الجواب او دليل الخطاب او السؤال او لحن المقال او التفصيل او الاجمال او البيان او القران او الاخفاء او الاعلان او بروايات ضعيفة محفوفة بالقرائن او صحيحة صريحة علي مطلوب المعاين او باجماع الطائفة او الشهرة المقبولة و امثال ذلك بحيث يفهم الناظر الحق الذي لا باطل فيه و اليقين الذي لا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 283 *»
ريب فيه و الحكم الذي لا خلف فيه و ليس عليه الجاء الناس علي ترك التكذيب و منع الافتراء و التخريب بل عليه ان يمسك عمود الدين و يرشد المؤمنين الي الحق المبين و يبين ذلك اخبار ناصة علي ما قررنا بحيث لايبقي عليه غبار و لايسع احدا بعدها الا محض الانكار او التسليم بالاقرار و هذا نفع الامام بعد النبي الهمام في التشريع مزيدا علي ما يحفظ التكوين و لولا ذلك لساوينا مخالفينا في الاهمال و ادحضنا حجتنا بهذا المقال فلما من الله علينا بوجود الامام الحافظ للشرايع و الاحكام بحيث مانفع الدس و الافتراء و التأفيك و القاء الاعادي الطغام يئسوا من ديننا فلانخشاهم بحول الله العزيز العلام و نخشي الله جبار الانام و لانشرك به احدا من الضعفاء اللئام و اكمل لنا الدين بوجود الامام المبين الحافظ في التشريع و التكوين بحيث لانحير في شئ من الاشياء و لانحتاج الي الاعداء و لايضرنا الكذب و الافتراء و لا قصر باع الفقهاء و لا سوء استنباط العلماء لاطلاع المجبرين للكسير و الحافظين عند التقصير عليهم صلوات الله الملك الخبير و اتم علينا نعمته بنصب الهادي عن الضلال و المسقي عباده بالصافي الزلال و المروي شيعته بالبارد السلسال و السالك بامته في طريق الله ذي الجلال و رضي لنا به دينا لما امرنا باتباع المرتضي و مشايعته في طريق الهدي عليه سلام الله ذي العلي ،
و اما وجه الاستدلال بالآية الثانية فان الله تعالي يقول ان علينا للهدي فاذا جاهد عبد في سبيله و توجه اليه بوجهه و استعد بذلك لادراك طلبته محال في حكمة الله ان يخيب و لايكون له في الهدي نصيب فلو لميهد المجاهد في سبيله و الطالب لدليله فلمن يهدي و لمن يبين الحق و فضل الله المجاهدين علي القاعدين في كتابه المبين فلو استفرغ العبد وسعه متوجها الي الله يلتمس الهدي من ربه و الوصول الي تكليفه و هو ناظر قادر مطلع ليس بعاجز و لا بخيل يجب في الحكمة ان يهديه الي الحق الحقيق الذي بالاهتداء يليق و هذا ظاهر بين ليس بخفي و لا دقيق يعرفه كل من له ادني مسكة في التحقيق ،
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 284 *»
و اما وجه الاستدلال بالآية الثالثة انه اخبر سبحانه و تعالي ان الدس و التحريف من سنة الماضين و طريقة السالفين فما من نبي الا و حرف ما تمني اي قرأ علي امته و دس فيها و القي الشياطين من الانس و الجن فيها و لكن الله ينسخ ما يلقي الشيطان و يحكم آياته الحقة بما ذكرنا من طرق التسديد و بما لمنذكره هذا اذا اخذ التمني بمعني القراءة و التلاوة و اذا اخذ بمعني الارادة فكما ورد عن علي (ع) في حديث فيذكر جل ذكره لنبيه صلي الله عليه و آله و سلم ما يحدثه عدوه في كتابه من بعده بقوله و ماارسلنا من قبلك الآية ، يعني انه ما من نبي تمني مفارقة ما يعاينه من نفاق قومه و عقوقهم و الانتقال عنهم الي دار الاقامة الا القي الشيطان المعرض بعداوته عند فقده في الكتاب الذي انزل عليه ذمه و القدح فيه و الطعن عليه فينسخ ذلك من قلوب المؤمنين فلاتقبله و لاتصغي اليه غير قلوب المنافقين و الجاهلين و يحكم الله آياته بان يحمي اولياءه من الضلال و العدوان و مشايعة اهل الكفر و الطغيان الذين لميرض الله ان يجعلهم كالانعام حتي قال بل هم اضل سبيلا ، انظر كيف بينه عليه السلام ان الله و ان كان لايلجؤ الشياطين الي ترك الدس و التحريف و لكنه يحفظ قلوب اوليائه عن الركون اليه و الاخذ به و هذا هو التسديد الذي ندعيه فما علي المؤمنين من تحريف الغالين الموجب للظن و التخمين من بأس بعد ما يقول الله تعالي الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الي النور و ماضرهم ذلك ذرهم يأكلوا و يتمتعوا و يلههم الامل فسوف يعلمون ،
و اما الاستدلال بالآية الرابعة فظاهر ان الله التزم البيان و اوجب علي نفسه بيان ما خفي من الوحي و التزم و لما كان هو سبحانه كاملا و فعله كاملا وجب ان يكون بيانه ايضا كاملا بحيث لايبقي عليه غبار فيكون مظنونا او مشكوكا فانه ليس ببيان ما لايفيد العلم و وجوب البيان لكل احد فان الله سبحانه و تعالي لايكلف احدا بما لميبين له و لميحتج علي احد بما لميوضح له و لله الحجة البالغة علي كل احد يعني يسأل عبده عن العمل فاذا قال علمت يقول لم تركت العمل به و اذا قال
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 285 *»
لماعلم يقول لماذا ماتعلمت كما ورد ما هذا معناه فاذا كان لميبين ماكان له الحجة البالغة اذ كان للعبد ان يقول اني تجسست و تفحصت و انت ماكنت مبينا و ما علي اذا لميبين المكلف امره و نهيه و ابي الله ذلك فلميدع لاحد حجة عليه و له الحجة علي كل احد كما اشار بهذا في الآية التالية و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون ،
و اما وجه الاستدلال بالآية الخامسة ففي الكافي و العياشي و التوحيد عن الصادق عليه السلام في معناها حتي يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه ، و انت خبير بان المعرفة اعلي مقامات العلم و ارفع درجات اليقين و النكرة في سياق النفي يفيد العموم فلايمكن ان يحيد احد عن الدين الا بعد المعرفة باموره و بعد العلم القطعي بما يريد الله منه و بذلك قال الله تعالي فمااختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و اما قبل البيان فالناس في سعة ما لميعلموا فالظان في سعة كالشاك فان علي الله البيان و البيان هو المعرفة و هي رأي العين و كذلك ينبغي فان الله كامل و فعله كامل و مفاعيله ينبغي ان تكون كاملة و اكمل البيان المعرفة حتي يكون الشئ كالشمس في رابعة النهار و ينبغي ان يكون هذا النوع من البيان لكل احد احد كل بحسب فهمه و ادراكه فانك اذا كان لك عبدان سميع و اصم و انك امرت بامر قولي عرفه السميع و لميسمع الاصم ماتعاقبه علي ذلك فانك لمتبين له و انما بيانك له ينبغي ان يكون له بوجه يمكن له معرفته كالاشارة و الكتابة و غيرها و الا ماكان مكلفا و لمتكن حجتك عليه بالغة مع انك تريد منه العمل و ليس انه له ان يعمل بما يظن و عليك ان ترضي فانك تكلف بما تحب و تريد من عبدك ما تحب فينبغي ان يكون الرب الكامل الذي يكلف عبيده بشئ خاص مايرضي بغيره ان يعبر للاصم و الاعمي و السميع و البصير بما يتبين لكل واحد كالشمس في رابعة النهار حتي يكون مشابها لافعال الله الكاملة و حجج الله البالغة فافهم ،
