19-02 مکارم الابرار المجلد التاسع عشر ـ رسالة في جواب بعض اهل همدان ـ مقابله

 

 

رسالة في جواب بعض اهل همدان

 

 

من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 133 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطيبين و رهطه المخلصين و لعنةالله علي اعدائهم اجمعين.

و بعد يقول العبد المسكين الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد سألني في بلدة المؤمنين همدان بعض من يجب علي اداء حقه و التزم امتثال امره عن شكل ذكره بعض العلماء الاخباريين ردا علي العلماء المجتهدين اعلي الله مقامهم اجمعين و انار برهانهم في العالمين فانهم جميعا امناء الله علي الحلال و الحرام و ايصال الاحكام الي ساير الرعايا العوام لانفرق بين احد منهم فقال الاحكام الاجتهادية تتغير بتغير الظنون ابدا بالضرورة و لا شيء من الاحكام الحتمية المحمدية الاسلامية بمتغير ابدا بالضرورة فلا شيء من الاحكام الاجتهادية باحكام المحمدية الحتمية الاسلامية ابدا بالضرورة انتهي. فاراد لما اراد ان ابين في ذلك ما يخطر بالبال من صحته و فساده و علي الله التكلان في كل حال فابين فيه ما يخطر ببالي فيه مع تشتت البال بالاهتمام بالارتحال الي لثم عتبات اصحاب الجلال عليهم صلوات الله المتعال فاجعل بياني له في ثلثة فصول لتفصيل الحال.

فصل: في صغري هذا الشكل و هو قوله الاحكام الاجتهاديه تتغير بتغير الظنون ابدا بالضرورة اقول هذه القضية ليست ترد علي جميع المجتهدين فان منهم من عرف الاجتهاد باستفراغ الجهد في درك الاحكام الشرعية و منهم عرفه بانه صرف العالم بالمدارك و احكامها نظره في ترجيح الاحكام الشرعية و منهم من عرفه بانه ملكة يقتدر بها علي استنباط الحكم الشرعي من الاصل فعلا او قوة قريبة و ان اخذ بعضهم الظن فيه و علي هذه التعاريف ليس الظن مأخوذا في معني الاجتهاد حتي تتغير الاحكام الاجتهادية بتغير الظنون ابدا بالضرورة اليس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 134 *»

ان ابن ادريس كان يري العمل بالعلم واجبا و كان مجتهدا يعمل بالادلة العقلية و لم‌يك يتغير احكامه بتغير الظنون ابدا بالضرورة و احكامه العقلية اجتهادية قطعا و كذلك السيد المرتضي و امثالهما من الذين يرون الاجتهاد و العمل بالادلة العقلية و ليس يتغير احكامهم الاجتهادية بتغير الظنون ابدا بالضرورة فهذه القضية علي اطلاقها غير صحيحة ثم هذا التغير ليس بمنحصر باحكام المجتهدين فانا نقول ان كثيرا من احكام الاخباريين تتغير باختلاف انظارهم و حالاتهم ابدا بالضرورة فانه ما من اخباري الا و حصل له الانتقال من حكم الي خلافه في المسألة الواحدة فانه يراجع الاخبار اليوم و يفهم شيئا و يلتفت غدا انه اخطأ و المسألة علي خلافه فيرجع عن فتواه و لعل بعد الغد يلوح له لوائح يرجع بها الي القول الاول و هكذا فتغيير الاحكام بتغير انظاره ابدا بالضرورة فعلي حجته ليس شيء من تلك الاحكام من دين محمد9 و ليس يقول بذلك و لا فرق بين تقلب الاخباري من قول الي قول و بين تقلب الاصولي ابدا و ان قلت ان الاصولي يتقلب في الظنون و الاخباري يتقلب في العلوم قلت العلم بالواقع لايحتمل الخلاف و الاخباري يقول الان افهم كذا و يحتمل عدو لي منه غدا و ليس عدو لي ممتنعا كما عدلت من مسائل كثيرة الي الان بالبداهة و ما كان هذا حاله فكيف يكون علما بالواقع لايحتمل الخلاف بل هو ظن يحتمل الخلاف فلافرق بين الاخباري و الاصولي بوجه الا بالادعاء و التسمية فيلزم من ذلك ان لايكون احكام الاخباريين ايضا من دين محمد9 فان كان يقدح فليقدح علي المذهب اذن فان كان لايقدر علي القدح علي المذهب فليكف عن الاصوليين ايضا فانهما لعمري من باب واحد و ان قلت ان المجتهد يقول بمطلق الظنون و الاخباري يعمل بالاخبار قلت ليس كل اصولي يعمل بمطلق الظنون بل اكثرهم يعملون بظن خاص و ليس كل اخباري يعمل بصرف الاخبار بل رأيتهم و قد عمل بعضهم بالقياس الاستقرائي مصرا عليه و كثير منهم يعملون بتنقيح المناط و منهم من يعمل بالاستصحاب في نفس الحكم و كثير منهم يجري حكم الجزئي في الكل باستنباط العلة و منهم من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 135 *»