و اما وجه الاستدلال بالآية السادسة فانما لما عرفنا و تيقنا ان الله سبحانه هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 286 *»
منزل الذكر و حافظه عن ما يخفي مقصوده عن افهام المؤمنين لا بالجاء الملحدين و المشبهين علي ترك الالحاد و ايقاع الشبه بل بنصب القرائن و العلامات المورثة للقطع و اليقين لطالبي الحق و الدين نكتفي به عن القول بالظن و التخمين و نستريح به عن الاضطراب في اليقين و نعلم قطعا ان المراد بحفظ الله الذكر المبين ليس بمنع المحرفين لانه وقع من الاولين و الآخرين بل حفظه في قلوب المؤمنين عن الالتباس و دفع ما يوسوس به الخناس من الشبهات و الشكوك الواقعة في صدور الناس و كان ذلك دائما في جميع الاحيان من تسديد الطالبين في كل الاديان و لولا ذلك لاختل علي الناس امورهم و تقطعت نظامهم و اختلفت احكامهم و تشتت آراؤهم و اما هذا الاختلاف الواقع ليس من اختلال النظم بل هو من الحفظ علي الناس مصالحهم و ملاحظة رعايتهم في طبايعهم و انما ذلك منهم مطلوب ما دام الخلط و المزج و ما دام دولة الباطل كما سيجيء في السنة و دليل العقل فاذا امنا خوف الدس و التحريف فهما و عملا و علمنا ان الله يحفظ الذكر في قلوبنا فلانخاف الالتباس و لايحتمل الاشتباه فيحصل لنا العلم بما اقامنا الله عليه باوليائه و خلفائه ،
و اما وجه الاستدلال بالآية السابعة هو ان الله سبحانه يعير الذين يعملون السيئات بالدس في الدين و تحريف الكتاب المبين و الافتراء بالرسول الامين و التكذيب علي الائمة الطاهرين انهم هل يحسبون ان يسبقونا و يغلبونا بافعالهم هذه فيخربون ما منعنا الا عمارته و يطفئون ما ابينا الا انارته كيف يقدرون علي اطفاء نور الله و ابي الله الا ان يتم نوره و لو كره المشركون فلما علمنا انهم لايسبقون الله بمكرهم و خدعهم في الدين نستريح عن همهم و لانخاف مكرهم لان كل عزيز غالب الله مغلوب و الله هو يدفعهم عنا و يحمينا عن شرهم فما علي من الله وكيله و حسيبه اليس الله بكاف عبده و يخوفونك بالذين من دونه حاش الله ان يخاف معه شئ ابدا فامنا شرهم و استرحنا خطرهم و الحمد لله رب العالمين ،
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 287 *»
و اما وجه الاستدلال بالآية الثامنة فماامر الله سبحانه بتحصيل العلم و البيان فيما يصل الي المكلف و النهي عن العمل بغير التبين و التبين هو تحصيل البيان و قد ذكر سابقا ان البيان علي الله سبحانه حيث يقول ان علينا بيانه و هنا يأمر بالتبين و هو المجاهدة لتحصيل البيان فاذا تبين العبد بصافي طويته و خالص دينه فمحال ان يمنعه الله عن البيان لان الله اجل من ان يخلف وعده حاشاه ثم حاشاه ، فبعد التبين و المجاهدة ما حصل له هو البيان حق البيان في حقه فاذا طلب العبد جاهدا خالصا و الله مطلع عليه واقفا و هو وعد المجاهدين بالهداية يحكم العقل المستنير بحصول البيان قطعا فالقائل بحصول الظن بعد التبين هو الملتزم بجواز خلف الوعد علي الله سبحانه و ذلك ما سلبه الله عن نفسه و قال ان الله لايخلف الميعاد و اما المقصر في الجهاد فليس بمستفرغ وسعه و كلامنا في من استفرغ الوسع و لميقصر و حده اطمينان القلب فان القلب بيد الله و اما من يحتمل في نفسه التقصير فلايطمئن قلبه و الذي لايحتمل فان كان في الواقع مقصرا و هو لايعرف و مطمئن قلبه بما عرف و ليس ما عرف تكليفه فعلي الله تنبيهه و تفهيمه بتقصيره و ان كان ماعرف تكليفه فلايحتاج الي التنبيه فافهم راشدا موفقا فعلي الله البيان في كل حال للطالب القابل الصادق فبعد ذلك من ابصر فلنفسه و من عمي فعليها و لولا ذلك لميعرف احد شيئا في الدنيا فان الملائكة الذين هم اعلم الناس يقولون ربنا لانعلم الا ما علمتنا فكيف الناس الضعفاء الجهال فكل البيان في جميع الاكوان و الاعيان و الشرايع و الاديان علي الله و التبين علي الناس بالله ثم اذا حصل التبين يحصل له البيان و الا فلا ، هذا قليل من كثير من الآيات اكتفينا خوف الاطالة يظهر منها نوع الاستدلال علي وجوب تحصيل العلم و ذلك دليل الحصول فان الله لايكلف نفسا الا وسعها و يريد بكم اليسر و لايريد بكم العسر و لو كان لايمكن تحصيله لمااوجبه علي الخلق و القول بانه كان يمكن فامتنع باطل و عن حلية الاعتبار عاطل كما سنبينه بعد ان شاء الله فترقب ،
و اما الآيات الدالة علي حرمة العمل بالظن و النهي عنه فكثيرة منها قوله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 288 *»
تعالي و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا و منها قوله تعالي انيتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و قوله تعالي مايتبع اكثرهم الا ظنا ان الظن لايغني من الحق شيئا و قوله تعالي ان هم الا يظنون و ان هم الا يخرصون و اذ اخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا علي الله الا الحق و قوله ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير ما لهم به من علم الا اتباع الظن و قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا انتتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و من هذا القبيل كثيرة طوينا عنها الكشح خوف الاطالة و وجه الاستدلال بها علي ما تري انها ظاهرة الدلالة في النهي و التوبيخ و هو حقيقة في الحرمة و لا صارف لها عنها و لا باعث و تخصيصها بالاصول الاعتقادية دون الفروع تخصيص غير جايز و ان