عمل بالقياس مع الفارق و هكذا و المعصوم من عصمه الله و يقولون بعقولهم في الاصول و الفروع فتخصيص الحكم بالاحكام الاجتهادية معترضا علي المجتهدين لا معني له و رب مجتهد يقول في الحكم بالكتاب و السنة مع غاية الاحتياط و دقة النظر و نري غيره و هو اخباري يدخل الخيالات العقلية و الحكمية الطبيعية و العرفانية ما لايسمن و لايغني و الانصاف يقتضي التوسط و القول بان الخطاء بيني و بين الكل مقسوم و المعصوم من عصمه الله و هم اربعة عشر اليوم و ان نيتنا ان لانخالف آل محمد: و لا نشاقهم فان قصر عملنا عن شيء من ذلك لم‌تقصر نيتنا و ما يجري علي واحد منهم يجري علي الباقين بالضرورة ثم ان العاملين بالظن في الاحكام الشرعية الظنية لا يقولون انه ليس حكم من الاحكام الشرعية يحصل من مقدمات نظرية علي القطع و اليقين بل و كثير من الاحكام يفتقر الي الاجتهاد و النظر لانه من حيث نفسه ليس بديهيا مع انه بعد الاجتهاد و النظر يحصل العلم به دون قبله كالذي ينتهي دليله الي كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او اعتبار عقلي يشهد بصحته جميع العقول كما هو في حديث امور الاديان عن الكاظم7 و لكل مجتهد امثال هذه الاحكام كثيرة و تلك الاحكام منهم لا تتغير بتغير الظنون ابدا بالضرورة فهذه القضية داحضة من جهات شتي.

فصل: في القضية الثانية الكبري و هي قوله لا شيء من الاحكام الحتمية المحمدية الاسلامية  بمتغير ابدا بالضرورة و الكلام فيها يفتقر الي مقدمة و هي ان للاشياء مقامين مقام ذات و مقام اقتران اما مقام ذات الشيء في ذاته فهو ثابت في جميع الاحوال بعد ما خلق لايتغير و لايتبدل و اما مقام اقترانه فهو مختلف بعدد ما يحلقه و يقارنه فيتغير حالاته بعدد ماسواه من المقارنات و انما ذلك كالماء مثلا فانه من حيث نفسه لا طعم له و انما يحمض و يحلو و يمر بما يقارنه و هكذا البواقي مما لانهاية له و كذلك الماء من حيث نفسه لا لون له و انما يسود و يحمر و يصفر و يخضر بما يقارنه من ذوات الالوان و هكذا ساير الاشياء في حالاتها غير المتناهية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 136 *»

فلاجل ذلك كان لكل شيء مقامان و نعبر عن مقام الاشياء من حيث ذواتها بعالم الذوات و الواقعي الاولي و عن مقامها من حيث اقترانها بعالم الاقتران و النفس الامري الثانوي و ان لله عزوجل لكل شيء حكمين حكما واقعيا اوليا يتعلق به من حيث ذاته و لمايتعلق به عرض من الاعراض و حكما ثانويا يتعلق به من حيث ما يلحق به من الاعراض فالحكم الواقعي الاولي لايتغير و لايزول و له حكم معين من الله سبحانه في علم الله في كتاب الله و اما الحكم النفس الامري الثانوي فانه يتغير و يزول فان اقترن شيء بشيء و تغير عما كان عليه تغير حكم الله عزوجل في حقه فان زال ذلك العرض و جاء عرض آخر زال الحكم الاول و حكم عليه بالاخر فان زال الثاني و جاء عرض آخر زال الحكم الثاني و حكم عليه بثالث مثال ذلك ان الحكم الواقعي علي الشخص في صلواته ان يقوم في صلوته و يركع و يسجد اذا كان صحيحا علي ما خلق عليه في ذاته فان عرضه عارض و ضعف عن القيام امر بالقعود و الركوع و السجود فان غلبه المرض امر بالايماء للركوع و السجود و ان غلبه اكثر امر بالاضطجاع و الايماء و ان صح في الاثناء امر بالقيام ثانيا و علي هذه فقس ماسواها و لذا قال7 ان الله امر و نهي فمن كان له عذر عذره الله و قال كلما غلب الله علي امرأ فهو اولي بالعذر فالاحكام النفس الامرية تتغير بحسب تغير الاعذار و الاعراض بالبداهة و قد حجب الاحكام الاولية عن الخلق منذ قتل قابيل هابيل و حصلت الاعراض و الامراض في الدنيا و قال آدم علي نبينا و آله و عليه السلام