يعجب متعجب فليتعجب من قول المحدث في عصرنا ان الاعتقادات ايضا يكفي فيها الظن ان تعذر العلم فذهبت مفاد الآية خصوصا و عموما و نسخت بالآراء الرثة و الله سبحانه يقول قل فلله الحجة البالغة و يقول افي الله شك فاطر السموات و يقول لاتقف ما ليس لك به علم و يقول الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و وبخ الذين يجادلون فيه بغير علم و هؤلاء اشباه العلماء يحكمون بالحشو من الرأي باكتفاء الظن ارأي ان الله عجز عن التعريف او يخلف وعده للمجاهدين او ضعفت قدرة الله او ادحضت حجة الله او طفئت نور الله سبحان العزيز ان يحتج علي العباد بما وبخ علي المشركين و الملحدين و يلزم هذا الرجل ان يصوب من ظن خلاف الحق و اتبعه لما ادي اليه ظنه و ما عليه الا استفراغ الوسع فاذا استفرغ وسعه و ظن ان ابابكر علي الحق و علي علي الباطل نعوذ بالله يجزي عنه و يدخل الجنة و الله عاتب المشركين من اول كتابه الي تاليه باتباع الظن فلايغني الظن عن الحق شيئا ،
و اما الروايات الدالة علي النهي عن القول بغير علم فما رواه المفضل عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 289 *»
ابيعبدالله عليه السلام قال اياك و خصلتين ففيهما هلك من هلك اياك ان تفتي الناس برأيك او تدين بما لاتعلم و عن ابيعبيدة الحذاء عن ابيعبدالله عليه السلام قال من افتي الناس بغير علم و لا هدي لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه و عن زياد بن ابيرجاء عن ابيجعفر عليه السلام قال ما علمتم فقولوا و ما لمتعلموا فقولوا الله اعلم و عن ابنشبرمة قال ماذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمد الا كاد ان يتصدع قلبي قال حدثني ابي عن جدي عن رسول الله (ص) قال ابنشبرمة و اقسم بالله ماكذب ابوه علي جده و لا جده علي رسول الله (ص) قال قال رسول الله (ص) من عمل بالمقاييس فقد هلك و اهلك و من افتي الناس بغير علم و هو لايعلم الناسخ من المنسوخ و المحكم من المتشابه فقد هلك و اهلك ، و من هذا القبيل من الروايات كثيرة اعرضنا عنها للاختصار فاذا كان الامر كذلك في الوضوح بين مطاوي الكتاب و السنة فما بال المرء يقول بجواز الفتياء بالظن و لعمري ما الباعث علي ذلك و اي مرض يداوي بهذا القول افيري ان من سبقنا من العلماء كانوا كاذبين في دعواهم العلم ام نحن نقول وجوبه بغير حجة ام عجزت القائلين بالعلم عن شطر من المسائل ام افتوا بالرأي هؤلاء الاخباريون و ماكان يحصل لهم علم حاشاهم ماكان شئ من ذلك ابدا و انما سولت له نفسه امرا و اصغي الي الماشين في الطخياء الخابطين خبط العشواء السالكين في الظلماء الذين يدعون مع الله الها آخر و يرون يد الله مغلولة و الارض خالية و الامور عاطلة غلت ايديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ، قل فلله الحجة البالغة فلاتشرك مع الله احدا و لاتفترين علي الله كذبا ان يسحتك بعذاب و قد خاب من افتري فليس الله عن الخلق بغافل و ليس الامر بعاطل كما سيجيئك زيادة بيان بعد ذلك ان شاء الله ،
و اما دليلنا من السنة لوجوب حصول العلم في كل زمان فعن ابيعبدالله (ع) ان جبرئيل نزل علي محمد (ص) يخبر من ربه عز و جل فقال له يا محمد لماترك
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 290 *»
الارض الا و فيها عالم يعرف طاعتي و هداي و يكون نجاة فيما بين قبض النبي الي خروج النبي الآخر و لماكن اترك ابليس يضل الناس و ليس في الارض حجة داع الي و هاد الي سبيلي و عارف بامري و اني قد قضيت لكل قوم هاديا اهدي به السعداء و يكون حجة علي الاشقياء و عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم ان لكل بدعة من بعدي يكاد بها الايمان وليا من اهل بيتي موكلا يذب عنه و يعلن الحق و يرد كيد الكائدين و عن اميرالمؤمنين (ع) في دعاء له اللهم لا بد لارضك من حجة لك علي خلقك يهديهم الي دينك و يعلمهم علمك لئلاتبطل حجتك و لايضل متبع اوليائك بعد ان هديتهم به اما ظاهرا ليس بالمطاع او مكتتم مترقب ان غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فان علمه و آدابه في قلوب المؤمنين منبثة و هم بها عالمون و عن ابيجعفر عليه السلام قال ان الله لميدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان من دين الله عز و جل فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم و اذا نقصوا اكمله لهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و عن ابيحمزة الثمالي في حديث له قال فسأل الباقر رجل آخر جعلت فداك تؤتي اكلها كل حين باذن ربها قال ما يفتي الائمة شيعتهم من الحلال و الحرام و عن ابيعبدالله عليه السلام قال الارض لاتكون الا و فيها عالم يصلحهم و لايصلح الناس الا ذلك و عنه عليه السلام ان الله لايدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم فاذا نقصوا اكمله لهم فقال خذوه كاملا و لولا ذلك لالتبس علي المؤمنين امرهم و لميفرق بين الحق و الباطل و عن الحجة عليه السلام و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا سترها السحاب و في التوقيع الي المفيد (ره) انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء ، و من هذا القبيل كثير اكثر من ان تحصي لكنا ذكرنا نوع الحديث في الباب و اعرضنا عن الباقي خوف الاطالة و قد عقد الكليني في ذلك بابا و ساير ارباب الحديث كصاحب البحار و العوالم و غيرهم من العلماء و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 291 *»
لايخفي ذلك علي المتتبع و من له ادني بصيرة في طريقة اهل البيت عليهم السلام و وجه الاستدلال بامثال هذه الاحاديث انه اذا لميبق الله الارض من غير حجة لصلاح النظام و لاصلاح الزيادة و النقصان في امور الانام و ارسلهم الله لذلك و بعثهم الي العباد لهذا الامر فلا بد و ان يسددوا و يؤيدوا كيف ما يريدون صلاح الامة و نظامهم و لايفترون في ذلك بوجه لانهم معصومون مطهرون لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فلا بد و ان يعرفوا الحق و الباطل و يبينوا لهم بما ذكرنا من طريق التسديد من القذف في القلب او اراءة قرائن حالية او مقالية عقلية او نقلية او اجماع او شهرة او فحوي او لحن كيف ما يريدون صلاح الناس و كيف ما يستصلح به معاشهم و معادهم و كيف ما هو مقتضي طبيعتهم و استعدادهم فيزيدون اذا نقصوا و ينقصون اذا زادوا و لولا ذلك لالتبس عليهم الامور و الاحكام و فسد نظامهم و بطل تكاليفهم سبحان الله ينكرون التفويض الي رسول الله و يثبتونه لانفسهم ايرون ان الدين مفوض اليهم مهمل سدي لا له راع و لا ناظر كيف يظنون و ما يريدون يصنعون و اي شئ يريدون يقولون حاش لله ان يسلط علي الناس عدوه ابليس و يهملهم من غير هاد يدفع كيد الابليس و مكره ابي الله عن ذلك اي خلق لله بقي في ظلمة من غير نور و اي ملك لله بقي في ضلالة بغير هاد بل ما من قوم الا و بعث اليهم نبي و هاد و ابقي فيهم حجة لئلايضيع من في اصلاب الرجال واحدا بعد واحد و لئلايكون للناس علي الله حجة الا لله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين باظهار صرف الحق فانه لو خلص لميخف علي ذي حجي و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و القول بغير ما نقول ينشئ من عدم المعرفة بحقيقة المكلف و المكلف و التكليف و سرها و سببها و منشأها و مبدئها و منتهاها و من عدم المعرفة بسر الدين و حافظه يريدون ان يهتدوا الي اللب بالقشر و الي الباطن بالظاهر و الي البيت من ظهره و ابي الله عن ذلك و لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا و لكنهم ابوا ذلك فبقوا حياري مختلفين و لو ردوه الي الله و الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم و كذلك لو اصغوا الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 292 *»
قائل يحتج عليهم بما يرضي الله و رسوله و بما انزل الي رسوله و ما سن رسوله و ما اظهروا من الآيات في الآفاق و الانفس منصتين منصفين لعلهم كانوا يعرفون ذلك و لكنهم انست نفوسهم بما قررنا قبل من مبادي علومهم فاتوا به متشابها فاكلوا منها مالئين البطون و شربوا عليها شرب الهيم فصار هذا نزلهم يوم الدين فان انكرت علي ذلك و ادعيت الانصاف و البصيرة و الاصغاء الي الحق و عدم الاستكبار عنه ،
فاستمع ماذا يقول العندليب ** * ** حيث يروي من احاديث الحبيب
من دليل الحكمة الكاشف من سر الحقيقة المستلزمة للعيان و الرؤية فان فهمته فخذ به و كن من الشاكرين و الا فان انكرته ،
فعلي نحت القوافي من مواقعها ** * ** و ما علي اذا لميفهم البقر
و ان سلمته فتقول :
قد يطرب القمري اسماعنا ** * ** و نحن لانعرف الحانه
قال الشاعر :
فمن يك ذا فهم يشاهد ما قلنا ** * ** و ان لميكن فهم فيأخذه عنا
فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد ** * ** عليه و كن في الحال فيه كما كنا
فنقول اما الاستدلال علي حصول العلم و اليقين باحكام الشريعة و الدين في زمان الغيبة بل جميع الاوقات و كل حين علي كمال ما ينبغي له مقدمات كثيرة يطول بذكره البيان في هذا المقام و يروح عنا لطوله المرام لان في الحقيقة معرفة شئ واحد كما ينبغي موقوف بمعرفة كل شئ لان العالم كشخص واحد و هذه الاجزاء اعضاؤه و جوارحه فمعرفة عضو واحد بسببه و علته و مادته و صورته و احواله و اعضائه و قراناته يحتاج الي معرفة كل البدن و هذا لايمكننا الآن و لسنا بصدد بيان ذلك الا انا نذكر هيهنا بيانا شافيا فيه اجمال ذلك التفصيل و انموذجا من كمال الدليل بحيث اذا نظر اليه البصير او المتفكر الخبير عرف المراد ان لميذهب فيه بالحاد و هو انك اذا عرفت ان التكاليف هي اوامر شرعية كما ان افعال الله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 293 *»
سبحانه تكاليف كونية و الله سبحانه في كل هذين المقامين غني عن خلقه غير مفتقر اليهم و لا له من نفسه باعث في ايجادهم و لا مقتضي و لا محبة و انما خلقهم بمقتضي سؤالهم اياه ان يخلقهم حين خلقهم فبسؤالهم خلقهم و بخلقه سألوه فكان خلقه مع سؤالهم و سؤالهم مع خلقه متساوقين لايقدم شئ منها علي شئ و لولا ذلك السؤال لماخلقهم و هو استعدادهم و قابليتهم للانوجاد فخلقهم بذلك اما في الكون فكما ذكرنا و اما في الشرع فكذلك لانهم سألوه بمقتضي استعدادهم الثاني في الخلق الثاني ان يسألهم فقال لهم الست بربكم و محمد نبيكم و علي امامكم فمنهم من قال بلي و منهم من قال نعم و منهم من قال بلي بظاهره و توقف في باطنه و لولا اجابتهم ذلك لماوجدوا فهذه التكاليف هي شؤنات هذه الاصول الثلثة و اطوارها فالاعمال الظاهرية البدنية من الحركات و السكنات هي كلها من شؤن الاجابة للربوبية و النيات و الاعتقادات و علم الاخلاق و اليقين كلها من اطوار الاجابة للنبوة و التوجهات و المعارف و الحقايق من شؤن الاقرار بالولاية و كان هذا التكليف عند سؤالهم من الله تعالي في الذر الاول و الثاني و الثالث ان يسألهم و يكلفهم لكل واحد واحد من التكاليف و الاعمال فكشف لهم عند ذلك عن العليين و قال هذه الصور خلع فيوضاتي و البسة مرضاتي البسها من اجاب دعوتي و تلبي تكليفي و كشف عن السجين فقال هذه سراويل عقابي و ثياب سخطي البسها من انكر دعوتي و اعرض عن ذكري فمنهم من هدي و منهم من حقت عليه الضلالة و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و لا شك في ان هذه العوالم الثلث بعضها فوق بعض و كل دان منها تفصيل لاجمال الفوق و تشريح لابهامه و كلها تكليف بشئ واحد سنة الله التي قد خلت من قبل و لنتجد لسنة الله تبديلا و لنتجد لسنة الله تحويلا و كتب هذا العهد و الميثاق عنهم و هو الاقرار بجميع ما يريد منهم من الجزئيات بعد ما عرف لهم واحدا بعد واحد و بين لهم و فصل حتي لايقولوا انا كنا عن هذا غافلين او يقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل و كنا ذرية من بعدهم ضعفاء افتهلكنا بما فعل المبطلون فاشهد علي هذا الميثاق ملئكته و انبياءه و رسله جميعا و كتب هذا العهد عنده في الورقة العليا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 294 *»