تغيرت البلاد و من عليها

و وجه الارض مغبر قبيح

فاحتجب العالم الاول عن الانظار و قام العالم الثاني و قد بعث جميع الانبياء في العالم الثاني و حصل في شرايعهم و احكامهم النسخ و نسخ كل نبي شرع سابقه بحسب تغير وضع العالم عماكان عليه في زمن النبي السابق و نسخ احكام آخر بعثه احكام اول بعثه اذا تغير عماكان عليه في اول بعثه فجميعهم بعثوا في عالم الاعراض و ضرب دون العالم الاول حجب و ليس الخلق بمكلفين باحكامه و ليس عليهم تحصيل العلم بتلك الاحكام و لاتحصيل الظن به بل ليس لهم العمل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 137 *»

بها و ان علموا كالمتقي العالم بالحكم في غير حال التقية فليس له العمل بحكم حال الامن و ان علم الحكم و كالمريض العالم بحكم الاصحاء فليس عليه العمل بحكم الاصحاء فلو كان رجل مقعدا حين ادراكه و بقي عليه الي اوان مماته ليس عليه تحصيل حكم البري و لا العلم به و لا الظن به و انما عليه تحصيل العلم بتكليف المقعد و ما عليه ان يجهل حكم البري بالكلية و كذلك هذا الخلق في عالم الاعراض فعليهم عرفان حكم عالمهم ليس عليهم تحصيل العلم و لا الظن بالحكم الاولي الواقعي بل ليس عليهم العمل به ان علموا و قد يطلق الحكم الاولي علي ما صدر من النبي9 من الاحكام و الثانوي علي ما ينتهي الي الفقهاء و يستخرجونه فهذا الاولي و ان كان في الواقع ايضا ثانويا لان اصل البعثة في عالم الاعراض و اذا زالت الاعراض تغير احكامه مع ان الشرع شرعه و حلال محمد حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة كما روي في الحجة7 يأتي بشرع جديد و كتاب جديد هو علي العرب شديد و انما ذلك لزوال جل الاعراض بظهوره و كذلك يتغير احكامه اذا رجع الي الدنيا و صار الوقت المعلوم و قتل ابليس و زالت دولته و قتل اعوانه و زالت ظلمته عن الدنيا بالكلية و قامت الدولة الحق و مع ذلك حلال محمد حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة فهذا الصادر من النبي في الواقع احكام النفس الامرية الثانوية الا انه قد يطلق عليها الاولية بالنسبة الي الاعراض الملحقة بموضوعاتها ثانية و ما ينتهي الي الفقهاء من الاحكام بعد طروء اعراض اليها من دس الداسين و تحريف المحرفين و نسيان الناسين و كذب المفترين و كتمان المتقين و حدوث دول الظالمين و شبه المشبهين و اختلاف الفرق و القرون و الاعصار و اللغات و الاصطلاحات و الافهام و السجايا و الاغراض و الاعراض و الامراض و غير ذلك فانها اعراض طرأت بعد ما صدر من النبي9 فهو بالنسبة اليها كأنه اولي و هي احكام ثانوية و نحن واقعون من وراء حجب هذه الاعراض بالبداهة و لم‌نسمع النبي و لم‌نشهده و انما يأتينا اخبار بعد كل هذه الاعراض فربما تقل الاعراض المتوسطة و يجيئنا اصفي و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 138 *»