من اللوح المحفوظ و شارطهم ان يعاملوا بذلك ما استطاعوا و لميكن لهم مانع اقوي يصرفهم عنها و يمنعهم عنها فاجاز الله لهم ذلك لانه اراد لهم اليسر و الوسع ثم بعد ما كسرهم مرة ثانية و خلطهم و مزجهم بسؤالهم ذلك و ساغهم سوغة ثانية و حصل بينهم اللطخ و الخلط و المزج و تغيرت ابدانهم و طبايعهم و احوالهم و ذلك لان يتبين الخبيث من الطيب و يهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و يكون للخبيث مستمسك لضلالته و يكون للطيب مستمسك لهدايته فلو خلص الحق لميخف علي ذي حجي و ماكان يمكن للخبيث ان يختار الخباثة علي رؤس الاشهاد و الناس كلهم قيام شهود ينظرون اليهم و لا للطيب ان يختار المعصية حينا ما و كان مجبورا علي الطاعة و ماكان كمال له و انما كان الكمال في الاختيار فاذا اختار الطاعة مع القدرة علي المعصية فله اجره و ثوابه و اما في الخلق الاول فلميكن احد مطلعا علي احد فلميكن احد يري الا نفسه و اما الخلق الثاني فقد توجهت الخليقة الي انياتهم فرأوا انفسهم متكثرين مختلفين فاراد الله تعالي ان يكون لكل احد حجة فخلق الخلق متشابهين في الصورة مختلفين في الحقيقة كما قال كلمة خبيثة كشجرة خبيثة و كلمة طيبة كشجرة طيبة فاذا حصل اللطخ و الخلط و : تغيرت البلاد و من عليها ، و تغيرت استعداداتهم و طبايعهم سألوه ثانيا ان يسألهم و يكلفهم بما يناسب احوالهم فسألهم و كان نسبة تفاوت هذا السؤال الي السؤال الاول كنسبة اختلاف استعدادهم ثانيا مع الاستعداد الاول فمنهم من اقر و اجاب و منهم من انكر و عاب فكتب هذا الاقرار بما سألهم و عرفهم من شرايعه و احكامه واحدا واحدا في الورقة السفلي من اللوح المحفوظ و اشهد علي ذلك انبياءه و رسله و ملئكته كل ذلك بمعرفة منهم و تبيين فلما نزلوا الي هذه الدنيا دار البلي و الاختبار و نسوا ذلك العهد و الميثاق و بقوا حياري لايعرفون حيلة و لايهتدون سبيلا و ذلك بتناسيهم تهاونا و معصية فنظر الله اليهم بنظر الرحمة و اراد اتمام الحجة و اظهار المحجة بعث اليهم انبياء ثانيا بسؤالهم ذلك بلسان فقرهم و فاقتهم و احتياجهم الي راع و حاكم و مدبر و اعطاهم هاتين الصحيفتين اللتين فيها ذكر التكاليف الاولية و الثانوية لكل واحد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 295 *»
واحد منهم و امرهم ان يبلغوا ذلك بواسطة اوليائه و خلفائه و اوصيائه و حججه في جميع الدهور و الايام و الازمان و الاماكن و البلاد الي كل احد احد من العباد و يذكرونه بذلك الحكم الخاص له الذي اقر به و سأله ان يكلفه به بلسان استعداده و قابليته فان تذكر انه هو الذي اقر به فهو و الا فيحسبه تكليفا جديدا و سيذكره يوما ما و ليس الله بغافل عما يعملون و لايعلم ذلك كله الا رسول الله اولا و سلمه كله الي المؤدي عنه و هو وصيه و خليفته اميرالمؤمنين ففرقه اثنتيعشر صحيفة و اعطاها كل واحد من ولده المعصومين و امرهم ان يبلغها كل واحد منهم في عصره بصحيفته التي في يده الي كل احد احد من الناس بل من الاشياء من حق و باطل و ضال و مهتدي و مخالف و موافق و صامت و ناطق و متحرك و ساكن ما اقر به و شهد فمن قبل في عالم الذر و يعرفه بطلانه و حقيته ثانيا حتي لايقول انا كنا عن هذا غافلين و طريق . . . الظاهر ان من هنا سقط ورق او اوراق من النسخة الاصلية لمنظفر بها .
بعد تمام جهدي و استفراغ وسعي يحصل لي علم بتكليفي و ما اراد الله مني فان الامر بيده و انا طالب و قد امر بالجهاد و وعد بالهداية و انا جاهدت و هذا غاية ما حصل من جهدي فهذا ما اعطاني الله عز و جل و هذا حق لانه اعطاني و مايخلف عهده فعرفني ما الضرر في ذلك و ما يصير عليك و ما يلزمك اتخرج بذلك عن دين الاسلام او تخرج عن الايمان او تشرك بسببه او تغلو في دينك او يصير نقص في ائمتك او ضرر في اجتهادك اي ضرر يصيبك من ذلك مع انك تستريح من التزلزل و تطمئن من الاضطراب و تحصل لك الروح و الراحة مع انه اذا لمتقل به يحتمل ان يقول لك ربك يوم القيمة يا فلان انا اذنت لك في هذا القول بانزال كتاب او ارسال رسول او انزال وحي خاص لك او اجماع يخبر عن ذلك ام علي افتريت و علي كذبت حيث زعمت ان ديني همل و عبادي سدي و يدي مغلولة لماقدر علي تقريب البعيد و ابعاد القريب و اجراء الصلاح علي قلوبكم و السنتكم و زعمت ان حجتي ليست بالغة و حكمتي لمتكن كاملة و امري ليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 296 *»
محكم مع اني قلت اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا اي كمال كان لديني و اي تمام لنعمتي اذا كان ديني بلا راع و عبادي بلا سلطان لعمرك ماذا تجيب اذا قال لك ذلك اتقول ان دليلي جرني الي ذلك و ليس دليلك اذا لميطابق ما ذكرنا من الادلة من الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل الثلث بمعتبر اتنبؤنه بما لايعلم في الارض و ان هي الا اسماء لا سلطان لها ،
هديتك علما بالتقي و الذي اري ** * ** موافقتي فاختر لنفسك ما يحلو .
و الثاني ان تقول لي ايهما اكمل ان يعرف الله كل احد تكليفه و ما يريد منه رأي العين او يبقيهم في الظن و التخمين و التحري و الزحمة لا شك انك تقول الاول فاقول ان كان الله كاملا و فعله كاملا ينبغي ان يكون خلقه ايضا كاملا و لا مانع لذلك ابدا و المقتضي موجود سرمدا و هو استعداد اوليائه للتمكن من التبليغ و عدم الفتور فيهم نعم لو لميكن له احد يبلغ مقصوده كان ذلك و لكن المفروض انك تقر ان المعصومين اذا امرهم الله بتبليغ شئ يعطيهم القدرة علي التبليغ و هم معصومون لايعصون فاذا كان العلم اكمل و المبلغون معصومين قادرين باذن الله علي الاداء فينبغي ان لايبقي احدا في تيه الجهل و التخمين و الظن بوجه من الوجوه و لا شك ان ذلك اولي و الاولي في نفسه راجح و الله لايترك الراجح و يختار المرجوح فاذا قلت ان الله قادر ان يخلق عبدا معصوما و يعطيه القدرة و القوة حتي يبلغ الي كل احد احد تعريفه و تكليفه بحيث يحصل له العلم بذلك و هذا اولي و اكمل فلايسعك ان تقول لميفعل فانه لايترك الاولي و الاكمل لعدم غرض و حاجة في نفسه و اقتضاء منه في الايجاد فيجب ان يكون ذلك حتما مقضيا معينا معلوما .
و الثالث لا شك و لا ريب انك اذا قلت انا لسنا رعايا سدي مهملين و لنا راع هو اعرف بمصالح غنمه ان شاء فرق بيننا و ان شاء جمع بيننا و انه هو المطلع علينا هو الذي يقرب البعيد في افهامنا اذا رأي مصلحتنا فيه و يبعد القريب عن اذهاننا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 297 *»
اذا رأي ضررنا فيه و ان هذا الذي نفهمه بعد استفراغ الوسع و تمام الجهاد هذا هو الذي راعينا فهمنا بعمد و رعاية و ذلك الذي صار مرجوحا عندنا هو بعده عنا ماضرك يقينا لا في دينك و لا في دنياك و لا في آخرتك و لا في اجتهادك و لا في شئ مما هو لك مع ما فيه من مطابقة الكتاب و السنة و مع كونه اكمل و اتم و احسن و اقوي لقدرتهم و ارفع لشأنهم و ابلغ في كمالهم و ان قلت بانا همل سدي ليس لنا من يرعانا و ان الشرايع و الاديان و دماء المسلمين و فروجهم و اموالهم كلها موكول الي ما نظن بخيالنا و وهمنا و بتخميننا و خرصنا و من اي مكان حصل هذا الظن من الوهم و الخيال و العقل او حكاية او تاريخ او استحسان يمكن ان يقول لك ربك يوم القيمة ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون و يمكن ان يكون موافقا للواقع لمخالفته للكتاب و السنة و متقدمي اصحابنا رضوان الله عليهم و جميع الاخباريين و كثير من المتأخرين و يمكن ان يكون تخصيصك الكتاب و السنة و هذا الاجماع بشئ دون شئ و وقت دون وقت من غير مخصص مرضي لله سبحانه مع انا نصيح بفساد هذا القول و نستشهد بهذه الادلة القاطعة الكتاب و السنة و الحكمة و الموعظة و المجادلة و الآيات فلا شك و لا ريب ان الاقرار بالاول اولي و الاجتناب عن الثاني احوط ليقين النجاة في الاول و احتمال الهلاك في الثاني
و اما الاستدلال بالمجادلة بالتي هي احسن و هو ما صرف القوم عمرهم فيه بالقال و القيل و هو طريق مظلم كالليل الدامس كثير الشكوك و الشبهات و كثير الاعتراضات و الاختلافات بحيث ضل فيه كثير و هلك كثير لكثرة شبهاته فبقوا حياري في تيه الجهالة و لميهتدوا طريقا الي الدراية فلذلك اختلفت آراؤهم و تشتتت اهواؤهم فجعلوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و لكن هذا من حيث انهم ماجادلوا بالتي هي احسن بل بالتي هي اسوء و لو اتوا به بالتي هي احسن لوقعوا علي المحكمات و عرفوا المتشابهات و ردوها الي المحكمات و نجوا سالمين و فهموا غانمين و لكنهم بنوا امرهم علي اللجاج و قاموا في كل شئ
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 298 *»
بالدواحض من الاحتجاج و لو انصتوا و انصفوا لفهموا الحجاج و عرفوا العلاج الحاصل فانك اذا انصت الي ما اقول و التفتت عما في يدك من القواعد و الاصول عرفت مرادي و اثلجت فؤادي و قبلته بالتسليم بعد الفهم و لكني اخاف عليك ذلك و الله خليفتي عليك و علي الله توكلت و اليه انيب ، اعلم انك اذا حصل لك العلم بان الارض لاتخلو من حجة لله قائمة ابدا منذ خلق الله السموات و الارض و علمت ان الائمة الطاهرين بعد خاتم النبيين عليهم صلوات المصلين هم حجج الله علي خلقه و امناؤه في بلاده و علمت انهم شهداء علي الخلق بنص القرآن و الاحاديث حيث قال الله تعالي قل اعملوا فسيري الله عملكم و رسوله و المؤمنون و لا شك ان المؤمنين ليس عاما لكل احد بل خاص فيهم و حيث قال ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء علي الناس و هم آل ابراهيم في هذه الامة و اما من سواهم و ان كانوا لكن الله يقول ان اولي الناس بابرهيم للذين اتبعوه و هذا النبي و الذين آمنوا فهم اولي الخلق بابرهيم فهم آل ابرهيم الشهداء علي الخلق و قال و كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس و هم امة الوسط فان كل من سواهم ليس بمعصوم و كل من ليس بمعصوم اما مفرط او مفرط و الحد الوسط هو العصمة كما قال عليه السلام عليك بالحسنة بين السيئتين و قال النبي عليه السلام خير الامور اوسطها ، فظهر ان المعصوم هو الامة الوسط و كل عاص اما مفرط او مفرط و ليس بوسط هذا اذا كان الوسط بالمعني الظاهر و اذا كان بمعني الاشرف فلا شك ان الخطاب ليس الي كل الامة فانهم كلهم ليسوا باشرف الناس ففيهم الكافر و المنافق و الفاسق فظهر انه متوجه الي امة خاصة و هم الذين هم شهداء علي الخلق لا كل الخاصة من المؤمنين و لميدع علي احد من غيرهم انه شهيد علي الخلق فثبت انهم هم عليه السلام شهداء علي الخلق بنص القرآن و قد نص علي هذه الاحاديث المتواترة بالمعني كما في زيارة الجامعة و ساير الزيارات
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 299 *»
و الاحاديث بحيث لايخفي علي ادني متتبع حتي الاطفال في المكاتيب يعرفون ذلك فاذا كان الامام عليه السلام اليوم حجة علي اهل الارض شرقها و غربها يري اعمالكم و احوالكم الظاهرية و الباطنية رأي العين فانه هو شأن الشاهد بل يري رأي العين ادق المعاني الخالج في قلبك بل يري اعلي حقايق معارفك منك و من جميع الناس بل جميع الخلق بل ربما اشتبه عليك امرك و لايشتبه عليه لان هذا شأن الشاهد علي العباد فانه ينبغي يوم القيمة ان يشهد علي الاعمال و العقايد و المعارف و جميع الاحوال فينبغي ان يري كل شئ رأي العين و لايكفي في ذلك اخبار الملئكة فان الشهادة مفهومها الرؤية و الاطلاع فليس شهادتهم شهادة علمية باخبار الملئكة بل شهادة عيان و احاطة فاذا عرفت ذلك و تيقنت ان الامر كذلك اتجوز ذلك ان يري الشاهد المطلع الحاضر انك تذهب علي الخطاء علي غير دينه و مذهبه و تفتي بين الناس و تضل رعيته و تضيع عباد الله و تفسد بلاده و تسفك الدماء و تحل فروج المسلمين و اموال اليتامي و هو المطلع علي ذلك القادر علي دفعه بادني اشارة فهو يشاهد ذلك و لايدفعه و يقول انا راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه و انا حجة الله عليكم اي حجية له علي هذه الرعايا الضعاف ح تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا بل علينا اذا رأيناه شاهدا و مطلعا هكذا ان نقول انه هو الحجة و الشاهد رآني فهمت هذا بتسديده و هدايته و كان مطابقا لدينه و مذهبه قرره لي فاكون بذلك ثلج الفؤاد بارد القلب و ان قلت لا شك ان تصرفه لطف و لازم و لكن منعت الموانع عن ذلك اقول ما المانع عن ذلك ان قلت غيبته اقول لايحتاج في هداية الهادي رؤية المهدي اياه و لايحتاج الي رؤية المقرر له المقرر بلا شك فهو يقدم ما يشاء و يؤخر ما يشاء حتي تقع علي ما يريد افتري ان الاجنة اذا احاطوا برجل يخفونه عن اعين الناس فلايرونه و ان الامام لايقدر ان يخفي عنك الحديث الذي ليس صلاحك و صلاح مقلديك فيه بل تقول ان الملئكة يتصرفون في الخلق و لاتجوزه في الامام بل تقول ان الاجنة ربما يخبطون عقل الرجل لايفهم شيئا و لاتجوز الامام يمسك فهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 300 *»