ربما يكثر و يجيئنا اكدر بحسب اختلاف الازمان و الاعراض و تغلظ تلك الحجب من يوم قالوا منا امير و منكم امير و غصبت الخلافة و كتم اميرالمؤمنين7 كتاب الله عزوجل و قال انكم لاترونه حتي يقوم القائم7 فضرب دون ما صدر من النبي حجب الاعراض فعلينا اليوم تحصيل تكليفنا بعد وقوع هذه المحنة العمياء و الداهية الدهياء و لانؤمر الا بما يصل الينا و لايجب علينا الفحص عما صدر بل علينا طلب ما كلفناه و ترك ما كفيناه فان وافق في علم الله ما كلفناه ما كفيناه فهو و الا فلا علينا تحصيل العلم به و لا تحصيل الظن به اليوم و ما علينا و ذاك الا تري ان الفقيه اذا حصل له ظن من الخارج من حكمة او منام او نجوم او مثله بان ما صدر من النبي هو كذا و كذا ولكن كان مدلول هذا الكتاب و هذه الاخبار  علي خلافه تستوجب عليه العمل بهذا الكتاب و هذه السنة و ترك ما يظن و كذلك يقول الاخباري و الاصولي الذي يري العمل بالظن الخاص فالواجب علينا اليوم الرجوع الي ما خلفوه فينا من الكتاب و السنة و العمل بهما علي ما هما عليه من جميع ما يقوله الاصوليون و يصدقون و لاتخلو هذه الاخبار من جميع ما يقولون و الذي يقوله الاخباريون من تنقيح هذه الاخبار بمسعي علمائنا الاخيار فذلك حسن ظن و ليس بعلم قطعي كيف و لو سعي الانسان عمره في تصحيح كتاب واحد حتي يحصل له العلم بانه موافق لما كتبه مصنفه الاول ما قدر عليه و قد رأينا كتب المصنفين بخطوط ايديهم و فيها اغلاط حتي قيل انه ليس في التهذيب حديث واحد غير محرف اما في المتن و اما في السند و نحن نقول ليس علينا العلم بالغيب و لم‌نكلف فوق سعتنا و نحن نعجز عن الاحاطة بما في زماننا فكيف نقدر علي الاحاطة بما في الازمان السابقة علينا فان علينا الا وس عنا و وسعنا العمل بهذه الاخبار و التمسك بهذه الاثار و ذلك تكليفنا قطعا فهذه الاخبار تصل الينا بعد طروء كل تلك الاعراض فلاجل ذلك اختلف العلماء في الاحكام بحسب اختلاف اعراضهم و اعراض ما وصل اليهم فهذا الاختلاف هو معفو عنهم لايسعون غير ذلك و لذلك تري الاخباريين و الاصوليين يخالف بعضهم بعضا بل يخالف الرجل منهم نفسه في يومين و لا نكير عليهم و لا قدح عليهم فان تكليفهم ذلك و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 139 *»

قد ادوا ما عليهم و لا عليهم اذا وافق الصادر من النبي او خالف فانهم لم‌يكلفوا من وراء هذه الحجب الغليظة مشاهدة ما وراءها من الحكم الاولي فليس عليهم اثم في اختلافهم و كلهم مؤدون تكليفهم و ليس احدهم ابعد من الصواب من الاخر و لا اثم عليه و لا لوم اذا عمل بما عليه و لايكلف الله نفسا الا ما آتاها نعم اذا عمل برأيه و هواه فهو الذي اذا اصاب فله اثم و ان اخطأ فله اثمان و اما اذا عمل بتكليفه و هو استنباط الحكم من هذه الاخبار و عمل به فهو المأجور علي اي حال و هو مقتضي العدل فاذا علمت هذه المقدمة علي نهج الاختصار الذي تفصيله في ساير كتبنا منبثة علمت ان الحكم المحمدي صلي الله علي صاحبه و آله يختلف في عالم الاعراض حتي ما صدر منه و منه النسخ و المنسوخ كان حكما محمديا و كلما يقوله الائمة: من الاحكام المختلفة كلها محمدية و هذه الاخبار التي بيننا كلها محمدية و الشرع الجديد الذي يأتيه الخلف القائم عجل الله فرجه محمدي و الذي يبديه في الرجعة كله محمدي و ما يقوله الفقهاء المستنبطون كلها محمدي و الا لما قال7 في حقهم مع اختلافهم الظاهر فاذا حكم بحكمنا و لم‌يقبل منه فكأنما بحكم الله استخف و علينا رد و الراد علينا كالراد علي الله و هو علي حد الشرك بالله و ذلك جار في جميع الفقهاء المستنبطين من الكتاب و السنة و ان اختلفوا فتبين ان اقوالهم المختلفة كلها محمدية و الا لماكان الرد عليهم ردا علي محمد9 و ردا علي الله فهذه القضية ايضا داحضة فقوله لا شيء من الاحكام الحتمية المحمدية الاسلامية بمتغير ابدا ليس بصحيح بلي يتغير و يتبدل و له حكم بكل عرض يعرض و بكل مرض يحدث و بكل تقية تعتري و بكل مانع يحجب و بكل مقتض يوجد و بكل علة تطرأ و انما محمد9 كالطبيب البصير فاذا رأي المريض غداة حكم له بدواء فان عرض له صداع غير الدواء و ان عرض له رمد مع ما كان غيره و ان عرض له دوار مع ما كان غيره و ان عرض له زكام مع ما كان عليه غير دواءه فلايقال ان هذا الطبيب يداوي الكل بدواء واحد و لو داواهم بدواء واحد لم‌يكن طبيبا حاذقا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 140 *»

البتة فالطبيب الحاذق يغير الدواء بحدوث كل عرض فالنبي9 يختلف احكامه بحسب اختلاف الاعراض و الامراض كما رأيت و شاهدت مما بينا فكيف لايختلف و لاينفعه قيد الحتمية فان كل حكم في محله حتمي فالقضية داحضة بالضرورة و احكام النبي تختلف بحسب اختلاف الاحوال بالضرورة و لذلك لم‌يخرج آل محمد: الناصين علي ان الاختلاف من قبلهم و هم امروا به و كانوا يفتون في مجلس واحد في موضوع واحد بقضايا مختلفة و لم‌يخرج فقهاءكم الاخباريون المختلفون غاية الاختلاف سلفا و خلفا عن دين محمد9 و علي قضيته يجب عليه ان يقول ان آل محمد: و الاخباريين كانوا علي غير دين محمد9 فانهم مختلفون و دين محمد9 لا اختلاف فيه و كلما يقول في الاخباريين نقول في اصوليينا و مجتهدينا اما الرأي و الهوي فمن الكل خطاء و اما العمل بالكتاب و السنة فمن الكل مقبول اختلفوا ام ائتلفوا فان اختلفوا فهم علي دين محمد و ان ائتلفوا فهم علي دين محمد9 بلاشك فالحجة مغالطة و اجري حكم البعض علي الكل فلاكل مجتهد كما قال عاملا بالظن و لا كل عامل بالظن عامل بالظن المطلق و لا كل عامل بالظن الخاص هو في جميع دينه عامل بالظن و هو اجري حكم العامل بالظن المطلق فيما حكم بالظن بالمطلق علي جميع المجتهدين و اخرجهم من دين الله.

فصل: فالنتيجة ليست ولد حلال اذ لم‌تتولد من ابوين كفوين علي كتاب الله و سنة نبيه9 و هي ولد حرام و معاذ الله ان يكون علماؤ الشيعة قد خرجوا من دين الله او فسقوا في اختلاف آرائهم او ارادوا الافتراء علي الله في دينه او ارادوا الكذب علي رسول الله9 او علي الائمة: بل والله رأوا ان طريقتهم هي تكليف الله في حقهم و هي دين محمد9 في شأنهم و هي رضا آل محمد: منهم و شهد لهم شواهد من العقل و النقل من الكتاب و السنة فعملوا به و لم‌يك عليهم الا ذلك و لايجوز

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 141 *»

التشنيع عليهم اليس اذا قال اخباري بقول استنبطه من الكتاب و السنة و هو بزعمكم حصل له العلم و قال اخباري آخر بخلافه و استنبطه منهما و حصل له العلم اليس مقتضي علمه ان يقول كل قول سوي قولي باطل اليس كل باطل ضلالا و اليس كل باطل و ضلال افتراء علي الله و هل يجوز في الدين ان يقول هذا الاخباري في حق صاحبه انه علي باطل و ضلال و هو مبدع مفتر علي الله حاشا بل يقول هو سعي سعيه و عرف ما عرف و انا بذلت جهدي و عرفت ما عرفت و الهنا واحد و نبينا واحد و دينه واحد و يجوز الاخذ من صاحبه مع انه يعلم ان خلافه حق و هو باطل فما قلتم هنا قلنا في المجتهدين ايضا فانهم ايضا اتقياء امناء تحروا دين الله و بذلوا جهدهم طول عمرهم و عرفوا هكذا و عرفوا قاعدة كلية او حكما جزئيا و رأوه دين الله غاية الامر انهم اخطأوا كما ان الاخباري يخطي و كما لايخرج الاخباري من دين الله لايخرج الاصولي ايضا و ان قلت لا ان الاصولي يفتري علي آل محمد: متعمدا و يكذب علي الله و علي رسوله عن بصيرة و يعرض عن دين الله كفاحا فذلك لا جواب له عندنا و الحكم القاضي هو الله و الملائكة شهود و الخصماء آل محمد: والله يقضي بالحق و ستسمع جوابك و ان قلت انهم تحروا الحق و جاهدوا ليلا و نهارا و ارادوا دين الله و دين رسوله و دين آل محمد: و اداهم نظرهم الي ما اداهم اليه بعد ان سهرت اعينهم و ذابت لحومهم و رفت عظامهم و اتعبوا ابدانهم و انصبوا ارواحهم فذلك تكليفهم غاية الامر ان الاخباري يقول انه اشتبه عليه الامر و الحق علي خلافه ليقل ذلك في حقه كما يقول في حق صاحبه الاخر فكيف جاز ان يخرج الرجال الاتقياء العلماء من دين الله من دون جرم و تقصير و الخطاء بين الكل مقسوم و من عصمه الله فهو المعصوم لا غير فقوله فلا شيء من الاحكام الاجتهادية باحكام المحمدية الحتمية الاسلامية ابدا بالضرورة خطاء و الصواب في لفظه ان يقول بالاحكام المحمدية فان من احكامهم الاجتهادية ما بذلوا الجهد في الكتاب المستجمع علي تأويله و السنة التي لا اختلاف فيها و عرفوه بهما و عرفانه من اجتهادهم و لم‌يكن ضروريا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 142 *»

قبل الاجتهاد و انما عرفوه بعد الاجتهاد فيهما كماقاله الكاظم7 في حديث امور الاديان هذا و قد عرفت ان جميع ما اجتهدوا من دين الله و الرد عليهم رد علي الله و هو علي حد الشرك بالله فانهم طلبوا دين الله و اوصلهم عقولهم الي ما وصلوا اليه و ذلك تكليفهم لا غير و لو عدلوا عنه الي غيره لكانوا مأثومين و اني بعد الجهد الشديد لم ار مسألة عمل بها الاخباري الا و قد عمل به اصولي و لا مسألة عمل بها الاصولي الا و قد عمل به اخباري حتي العمل بالظن فان صاحب الحدائق اخباري و قد عمل بالظن حيث عمل بالقياس الاستقرائي الذي هو اوهن الظنون و يعملون بتنقيح المناط غير القطعي و هو ظني فمن التعصب الفرق بينهم و نحن و لله الحمد نري ان جميعهم علماء امناء اتقياء ازكياء تحروا رشد دين الله ليلهم و نهارهم فهم امناء الله علي حلاله و حرامه و تبليغ احكامه بهم حفظ الله دينه في غيبة الخلف و بهم يجدد الله شرعه في كل عصر فهم للخلف الحجة عجل الله فرجه كالايدي و الالسن و الوجوه و الاعين من اخذ عنهم فقد اخذ عنه و من رد عليهم فقد رد عليه لانفرق بين احد منهم و نحن لهم موالون فان رد بعضهم علي بعض و انصف فقد اصاب و ان رد و افرط و بلغ الي القدح فذلك عندي خطاء و هو اعلم مع ربه و ان كنت اري خطاء طريقه فذلك تكليفي و هو اعلم بما يقول و المرد الي الله و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه متاب و استغفر الله لي و لهم انه غفور تواب و ان رأيت في كتبنا ردا علي بعضهم او تخطية لرأيهم فذلك من لوازم بيان الصواب علي رأينا فان علي كل فقيه انتهي رأيه الي مسألة ان يري ما سواها خطاء و عليه ان يبين وجه الخطاء و يخطي من خالفه في اصل بيان المسألة و ليس المراد هلاكه نعوذ بالله باختياره تلك  المسألة كتبه مصنفه في همدان في ثاني شهر ربيع الاول من شهور سنة ثلث و ثمانين من المأة الثالثة عشرة حامدا مصليا مستغفرا.