الرجل عن فهم ما لايريد العمل به بل تقول ان الشياطين يوسوسون في قلب الرجل و يقوون ميله الي شئ بحيث لايحتمل في قلبه خلافه مثل الموسوس حيث يستيقن بما ليس بنجس انه نجس و ماتجوزه في الامام ان يصرف في يقينك حتي تستيقن علي ما يريد و يشككك في ما لايريد تلك اذا قسمة ضيزي فصار المعلوم انه يمكن ان يخفي الامام عنك الحديث او يصرف في فهمك و عقلك او يقرب البعيد او يبعد القريب حتي يوقعك علي ما يريد فان قلت نعم يمكن للامام و تصرفه لطف و لكن عدمه منا اقول اي مانع منا ان كان يخاف علينا من جهة دولة الباطل ان يلقي الينا الحكم الواقعي اقول يلقي الحكم الثانوي كما كانوا في عهدهم يصنعون و هو تكليفنا يقينا و ان كان المانع منا علي ان لا قابلية لنا اقول نحن اذا جاهدنا في الله عليه الهداية لا معني لعدم القابلية فان القابلية التي صارت سببا ان ينزلهم الله من عالم القدس الي هذه الدنيا هي بعينها سبب ان يهدونا الي سواء السبيل مع ان الله تعالي قال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا الآية ، و ان قلت يخاف علي نفسه التقية فلا معني له لغيبته عن دولة الباطل و ان قلت لايحتاج الي تصرفه فانهم القوا الينا فروعا و اصولا امرونا بالتتبع فيه و الاستخراج عنه اقول فلم هذا الاختلاف حيث يقدح كل واحد منكم في الآخر و ينكر بعضكم بعضا و يخطئ بعضكم بعضا اكلكم علي الحق و ما من الله ليس فيه اختلاف و ان كلا منكم تكليفه ما ادي اليه ظنه و ان ادي الي خلاف الحق و الصواب فيضل و يضل ام اذا كان صوابا و من اين يعلم ذلك و ان قلت ان المجتهد اذا كان تكليفه ما ادي اليه ظنه ليس خلاف الحق و الصواب له اقول اذلك بامضاء الامام و رضاه حين شاهد فيكون تقريرا و يطابق ما قلنا ام بكره منه و سخط و من جهة العجز ماانكر عليه ذلك لانه يعجز عن دفعه فعلي المجتهد ان يقول و عليه ان يرضي او بكره منه و ليس بعاجز علي دفعه بل قادر علي ذلك و انما اهمل العباد و تركهم سدي مع انهم قالوا انا غير مهملين لامركم و لا ناسين لذكركم ، ما لكم كيف تحكمون
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 301 *»
الحاصل جملة القول ان كل منا باعين الامام و حضوره و هو شاهد و مطلع فان رأي اعمالنا و افهامنا علي طبق رضاه و قررنا فهو الحق الصواب لنا و ان رأي اعمالنا و افهامنا علي خلاف رضاه وجب عليه بما اوجب الله عليه و التزم به ان يردنا و لا معني لسكوته ح لانه ليس بعاجز و ليس الدين مفوضا الينا فعلينا ان نقول و عليه ان يرضي من باب اكل الميتة و الجيفة و ماادري ما الباعث علي صبره علي مضيض بطلان نور الله و دينه و افساد العباد و البلاد و تضييع الرعايا الضعفاء احكم الله عليه ذلك او عجز عن ردع ذلك و منعه و قد علمت ان الملئكة بل الشياطين و الاجنة يتصرفون في الناس بانواع التصرف علي ما شرحنا بعضها فاذا كانوا قادرين كل القدرة و الله سبحانه مااوجب عليهم و ماحكم عليهم ان يمسكوا و يسكتوا عن ذلك و يري رعيته في التضييع و الفساد و بلاده في الخراب ما الباعث علي ذلك و ما السبب لذلك بالله عليك هل يقول بذلك عاقل ام بل جاهل مع انهم بعثوا لهداية الخلق و ارسلوا لعمارة الارض و رسول الله خلفهم لحفظ دينه و مرمة شريعته كيف يقصرون في مثل هذا الامر العظيم و الخطب الجسيم و هم معصومون مطهرون لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون ابمحض انك مارأي عينك شخصهم انكرتهم و نحن بذلك اقررنا به ما لكم لاترجون الله وقارا و قد خلقكم اطوارا مع ان هذه الاحاديث المتواترة الكثيرة تنادي بثبات التصرف باي نوع و بوجود الحجة و حفظه للدين و مرمته للشريعة و انت اذا رأيت في باب الفروع حديثا واحدا مرسلا مقطوعا من غير معارض عملت به بظنك و لربما بمطلق الظن تعمل و تبني عليه امر دماء المسلمين و فروجهم و اموالهم و هذا في الاصول و الاحاديث متواترة و القرآن شاهد و الادلة قاطعة و الاصحاب متفقة مع هذا كله باستبعادك العقلي بظن و تخمين بفهم سخيف و عقل كثيف و وهم قاصر و علم فاتر و تخصص كل هذه الآيات و الاخبار بزمان مخصوص و شئ مخصوص بلا داع و لا سبب و لا باعث بمحض ما رأيت ان الالفاظ ظنية الدلالة هل هي ظنية الدلالة لك او لمن تكلم بها او مقطوع السند هل هو لك او للمحدث فمرة تقول الكتاب ليس بحجة و مرة تقول الاحاديث ظنية الدلالة ففيها اسقاط و حذف و سهو و غلط
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 302 *»
و مجاز و حقيقة و استعارة و نقل و عرف و اصطلاح هل كل هذه لك او للشاهد المطلع المتكلم فان كنت انت بعينه و فهمت غير مراده و اردت ان تفسد في بلاده و تخلل نظام عباده و وجب عليه ان يصرفك و يردعك و يصرفك و يردعك فما عليك من هذه الاحتمالات و الشبهات و التشكيكات العامية بل نقضت دليلك و ادحضت حجتك بذلك اذ كنت تزعم ان لك اماما و حجة شاهدا عليك قادرا علي ما يريد و ساويت بذلك العامة العمياء الماشين في الطخياء السارين في الظلماء و صرت سدي مهملا مثلهم و اما نحن فحاشا لنا ان نقول بذلك و انا نعلم يقينا ان الامام حين نظرنا علي الكتاب و السنة مطلع علينا شاهد قادر يسددنا بما يحب و يرضي فكلما فهمنا و الهمنا نأخذه و نكون من الشاهدين فنجعل مقدمات مقابل مقدماتك و نأخذ نتيجة مقابل نتيجتك فنقول نحن نجاهد في الله مخلصا بنظرنا في كتابه المنزل و سنة نبيه المرسل و كل من يجاهد في الله مخلصا يجب ان يهتدي الي سبل الله بهداية من جعله الله شاهدا علي خلقه حافظا لدينه و استرعاه امر غنمه لان الله لايخلف عهده و قد قال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فنحن نهتدي بعد المجاهدة الي سبيل الله يقينا جزما فعلي منطقك نقول بعد استفراغ الوسع نحن جاهدنا في الله و كل من جاهد في الله هداه الله فالنتيجة ان الله هدانا ثم لانرتاب في ذلك و لانشك و لااقول ان حكم الله تابع لظن المجتهد كما تقول انت كل ما ادي اليه ظني فهو حكم الله في حقي و اقول ان كان ظنك تابعا لحكم الله يعني كل ما يكون حكم الله في الواقع ظنك يرجح ذلك فهذا معني بما لايرضي صاحبه فانك تقول يحتمل ان يترجح في نظري غير الواقع و لذا سميته ظنا و لو كان علي البت ظنك تابعا للواقع لكان ظنك يقينا و ان كان حكم الله تابعا لظنك فكل ما ظننت انت هو حكم الله في حقك فهذا هو القول بالشراكة فلك ان تظن و علي الله ان يرضي ضعفا و عجزا لانه لميجد بدا بغير هذا من باب اكل الميتة فتعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و ان قلت قادر و لميفعل فهو اغراء بالباطل و هو من المعصومين محال فضلا عن الله و ان قلت قادر علي الدفع و فعل فمثلنا فغاية الكلام ان ظنك ان كان علي رضا الله و هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 303 *»
خلاك و قررك فكان الحكم لله و هو دلك عليه فانه لا حول و لا قوة الا به فبهدايته و دلالته عرفته و له المنة و ان كان علي خلاف رضا الله و خلاك و تركك فاغراء بالباطل و حاش الله عن ذلك فان رضي بعد ما ظننت فعجز و ضعف انه يتقلب بتقلب الخلق و تعالي عن ذلك علوا كبيرا فلا مناص لك و لا محيص عن التخلف عنا و ان قلت فعلي ذلك ان الزاني ان كان فعل برضي الله فهو تقرير و ان كان بخلاف رضاه و خلاه فاغراء بالباطل قلت انه ليس علي الله ان يمنع العباد في افعالهم فان علي الله البيان قال انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا و قال و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون فعلي الله ان يبين له ان الزنا حرام و لا عليه ان اختار الحرام عامدا ان يمنعه كما ان عليه ان يري المجتهد حكمه و دينه ثم ان افتي بغير ما انزل الله ليس عليه ان يرده و ان قلت ان الامام يري ان هذا المجتهد يفسد البلاد و العباد فلم لايردعهم اقول ان للامام ان ينصب قرائن و علامات يدل علي فسقه و عدم دينه اذا اراد ان يشبه علي الناس حتي لايقلدوه فاذا عرفوه فاسقا و قلدوه عامدين فلا عليه ان يمنعهم و هذا محال ان فاسقا يشبه علي الناس بحيث لايتبين منه خلاف العدالة و يفتي بغير ما انزل الله فان الامام لايترك رعيته هملا فلا بد ان يفضح ذلك و حاجني بعض العلماء لما وصلت الي هنا و اطلع عليه قال ان الامام يسدد بعضا و يترك بعضا حتي يقع في الغلط و يصير ذلك بعد اطلاعه عليه هضما لنفسه و كسرا لاستعلائه و في هذا الغلط ايضا مصلحة له كما رأينا بعض العلماء افتي بشئ و باحثناه علي حكمه فرجع بعد زمان عن فتياه فلماجسر في حضوره ان ارد عليه لعدم اصغائه الي و لكني اكتب لعله يطلع عليه فيرجع عن قوله فلعله كان فيه غالطا كما يري ذلك فاقول ان الفقيه اذا كان جاهدا في الله بقدر جهده لايصح ان يخليه الامام و لايهديه فان وعد الله حتم مقضي لايختلف فاذا جاهد و هدي الي شئ ثم بعد ذلك بمدة نازعه احد و رده عن قوله الاول فان ذلك ينسب الي انه كان تكليفه في كل هذه المدة ذلك الحكم فلما تغيرت طبيعته و تغير مقتضاها بعث الامام احدا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 304 *»
يرده عما كان عليه بتسديده ثانيا فلايعد الحكم الاول غلطا لانه ايضا من الامام كما هو مشهور من امر علي بن يقطين حيث كان الحكمان من الامام فلايسوغ لاحد ان يقول حكمه الاول غلط نعم اذا لميجاهد اولا يقع في الغلط و كثير من هذا القبيل و ذلك اما لعدم مناسبة بينه و بين الامام بنفس قدسية او لعدم استفراغ الوسع او لعدم علم تام بمعاريض كلامهم و بلحنهم او لعدم فهم غائص يقدر علي استخراج الفروع من الاصول او غير ذلك من التقصيرات المانعة عن التوجه التام و اتيان البيت من بابه و ذلك ليس بتغليط من الامام و حاشاه عن الاغراء الي الباطل او الالقاء الي خلاف الحق او الاعراض عمن استهداه حاشاه عن ذلك و اعترض تاليا بانهم ليسوا معصومين و يجوز عليهم الغلط و الخطاء و النسيان اقول لهذا الكلام وجهان الاول انهم ليسوا معصومين يعني ربما يخطئون في طريق المجاهدة فلايهتدون الي الحق فنعم يمكن ذلك و اما اذا جاهدوا فلايمكن عليهم الخطاء ح فان جواز الخطاء عليهم ح جواز الاغراء بالباطل و التقصير في التبليغ للامام عليه السلام و هذا محال فلايجوز عليهم الخطاء و الغلط اذا جاهدوا و ان كانوا حين الجهاد ايضا بالنسبة الي انفسهم غير معصومين و لكن ما يلقي اليهم صحيح لايتطرق اليه الخطاء ابدا ،
و اما الشاهد علي ما قلنا من الآيات الآفاقية و الانفسية ان مثل الامام عليه السلام كالشمس و لهم المثل الاعلي و الفقهاء كالمرايا فان كانت المرايا صافية معتدلة مستقيمة يري فيها شبح الشمس علي وفق صفتها بلا تفاوت و تغاير فالمرآة الصافية هي كقلب الفقيه المجاهد الذي اتي البيت من بابه فان الاستقامة لايمكن الا بسلوك سبيلهم و اخذ طريقتهم و شريعتهم و شريعتهم هي بابهم فاذا اتيتهم من بابهم الذي قرروه وصلت اليهم و ظهر في قلبك نورهم و شعاعهم الذي هو علومهم و احكامهم و يكون تلك العلوم مطابقا لما عندهم من اصلها و معدنها و مبدئها و اما اذا كانت المرآة كدرة عوجاء ملونة يري الشبح علي غير ما هو عليه بصرافته فتري الشمس تتبرؤ منه و تعاديه و لاتنسبه الي نفسها و انما تنسبها الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 305 *»
المرآة فهذه المرآة مثل للقلوب الغير المستقيمة اما بعدم نفس قدسية او بعدم توجه تام ملونة بالاصول و القواعد المبدعة من عند انفسهم و اعدائهم المنكوسة غير المتوجهة الي الشمس فلايري فيه الشبح او يري علي غير ما هو عليه فهو الخطاء و الغلط الذي يقعون فيه و اما اذا كانت المرآة مستقيمة عدلة صافية غير كدرة متوجهة الي الشمس و لا حاجب بينهما فمحال ان لايقع الشبح فيها عادة فهم عليهم السلام مع انهم معدن الرحمة و منبع الكرم كيف يمكن ان يتوجه اليهم سائل مسكين باذنهم مغرورا بوعدهم و كرمهم راجيا لفضلهم طارقا بابهم نازلا فناهم منقطعا اليهم مستهديا بهديهم مقتبسا نورهم و هم علي ما هم عليه من الكرم و الجود و الفضل و الشيمة و الهداية و الخير و النور فيمنعون هذا السائل المسكين و الفقير المستكين حاشاهم عن ذلك حاشاهم انما هو ظن الذين يئسوا من رحمة الله و قنطوا من فضله و هو كفر نعوذ بالله ، فهذا آخر ما اردنا ايراده في هذه الرسالة من محكمات الكتاب و السنة و دليل الحكمة و الموعظة الحسنة و المجادلة بالتي هي احسن و الامثال الآفاقية و الانفسية و لله الحمد علي ما وفقني للاتيان عليها و اسأل الله ان ينفعني و اخواني المؤمنين بما فيها ، تمت الرسالة علي يد مؤلفها في سنة احدي و خمسين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا .