رسالة الحجة القاطعة
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 5 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد خيرته من الخلق اجمعين و آله الطيبين الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد وصف لي بعض الاخوان ان العالم العامل و الفاضل الباذل المحدث الواصل خازن الاخبار و حافظ الاثار السيد الاواه السيد عبدالله الشهير بشبر الكاظمي تغمده الله بانوار رحمته و غمسه في بحار مغفرته قد كتب كتابا عجيبا عظيما سماه البرهان المبين في نصرة المحدثين و الرد علي المجتهدين شكر الله مساعي كل واحد منهم في حفظ الدين و ضبط احكام الشرع المبين فهويت ان اراه فبعثت من كرمان الي بلد الكاظم7 الي ورثة ذلك المغفور المبرور في طلب ذلك الكتاب فبعثوه الي اطال الله بقاءهم فاستنسخته و رددت اليهم الكتاب و لميمكنني مراجعته كاملة الي ان قضي لي سفر الي طهران فحملته معي كي اراجعه فراجعته في الطريق فوجدته كتابا جامعا كافيا شافيا لميصنف في طريقة المحدثين كتاب مثله مما وصل الي و يحق ان يكتب بالنور علي صفحات الحور ولكن لشدة ولعه رحمه الله في اثبات طريقته قد ذكر كثيرا من المطالب مكررا و كثيرا من الظنيات في جملة ادلته في الرد عليهم مع ان من طريقته الاستدلال باليقينيات و ان كانت الظنون اذا تراكمت تفيد العلم العادي و لايقصر ظنياته من ظنيات المجتهدين لكن المطلوب من مثله الاستدلال باليقينيات التي لاريب فيها و لاشك يعتريها حتي لايسع احدا ان يقول ما افادت لي شيئا و رأيته يرد علي جميعهم ما لايقول به كلهم و انما ينبغي رد كل قول علي اهله و رأيته قد استشهد بكلام كثير من العلماء و لا حاجة الي الاستشهاد بكلام غير المعصوم الا لمن اراد تحصيل الشهرة الظنية او يركن الي قول غير المعصوم بحسن ظنه فيهم و نحن لانقلد احدا من غير المعصومين و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 6 *»
لانستعضد بغيرهم و لانستعين بسواهم
اذا قالت حذام فصدقوها
فان القول ما قالت حذام
فاحببت ان اصنف كتابا و اقتصر فيه علي الادلة القطعية التي هي حجة الله علي خلقه و بها قطع عذر كل ذي عذر مما يؤدي اليه نظري القاصر و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه انيب و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و سميته بالحجة القاطعة و علي الله التكلان في الدنيا و الاخرة و هو مرتب علي مقدمة و اثني عشر بابا و خاتمة.
اما المقدمة ففي بيان كليات يجب تقديمها علي ابواب الكتاب ليختبر اولواالالباب و فيها فصول:
فصل: في بيان تقسيم المطالب و تقسيم ادلتها اعلم ان من المطالب صور جزئية خارجية من صنوف ما في هذا العالم مقرونة بموادها فطريق الوصول الي تلك الجزئيات الحواس الخمس التي انعم الله بها علي العباد فان كانت من الالوان و الاشكال فطريق ادراكها و الوصول اليها العين فمن رام دركها بغير هذا المشعر لميصل اليها و ان كانت من الاصوات فطريق الوصول اليها الاذن و ان كانت من الروايح فطريق الوصول اليها الانف و ان كانت من الطعوم فطريق الوصول اليها الفم و ان كانت من ساير الكيفيات كالحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة و الملاسة و الخشونة و امثالها فطريق الوصول اليها لامسة الجلد و اقويها في رؤس الانامل و اقويها انملة السبابة في اليمني فمن رام درك هذه الاشياء بغير هذه المشاعر لايكاد يصل اليها ابدا و ان استدل علي شيء منها بالعقول فلايكاد يدرك كنه ما هي عليه ابدا هذا و لايكاد يدرك الشيء الموجود في الخارج في عالم الاعراض كما يأتي فان الانسان بالعقل يستدل علي ان الحار اليابس ينبغي ان يكون احمر اللون فمع انه بهذا الاستدلال لاينكشف له صفة الحمرة يتخلف دليله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 7 *»
و ينتقض بالملح فانه ابيض و بالفلفل فانه اسود و بالراوند فانه اصفر و بالغاريقون فانه ابيض و ذلك ان الدار دار اعراض و لميبق شيء من الاشياء الا و قد تغير عما تقتضي ذاتيته فلايوصل بالعقل الي شيء من جزئيات هذا العالم و القول بان الاصل عدم لحوق الاعراض لايحصل منه علم و لا ظن بعدم لحوق الاعراض الا تري ان القول بان الاصل عدم كون زيد في الدار لايفيد علما و لا ظنا بان زيدا ليس في الدار فلا فائدة في هذا الاصل في تحصيل العلم بالامور الخارجية ابدا ابدا كما يأتي ان شاء الله فانحصر الامر في ادراك هذه الاشياء و درك ما هي عليه في الخارج في المشاعر الخمسة و تفاصيل ادراك هذه المشاعر مذكورة في ساير كتبنا فان شئت فراجع. و اما اشباح ما في هذا العالم غير مقرونة بالمادة و ما يتعلق بها فطريق الوصول اليها الحواس الخمسة الباطنة الا تري انك لاتدرك اشباح هذه الاصناف غير المتصلة بالمادة الا بالخيال و لاتدرك به الا اشباح هذه الامور الخارجية من الالوان و الاشكال و الاصوات و الروايح و الطعوم و الحرارة و البرودة و اخواتهما و انما يدرك ذلك بواسطة الحس المشترك و الحواس الخمس فتؤدي ما حصل فيها الي الحس المشترك و يؤدي الحس المشترك الي الخيال و من لميكن له حواس ظاهرة ليس في خياله شيء من متخيلاته الا تري ان الاعمي لايتخيل صفة الحمرة و الاصم لايتخيل صفة الصوت و هكذا فلامتخيل لمن لا حواس له ظاهرة و ان كان له مشعر خيال ساذج و اما الحس المشترك فهو يدرك الصور في اول نزعها عن المادة و لايقدر علي حفظها فعن وشيك تنمحي عنه و تذهب و اما الحواس الظاهرة فتدرك الشيء مادام قائما بحيالها و يذهب ما فيها بذهابه كالصورة في المرآة بخلاف الخيال فانه يحفظه برهة من الدهر و ان فني الشيء في الخارج و اما الوهم فهو يدرك من الصور الخيالية معني ليس بمصور صورة كما انه اذا انطبع في عينه صورة ذئب جاء فاغرا فاه و صورة شاة هربت عرف الوهم انها خافت و رعبت و اذا حضنت الام ولدها و قبلته عرف انها احبته و هكذا فذلك شأن الوهم و لايستنبطها الا من الصور الخيالية الموقوفة علي الحواس الظاهرة و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 8 *»
اما الفكر فهو يربط بين صورتين من الصور الخيالية او معنيين من المعاني الوهمية او صورة خيالية و معني وهمي و يدرك النسبة بينهما و هو ايضا موقوف علي الخيال و الوهم تابع لهما فمآل الجميع الي الحواس الظاهرة و ما تؤدي اليها غاية الامر ان ما فيها مادية المبدء مجردة المنتهي و اما العالمة فهي تدرك الصور الخيالية مجردة تجريدا تاما و اما العاقلة فهي تدرك المعاني الوهمية مجردة تجريدا تاما و ما فيهما ايضا راجعة الي الحواس الظاهرة بداية و ان كان مجردا تمام التجرد نهاية بالجملة لايمكن لها درك ما تدركه بالعقول الجبروتية و سبيلها الحواس الظاهرة علي ما عرفت. و اما الكليات الدهرية فدرك صورها شأن النفس الملكوتية المجردة و آلاتها لدرك خصوص المجردات الحواس الخمس الباطنة و خصوص الماديات الحواس الخمس الظاهرة و بذاتها تدرك صورة كلية هي اعم من جميع تلك الخصوصيات سابقة علي جميع الاعراض الظاهرة و ان كان لها ايضا اعراض دهرية جارية في كلها و آية مدركها صورة الجسم الكلية الجارية في جميع الفلكيات و العنصريات و آية مدركات الحواس الباطنة صور الفلكيات و مدركات الحواس الظاهرة صور العنصريات و اما درك معناها فهو شأن العقل الجوهري الملكوتي فهو جوهر مجرد ملكوتي محيط بالاشياء من جميع جهاتها عالم بالاشياء قبل كونها دراك للاشياء من حيث هي هي قبل لحوق الاعراض الظاهرة بها فمدركات هذين بذاتيهما في عالم الدهر علي ما الاشياء عليه من حيث هي هي قبل وصول الاعراض الظاهرة اليهما و ليس يمكن لهما درك الجزئيات المقرونة بالاعراض الا بآلاتهما و ادواتهما الباطنة و الظاهرة و آية النفس و آلاتها الروح الحيوانية التي هي بكلها بصيرة سمعية ذائقة شامة لامسة من دون فرق بين هذه الامور و انما هي بذاتها دراكة مطلقة و ليست تدرك شيئا من الجزئيات الا بآلاتها التي هي دراكة حية بها فالنفس هي كذلك الا ان آلاتها الحواس الظاهرة و الباطنة و هي بذاتها دراكة مطلقة عن الحواس الباطنة و الظاهرة و تدرك صورة كلية سارية في جميع الصور المادية و المجردة فاذا رامت درك جزئي خاص استخدمت مشعره الخاص
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 9 *»
به نعم للانسان مطلب آخر هو منزه عن الكلية و الجزئية و المعنوية و الصورية و هو حقيقة هذه الاشياء و نفسها التي من عرفها عرف ربها و هو آية الله عزوجل في العالم و ليس يدرك ذلك المطلب الا بمشعر منزه مقدس عن الصورية و المعنوية و الجزئية و الكلية و هو المسمي بنور الله و الفؤاد كما هو محقق في محله و هو ايضا بذاته لا خصوصية فيه بصورة و لا معني و لا لجزئي و لا لكلي بل ليس حيث هو هو الا تلك الحقيقة التي هي هو فلايدرك بذاته غيره فاذا رام بما رام درك معني او صورة او كلي او جزئي ادركه بمشعره الخاص به فهذه مختصر بيان المطالب و المشاعر المخصوصة بها من لميعرفها خبط في المطالب خبط عشواء الا تري ان من رام درك لون باذنه او صوت بعينه لايكاد يصل اليه ابدا و كذلك من رام ادراك مادي بمجرد او مجرد بمادي لايكاد يصل اليه ابدا و كذلك من رام ادراك كلي بجزئي او جزئي بكلي لايكاد يصل اليه ابدا و كذلك من رام درك حقيقة بغيرها او غيرها بها لايكاد يصل اليها ابدا فاغلب التشاجر الواقعة بين الناس من استعمال غير مشعر الشيء في دركه فهم كاعمي يستعمل آلة الاذن في درك لون و يخاصم البصير و يطيل التشاجر و يأتي بادلة اذنية في نفي اللون او اثباته و يصنف كتبا و يجمع اقوال اهل الاذان و يميز بزعمه بين غثه و سمينه و يدعي الشهرة و الاجماع بين علمائه الاعلام و احباره الفخام و هي جميعها نفخ في غير ضرام و ان هي الا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئا و وجد الله عنده فوفيه حسابه والله سريع الحساب و يضحك الثكلي من تحقيقاته و تعظيماته و استعاناته و خصوماته و رده و بحثه و تكفيره و تفسيقه و لعنه و قدحه و يمشي البصير علي تؤدته علي طريقه لايحركه عواصف الاعمي و لايزيله قواصفه اذ هو في خياله اوهن من بيت العنكبوت مع انه اوهن البيوت و هكذا تنازع اهل العالم و تشاجر جهلة اولاد آدم و لايزالون مختلفين الا من رحم ربك و لذلك خلقهم فافهم ان كنت تفهم او اسلم تسلم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 10 *»
فصل: اعلم ان الامور ثلثة عاديات و عقليات و وضعيات. اما الامور العادية فهي امور جزئية كائنة في خارج هذا العالم عالم الاعراض و مشعر ادراكها كما عرفت المشاعر الظاهرة و يحصل لنفس الانسان بدرك هذه المشاعر علم عادي حسي بالواقع الخارج في هذا العالم يعني يحصل لها سكون و اطمينان لايخطر ببالها غير ما وصل اليها و تكون ثلج الفؤاد بارد القلب و لحصوله اسباب من المواجهة و انطباع الاشباح في المشاعر بلاواسطة او وسائط فاذا وصلت الي الانسان بلا معارض مخالف يحصل له علم اذ هو حصول الصورة عنده بلامعارض و ان كان له معارض مساو يحصل له من كل صورة فيتردد النفس بين الصورتين ايتهما مطابقة للخارج و انما ذلك اذا كان في الوسائط الموصلة اليها خلل مجهول لاتعلم في ايها الخلل فتشك في الواقع كما اذا اخبرك مخبر بخبر و مخبر بخبر آخر خلافه و في احدهما علة لامحالة الا انك لاتعلم في ايهما فتشك في الخبرين و لاتعلم ايهما مطابق للواقع و كذلك ساير الوسائط من المشاعر المؤدية الي النفس و غيرها و لربما غلب احد المخبرين علي الاخر و رجحت صدق احدهما علي الاخر فمال النفس الي تصديق احدهما و حصل لها الظن و المرجوح موهوم و لماكان هذا العلم هو صرف حصول الصورة و هو تابع لوجود الشاخص و الشاخص في دار الجزئية و الاعراض كان يجامع هذا العلم مع جهل العقل و وهمه و شكه و ظنه و يقينه فلعله يحصل للانسان العلم بحصول امر في الخارج و لميقم له دليل عقلي علي لزوم وجوده في الخارج ابدا او قام دليل ضعيف حصل له وهم به او دليلان متعارضان و هو شاك او كان احدهما اقوي و هو ظان او دليل خالص ساذج و هو متيقن و ان القوم لميفرقوا بين العلم العادي و العقلي فخلطوا بين الامور فالتبس عليهم فالاحتمالات العقلية الامكانية ليست تضر بالعلم العادي الا تري انك تعلم ان الشمس طالعة بالعلم العادي و ليس لك دليل عقلي يوجب طلوع الشمس في هذه الساعة بحيث لولا شهادة عينك كنت تقطع بطلوعها في هذه الساعة فاجتمع علم النفس مع جهل العقل و كذلك ربما يكون لك دليل ضعيف علي عدم طلوعها او دليلان متعارضان او احدهما اقوي و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 11 *»
لايضر شيء من ذلك علمك النفساني الحاصل من شهادة عينك و لايجوز لك ان تزيل علمك هذا بشك عقلي او ظن او وهم بوجه من الوجوه و ازالة ذلك بذلك من الوسواس و الجهل و كذلك لاينبغي استعمال الامكانات العقلية البعيدة في الامور العادية كما انك تري الشمس طالعة فتقول يمكن ان تكون عيني مريضة و تري ما ليس في الواقع فان ذلك مما يمكن في الامكان لكن استعمال ذلك من الجنون و الوسواس و شرح ذلك علي سبيل الاجمال ان كل ما في عرصة الوجود ممكن الوجود و الممكن ما يجوز وجوده و يجوز عدمه مادام في عرصة القوة و الاستعداد و لايخرج الي عرصة الفعلية الا بعلة ترجح جهة وجوده علي جهة عدمه فاذا رجحت وجوده خرج الي عرصة الوجود و يبقي عدمه في عرصة القوة لايخرج الي الفعلية اذ لا علة له فلايضر امكان عدمه مع عدم علة وجوده مع العلة الموجدة فاذا رأيت الشمس طالعة فقد ثبت ان علة طلوعها رجحت طلوعها و اطلعتها و لايضر بطلوعها امكان عدم طلوعها اذ لا علة له و لو كانت لرجحت عدمه و مع تعارض العلتين و تساويهما لبقي في القوة و مع غلبة احدي العلتين رجحت هي ما تقتضيه فمع طلوعها لا علة لعدم طلوعها او تكون ضعيفة فلايضر امكان عدم طلوعها بطلوعها فالتردد في الطلوع بعد وجوده من الوسواس و الجنون و يستنكف عنه العقلاء طبعا هذا اذا حصل العلم بوجود شيء و حينئذ لاينبغي صرف النفس الي امكان عدم ذلك الوجود و يحصل الريب من باب المرض فان الريب اذا قوي كان شكا و اذا قوي الشک كان انكارا كما اذا كنت عند شجرة تراها فاذا بعدت عنها قليلا خفيت قليلا و كلما ازددت بعدا ازدادت خفاء و هكذا الي ان غابت عن عينك فاذا غابت فقدتها فافهم المثل و لاجل ذلك ربما يشتد المرض فينكر البديهيات و لذا قال علي7 لاترتابوا فتشكوا فتكفروا و لقد سمعت رجلا بلغ به الحال من هذا المرض انه كان يدخل يده في الماء و يشك في دخوله و يلتمس الحاضرين ان يخبروه بدخولها و عدم دخولها و كان رجل يغتمس في الماء لغسل واحد من طلوع الفجر الي ارتفاع الشمس و ما كان يستيقن اغتماسه في الماء و دخل رجل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 12 *»
في الماء نحو مأة و عشرين مرة و لميستيقن دخوله في الماء و كل ذلك من التفات النفس الي جانب امكان العدم مع رؤية الوجود فاذا التفتت الي العدم قليلا اعرضت عن الوجود قليلا فخفي جانب الوجود قليلا ثم اذا اكثر الالتفات اكثر الاعراض و كثر الخفاء حتي اذا محضت الالتفات محضت الاعراض فمحض الخفاء فعند ذلك يجيء الانكار فالواجب علي الانسان اذا علم وجود شيء ترك الالتفات الي الامكانات فانها ممرضة للنفس مفسدة للدين و الدنيا جاعلة للنفس حقيقة في عرض المجانين و اصحاب ماليخوليا هذا اذا حصل العلم بوجود شيء علي حسب الفطرة و اما اذا كان الامر مشكوكا من غير ما مرض فلاينبغي الحكم بوجوده و لا عدمه حتي يعلم و اذا كان من مرض فيجب معالجة النفس سواء كان بالعقاقير او بصرفها الي ما عامة الخلق عليه و اعلم انه يعرف المرض من غير المرض بمقايسة النفس مع الاصحاء الذين لايشوبهم مرض قطعا و هم المعصومون سلام الله عليهم فانهم سلام الله عليهم ممن اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و هم سلام الله عليهم قد قرروا المشاعر الظاهرة من عامة الخلق و امروا الخلق بما ادت اليهم و عابوا عليهم بمخالفتها و بها قامت حجج الله علي الخلق و بتصديقها ارسلت الرسل و انزلت الكتب و شرعت الشرايع و خوطبت الامم و ادخل اهل النار النار و اهل الجنة الجنة و رفعت المعاذير و عليها بناء العالم و اساس عيش بني آدم و القول بان عامة الخلق مرضي مرض حاضر و القول بان عامة الخلق مجانين جنون باهر فاذا بعد المعصومين مشاعر العامة ميزان قويم فما وافق مؤدي مشاعر العامة فهو حق و ما خالفها فهو باطل فاذا رأيت الشمس طالعة و عامة الخلق يقولون انها طالعة فالقول بان عيني مريضة تري ما ليس في الخارج جنون خالص و بعد اصلاحه فما يراه العامة و ما تسمعه و تشمه و تذوقه و تلمسه و تعرفه و تنكره من الامور الظاهرية حق لا مرية فيه لاينبغي الريب فيه بوجه من الوجوه و هو الميزان القويم و الصراط المستقيم فاذا اغلب تشكيكات المدققين و احتمالات المحققين من باب تقريب الامكان البعيد و تجويز ما لايفيد و خروج عن الاعتدال و التفات الي المحرفة في
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 13 *»
المآل و علي الله التكلان في كل حال و ان قلت كل قائل بقول يقول لمخالفه انت منحرف و الصراط المستقيم ما سلكت و قلت
و كل يدعي وصلا بليلي
و ليلي لاتقر لهم بذاكا
قلت نعم:
اذا انبجست دموع في خدود
تبين من بكي ممن تباكي
و السماء رفعها و وضع الميزان الا تطغوا في الميزان و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان و لو خفي الميزان بطل حجة الملك المنان و لميبق لذي حق برهان و خفي من الحق الرجحان و الله المستعان فلنرجع الي ما كنا فيه فمن الامور عاديات يمكن حصول العلم بها لمن كان علي الفطرة اذ ليس فوق العيان عند ذي عين بيان فاذا حصل العلم العادي فعليه المعول و ان كنت تجهل برهانه العقلي او تظن او تشك او تتوهم و لايضر به الامكانات التي لاتشهد بوجودها الحواس الظاهرة كما شهدت بوجودها فاذا شهدت الحواس بوجود شيء حصل عند النفس صورة علمية ثابتة عندها و هي العلم العادي و يضادها الجهل العادي و هو عدم الصورة مطلقا و اما الشك العادي فهو بان يحصل للنفس صورتان من شيء واحد فتجهل ان هذه الرواة المؤدية صادقة ام هذه؟ فتشك او ترجح صدق احديهما فتظن و المرجوح موهوم فالشك العادي حين قيام دليلين علي شيء واحد لا عدم الدليل مطلقا و اري كثيرا من منتحلي التحقيق لايفرقون بين المجهول و المشكوك و يجرون حكم الشك علي الجهل و هو خبط فالشبهات هي صور وجودية عند النفس اشتبهت فلمتعلم الحق من الباطل و اما عدم الصورة مطلقا فجهل مطلق لا شبهة فيه و لايشبه شيئا فالجاهل المطلق لا حجة لله عزوجل عليه و اما المشتبه عليه فحكمه التوقف و عدم البت علي احد الطرفين من غير حجة و قد اقام الله في الطرف الاخر دليلا عديله لحكمة. و اعلم ان جهل العباد باشياء و اشتباه بعض الامور عليهم ارغام من الله للنفوس حتي تعترف بعجزها عن درك حقايق الاشياء و تذليل لها لاهل الفضل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 14 *»
و العلم بحقايق الامور و اهل العصمة الذين اشهدهم الله خلق انفسهم و خلق السموات و الارض فلايعزب عن علمهم مثقال ذرة فيهما و لولا ذلك لطغت النفوس و بغت و تجاوزت عن حدود العبودية فضربهم الله بذل الجهل و الشبهات فجعل لهم الامور ثلثة امر بين رشده فاوجب عليهم اتباعه و امر بين غيه فاوجب عليهم اجتنابه و شبهات بين ذلك فاوجب عليهم التوقف و الرد الي ائمة الهدي و امتحن تقوي العباد و عدم مبالاتهم بالدين بالتوقف عند الشبهات و عدم الاقتحام في لججها و جعلها حماه فاتقي العباد من لميحم حول حمي الله اذ من حام حول الحمي فيوشك ان يقع فيها و وقع في الهلكات و المحرمات بترجيح احد الشقين و البت عليه برأيه و ظنه و هواه و هو محرم عليه مع ان الله جل و عز جعل الشق الاخر قائما بازائه و هلك من حيث لايعلم فافهم و اعلم ان بهذا العلم يثبت جميع جزئيات هذا العالم الموجودة في الخارج من المبصرات و المسموعات و المذوقات و المشمومات و الملموسات و ما يتخيل او يتوهم من اشباحها المنفصلة فمن رام اثبات شيء من ذلك بالادلة العقلية حرم نيلها و لايكاد يعرف شيئا منها ابدا ابدا انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و اما الامور العقلية فهي كليات معنوية دهرية مجردة عن المواد منزهة عن القوة و الاستعداد خالية عن الاعراض الظاهرة عالية عن الاعراض عن الامراض فلاتدرك الا بالعقول المجردة الجبروتية الدهرية التي هي مساوقة معها في عالمها فهي تحكم علي الاشياء من حيث هي و دركها لها بمشاهدتها كما تشاهد العين المبصرات فما اثبته العقل علي اليقين لايحتمل عنده عدم كونه واقعا خارجا فما يحتمل عنده ان يكون في الواقع الخارج غيره فليس بمستيقن و لميشاهده فمن الامور بديهيات تعرفها العقول ببداهتها و ليس يخالف بعضها بعضا و منها ما هي نظرية تحتاج الي التوصل اليها بادلة لمية او انية فان دلت الادلة علي وجود شيء بلامعارض تستيقن و ما تعارضت الادلة عليه تشك و ان غلب احديها ظنت(ظننت ظ) و المغلوب سبب الوهم فلايعارض اليقين العقلي الا الشك و الظن و الوهم العقليات و لربما يجتمع
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 15 *»
جميع مالها مع جميع ما للنفس اذ هما في عالمين لاتعارض بينهما و بالدليل العقلي يثبت الكليات الدهرية التي ليست بموجودة في الزمان الا بافرادها نعم اذا ثبت بالعقل كلي يمكن اجراؤه في الجزئيات بما يدرك منها النفس و لايجوز لاحد ان يحكم علي عالم الاعراض الذي جميع ما فيه من الجزئيات مشيب بالاعراض من حيث او حيوث بما ادركه و القول بان الاصل عدم عروض عرض لايورث للعقل ظنا فان هذا الاصل وضعي لا عقلي و القوم لايفرقون بين العقليات و الوضعيات و اراهم يسمون البراءة الاصلية و الاستصحاب و اصل العدم و اصل تأخر الحادث و امثالها بالادلة العقلية و ليت شعري متي حكم العقل ببقاء الحال السابقة في الحال الثانية المشكوكة؟ و ليت شعري كيف يحصل اليقين بوجود زيد في الدار الان اذا كان فيه امس و شككت في خروجه منه؟ و بمحض قولك ان الاصل بقاء زيد في الدار او الاصل عدم خروجه لايحصل يقين و لاظن بوجوده الان اللهم الا ان يكون بينهما تلازم عقلي و ذلك من دليل آخر قام علي التلازم لا من هذا الاصل و الحق ان هذه الاصول اصول وضعية وضعها الشارع وضعا فاذا كان ثوبك نجسا و شككت في زوال النجاسة فالاصل بقاء النجاسة بالوضع الذي وضعه الشارع فجعل حكم المشكوك بعد اليقين حكم اليقين و لاتلازم بينهما عقلا اذ رب مشكوك الزوال قد زال في الواقع و انت لاتعلمه و رب مشكوك الوجود قد وجد في الواقع و انت لمتطلع عليه فهذه الاصول اصول وضعية لا عقلية و ليت شعري لاي علة يسمونها عقلية و اي دليل عقلي دلت علي هذه التلازم؟ ثم ما ارادوا بتسميتها عقلية ايريدون بها ان الشرع لميرد بها و هو باطل اذ الشرع قد ورد بها ام يريدون انا نعرف عللها و اسبابها بعقولنا و ان لميكن العقول تجد تلازما بين الحالين كماعرفت فما كل من عرف علة شيء ينبغي له ان يسمي المسألة عقلية الا تري انك اذا عرفت علة وضع الوضوء و الغسل لاتقول انهما شرعا بدليل عقلي بعد ورود الشرع بهما و اثباتهما بالاستقلال غاية الامر انك عرفت وجههما هذا مع ان ما اثبته العقل بلاشرع ليس بحجة ابدا فان العقل يدرك الشيء في الدهر و لايجري حكم الدهر علي جزئيات
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 16 *»
الزمان لوجود الاعراض و القول بان الاصل عدم عروض عرض ليس يفيد يقينا و لا ظنا بالبداهة و يأتي ان شاء الله حكم الادلة العقلية فترقب.
و اما الامور الوضعية فهي التي قد قررها الشارع كما جعل شيئا سبب شيء او شيئا شرط شيء او شيئا مانع شيء او شيئا موافقا لشيء او شيئا مزيلا لشيء او شيئا مناط شيء و امثال ذلك فبعد ورود الشرع بها و ثبوتها كلما حصل واحد منها يقينا حكم بمقتضاه علي اليقين مثلا اذا حصل الاستطاعة حكم بوجوب الحج يقينا و اذا قام شاهدان علي دعوي علم وجود المشهود عليه يقينا و هذا اليقين يقين وضعي شرعي لا عادي و لا عقلي الا تري ان الشارع اذا جعل حكم المشكوك بعد اليقين حكم اليقين و كان ثوبك طاهرا و شككت في وصول النجاسة اليه قلت انه طاهر يقينا و باجراء هذا الاستصحاب لايحصل العلم العادي و العلم العقلي و لا ظنهما ببقاء الطهارة ابدا و انما تحكم بالطهارة اليقينية الوضعية و هذا اليقين يجتمع مع الظن العادي و العقلي و شكهما و وهمهما و لا تعارض بينهما كماتري و يجب التكلان علي هذا اليقين و لايجوز النقض فيه بانا لميحصل لنا علم عادي او عقلي او ظن منهما فافهم ذلك و من لميفرق بين هذه العلوم لايكاد يبلغ مبلغ التفقه في الدين و لايعلم وضع كل شيء موضعه و جميع هذا التنازع الواقع بين الفريقين لخلط هذه المقامات فلايعلم كل واحد من اي الي اي.
فصل: فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الواجب علينا الذي لابد منه ان نثبت بالادلة العقلية ان لنا صانعا و ان ذلك الصانع يجب في الحكمة ان يرسل الينا بشرا رسولا و يجعل له علامة و يجب ان تكون العلامة من غير علامات البشرية التي هي في ساير البشر موجودة بل هي من صفات الربوبية حتي يعلم انه رسول من عند الرب فاذا بلغ العقل هذا المبلغ يجوز له ان يقف و لايحتاج الي تكلف ازيد من ذلك ثم يستعمل المشاعر العادية و يحصل انه جاء رجل في مكة اسمه كذا و صفته كذا و ادعي كذا و جاء بكذا ثم يحكم العقل بان كل من كان كذا فهو نبي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 17 *»
فيحكم النفس بان فلانا نبي حق من عند الله عزوجل يجب اتباعه فهو خليفة الله في الارض يجب التمسك بذيله و الاخذ بما ثبت منه فما علم منه عادة او شرعا فهو المتبع من التوحيد فمادونه الي ارش الخدش و لاتكن كالمتكلفين الذين قد كفاهم الله جميع معانيه و صفاته و اسمائه و افعاله و شرايعه و احكامه و لايكتفون به و يتكلفون علمها بعقولهم المستقلة زعما منهم ان الاعتقاديات يجب ان تثبت بالعقول و الشرعيات بالنقول فلو كان ذلك كذلك لكان دعوة الانبياء الي ذلك و نزول الكتب بذلك لغوا هذا و ما ثبت منهم و عرف فهو مما يحكم به العقل بحقيته بعد ما عرف العقل انه نبي حق صدق معصوم و اخبر بذلك قطعا فهو حق الا تري انه لو اوحي اليك من الله عزوجل ان مشيتي حادثة و انت لاتعرف ذلك بدليل عقلك اتنكر ذلك بان ذلك اعتقادي و يجب علي ان اعرفه بعقلي او تصدق لان الله الحق اخبر بذلك فاختر لنفسك مايحلو و كذلك امر الانبياء حرفا بحرف فما اخبر به النبي الحق من توحيد الله و صفاته و اسمائه و افعاله و المعاد و النبوة و الامامة و الحقايق اخذنا به و علمنا انه الحق الذي لاشك فيه و لاريب يعتريه و هو الدين القيم و اليقين الثابت بل الحق ان العقول القاصرة الناقصة المشيبة بالجهالات و الاعراض و الامراض و العادات و الشهوات و التنافرات لاتقدر علي سباحة هذه اللجج الغامرة و البحار الزاخرة بل لايجوز لها الخوض فيها و انما يجب لها الرجوع الي الهداة و الانبياء و الرسل و القول بما قالوا و التدين بما امروا و طريق المتكلمين طريق ضلال و متكلموا هذه العصابة شرار من هم منهم
هذا اعتقادي فيه قد ابديته
فليقبل الواشون او فليمنعوا
و كذلك لايجوز من احد من الامة ان يتكلم في الفروع و ما تبتني عليه من الاصول بالعقول الناقصة و الافهام البايرة المختلفة ابدا ابدا و انما الواجب عليهم من عند الله ان يرجعوا الي المعصومين و الاخذ بما ثبت منهم و قد تواتر بذلك الاخبار عن المعصومين الاطهار صلوات الله عليهم و به نزل الكتاب فما قيل ان الشرع نقلي و انما احتجنا الي الاصول لان النقل لايعرف بالنقل فلابد لنا من اثبات اصول بالعقل حتي نعرف بها النقل كلام واه فان الشرع توقيفي بالاجماع و دليل التوقيفي لابد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 18 *»
و ان يكون توقيفيا فلو كان دليله موكولا الي العقول لخرج المدلول عليه عن ان يكون توقيفيا فان المدلول عليه يتولد من الدليل فافهم و يمكن للشارع ان يعرف دليل شرعه اولا ثم يعرف شرعه بتلك الادلة فان ما ورد عن المعصوم يمكن ان يثبت بالعلم العادي و يعرف معناه بالعلم العادي فاذا عرف عادة وجب الاخذ به فان علم عادة حكم جزئي اخذ به و اذا عرف حكم كلي عادة من الشرع و كان مفاده وضع خاص يجب الاخذ بمفاده في موارده و كان مفاده اليقين الوضعي الا تري انك اذا ظننت عادة بانك صليت اربعا كان حكم الشرع الثابت فيه العمل بهذا الظن فتبني علي الاربع بوضع الشارع فانت حينئذ عامل بيقين شرعي و لست بعامل بالظن من حيث انه ظن و ليس الحاكم عليك الظن و انما الحاكم عليك اليقين الشرعي و ان الظن موضوع كما ان الصلوة موضوع و الصوم موضوع بلاتفاوت فاذا ثبت عن المعصوم امر وضعي كلي يعمل بذلك علي اليقين بالجملة نحن نحصل العلم بالاخبار بالعلم العادي او الشرعي و ذلك غير منكور كمانحصل العلم بساير اخبار العالم و نفهم معانيها كما نفهم ساير الفاظ العالم و سيأتي الكلام في حصول العلم العادي او الشرعي بها ان شاء الله فاذا حصل العلم العادي او الشرعي بقول المعصوم وجب المصير اليه سواء كان في اصول الفقه او فروعه فلانحتاج الي وضع قاعدة بعقولنا و لايلزم دور و ليس كل ما ثبت بالنقل ظنيا كمايأتي ان شاء الله فلايجوز لمن آمن بالله و اليوم الاخر و عرف نقصان عقله و ترقياته من يوم كونه نطفة الي يومه ذلك ان يستبد بعقله في غير اثبات الصانع و النبي الشارع و معرفة هذين مما سهل تناوله لوضوح براهينه و مشاهدة طرقه و جبلة الخلق و فطرتهم و اتفاق العقلاء و تأييد الانبياء و الاوصياء سلام الله عليهم فسهل الخطب بذلك و امكن معرفة هذين مبهما كليا و ما سمعت من تشاجر الحكماء و العرفاء و المتكلمين و شدة اختلافهم فانما هو في الجزئيات و قد سمعت انا لانجوز الخوض في الجزئيات من غير هداية من حجج الله سلام الله عليهم و تأييد منهم فان العقول الناقصة المترددة المستزيدة لاتقدر علي خوض لجج هذه البحار الزاخرة و سباحة اثباج هذه التيار المتلاطمة و قد نهانا عن ذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 19 *»
الهداة في اخبار متواترة و آثار متكاثرة و تشهد العقول السليمة علي انفسها بذلك علانية ولكن النفوس ساعية في ما يضرها هالكة الا ان يعصمها ربها و هو محرم علي الناس البتة و التكلم فيه بنفسه فسوق ظاهر و النهي المحرم فيه باهر فاذا عرف الانسان هذين الامرين الكليين استراح و حصل له من يكلمه و يراه بحواسه الظاهرة و يخبره بلسانه عن الغيوب و يكفيه ذلك الخطوب و ينجيه عن الغوص في بحار التوهمات و سلوك ظلمات شعب الفكر و الخيالات و يدخل حقيقة المطالب الخفية بكلامه في اذنه بالعبارات حتي لايبقي له شك و لا ارتياب و يستغني بكلام البصير الخبير عن التماس العميان وجوه المسائل في كل باب و ذلك من فضل الله علينا و علي الناس ولكن اكثر الناس لايشكرون و في اهلاك انفسهم باستبدادهم و سلوكهم و حاد ساعون و كذلك يستريح في الدنيا من معرفة خيره و شره و صلاحه و فساده و ما ينبغي له مما لاينبغي فيجب رجوعه اليهم في القل و الجل و يكون كما قال الشاعر:
اعدم وجودك لاتشهد له اثرا
و دعه يهدمه طورا و يبنيه
قال احدهما8 لايكون العبد مؤمنا حتي يعرف الله و رسوله و الائمة كلهم و امام زمانه و يرد اليه و يسلم له و قال ابوجعفر7 انما كلف الناس ثلثة معرفة الائمة و التسليم اليهم فيما ورد عليهم و الرد اليهم في ما اختلفوا فيه فلايحل له ان يستعمل عقله المدرك للكليات الدهرية الصرفة في جزئيات عالم الاعراض التي آلة ادراكها في الظاهر الحواس الظاهرة و لايحيط باطرافها و وجوهها و حقايقها الا العقول الكلية المعصومة و كما لايحل لها ان تحكم فيما لمتحط به خبرا و ليس من شأنه من الجزئيات كذلك لايحل لها ان تضع قواعد كلية دهرية و تجريها في عالم الجزئيات ذوات الاعراض المتكثرة فان الكليات الدهرية تتخلف ظهورها بسبب الاعراض فلا كل حار يابس احمر و لاطويل و لادقيق و لا صاعد مثلا و لا كل حار رطب اصفر و لا مربوع و لا ثمين و لا صاعد و لا کل بارد رطب ابيض و لا مربوع و لا متين و لا هابط و لا كل بارد يابس اسود و لا قصير دميم و لا مهزول خشن و لا هابط مثلا فابطلت الاعراض ظهور عموم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 20 *»
الكليات العقلية الثابتة الدهرية بالكلية و لاتقولن ان الاصل عدم الاعراض فان هذا الاصل في مقام العقول غير اصيل و لامعقول و لايفيد علما و لا ظنا و انما هو حكم وضعي ان ثبت عن الواضع و الا فهذا الاصل و ساير اخوانه بمعزل من عالم العقول ولكن القوم عنه غافلون حتي انه سئل مسؤلهم عن دليل التوحيد قال ان الواحد مجمع عليه و الاصل عدم الزائد فبذلك هلك المستبدون و نجا المسلمون ان المسلمين هم النجباء و سيأتي الكلام في عدم جواز الحكم بالاراء و العقول الناقصة في دين الله ابدا ابدا و لايجوز لهم الا التسليم المحض المحض و كون العبد عند مولاه كالميت بين يدي الغسال يقلبه ذات اليمين و ذات الشمال و سيأتي علي ذلك اخبار متواترة يشك في الشمس في رابعة النهار و لايشك فيها.
فصل: من البديهيات البينة الواضحة ان محمدا9 بعث رسولا الي الناس حين فترة من الرسل و طول هجعة من الامم و هم بين دهري لايعرف الايمان و بين عابد للاوثان و متعبد للاشجار و الحيوان و ساجد للشمس و القمر و النجوم و خاضع للانوار و النيران علي المرسوم و مستعيذ بالجن و الارواح كعابد الموهوم و احسنهم النصاري و اليهود المرتدون عن طرق الانبياء و كانوا اهل بغي و جحود حتي اذا جاء9 بالشريعة البيضاء و الملة الغراء و دعا الناس الي التوحيد الخالص و خلع الانداد و عبادة المخلوقين و هداهم بعد الضلالة و علمهم بعد الجهالة و عرفهم الحكمة بعد السفاهة و اعزهم بعد الذلة و دعاهم الي الحنيفية صلي الله عليه من نبي ما اعظم حقه علي الامة و افرض شكر نعمته علي العامة فجزاه الله عن الاسلام و المسلمين خير جزاء النبيين فقام بين ظهراني العباد فخاطبهم بلسانهم فدعاهم الي التوحيد بعد شركهم و الي خلع الانداد بعد تعبدهم لمصنوعاتهم و الي الاقرار برسالته فانها ركن التوحيد و عماد التفريد فآمن به من آمن و كفر به من كفر فلما صدقه علي هاتين الكلمتين من صدقه سمي مؤمنا و لو مات علي ذلك كان ناجيا و من اهل الجنة فكان يمشي بين العباد و يدعوهم الي خلع الانداد و يعاديه اهل العناد و يصبر رجاء ذخر يوم التناد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 21 *»
حتي ثبت ثابتهم و وحد موحدهم دعاهم الي الصلوة ثم الي الصوم ثم الي الحج ثم الي الزكوة شيئا بعد شيء بقدر قوة ايمانهم و تسليمهم و وفائهم و لاشك و لاريب انه كان يقوم بينهم و يخاطبهم بلسانهم و يعلمهم كمانعلم نحن رجلا جبليا معالم دينه بالترديد و التكرير و التوضيح و التبيين حتي يتعلم تلك النفوس الجامحة و القلوب الشامسة و يستقيم تلك البهائم الهائمة علي صراط مستقيم فعلمهم بعد جهد و كد و مشقة و من البينات الواضحة انه لميأت لهم اول وهلة باصول موضوعة و تعليم مسائل المبادي اللغوية و الكلامية و الاصول لايقال انهم كانوا اهل لغة فان هذه العلوم و التدقيقات ما كانت مدونة و الاعراب البوالون علي اعقابهم الملتقطون للابعار المرتادون مساقط الامطار المكالمون الشاة و الابل في آناء الليل و النهار ماكانوا يعرفون هذه المسائل هذا و بعده عن قليل اختلف اهل اللغة في تلك المبادي اللفظية هذا و قليل من مسائلها لفظية محضة تختص بلفظ العرب و اغلبها مسائل معنوية يتساوي فيها العرب و العجم و يختلف فيها الاراء و الاهواء و اهل الاعصار و البلاد و اما المسائل الكلامية فلميكن لها اثر بين عبدة الاوثان من التمر و عبدة الاحجار التي تبول عليها الثعالب فكان بينهم و بين علم الكلام كما بين السماء و الارض و كذلك الاصول الموضوعة فجاء بينهم و كلمهم و علمهم من دون تعليم اصول سابق فردد عليهم حتي افهمهم عنه و اقرهم عليه ثم امر المتعلم ان يعلم منه من لميعلم فكان يعلم بعضهم بعضا و يتعلم بعضهم من بعض و الناس بين سكنة الصحاري و القفار و المتردد بالتجارة في البراري و البحار و سكنة الاسواق و الكسبة و المترفين المشغولين باللهو و اللعب و كان يحضره منهم من لميكن له شغل مهم او حين ماكان له فراغ و وسع فيتعلم او يسمع و يستفهم غيره و يبلغ الحضور الغيب و قد يرسل اليهم رسلا بالامر و النهي و كان علي ذلك حتي اذا اتسع دائرة الاسلام و كثر المسلمون و هاجر الي المدينة و انتشر الخبر و تفرق المسلمون في الاقطار و نشروا الامر في الاحضار و الاسفار و في جميع ايام نبوته لميأمر بعلم اصول و مقدمات كلامية و مباد لفظية و مسائل جدالية و لميوجب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 22 *»
عليهم تحصيل علم الاصول الفا و مأتي سنة قبل عملهم بالاخبار و انما كان يلقي اليهم الاحكام بلسانهم فمن فهم ما قال عمل به و ان لميفهم ارجأ الامر الي ان يسأل فيفهم و يعمل و من سمع النبي9 عمل بما قال و من لميسمع و اتاه الخبر فان عرف صدقه بالقرائن صدقه و عمل به و ان عرف كذبه تركه فكم من ثقة اخبر و عرف خطاؤه بالقراين و ترك روايته و كم من فاسق او كافر عرف صدقه بالقراين و ضبطه و اخذ به فان الغرض العلم العادي اي ما يسكن النفس اليه بامر النبي و حكمه9 و ان الرواة حملة الي الغيب لا عبرة بانفسهم و كذلك كان ديدنهم حتي ان الزوج كان يبلغ الي زوجته و الاخ الي اخته و الابن الي امه و الحميم الي حميمه و الشاهد الي الغايب و الحاضر الي البادي و لميكن يومئذ علم رجال و لميضبط احوال الخلق و لميكن النسوان و الاطفال يعرفون الرجال و انما كان المدار علي الوثوق فمن وثق باحد صدقه و اخذ بقوله و من لميثق يرجي الامر الي ان يعرف و هكذا كان ديدنهم طول تلك المدة بل ديدن جميع اهل الملل بل ذلك طباع جميع البشر من لدن آدم الي يوم القيمة بل هذا ديدن الرعية عند احكام جميع السلاطين و لميرد النبي9 غير ذلك منهم و قررهم علي هذه الطريقة قبل الجهاد و بعد الجهاد و سماهم مسلمين و مؤمنين و اثابهم الجنة و وعدهم المغفرة و بلغوا بهذا النحو من العمل مبلغ القرب الي الله و المكاشفات و مشاهدة الايات في الافاق و الانفس و قدروا علي التصرفات و لميكن لهم علم اصول قطعا جزما لاشك فيه و علي ذلك اتفاق العقلاء و كانوا في الاحتياج اليه مثل اليوم بل اشد فانه لاتفاوت بين ان يكون النبي9 بمكة و المسلم بالمدينة و بين يومنا هذا فافرضه حيا و هو بالمدينة و انت بالعراق و تلك الايام لميكن الاخبار مدونة و الشواهد مضبوطة و القرائن مأثورة و الاثار متواترة و اليوم الحمد لله قد اجتمعت الاخبار و ضبطت القرائن و نبه عليها الابرار فكان الاطلاع علي الاثار اليوم اسهل من ذلك اليوم بكثير و لاينبئك مثل خبير تدبر السير و الاثار تجد ما ذكرناه لك بلاغبار و لميكن ذلك اليوم لهم علم و لا سعي الا في العلم العادي بصدور الخبر و ما يسكن اليه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 23 *»
النفس و تطمئن ثم كأنهم مع ذلك حضور في محضر سيد البشر و عليهم السمع و الطاعة بما امر و صار اليوم اسهل و اخير و لميكن الرجل ينال ذلك اليوم عمرا ما تناله في ساعة واحدة و الذي يشك في ما ذكرنا فلاعبرة بشكه فانه ليس من اهل الاعتبار و الا فذلك واضح كالشمس في رابعة النهار و كان الامر علي ذلك و النبي9 بين ظهرانيهم يريهم و يسمعهم و قررهم علي ذلك و رضيه عنهم و وعدهم النجاة بذلك حتي اذا مضي النبي9 الي ربه اختلفت الامة علي فرقتين فرقة منقطعين عن الحجة مخلوعين الزمام و فرقة قالوا بوجود خليفة بعده مثله يقوم مقامه و ينطق عنه و يعبر عن الله فالفرقة الاولي انقطعوا عن الله و خلعت ازمتهم علي عواتقهم ليس لهم من دين الله الا ما في ايديهم و ليس يكفيهم ما في ايديهم مع ان ما في ايديهم ما بين مكذوب صرفا و ما بين مسهو فيه محرف عما قاله النبي9 و ما بين منسوخ قد فقد ناسخه و صحيح مضبوط ناسخ فلميك ينفعهم الثلثة و الصحيح المضبوط الناسخ منه قليل قليل و اكثره مشتبه مشكوك فيه ليس يكفيهم لامور اديانهم و من راجع كتب العامة و اخبارهم مع انها مجموع الاقسام الاربعة يري انها لايكفي من الدين الا الحقير و لايغني من المسائل الا معشار عشر العشير فكيف بصحاحها هذا و لميحضروا جميع مجالسه و محاضره و اسفاره و لميضبطوا جميع ما سمعوا و لميكتبوا جميع ما حفظوا و تفرق الحافظون فمنهم من جلا عن الاوطان و منهم من قتل في الميدان و منهم من تخلي عن الاخوان و منهم من سكت خوفا من اهل الطغيان فلميبق في ايديهم الا مقدار الملح من الطعام و هو لايكفي اولي الاحلام لجميع الحلال و الحرام و ما يحتاج اليه الانام الي يوم القيام فذهب والله عن ايديهم الاسلام فاحتاجوا الي الاجتهاد في الدين و استعمال القياس في الشرع المبين و تأسيس اصول يتفرع عليها في البين و لما لميكن جميع ذلك حد عامة الخلق و كان عسرا عليهم قالوا قد آل الناس بعد النبي9 علي صنفين مجتهد و مقلد و وجب علي المقلدين تقليد المجتهدين و ان ظن المجتهد يقوم مقام وحي روح الامين في الدين فعلي هؤلاء ان يقولوا و علي هؤلاء ان
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 24 *»
يسمعوا ثم منوا المجتهدين بحديث يجسرهم علي التشمير عن ساق الجد و حمل اعباء هذا الاضلال العظيم فكذبوا علي رسول الله9 ان المجتهد اذا اصاب فله اجران و اذا اخطأ فله اجر واحد فاجتهدوا و قالوا ولكن لميضبطوا القواعد و القوانين و الضوابط و الفصول و لمينقحوها و زادوا عليها شيئا بعد شيء الي زمان السفاح و المنصور فكتبوا تلك القوانين و دونوها دواوين و جمعوا الضوابط و القواعد و الاصول و هي اليوم مضبوطة باعيان مسائلها و ابحاثها و ردها و نقضها و اختلاف الاراء فيها كما هي مأثورة في الكتب منسوب كل مسألة يعنون الي كل واحد واحد منهم و قيل اول من كتب في علم الاصول الشافعي فلعله ضبطها في غاية الضبط و الكمال و الا فكلام ابيحنيفة و ساير المجتهدين مأثور مضبوط في الكتب في كل مسألة مسألة فسموا بذلك اصحاب رأي و هوي و قياس و اجتهاد لما استبدوا بعقولهم فسلموا ما عقلوا و انكروا ما لميعقلوا و قالوا هذا ينقاد و هذا لاينقاد و هذا نعقله و هذا لانعقله و قالوا قد انسد باب العلم علينا و اضطررنا الي الظن فعملوا بما ظنوا مطلقا و كان ذلك ديدنهم الي ان تبددت الاقوال و تفرقت الاهواء و تفرقوا تحت كل كوكب و رأوا انه جاوز الماء الزبي و كاد الدين ان يفني اجمعوا علي وجوب حصر الفقهاء في الاربعة و وجوب تقليد هؤلاء دون غيرهم فمن اعرض عن هؤلاء و عدل الي غيرهم لميقبل شهادته و ذهبت مروته و زالت عدالته و بقوا علي ذلك الي يومنا هذا فانقطع عنهم الاجتهاد اللهم الا ان يجتهدوا في معرفة اقوال هؤلاء الاربعة كماكان ذلك ديدن الشيعة بالنسبة الي ائمتهم سلام الله عليهم و كان هذا الاجماع منهم بعد حدود الستمأة من السنين و اما الفرقة الاخري منهم بعد فقالوا نحن اذا فقدنا النبي فنفسه المجمع عليها المنصوص عليها باقية فينا و ماكان لاهل المدينة و من حولهم من الاعراب ان يتخلفوا عن رسول الله و لايرغبوا بانفسهم عن نفسه فكانوا يرجعون الي علي7 كماكانوا يرجعون الي رسول الله9 لما اودعه دينه و شرعه و اقامه مقامه و خلفه في امته و قرنه مع كتاب ربه و شهد بعصمته الكتاب و بعلمه و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 25 *»
قضائه النبي9 في كل باب فكانوا مستغنين عن بدعة ما لميكن و بقوا علي ما كانوا عليه في عهد رسول الله9 حتي اذا مضي الي جوار ربه قام بالامر بعده الحسن7 و كان مثله ثم الحسين7 ثم امام بعد امام الي اول الغيبة الكبري و كانت الشيعة في جميع هذه الازمنة يرجعون الي ائمتهم مستغنين عن الاجتهاد و الظنون و الاهواء و الاراء و كان الائمة: يحذرونهم عن معاشرة هؤلاء و مكالمتهم و الخوض معهم في مجالس عديدة حتي عرفوا كراهتهم عن طريقتهم و برائتهم عن مذاهبهم بحيث لميجسر احد من اصحابنا ان يسأل آل محمد: عن مسألة واحدة من المسائل الاصولية التي تحاولها اولئك او تكلموا فيها و تشاجروا عليها و خلو الاخبار الصادرة عنهم في كل هذه الاعصار عن تلك المسائل بالكلية و عن لحنهم و لغتهم و اصطلاحهم دليل واضح علي انهم لميجسروا ابدا في السؤال عنهم و لاتكاد تجد حديثا واحدا سألهم واحد من الشيعة عن مسألة واحدة اصولية مع انه كانت المسائل شايعة بين العامة يتكلمون و يباحثون فيها في مدارسهم و مجالسهم و كتبوها في كتبهم و كانوا مخالطين مع الشيعة يرونهم و يسمعونهم و مع ذلك لميجسر ابدا احد منهم ان يسأل الامام عن مسألة واحدة من تلك المسائل لمايرون من تكفيرهم و تضليلهم و تفسيقهم و تخطيتهم و تحذير الشيعة عن مجالستهم و محادثتهم و مباحثتهم و عن طريقتهم و مسائلهم حتي ان الشيعة كأنهم ما كانوا يجسرون علي السؤال عن تلك المسائل كما لميكونوا يجسرون علي سؤال ان لات اعظم او هبل فخلت اخبارهم عن هذه الاسؤلة بالكلية و لميبتديء احد من الائمة: من تلقاء نفسه في بيان مسألة من تلك المسائل مع انهم كانوا يبتدأون بكثير من المسائل فلميبتديء احد منهم بمسألة واحدة ابدا ابدا اللهم الا التحذير المطلق و لعن مذهبهم و طريقتهم و تكفيرهم و سبهم و قدحهم حتي لايدنوا منهم شيعي و من تكلف في بعض المسائل و استشهد بحديث ضعيف او صحيح ورد في مورد خاص لا في اصل القاعدة الكلية عرف انه تكلف محض و لايمكن الحكم الكلي من الحديث الوارد في المورد الجزئي البتة و ان تكلف و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 26 *»
اتي بحديث كلي عرف اصحاب الانصاف انه في المسائل الفقهية لا الاصولية و انما يتكلف و يستدل به في الاصول و كأن الائمة كتموا تلك المسائل كما كتموا العلوم التي لاصلاح للامة في اظهارها كالسحر و الكهانة و النجوم و الجفر و الرمل و امثالها فلعمري تحذيرهم عن هذا العلم اعظم من تحذيرهم الناس عن السحر و الكهانة و النجوم و من فحص عن الاخبار عرف بلاغبار ان تحذيرهم عن هذا العلم اضعاف اضعاف تحذيرهم عن الكهانة و اين الف حديث من حديثين او ثلث و كلما كفروا و لعنوا و قدحوا اصحاب الرأي و الهوي و الاجتهاد و المقائيس فالمراد هؤلاء العامة العمياء و الممنوع عنه الواجب الكتمان هي تلك المسائل بعينها المضبوطة في الكتب المنسوبة اليهم بحيث لاتنكر و لعمري من تدبر في سكوت الاصحاب و الائمة الاطياب عن هذه المسائل مع وقوع الخلاف في الامة و شيوعها بينهم و النهي المطلق هذا المقدار قضي العجب و لميشك انها محرمة علي هذه الفرقة حرمة الخمر و الميسر و لحم الخنزير كيف و لايبلغ ما ورد في تلك الاشياء من المنع مبلغ ما ورد من التحريم في هذه المسائل و لايشك انها بدعة لمتكن في عصر النبي و الائمة: بين الشيعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة فسبيلها الي النار و لعمري لا اظن احدا يشك في ما ذكرت فانها من بديهيات هذه الفرقة المحقة و ضروريات مذهبهم.
بقي شيء و هو انه قد يتكلف بعض المحدثين و يذكرون اخبارا يستنبط منها بتكلف او غير تكلف بعض تلك المسائل و قد فعلنا نحن ذلك في كتابنا فصل الخطاب و غيره و لميكن ذلك الا لاجل ان المسائل قد تكلم فيها بين الشيعة فاردنا ان نذكر لهم ما يمكن الاستدلال به لهم فيها و كل من نظر الي الاخبار عرف بلاغبار ان تلك الاخبار لمتصدر علي سبيل التحقيق لتلك المسائل و الا لمتكن بتلك الاجمال كما حققوا سلام الله عليهم ساير المسائل و بسطوا القول فيها فكان بعض ما ذكروا في مقام الاصول منها فطريات لاتحتاج الي بسط القول فيها و منها ابهامها خير من تفصيلها و منها بديهيات و مع ذلك لميكن جميعها بيد كل ذي اصل او فقيه بل كل حديثين او ثلثة او اقل او اكثر بيد واحد منهم فلو كانت من لوازم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 27 *»
الفقاهة لكان اللازم علي كل واحد ان يحصل جميعها و كل من راجع تلك الاصول المجموعة علم انهم لميكونوا يريدون القول فيه بل لعمر ابيك اني ما كنت احب جمعها فان جمعها و ضبطها يكون سبب التشنيع علي المذهب علي انها اذا وقعت بيد العامة العمياء الذين يظنون العلم و التحقيق في تلك المسائل و التدقيقات و التشقيقات التي لاتزيدهم الا بعدا عن الحق فان الساير علي غير الطريق لايزيده سرعة السير الا بعدا لعلهم يظنونها ناقصة عارية عن التحقيق خالية عن التشقيق فيشنعون علي اهل الحق بذلك حيث قد راقهم تلك المزخرفات و اعجبهم تلك الخزعبلات التي جملتها توهمات و نوع من الماليخوليا فيرون الاخبار خالية عنها فيظنون ان ذلك من عدم علمهم بهذه المسائل فلربما يقدحون به علي الشيعة في ادعائهم العلم و الحكمة و العصمة لهم فلاجل ذلك كنت اكره جمعها ولكن لاجل حدوث الكلام في الاصول بين الشيعة احببت ان اذكر بعض ما فاتهم من الاخبار في هذا المقام و لاجل ذلك ذكرت و من نظر عرف كراهة آل محمد: لهذا العلم و عنواناتهم فيه و مسائلهم حيث لميذكروا تلك المسائل علي نحو ما يذكرون و لميعنونوا علي نحو ما يعنونون و ان اصحابنا بعد سعي كثير و جهد جهيد جمعوا ما جمعوا و نحن صرنا اكثرهم جمعا و اوسعهم احاطة و اشدهم تتبعا و وقع بايدينا و الحمد لله رب العالمين شيء كثير و تنبهنا بكثير من الاشارات و جمعنا في كتابنا فصل الخطاب ما جمعنا و لايكفي لعشر عشير مسائل الاصول و منه يعلم ان تلك المسائل برمتها مما لايحتاج اليها بل لاينبغي التفوه بها بل يحرم مناولتها و مباحثتها فانها طرق ضلال و غواية و الا لكانوا سلام الله عليهم اولي الناس بشرحها و بيانها ولكن لماكان جميعها مسائل رأي و هوي نهوا عن جميعها فذلكة و حرموا استعمال الرأي جملة بالجملة كان ديدن الشيعة في جميع تلك الايام كذلك حتي وقعت الغيبة الكبري و فطموا عن ثدي استفادتهم و انقطعوا عن بلوغ مخاطبتهم و مشاهدتهم زعم بعضهم انه وقع عليهم ما وقع علي المسلمين حين وفات رسول الله9 فان الغايب الذي لايمكن سؤاله و التعلم منه و لايري و لايحكم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 28 *»
و لايرفع الخلاف كالميت في عدم امكان الاستفادة الظاهرية منه فكأنه توفي كما توفي رسول الله9 و لا خليفة له و بقي بعده الشيعة حياري فمشوا مدة علي ما كان في ايديهم ما كان غضا طريا و لميشب بشبهات العامة فلماكثر معاشرتهم و طعنوا عليهم بانكم صرتم مثلنا و قمتم مقامنا و جري عليكم ما جري علينا اشتبه عليهم فزعموا حينئذ مثل ما زعم العامة يومئذ فقالوا قد انسد علينا باب العلم و اضطررنا الي الظن و الناس حينئذ علي قسمين مجتهد و مقلد و علي المجتهد ان يفتي بظنه خاصا او مطلقا و علي المقلدين ان يقبلوا منهم من غير دليل و ليس علي المقلد طلب دليل و ان المتبع ظن المجتهد لا كتاب الله و سنة نبيه فان كتاب الله و سنة نبيه بانفسهما ليسا علتين لليقين و لا الظن و الا لاحدثا لكل احد و انما المتبع المطاع بعد الحجة المعصوم الظن الحاصل في نفس المجتهد غير المعصوم و انه يخطي و يصيب فان اخطأ فقد جاهد جهده و ليس عليه فوق طاقته فله اجر الاجتهاد و ان اصاب فله مع اجر الاجتهاد اجر الاصابة فخليفة الله اليوم ظن المجتهد فلاجل ذلك اذا مات المجتهد بطل ذلك الظن و لميبق شيء و الكتاب الباقي و السنة الباقية لايفيد ان ظنا قهرا و لو افادا ظنا للمقلد لاحجية في ظنه و ان افادا ظنا لمجتهد آخر صار ظنه هو حجة الله علي العباد و البلاد و وجب طاعته علي المقلدين من غير دليل و زعم بعضهم ان الحجة هو ظن المجتهد من حيث انه ظنه لا من حيث الكتاب و السنة فقال نحن نعمل بالاخبار لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن فلاجل ذلك كان المطاع الظن من اي شيء حصل الا ما اخرجه دليل قطعي و قال علي الظن بناء العالم و اساس عيش بني آدم و هو اليوم حجة الله علي العباد و خليفة رسول الله في البلاد و مع ذلك قالوا نحن نعمل بالظن بدليل قطعي و هو انا نقول قد انسد علينا باب العلم وجدانا و التكليف باق اجماعا و لايمكننا الا الظن وجدانا و لايكلف الله نفسا الا وسعها نصا و عقلا فالظن هو المكلف به اليوم قطعا و عليه العمل و هذا اسد ادلتهم و اقويها، و قال طائفة اخري انا نثبت علي ما كنا عليه فان غاب عنا ولينا هو اجل و اعظم من ان يهملنا سدي كما زعمت العامة ان نبيهم اهملهم سدي بل لما ذهب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 29 *»
نبينا9 ترك فينا الثقلين كتاب الله و العترة و كان سنته في صدور العترة سلام الله عليهم فكانوا فينا و يكونون و ليس يتفاوت عندنا ان يكون الامام ببغداد محبوسا لايري و لايوصل اليه و بين ان يكون غائبا و كما انا لميكن نحتاج ذلك اليوم الي الظنون الاجتهادية اجماعا و لميكن في الشيعة اجتهاد و تقليد لانحتاج اليوم الي الظنون الاجتهادية و لميتفاوت حالنا ابدا و كما كان يدبر الامام امورنا و يحفظنا و يحفظ ديننا ذلك اليوم كذلك اليوم و ليس يشترط في التدبير رؤية الرعية للامام بل رؤية الامام للرعية و هو حاصل اليوم فانه شاهد مطلع علينا مأمور بتعريف الحق و الهداية من عند الله و ليس امامنا باضعف من الشيطان فانا لانري الشيطان و هو يرانا و يضل من يضل نصا و عقلا و اجماعا فما بال الامام لايقدر علي الهداية و هو يرانا و ان لمنره و هو مجاهدته في الله ذات مشية الله و هو مظهر قدرة الله و عين الله الناظرة و يده الباسطة فكما لمنكن نحتاج ذلك اليوم و هو محبوس في السجن او في بلد لمنصل اليه كذلك اليوم هو بطيبة و شمراخ قد استتر من خوف الظالمين ولكن يدبر امرنا و يهدينا و يرشدنا و يعرفنا الحق و يدفع كيد الكائدين عن الدين و ان لمنره و قد استفاض بذلك الاخبار كما رويناه في فصل الخطاب و يأتي ان شاء الله في هذا الكتاب فهؤلاء بقوا و ثبتوا علي ما كانوا عليه و قالوا يغدو الناس بعد النبي9 بل في زمانه الي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فالعالم هو الحجة المعصوم و المتعلمون هم الشيعة و ساير الناس غثاء فنحن مقلدون لعالمنا و حجة الله علينا و اخبارهم هي فتاويهم و اكابر الشيعة و نقلة آثارهم وسائط بيننا و بينهم يأخذ خلفنا عن سلفنا و سلفنا عنهم فاي حكم صدر عنهم عموما او خصوصا فنحن نعلمه و نعمل به و اي حكم لميصدر عنهم عموما و لا خصوصا فنحن لانعلمه و نرد علمه اليهم و هذا هو الفرق بيننا و بينهم و ليس فينا مجتهد مطلق يعرف جميع الاحكام و لامجتهد متجز يحكم في بعض المسائل بالظنون و ان اختلف الحكم عنهم في الشيء الواحد فما لمنعلم صدوره منهم او علمنا و كان متشابها نتركه و نعمل بالمعلوم و ان كان الخبران معلومين صادرين عنهم و كانا مختلفين محكمين و كان احدهما خلاف الضرورة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 30 *»
في المذهب او خلاف كتاب مجمع علي تأويله او خلاف سنة جامعة غير متفرقة تركناه و اخذنا بالاخر و علمنا ان المخالف صدر منهم تقية و ان كانا غير مخالفين و كان آثار التقية في احدهما لايحة او مشتبهة تركنا ذلك و اخذنا بذلك الذي ليس فيه شبهة التقية و ان لميكن في احدهما شبهة تقية و كانا مأثورين معلومين وسعنا الاخذ بايهما شئنا رخصة منهم و نتوقف عن اصل الحكم حتي نتشرف باللقاء و السؤال و يأتي تفصيل القول في ذلك في بابه ان شاء الله بالجملة انتهي اصحابنا اليوم في دعواهم الي ثلث فرق فمنهم من قال انا نسلك طريق المجتهدين و العمل بالظن و التخمين و منهم من قال انا نسلك طريق المحدثين و العمل بآثار الائمة الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين و منهم من سلك مسلكا بين الفريقين و جمع بين القولين و حكم بين الطائفتين و اني اجد مسائل المحدثين متفرقة في المجتهدين فيقول بكل واحدة واحد منهم حتي ان من المجتهدين من يوجب العمل بالعلم و يخرج العمل بالظن من دين الله و يصحح الاخبار بالقرائن و مسائل المجتهدين متفرقة بين المحدثين فيعمل بكل واحدة واحد منهم الا نادرا حتي ان منهم من يعمل بالقياس الاستقرائي و الظنون الاجتهادية فليس ما يعم جميع المجتهدين او جميع المحدثين فلاتفرقة ان شاء الله بين القوم و انا نظرنا في الفريقين بقدر الوسع فما نتج عن العلم و اليقين اخذنا به و مانتج عن الظن و التخمين تركناه و المعصوم من عصمه الله و ما اشتبه علينا توقفنا فيه فلمنتعهد ان نعلم جميع احكام الله بقضها و قضيضها و لاندعي الاحاطة بكلها بل ما علمنا انه قولهم نقول به و ما لمنعلم نسكت عنه و ان قال الناس فيه و قالوا.
فصل: اعلم ان لموجودات هذا العالم عالم الاعراض مقامين مقام انفس الاشياء من حيث هي هي و مقام الاشياء من حيث الاعراض و هذان العالمان متفاوتان جدا في الصفات مثلا ان الملح في حد ذاته و في نفسه احمر قان ولكن من حيث الاعراض ابيض فقبل لحوق الاعراض يعمل ما يعمله الاحمر و يقتضيه دون الابيض و بعد لحوق الاعراض يعمل ما يعمله الابيض و يقتضيه دون الاحمر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 31 *»
فالعالم الحكيم الذي يعطي كل ذي حق حقه اذا رأي بعينك مرضا ينفعها الحمرة و يضرها البياض يمنعك في عالم الاعراض عن النظر الي الملح و يأمرك في عالم الحقايق بالنظر الي الملح فقد تخالف حكم العالمين بالبداهة و انقلب الامر و صار المحبوب مكروها و المكروه محبوبا و هذه الدار دار الاعراض و قد حدثت من يوم نزول آدم و قتل قابيل هابيل حيث قال آدم:
تغيرت البلاد و من عليها
و وجه الارض مغبر قبيح
و امتدت و تمتد الي يوم الوقت المعلوم و قتل ابليس و جنوده حيث يطهر العالم عن الاعراض و لايظلم شيء شيئا و لايستولي شيء علي شيء و لايقهر شيء شيئا و يجري كل شيء علي ما جعله الله عليه و علي ما هو عليه في اول ايجاده فلابد من ان يرفع حينئذ احكام عالم الاعراض و يوضع احكام عالم الحقايق و لايلزم من ذلك رفع احكام النبي9 اذا كان حكم العالمين من دينه فحلال محمد حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة الا تري انه مادام تقية كان من دينه ان تتوضأ كالعامة فاذا زالت حرم عليك ذلك الوضوء و وجب عليك الوضوء كما امر الله الا تري انه يجب عليك ان تجتنب عن الكلب مادام كلبا و اذا وقع في الملاحة و صار ملحا حل لك اكله لانه ملح و الحكمان معا من حلال محمد و حرام محمد9 فكذلك هو قد حكم علي كل شيء بشيء مادام علي تلك الصفة و علي تلك الهيأة فاذا تغير عماكان عليه ليس ذلك حكمه و انما حكمه ما يخصه ذلك اليوم و نحن قد اصطلحنا علي احكام عالم الحقايق الواقعية الاولية و علي احكام عالم الاعراض بالنفس الامرية الثانوية و لسنا نقول ان ما صدر عن النبي9 في عالم الاعراض يطابق الاحكام الواقعية الاولية بل لعله يطابق الحكم النفس الامري الثانوي ولكنه يودع الحكم الاولي وصيه بل يودع وصيه احكام الشيء الواحد عند تغير اعراضه فاي عرض زال ينفي الوصي عنه ذلك الحكم و اي عرض طرأ يظهر الوصي حكمه و ان زالت الاعراض بالكلية ينفي حكم الاعراض بالكلية و يظهر حكم الحقايق و لذلك امرونا بالاخذ بالاحدث اذا خالف الاحدث الاقدم و ذلك انه ليس الا لعرض زال او عرض قد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 32 *»
طرأ و الا لميكن يخالف حكم اولهم حكم آخرهم و هذا اصل سر النسخ و اختلاف الاخبار فان الاعراض لكل واحد منها اعمار فما انقضي اجله في زمان النبي9 رفع حكمه و وضع حكم العرض الطاري و كان نسخا و اذا لمينقض اجله مادام النبي9 في الدنيا و ينقضي في زمان علي7 فان لميغير علي7 حكمه يلزم ان لايكون احكام الله علي وفق الحكمة و الصواب و علي ما يقتضيه الاشياء فان ذلك الشيء قد كان ذلك حكمه مادام كان بتلك الصفة فاذا زالت تلك فلايجوز ان يكون ذلك حكمه و لابد للحكيم من تغيير حكمه الا تري ان الطبيب اذا عرف ان المناسب للمريض الحلاوة و حكم له بدبس فينبغي استعماله مادام دبسا حلوا فاذا تغير الدبس و حمض و صار خلا يمنعه منه و يقول انه ضار البتة فالحكيم الحاذق يغير الحكم بتغير الاعراض الا تري انه يدر بول المريض يوما و يعرقه يوما و ينضج اخلاطه يوما و يسهلها يوما علي حسب ما يقتضيه الاعراض و كذلك الشارع العليم الحكيم فانه قد جعل لكل شيء حكما لصلاح الانسان فمادام الشيء صالحاً له يأمر به و اذا صار مفسدا ينهي عنه البتة فانه مضر و لا ضرر في الدين فاذا كان العرض ينقضي اجله في زمان علي7 كان لابد في الحكمة ان يغيره علي7 و هكذا في زمان كل امام بعد امام الي زماننا هذا. و هذا احد وجوه الاحتياج الي الحجة في كل عصر لايقال انه قد قام الاجماع علي انه لانسخ بعد النبي9 لان الوحي قد انقطع و شرعه باق الي يوم القيمة فانا نقول ذلك الاجماع حق لاريب فيه و لانسخ بعد النبي9 ولكن لسنا نقول كالعامة العمياء ان النبي اظهر لامته جميع ما بعث به و لميكتم شيئا منهم فانه جار علي اصولهم لا اصولنا و نحن نقول انه قال ان الحلال و الحرام اكثر من ان ابينها لكم ولكني اودعه عليا7 فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و لو كان اظهر جميع دينه لنا و كان بايدينا لمنحتج الي خليفة بعده ولكن نقول انه اظهر لنا ما آن اوانه و كنا نتحمله و ما لميحن حينه او ما كنا نتحمله اودعه خليفته و اعطاه صحيفة فيها جميع ما ينبغي ان يظهر في عصره فما يظهره علي7 او غيره من خلفائه فهو مما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 33 *»
نزل علي النبي9 في زمان نزول الوحي غاية الامر انه لميحن حين ابرازه و قد حان في زمان خلفائه فلانسخ بعده فبذلك اختلفت الاخبار عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم و لذا قد ورد في صاحب العصر عجل الله فرجه انه يأتي بشرع جديد و كتاب جديد هو علي العرب شديد و لاشك انه لايأتي بغير الاسلام و بغير القرآن الا انه يظهر في ذلك اليوم من دين الله ما يناسب زمانه المتسمع انه يكلفهم بشيء يكفر القوم و يقولون لست بصاحبنا ثم يطوفون العالم و يرون انه لاسواه فيضطرون الي الاقرار فيأتون و يقرون و يقبلون و ما كتمه آل محمد: من علومهم عن هذا الخلق المنكوس غير منكور و لذلك قال علي7 بل اندمجت بمكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الارشية في الطوي البعيدة و روي عن السجاد7
و رب جوهر علم لو ابوح به
لقيل لي انت ممن يعبد الوثنا
الي ان قال:
لقد تقدم في هذا ابوحسن
الي الحسين و وصي قبله الحسنا
بالجملة هذا ليس بنسخ شرع محمد9 و حلاله و حرامه و انما هو من شرعه و حلاله و حرامه و لاجل ذلك يجب ان يكون في كل عصر امام شاهد مطلع ناظر يعرف انقلاب الاكوان و احكامها فاذا زال شيء عن حاله يظهر حكمه في العالم و يحمل الرعية عليه و بذلك انقلبت المشهورات و اختلفت الاجماعات و اختلف متأخروا هذه الفرقة (و ظ) متقدموها نوعا في كثير من احكام الحادثات و لايسأل انه كيف يغير و لايري فان التغيير ليس شرطه رؤية الناس للمغير و انما شرطه رؤية المغير للناس الا تري ان الله يغير ما بكل قوم و لايري و ان ابليس يضل الامم و يشيع انواع الفواحش في كل عصر بعد كل عصر و لا يري فهو يفعل ما يريد و يحكم ما يشاء و هو العليم الخبير بحكم الله القدير فاذا عرفت ذلك فاعلم انه ليس علي العباد ان يبحثوا عن الاحكام الاولية الواقعية في هذه الايام بوجه من الوجوه و ليس تكليفهم ذلك بل لو عرفوه لايجوز لهم العمل به كما ان المريض لو علم حكم الصحيح انه يجب عليه الصوم لايجوز
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 34 *»
له ان يصوم لما به من عرض المرض و المتقي اذا علم حكم غير المتقي لايجوز له ان يعمل بعمل غير المتقي و هو في حال التقية و كذلك احكام هذه الاعصار تابعة لاعراضها و لله سبحانه لكل عرض حكم و عند طروء عرض حكم يتغير بتغيره و جميع ما يقوله الاصوليون من الحوادث في الدين و الاحتمالات التي يقولون بها علي فرض وقوع كلها لله عزوجل حكم قطعي بعد ذلك العرض فحكم الله القطعي النفس الامري دائما فوق الاعراض ليس يخفي و مثل حكم الله و الاعراض فخت القمر و الطين فان الفخت واقع علي الارض فاذا طليت طينا علي الفخت يقع الفخت علي الطين و اذا وضعت عليه طينا ثانيا صعد الفخت عليه و نزل الطين و هكذا و كذلك نقول نحن ان الحكم الصادر عن الحجة7 يجب ان يؤخذ به فان قلت يحتمل فيه التقية قلت خذ بقولهم و حكمهم القطعي علي الخبر المحتمل للتقية فان قلت يحتمل التحريف قلت خذ بقولهم و حكمهم القطعي علي الخبر المحتمل للتحريف فان قلت يحتمل الكذب قلت خذ بحكمهم القطعي علي الخبر المحتمل للكذب فاي عرض جوزته و احتمل فلله تعالي حكم قطعي عليه يجب الاخذ بذلك الحكم و قولك انسد باب العلم ان صدق انسد عما اردت من الحكم الواقعي الذي لمتؤمر بطلبه و لمينسد باب العلم بالتكليف بعد انسداد باب العلم بالحكم الواقعي فنحن دائما نعمل بالعلم و لايغلب الله احد في حكمه و لايعجز الله عن ايصال حكم علمي الي العباد مع كل عرض و مرض و ايصال الحكم العلمي اولي و الحجة به اتم و لايترك الله الاولي فله حكم علمي مع كل عرض و يجب الاخذ به مثال ذلك انه يجب عليك ان تصلي الظهر في الحضر اربع ركعات و هو حكم الله العلمي القطعي فان عرضك غفلة و شككت في الثلث و الاربع و ظننت الثلث كان حكم الله العلمي عليك ان تبني علي الثلث و ان عرضك غفلة عن الظن و شككت كان حكم الله العلمي القطعي ان تبني علي الثلث اخذا باليقين و تسجد سجدة السهو او علي الاربع و تصلي ركعة احتياطا و هكذا كلما عرضك عارض فلله حكم علمي عليك فوق العارض فهب اني اسلم عروض جميع ما ذكرت من
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 35 *»
الاحتمالات في الاخبار الصادرة فلله حكم علمي قطعي لمن كان مبتلي بتلك البلايا فلايضر الاعراض حكم الله عزوجل و هو كالفخت قائم فوق كل طين طليت به عليه لايخفي و لايستتر فافهم ان كنت تفهم و لاتعدل عن العلم و لست تحتاج الي العمل بالظن و ان قلت انا نقول علي قولك قد عرض اعراض حجب العلم الواقعي عنا فالحكم العلمي العمل بالظن و الاكتفاء به قلت نعم انا لانمنع من ذلك لو كان لك دليل قطعي ولكن خصمكم يقول فأتونا بآية من كتاب الله او رواية و لو ضعيفة او دليل عقل يعرف العقول عدله او اجماع علي جواز العمل بالظن حتي نطيعكم فيه و ان خصمكم يأتي بسبعين آية و اخبار متواترة و ادلة عقلية و اجماع علي انه لايجوز العمل بالظن في دين الله كما يأتي ان شاء الله في الابواب الاتية فترقب و يقول ان هذا القول من طريقة العامة العمياء الذين يكون الرشد في خلافهم قطعا فلايجوز سلوك مسلكهم قطعا لاسيما مع معارضة الكتاب و السنة و دليل العقل و الاجماع القطعي الذي لاريب فيه بقي شيء يجب ذكره و هو ان بعض المبتدئين من تلامذة مشايخنا ربما رأوا في كتبهم انهم يقولون ان الدنيا بعد ما دارت كراتها علي المحور و حصلت الافاق المايلة و اختلط النور بالظلام و العلم بالجهل و الحق بالباطل و اخذ من كل ضغث و اتيا جميعا و قام بازاء كل حق داع الي باطل و بازاء كل دليل حق احتمال باطل ذهب العلم الخالص عن العالم و جاء الظن و ليس يحصل العلم بالواقع الا للامام المعصوم و اما حظ غيرهم فظن في الرسوم فاشتبه الامر عليهم و زعموا ان المشايخ يجوزون العمل بالظن و لايحسنون و هم عن لحن المشايخ غافلون و انما مراد المشايخ اختلاط النور بالظلام في عالم الاعراض و حجب عالم الحقايق و ليس يحصل العلم بتلك الاحكام الاولية الا للامام7 المعصوم و اما غير المعصوم من المشوبين بالاعراض فهم في عالم الاعراض و لايحصل لهم العلم بتلك الاحكام الواقعية فان يظنون الا ظنا و لذلك يختلفون في الفروع و اما تكليف عالم الاعراض فليس يخفي عليهم و هم به عالمون و عن اليقين صادرون و لهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 36 *»
دليل قطعي بكل ما به يحكمون و هم به مكلفون و ليس غيره يطلبون و هم بالعمل بالعلم معروفون ولكن اكثر الناس لايفهمون
قد يطرب القمري اسماعنا
و نحن لانعرف الحانه
و لعلنا نذكر في الابواب بعض كلمات المشايخ ايضا ان شاء الله.
تنبيه: اعلم ان اصحابنا رضوان الله عليهم آلوا الي فرقتين في العمل بالظن فمنهم من جوز العمل بالظن الحاصل من الكتاب و السنة و ما يؤل اليهما و منهم من جوز العمل بالظن مطلقا فحكم في نفس احكام الله بالقواعد الموضوعة بالعقل و بعلم الكلام كاجتماع الامر و النهي و ان الامر بالشيء ينهي عن ضده الخاص ام لا؟ و ان امر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط جايز ام لا؟ و امثال ذلك مما ملأوا به الكتب و لميذكروا لواحدة منها كتابا و لا سنة و لميستندوا الي ركن وثيق و انما تكلم فيها العامة و اتبعوهم غفلة منهم و ان جل كلامنا مع هؤلاء و ان كان بعض كلامنا مع الاولين و ان باب العلم بالكتاب و السنة غير مسدود و يمكن تحصيل العلم منهما اذ هم مع ما هم فيه آئلون الي الكتاب و السنة عاملون بمفادهما كائنا ما كان و ان عمل هؤلاء ايضا ببعض الظنون فيما يتعلق بهما و ليس منهما لارتباطه بهما فلاتغفل.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 37 *»
الباب الاول
في الكلام علي العمل بالظن و ما يتعلق به و فيه فصول:
فصل: في ذكر بعض الايات الصريحة الناصة علي وجوب العمل بالعلم و حرمة العمل بالظن قال الله عزوجل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ام تقولون علي الله ما لاتعلمون و قال ها انتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلمتحاجون في ما ليس لكم به علم و قال قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم و حرموا ما رزقهم الله افتراء علي الله قد ضلوا و ما كانوا مهتدين و قال و اذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله امرنا بها قل ان الله لايأمر بالفحشاء اتقولون علي الله ما لاتعلمون و قال قبل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق و ان تقولوا علي الله ما لاتعلمون و قال الميؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا علي الله الا الحق و قال ان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم و قال ثمانية ازواج من الضأن اثنين الي ان قال نبئوني بعلم ان كنتم صادقين و قال و من الابل اثنين الي ان قال ام كنتم شهداء اذ وصيكم الله بهذا فمن اظلم ممن افتري علي الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لايهدي القوم الظالمين و قال سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا و لا آباؤنا و لا حرمنا من دونه من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و قال الاعراب اشد كفرا و نفاقا و اجدر ان لايعلموا حدود ما انزل الله و قال اتقولون علي الله ما لاتعلمون و قال ان الذين يفترون علي الله الكذب لايفلحون و قال ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيمة و من اوزار الذين يضلونهم بغير علم و قال فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و قال و لاتقف ما ليس لك به علم و قال و تقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم و تحسبونه هينا و هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 38 *»
عند الله عظيم و قال بل اتبع الذين ظلموا اهواءهم بغير علم فمن يهدي من اضل الله و قال كذلك يطبع الله علي قلوب الذين لايعلمون و قال و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم و قال هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوا الالباب و قال و لاتتبع اهواء الذين لايعلمون و قال ما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا الي غير ذلك من الايات و قد جمع بعض اصحابنا سبعين آية و ان آية من كتاب الله كافية في اثبات المدعي و يكفيك قوله ان الظن لايغني من الحق شيئا و قوله و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا و العجب من قوم خصصوها بالعقايد من غير دليل مع ان بعضها نص في الفروع و التخصيص من غير برهان قاطع يعادل المطلق العام غير جايز و قوم ابطلوها رأسا و جوزوا العمل بالظن و التقليد للفقهاء في اصول الدين عند اعتياز العلم و من جوزه في الفروع فله التجويز في الاصول ايضا اذ لافرق بينهما و الادلة العقلية علي زعمهم لاتخصص و قال بعضهم انها ناصة في الفروع ايضا و لانمنع حرمة العمل بالظن في الاصول و الفروع ولكن ما من شيء حرمه الله الا و قد احله لمن اضطر اليه و قال تعالي فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا اثم عليه فعملنا من باب الاضطرار و نحن نمنع من الاضطرار و انما المحجوب عنا الحكم الواقعي الاولي و ليس بمحجوب عنا الحكم النفس الامري كما يأتي ان شاء الله هذا و لنا في الفقاهة مشعر و عرفان لحن يعرفه كل ذي ذوق محدث فقيه و هو انه غير معتاد في التشريع ان يحرم الحكيم شيئا في سبعين آية و في اخبار متواتره و هو يعلم ان الناس من يومه بل من يوم انتشار ولد آدم7 في الارض الي يوم خروج القائم7 مضطرون الي تناوله لايسعهم غير ذلك و لايخبر به ابدا و لايكثر فيه القول و لايكثر فيه السؤال مع ان جميع من بعد عن شقتهم في زمانهم بل من بعد عن حضورهم كانوا محتاجين الي هذه المسألة و خلو الاخبار جميعا قاطبة عن الرخصة في العمل بالظن و الاكتفاء بعموم اية
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 39 *»
الاضطرار او حديث واحد بعيد عن علم التأديب و السياسة مع شدة مس الحاجة الي ذلك و حاجة كل الرعية اليه و التحليل من اول يوم كان احق من التحريم لعموم البلوي و شدة الحاجة الي ذلك و لميعهد من الشارع ان يحرم شرب الماء مثلا علي امته بتأكيد و تهديد و تشديد و وعيد و هو يعلم ان امته من يومه الي يوم القيمة يحتاجون الي شربه و يضطرون الي شربه ثم لايرخص في ذلك و لايتكلم فيه الا في ضمن اطلاق حديث واحد صادر في الاضطرار حاشا الحكيم من ذلك و لميعهد في شرعه و حكمته شيء كذلك فلايجوز الاستدلال بقوله ما من شيء حرمه الله الا و قد احله لمن اضطر اليه ابدا ابدا و هذا باب فهم الفقهاء و من هذا الباب حكمهم بطهارة اطراف البئر المنزوح و الرشاء و الدلو و النازحين مع نضح الماء النجس عليها و اصابته مثلا لان جميع اخبار النزح خال عن تطهيرها و لميكتفوا بعموم تطهير المتنجسات و كذلك هيهنا لايمكن اصدار اخبار متواترة و آيات متكاثرة في تحريم شيء مع ان جميع الامة في جميع الاوقات بل من لدن آدم الي الخاتم مضطرون الي تركه و لميتعرضوا بوجه الي اضطرار الناس و الرخصة فيه فالقول بان العمل بالظن من باب اكل الميتة مرغوب عنه لاسيما اذا بينا عدم الاضطرار و كون الامة في رحب و سعة و الحمد لله و علينا ان نثبت ذلك فترقب.
فصل: في ذكر شطر من الاخبار فعن ابيعبيدة قال ابوجعفر7 من افتي الناس بغير علم و لا هدي من الله لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه و عن مفضل بن يزيد قال ابوعبدالله7 انهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال انهاك ان تدين الله بالباطل و تفتي الناس بما لاتعلم و عنه7 القضاة اربعة ثلثة في النار و واحد في الجنة رجل قضي بجور و هو يعلم فهو في النار و رجل قضي بجور و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بحق و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو يعلم فهو في الجنة و عن زرارة قال
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 40 *»
سألت اباجعفر7 ما حق الله علي العباد؟ قال ان يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لايعلمون و عن ابن فضال عمن رواه عن ابيعبدالله7 قال قال رسول الله9 من عمل علي غير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح و قال ابوعبدالله في حديث لايسعكم في ما ينزل بكم مما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت و الرد الي ائمة الهدي حتي يحملوكم فيه علي القصد و يجلوا عنكم فيه العمي و يعرفوكم فيه الحق قال الله تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و عن ابيالحسن موسي7 اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و ان جاءكم ما لاتعلمون فها و اهوي بيده الي فيه و قال ابوعبدالله7 قال ابوجعفر7 من افتي الناس برأيه فقد دان بما لايعلم و من دان الله بما لايعلم فقد ضاد الله حيث احل و حرم فيما لايعلم و قال ابوعبدالله7 من شك او ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و قال اميرالمؤمنين7 من عمي نسي الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه الي ان قال و من نجا من ذلك فمن فضل اليقين و عن الرضا عن آبائه عن اميرالمؤمنين: قال قال رسول الله9 من افتي الناس بغير علم لعنته ملائكة السموات و الارض و قال قال رسول الله9 اتقوا تكذيب الله قيل يا رسول الله و كيف ذاك؟ قال يقول احدكم قال الله فيقول الله عزوجل كذبت لماقله و يقول لميقل الله فيقول عزوجل كذبت قد قلته و قال ابوجعفر7 ما علمتم فقولوا و ما لمتعلموا فقولوا الله اعلم ان الرجل لينتزع الاية من القرآن يخر فيها ابعد من السماء و قال ابوعبدالله7 اذا سئلت عما لاتعلم فقل لاادري فان لاادري خير من الفتياء و قال ابوجعفر7 لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا و لميجحدوا لميكفروا و قال النبي9 اذا تطيرت فامض و اذا ظننت فلاتقض و عن الصادق7 اياكم و الظن فان الظن اكذب الكذب و عن الصادق7 في حديث سؤال ابن شبرمة اما ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 41 *»
صنع النبي9 فقد اخبرتك و اما ما لميصنع فلاعلم لي به و عن ابيجعفر7 في وصيته لاصحابه قال اذا اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده و ردوه الينا حتي نشرح لكم ما شرح لنا الي غير ذلك من الاخبار التي هي ازيد من حد الاحصاء و قد قال السيد عبدالله رحمه الله و الذي وقفت عليه من الايات القرآنية و الاخبار المعصومية الواردة في هذا المقام الدالة علي المطلب بالمطابقة او التضمن او الالتزام ما يزيد علي مأة آية و يقرب من خمسمأة حديث انتهي و عن غيره من المحدثين ان التعبد بالظن و التعويل علي الاجتهاد الظني يخالف الفا و مأتين و ستة و عشرين حديثا من اهل بيت العصمة: انتهي و انت لو تدبرت لمتجد محرما من المحرمات في الشريعة يكثر فيه الاخبار هذا المقدار و اصر فيه آل محمد: هذا الاصرار و من كثرة قولهم و نهيهم في ذلك ما كان يجسر احد من اصحابنا ان يسألهم عن شيء من المسائل الاصولية ابدا ابدا كما لميكن يجسر احد ان يسألهم عن صنعة الخمر و طبخ لحم الخنزير و الا فكان يمتنع عادة ان يعاشر الشيعة العامة مأتي سنة و هم يتكلمون و يباحثون و يجادلون في علم الاصول حتي ملأوا الكتب و المدارس و المحافل و المجالس ثم لميتنبه احد من الشيعة ان يسأل الامام الذي اليه مردهم في حلال الله و حرامه حتي مسائل الاستنجاء و المجامعة عن مسألة واحدة من تلك المسائل فلميسأله احد طول هذه المدة هل الامر للوجوب او غيره ام للفور او غيره ام للمرة او التكرار؟ ام الامر بالشيء ينهي عن ضده الخاص او العام ام يجوز امر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط او لا؟ ام مقدمة الواجب واجبة او لا؟ ام المجاز اولي او الاضمار؟ و ما كيفية تعارض الاحوال و اذا انسد باب العلم هل يجوز العمل بالظن ام لا؟ و هكذا و ان قلت هم لميحتاجوا او لميتنبهوا اقول آل محمد: الذين كانوا ابر بالرعية من الوالد الشفيق و هم عالمون بما سيحدث لم لميبتدأوا من تلقاء انفسهم اكان واجبا فتركوا الواجب؟ ام كان اولي فتركوا الاولي؟ ام كان الاولي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 42 *»
تركه فالمتكلمون فيه متكلفون اكان الطريق الاقرب الي الله ما اختار الحجج من السكوت عن هذه المسائل ام ما اختاره المتكلمون؟ و اكانوا شركاء لآل محمد: بل الشركاء الاقوون فلهم ان يبينوا الاصول الكلية التي يتفرع عليها الي يوم القيمة و لآل محمد: بيان مسائل جزئية شخصية خاصة معدودة ما لكم كيف تحكمون ام لكم كتاب فيه تدرسون ان لكم فيه لما تخيرون و لعمري تالله ان سكوت آل محمد: عن هذه المسائل كلا طرا طول هذه المدة المديدة لاعظم دليل علي عدم جواز التكلم في هذه المسائل بعد ورود اسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله و لا فائدة في هذا الكلام الا القاء الوسوسة في قلوب الناس و صرفهم عن الفطرة و تذكيرهم بالشبهات حتي لايستقروا علي شيء ابدا بالجملة هذه الاخبار ناصة علي عدم جواز القول بغير علم و العلم ما صدر منهم لا غير و هذا اصطلاح منهم سلام الله عليهم ان العلم ما صدر منهم و خرج من دارهم حسب و كل ما لميصدر منهم ظن و خرص و تخمين و خبط عشواء و وهم و لذا املي ابوعبدالله7 علي رجل انه لايسعكم فيما نزل بكم مما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت فيه و الرد الي ائمة الهدي حتي يحملوكم فيه علي القصد و قال ابوجعفر7 في حديث فليذهب الحكم يمينا و شمالا فوالله لايؤخذ العلم الا من اهل بيت نزل عليهم جبرئيل و قال في حديث فليذهب الحسن يمينا و شمالا فوالله لايوجد العلم الا هيهنا و قال لسلمة بن كهيل و الحكم بن عتيبة شرقا و غربا لنتجدا علما صحيحا الا شيئا يخرج من عندنا اهل البيت و قال اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لمتسمعوه منا و في ذلك اخبار لاتحصي فلاعلم الا لهم و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و لا عالم الا من اخذ منهم و ان سموا انفسهم بالعلماء و ان هم الا خارصون ظانون اهل شك و شبهة و لذا قالوا سلام الله عليهم نحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و وجب اخذ الجهال عن العلماء قال الله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 43 *»
تعالي فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون قال ابوالحسن7 لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقد و لا علم الا من عالم رباني و قال ابوجعفر7 في حديث في الامامة اما لو ان رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لميعرف ولاية ولي الله فيواليه و يكون جميع اعماله بدلالته اليه ما كان له علي الله حق في ثوابه و لا كان من اهل الايمان الي غير ذلك من الاخبار التي لاتحصي و قد ذكرنا كثيرا منها في كتابنا فصل الخطاب و ساير كتبنا الاصولية.
فصل: في الادلة العقلية الدالة علي وجوب الاخذ بالعلم اي ما صدر منهم و عدم جواز الاستبداد بالرأي و الهوي و الظنون اعلم ان الافهام تختلف علي حسب اختلاف الصور فلاتجد فهمين متفقين من كل جهة و جميع افهام الرعية جزئية و الجزئي لايحيط بالجزئيات من جميع جهاتها حاشا العقل الكلي الذي هو عقل الامام المعصوم7 فانه كلي محيط بالاشياء من جميع جهاتها عالم بالشيء قبل كونه و اما ساير العقول فجزئية اذا علم شيئا غاب عنه اشياء و اذا توجه الي حيث من شيء غابت عنه ساير الحيوث فكل عقل يتوجه الي الشيء الواحد من حيث و يراه بحيث لايراه غيره فكل عقل ينظر الي الشيء و يستدل عليه و له و به و العقل الاخر اذا نظر اليه رأي منه غير ما رآه العقل الاول و استدل عليه و له و به علي غير ما فعله العقل الاخر فلاجل ذلك لاعبرة عندي باستدلالات الناس في الامور الجزئية ابدا ابدا و لذلك تري كل احد يستدل علي شيء بدليل تام عنده يصح السكوت عليه عنده لايحتمل النقض عنده و تري غيره يفسد دليله من جهات شتي و يظهر خطاءه و لايغرنك قول كل واحد اني انهي دليلي الي البديهيات فان الحق واحد و سبيله واحد فلو كان دليل كل واحد ينتهي الي البديهيات لماوقع الاختلاف في النتيجة و انت ايضا رجل من القوم و عقلك من سنخ عقولهم و نظرك نحو نظرهم و ليس بحتم اصابتك و خطاؤهم و محال ان يقطع كل واحد باصابته مع هذا الاختلاف العظيم و اختلاف
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 44 *»
انظار الانسان الواحد في ترقياته حيث يبطل اليوم ما اثبته امس و لايمكن التناقض في يقين و يقين في شيء واحد ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و علي فرض انهاء كل واحد دليله الي البديهي كل واحد ناظر اليه من حيث و ان صدق يصدق في حيث نظره و لذلك كثر التخليط و اللبس بينهم و بذلك وقع الاختلاف بين العلماء في الاستدلال و الرد و البحث و النقض و الحل و القال و القيل و ذلك ان العقول جزئية ان علمت شيئا غابت عنها اشياء و ان توجهت الي جهة خفيت عنها جهات و لذا ربما تري الرجل يزعم انه اتقن مسألة بحيث لايحتمل الرد و النقض و تري غيره يراه اوهن من بيت العنكبوت و لاجل ذلك لايجوز للرعية ان يستبدوا بعقولهم و آرائهم و يجعلوا عقولهم ائمتهم و لايسعهم فيما ينزل بهم الا الكف عنه و التثبت و الرد الي ائمة الهدي: كما روي هذا و ان المسائل و ان كان يترأي من بعضها انه كلي ولكنه كلي من جهة و جزئي من جهة ما في عرضه بل جميع المسائل الاصولية و ان كان يترأي منها انها كلية لكنها كلية بالنسبة الي افراد خاصة و هي جزئية من جزئيات العالم و العلوم و لاجل ذلك يخطي العقول في الاستدلال عليها فلذلك تري كل اصولي يزعم انه قد اتقن المسائل بالادلة العقلية و انهاه الي البديهيات و تري اصوليا آخر يأتي و يفرق سداه من لحمته و يجعله كالعهن المنفوش و يورد علي كل مسألة من مسائله نقضا كثيرا و يبطلها رأسا لايقال علي كل واحد مؤدي عقله و نظره و تكليف كل احد ما فهمه فانا نقول ان تكليف الكل ان لاينظروا في الجزئيات ابدا ابدا و يردوا الامر الي حجج الله سلام الله عليهم الذين يجب الرد اليهم في القل و الجل نعم بعد ما اوجب العقل ذلك لابد من استعمال العقل لفهم كلامهم و هذا الاستعمال استعمال عام شايع قل ما يخطي كما اذا اصغي الف نفس الي كلام سلطان قل اختلافهم في مراد السلطان و ان اخطأ واحد رجع عن خطائه و تنبه عن قليل و ان كان كلام السلطان يصل اليهم بواسطة الرواة و ثبت عند واحد و لميثبت عند الاخر فلا اختلاف فلايعيب احدهما علي الاخر و كل احد يصدق اخاه و يقول انك قد عملت بتكليفك كما اذا نظر رجلان الي الصبح و يقول احدهما هو الصبح و يقول الاخر لا اري فيأكل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 45 *»
الذي لا يري و يصوم الذي يري و لا خلاف بينهما لان كل واحد منهما اذا قام مقام الاخر عمل عمل الاخر البتة فلو كان اختلاف الفقهاء في ثبوت الحديث و فهم معناه لقل اختلافهم في غاية القلة و لرجع المخطي منهم عن قليل الي الحق ولكن اذا كان الاختلاف من مؤدي الانظار و الافكار تريهم يتفرقون تحت كل كوكب و بلغ اختلافهم في المسألة الواحدة الي عشرين قولا او اكثر و لايحتمل ذلك اذا حصروا انظارهم في ثبوت الحديث و فهم معناه ابدا ابدا و قد آل الحال بينهم ان صار اختلافهم اكثر من اختلاف المتكلمين المستبدين بعقولهم و هم شرار من هم منهم فلاجل ذلك الادلة التي زعموها عقلية و اتكلوا عليها و جعلوها عمدة و اساسا للدين و يبتدئون بها في كل مورد ثم يذكرون الايات و الاخبار تأييدا هي عندي اوهن من بيت العنكبوت مع انه من اوهن البيوت و ان هي عندي الا كحشيش تذروه الرياح اللهم الا ان يثبت امر بالكتاب و السنة ثم اراد الانسان ان يذكر له وجها عقليا فلابأس به و ان كان يحتمل في نفس دليله خطاء كثير فانه قد يمكن ان يستدل الانسان علي مطلب حق بادلة واهية غير دالة و باطلة غاية الامر ان استدلاله غير ضائر باصل المطلب و المعول علي الكتاب و السنة اللهم الا ان يكون دليل مؤلف من البديهيات مركب من اليقينات الموزونة بالكتاب و السنة فذلك شيء لايحتمل الانكار و لايجوز رده ابدا و ان قيل انك مع انكارك علي اهل الاستدلال قمت مستدلا علي بطلان الاستدلال قلت اذا كان العقل مؤيدا بالكتاب و السنة و كان شيء مؤداهما قطعا و استدل انسان علي مؤداهما لاسيما بالبديهيات فلايضر و لايجوز رد دليله و وجب قبوله منه و هذا الذي ذكرنا هنا من الدليل جميعه مضامين اخبار و شرحها الفناها و ذكرناها علي لسان اهل الزمان فليس دليلنا هذا من جنس ادلتهم بالجملة بعد ما ثبت بالكتاب و السنة انه لايجوز العمل بغير علم و العلم ما صدر منهم و لايجوز الاستبداد بالعقول الناقصة و الاراء الباطلة و الاهواء الواهية احببنا ان نأتي بادلة ظاهرة باهرة موافقة للكتاب و السنة و ما كان كذلك ينبغي ان يتبع فنقول ان الادلة علي ذلك كثيرة جدا.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 46 *»
منها ان الله سبحانه خلق خلقه لعبادته و عبادته خدمته بامتثال اوامره و اجتناب نواهيه و لميأمر خلقه الا بما رضي لهم و فيه صلاحهم و لمينه خلقه الا عما سخط لهم و فيه فسادهم و لايطلع علي ما في نفسه سبحانه احد فلايعلم احد رضاءه من سخطه الا ان يوحي اليه و يعلمه و يخبره بما في نفسه من الرضاء و الغضب و طريق العلم بما في نفس الله منحصر في اعلام الله و قد علمه نبيه و اودعه نبيه في اوصيائه لميشركهم في امرهم احد و الاوصياء قد بلغوا الي الرعية بالنطق و السمع فطريق العلم برضاء الله و سخطه منحصر في النطق و السمع و لايمكن الاطلاع عليه بالظنون الواهية و الاراء الكاسدة و لايخلو من ان تقول ان الاراء و الظنون مصيبة ما في نفس الله سبحانه بتة ام لا؟ و لا اظنك تدعي ما لميدعه احد فهي مخطئة و ان جوزنا مطاعية الظنون المخطية قطعا لميكن دليل لنا علي وجوب عصمة الانبياء و المعصومين: و جاز نبوة كل غير معصوم و امامة كل غير معصوم و قد اجمعت العصابة الحقة علي وجوب عصمتهم و عصمة حجة الله علي خلقه فكيف يجوز ان يحتج الله علي خلقه بظن غير معصوم و لايحتج بظن المعصوم بل بعلمه و منها انه لو جاز اتباع الظنون بعد ورود الشرع لسد باب العلم لجاز اتباعها قبل ورود الشرع فان باب العلم برضاء الله و سخطه قبل الشرع ايضا مسدود فان جاز ان يحتج الله بظنون غير معصومين علي خلقه بعد بعث النبي كان جواز الاحتجاج به قبل البعث اولي و في ذلك ابطال لزوم بعث الرسل و انزال الكتب و منها انه لو جاز ان يحتج الله بظنون غير المعصومين علي خلقه و يقوم بها حجته و عدله و وعده و وعيده لكان قول العامة في عدم الحاجة الي خليفة معصوم متجها و لميبق دليل علي وجوب عصمة الامام و بطلان خلافة غير المعصومين و منها انا نقول هل ظن المجتهد حجة الله علي خلقه في اداء دينه اوليس بحجة لله علي خلقه فان لميكن حجة الله علي خلقه فليس علي خلقه اتباعه و ان كان حجة الله علي خلقه فما برهانه؟ و لميرض الله جل و عز ان يبعث المعصومين
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 47 *»
بغير برهان فكيف احتج بغير معصوم بغير برهان و جعل برهان المعصومين المعجزة فان النبوة و الامامة ليس لهما علامة في ظاهر الخلقة تعرفان بها و تحتاجان الي برهان من الله يشهد بحقيتهما فكيف رضي الله ان يكون ظن غير المعصوم حجة له بغير برهان معجز و لا حجة من الكتاب و السنة بل مأة آية في الرد عليه و زهاء الف حديث و هل كان الله و رسوله يزيدان علي ذلك اذا ارادا ابطال دعوي ابيبكر و عمر في ادعائهما الخلافة و منها ان النبي و الائمة: مع اعتدال مزاجهم و صحة انظارهم و قوة حدسهم لايجوز لهم ان يحكموا في دين الله بآرائهم و اهوائهم و ظنونهم و لميعولوا علي ظنونهم و قد قال رسول الله9 ما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتي ظننت انه سيورثه و مازال يوصيني بالمملوك حتي ظننت انه سيضرب له اجلا يعتق فيه و قال مازال جبرئيل يوصيني بالسواك حتي ظننت انه سيجعله فريضة انتهي و تراه لميحكم بظنونه و لميشرع بظنه الحاصل من الوحي فكيف يجوز لغيرهم مع انحراف مزاجهم و اختلال انظارهم و ضعف حدسهم ان يحكموا في دين الله بظنونهم و منها ان الساير علي اليقين يتقرب الي الله عزوجل مستمرا في تقربه و ان الشاك يقدم رجلا و يؤخر اخري فكأنه واقف في موقفه و ان الظان ان اصاب خاف ان يكون قد اخطأ و ان اخطأ رجا ان يكون قد اصاب فهو ان مشي خطوتين امامه رجع خطوة وراءه فلايكون متقربا دائما و لايمكنه قصد التقرب الي الله عزوجل دائما فانه يخاف في كل قدم ان يكون مستدبرا فلايجزم علي التقرب الي الله عزوجل البتة فلايتحقق بهما التقرب و لذا قال الصادق7 من شك او ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و قال الله عزوجل ان الظن لايغني من الحق شيئا و النكرة الواقعة في سياق النفي يفيد العموم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 48 *»
و منها ان الله عزوجل لا اقتضاء في ذاته لشيء و انما يعطي فيضه علي حسب سؤال السائلين و قد قال في كتابه قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و الجازم متوجه الي الله بكله سائل منه فيضه مستمد من الله عزوجل و الشاك او الظان متزلزل فان نصب اناء قابليته نكسه في آن نصبه فان الظن مركب من النصب و النكس فلايستمد فلايحوي اناؤه شيئا فان زعم انه تقرب الي الله و توجه الي عليين خاف انه تقرب الي الشيطان و توجه الي سجين فهو دائما متزلزل القلب مضطرب الفؤاد فلاينفعه اعماله و لاتكون سبب تقربه الي الله عزوجل و استمداده و منها انه قد ثبت بالبرهان القطعي ان محمدا خاتم النبيين و شرعه آخر الشرايع و حلاله حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة و مؤدي هذه الظنون حلال من هو و حرام من هو و شرع من هو و دين من هو؟ فان كان لمحمد9 فلم نهي عنه في مأة آية و زهاء الف حديث و لم لميأمر به في آية واحدة او حديث واحد؟ و ان لميكن من دين محمد9 فليس هو بخاتم النبيين و لا دينه آخر الاديان و ليس الآخذ به و المتدين به من امة محمد صلي الله عليه بل هو من امة ذلك المجتهد قيل لابيعبدالله7 اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله فقال اما والله ما دعوهم الي عبادة انفسهم و لو دعوهم ما اجابوهم ولكن احلوا لهم حراما و حرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لايشعرون و ان قلت ان المجتهد ظن ان هذا المظنون من دين محمد9 فلاجل ذلك امر به و اتبعه من اتبعه قلت ان كان الظن بدين محمد9 متبعا و لمينص عليه و لمينطق فيه بشفة فاتباع مأة آية من كتابه و الف حديث من سنته اوجب فلم تركوا ذلك و عدلوا الي ظنونهم؟ فليأتونا بآية واحدة ناصة او حديث واحد خاص حتي نتبعهم و منها ان براهينهم ان صحت فالعمل بالظن الحاصل من الكتاب و السنة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 49 *»
واجب فما بالكم لايحصل لكم ظن بحرمة العمل بالظن من مأة آية و الف و مأتي حديث و يحصل لكم الظن بالحكم من حديث واحد موثق لامعارض له او له معارض اعرض عنه المشهور بل بشهرة حكم بين معدودين كيف يراعي النبأة من اصمته الصيحة و ان قلتم ان لتلك الايات و الاخبار معارض فأتونا به من كتاب او سنة او اجماع او دليل عقل يفيد اليقين و يقوم بازاء تلك الاخبار المتواترة المؤيدة بالكتاب و الاجماع و دليل العقل و منها ان النبي9 قال قبل وفاته اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا و القول بحجية الظنون مطلقا رد لهذا الحديث المجمع عليه بين العامة و الخاصة فانهم يقولون ان الكتاب و السنة ليسا دليلين و حجتين من الله علي عباده و لايفيدان شيئا و لايجوز اتباعهما و انما المتبع ظن الفقيه و اذا اقترن الكتاب و السنة بظنه كان فيهما حجة و الا فلا حتي انه قال قائلهم علي الظن بناء العالم و اساس عيش بني آدم و قال و نحن نعمل بالاخبار و لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن فعن الشهيد الثاني من الرسالة التي الفها في المنع عن تقليد الاموات ما لفظه: الدليل الحادي عشر ان مستند الاحكام و دلائل الفقه لماكانت ظنية ما كانت دالة بذاتها علي تلك الاحكام و موجبة للعمل بها بل لابد من اقترانها بنظر الفقيه البالغ درجة الفتوي و رجحانها عنده و لو بالدلالة الحكمية كحال نومه و غفلته و لهذا لايجوز العمل بما دلت عليه او حصلت تلك الادلة لغيره ممن لميبلغ الدرجة و لا له اذا تغير ظنه ان يرجع الي نقيضها و حينئذ فيكون المثبت لتلك الاحكام هو تلك الدلالة المقترنة بالظن فعلا و قوة فتبين من ذلك ان تلك الدلائل لاتستلزم الحكم لذاتها بل بالظن الحاصل باعتبار انتفاء المعارض و هذا الظن يمتنع بقاؤه بعد الموت لانه من الاعراض المشروطة بالحيات فيزول المقتضي بزواله فيبقي الحكم بعد موته خاليا عن مستند فيكون غير معتبر شرعا انتهي فتبين علي قوله ان ما خلفه رسول الله9 ليس دليلا كاملا كافيا و حجة بالغة و انما المعتبر ظن الفقيه و اذا مات الفقيه زال
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 50 *»
ظنه و بقي الدين مهملا لا خليفة من الله فيه و لا دليل من الله عليه و علي ما يقولون كان الواجب ان يقول اني ذاهب الي ربي و تارك فيكم ظنون المجتهدين و هي خليفتي لا الكتاب و السنة.
و منها ان الحق من الله و الي الله و من حججه و اليهم و من عليين و ان الباطل من الشيطان و الي الشيطان و من اوليائه و اليهم و من السجين و المظنون ما يحتمل انه من الله و الي الله و من حججه و اليهم و من عليين و يحتمل ان يكون من الشيطان و الي الشيطان و من اوليائه و اليهم و من السجين ولكن الاحتمال الاول اقوي فالعامل بالظن لايدري انه علي الحق و يعبد الله و يتقرب به اليه او علي الباطل و يعبد الشيطان و يبعد عن الله و يتقرب الي الشيطان و لايدري اناج هو ام هالك؟ الا ان الاحتمال الاول عنده اقوي فاذا اختار العمل بالظن لايدري هل اختار الله علي الشيطان او اختار الشيطان علي الله؟ الا انه يظن فهو مختار لكليهما و مجوز علي نفسه كليهما و ذلك كمن عنده طعام لايدري فيه سم ام لا؟ الا انه يظن انه ليس فيه سم فيختار الاكل و ليس ذلك الا انه يرضي لنفسه الهلاك و يوطن نفسه عليه و يرضي به فمختار الظن موطن نفسه علي عبادة الشيطان فانه يقول انا افعله و ان كان يحتمل ان يكون عبادة الشيطان و لايرضي النفس بالفعل الا ان لاتبالي ايهما كان فهو مشرك بالله العظيم عدوه و لاجل ذلك قال الله عزوجل ان الظن لايغني من الحق شيئا و ماذا بعد الحق الا الضلال و قال و ان تطع اكثر من في الارض ليضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن فاطلق الطاعة و حكم عليهم بالاضلال و استدل عليه بمتابعة الظن الذي هو الشرك نعوذ بالله و لاتقس الظن الموضوعي بالظن الحكمي فان لله عزوجل علي كل حال حكم قطعي و الظن احدي الحالات و لله فيهما حكم قطعي و ليس العمل بالحكم القطعي علي الظن الموضوعي شركا و ليس بعبادة الشيطان بخلاف الظن الحكمي و اصحاب الظن الحكمي ليس لهم دليل قطعي علي الظن الحكمي كماستسمع ان شاء الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون قال الله عزوجل سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا و لا آباؤنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 51 *»
و لا حرمنا من دونه من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و هؤلاء قوم يعبدون الله و لذلك نسبوا الرضا بعملهم الي الله فكانوا يحرمون شيئا و يقيمون الدليل الظني علي رضاء الله بتحريمهم شيئا فلا احد في الدنيا يتبع سبيلا بغير دليل لكنهم يستدلون بالظنيات فلاتغني من الحق و نسبهم الله بطاعتهم و عبادتهم غير الله بالدليل الظني انه من الله و برضاء الله و مشيته الي الشرك و جعل فعلهم ذلك شركا و منها انه يلزم علي حجية الظن انه ليس لله سبحانه في لوحه المحفوظ في كل مسألة حكم معين مضبوط و انه موكول الي ظنون المجتهدين حتي يجتهد المجتهد و يظن شيئا ثم يقول هذا ما ادي اليه ظني و كلما ادي اليه ظني فهو حكم الله في حقي و حق مقلدي و انا نقول هل لله حكم في هذه القضية في لوحه المحفوظ ام لا؟ فان قلت لا ردك الكتاب و السنة و ان قلت نعم قلت هل ظنك مصيب له حتما و يستلزم ذلك التناقض لاختلاف ظنون المجتهدين او يحتمل الخطاء؟ فان احتمل الخطاء فكيف يكون ما ادي اليه ظنك هو حكم الله في حقك و حق مقلدك يقينا و ان قلت ان ما في اللوح حكم الله الواقعي و ان ظني حكم الله الظاهري قلت آلله اذن لكم ام علي الله تفترون فان قلت ان الله اذن لي قلت فأتونا بآية او رواية علي مدعاكم و ان قلت الاخري فشأنك و ربك و ان قلت انا نقول ان التكليف باق و العلم ممنوع فالظن متعين قلت ان هذا دليل عقلي لكم خالفكم فيه ساير العلماء و لايفيد الا ظنا و الظن لايثبت بالظن هذا و خصمكم يقول التكليف باق و العلم ممنوع علي قولكم بنفس الحكم و الاحتياط يوصلكم الي اليقين و لاحرج فان جانب الاحتياط هو الجانب الذي افتي به احد من الفقهاء فانه لو لميفت به احد فلااحتياط فيه و ان افتي به احد فلاحرج فيه اذ لايفتي المفتي بالحرج المنفي عن الدين و بالعسر فاذا احتاط به المكلف اصاب الحق يقينا و لاحرج و علي فرض ان يلزم الحرج في موضع خاص او مواضع لايلزم منه ترك الاحتياط في جميع المواضع و انما ينبغي ترك الاحتياط في موضع الحرج خاصا فاذا امكن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 52 *»
الاحتياط انفتح باب العلم ثانيا و امكن العمل بالعلم فليس الظن بمتعين قطعا هذا و انكم تقرون بان الظن محرم في الاصل اللهم الا بعض المتأخرين فانه قال باصالة جواز الظن و تقولون ان عملنا بالظن من باب اكل الميتة و اراكم تقعدون في بيت كتبكم و تكتبون علم الفقه من اوله الي آخره بالظنون و اري مثلكم كمن اضطر في بادية الي اكل ميتة يوما و قام يدخر من الميتة لقوت سبعين سنة لنفسه و لاهله و عياله و مقلديه الي آخر الابد و ربما يجوز البقاء علي تقليد الميت ايضا و لايجوز اكل الميتة الا حال الاضطرار لمن اضطر فما بالكم تفتون بالظنون في مسائل لاتحتاجون اليها الي آخر الابد و كان اللازم عليكم الاكتفاء بما تحتاجون اليه ان اضطررتم و لا اضطرار فانكم متمكنون من الاحتياط و هو ما يحصل البراءة به اجماعا فلم تأكلون الميتة و لم تدخرونها الي آخر الابد لكم و لغيركم و منها ان قياس الفتوي بالظن علي اكل الميتة قياس مع الفارق فان الميتة من الموضوعات و انت مخلوق ضعيف تبتلي بفقد الزكي (الزکي ظ) و الحلال و اكل الميتة و قد احل الله لك ذلك في دينه قطعا و العمل بالظن في نفس الاحكام هو قول بان الله اشركني في نبوة محمد9 فعليه ان يقول بعض الضروريات المبهمة و علي ان اقول التفاصيل بالظنون بل انا افضل فانه صاحب الشرع المجمل و انا صاحب الشرع المفصل و هو نبي لميطلق له القول برأيه الا ان يؤذن له و يخبر بالحكم الخاص و انا قد رخص لي و حتم علي الامة اتباع ظني و هو لايقبل قوله بلامعجز و يجب ان يقبل قولي بلامعجز و هو يشترط في مطاعيته العصمة و انا لايشترط في مطاعيتي العصمة و خطاء النبي غير مغفور لقوله لو عصيت لهويت و قول الله لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين و خطائي له اجر واحد و اني لو اخطأت لماعزل عن المطاعية و النبي لو اخطأ لسقط عن درجة النبوة و هو لايعلم شيئا من دون نزول جبرئيل و انا اعلم من دون نزول ملك و الآخذ عني مع ظن الصواب لي ناج و الآخذ عن النبي مع ظن الصواب للنبي هالك.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 53 *»
و منها ان الله الحكيم خلق الخلق لغاية و لايحصل منهم الغاية الا ان يعيشوا الي مدة يحصل منهم الغاية و ان الخلق مركب من الاضداد و الواردات عليه و الصادرات منه منها ما هو مفسد له و منها ما هو مصلح له و المفسدات له تمنعه من العيش الي اجل يحصل منهم الغاية ففيها سخط الله و المصلحات له تعينه علي بلوغ ذلك الاجل و فيها رضاء الله و الخلق لايعلمون ما فيه فسادهم مما فيه صلاحهم و ان الله الحكيم الذي خلق الخلق لغاية اوجب في حكمته تعليمهم ما يصلحهم و ما يفسدهم ليبلغوا ذلك الاجل ان عملوا به و يستوجبوا رضوانه الذي هو حصول الغاية لهم و ان لميعملوا لميكن لهم علي الله حجة و استحقوا سخط الله فاختار منهم رسلا علماء حكماء و علمهم علم الصلاح و الفساد علم يقين و اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و ايدهم بالمعجزات و الشواهد و البراهين الدالة علي صدقهم في ادعائهم الرسالة فجاؤا و اخبروا عن دين الله غير شاكين و لا ظانين بما بعثوا به و علموا الخلق تلك المصالح و المفاسد و اتوا بكتاب من الله و بيان من سنتهم و بلغوا حجة الله و امروهم بالعمل بما بلغوا عن علم و يقين و نهوهم عن الظن و التخمين و بالغوا في ذلك اكثر من مبالغتهم في تحريم الخمر و لحم الخنزير و الزني و اللواط و غيرها فانك لن تجد محرما نزل فيه مأة آية و صدر فيه الف و مأتا حديث كل ذلك لاجل ان الشاك و الظان متردد الخاطر لايعلم هل ذلك الذي اختاره طاعة الله الرحمن او طاعة الشيطان؟ و هل هو مما يصلحه او يفسده؟ و هل هو مما يقربه من الله او يبعده و هل معبوده فيه الرحمن او معبوده الشيطان؟ فهو متزلزل القلب لايمكنه صرف التوجه به الي الله ساكنا فهو في ريبه يتردد فلايستمد من الله و لا من الشيطان مذبذب بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء فان كان كارها لظنه صارفا نظره عنه راجعا الي علم فهو كما يظن انه صلي اربع ركعات فكره ظنه و لام نفسه و سخطها و رجع الي حكم الله القطعي في الظان و عمل به فان كان كذلك فهو ناج لاحق باهل اليقين و ادركته رحمة الله و اما اذا لميكرهه و بني عليه و عمل به فهو مشرك اذ جعل دينه التردد بين الله و بين الشيطان و بين الحق و الباطل و ثبت عليه و رضيه دينا له فلاجل ذلك قال الله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 54 *»
عزوجل سيقول الذين اشركوا لو شاء الله ما اشركنا و لا آباؤنا و لا حرمنا من دونه من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و قال ان الظن لايغني من الحق شيئا و قال ابوعبدالله7 من شك او ظن فاقام علي احدهما فقط حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و اتي النبي9 رجل ليسأله عن البر و الاثم قال جئت تسألني عن البر و الاثم قال نعم فضرب بيده علي صدره ثم قال البر ما اطمأنت اليه النفس و البر ما اطمأن به الصدر و الاثم ما تردد في الصدر و جال في القلب و ان افتاك الناس و افتوك و قال دع ما يريبك الي ما لايريبك فان الصدق طمأنينة و الكذب ريبة و ان قلت ان الله اراد منا دينا و انزل و بعث ولكنه خفي علينا فاضطررنا الي الظن لانه لا شيء ازيد منه في ايدينا و ان تركناه صرنا و لا دين لنا و ان اخذنا به صرنا الي اقرب الطرق اليه فاخذنا بالظن احتياطا في الدين و من خالص العبودية لله حيث عملنا بما زعمنا انه دينه قلت لانسلم انه خفي عليكم كما يأتي بيانه فانكم بالوساوس و الشبهات تخفونه علي انفسكم ها هنالك علماء فقهاء يشقون الشعر يقولون يحصل لنا العلم و ان قلتم اشتبه عليهم فهم ايضا يقدرون علي رد هذا القول عليكم و لا اظنكم تقولون كذبتم فتكذبون و علي فرض سد باب العلم عليكم قلدوا من لمينسد عليه و خذوا عنه و علي فرض عدم الامكان خذوا بالاحتياط كما مر و لا حرج فان عسر عليكم موضع فاتركوا ذلك الموضع ثم نتنزل و نقول فان اضطررتم فاكتفوا بظنون خاصة تحصل من الكتاب و السنة فلميجوز مجوز كم مطلق الظنون و يقول الاصل حجية الظن الا ما اخرجه الدليل اليس جماعة منكم لايجوزون الكتاب و السنة و يكتفون بهما في جميع المسائل هذا و الكتاب و السنة يناديان بتحريم العمل بالظن و انتم اثبتم الظن بالظن ثم تركتم به كل هذه الايات و الاخبار و الاجماع العظيم كما يأتي و الادلة العقلية التي هي موافقة لها و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 55 *»
بقيتم مترددين في الريب ثابتين عليه كما قال الشاعر:
ظفر الطالبون و اتصل الوصـ
ــل و فاز الاحباب بالاحباب
و بقيتم مذبذبين حياري
بين حد الوصال و الاجتناب
و منها ان احكام الله جل و عز المتعلقة بافعال العباد و ما يتعلق بهم تتغير بحسب تغير الاعراض فكلما يحدث عارض او يفني عارض لابد من ان يتغير الحكم كما تغير حكم وضوء علي بن يقطين و داود و غيرهما و علم حدوث الاعراض في العالم و زوالها عند الله سبحانه و عند الحجج: لايعلمه احد سواهم و اصحاب الظنون و الاجتهاد لايحيطون بالعالم و لايعرفون اعراضه و ما يحدث فيه و ما يتغير به الصلاح و الفساد فيكون ظنونهم في الواقع شكوكا الاتري انه لو دخل زيد مريضا دارا و لمتعلم هل خرج منه ام لا؟ او هل مات فيها ام لا؟ و انت ظننت ان الدواء الفلاني نافع لمرضه فهذا الظن يأول الي الشك فانك لاتدري حي هو حتي يستعمل هذا الدواء لعله ينتفع به ام ميت و فات وقت استعمال الدواء فهذا الظن بنفع الدواء لايغني من الواقع شيئا و كذلك انت تظن ان الشيء لو كان باقيا علي حاله حكمه كذا فلعله عرضه عارض لاينفعه ما ظننت و القول بان الاصل عدم عروض عارض لايحدث للانسان ظنا عاديا بالواقع و لا ظنا عقليا فانت حين حكمك علي الشيء بالظن شاك في انه هل عرضه عارض يمنع من هذا الحكم ام لميعرضه فانت يأول امرك الي الشك و يقع حكمك علي الشك اخيرا و اما الحجة المعصوم فيري الواقع و يعلم الحال و يبين حكمه فلاعبرة بالظنون ابدا ابدا و وجب الرجوع الي المعصومين الذين يغيرون الاحكام في الاعصار و البلاد و الاشخاص و لذلك امروا بالاخذ بحكمهم الاخير و الاخذ بالاحدث و الاخذ بقول الحي ان خالف الامام الميت.
و منها ان الله عزوجل كامل لا نقص فيه و نور لا ظلام فيه و حق لا باطل فيه و علم لا جهل فيه و قدرة لا عجز فيها و قد خلق الخلق علي حكمة ليس اصوب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 56 *»
منها و نظم لا خلل فيه بحيث لايسع احدا ان يقول لو كان كذا لكان احسن فلاجل ذلك تحير الحكماء في اتقان صنعته و عجز الالباء عن درك حقايق خليقته و لميدركوا من خلق كل شيء الا عشرا من معشار حكمته فاجري كل شيء علي اكمل وجه و لميترك الاولي و الاحسن و الاكمل و الافضل في شيء من خلقه و من اعظم امر خلقه امر دينه الذي به يعبد و عبادته غاية خلقه فنسألكم هل الاكمل و الاولي و الاجمل و الاحري ان يبني امر دينه علي العلم و اليقين و به يبلغ حجته و يقطع اعذار خلقه و يكمل دينه و يتم نعمته كماقال لله الحجه البالغة و قال اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و قال افمن يهدي الي الحق احق ان يتبع ام من لايهدي و قال و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال و آتيناهم بينات من الامر فما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم او يبني علي الظن و التخمين و الخرص الذي هو سبب الاختلاف في الدين و التنازع و التجاذب و التخالف كما وقع و سبب سفك الدماء و غصب الفروج و الاموال و الجدال و الحروب و الفتن كماوقع في الاسلام بسبب اختلاف الاجتهادات و الظنون و قد قال ان الظن لايغني من الحق شيئا و قال لاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله و قال و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون ما لكم كيف تحكمون اذ حاكمكم الله في قلوبكم عند عقولكم و لاشك انه لايسع عاقلا ان يقول ان الظن احسن من العلم كما قال افمن يهدي الي الحق احق ان يتبع ام من لايهدي و العلم يهدي الي الحق يقينا و الظن لايهدي و ان صادف اتفاقا الحق فاذا كان الامر كذلك فما عدل بالرب عن الاكمل الاولي و هو قد عذب انبياءه علي ترك الاولي و ما اعجزه عن ذلك و ما منعه عن اكمال حكمته و اتقان صنعته و هو فعال لما يريد لا راد لقضائه و لا مانع لحكمه يفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و هي بمشيتك دون قولك مؤتمرة و بارادتك دون نهيك منزجرة و ان يمسسك الله بضر فلا كاشف له الا هو و ان يردك بخير فلا راد لفضله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 57 *»
فان لميمنعه مانع عن حكمته حتي يجري خلقه علي نهج الاخس الادني اضطرارا فاعطي كل شيء خلقه ثم هدي و اوضح له سبله و بين له فرايضه و اتم عليه حجته و عرفه دينه و شرعه و لميلجيء احدا الي الظن نعم يمكن الظن في الموضوعات فان مناولتها و معرفتها مما كلف الخلق به فالخلق يجهلون و يرتابون و يشكون و يظنون و لله سبحانه في كل حال منهم حكم فلميقصر الله فيما هو من عنده و ما هو من صنعه و حكمته و ان العباد قاصرون و مقصرون و ان قلت ان الله عزوجل اجري الخلق علي نهج الاكمل و الاشرف و علي نهج العلم ولكن العباد بطغيانهم و سوء حظهم منعوا ظهور حقه و اخفوا اعلامه فتحيرت الامة و التجأوا الي الظن من بغي بعضهم علي بعض كما نصب الخليفة و غصب حقه و خفي امره لا من جهة نقص في وضع الله و خلقه ولكن من جهة نقص الخلق و بغيهم و ظلمهم و هم خلقوا علي نهج الاختيار قلت ان دين الله لايمكن ان يغلب و امر الحجج لميخف من حيث البرهان و الدليل و انما غصبوا حقهم و ظلموا و قعدوا في كسر و محال ان يخفي امرهم من حيث الحجة و البرهان و لو خفي لكان الخلق معذورين فهب ان العباد فعلوا ما فعلوا فلله تعالي حكم واضح بعد ما فعلوا علي ما فعلوا فلنيغلب حكم الله ابدا فان هو و افعال العباد الا كالفخت و تطلية طين عليه كما بيننا و شرحنا و لا مانع من علمية دينه و شرعه و ان ستر العباد ما ستروا و منعوا ما منعوا هذا و ان الله لميترك دينه سدي و لميدعه مهملا و ان الله جعل له حفظة في كل عصر يحفظونه عن كيد الكائدين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين و تأويل الكاذبين و حجة كل عصر يزيد ان نقصوا و ينقص اذا زادوا و يعرف ان جهلوا كما ينادي به الاخبار و يؤيده صحيح الاعتبار الست تقرأ في الزيارة بينتم فرائضه و اقمتم حدوده و نشرتم شرايع احكامه و سننتم سنته حتي صرتم في ذلك منه الي الرضا الزيارة و لو انه خلق الدين و تركه في ايدي الشيطان و جنوده لمابقي له عمود و لا اخضر له عود و للعب به ايدي المنافقين و المعاندين للدين المبين و لميبقوا له اثرا ولكنه سبحانه حاطه باوليائه و حفظه باصفيائه و يحميه بحججه عصرا بعد عصر و قرنا بعد قرن فهو ابدا غض طري و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 58 *»
لاجل ذلك قال يوم نصب الخليفة اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم الاية فلميصب ديننا ما اصاب دين العامة من الفتن و البلايا و التحريف و التغيير و اما غصب الخلافة فاعلم ان لخليفتنا غلبتين غلبة يد و غلبة حجة اما غلبة حجته فمن عند الله و من جهة الربوبية و اما غلبة يده فهي من جهة عبوديته فما من جهة العبودية يغلب و يغصب و لا ضير و اما ما من جهة الربوبية فلن يغلب ابدا لله العزة و لرسوله و للمؤمنين و ان جند الله هم الغالبون و لاشك ان جند النبي كان جند الله فان كسروا مرة كسروا فيما هو من عبوديتهم و اما ما هو من الربوبية و هو غلبة حجتهم فلميكسروا ابدا و كذلك الخليفة لميغلب نوره و حجته ابدا ابدا و انما منع من التصرف العبودي كتب الله لاغلبن انا و رسلي فاني يغلبون؟ و كذلك دين الله فهب انهم غلبوا فصدرت الاخبار تقية و عرضها كذب و سهو و تحريف و غلط ايغلب الله احد ان يكون له حكم علمي بين ظاهر فوق جميع ذلك و تكليف بين لمن كان مبتلي بهذه البلايا و لعمري ان الشبهات التي يتمسكون بها لاتبقي لهم مجال ظن و انها اسباب شك محض علي انا نقول ما المبقي لهم الظن مع كل هذه الشبهات و غلبة الاعداء و هذا السهو و النسيان و الغلط و التحريف و الكذب و الدس و عدم المبالات من الناس بالدين فان كان المبقي للظن هو الله و رحمته و لطفه و قدرته و رأفته فلم لميبق العلم و جميع ذلك منه كامل غير ناقص و هو القادر علي ما يشاء و هو الاكمل الاتم الادل علي قدرته و ربوبيته و ان كان غير ذلك فلعمري لو كان عشر من معشار ذلك في ساير اخبار العالم لميفد الا شكا كما هو محسوس مشاهد هذا و لعمر ابيك ان ظني انك لو فتشت قلوبهم لميك فيها مع هذه الشبهات الا الشك و انهم يعملون بمفاد هذه الاخبار و القواعد التي في ايديهم و مؤديها اضطرارا اذ ليس في ايديهم غير ذلك و ان هم من صحتها الا علي شك و تزلزل فان الشك مع هذه الشبهات من جبلة البشر و طبيعة الانسان كما هو محسوس في ساير اخبار العالم اذا احتمل فيها هذه الاحتمالات و كان لها الاعادي و المحرفون و المكذبون هذا المبلغ و لذلك تراهم لايعتنون باخبار اهل عصرهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 59 *»
و ان عاشروه سنين و يعتنون باخبار فلان و فلان من الرواة القدماء و ان هو الا وضع وضعوه علي انفسهم وضعا اضطرارا اذ لو جاوزوه لميبق لهم دين و الا فلا ظن لعمر ابيك و ان هو الا شك محض و ريب خالص و الذي هو قادر ان يقيم لهم قرائن تفيد الظن في هذه الطخية العمياء التي يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير و اذا اخرج يده انسان فيها لميكد يراها قادر ان يقيم لهم قرائن تفيد العلم فالاعادي يقدرون علي التصرفات في عبودية الاخبار و لايقدرون علي منع الرب عن اقامة تلك القرائن حتي تفيد العلم و قد قال النبي9 علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور فافهم ان كنت تفهم و انصف ان لمتخاطر بنفسك و سيأتيك ما تشاهد وجه العلم و انه مبذول و بابه مفتوح اوسع مما بين السماء و الارض و ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك.
فصل: في الاستدلال بالاجماع علي اصالة حرمة العمل بالظن في نفس احكام الله اعلم ان من نظر الي الايات النازلة في هذا المعني و الاخبار الصادرة في هذا المقام التي سمعت بعضها و زهاءها و سمع كلمات المتقدمين و المتأخرين و اطلع علي سيرة الشيعة قديما و حديثا عرف ان مذهب آل محمد: حرمة العمل بالظن كحرمة الخمر و الخنزير و الميسر بل اشد بسبعين مرة و انها كانت الفرق بين الشيعة و العامة و ان الشيعة كانوا معروفين بذلك بين العامة و كان تشاجرهم و نزاعهم في ذلك قال في البرهان المبين فاعلم انه قد اجمع الامامية رضوان الله عليهم قديما و حديثا حتي صار من ضروريات مذهب اهل البيت: علي عدم اصالة حجية الظن في امور الدين و انها مبنية علي العلم و اليقين دون الظن و التخمين و بذلك صرح الشيخ المفيد في جملة من مؤلفاته كالمسائل السروية و العيون و المحاسن و المجالس و السيد المرتضي علم الهدي في مواضع من الانتصار و الذريعة و الشافي و شيخ الطائفة في مواضع من العدة و في كتابي الاخبار و ابن ادريس في مواضع من السراير و ابن قبة في كتاب الرد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 60 *»
علي الزيدية و الكليني في اول الكافي و تلميذه الشيخ النعماني في تفسيره و في كتاب الغيبة و الفضل بن شاذان و الصدوق في العلل و امين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان و القطب الراوندي في فقه القرآن و الكراجكي في كنز الفوائد و غيرهم في غيرها انتهي. و كون ذلك من مذهب العامة و خواصهم معروف كما وقع النزاع بين المفيد رحمه الله و بين ابيبكر الباقلاني حيث ادعي العمل علي غلبة الظن في الشريعة كما في المجالس و نقل فيه عن ابيالقاسم الكعبي في كتاب الغرر و عن السيد المرتضي في الشافي نقلا عن صاحب المغني و غير ذلك و كون مبدأ الاجتهاد و التقليد من العامة و انهم وضعوهما في مقابل الامام و الشيعة كما عليه الاماميون و ان الاجتهاد هو تحصيل الظن بالحكم الشرعي و ان القياس و الاستحسان و المصالح و ساير الوجوه و القواعد العامية ان سامحنا في الشك لاتفيد الا ظنا اتفاقا و ان العامة ينادون علي انفسهم بالاجتهاد و التقليد و انه لميكن في الشيعة في اعصار الائمة: و بعيدهم اعواما اجتهادا للشيعة يحصل له العلم العادي الذي لاشك فيه ان مذهب آل محمد: حرمة العمل بالظن و انه محرم في دينهم حرمة لحم الخنزير و الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام و انه بدعة في الدين و شرك و صاحبه ملعون مردود و هذا من البديهيات في هذا المذهب و به كانوا معروفين بين الاعداء و ان الائمة لمينهوا ابدا عن محرم فعلي و لاقولي في الف و مأتي حديث و لمينزل في محرم من المحرمات الكباير ابدا مأة آية الا الشرك و الفكر و سمعت شهادة هذا الجمع و قد اقر باصالة حرمته كثير من المجتهدين بانفسهم فانظر رحمك الله تعالي هل يبقي في ذلك شك و ريب اليس ذلك هو الاجماع الذي لاريب فيه و المعصوم داخل فيه قطعا و اليس يجري هيهنا قوله تعالي و من يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و اليس يجري هنا قوله7 من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربقة الاسلام من عنقه و قوله7 ثلث موبقات نكث الصفقة و ترك السنة و فراق الجماعة و اليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 61 *»
يجري قول الحسن7 ان احسن الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد و شر الامور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة انتهي فانظر رحمك الله اية داهية عظيمة يلزم ان تحدث في الاسلام حتي يجوز للمسلمين الرجوع عن هذا الاصل المحرم العظيم و العمل بالظن و التخمين ساكن القلب ثلج الفؤاد مبتججا به مفتخرا عليه مدخرا به مسائل مأة الف سنة فان الذي يجوز تقليد الميت و هو عامل بالظن يستنبط الاحكام التي لاتحصي بالظن و التخمين لنفسه و اهل عصره و من سيأتي و سوف يأتي الي يوم ظهور الامام او يوم القيام فما الذي دهي في الاسلام حتي اباح هذا الاصل العظيم و نقض هذا الاجماع المقيم و رفع الحرمة و وضع الحل و جعل الفخر و العز و الجلال و الكمال في اكل هذه الميتة المنتنة الجائفة الرجسة النجسة باعترافهم فانهم يقولون ان عملنا به من باب اكل الميتة و قد عرفت انهم غير المضطرين الي هذا الاكل و ان الطيبات التي احلها الله وافرة و الحمد لله و العجب من قوم يقولون ان اليقين لايجوز ان ينقض الا باليقين و حرمة العمل بالظن و التخمين من اليقين كماعرفت و يعدلون عن هذا اليقين بادلة واهية واهنة هي اوهن من بيت العنكبوت مع انه من اوهن البيوت و يعملون بالادلة الواهية الظنية و لايعملون بهذا الاجماع الذي هو كالضرورة التي لاريب فيها و لاشك يعتريها و يسكن نفوسهم بتلك القواعد العامية الكلامية التي ليس عليها كتاب و لا سنة و من البينات الواضحة اعراض آل محمد: و اصحابهم عنها بالكلية و نهيهم عنها باشد النهي و لا اشبه القوم بجماعة قالوا ان عليا7 كان في عصر النبي9 كماتقولون من الفضل و الدرجة الا انه ارتد نعوذ بالله عن دين الله فهذا الاصل كان في اعصار الائمة كذلك باعترافهم ولكنه حل لهم و المفروض انهم يحلونه بادلة ظنية عقلية كلامية و لا حول و لا قوة الا بالله و لعمري مع ذلك كله لا اسيء القول فيهم و لا اظن بهم الا خيرا فانهم لميعاندوا دين الله حاشاهم و لميتعمدوا خلاف آل محمد: و انزههم عن ذلك نعم لست بقائل بعصمتهم و عدم خطائهم مع ما في هذا القول من التناقض
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 62 *»
و اقول انهم اخطأوا و اشتبه عليهم و غدروا الامر عن طريقهم بمزخرفات العامة و غروا بخزعبلاتهم و ارجو الله سبحانه ان يعفو عنهم فان وجوههم الي الحق و ان سحبهم العامة من ورائهم الي شبهاتهم و قصدهم طلب الحق و سلوك مسلك آل محمد: لكنه اشتبه عليهم و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم و كأني بجاهل يقول انك انت اشتبه عليك الامر و الحق معهم فاقول:
فهب اني اقول الصبح ليل
ايعمي الناظرون عن الضياء
هل اشتبه الامر علي من يقول لا اعمل برأيي و لا اقول في دين الله بهواي و لابد و ان يكون للانسان في جميع ما يقول و يفعل من نص صريح علمي اما علي الخصوص او علي العموم من الكتاب و السنة و لميشتبه الامر علي من يضع مأة قاعدة كلامية ليس له عليها حجة من الكتاب و السنة باعترافهم و شهادة كتبهم و يفرع عليها مأة الف فرع لميحتج اليها و لايحتاج اليها ابدا لا هو و لا احد من مقلديه مادام حيوتهم بعد ما سمعت من الايات و الاخبار و دليل الاعتبار و اجماع الاخيار علي حرمة العمل بالقواعد العامية و الكتب العامية حاضرة و القواعد معنونة فيها لفظا بلفظ و دليلا بدليل و نقضا بنقض و كتب علماء الشيعة من اقوالهم في كل مسألة مملوة فان ضللت فعلي نفسي اضل و ان اهتديت فبما هداني ربي و هو علي صراط مستقيم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 63 *»
الباب الثاني
في ذكر ادلة القوم و النظر فيها و فيه فصول:
فصل: اعلم ان اقوي ادلة القوم و خلاصتها علي حجية العمل بالظن ان باب العلم مسدود و التكليف باق و التكليف بما لايطاق غير جايز فالعمل بالظن هو اللازم و الفرق بين اقسام الظنون تحكم فالاصل في زماننا هذا حجية العمل بالظن الا ما اخرجه الدليل القطعي هذا خلاصة اقوي دليلهم الا انهم قرروها في كتبهم المبسوطة اكثر تفصيلا و شرحوها علي نهج التفصيل و المطلب ما ذكرنا و بهذا البرهان المخدوش من جهات شتي يريدون ان يتحولوا عن ذلك الاصل الاصيل الذي قام عليه الاجماع الذي هو كالضرورة التي لاريب فيها و لنا علي بطلان هذا الاستدلال وجوه شتي من البراهين.
الاول قولهم باب العلم مسدود نقول لهم اي علم تريدون هل المراد العلم القطعي العقلي الذي لايحتمل النقيض فذلك غير مطلوب منكم و لميكن مفتوحا ابدا و العقول الجزئية البشرية لاتحيط بحقايق الاشياء و لاتدركها و لمتكلفوا بذلك العلم في غير معرفة الله و معرفة نبيه9 ابدا ابدا اجماعا محصلا لاريب فيه و ان اردتم العلم العادي الذي يحصل للناس في ساير اخبار العالم و في المراد منها فذلك لميكن مسدودا و يكون الان مفتوحا و كما يمكننا الاطلاع علي اوامر اخينا الغايب بكتابه و برسوله و يحولنا و يحول علينا و يأمرنا بالبيع و الشراء و المنع و العطاء و نعلم ذلك علما عاديا يسكن القلب اليه سكونا عاديا لا اضطراب فيه و لايحتمل خلافه احتمالا عاديا يمكن علم كذلك لنا بنفس الاخبار و بمعانيها بلاغبار و كان علي ذلك المدار في جميع الاعصار و قرره الانبياء الابرار و حجج الله الجبار و كان الناس يعملون به في جميع اعصار الانبياء و الحجج و علموا به و بهم و قرروهم علي ذلك و رضوا عنهم بذلك و وعدوهم بذلك الجنة و حذروهم عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 64 *»
تركه بالنار و انزل الله مع علمه بذلك اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا فسمي ذلك كاملا و تاما و مرضيا فذلك دين الله الذي ليس عليه غبار و العلم العادي قد يحصل لنا باخبار طفل يأتينا من بيتنا برسالة بل قد يحصل لنا علم بالامارات من غير لفظ و بذلك صرنا نحن نعلم صحة نسبة الكتب الي اصحابها و كون العبارات عباراتهم و كون المعاني مراداتهم و نعرف من ذلك شهرة الاصحاب و اجماع العلماء الاطياب و تسمون الاجماع الحاصل من تلك الكتب و العبارات قطعيا و نعرف كذلك مذهب ابيحنيفة و اضرابه فما بال الصادق7 و اخباره لاتعرف و لايحصل العلم بها و يحصل العلم بمذهب ابيحنيفة و هو معاصره و كيف يحصل العلم بدواوين الجاهلية و نسبة اشعارهم الي اصحابها بل ربما يحصل العلم بكتب التواريخ بالاعصار السابقة من لدن آدم الي يومنا هذا و كلما وضع اسم الحديث علي شيء يحتمل فيه الف احتمال و ينسد فيه باب العلم و يجب فيه العمل بالظن بالجملة ان كان المراد العلم العادي فذلك ممكن كما سيأتي ان شاء الله مفصلا و ان كان المراد العلم الشرعي فذلك اسهل و اسهل فذلك مفتوح اوسع مما بين السماء و الارض و يأتي تفصيل ذلك ان شاء الله و الاشارة اليه هنا علي سبيل الاجمال ان هذه الاخبار كانت في زمان الائمة سلام الله عليهم كما هي اليوم بل اليوم اكمل و انقي و اضبط و اجمع سبعين مرة و ذلك انهم كانوا في بلد من البلاد اما ظاهرين للناس مغلوبين لايقدرون علي اظهار مر الحق و اما قاعدين في بيوتهم و عليهم عيون من الخلفاء ليعرفوا من يدخل عليهم لايذائه و قدحه و اسقاطه عن العيون و اما محبوسين في السجن سنين لايدخل عليهم الا واحد بعد واحد علي سبيل الندرة و ان ذهب اليهم احد و سألهم كانوا يخافون علي انفسهم منه و عليه و له علي حذو قول الشاعر:
اخاف عليك من غيري و مني
و منك و من مكانك و الزمان
و كان الاخبار تصل الي الاطراف بواسطة الرواة فكان يصل الي خراسان مثلا بواسطة فضل بن شاذان او معه غيره و ما عسي ان يروي فضل بن شاذان مثلا و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 65 *»
لميك يكفي بجميع مسائل المسلمين و هكذا ساير البلاد كان يصل اليهم الاخبار بواسطة رجال معدودة و كان يوجد في كل بلد اصول معدودة عند اشخاص متفرقين لايعلم كل احد بما عند غيره و لايمكنه الاخذ عنه و لايكفي كل اصل لجميع شرايع الدين و اليوم الحمد لله اجتمعت اخبار الفرقة المحقة و جمعت في الجوامع المعروفة مبينة مفصلة مشروحة مبوبة مميزة قد قرن كل حديث مع شواهده و قرائنه و معارضه و اسبابه و علله و عرف صحيحها من سقيمها و متي كان الامر في اعصار الائمة: بهذا الاتقان و الضبط و تلك الايام لقلة النسخ كانت اذا وقعت في ايدي المتلبسين و يدس فيها او يحرف و يغير كانت تشتبه و اليوم لكثرة النسخ لايمكن الدس و التحريف و التغيير و قد نظر العلماء في طول هذه المدة في الاخبار و عرفوا منها اشارات و لحون و قراين و لربما وجدوا لخبر شواهد و قراين من غير اخبار بابه من ابواب متفرقة و نبهوا عليها و من تراجم الظنون يظهر حقيقة الحق المكنون فكانت هذه الاخبار في زمان الائمة: كما ذكرنا و كان يحصل لهم علي حسب طبيعة البشر و نظم العالم علوم عادية منها و قد قرر آل محمد: جميع تلك الاعصار علي ذلك و رضوا به عنهم و عن اعمالهم و قد غابوا و خلفوا فينا تلك الاخبار بعينها علي ما فيها غير مغلوبين و لا مقهورين عن تعليم غيرها و امرونا بالاخذ بها و التدين بها كما هي علي ما تقول كما يأتي فالعمل بما يفهم من هذا الكتاب و هذه السنة هو مرضيهم و هو دينهم و هو دين الله قطعا اذ ليس علي بسيط الارض دين لله عزوجل غيره فهو دين الله الذي قال اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و كما ان القرآن محرفا قطعا و قالوا اقرأوه كما علمتم و امرونا بالعمل به علي ما هو عليه اجماعا من المذهب و تقولون ان القرآن متواتر يجب العمل به كذلك اوجبوا العمل بهذه الاخبار مع ما فيها علي ما تقول اجماعا و ان صدقت بجميع ما فيه من الدس و التحريف و السهو و الغلط و الكذب و كل ما يكون و اضعاف ما تقول علي ما هي عليه في علم الله هي التي خلفوا فينا و امرونا بالعمل بها قطعا جزما اجماعا ضرورة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 66 *»
و ليس علي بسيط الارض غيرها اجماعا و لمنكلف بغيرها اجماعا فالعمل بما يفهم منها متعين قطعا جزما فليكن العمل بها حكما ثانويا من الله عزوجل عند الضرورة كما فيه فهذه الاخبار سند قطعي لنا يعني نقطع بوجوب العمل بها برضاء الله و رضاء محمد و رضاء الائمة: فليكن كذبا كلها او بعضها في الواقع الخارج فهي الملاذ و المفزع و هي عندنا كالخبر القطعي الصدور بلاتفاوت كما ان القرآن كالكتاب المنزل علي هذه الصفة كائنا ما كان في الواقع و كذلك ما نفهم من المعاني و المرادات علي ما هو المتعارف مع جميع تلك الاحتمالات التي تقولون و اضعافه و اضعاف اضعافه و كان يحتمل جميع ذلك في اعصارهم لاهل البلاد البعيدة و كانوا يفهمون و يقررون و قد قررهم الله و رسوله و حججه: علي ذلك بلاشك و لا ارتياب اجماعا و ضرورة و كذلك قد رضوا بما يعمل علماؤ المذهب في معرفة المرادات و رضوا بذلك و لميخلفوا غيرها و لميأمروا بغير تلك المرادات التي يعرفها العامة قطعا و الا لكانوا يأمروننا بذلك و ان قلت ربما سكتوا تقية او خوفا قلت سكوتهم و خوفهم و تقيتهم لنا حكم ثانوي يجب العمل به فهذا الذي نفهمه من الاخبار بلا غبار هو مرضي آل محمد الاطهار عليهم صلوات الله الجبار قطعا جزما و ليس علي بسيط الارض ما كلف به عامة الخلق غيره فهو الدين القطعي المرضي المحكم علي ما فيه كائنا ما كان بالغا ما بلغ فاتكالنا عليها و عملنا بها لا من باب مفادها الظن بل من باب علمنا بانه رضاء الله عزوجل كما انك اذا بنيت علي الاربع عند ظنك الاربع للحكم القطعي المعلوم من الخارج ليس انك عملت بالظن بل انت عامل بالقطع و ان كان موضوعه الظن و التخمين الاتري لو ان الامام7 امرك ان خذ بقول فلان ايما قال لك وجب عليك قبول قبوله@قوله ظ@ و ان تك جاهلا بانه هل يصح قوله في الخارج ام لا؟ او تكون شاكا او ظانا بحقيته و لست حينئذ عاملا بما في قلبك من الجهل او الريب او الشك او الظن و انما تعمل بكلام حجة الله القطعي فلا عليك حقه و باطله و اصابته و خطاؤه و كذلك هذه الاخبار و هذه المرادات و المفاهيم نوعا هي مراد آل محمد: الظاهري الثانوي قطعا و لا علي سطح الارض دين غيرها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 67 *»
فهي المعمول بها قطعا فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان باب العلم مفتوح بالعلم الشرعي اوسع من انفتاحه بالعلم العادي و سيأتيك زيادة بيان في محله و وجه آخر تريدون انسداد باب العلم باي شيء بالاحكام الواقعية الاولية و لا اظنكم تعرفونها فمتي كنتم مكلفين به انتم او اوائلكم او بما صدر عن النبي9 و هو الظاهر من مرادكم فاثبات كونكم مكلفين به مما لايمكن فانكم في دار الهدنة و عروض الاعراض و التقية و لستم مكلفين بما صدر و لعلكم تعرفونه و لايجوز لكم العمل به كما اذا كنتم في تقية بل تكليفكم اليوم الاحكام الثانوية التي هي لله سبحانه لعبيد مبتلين مثلكم و العلم بتكليفكم اليوم بعد كل هذا البلاء الذي تقولون ممكن و لمينسد اذ تكليفكم القطعي العمل بمفاد هذا الكتاب و هذه الاخبار و هي ممكنة المنال سهل في المبدء و المآل فكيف انسد باب العلم و انسد باب العلم باي شيء؟
و الثاني قولهم و التكليف باق فان ارادوا به التكليف بالحكم الواقعي فلميك ثابتا اولا حتي يبقي و ان ارادوا التكليف بالحكم الثانوي الذي يتغير بتغير الاعراض و العلل في الدنيا فلايجب ان يكون تكليف الاواخر تكليف الاوائل و لذا اوقعوا الاختلاف بين رعيتهم و لذا امرونا بالاخذ بالاحدث و اتباع الامام الحي اذا خالف الامام الاول لان المخالفة اما لعارض حدث كتقية او غيرها او عارض ارتفع فاختلف تكليف الاواخر و الاوائل و الاجماع قائم علي بقاء التكليف النوعي لا خصوص التكاليف الا تري ان الامام اللاحق لو غير جملة الاحكام او جلها او بعضها يجب القبول منه اليس يأتي الامام بشرع جديد و كتاب جديد هو علي العرب شديد فاليوم حدث في اخبارهم ما حدث علي ما تقولون و اضعاف ما تقولون فتكليف الناس اليوم العمل بهذه الاخبار علي ما هي عليه و الاخذ بما افادت و ان تكليفهم في الصدر الاول غير ذلك لانه لميكن في ايديهم جميع هذه الاخبار فكان يعمل الرجل يومئذ بما في يده و يعمل فيما ليس في يده ان لميمكنه السؤال بالاصل حتي يأتيه البيان و الامر اليوم علي خلاف ذلك في خصوص
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 68 *»
المسائل و ان كان النوع واحدا او الاوائل علي قولكم كان يمكنهم العلم بما قال الحجة لقرب الزمان و المكان و قلة الموانع و انتم لايمكنكم فكيف يكلف الله نفسا بما لايمكنه و ليس ذلك من العدل فلستم مكلفين بما انسد بابه و انما انتم مكلفون بما يمكنكم العلم به اليوم و ذلك ان التكليف توقيفي قطعا و لابد و ان يكون دليل التوقيفي توقيفيا و الا يخرج التكليف عن كونه توقيفيا فاذا صار دليله توقيفيا لابد وان يعطي المكلف بالكسر المكلف دليل تكليفه و الا كان تكليفه بما لايطاق و هو محال من العادل فان اعطي الدليل المنتج للتكليف فلمينسد بابه وان لميعط فلاتكليف فقولهم انسد باب العلم و التكليف باق متناقضان.
و الثالث قولهم و التكليف بما لايطاق غير جايز هو علي معناه الظاهر صحيح و اما ما ارادوا فغير صحيح و هو انهم ارادوا به ان تحصيل العلم بعد انسداد بابه غير جايز و قد عرفت ان بابه مفتوح واسع اوسع مما بين السماء و الارض فليس التكليف بتحصيل العلم العادي و الشرعي غير جايز و هكذا يقع المغالطة في كثير من القضايا فتنتج نتايج باطلة و لذلك نقول ان بعلم المنطق لايحصل العلم بصحة البرهان و صحة النتيجة اذ به يصحح صورة الحجة و اما مادتها فليست تصح بذلك العلم.
و الرابع قولهم فالعمل بالظن هو اللازم غير صحيح لوجوه شتي: فمنها انه اذا انسد باب العلم علي فرض صحة قولكم فالتكليف ساقط لادلة الكتاب و السنة و ما رأيتم من الاجماع علي بقاء التكليف فهو لاجل عدم انسداد باب العلم و هذا الاجماع حجة لدخول الامام7 في الجماعة و الامام يعلم ان باب العلم لمينسد فقال ببقاء التكليف و الاجماع علي بقاء التكليف دليل عدم انسداد لاجواز العمل بالظن فالشيعة مجمعون علي بقاء التكليف اليوم و ليسوا بمجمعين علي ان من انسد عليه باب العلم فتكليفه الظن فان قوما منهم يقولون ما انسد باب التكليف و لاينسد الي يوم القيمة و ان انسد فرضا فالتكليف
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 69 *»
ساقط فقد قال الله سبحانه لايكلف الله نفسا الا ما اتاها و قال لايكلف الله نفسا الا وسعها و قال و ما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قيل لابيعبدالله7 اصلحك الله هل جعل في الناس اداة ينالون بها المعرفة فقال لا قيل فهل كلفوا المعرفة قال لا علي الله البيان لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و سئل عن قول الله عزوجل ما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون قال حتي يعرفهم ما يرضيه و ما يسخطه و قال7 من عمل بما علم كفي علم ما لميعلم و سئل عمن لميعرف شيئا هل عليه شيء قال لا و قال ماحجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قيل لابيجعفر7 ترد علينا اشياء لانجدها في الكتاب و السنة فنقول فيها برأينا فقال اما انك ان اصبت لمتوجر و ان اخطأت كذبت علي الله و قال ابوعبد الله7 لايسعكم في ما ينزل بكم مما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت الخبر و قال في حديث اما ما صنع النبي9 فقد اخبرتك و اما ما لميصنع فلاعلم لي به و قيل له ان قوما من اصحابنا قد تفقهوا و اصابوا علما و رووا احاديث فيرد عليهم الشيء فيقولون برأيهم فقال لا و هل هلك من مضي الا بهذا و اشباهه و قيل يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها فقال لا اما انك ان اصبت لمتوجر و ان كان خطاء كذبت علي الله و قال اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لمتسمعوه منا و لاشك ان مراد الاصحاب كان العمل بالظن في غير المنصوص و غير المعلوم فنهاهم عنه و قال ابوجعفر7 ليس علي الناس ان يعلموا حتي يكون الله هو المعلم لهم فاذا علمهم فعليهم ان يعلموا و قال ابوعبدالله7 ان الله احتج علي الناس بما آتاهم و عرفهم و قال ليس لله علي خلقه ان يعرفوا و للخلق علي الله ان يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان يقبلوا و قال الناس في سعة حتي يعلموا و قال اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه و قال كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص الي غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي رويناها في فصل الخطاب و هي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 70 *»
متواترة موافقة للكتاب و العقل المستنير المستطاب و مناسب لعدل الله المجمع عليه بين الاصحاب و مضامينها ثابتة بلا ارتياب فاذا فقد العلم بالاحكام المستنبط من الكتاب و السنة رفع التكليف و هو مقتضي العدل.
و منها علي فرض صحة قولكم انسد باب العلم بحقيقة الاحكام لايستلزم ذلك العمل بالظن فانه يمكننا تحصيل العلم ببراءة الذمة بواسطة الاحتياط و لا عسر و لا حرج فان كل امر لا قائل به فلايحتاط له و كل قول به قائل فقد راعي فيه عدم العسر و الحرج و لميفت بما فيه الحرج في الدين و اما الجمع بين الاقوال في مقام الاحتياط فان بلغ العسر و الحرج فليس من الدين و لايتعبد الله به فيترك و يعمل بما لاعسر فيه و لا حرج فاذا امكن الاحتياط فقد امكن العلم ببراءة الذمة و اذا امكن العلم فقد حرم الظن اجماعا و علي فرض لزوم العسر في بعض المواضع اتركوه في ذلك الموضع افلاجل موضع واحد يلزم من الاحتياط العسر يترك في جميع المواضع؟
و منها ان قولكم انسد باب العلم فليس علي كليته اذ رب حكم يعرف من الضرورة و رب حكم يستنبط من الضروريات و رب حكم يستنبط من الاجماعات المحصلة العامة و رب حكم يستنبط من اخبار مقرونة بقرائن قطعية و رب حكم يستنبط من الاخبار المستفيضة الموجبة للعلم علي نحو العلم الحاصل من الشياع و رب حكم يستنبط من المتواترات المعنوية و رب حكم يقرن بسيرة الشيعة و رب حكم يقرن بدليل عقل قطعي و رب حكم يمكن العلم ببراءة الذمة منه بالاحتياط فهذه الاحكام تعرف بدليل علمي فان بقي احكام لميحصل بها العلم و لميمكن الاحتياط فاصل البراءة و الاطلاق فيها ملجأ و ملاذ و لايحتاج الي العمل بالظن فاي حاجة الي العمل بالظن؟
و منها انا نسألكم هل الله عزوجل من عنده سد عليكم باب العلم بتقديره و تدبيره و حكمته او انتم سددتم علي انفسكم هذا الباب؟ فان سددتم انتم علي انفسكم الباب و حجبتم انفسكم عن رؤية الحق فانتم مأخوذون فتوبوا الي بارئكم و لاتحجبوا انفسكم و ان كان الله عزوجل هو الذي سد عليكم فكلما غلب الله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 71 *»
علي امر فهو اولي بالعذر فلاتكليف عليكم و هو مرفوع عنكم البتة لقوله ماحجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قال الله عزوجل لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها.
و منها انه لاشك و لاريب انه ليس يحصل لكل فقيه في كل مسألة علم او ظن و كثير من المسائل يبقي في قالب الاشكال و التحير و لايمكن للفقيه التخلص منه و ترجيح احد الوجوه المحتملة فاذا قيل لكم انسد عليكم باب العلم و الظن و التكليف باق فما تصنعون حينئذ و لم لاتستخرجون ذلك باستخارة او رمل او اسطرلاب او تفأل او مشاورة او غير ذلك فان قلتم قد نهي عن امثال ذلك قلنا قد نهي عن الظن و التخمين باضعاف ذلك و اي نهي اشد من النهي في مأة آية و الف و مأتي حديث و الاجماع و الادلة العقلية فكل ما تصنعون في تلك المواضع التي تتوقفون فيها فاصنعوا في البواقي ايضا كذلك و كما لامغمز في صنعكم في تلك المواضع بالتوقف و الاحتياط لا مغمز بالتوقف في المواضع المظنونة و الاحتياط.
فصل: قد نقل تفصيل عن بعض المتأخرين لاجمال الدليل السابق ربما يظن الضعفاء انه سبب انسداد باب العلم واقعا بالتكليف فاحببت ان اشير الي ما يجب الجواب عنه ببرهان واضح جلي قال القوم لنا علي انسداد باب العلم وجوه منها ان غيبة الامام عن الانام صارت سببا لسد باب العلم اقول الحق المقرون بالانصاف ان حال غيبة الامام لمتتفاوت مع ظهورهم بل صارت الشريعة فيها اشد ظهورا و الحق اكثر بروزا و الدين اثبت اركانا بلاشك و لاريب و ذلك ان الائمة في عصرهم مابين ساكت في كسر بيته مختب او محبوس في سجن او مرصود عليه عيون لا يأتيه احد و لايقدر علي سؤاله شيعي و لو سأله لايجسر الامام ان يفتيه بمر الحق او مبتلي بالتقية من جنده و رعيته و عامة الخلق لايقدر علي الافتاء بالحق و ربما يوري في كلامه و يعمي خوفا من فرعون و ملأه ان يفتنهم و خوفا من انقلابه عليه و ان وجد في خلوة شيعيا يخاف ان يفتيه بالحق خوفا من عمله به و ابتلائه فيجيبه ايضا بالتقية و كان بيد كل شيعي شيء من اخبارهم او
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 72 *»
اصل من اصولهم و قد شيب مر حقه بتقيته لايعلم ايها من مر الحق و ايها من باب التقية و مع عدم القدرة علي السؤال كانوا متفرقين في اطراف المشرق و المغرب و كان يأتيهم الاخبار من فاسق و عادل و ساه و ضابط و عدو كاذب عليهم و صديق صادق عليهم و ذلك كله في بعض وجوه الاحكام و لميكن عند كل احد كل ما يحتاج اليه و اما اليوم فقد جمع و الحمد لله جميع تلك الاخبار و اتانا الاثار من الاقطار و اجتمعت الاصول و جمعت في الجوامع و كثرت القرائن و فسر بعض الاخبار بعضا و حصلت الشواهد و عرف اللحن و تراجمت الظنون و ظهر كثير من المكنون و من انصف عرف ان الحق اوضح من عصر الائمة بسبعين مرة ولكن هولاء يتصورون الامام جالسا علي دست العز يفتي بلاخوف و هو يقول يا سيدي كيف هذه المسألة و كيف هذه فهو متوجه اليه يجيبه عمايحب كما يحب فيقول كان في اعصارهم باب العلم مفتوحا و انسد اليوم و لو فرض الامام مسجونا سنين في البصرة و هو ببخارا عمره لميزر اماما و عنده ستة احاديث في جميع امر دينه ينتظر مجييء احد من الشيعة اليه ليراه و لايأتيه عرف ان اليوم احسن من ذلك اليوم فهذا الكلام كلام خيالي ليس عليه حق و لا نور و لو ترقي احدكما ترقي احد و قال الدين كان في زمانهم ايضا بالظن حتي في مجلس الخطاب فان ما كان يقول الامام الفاظ و يحتمل فيه جميع ما يحتمل اليوم فاقول فعلي من نزل مأة آية في حرمة العمل بالظن و نطقوا بالف و مأتي حديث في وجوب الاخذ بالعلم و حرمة العمل بالظن؟ هل كان حصول العلم ممتنعا او معدوما في الدنيا و كان يرد كل هذه الاي و الروايات علي تكليف ما لايطاق و هل اتقوا في كل هذه الاي و الروايات و اعداؤهم كانوا قائلين بحجية الظن ما لكم كيف تحكمون اكانوا جاهلين بان العلم غير ممكن فالانصاف يقتضي ان هذه الاقوال خارجة عن الاعتدال و لاينبغي ان يتفوه به الرجال فتخصيص سد باب العلم بزمان الغيبة من جهتها او تعميمه زمان حضورهم باطل لاشك فيه و لاريب يعتريه و منها دس المكذوب في الاخبار فكيف يحصل العلم منها مع العلم بوقوع الكذب فيها ثم ذكروا اخبار الدس و قد اجاب الاخباريون عن ذلك بادلة و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 73 *»
عندي انها ادلة ظنية لاتغني من الحق شيئا فان القول بان الشيعة صرفوا اعمارهم في اخراج المدسوس لايحصل منه العلم بظفرهم بكل مدسوس و اخراجهم كل مدسوس و لنا عن ذلك جواب نذكره ان شاء الله ولكن الان نقول للقوم كيف حصل لكم العلم بوقوع الدس بهذه الاخبار العديدة فلعل هذه الاخبار الدالة علي الدس مدسوسة قد دست لتشويش اذهانكم و انتم تريدون الاستدلال علي عدم حصول العلم بشيء من هذه الاخبار المتضافرة و نقول ان الاخبار الدالة علي الدس مظنونة علي قولكم و دلالاتها علي وقوع الدس مظنونة فلم لاتقولون ان الاصل عدم الدس حتي يحصل العلم بالدس و اقول هذا الدس الذي تقولون كان في اعصار الائمة فلو كان سبب انسداد باب العلم فلم نزلت هذه الايات و لمصدرت هذه الاخبار و هم يعلمون ان الدس واقع و باب العلم مسدود فلمكلفوهم بما لايقدرون و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها اي الا ما عرفها و منها ان الطريق الي العلم بالاحكام الشرعية و الفروع الفقهية منحصر في ما وصل الينا من الايات و الاخبار و دلالتها علي المعاني المقصودة منها ظنية فلايحصل العلم مضافا الي قيام الاحتمالات و شيوع المجازات و غلبتها علي الحقايق و ورود جملة من الاخبار ان كلامهم: ينصرف الي سبعين وجها لهم في كل واحد منها المخرج.
اقول اما هذا الوجه فكلام سوفسطائي و الانصاف يقتضي ان يقال انا يحصل لنا العلم العادي بمعاني اكثر الاخبار بلاغبار كمايحصل لنا العلم العادي بمعاني كتب الفقهاء المتقدمين و التواريخ و كتب الشعراء و الادباء و ذلك امر جبلي لاينكره الا موسوس و هم ايضا بالفطرة يستدلون في الفقه بجميع الاخبار بلاغبار و انما يوسوس في علم الاصول و يقولون فيه ما ليس له محصول و لست اقول ذلك في جميع الاخبار بل يتفق فيها ما لايحصل العلم بمدلوله و هو من المتشابهات و هو اقل قليل كما هو في ساير الكتب. و اما قولهم انا نتكلم بالكلمة و نريد منها سبعين وجها فثبوت البطون في وجوهها لاينافي ارادة الظاهر و المكلف المأمور من عند الله بهداية الخلق لايخاطب الخلق بغير الظاهر و ان صح ان ارادة السبعين وجها سبب الانسداد فقولوا جميع الدين مشكوك لا مظنون و ما الذي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 74 *»
ابقي الظن؟ و الذي ابقي الظن لم لميبق العلم و ما الذي منعه عن العلم و لميمنعه من الظن؟ و الباعث لبقاء الظن هو الباعث لبقاء العلم و هو ان الحجة لابد و ان يبلغ ما حمّل و لا ابلاغ الا بلسان المبلغ اليه و قد قال الله سبحانه و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه و قال9 انا معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم و لو فتح هذا الباب لانسد باب امكان التبليغ فان النبي اذا قال شيئا يمكن ان يقال له ما نفهم معني مرادك و يحتمل في قولك سبعون معني لانعلم ايها مقصودك فلو صرح بان مرادي الظاهر يمكن لقائل ان يقول هذا الكلام الثاني ايضا يحتمل سبعين معني فلو حلف عليه يمينا فلقائل ان يقول لحلفك ايضا سبعون وجها و هكذا و ليس هذا شيمة الانبياء قطعا بل النبي اذا بعث في قوم جاءهم و ادي رسالته بلسانهم و متفاهم ملأهم و الا لميبلغ اليهم رسالة ربه قطعا.
و منها ان احتمال التقية و التورية يمنعان من حصول العلم اقول يأتي الجواب عنه و منها ان الجمع بين الاخبار المختلفة لايمكن الا بوجه غايته غلبة الظن دون العلم اقول اذا اردتم الجمع بين الاخبار بضرب من التأويل فتأولوا كل واحد الي موضع خاص ربما يكون ذلك ولكن ذلك غير مأمور به و ذلك اختراع من المخترعين و اما اذا بنيتم علي الجمع علي النحو المقرر شرعا فان حصل القطع بتعيين واحد اخذتم به و الا فعملتم بالتخيير كما ورد به النص فلاتحتاجون الي العمل بالظن.
و منها ان الايات و الاخبار لاتفي بما كلفنا به من الاحكام و التكليف مستمر الي يوم القيمة و ابواب العلم بالسؤال عن اهل الذكر مسدودة علينا في هذه الايام فلذا اضطررنا الي اصالة حجية الظن و تعدينا عن الكتاب و السنة.
اقول هذا قول العامة بعينه و لايتمشي في مذهبنا ءانزل الله دينا ناقصا فاستعان بكم علي اتمامه او انزل دينا تاما فقصر الرسول عن ابلاغه و ادائه او انتم شركاء لله فلكم ان تقولوا و عليه ان يرضي او كان الله و لا دين له حتي يجتهد المجتهد فيظن شيئا و يحكم به فيتخذه الله دينا؟ نعوذ بالله من هذه الاقاويل الباطلة قال ابوالحسن7
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 75 *»
اتاهم رسول الله9 بما يستغنون به في عهده و ما يكتفون من بعده كتاب الله و سنة نبيه انتهي. و قد ذهب و ترك فينا هذين و قال ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا و الاخبار بوجوب الاخذ عنهم و السكوت عما سكتوا متواترة و بطلان هذا القول اوضح من الشمس في رابعة النهار عند من له تتبع ما في الاخبار هذا و انا نري قوما عدولا ثقات قد اقتصروا علي ما في الكتاب و السنة و افتوا في جميع ما افتيتم بمقتضاهما و لميعملوا بما عملتم فان قلتم بفسقهم و كذبهم فلاجواب لكم عندنا و ان قلتم بصدقهم فقد بطل دليلكم و منها ان ارتداد بعض اصحاب الاصول صار سبب عدم الاعتماد علي ما صدر منهم من الاخبار و كثير منها بهذه المنزلة فكيف يمكن الاعتماد عليها و الركون اليها اقول نحن لانقول بوجوب الاخذ بكل خبر او خبر لايوثق به ما علمتم انه قولهم فالزموه و ما لمتعلموا فها فكل خبر دلت القرائن علي صحة العمل به اخذ سواء كان من بر او فاجر و كل خبر شككت فيه ترده الي اهل البيت: حتي يأتيك البيان فما عليك من ارتدادهم و كفرهم و منها ان غالب الاخبار التي وصلت الينا انما هي و جادة و كتابة و مناولة و الكتابة غير معلومة الحجية و علي تقديرها فلاتفيد الا ظنا اقول الجواب علي حذو ما مر و منها ان اكثر الرواة لمينقلوا لفظ المعصوم: بل نقلوه بالمعني و النقل بالمعني ربما يلزم منه تغيير الاحكام فكيف يحصل القطع بالاحكام و في كثير من الاخبار اختلط كلام الراوي بكلام المعصوم7 فينسد باب العلم و اليقين اقول هذا النقل شيء اذن فيه الحجج: و قرروا شيعتهم عليه فان كان ذلك سبب انسداد باب العلم فلممنعوا شيعتهم عن العمل بالظن و بغير العلم في كل هذه الاخبار التي تجاوز الالف؟ هذا و ما عليك من النقل ان كان الرجل ثقة فخذ به بامرهم و ان كان غير ثقة فلاتأخذ به و ان روي باللفظ و سيأتي جواب عام عن جميع ذلك.
و منها انه لو لميجب العمل بالظن لزم ترجيح المرجوح علي الراجح و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 76 *»
هو باطل اقول الراجح اتباع مأة آية و الف و مأتي حديث في ترك العمل بالظن و التوقف في الحكم و العمل بالاحتياط او متابعة هذه الادلة الواهية الظنية و هو اثبات ظن بظن فلم اخذتم بالظن و الاحتياط مع الظن ارجح و اولي فلمتركتم الاحتياط و عملتم بالظن و لرب مقلد ظنه عنده ارجح من مختار مجتهده فلم لاتوجبون عليه العمل بظنه و الادلة العقلية لاتخصص و ما حجتكم علي الكافر اذا قال اني آخذ بظني و ما سبب اللوم في قوله تعالي ان يتبعون الا الظن و للكافر ان يقول ترجيح المرجوح قبيح و ظني اقوي من وهمي فالعمل بظني متعين و لمتتركون العمل برواية الكافر و المشرك و اصحاب الارتداد اذا افاد ظنا و هو ارجح من الوهم و ان عمل عامل به فما الفائدة في تنويع الاخبار هذا و قد قال قائلهم و نحن نعمل بالاخبار لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن بها و منها ان مخالفة ما ظنه المجتهد حكم الله مظنة للضرر و دفع الضرر المظنون واجب فالعمل بظنه واجب اقول ان ترك الاخذ بما ظنه المجتهد متحتم فان في الاخذ به يقين الضرر و انما يتيقن بالضرر بنهي الله عزوجل و نهي رسوله و قد عرفت النهي في مأة آية و الف و مأتي حديث و اي حرام اعظم من هذا و ما من شيء يقربكم من النار و يبعدكم من الجنة الا و نهاكم عنه فالضرر المظنون و المتيقن في العمل بالظن فاتركوه ان كنتم عن الضرر مجتنبين.
و منها ان شغل الذمة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية و لايتم الا بالاخذ بكل ما يفيد الظن الا ما دل الدليل علي خروجه. اقول الاخذ بالمظنون لايفيد العلم بالبراءة بل يفيد العلم بالوقوع في الحرام لصدور النهي المتواتر عنه و هذه مغلطة و ان ذمة العبد لاتشتغل بشيء الا بعد بيان الله عزوجل لقوله لايكلف الله نفسا الا ما آتيها اي عرفها و لقوله و ما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و لا بيان الا بدلالة واضحة مورثة لليقين فاذا اراد الله تعريف قوم شيئا نصب عليه ادلة مورثة للمعرفة و اليقين فاذا عرف اشتغل الذمة بما عرف و اذ لميعرف فلااشتغال حتي نحتاج الي البراءة و اما اذا ثبت اشتغال مجمل و شككنا في تفصيله فلابد من الاحتياط حتي نعلم انه قد بريء الذمة مما اشتغلت به و لا احتياط الا في
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 77 *»
احتمالات يستفاد من الشرع و من الكتاب و السنة اذا كان آية او رواية او روايات تحتمل وجوها او يدل كل واحدة علي معني و اما الاحتمالات العقلية فيمتنع الاحتياط فيها كما لااحتياط في عمل يجمع اقوال قوم لا برهان عليها من الله عزوجل قالوا و منها ان الاختلاف الواقع في الروايات يمنع من حصول العلم بها.
و منها سهو الرواة و نسيانهم و خطاؤهم ان لمنقل بتعمدهم الكذب فانهم غير معصومين و حصول العلم من غير قول المعصوم واضح البطلان اقول و نحن نجيب عن هذه الشبهات و امثالها من الشبه ان هذه المعايب علي ما تقولون كانت في الاخبار منذ صدرت و كانت الاخبار تسير الي الاقطار مع هذه الاخطار التي ظننتموها و كان الائمة: عالمون بها مطلعون عليها لايخفي عليهم شيء منها و قد امروا شيعتهم بالاخذ بها و التمسك بحبلها حتي ان النبي9 ذهب و قال اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي و الائمة سلام الله عليهم تركوا في شيعتهم النائين عنهم و الغائبين عن حضور مجالسهم و في شيعتهم المنقطعين عنهم بعد غيبتهم هذه الاخبار بعينها عن عمد و اختيار قطعا جزما و لميتركوا غيرها قطعا و لميقصروا في ابلاغ دين الله جزما فهذه الاخبار هي دين الله قطعا جزما علي ما هي عليه صدقتم او كذبتم فليكن ماكان و نحن اذا عملنا بها عملنا بقطعنا انه من دين الله و لمنعمل بالظن بصدورها او مفادها كما اذا عملتم بشهادة الشاهدين لمتعملوا بها من حيث افادتها الظن بل تعبدتم لله جل جلاله بامره بالاخذ بقول الشاهدين سواء افادت الوهم او الشك او الظن او القطع و لايجوز ان تتفرقوا فيقول قوم نحن نجوز العمل بالظن و يقول قوم نحن لانجوز اذ انتم لمتعملوا بالشهادة من حيث ماتفيد في النفس و انما تعملون بها من حيث امركم الله بالاخذ بها قطعا فكلكم عاملون بالقطع اذا عملتم بها و اين هذا القول من قول من يقول و نحن نعمل بالاخبار لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن فكذلك هذه الاخبار هي دين الله الجبار التي اتي بها النبي المختار و تركها الائمة الاطهار بين شيعتهم الابرار و امروهم باقتفاء تلك الاثار بلاغبار علي ما هي عليه مما تقولون صادقين او كاذبين فيجب اتباعها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 78 *»
و ان قلت اما اتباع آثارهم جملا و نوعا فلاشك في وجوبه و نحن لانشك فيه و هي في ضمن هذه الاخبار بلاشك اما تفصيلا فلانسلم و لايمكن لنا العلم بوجوب اقتفاء اثر كل ما روي و انتم ايضا لاتقولون بذلك و نحن نقول ان الاثار الحق المتبعة في هذه المرويات مختبية و يجب علينا الفحص عنها و لانصل اليها الا بالظن. اقول هذه الاخبار جاءت مشيبة من يوم اول و كانت في اعصارهم ايضا كذلك و مع ذلك انزل الله مأة آية في تحريم العمل بالظن و صدر عنهم الف و مأتا حديث في تحريمه مع ان اخبارهم كانت كذلك من يوم اول و لايلقي عاقل بين الخلق مالايفيد الا الظن ثم يحرم الظن عليهم و ذلك ابطال للدين قطعا فلابد و ان يكون هنالك طريق آخر ضللتموه او تركتموه او غفلتم عنه يمكن تحصيل العلم فيه بالحق و ذلك هو ما اخترناه و سنذكره ان شاء الله في فصل خاص مفصلا فالذي نذكره هنا ان هذه الاخبار مع كل ما تقولون هي التي تركوها فينا و هذا الذي يحصل لنا منها هو الذي ارادوا منا و به نعمل للعلم بانه تكليفنا و لسنا عاملين بالظن اذا كما انا لسنا عاملين بالظن اذا عملنا بشهادة الشهود او صدّقنا المرأة في ما اخبرت من نفسها و عرفنا الانساب و الولايات و العدول و امثالها فكما انا علمنا ان حكم الله في هذه الامور العمل بمقتضي ما يؤدي ظاهر الحال علمنا ان حكم الله في هذه الاخبار مع كل ما تقولون العمل بظاهر الحال و لسنا عاملين بالاخبار من حيث افادتها الظن و من حيث ان ترجيح المرجوح قبيح و من حيث ان دفع الضرر المظنون واجب كما تقولون بل هي اخبار تركوها فينا قطعا و امرونا بالرجوع اليها قطعا بقواعد مقررة و نحن نرجع اليها كما امرونا و نعمل بها كائنة ما كانت في الواقع و هم اعلم بما قالوا كما ان الكتاب قد وقع فيه تحريف و تبديل و تقديم و تأخير و زيادة و نقصان و مع ذلك قالوا لنا اعملوا به كما علمتم فعملنا به بارد القلب ثلج الفؤاد اليس في دولة التقية في ايدي الناس حق و باطل و قالوا لنا امضوا في احكامهم حقا كانت او باطلا فمضينا و ما علينا من واقع امرهم من شيء و ان قلت انا لانشك في ما قلت و لذا نعمل بالاخبار ولكن الشأن في تعيين ما يعمل به منها و ذلك لايحصل لنا بالعلم فننظر فيها حتي يحصل لنا الظن بانه الخبر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 79 *»
الذي تركوه فينا و امرونا بالاخذ بها و هذا الذي فهمنا منها هو الذي ارادوا منها فنحن لانعمل بما توهمنا انه الحق و لا بما شككنا و لايحصل لنا العلم فنعمل بما ظننا و هو تكليفنا اليوم كما قلت و هذا هو مرادنا من العمل بالظن الخاص قلت نعم نحن نذكر طريق حصول العلم بجميع ذلك في فصل علي حدة ان شاء الله مفصلا فترقب.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 80 *»
الباب الثالث
في امكان حصول العلم و كيفيته و ان الباب المسدود غير مطلوب و ان المطلوب غير مسدود و لميمنع الله عبيده ما كلفهم و كلفهم ما آتاهم و وسعهم و فيه فصول:
فصل: اعلم اولا انا قدمنا ان جميع ما في العالم علي ثلثة اقسام حقايق و كليات و جزئيات اما الحقايق فلايمكن الوصول اليها الا بالعلم الفؤادي الذي يعبر عنه عند الفرق بالمعرفة و اما الكليات فلايمكن الوصول اليها الا بالعلم العقلاني و البرهان العقلي و ليس البرهان العقلي كلما تكلم فيه متكلم من عند نفسه من دون استناد الي نقل كما ظنوه و سموه في كتبهم دليلا عقليا بل الدليل العقلي ما يفيد وجوب كون الشيء و امتناع ضده كما تعرف ببداهة العقل ان الكل اعظم من الجزء مثلا و العدد اما فرد و اما زوج مثلا و يعبر عنه عند الفرق باليقين و اما الجزئيات فلايمكن الوصول اليها الا بالحواس الظاهرة و الباطنة النفسانية المدركة للجزئيات و يعبر عن ادراكها عند الفرق بالعلم فهذه المشاعر اذا حصل فيها شيء ادركها و ان لميحصل لمتدرك و ليست تدري هذه المشاعر ان ما ادركت موافق للواقع الخارج بحيث يمتنع خلافه و لاتدرك حقيقته ابدا بل حظها درك الصورة لها و نحن اذا تجاوزنا عن العقايد و الكليات الدهرية فجميع ما في عالم الزمان جزئيات يدرك بالحواس الظاهرة فما قابل عينك و وقع فيها قلت ابصرت و ما قابل سمعك و وقع في اذنك قلت سمعت و ما وقع في خيالك و انطبع فيه قلت ادركت و شعرت و هكذا و ان لمتعلم عقلا ان ذلك كذلك في الواقع الخارج و يمتنع خلافه فلايصدق جميع اهل الدنيا اذا اخبروا بخلافه بل الذي في المشاعر يذهب ان ذهب الشاخص و جاء خلافه ان جاء غير ذلك الشاخص الا تري انه ان اخبرك شخص بخبر تفهمه و ان جاء آخر اوثق منه و اخبرك بخلافه ذهب الاول من نفسك و ثبت الثاني و ان جاء آخر اوثق منه و كان معصوما مثلا ذهب السابق و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 81 *»
جاء شيء آخر و ثبت في نفسك فهذا العلم هو العلم العادي و يجامع العلم العقلي و ظنه و شكه و وهمه و لاينافي العلم العادي الامكانات العقلية التي هي من اسباب الشك العقلي مثلا اذا جاءك الاخبار بتواتر ان مكة موجودة استقر في نفسك ان مكة موجودة و ثبت صورة ذلك في نفسك و اما عقلا و امكانا فليست مكة بممتنع العدم و لا بواجبة الوجود فلادليل عقلا علي وجوب وجوده و امتناع عدمه في الخارج مع انه ثبت في نفسك انها موجودة فاذا جميع الاخبار و الاثار المروية عن الشارع و مداليلها من الامور الجزئية الزمانية التي مرجعها النفس و العلم العادي و يجب ان تحصل بالعلم العادي و ان اغلب ما يقوله القوم من الامكانات العقلية و قد يقع الممكن العقلي في الخارج ولكن لايضر ما لميكن عاديا متعارفا يقوم بازاء الاحتمال الاخر مثلا اذا اخبر قوم بوجود مكة ثبت صورته في النفس و يمكن كذب القوم ولكن ليس بمعتاد في الدنيا ان يكذب اقوام متفرقة لاغرض لهم و لا اتهام في امر محسوس ولكنه يمكن عقلا فهذا الامكان العقلي و ان اتفق في العالم مثلا مرة في مكان ولكن ليس بمعتاد و لا اثر له في النفس و لا ينتقش عكسه في النفس و لايثبت فيها لقلته و ندرة حدوث اسبابه و علله فاذ لا اثر له في النفس و لايقوم بازاء اخبار القوم الشايع صدقه في العالم المؤثر في النفس فلاجل ذلك لايقوم بازاء الاحتمال العادي القريب الاحتمال غير المساوي فلو بني الانسان اجراء الاحتمالات غير العادية و الحكم بمقتضاها لعد مجنونا الاتري انه اذا لميأو الانسان بيتا باحتمال انه يقع سقفه عد مجنونا مع انه قد اتفق في الدنيا ان خر سقف و وقع لكنه غير معتاد و كذا لو القي نفسه في البحر و قال ما حصل لي علم بان الانسان يغرق في البحر لامحالة و قد اتفق انه لميغرق انسان يوما ما فلا يجوز عند العقلاء اجراء الحكم بمقتضي ذلك الاحتمال و كذلك لايقال بمحض امكان سقوط السقف اني اءويه بظني عدم وقوعه اذ المراد بهذا الظن ان كان الظن العقلي فلا ظن عقليا علي عدم وقوعه اذ الظن العقلي ما يحدث من دليلين عقليين احدهما ارجح من الاخر و اقوي و ان كان الظن العادي فلانسلم فان الظن العادي ما كان الاحتمالان موجودين في الخارج
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 82 *»
كثيرا عادة الا ان احدهما ارجح و اما الاحتمال النادر فلايثبت في النفس و لايؤثر وهما كما ذكرنا و هو كالاحتمال العقلي فليس ايواؤنا البيت لظن عدم وقوعه بل العلم العادي الذي اثره سكون النفس المعتدلة حاصل و ان اتفق سقوطه يوما ما فمن شك في العاديات بالاحتمالات العقلية فقد خرج عن طريقة العقلاء و الانبياء و الاولياء الذين هم المعتدلون و الموازين القسط الذين يوزن بهم كل منحرف عن الصواب فالشريعة من الامور الجزئية التي مدارها علي العلم العادي ثم الشرعي و ليس يعتبر فيه العلم العقلي و اقامة البراهين التي توجب وجود الشيء و امتناع عدمه حتي يحصل القطع الذي لايمكن خلافه ان هذا هكذا فاذا حصل العلم العادي بثبوت كلام عن الشارع او العلم الشرعي فهو المتبع و يجب الاخذ به و ذلك ان الشرع هو سياسة المدن و المدار علي كون الرعية الجهلة غير المعصومين المختلفين في المدارك و المشاعر مجتمعين علي امر السايس و الراعي عاملين بقوله غير مستبدين بارائهم المتفرقة و اهوائهم المتشتة التي هي سبب تفرق المدينة و خرابها و السياسة لايمكن بالادلة العقلية و احداث العلوم العقلية في الرعية الجهلة بل المدار علي الامر و النهي و الايصال و الابلاغ و العمل به علي مقتضي نظم هذا العالم و هو غاية المراد فاذا عرفت ان مدار علم الشرع علي العلم العادي و الشرعي فلاتطلب العلم العقلي و لاتحم حول الاحتمالات العقلية و اصغ باذن الانصاف الي ما اقول و انظر بعين الانصاف في مطاوي ما انشره لك اعلم انه لاشك ان طبيعة البشر علي النطق و السمع و التعبير عما في قلوبهم بهذه الاصوات و الكلمات و تفهيم غيرهم و لهم علي حسب طبايعهم المختلفة كانت السنة مختلفة يتكلمون بها بينهم و يعاملون و منهم العرب كانوا يتكلمون بلسان العرب و يعيشون به و يعاملون و يدور اسواقهم و معاملاتهم علي ذلك اللسان فجاء النبي9 بلسان العرب و قام بينهم و دعاهم الي الايمان و العمل بالشرايع و لميأت لهم بكتاب لغة و لا صرف و لا نحو و لا معان و لا بيان و لا بديع و لا کلام و لا اصول فقه و لا علمهم ذلك من الخارج بل قام بينهم و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 83 *»
قال قولوا كذا و افعلوا كذا و اذهبوا الي كذا كساير الملوك و السلاطين و هم فهموا كلامه كما كانوا يفهمون لغاتهم بينهم و محاوراتهم لديهم و ان لميفهم احد يوما لكان كمن كلمه عربي آخر و لميحققه فاستفهمه حتي فهمه و ذلك من البديهيات و لو كان غير ذلك لنقل و ما خفي بل كان من البديهيات كالصلوة و الصوم لمس الضرورة اليه من الكل فكان يكلمهم بلسانهم و يبلغ اليهم الاوامر و النواهي بل لو لميقل بلسانهم لميبلغ رسالته اليهم اذ لو قام رجل هندي جاء من عند سلطانه بين جماعة عربيين و تكلم بكلمات لميفهمه احد لايقال انه بلغ رسالة سلطانه الي القوم و القوم معذورون في ترك طاعته فجاء و تكلم و افهم و بلغ و اعذر قال الله سبحانه و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه و قال النبي9 نحن معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم فمن شروط ابلاغ الرسالة الواجب عليه التكلم بما هو المتعارف بين العرب فجاء و تكلم و عرف العرب مطلبه و ان لميعرف جاهل استفهمه منه او من غيره حتي يعرف و ان تكلم بلفظ علي غير مصطلحهم ردد عليهم و كرر حتي علموا اصطلاحه فكانوا يعتقدون معاني كلامه كما يعتقدون معاني كلامهم بينهم و هذا الاعتقاد منهم هو مرضي الله و رسوله قطعا اذ لو لميرضياه لغيراه و منعا منه كما منعا من عبادة الاوثان فهذا التفاهم مرضي الله و مرضي رسوله9 فسمه ما شئت ان شئت فسمه ظنا و ان شئت فسمه علما اذ هو مرضي الله و مرضي رسوله قطعا جزما و عليه عمل العالم ولكن اقول لك ان متفاهم الناس هو العلم العادي و هو ما يسكن اليه النفس و لاتلتفت الي غيره من الاحتمالات العقلية فلو قال رجل لرجل اعطني مالي الذي اطلبه منك فقال المطلوب منه اني لماحصل العلم بمطالبتك مالك و ان ما تقول الفاظ لايحصل منها الا الظن فانا ظان بانك تطالبني مالك لعد مجنونا عند الناس اجمعين و لوعاملك رجل كذلك و كلما كلمته فيقول لك اني لاحصلت العلم بمرادك و اني لظان لعجزت و مقتت قوله البتة و سفهته و حكمت بانه مجنون و غضبت و رفعت صوتك و ربما تضربه و كدت ان تقتله لانه يقول اني ظان بمرادك غير عالم و لايعطيك ما تطلبه منه و تكلمه له فاذا كان الامر كذلك فكيف صار كلام الحجج
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 84 *»
المعصومين: علي خلاف ذلك و كان مورثا للظن و ان قلت ان اسباب تردد النفس في الاحاديث عادية ليست بنادرة الوقوع بل هي شايعة متعارفة في كل عصر و بلد و قوم فان منها سهو الرواة و نسيانهم و خطاءهم و كذب الكاذبين و دس الداسين و وقوع التقية و غلط الكتّاب و سهو المقابلين ثم احتمالات الكلام و اختلاف الاعصار و البلاد في الاصطلاحات و اللغات و اختلاف الانظار عند اختلاف الاخبار و قيام الاحتمالات في المعاني و المرادات و توارد القرائن و تعارض الاصول و الانقطاع عن صاحب الكلام و التقية الشديدة و اشتباه الحق بالباطل في جميع الموارد بان اخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث و اتيا جميعا و كثرة اختلاف الفقهاء لكثرة الانظار و كثرة الشبهات و اختلاف الامزجة و الطبايع و ذلك كله عادية معروفة شايعة حتي انا نري انه لايأتينا خبر من كسر بلد الي كسر آخر الا علي خلاف الواقع غالبا و لايروي رواية صحيحة الا نادرا و اذا نظرنا بالانصاف ما اجاب الاخباريون عن هذه الوجوه الا بالظنون كما هو محقق في محله فاثبتوا علما بالظن فكيف يمكن العلم بصحة صدور الخبر بعد الف و قريب ثلث مأة سنة قلت الحق في ما قلت و الانصاف يقتضي ان يقال جميع ما قلت شايع متعارف و عادي طبع الدنيا و لميبق شيء من الحق الا و مزج بشيء من الباطل بل الانصاف يقتضي ان يقال ان الظن ايضا لايحصل الا في مواضع قليلة و انكم تسامحون او لاتجسرون ان تقولوا ان الاخبار اغلبها مشكوكة و كثير منها موهومات فلو ان الانسان نظر الي نفس الاخبار من حيث انها اخبار نقلت عن جماعة من الاناسي لميرهم و لميعرفهم
و الناس من حسب التمثال اكفاء
ابوهم آدم و الام حواء
و الانسان لايعلم الغيب لايكاد يستيقن بصحة صدور هذه الاخبار الا ما تواتر منها لفظا و البواقي مظنونات و مشكوكات و قد صدقتم في ذلك و الاخباريون قد تكلفوا في اثبات حصول العلم و جميع ما استدلوا به ظنيات و ارادوا اثبات حصول العلم بالظن فلاجل ذلك لميقبله عقولكم و انكرتم عليهم و الحق في ذلك معكم لاشك فيه ولكن ادخل عليكم من باب آخر قطعي يفتح عليكم باب العلم بحيث
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 85 *»
لايكذبكم و لايكذب الاخباري و يصدق حاصل قول الفريقين فاقول و لاقوة الا بالله انه لاشك و لاريب ان الناس في الجاهلية الجهلاء كانوا اقل تحرزا عن الكذب و الافتراء و العداوة و اللجاج و الفساد لان الاسلام قد حكم الناس حكمة يحترزون بها عن كثير من المعاصي نوعا يقينا و هم مختلفون في ضعف التحرز و قوته و قد جاء رسول الله9 و هم في تلك الجاهلية الجهلاء التي لايبالون معها ان يفتروا علي الله الكذب و هم جماح وحشيون فقام بينهم و دعاهم الي الايمان فآمنوا بايمان ضعيف فامرهم و نهاهم و من البين انهم مبتلون بمعاشهم فمنهم اهل البوادي محشورون مع ابلهم و غنمهم و دوابهم يتبعون قطر المطر و يتتبعون المراتع و منهم مكاريون و يتبعون دوابهم في اسفارهم و منهم اهل الاسواق يغدون الي اسواقهم و يروحون الي بيوتهم و منهم نساء جالسات في بيوتهن يربين صبيانهن و يخدمن بيوتهن و منهم رجال معدودة فارغون عن الاشغال يراوحون النبي و يأتونه حينا و يفارقونه حينا يسمعون اذا خطب خطبة او امر امرا سموا بالصحابة لكثرة صحبتهم فمن حضره منهم او من غيرهم احيانا و امر او نهي سمعه ثم ذهب و حكي لمن لميسمع مع ذلك الضبط الذي له ذلك اليوم و عزوب فهمه عن درك الفقه و العلم و الحكمة و لميصل كل حديث صدر منه الي كل مسلم في كل مكان علي نحو التواتر اللفظي بتة و مضي بذلك شهور و سنين و النبي9 يري و يسمع و نظم العالم و طباعه لايقتضي غير ذلك فكل من وثق بقول احد اخذ بقوله و روايته و صدقه و قامت عليه الحجة و كل من لميثق بقول من روي له مضي لسبيله حتي يصل اليه ممن يثق به و لميكن غير ذلك و ما كان يمكن غير ذلك في هذا العالم و النبي يري و يسمع ذلك و يقررهم علي ذلك و لمينههم عن ذلك بداهة و لميفرض عليهم تحصيل التواتر و من سمع من غير ثقة شيئا و كان معه قرائن و شواهد تدل علي صدقه و حصل في نفس المستمع انه قول النبي9 اخذ به فهو في الحقيقة عامل بالقرائن و الشواهد لابقول غير الثقة و من اعظم القرائن تقرير النبي9 اذا اطلع علي امر في امته و هو مطلع علي جميع رعيته لايغيب عنه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 86 *»
شيء من امورهم فما سكت عن ردعهم عنه و قررهم عليه نعلم انه الحق منه و اليه و ما نهاهم عنه ننتهي و لذلك قالوا سلام الله عليهم اسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله فذلك سنته التقريرية نعتمد عليها و نعمل بها عن جزم و يقين و لايضر بذلك احتمال انه لعله نهي و لميصل الي اذ لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و تكاليف الناس يختلف بحسب ما آتيهم الله من علمه و امره و علي ذلك مضت القرون في عصر النبي و اعصار الائمة: و كان ديدن اهل الملة علي ذلك من غير نكير من احد من الحجج عليهم قطعا مع ان الرواة في ذلك اليوم ايضا كان يجوز عليهم السهو و النسيان و الخطاء و التحريف و التغيير و الصدق و الكذب و جميع هذه الامراض كان فيهم موجودا و مع ذلك لميكلف الله و رسوله9 احدا بعلم الغيب و تحصيل العلم بان الراوي لميسه و لمينس و لميخط و لميكذب و لميحرف و هكذا و انما ذلك تكليف بما لايطاق و ما لايمكن لغير المعصوم لكنهم كانوا يعلمون علما لاشك فيه و لاريب يعتريه ان منتهي تكليفهم الاخذ عن الثقة بلا حاجة الي قرينة و عن غير الثقة مع قرينة الصدق فكان خبر الثقة و الخبر ذو القرينة موضوعا شرعيا حكم الله فيه جواز الاخذ كائنا ما كان كما ان تكليف المسلمين عدم الفحص عما في ايدي المسلمين مع ان في ايديهم مسروقا و مغصوبا و حلالا و حراما و نجسا و طاهرا ولكن حكم ما في ايدي المسلمين جواز الاخذ يقينا فنحن اذا اكلنا لحم السوق لسنا عاملين بالظن لانا لانطلب حصول الظن و لانفحص عنه بل نقول هذا لحم باعه مسلم يقينا و حكم اللحم الذي يبيعه المسلم الطهارة و الحل يقينا فانا آكله عن علم بحليته و طهارته و ما علي ان اسأل من واقع الامر حتي يحصل لي ظن او يقين و ما اريد ذلك و لااحتاج اليه و كذلك اذا عملت بشهادة الشاهدين حكمت بان المال لمن شهدا له و لست اقول اني اعمل بالظن و لا اطلب حصول الظن منها فلتكن شكا او وهما ولكنها قضية شهد لها العدلان يقينا و تكليفي الاخذ بشهادتهما يقينا و ما علي غير ذلك و كذلك صار في الاسلام كل مسلم امين كل مسلم علي ذات يده و علي صنعته و نهينا عن التجسس في عموم قوله تعالي و لا تجسسوا و اعتبر من قول السجاد7 في زبوره في الصلوة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 87 *»
علي التابعين حيث يقول اللهم و اوصل الي التابعين لهم باحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا الي قوله بالايمان خير جزائك الذين قصدوا سمتهم و تحروا وجهتهم و مضوا علي شاكلتهم لميثنهم ريب في بصيرتهم و لميختلجهم شك في قفو آثارهم و الايتمام بهداية منارهم مكانفين و موازرين لهم يدينون بدينهم و يهتدون بهداهم يقفون عليهم و لايتهمونهم فيما ادوا اليهم اللهم و صل علي التابعين من يومنا هذا الي يوم الدين الي ان قال و تبعثهم بها علي اعتقاد حسن الرجاء لك و الطمع فيما عندك و ترك التهمة فيما تحويه ايدي العباد لتردهم الي الرغبة اليك و الرهبة منك و تزهدهم في سعة العاجل الدعاء. فلايجوز في هذا الدين تهمة الرواة فيما ادوا اليهم من روايات الحجج و في ذلك فساد العالم و خراب عيش بني آدم و فناء الدين و زهوق شرايع المرسلين فمن سياسة المدن ان يجري الشرع بالاتكال علي اخبار الثقات كائنة ماكانت و في طلب الظن و اليقين في كل شيء مما يحويه ايدي الامة الضرر العظيم و الهلاك و البوار و الفساد و التعطيل و التعويق و امتناع التصرفات و امر بتحصيل علم الغيب او بالعسر و الحرج الشديد و بما لايطاق و بما لايمكن فسبحانه ما الطفه بخلقه و ما اوسع رحمته و سهل طرق دينه فالمسلمون بعضهم عدول امناء لبعض ما لمتشهد خلافه فالاصل الامانة و من المسلمين الرواة و العلماء و حملة الروايات الي الاخرين فهم صنعتهم ذلك فهم الامناء لذلك و لاينبغي التجسس عما في ايديهم اذا كانوا ثقات صادقين عندك و ما بال رواة الاثار و حملة الاخبار ليسوا بامناء و القابلة امينة في الاسلام و الظئر امينة في الاسلام و الاجير امين و الضيف امين و القصار امين و كل ذي صنعة امين و قد امرونا بالاخذ عن الثقات كما يأتيك في فصل بعد هذا و قررونا علي ذلك و طباع العالم علي ذلك و نظام العالم ذلك و يمتنع غير ذلك تالله ان هذا تكليف شطط لايطاق ان اعرف ان احمد بن محمد في كسر الكوفة في الف سنة قبل هذا ذلك اليوم في كلامه مع فلان لميسه و لمينس او اسعي حتي يحصل لي الظن فذلك ما لايكون و هل هذا الا مثل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 88 *»
التكليف بان اعرف آباء هذه الشاة الي عصر نوح7 و احصل الظن او العلم انها ما غصبت و ما سرقت و ما وطئت و اعرف ذلك في كل عصر حتي انتهي الي عصري هذا ثم احصل الظن او العلم ان هذا الجزار قد سمي و استقبل و باع بيعا شرعيا صحيحا بل هذا اهون لان الشاة عين مجسمة في كل عصر و ان سهو الرجل و نسيانه و خطاؤه امر باطني و نفساني و اني لي بذلك حتي احصل الظن او العلم بعدم السهو و النسيان و الخطاء ان هو الا تكليف بالممتنع و حاشا النبي9 ان يكون قد كلف احدا بذلك و لايشهد به كتاب و لا صدر به خطاب بل من الدين السمع السهل الاعتماد علي خبر الثقة و الاخذ عنه ثم جميع ما تقول ففي ذمته فليكن ما يكون و لا علي و انما هو خبر اخبر به ثقة يقينا و تكليفي الاخذ بخبر الثقة يقينا فآخذ به سواءا كنت علي وهم من الواقع او شك او ظن او علم بحسب العادة كما كان تكليفي اعتقاد حل لحم الشاة المشتري من السوق سواءا كنت علي وهم او شك او ظن او يقين بالواقع فافهم ما اقول لك فانك لاتسمعه من احد الا ان يكون قد اخذ مني فليس العلماء عند الله اهون من القابلة و الظئر و هما امناء الله في ارضه علي ما في ايديهما فكيف لايكون العلماء امناء الله علي ما في ايديهم و ان قلت هب قد ظهر لنا ان تكليفنا الاخذ بخبر الثقة و هو العلم الشرعي المأمور بالاخذ بوثقي عروته و صرنا علي علم منه ولكن براهينك قد جري علي ما اخذ من الثقة التي سمع الخبر عن الحجة فما نصنع بما يرويه الثقة بواسطة او وسائط و نحن لمنر الوسائط و لانعلم وثاقتهم و صدقهم قلت كذلك الامر فيما اخبر بواسطة ايضا و صحة الاخذ تكليفه لاتكليف من يأخذ منه كما ان حلية الشاة في اليد السابقة تكليف الجزار لاتكليفي و كذلك الثقة اذا اخبرنا بحديث و قال انه صحيح فحسبي و ليس علي الفحص عما وراءه و ليس ذلك تقليدا للثقة و لم اومر باجتهاد غيره بل هو اجتهاد حملني الدليل القطعي علي الاخذ كما انا لمنك مقلدين للثقة الاول و لسنا بمقلدين للجزار في الايدي السابقة و لميقل احد ان تكليف المسلمين تقليد الجزارين و القصارين اذا حملنا الدليل علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 89 *»
جواز الاخذ بقولهم و لا يجب علينا الفحص و التجسس علي انه تكليف بالعسر بل بالممتنع و يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و لايكلف الله نفسا الا وسعها و انما امرونا بالاخذ بخبر الثقة مطلقا كمايأتي و امرونا بالاخذ بخبر ثقات معروفين مع ان في ايديهم ما اخذوه بلاواسطة و منه ما اخذوا بواسطة و وسائط و مع ذلك جوزوا الاخذ من غير ان يسموه تقليدا و هذا اسم مستحدث و لميكن ذلك اليوم تقليد و اجتهاد و هذا الامر مجمع عليه بين الامة و ان اخذ الناس اليوم من العلماء ما يرونه من الاحكام من غير فحص من ذلك الباب و انتم سميتموه تقليدا و لميكن ذلك اليوم تقليد و نحن نقول ليس ذلك الا من باب الاخذ من الثقة ما يرويه معتقدا بصحته نعم لو قال اني سمعت من فلان و لا ادري اصحيح هو ام لا فعليك ان تعرف ان المأخوذ منه ثقة ام لا كما اذا قال من بيده لحم اني اخذت اللحم من فلان و لا ادري احلال هو ام لا يكون عليك ان تعرف ان الفلان مسلم ام لا و كيف باعه؟ و اما اذا عرضه للبيع فبيعه اياه دليل اعتقاده حله و لا عليك ازيد من ذلك و كذلك الثقة اليوم اذا روي لك الخبر عاملا به او معتقدا صحته يكفيك روايته و اما اذا قال اخذت من فلان و لا ادري صحته فعليك التجسس و الفحص الي ان تنتهي الي ثقة رواه معتقدا و ذلك الذي يشهد به الكتاب و نصوص اهل فصل الخطاب كما يأتي ان شاء الله فاذا لا فرق بين ان يرويه بلاواسطة او بواسطة و ان قلت علي ما مثلت يكفي اسلام الراوي كما يكفي اسلام الجزار من دون وثاقة قلت ان الله تعالي يقول كونوا مع الصادقين و يقول ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا او فتثبتوا و قد جبلت القلوب علي عدم تصديق الفاسق علي الله و نهي الاخبار عن ذلك كما قال الصادق7 في حديث ان عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصريح و باكل الحرام و الرشا و بتغيير الاحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات و عرفوهم بالتعصب الشديد الذين يفارقون به اديانهم و انهم اذا تعصبوا ازالوا حقوق من تعصبوا عليه و اعطوا ما لايستحقه من تعصبوا له من اموال غيرهم و ظلموهم من اجلهم و عرفوهم يقارفون
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 90 *»
المحرمات و اضطروا بمعارف قلوبهم ان من فعل ما يفعلونه فهو فاسق و لايجوز ان يصدق علي الله و لا علي الوسائط بين الخلق و بين الله فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا و من قد علموا انه لايجوز قبول خبره و لا تصديقه في حكايته و لا العمل بما يؤديه اليهم عمن لميشاهدوه الخبر فالمجرب خيانته ليس بامين و اما المجهول العدالة اذا كان معلوم الاسلام فيدور مدار معني العدالة فمن اكتفي بظاهر الاسلام مع عدم ظهور فسق يكتفي بالاسلام ما لمير خلاف وثاقة البتة و لا ضير كما يقولون في شاهدي الدعوي بلا فرق و من يشترط وصفا زائدا يشترطه هنا ايضا بالجملة المدار علي الامين الشرعي المعتقد بما يرويه و يجوز الاكتفاء به و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و اتعب روحه و تكلف ما لا عليه فخذ عن العلماء و الرواة الثقاة ما يعتقدون صحته و ذلك علمك الشرعي سواء كنت في العادة علي وهم او شك او ظن او يقين فان ذلك ما قام عليه الاجماع و كان عليه المسلمون في الاعصار و الاصقاع و قررهم رسول الله9 و الائمة: بلا امتناع و انت لو تجاوزت ذلك وقعت لعمر ابيك في ما لايزيدك الا شكا و اضطرابا في الدين و تكلفا و تسمية للوهم و الشك بالظن و العلم و لمينزل الله به سلطانا و اني والله علي حيرة من الذين يدعون الظن بصحة الاخبار من حيث انها اخبار اناس لمنرهم و لمنعاشرهم بل اكثرها في محل الشك كمانري اخبار زماننا من اناس رأيناهم و عاشرناهم بل من اناس يتسمون بسمة العلم و العدالة و نري عدم كمال ضبطهم و حفظهم و مسامحتهم لنقل الاخبار فكيف يحصل الظن باخبار المتقدمين بعد عدم اطلاعنا علي حالهم و طول المدة و حصول الحوادث و لولا ان الاخذ من الثقة تكليف شرعي سياسي لماكان يمكن الاخذ بهذه الاخبار فلايحصل العلم بشيء من ذلك و ربما يحصل في بعض الموارد ظن و لايكفي ابدا فنحن مقرّون بانه لايحصل من جميع الاخبار اليوم علم عادي بل و لا ظن في الاغلب و الاكثر و مع ذلك نمنع من العمل بالظن العادي و نوجب العمل بالعلم التكليفي الشرعي فلايقال انكم ايضا تعملون بالظن فان الظن الشرعي لانعمل به و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 91 *»
لسنا مقيدين بالظن العادي و لانطلبه فمجمل القول ان المعصومين: قد ذهب ذاهبهم و غاب غايبهم و لميخلفوا فينا غير هذه الاخبار التي رواها ثقات و غير ثقات و العمل بالعلم واجب و العمل بالظن حرام بالكتاب و السنة و دليل العقل و الاخذ عن الثقات ضروري الاسلام و منه صحة اخذ ما يصححه الفقيه الثقة فانه من ضروريات الدين و ذلك ليس بتقليد اذ ساقنا البرهان اليه كما انه ساق البرهان الفقيه الي الاخذ عن الثقة التي سمع بلاواسطة و ليس بتقليد له فاذا دل الكتاب و السنة و دليل العقل و الاجماع الضروري علي جواز الاخذ برواية الثقة و لو كان بوسائط فليس بتقليد و هذا التقليد مذموم اذا كان ظنيا و اذا كان علميا فلاذم فيه كتقليد الفقهاء للثقة السامع و للمسلمين لحلية ما في ايديهم و للبينة اذا شهدوا و هكذا فيجب الاخذ و الاكتفاء بخبر الثقة و لو كان بوسائط فسمه ما شئت و هو العلم الشرعي و صحته ضروري الدين واما ما لميخبر به الثقة فان كان فاسقا فالمدار علي القرينة و ان كان مجهول العدالة و معروف الايمان فالمدار علي ما اخترت من معني العدالة فان اكتفيت بظاهر الاسلام تأخذ به و الا فالمدار علي القرينة كخبر الثقة اذا لميصححه فخذ بما آتيتك و كن من الشاكرين و الحمد لله رب العالمين و ان قلت هب ان الذي اخترت هو في الخبر الذي اخذته من ثقة شفاها فما تقول في كتب الثقات التي يحتمل السهو و النسيان و الخطاء في الكتابة و الدس قلت ان ذلك بعد يدور مدار العلم العادي و قد اذنوا: اذا علمت ان الكتاب له فاروه و العمل بالكتب و الاكتفاء به ايضا كان من زمن الائمة: الي الان و بناء مذهب الاسلام بل و جميع المذاهب و الملل علي ذلك و لولا ذلك لماقام لملة عمود و لا اخضر لها عود و علي جواز اجماع الملل و المسلمين و اهل الحق اجمعين انهم كانوا جميعا يكتفون بالكتب في جميع الاعصار و قد اطلع عليه النبي المختار و الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار و قرروهم بل و امروهم بالكتابة كمايأتي ان شاء الله و امروهم بروايتها و دراستها و العمل بها بلا اكتراث نعم يشترط حصول العلم العادي بان الكتاب له و ذلك يحصل بشهرة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 92 *»
نسبةالكتاب و القراين و الاحوال و التواتر كما انك اليوم تحلف يمينا ان الكافي لمحمد بن يعقوب و من لايحضره الفقيه لمحمد بن علي بن الحسين و التهذيبان لشيخ الطايفة و الوافي للملامحسن و البحار للمجلسي و العوالم للشيخ عبدالله بن نور الله و الوسائل لمحمد بن الحسن الحر العاملي نعم ينبغي في ذلك كمال التدقيق فلو وقع بيدك كتابهم بخطهم او كان عليه خطهم بالتصحيح فذلك فوز عظيم في الاسلام و يحصل العلم بالقرائن و ان لميحصل فان حصل كتاب قوبل بخطهم بمقابلة ثقة فذلك ايضا فوز عظيم و ان لميتفق ذلك و اتفق كتاب قريء علي العلماء الثقات و كان عليه اثرهم فذلك ايضا فوز عظيم كما اذا قرأته علي ثقة في زمانك و رواه لك الحاصل ينبغي كمال السعي في ذلك و ادني من ذلك كله المقابلة مع كتب عديدة و الاستعانة بالقرائن و اتساق العبارات و مطابقة الاخبار مع العنوان او غير ذلك من اسباب العلم العادي و ذلك عندي من المهمات العظيمة و اري العلماء في ذلك مسامحين في آخر الزمان كمال المسامحة و مع ذلك يدعون الظن و يجب السعي بتحصيل العلم التفصيلي ان اخبار هذا الكتاب قد صدرت من ذلك العالم الثقة معترفا بصحتها و لايكونن كتاب غرض مصنفه رواية ما رواه و رآه كائنا ما كان بل يكون كتاب عمله و يعتقد صحة ما رواه قائلا بوجوب كون الخبر معلوم الصحة فان فقدت كتب حديث كذا فاكتف باخبار رواها العلماء في كتبهم الاستدلالية و عملوا بها معتقدين صحتها و حصول العلم العادي في ذلك ممكن للمتتبع بالجملة المدار علي الاخذ بخبر الثقة المعتقد بصحة حديثه او ما يقوم مقامه من كتابه المعلوم انه رواه و لو بالاخذ من ثقة في زمانك يرويها لك و رواية هذه الكتب من هذه المصنفين نوعا و جملا بديهي و ينبغي الاهتمام بصحة الكتب و لاجل قرب اعصارهم و وجود كثير من خطوطهم و عدم دس و تحريف عمدي في كتبهم عادة يسهل حصول العلم العادي بروايتهم التفصيلي و الغلط الكتابي يمكن تصحيحه عادة بالاهتمام و نحن و الحمد لله اهتممنا في تصحيح كتابنا فصل الخطاب بقدر الوسع و كان عندي بعض خطوط العلماء و قابلت مكررا من
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 93 *»
نسخ عديدة بقدر الوسع و ذلك من فضل الله علينا و علي الناس ولكن اكثر الناس لايشكرون و لقائل ان يقول ان الاكتفاء بهذا المقدار من التصحيح ايضا اجماعي و لاشك في دخول المعصوم في هذا الاجماع فان بنية البشر لايطيق (لاتطيق ظ) اكثر اذ لايكون امر اعظم من السماع من الثقة و نحن نري ان احدا ليس بمعصوم من السهو و النسيان و الخطاء فانك اذا اخذت كتابك و قرأ عليك الشيخ لاتأمن من سهوك و انا نقابل المصحف مرات ثم بعد ذلك نري فيه اغلاطا زاغ عنها البصر و وقع الغفلة فيه من السامع بل لو وجد نسخة الاصل بخط الشيخ الثقة الامين و اعطاك اياها و رواها لك لاتأمن عدم سهوه فانا نري فيها ايضا اغلاطا بعد ذلك فبنية البشر غير المعصوم لاتطيق اكثر من ذلك في جميع الاعصار و قد قررهم الائمة الاطهار علي ذلك فالاكتفاء بمثل هذه التصحيحات ايضا علم شرعي يجوز العمل به فليس ذلك ايضا من باب حصول الظن و حجيته بل من باب العلم الشرعي الوضعي المقرر شرعا اجماعا و عليه بناء العلماء في جميع الاعصار و بناء الاخذين عنهم و العاملين بكتبهم فالمسلمون مجمعون علي صحة الاعتماد علي مثل هذه التصحيحات و لا محيص عنها و ان قلت هب صححت الكتاب بقدر الطاقة فما تصنع في مداليل الالفاظ مع كثرة وقوع الاشتراكات و المجازات و ابهام الدلالات و تشابه المرادات و اختلاف الاصطلاحات و غير ذلك من اسباب الاشتباه المذكورة في الكتب الاصولية؟ قلت ان ذلك وسواس محض و حصول العلم بذلك اسهل الامور كمايحصل العلم بمداليل كتب العلماء و كتب اهل الادب و السير و الخطوط الواردة من الاطراف و الاشعار و لا اقول انه يحصل العلم بجميعها كلا طرا بل ربما يتفق حديث يتحير العالم في معناه و يتشابه الامر عليه فلاحجة في ذلك و ربما يظن ان المعني ذلك فذلك ايضا لا حجية فيه و اما اكثرها فيحصل العلم العادي بمدلولها و يسكن لديها القلب و يعتمد عليه النفس و كل احد يجد ذلك في نفسه و قراين المعاني اكثر من ان تحصي و ترسم و الناس مطبوعون علي فهم المعاني من الالفاظ الا تري ان الائمة كانوا يتكلمون و كان الناس يفهمون ما يقولون و ان كان
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 94 *»
يتفق في كلامهم ان لايفهمه السامع فكان يستعلم منهم او من غيرهم او لايستعلم فيبقي عندها مجهولا رب حامل فقه الي من هو افقه منه و رب حامل فقه و ليس بفقيه و كانوا في البلاد البعيدة يعملون علي ذلك و في زمان الغيبة الصغري و قد قرروهم علي ذلك التفاهم و لمينكروا علي احد منهم فذلك دين الله الذي لاشك فيه فالاكتفاء بهذا التفاهم ايضا علم شرعي لاشك فيه و لا ريب و في كثير من الاخبار علم عادي و بنية البشر لاتطيق غير ذلك فنحن نعمل بالعلم في جميع هذه الموارد و الحمد لله و ان قلت انما الداء العضال و غاية الاشكال في اختلاف الاخبار في المسألة الواحدة بحيث قلما يوجد حديث في حكم الا و يوجد له معارض عموما او خصوصا فكيف تصنع في اختلاف الاخبار في هذا المضمار؟ قلت و الامر فيه سهل ببركة محمد و آل محمد: و ذلك ان امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه و هو اجماع الامة او الفرقة المحقة علي الضرورة التي يضطرون اليها لايمكنهم التخلف عنها و لايسعهم مفارقتها فان ورد حديث يخالف تلك الضرورة نعلم انه صدر تقية منهم فلانعمل بمضمونه و نعمل بتلك الضرورة و امر فيه اختلاف فان ورد حديث في ذلك الامر المختلف فيه و ورد الحديث الاخر بخلافه فان كان هناك كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن الحجج: لا اختلاف فيها و يأول احد الحديثين اليهما او الي احدهما نعمل به و لانعمل بالحديث الاخر الذي لايأول اليهما او الي احدهما فان لمنجد كتابا و سنة كذلك فليسا بمعرضين لان المعرض لابد و ان يكون متفقا عليه لايحتمل الخلاف فنرجع الي العامة فان عرفنا منهم مذهبا لا خلاف فيه و كان الشيعة علي خلافهم و كان احد الخبرين موافقا لاجماعهم فنترك الموافق لهم و نعمل بالمخالف فانهم لايجمعون علي حق اذا كان لايوافقهم الشيعة فهنالك يكون الرشد في خلافهم و اما ما هم اليه اميل فيصعب علمه لنا اليوم و تلك الايام كانت قضاتهم و آراؤهم غير محصورة و انما اجمعوا علي الاربعة بعد الستمأة من الهجرة فلايمكننا فهم ما هم اليه اميل بل و يصعب معرفة اجماعهم اليوم فان المراد اتفاق كلهم و هو يشكل تحصيله اليوم لنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 95 *»
بعد الف سنة مع تشتت آرائهم و تعدد قضاتهم و تباعد بلدانهم الا نادرا في واحدة بعد واحدة فان لمنجد اجماعا منهم فان كان في الخبر او الاخبار لحن تقية او قرينة لهما نترك ما يريب الي ما لايريب و هذا و قد روي ايضا رخصة في الاخذ بخبرهم و ان كان تقية كماقال ابوعبدالله7 في حديث و يسعهم ان يأخذوا بما يقول و ان كان تقية و قال ابوجعفر7 في حديث التقية ان اخذ به فهو خير له و اعظم اجرا و في حديث ان اخذ به اوجر و ان تركه والله اثم و يحمل ذلك علي حديث لا معارض له و اما ان كان له معارض فيترك الموافق لهم لساير الاخبار ان عرف انه تقية و الا فالخبران بالنسبة الينا متكافئان و بايهما اخذت من باب التسليم وسعك علي ما وسع فيه العالم و لايجوز الترجيح بالظنون و الخيالات و اما الاخذ برواية الافقه و الاورع و الاعدل و امثالها فلايمكننا بعد الف سنة الا بالظنون المنهية و قد روينا اذا ظننت فلاتقض و اما الاخذ بالمشهور اما المشهور فتوي بلا مأخذ فلانص فيه و خبر زرارة و الحنظلي ظاهران في الخبر المجمع عليه و نحن اليوم لانعرف الخبر المجمع عليه بين الاصحاب و احاديثنا كلها مروية في كتب مشهورة عليها المعول و اليها المرجع و ليس بينها فرق بين بل اقول ان اصحابنا شكر الله مساعيهم قد كفونا مؤنة كثير من الاخبار و اخرجوا من اصولهم ما يخالف الكتاب المستجمع علي تأويله و السنة الجامعة و ما يوافق اجماع جميع العامة و ان بقي نادر فامره واضح كما بينا فلميبق في اغلب الموارد عند التكافؤ الا السعة باذنهم و نهيهم عن الاجتهادات الظنية نعم في الاخبار الحان و قرائن و اشارات تجمع الاخبار المختلفة في بادي النظر يجب للفقيه ان يعرف اللحن و معاريض الاخبار فان كان عارفا ذكيا جمع بين كثير من الاخبار بينات من الامر و غاية الامر اذا اشتبه الامر في مورد و لمتنفذ بصيرتنا توقفنا عن الفتوي و لمنشترط نحن ان نعرف جميع احكام الله و هذا هو الفرق بين الرعية و الولاة فالولاة يعرفون جميع احكام الله و الرعية يعرفون ما فهموا منهم و يجهلون كثيرا من الاحكام و ان قلت يلزم من ذلك تعطيل جل الاحكام قلت و ما علي و ما عليك، الولاة اعرف بمصالح دينهم و ملكهم و لميضعوا اعباء الدين علي ظهري و علي ظهرك
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 96 *»
فنحن نتوقف عن الفتوي و نرجيء الامر فان اضطررنا فان كان في المعاملات فالصلح جايز بين المسلمين و ان كان في العبادات فالاحتياط طريق مهيع ابلج المنهاج واسع الفجاج نسلك فيه و ان قلت هل هو علي سبيل الوجوب او الندب قلت لذلك مقامان فان عرفت وقوع حكم مجمل في ذمتي و لمادر ما يبريء ذمتي فيجب علي الاحتياط حتي تبرأ ذمتي و الصلح اذا اضطررت و ان لمادر ثبوت الحكم و انا متردد في اصل اشتغال ذمتي فالاصل عدم الاشتغال و الناس في سعة حتي يعلموا فذلك الطريق الواضح و السبيل اللايح الذي يدل عليه الاخبار فالعمدة في التفقه دوام الفكر في الاخبار متوسلا الي الله عزوجل بمحمد و آله الاطهار عليهم صلوات الله آناء الليل و اطراف النهار مستهديا بهداهم مسترشدا اياهم و السلام علي من اتبع الهدي و اجتنب الضلالة و الغوي
هذا اعتقادي فيه قد ابديته
فليقبل الواشون او فليمنعوا
نعم ورد حديثان احدهما في الاخذ بالاحدث و الثاني في الاخذ بالحائطة اما الاول فاعلم انه في زمان حضورهم لاشك ان الامام الموجود مفترض الطاعة و اعلم بمصالح رعيته فلو منعهم عن جميع ما كانوا يعملون يجب عليهم الامتثال و اما في زمان الغيبة فصار نسبة الكل الينا علي السواء فانه اذا كان الاحدث علي خلاف الكتاب او السنة او موافقا لاجماع العامة او مخالفا لاجماع الفرقة ينبغي تركه و كذلك معارض باخبار السعة فان لميمكننا القول بوجوب الاخذ بالاحدث فلاشك في ان عند التسوية الاخذ بالاحدث راجح ممدوح هذا و ليس الاخذ بالاحدث بين فقهائنا معروفا شايعا و اما الثاني فاعلم انه لا احتياط اذا قال فقيه شيئا و لا نص في المقام و كذا اذا اشتهر بين الفقهاء شيء و لا نص و كذا اذا عارض اقوالهم بلا دليل الحديث و لا نقول ان تركهم دليل ضعف الحديث و لا اعتناء عندنا بقول من لا برهان له من كتاب او سنة نعم موضع الاحتياط اذا جاء حديثان و كنا اذا عملنا بهذا عملنا بذاك و اما اذا عملنا بذاك لمنعمل بهذا فلاشك في رجحان ما يكون العمل به عملا بهما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 97 *»
جميعا و انما الكلام في وجوب هذا الاحتياط و استحبابه و مع معارضته مع اخبار السعة و ساير ما مر يشكل القول بالوجوب و الاحوط عند الكليني العمل باخبار السعة و هو كذلك فان تعيين احد الطرفين و المنع من العمل بالاخر جسارة في الدين و ترجيح خبر الاحتياط بالعقل لا بكتاب مستجمع علي تأويله و لا بسنة جامعة فالاحوط و الاوسع العمل باخبار السعة حتي يظهر الله دينه و الاحوط ان لايرفع الانسان قدما و لايضع قدما و لا ينطق بحرف الا بحجة بينة من كتاب او سنة فترجيح حديث الاحدث و الاحوط لا برهان له منهما نعم لا يضر الاخذ بهما في العمل مع عدم منع من الاخر فافهم.
فصل: اما ما وعدنا من ذكر بعض الاخبار فاذكره هنا و اكتفي بالبعض لاني ملأت كتبي من ذكرها و ملأ المحدثون كتبهم فمن شاء فليراجعها ولكن لاجل ان لايخلو كتابنا هذا منها نذكر شطرا منها قيل لابيعبدالله7 ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال عليك بالاسدي يعني ابا بصير اقول اطلق القول في الاخذ عن الاسدي سواء روي بواسطة او وسائط و من البينات التي لاشك فيها ان ذلك اليوم لميكن احد يفتي من الشيعة الا بالرواية و قال ابوعبدالله7 لرجل اذا اردت حديثنا فعليك بهذا الجالس و اومأ الي رجل من اصحابه قال الرجل فسألت اصحابنا عنه فقالوا زرارة بن اعين و قيل للرضا7 شقتي بعيدة و لست اصل اليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني قال من زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا و قيل له لا اكاد اصل اليك اسألك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني افيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج من معالم ديني؟ فقال نعم و قال ابوعبدالله7 في حديث اذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلميثق به فهو كافر و اما من لميسمع ذلك فهو في عذر حتي يسمع ثم قال يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين و في التوقيع الرفيع لاعذر لاحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنا ثقاتنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 98 *»
قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم الي غير ذلك من الاخبار و قد ذكرناها مفصلا في ساير كتبنا قبل ان يغلب علينا الضجر لكثرة ما كتبنا و عن ابيعبدالله7 عن آبائه: في وصية النبي9 لعلي7 قال يا علي اعجب الناس ايمانا و اعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لميلحقوا النبي و حجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد علي بياض و قال احتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها و قال اكتب و بث علمك في اخوانك فانه يأتي علي الناس زمان حرج لايأنسون فيها الا بكتبهم و قيل لابيالحسن الرضا7 الرجل من اصحابنا يعطيني الكتاب و لايقول اروه عني يجوز لي ان ارويه عنه؟ فقال اذا علمت ان الكتاب له فاروه عنه و قيل لابيجعفر الثاني7 جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن ابيجعفر7 و ابيعبدالله7 و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلمترو عنهم فلماماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حدثوا بها فانها حق و سئل ابومحمد7 عن كتب بني فضال فقال خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا الي غير ذلك من الاخبار الساطعة المنار المؤيدة بصحيح الاعتبار فانه قد حصل العلم من سيرة العالم و مقتضي طبع بني آدم و تتبع السير و الاخبار و ملاحظة الكتب و الاثار ان بناء اصحابنا الاخيار بل المسلمين في الاقطار بل المليين في جميع الاعصار كان علي العمل بكتب الاخبار اذا علم صحتها و صحة نسبتها الي ثقة يعلم عادة انه لايكذب و يسكن القلب لدي خبره سواء اخبر بلاواسطة او بواسطة و ذلك كان ديدن الاصحاب في كل باب الي ان وقع شبهة لبعض علمائنا و ظنوا انهم يقدرون علي استنباط عدالة الاصحاب الماضين و فسق بعض الرواة السالفين و انهم مكلفون بذلك فنوعوا الاخبار و كتبوا كتب الرجال و سعوا في الفحص عنهم و غفلوا ان الاخبار لاتخلوا عقلا من امرين فاما هي مجعولة مكذوبة و اما هي صحيحة فان افتراها مفتر كان يقدر علي افتراء سند معنعن عن الثقات و ان كانت صحيحة غير مكذوبة فلايحتاج الي سند و علي ما روي و نقل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 99 *»
ان اصحابنا كتبوا اخبارهم معنعنة لماعاب عليهم العامة ان جميع اخباركم مرسلة و الا فاحاديث كتبنا المعتبرة منقولة من كتب مشهورة عليها المعول و اليها المرجع لاتحتاج الي سند الي مصنفيها كما لانحتاج اليوم الي سند للكافي الي الكليني فلو كان كتاب زرارة المعروف المشهور عند الكليني فاي حاجة له الي ذكر سنده علي كل حديث حديث ينقله منه و كيف كان
هذا جناي و خياره فيه
و كل جان يده الي فيه
فصل: و مما يدلك علي هذا السبيل و يسكن عنك الغليل و يشفي القلب العليل ان الله جل وعز لما كان في غيب الغيوب من قدسه لمينزل الي خلقه فيساوروه و لميصعد خلقه اليه فيباشروه انتجب من بين خلقه نبيا يخبر عنه و اجري علي يديه المعاجز ليكون دليل صدقه له لعباده و جعله معصوما حتي لايبقي لذي حجة حجة و يسكن قلوب عباده الي خبره و يحصل لهم القطع ان ما يقول دين الله الذي رضيه لعباده و لو كان يكفي ظن العباد برضي الله سبحانه لكان يكتفي برسول يظن رسالته و ادلة يظن منها ان ما جاء به دين الله و لمينزل عليه و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و من البين ان جميع ما كانوا يظنون لميكن باطلا و ضلالا و سمي الله اطاعة الظان ضلالا و لمينزل عليه ان الظن لايغني من الحق شيئا و لميذكرهم بأخذ الميثاق و لميقل الم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا علي الله الا الحق و لميحرم عليهم ان يقولوا علي الله ما لايعلمون فلما رأينا الله جل و عز انه لميكتف برسول ظني عرفنا انه لايرضي بارسال رسول ظني و انه نقص في ربوبيته و عجز في قدرته ان لايقدر علي ارسال رسول قطعي و يكتفي برسول ظني و نقص في علمه ان يختار خلاف الاولي مع احاطة علمه و تساوي قدرته و سعة حكمته و من ذلك عرفنا ان ادلة القوم علي حجية الظن مطلقا باطلة لانها ان كانت صحيحة لكانت تجري علي الرسول ايضا و الادلة العقلية لايجوز تخصيصها فارسل الله نبيا قطعيا معه علامات تورث العلم فاتي بكتاب و سنة و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 100 *»
شرع و دين بلسان القوم و علي نحو تخاطب القوم و ارسل الاخبار الي الاطراف علي نحو ارسال القوم و بعث رسلا بامره و نهيه الي قبايل العرب و امر ان ينفر من كل فرقة طائفة اليه ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم من دون معجزة للرسل و الطوايف و مشي علي ممشي ساير البشر بلاتفاوت نعم اذا جاء باصطلاح خاص في شيء فسر لهم ذلك الاصطلاح و ذلك ايضا علي حذو ساير اصحاب العلوم الذين يأتون باصطلاح جديد في علمهم ثم يفسرون حتي يعرف الناظرون مرادهم فبث بين الناس شرعا و دينا علي رسم ما يفعله ساير البشر حتي اذا فارق الدنيا و خلف فينا وصيه قام فينا بسيرة نبيه و جعل الله معه علامات العلم حتي يعلم العباد انه خليفة رسول الله9 من النص عليه و الفضائل التي خصه الله به و العلم الغزير و المعاجز الكثيرة و تفسير الكتاب و السنة و العصمة و الطهارة و لميرض الله بامام ظني فلو كان ادلة القوم عقلية كلية لكان من الجايز الامام الظني نعم علي الله ان يجعل حجته قطعية فلو قصر مقصر و لميفحص عن حال الحجة و بقي ظانا فذلك من نقص منه لا من وضع الله و خلق الله كأن يظل رجل بالكوفة بعد ما سمع ان نبيا بعث بمكة و حصل له بعض القرائن المفيدة للظن و هو بالكوفة و لميذهب الي مكة ليعرف حاله فبقي ظانا فذلك من تقصيره في طلب دينه لا من وضع الله جل جلاله و كذلك في امر الامام فنفس الحجة ذات علائم حقة دالة علي العلم بوضع الله لكل من نظر و ابصر و لميرد اهلاك نفسه و كذلك كان حال امام بعد امام الي مولينا صاحب الزمان صلوات الله عليه سنة الله التي قد خلت من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا فلما غيب وجهه المبارك عن رعيته خلف فيهم كتاب ربهم و اخباره و اخبار آبائه و اجداده الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ببداهة من مذهب الشيعة و لميترك غيرها مسلما فهي خليفته اليوم في رعيته و حجة الله علي عباده و وليه في بلاده و امام خلقه و هاديهم و مستمسكهم و جميع الخلق مكلفون بالتمسك بوثقي عروتهما و التعلق بذيل متابعتهما و هي حاكم من الله بين خلقه و فاصل لقضايا عباده و بها يحتج الله علي صنوف خلقه لا ملجأ يومئذ سواها و لا منجا غيرها الاخذ بها اخذ
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 101 *»
برضاء الله و الحايد عنها حايد عن طريق محبة الله المولّي عنها مولّ عن الله المتقدم عليها مارق و اللازم لها لاحق و المتأخر عنها زاهق فهي امام من الله علينا نراه و نسمعه في زمان الغيبة فما بال هذه الحجة جاز ان تكون ظنية علي خلاف الحجج الماضية اكان الله عاجزا عن وضع دين ذي علائم علمية لايشك فيها ام وضع الله دينا كذلك و قصر الرسول عن ابلاغه و ادائه ام بلّغ الرسول ذلك فضيّع الاوصياء دينه و عجزوا عن ادائه كما حمّلوا ام جهلوا ان بعد غيبتهم هذه الطخية العمياء التي يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير التي يسعي في القاء الشبهات و الشكوك فيها علي رعيتهم الاثنان و سبعون فرقة من منتحلي الاسلام و يسعي في ابطالها جميع الملل المختلفة الخارجة كما كتبوا الكتب و بثوا في تخريب دين الاسلام و افساد قلوب المسلمين و ما يقع من الفساد في الدين بواسطة المتكلمين و اتباع الحكماء المتفلسفين و الزنادقة المبتدعين اكانوا جاهلين بكل هذا فغيبوا وجوههم و لميدعوا بينهم حجة بينه ظاهرة تكفي العباد في طول هذه الغيبة و اكتفوا بابقاء اخبار ظنية هي في الواقع ان كانت كما يقولون شكية و اكثرها وهمية متعارضة مختلفة لايعلم صدقها من كذبها و مدسوسها من اصليها و محرفها من محفوظها مع ما فيها من الخطاء و السهو و الزلل و الاغلاط و التقية من اصناف الفرق و السلطان و الاعوان و غيرهم و مع ما فيها من دلالتها الظنية او الشكية و الوهمية ايكون ذلك ام اتوا بدين قطعي و خلفوا بعدهم امرا قطعيا ولكن افسدها غلبة الجهال و دول الضلال فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين نعوذ بالله ما لكم كيف تحكمون و ان قلت ان ما قلت حق ولكنهم في زمان حضورهم اوقعوا الخلاف بين الشيعة تقية و قالوا هذا ابقي لنا و لكم ففي زمان الغيبة جعلوا اخبارهم ظنية ليقع الخلاف و يكون ابقي لهم و لو كان قطعيا لماوقع الخلاف قلت قطعية الاخبار و علمية مداليلها لاتمنعان من الاختلاف فان الاخبار المختلفة موجودة و اختلاف الانظار فيها موجود و بها يمكن ايقاع الخلاف كما ان هذا يدعي اجماعا و ذاك يدعي اجماعا علي خلافه مع ان الاجماع قطعي عندهم و التقية في زمان الامام موجودة و الامام قطعي و اقواله قطعية و الخلاف كان واقعا فلا والله يجب في
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 102 *»
الحكمة ان يكون بعد غيبتهم في رعيتهم اخبار صحيحة هي خليفتهم القائمة مقامهم و يكون امرها واضحا بينا كوضوح امرهم ليتم الحجة علي رعيتهم و لا مانع من قبلهم و هو الاولي و الاحسن فالواجب ان يكون الحجة من قبلهم بالغة كماقال الله عزوجل قل فلله الحجة البالغة ثم بعد ذلك ان ترك رجل النظر فيه و انهمك في الشبهات و لميصغ الي البينات فذلك من سوء حظه و ليس من نقص في حكمة الله عزوجل و ذلك كالذي كان يظن حقيتهم او يشك و لميكن من نقص فيهم بلاشك فذلك دليل واضح بين لايمكن انكاره فوجب ان يكون هذه الاخبار التي رواها الثقات المعتمدين عليها او غير الثقات و قامت علي صحتها القرائن حقا صدقا خليفة لهم من جانب الله جل و عز محفوظا بحفظ الله و مرعيا بعين عناية الله و اما ما سوي ذلك مما يرويه الثقات غير معتمدين عليها و لميدل علي صحتها القرائن المفيدة للعلم العادي او رواها غير الثقات او المخالف او المجهول و لايدل علي صحته القرائن العادية فهو من حيث نفس الخبر لا اعتماد عليه و لايجوز التعويل عليه لقوله7 دع ما يريبك الي ما لايريبك و قوله لاتأخذن معالم دينك من غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله و رسوله و خانوا اماناتهم و قوله فاما من ركب من القبايح و الفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلاتقبلوا منهم عنا شيئا و لا كرامة الخبر فلابد و ان نرده الي آل محمد: و لاننكره اذ يحتمل ان يكون من عندهم خرج و منهم صدر و لعله حق من عند الله فنرده الي آل محمد: و ننظر الي تقريرهم فانهم شاهدون(الشاهدون ظ) المطلعون علي الخلق يقينا كمايشهد به الكتاب و السنة و من فوايد وضعهم تعريف الحق و الباطل و رد الزيادة و اتمام الناقص و تصديق الحق و تكذيب الباطل كمايشهد به اخبار كثيرة مصدقة للكتاب المصدق لها و هم القادرون العالمون الامرون بالمعروف و الناهون عن المنكر القادرون علي جميع انحاء التصرف بالاسباب الغيبية و الشهادية و لميكن يدع الله ابليس يتصرف في الاضلال بالاسباب الغيبية و الشهادية ولايخلق في جانب الحق من يتصرف كذلك و اعظم فما صدقه الامام الحي7 من ذلك نصدقه و ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 103 *»
كذبه نكذبه و اسباب التصديق لانهاية لها و اسباب التكذيب لانهاية لها و اسباب الرد و الاتمام ايضا لا نهاية لها يفعل الله ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته و ان قلت اوليس يكفي نهيهم عن قبول قول الفاسق و المجهول قلت كذلك يكفي و لا نقبله اليس لو اتاك منافق و قال قال الحجة7 كذا كان تكليفك عدم القبول و اما اذا ذهبت الي الحجة7 و حكيت القصة فقال صدق فلان كان تكليفك القبول فانه سقط المنافق بينكما و كذلك لو قام منافق او مجهول بحضرة الحجة و قال حجتكم هذا يقول كذا فان قرره الست تعمل به و سقط الواسطة و كذلك الامر هنا و ذلك ان الفاسق قد يصدق كما ان الثقة قد يكذب او يسهو و الامام معرف الحق و الباطل و الزيادة و النقصان و حملة غالب اخبارهم المخالفون و بناء العصبة علي العمل بها لما امروا: بالاخذ به فنحن نعمل في الحقيقة بتقرير الحجة اخبار الثقات و غير الثقات فقد يكون خبر الثقة باطلا و علي الامام7 رده كما قد يكون خبر غير الثقة حقا و علي الامام7 احقاق الحق فالمدار كلية علي تقريره فما صدّقه صدّقنا و ما كذّبه كذّبنا و سيأتي ان شاء الله ما يدل علي تقريره.
فصل: لاشك و لاريب في ان دين الله توقيفي و هو المتفرد المتوحد في وضع الدين لاشريك له فمن زعم انه يضع دينا من عنده برأيه و عقله و لو بقدر ان يقول ان الحصاة نواة و النواة حصاة و احب عليه و ابغض جعل نفسه شريكا لله في وضع دين بين عباده و استعبد عباد الله لنفسه و من اقتفاه و صدقه فقد اشركه بالله كماقال الله جل و عز اتخذوا احبارهم و رهبانهم اربابا من دون الله فوجب ان يكون دين الله موقفا من عند الله فلابد من ان يظهر دينه لعباده حتي يتعبدوا فانه لميخلقهم علماء الغيب و لايكلف الله نفسا الا ما آتيها فنقول هل نصب علي دينه دليلا بين خلقه ليتوسلوا به الي دينه و طالبهم باقتفائه ام لمينصب؟ و لاشك في بطلان الثاني فقد نصب الدليل علي دينه فهل يدل ذلك الدليل علي دين الله و يكون علي ما خلق لاجله و يغني لمعرفة الحق ام لايكون و لايدل؟ لاسبيل الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 104 *»
الثاني فانه لغو و لا فرق بينه و بين عدم النصب فقد نصب دليلا يدل و يغني في معرفة الحق فذلك الدليل لايكون الا ما يدل و يغني و يوصل الي الحق و ذلك لايكون ظنا لان الظن لايغني من الحق شيئا كما اخبر العليم الخبير في كتابه فلابد و ان يكون علي دين الله اعلام قطعية دالة عباد الله الجاهلين بالحق الي الحق و الي الصراط المستقيم و من البديهيات ان الحجج لميضعوا فينا دليلا الي دينهم غير هذا الكتاب و هذه الاخبار فهذه ادلة قطعية فلعل من زعم ان هذين لايفيدان الا ظنا اخطأ الطريق و لميدخل من بابه فان الدليل العقلي دلنا علي ان هذين من اعلام اليقين و لولاهما لماكان لله دين و بطل جميع ما احتج به علي عباده و الوعد و الوعيد و الجنة و النار و بعث الرسل الاخيار فهذه الاخبار هي علامة الله علي دينه الحق تدل عباده اليه و توصلهم اليه فهي اما المكذوب المعلوم الكذبية منها فليس منهم و لا اليهم و لا من الاعلام الدالة و لا كلام فيها و اما ما هو غير معلوم الكذبية فهو مقرر من عندهم لقوله تعالي بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون و قوله جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قوله ان الله لايصلح عمل المفسدين و ان قلت انهم قالوا ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لمتعلموا فردوه الينا قلت انا امتثلنا و رددنا و قرروه فنحن عاملون بتقريرهم العلوم لا بالخبر المجهول فجميعها من اعلامهم فانهم القوا فينا اخبارا منسوبة اليهم لمنعلم كذبها و هم اعلم بصدقها و كذبها و لميلقوا فينا غيرها و لميميزوا بين اجزائها و سكتوا عن تمييزها و علموا انا لانعلم الغيب فلابد و ان يكون جميعها اعلامهم و غير ذلك ينافي الحكمة و التدبير و السياسة و كيف يجوز ان يلقي حكيم بين رعيته و هو يعلم انهم لايعلمون الغيب اعلاما مركبة من حق و ضلال فماذا بعد الحق الا الضلال و ان الظن لايغني من الحق شيئا ثم يكلفهم من غير تبيين بحقها دون ضلالها و يأمرهم بحقها و ينهاهم عن ضلالها و يعد علي اتباعهم الحق و يرحمهم و يوعد علي اتباعهم الضلال و يعذبهم ما هذا من فعل الحكيم فاما ان يرضي بكل ما يلقي و اما ان يميز بين اجزائه و يميز الحق من الباطل فاذا ما عرفنا من الاخبار انه كذب صريح فليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 105 *»
منهم و ليس من اعلام الدين و ما لمنعلم سواءا علمنا بعلمنا العادي انه صحيح او لمنعلم هو دين الله الذي اراده من خلقه و جعله علما علي دينه الذي ارتضاه فخذه و كن من الشاكرين و قل الحمد لله رب العالمين و رحم الله اخواننا الهادين الذين سبقونا بالايمان بالحق و اليقين.
فصل: لاشك ان قدرةالله غير مايلة الي جهة دون جهة فيكون شيء عليه اسهل و شيء عليه اصعب بل قدرته علي العظيم مثل قدرته علي الحقير بلاتفاوت الرحمن علي العرش استوي و ليس شيء اقرب اليه من شيء آخر فهو قادر علي الصنع علي احسن ما يمكن و علي الصنع علي اخس ما يمكن و علي ما يوافق الحكمة و علي خلاف الحكمة و علي الاكمل و علي غير الاكمل فما تري في ما ينبغي ان يختاره من طرفي قدرته ايختار ما هو الاكمل الاولي الاحسن الاحكم لان قابلية ذلك في الامكان اسرع قبولا و ادل علي الصانع الواحد ام ما يخالف ذلك؟ فلاشك انه لايترك الاولي الاكمل الي الاخس الادني و قد عذب انبياءه بترك الاولي فما كان منه سبحانه و من وضعه يكون علي النهج الاولي الاحسن حتي انه قالت الحكماء ليس في الامكان ابدع مما كان ولكن هنا دقيقة و هو ان ما من الله يجب ان يكون علي النهج الاولي ولكن قد يتفاوت الامر بحسب القوابل فان اجراء الصنع في الخلق في الواقع الاول و لمايكن قوابل سابقة بل كان هنالك القابل و المقبول كالكسر و الانكسار لميسبق احدهما الاخر كان علي الاكمل و الاولي الذي يشهد العقول السليمة باولويته و تعرفها و اما في العالم الثاني الذي تحقق فيه القوابل قبل المقبولات و السائلين قبل الاجابات و المقتضيات بالكسر قبل المقتضيات فهنالك جري الخلق علي مقتضي القوابل فخلق رجل اعمي و البصير اكمل و رجل جاهلا و العليم اولي و رجل فقيرا و الغني اجمل و هكذا و قد حصل هذه القوابل المانعة عن ظهور الاولي بسبب الاعراض و الامراض الطارية و اجري الله الخلق علي حسب تلك القوابل و هو الاولي والاجمل فلايتمشي ذلك الدليل في هذا العالم فلايقال ان الذي في الدار
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 106 *»
بصير لامحالة فان البصير اجمل و اكمل و ذلك لاجل الاعراض التي لايدركها العقول الجزئية و اما الذي يعرف تلك الاعراض و الاسباب فربما يقول ان الذي في الدار اعمي و هو اولي فانه قد علم باسباب اقتضت له العمي و اما غيره فلايعرف فلا كل ما هو اولي بصرافة العقل اولي في عالم الاعراض و لذلك حرم القياس في الدين و لو كان بطريق اولي و لاجل ذلك منعت العقول الجزئية عن الاستدلال في اجزاء الدين التي هي بحسب اعراض هذا العالم التي لايحيط احد بها الا الكلي و العقل ان كان سليما يعلم حقيقة الشيء من حيث هي هي علي مقتضي العالم الاول ففي عالم الاعراض امور كلية مشتركة بين الكل جرت علي وفق العالم الاول فان العرض لايعم الكل فاذا كان الامر كليا فلابد و ان يكون علي الواقع الاول و امور جزئية يحتمل فيها الاعراض فيمكن الجري بالبرهان المذكور و هو برهان الاولي في الامور الكلية العامة دون الامور الجزئية الخاصة و لايجوز الاعتراض علي المستدل في الامور العامة ببرهان الاولي بالامور الجزئية فلاتغفل عن هذه الدقيقة و لاتزل و لاتستدل به في الامور الجزئية فتغلب و تدحض حجتك بالجملة الدين من الامور العامة كارسال الرسل و نصب الحجج و تشريع شريعة الا تري ان لنا ان نقول ان الاولي ارسال الرسل و نصب الحجج و تشريع الشرايع و ليس لك ان تقول لعله يكون خلاف ذلك جايزا لمانع في وجود الناس كما خبط من قال وجود الامام لطف و تصرفه لطف آخر و عدمه منا و ذلك ان تصرفه من الامور العامة مثل وجوده في الدين و نصب الحجج من الامور العامة و الحجة ما يحتج الله به علي خلقه و لايحتج بما لايعرفه الخلق و لميحيطوا به علما و لميبلغه اليهم لله الحجة البالغة ففي زمان رسول الله9 كان الحجة رسول الله9 علي اكمل وجه و اولاه ثم بعده امام بعد امام كان علي اكمل وجه و اولاه و ليس لاحد من الشيعة تجويز وجود امام دارس العلايم خامل النور مظنون الحجية و لايكون مظنون الحجية الا ان يكون فيه بعض علائم الحق و بعض علائم الباطل و يكون علائم حقه غالبة و يكون بعض آثاره و اخلاقه و علومه و حركاته يدل علي انه ليس بامام و بعضها علي انه امام الا انها اكثر نعوذ
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 107 *»
بالله و بعد غياب الحجج فما الحجة علي الخلق؟ اعدم الحجة اولي فيضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء ام وجود الحجة؟ و لا حجة غير هذه الاخبار فهل هي مظنون الحجية فيكون الامام المظنون الحجية ايضا جايزة او معلوم الحجية؟ فان قلت هي نوعا معلوم الحجية الا ان افراد الاخبار مشكوكة قلت المعلوم الحجية الضال في المشكوكات مجهول و لايحتج الله علي خلقه بامام معلوم وجوده في الدنيا و لايعرفه احد و لايميزه عن غيره احد و اما اليوم فقد احتج الله بامام عصرنا عجل الله فرجه بقدر الاقرار بما اظهر من امره لابما لاتناله الايدي منه و الحديث الصحيح الضال في الف حديث لاينفعني في ديني و لايتصرف هو في و لا اتصرف انا عن مقتضاه و انما الاثار في هذه الاعصار خلفاء الائمة الاطهار عليهم صلوات الله في آناء الليل و النهار و كما انه اقتضت الحكمة ان يكون علائمهم و دلائلهم لاتخفي علي ذي عين و ليس امامتهم مظنونة بل هي معلومة واضحة كذلك يجب ان يكون بعدهم آثار واضحة المنار صحيحة بلاغبار كالشمس في رابعة النهار و لذا قال النبي9 علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور نعم كما قام بازاء الحجج مدعون باطلون ادعوا الامامة ولكن استندوا بالشبهات و الاكاذيب التي لاتخفي علي ذي عين و عقل كذلك قام بازاء الاخبار الصحيحة اخبار باطلة من دس الداسين و تحريف المحرفين و كذب الكاذبين و لكن لابد و ان يضربها الله بعلائم الباطل حتي لاتخفي لذي عين و عقل كماقال سبحانه ان الله لايصلح عمل المفسدين و قال جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قال اما الزبد فيذهب جفاءا و اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض الي غير ذلك من الايات فلابد و ان يكون بعد آل محمد: بين الانام اخبار هي حجة معروفة معلومة قطعية يهتدي بها الرعية و هو الاولي في الامور العامة و بغير ذلك يفسد امر العالم و لايعبد الله في ارضه بعد ما اخبر الله عزوجل ان الظن لايغني من الحق شيئا و انزل عليه سبعين آية و تواتر به الاخبار و مضي عليه قدماؤنا الاخيار و دل عليه صحيح الاعتبار فلابد و ان تكون فينا الاخبار قطعية شرعا يعني رضي الله العمل بها و لا علينا من صحة صدورها الخارجي و عدم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 108 *»
صدورها ولكنها صادرة من الله تقريرا اذ لو لميرض الله ببعضها كان في الحكمة و الاولي ان يستثنيها ببعض ما يعلم العباد انه ليس منه و لا اليه و اذا القاها بين عباده و لميميز بين صحيح و سقيم بامر بين فالكل مرضي له لايقال انا نعلم الصحيح و السقيم بعلم الرجال فانه اوهن من بيت العنكبوت فمن يفتري المتن يفتري السند و ان كان المتن صحيحا فاي حاجة الي السند و بعد صحة السند من الذي آمنكم من سهو الثقة و خطائه و غفلته و اشتباه الامر عليه و تحريف الخبر بعد ما صدر من الثقة الي ان وصل اليك و برهاننا في حصول اليقين باصل صحة ما وصلنا و هو فوق ما تخوضون فيه من الابحاث فجميع الاخبار المأثورة صحيحة الا ما علم كذبه علي اليقين و ان قلت اما ما رواه الثقات و صححوها فسلمنا و اما غيرها فكيف نصنع به و لايفيد علما و لا عملا قلت ان الاخبار علي حسب ظنونكم تتنوع بانواع فهي اما متواترة تفيد اليقين لفظا او معني و لا كلام فيه و اما محفوفة بالقرائن القطعية فلاكلام فيه ايضا و اما مروية عن الثقات و صححوها و ضمنوا صحتها او عملوا بها عن علم فهي ايضا مقبولة علي ما ذكرنا و اما مروية من طرق الثقات ولكن لميضمنوا صحتها و لميعملوا بها و انما رووا ما وصل اليهم فلايمكن الاعتماد عليه لان علي الثقة صحة الرواية عما روي عنه و اما صحتها الي المعصوم فلا عليه فنرجع الي نفس الحجة فان نطق باحد السنته من الكتاب و السنة و الضرورة و غيرها بتكذيبه فنعرض عنه و ان لميأت بما هو مخالف له صحيح صريح في تكذيبه فنعمل به اعتمادا علي تقريره لا علي نفس الخبر و ان كانت الرواية مروية من مجهول الوثاقة او مروية من غير الشيعة فهاتان ان لميعارضهما من الثلثة الاول شيء و لاتخالفان كتابا و لا سنة و لا ضرورة و لا عقلا مجمعا علي صحته و لا غيرها من الحق المقطوع به فهما حديثان قد نسبا الي آل محمد: بحضرتهم و هم الامرون بالمعروف و الناهون عن المنكر الشاهدون القادرون غير خائفين علي انفسهم و سكتوا عن ابطالهما و اقامة دليل علي بطلانهما و كذب نسبتهما فعرفنا بالرد اليهم انهما حق صادر عنهم و هم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 109 *»
بعملنا بهما راضون و الا لنهوا عنهما و لنذكر ان شاء الله اخبارا تدل علي ذلك و اما هي مروية من فاسق معلوم الفسق فعلينا التثبت و الرد الي ائمة الهدي: فننظر و نوازنها بالكتاب و السنة و الضرورة و روايات الثقات المصححة و غيرها من اسباب التصديق فان عارضتها و خالفتها علمنا ان الحجة ردع عنها و كذبها و ان لميكذبها بشيء بين فعلمنا انه مقرر مصحح يجب الاخذ به فلاكل فاسق يكذب و لا كل عدل يأمن الخطاء فلعمري روايات العدول تحتاج الي التقرير فضلا عن الفساق فانا نريد الحق و ليس رواية العدل حقا من حيث انه عدل اذ ربما سها او اخطأ او نسي او عدل عما كان و لانعلم فكذب والله اعلم بالواقع فلايمكن الاعتماد الا علي الله الحق الذي لايتغير و الحجة المعصوم الذي لايخطي فما كان عنه بنص او تقرير او فعل فهو الحق و اما هي معلومة الكذب و الافتراء فلايجوز العمل به بحال من الاحوال و قد فضحها الله و حجته و ردع عنها و جميع اخبارنا لاتتجاوز هذه الانواع و الذي يدل علي لزوم امرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر ما رواه في البرهان من الكافي باسناده عن اسحق بن عمار عن ابيعبدالله7 قال سمعته يقول ان الارض لاتخلو الا و فيها امام كيما ان زاد المؤمنون شيئا ردهم و ان نقصوا شيئا اتمه لهم و عن عبدالله بن سليمان العامري عن ابيعبدالله7 قال مازالت الارض الا و لله فيها الحجة يعرف الحلال و الحرام و يدعو الناس الي سبيل الله و عن ابيبصير عن احدهما8 قال ان الله لميدع الارض بغير عالم و لولا ذلك لميعرف الحق من الباطل و عن ابيحمزة عن ابيجعفر7 قال قال و الله ما ترك الله ارضا منذ قبض الله آدم الا و فيها امام يهتدي به الي الله و هو حجته علي عباده و لاتبقي الارض بغير امام حجة لله علي عباده و من الاكمال باسناده عن ابيالصباح عن ابيعبدالله7 قال ان الله تبارك و تعالي لميدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان فاذا زاد المؤمنون شيئا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 110 *»
ردهم و اذا نقصوا شيئا اكمله لهم و لولا ذلك لالتبست علي المسلمين امورهم و عن ابيبصير قال قال ابوعبدالله7 ان الله عزوجل لميدع الارض بغير امام و لولا ذلك لماعرف الحق من الباطل و عن الثمالي قال سمعت اباجعفر7 يقول لن تخلو الارض الا و فيها رجل منا يعرف الحق فاذا زاد الناس فيه قال زادوا و اذا نقصوا منه قال قد نقصوا و اذا دخلوا به صدقهم و لو لميكن ذلك كذلك لميعرف الحق من الباطل و عن ابيبصير عن ابيعبدالله7 قال ان الله لايدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم و اذا نقصوا اكمله لهم و قال خذوه كاملا و لولا ذلك لالتبس علي المؤمنين امرهم و لميفرق بين الحق و الباطل و في فصل الخطاب عن هرون بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه: ان النبي9 قال في كل خلف من امتي عدل من اهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عنه عن آبائه عن علي7 انه قال في خطبة علي منبر الكوفة اللهم لابد لارضك من حجة لك علي خلقك يهديهم الي دينك و يعلمهم علمك لئلا تبطل حجتك و لايضل تبع اوليائك بعد اذ هديتهم به اما ظاهر ليس بالمطاع او مكتتم او مترقب ان غاب عن الناس شخصه في حال هدنتهم فان علمه و آدابه في قلوب المؤمنين منبثة و هم بها عاملون و عنه عن ابيه عن علي بن الحسين: في حديث لمتخل الارض منذ خلق الله آدم من حجة لله فيها ظاهر مشهور او غايب مستور و لاتخلو الي ان تقوم الساعة من حجة لله فيها و لولا ذلك لميعبد الله قيل للصادق7 فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور قال كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب و قال ابوعبدالله7 لن تبقي الارض الا و فيها من يعرف الحق فاذا زاد الناس فيه قال قد زادوا و اذا نقصوا منه قال قد نقصوا و اذا جاؤا به صدقهم و لو لميكن كذلك لميعرف الحق من الباطل و عن مصدق
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 111 *»
بن صدقة قال سمعت اباعبدالله7 يقول لن تخلو الارض من حجة عالم يحيي فيها ما يميتون من الحق ثم تلا هذه الاية يريدون ان يطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره و لو كره الكافرون و عن الرضا7 في حديث و منها انه لو لميجعل لهم اماما قيما امينا حافظا مستودعا لدرست الملة و ذهب الدين و غيرت السنن و الاحكام و لزاد فيه المبتدعون و نقص منه الملحدون و شبهوا ذلك علي المسلمين لانا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم و اختلاف اهوائهم و تشتت انحائهم فلو لميجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول9 لفسدوا علي نحو ما بينا و غيرت الشرايع و السنن و الاحكام و الايمان و كان في ذلك فساد الخلق اجمعين الي غير ذلك من الاخبار الساطعة المنار التي ذكرناها في ساير كتبنا و يؤيدها الايات و الاخبار الدالة علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و انهم الامرون الناهون و انهم الهادون الشاهدون القادرون فاذا هم سلام الله عليهم شاهدون قادرون مأمورون بالنهي عن المنكر فما نسب بحضرتهم اليهم فان كان حقا يسكتون عن رده و سكوتهم لاجل رضاهم به و ان كان باطلا فلابد و ان يجعلوا له علامة بطلان و ينهوا عنه رعيتهم و ليس يكفي علامة للبطلان كون الخبر عن مجهول او فاسق فلا كل ما رواه مجهول او فاسق باطل و ان قلت اوليس يكفي نهيهم عن الاخذ بخبر الفاسق و ما لاتعلمون انه منهم قلت اني لااعمل بخبر الفاسق و المجهول بعد ما قرره الامام7 بل انا عامل بتقريره الا تري انه لو اخبرك فاسق بحضور الامام و قال قد قال هذا الامام الحاضر هكذا او اخبرك رجل لاتعرفه ان هذا الامام الحاضر حكم بكذا و الامام جالس يسمع و لاينكر الست تعمل بتقريره بلي كان الواجب ان تعمل بتقريره و لست حينئذ عاملا بخبر الفاسق فان تقرير الامام بمنزلة تصديقه و قوله به اجماعا اليس قد قسموا السنة علي ثلثة و قالوا هي قول الحجة و فعله و تقريره و طال ما استدل المسلمون بتقرير النبي9 و لا نكير و انما لايؤخذ بخبر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 112 *»
الفاسق و المجهول اذا لميشهد بصحته قرينة اليس قد طال ما استدل اصحابنا باخبار العامة و الكيسانية و الفطحية و الواقفية و المجاهيل اذا دلت القرائن علي صحة مضمونها و اي قرينة ادل من تقرير الحجة الحاضر الناظر فجميع اخبارنا الا ما ظهر كذبه او ما عارضه صحيح معلوم كالكتاب المجمع علي تأويله او السنة الجامعة او الضرورة او الاخبار المتواترة او المحفوفة بالقرائن القطعية او المروية من طرق الثقات المصححين فانها نطق الحجة بالردع و ما لميردعه نطق الامام7 فلاسبيل الي رده فافهم و خذه و كن من الشاكرين و بقول مطلق كلما نسب اليهم و روي عنهم انما نسب اليهم بحضرتهم و هم شاهدون عالمون مطلعون مأمورون بتصديق الحق و تزييف الباطل قادرون علي ذلك و لا مانع لهم و ان كان مانع فلهم في حال وجود المانع ايضا حكم فاذا لميأتوا بشيء يدل علي بطلان النسبة و لميقولوا انه افتراء علينا فهو حق و بعد هذه الاخبار لا محيص لمحدث ان يقول لايعلمون او علموا و لميقذفوا علي الباطل بالحق.
فصل: اعلم ان فطرة الله التي فطر الخلق عليها ان لاتسكن نفس و لاتطاوع و لاتستقر الا عند العلم فاذا حصل لها العلم استقرت و انقادت و ذلك جبلتها لاتقدر علي غير ذلك كما روي عن ابيعبدالله7 ان القلب ليتجلجل في الجوف يطلب الحق فاذا اصابه اطمأن و قر ثم تلا ابوعبدالله7 هذه الاية فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للاسلام الي قوله كأنما يصعد في السماء و قال7 ان القلب ليرجج فيما بين الصدر و المنحرة حتي يعقد علي الايمان فاذا عقد علي الايمان قر و ذلك قول الله عزوجل و من يؤمن بالله يهد قلبه انتهي. فلاجل ذلك لاتحتاج الي دليل علي معلوماته و تستقر لديها من غير برهان اذ حاصل البرهان لو اتي به العلم و هي عالمة بالمطلوب من غير برهان فتحصيل الحاصل لها كلفة بلا حاصل و اني اري جميع القوم يسعون في اقامة الدليل العقلي القطعي العلمي علي حجية الظن و لايقدرون فان كان الظن مما يوصل الي الحق يقينا فلايحتاج الي برهان فمحض طلبهم البرهان دليل علي ان نفوسهم لاتسكن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 113 *»
عند الظنون و هي متزلزلة لديها مترددة انها مصيبة ام مخطئة و اراهم جميعا يحتجون بادلة ظنية علي اثبات حجية الظن فان كان الظن يسكن عنده النفس فلايحتاج الي برهان و ان كان لايسكن عنده النفس فكيف يجعل برهانا و الدليل علي انهم يستدلون بالظنون ان ادلتهم لو كانت تنتهي الي البديهيات لمااختلف الامة فيها و ان كانت حججهم من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا اختلاف فيها او دليل عقلي تعرف العقول بداهته لما اختلفت الامة او الفرقة فيها و ما ليس كذلك يسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له فانه ليس بقطعي هذا و هذه البراهين التي هي اوهن من بيت العنكبوت و يعارضها سبعون آية و اخبار متواترة لاتنكر و عمل متقدمي اصحابنا و كثير من متأخريهم فلااجماع في المقام و لا بداهة عقل و لا ضرورة و لاحديث واحد كيف تكون قطعية و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدي و لا كتاب منير بالجملة قد جاءت هذه الكلمات معترضة فالظن لايسكن عنده النفس فطرة و قد كلف الله الخلق بالعمل و شغل ذمتهم بالامر و النهي و اوجب عليهم الامتثال و وكل الامر الي علم الانسان و يقينه و قال بل الانسان علي نفسه بصيرة و لو القي معاذيره فمهما تيقن انه برئت ذمته مما اشتغلت به فقد ادي ما عليه و الا فذمته مرهونة بالتكليف حتي يأتي بما يستيقن معه البراءة و لذلك اجمعوا علي ان اشتغال الذمة اليقيني يستدعي البرائة اليقينية فاشتغال الذمة اليقيني باداء التكاليف يستدعي البرائة اليقينية و هي لاتحصل بالظن قطعا لاضطراب النفس لديه و كونه ضد اليقين فالله عزوجل لايسد علي وجه عباده باب العلم و قد كلفهم يقينا و ليس من الحكمة و العدل تأثيم العباد بان يكلفهم يقينا و يشغل ذمتهم يقينا و يجعل الامتثال في البرائة اليقينية الموكولة الي النفس ثم يسد عليها باب اليقين فلاتتيقن ببرائة ذمتها ابدا فتبقي عندها نفسا آثمة عاصية غير مؤدية للتكليف لاتدري اصابت ام اخطأت ان اصابت خافت ان تكون قد اخطأت و ان اخطأت رجت ان تكون قد اصابت و اعلم ان بناء اغلب القوم في البراهين الثبات علي مفاد برهان انقطعوا لديه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 114 *»
و عجزوا عن رده فيقولون هذا هو المذهب و يجب التعبد به و ليس الامر كذلك بل اللازم ان يطلب الانسان الدليل حتي يسكن النفس و تهدأ و تستقر الا تري انه كم يتفق انه يقيم برهانا و يعجز عن رده ولكن لايسكن عنده نفسه و يحتمل ان عجزه من قلة علمه و عدم احاطته لاسيما مع ذهاب جمع من العلماء و من هو اعلم منه علي خلافه فيتزلزل مع انه عاجز عن رد البرهان و اري كثيرا من القوم يقفون عند عيهم عن المسير و يتخذونه منزلا و يقولون انه المقصد مع ان بينهم و بين المقصد مسافة بعيدة و لنعم ما قال الشاعر:
ظفر الطالبون و اتصل الوصــ
ــل و فاز الاحباب بالاحباب
و بقينا مذبذبين حياري
بين حد الوصال و الاجتناب
و اغلب براهين القوم التي نزلوا عندها ما عييت عقولهم لديها و عجزت عن التجاوز عنها كبراهين كثير من المتكلمين بالجملة ان كانت النفس تسكن عند الظن فلاحاجة الي حجيته ببرهان و ان كانت لاتسكن فتحتاج الي برهان قطعي لا ظني فان الظن لايغني من الحق شيئا و البرهان القطعي غير قائم لما ذكرنا فلاحجية في الظن و لميبق الا العمل بالعلم فبابه مفتوح و القائلين بانسداده علي شبهة عظيمة و الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.
فصل: اعلم ان الله عزوجل يقين و بعث نبيا باليقين و جعله معصوما مطهرا و ايده بالمعجزات الباهرات فاتي بكتاب مبين و خطاب واضح و كلفهم باليقين بما كلفهم فلما ارتحل الي جوار ربه لميهمل امته سدي مهملين و علم انهم غير مستحفظين لدينه و غير قادرين علي استخراج رضاء الله و غضبه بعقولهم و لو كانوا رجالا كذلك لما احتاجوا الي نبي قط و حكم بعض الشريعة و الكل واحد و لا استخرجوا رضاء الله و سخطه بعقولهم بل كانوا افضل من الانبياء اذ الانبياء لايعلمون الا بوحي و هؤلاء يعلمون بغير وحي و يساوي ظنون هؤلاء مع علوم الانبياء و غير معصوم هؤلاء مع معصوم اولئك و مخطي هؤلاء مع مصيب اولئك
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 115 *»
فلما علم من امته ذلك لميرض لهم الاهمال و نصب فيهم و عليهم بدله و مثله في كل شيء الا النبوة علي اليقين و كان معصوما مطهرا مؤيدا بالمعجزات كما قررنا فكان يخبر عن نبيه علي اليقين و يفسر كتابه و سنته بالحق المبين و هكذا كان امام بعد امام الي ان انتهي الامر الي صاحبنا عجل الله فرجه فكان ما كان يمكن بنحو الوصول او الايصال اليه كماسبق فلما ان القي برقع الغيبة علي وجهه فغاب فان قيل ترك رعيته سدي مهملين و كان جايزا لميكن لنا علي العامة بعد ذلك حجة و لميكن مانع عن عدم نصب الخليفة و قد ضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء الي يوم ظهوره و ان لميتركهم سدي فما صنع بهم؟ فان قيل ترك فيهم كتاب ربهم و اخباره و اخبار الماضين قلت هي منهم و اليهم قطعا و الاخذ بها هدي و تركها ضلالة ام لايدري اهي منهم ام لا؟ فان كان الاول فلله الحمد علي الوفاق فكل اخبارهم المأثورة منهم و اليهم و هي بدلهم و خليفتهم و الامام المنطوق و المسموع بين الرعية و ان كان لايدري اهي صحيحة ام لا فقد ضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء حيث غاب و لميترك بينهم بدلا قطعيا يهتدون به و ان قلت وضع بدلا ولكن ذلك البدل في هذه الاخبار فان الحق فيها لامحالة الا انه غير معلوم بعينه قلت هذا اول الفساد و العناد والاغراء بالفتنة في البلاد هل يجوز ان يخبر الله عباده اني قد بعثت نبيا فاذهبوا و تحروا و جدوه لانفسكم بظنونكم فيتخذ كل رجل رجلا و يتمسك به و يقول انت نبيي ثم يدعو كل قوم نبيهم الي حرب الباقي و جهادهم و تكفيرهم و لعنهم او يقول النبي اني قد خلفت خليفة بينكم ولكنه مدسوس فيكم فاذهبوا و عينوه و ميزوه بعقولكم و حدسكم فيتخذ كل احد منهم احدا اماما فيقع بينهم الفتنة و الحرب و تلف الاموال و النفوس و هل هذا الذي وقع في الاسلام من الحروب و الفتن الا لاجل الاجتهاد و اتخاذ كل قوم رئيسا بظنهم و اجتهادهم ايناسب ذلك امر الحكيم تعالي شأنه؟ فان لميجز ذلك فكيف يجوز ان يغيب الحجة و يترك بين الرعية اخبارا فيها اخبار صحيحة حق و امر بالتحري و لميدع من عنده علي الحق حقيقة و علي الصواب نورا و علامة فيقع فيهم الخلاف و اللعن و التكفير و الجدال و النزاع و هو حكم الله
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 116 *»
في رفع النزاع و ان وضع علي الحق علامة يعرف بها و علي الباطل علامة يعرف بها فالباطل ليس منهم و لا اليهم فاخبارهم صحيحة يجب اتباعهم و الاخبار الباطلة المعلومة ليس منهم و لا اليهم و ان قلت فما العلامة البينة في معرفة الاخبار الحقة قلت قوله تعالي بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و قوله تعالي جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قوله تعالي ان الله لايصلح عمل المفسدين الي غير ذلك من الايات و قوله9 علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور و ما مر من اخبار تسديدهم الحق و تأييدهم في كل زمان و ازهاقهم الباطل في كل اوان و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لميعرف الحق من الباطل فكل حديث جاء به مسلم او غير مسلم و لميقم في الاسلام دليل كذبه و بطلانه فهو مقرر من عند الحجة مصدق فان ذلك الخبر بمرآي منه و مسمع و هو عالم بصدقه و كذبه قادر علي ابطال الباطل و احقاق الحق و هو يد الله الذي وعد و قال بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه و حجة الله الذي وعد و قال ان زاد المؤمنون شيئا ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و ان جاؤا به صدقهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لميعرف الحق من الباطل فان الرعية لايعلمون الغيب و ان قلت او ما يكفيهم نهيهم عن ترك قبول اخبار الفاسق قلت لمينه عنه مطلقا و لو شهد علي صدقه شواهد و انما نهي عنه اذا كان بغير قرينة اما اذا قامت قرينة صدق فالعمل علي القرينة لا علي اخبار الفاسق و هو بمنزلة فاسق اخبر ثم جاء عدل و صدقه فالعمل بتصديق العدل لا اخبار الفاسق كماقال ابوعبدالله7 ما جاءك في رواية من بر او فاجر يوافق القرآن فخذ به و ما جاءك في رواية من بر او فاجر يخالف القرآن فلاتأخذ به انتهي و لذلك قال الله عزوجل ان جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا و لميقل فلاتقبلوا و قال يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين و نحن نكون مع القرينة الصادقة المصدقة و ربما علمت فاسقا انه صادق فلابد و ان تكون مع الصادق حينئذ
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 117 *»
و ان قلت قد امرت بان تكون مع الصادق و غير الثقة ليس بمعلوم الصدق فكيف تعمل برواية المجهول قلت اني اعمل بتقرير الحجة الذي يقوم مقام نطقه كما اذا قام مجهول بمحضر الامام و قال ايها الناس امامكم هذا يقول كذا و كذا و الامام ساكت لايرده فيدل سكوته علي صدق المجهول و انا آخذ بتصديق الحجة لا بخبر المجهول من حيث انه مجهول و ان قلت تقرير الحجة قد كان في زمان ظهورهم ايضا و لمنجد حديثا يقولون فيه كلما روي لكم و لا دليل علي بطلانه فخذوه و قد كانوا في اقاصي البلاد و يصلهم الاخبار بواسطة صنوف العباد و انما امروهم بالعرض علي الكتاب و السنة و العامة و الاجماع و امثال ذلك و الرد اليهم عند التحير و نوعوا الامور الي ثلثة فلو كان الامر كذلك و كان كل غير معلوم الكذبية مقررا حقا لامروا به و لو في حديث واحد لرجل واحد قلت كذلك الامر كان الواجب ان يقولوا و قد قالوا و لايجب ان يكون كل مطلب في حديث واحد و بلفظ مخصوص يطلبه الخصم و انما الواجب بيان المطلب و الحكم كيف كان و قد اخبرونا سلام الله عليهم في احاديث مستفيضة ان الارض لاتخلو من حجة و شهد به الكتاب و العقل المستطاب فوجب الاقرار به علي عامة المكلفين ثم اخبرونا في احاديث مستفيضة كثيرة ان من فوائد الحجة انه اذا زاد المؤمنون شيئا في دين الله ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و ان جاؤا به صدقهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لميعرف الحق من الباطل و «المؤمنون» و «المسلمون» لفظ جمع محلي باللام يفيد العموم فيشمل جميع المؤمنين و المسلمين الحضور منهم و الغيب اينما كانوا و شيئا هنا يفيد العموم و ان كان في سياق الاثبات ولكنه في سياق الشرط و الظاهر القطعي منه ارادة العموم فاي شيء زاد المؤمنون اينما كانوا في شرق الارض و غربها في دين الله ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و لاشك انه ليس بمحاورة كلام و مشاهدة عيان و انما يرد و يتم بما شاء و كيف شاء فان وصل اليك خبر فان كان عن ثقة معتمد عليه او ثقة غير معتمد او غير ثقة و هو محفوف بالقرائن القطعية العادية بحيث حصل لك القطع عادة انه من الحجج و اليهم سلام الله عليهم فتأخذ به و ان لميكن له قرينة صدق هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 118 *»
خبر يحتمل ان يكون حقا و يحتمل ان يكون باطلا فلايجوز انكاره و رده فلعله من عندهم خرج و محض كونه من فاسق او من مجهول لايدل علي كذبه و لايكون سبب الرد و ينبغي فيه التثبت و الرد الي ائمة الهدي سلام الله عليهم اجمعين فانهم العلماء بالحق و الواقع فهم شاهدون سامعون لهذه الرواية في دين الله مأمورون من عند الله بالامر بالمعروف و النهي عن المنكر و ان لايقاروا علي باطل و لايصبروا علي هلاك حق بمحضرهم فان كان هذا الخبر باطلا و زايدا في دين الله فعليهم رده علي حسب وعدهم في احاديث مستفيضة مطابقة للكتاب و السنة و العقل المستنير بهما فعليهم رده كيف شاؤا و ارادوا و يجب ان يكون ردهم معلوما لدي و الا فلو كان الرد مجهولا صار الاشكال الواحد اشكالين و لميحصل الرد و يجب ان يكون الرد للمؤمنين لا في علم الامام و حيث لايفهم المؤمنون فانه يقول ان زاد المؤمنون شيئا ردهم و ان نقصوا اتمه لهم و القول بانه لعل معني الحديث زيادة جميع المؤمنين فلو ارادوا ان يجمعوا علي باطل يجب ردهم لا كل فرد فرد محض خيال و ليس سياق الكلام ذلك اليس اذا قال قائل اذا جاءك العلماء اكرمهم و اذا جاءك الشعراء اهنهم معناه كل فرد فرد لا المجموع بحيث لايشذ عنهم شيء فمعني قولي فاذا زاد المؤمنون يعني كل فرد فرد شيئا من الاشياء في دين الله ردهم بم شاء و كيف شاء بشرط ان يكون ما يردك به معلوما عندك فاذا جاء خبر و كان خلاف ضرورة الاسلام او المذهب فقد رده الحجة بدليل قطعي واضح لاينكر و ان لميكن ضروري فان رده بكتاب واضح بين مستجمع علي تأويله فقد رده و ان لميكن كتاب و كان سنة قاطعة و رده به فقد انكره و رده بما لاينكر و ان لميكن سنة جامعة قاطعة و كان اجماع في المقام علي خلاف الخبر فقد رده فان الاجماع ما علم كون الحجة في المجمعين قطعا و ان لميكن اجماع و كان يعارضه حديث صحيح عن ثقة معتمد عليه مصحح له فقد رده بابين منه و اوضح و بما قرره و امر بالتمسك به و قام الاجماع بالاخذ به و ان لميكن حديث مصحح كذلك و يعرفه العقول ببداهتها انه غير صحيح و يعارضه العقل المتفق عليه فقد رده و ان لميكن شيء من ذلك و يقوم في البين قراين تفيد
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 119 *»
الريب في ذلك الخبر بحيث يتردد النفس فيه و لاتسكن و تلك القراين معتبرة من فحاوي اخبار او اشارات آثار او سنة و طريقة ثابتة عن المعصومين: فلايؤخذ به اذا كان يساوي فيه الاحتمالات فندع ما يريبنا الي ما لايريبنا فان تلك الفحاوي و الاشارات و امثالها كلا من الحجة و هو صاحبها فنتأمل عن الاخذ بذلك الخبر و ان لمتكن قرينة مريبة و كان موافقا للاصل فيكون مؤيدا و ليس فيه سبب تأمل و ان كان مخالفا لاصل ففيه الحائطة اذ لولاه لكنا مخيرين و الامر مطلق لنا و الان ورد ما يقيده و لانقول بوجوب العلم بوجه العمل من الوجوب و الاستحباب فالعمل به موافق للاحتياط مع انه مقرر غير مكذب من الحجة7 و لهم اسباب دون ذلك من التقديم و التأخير و الستر و الكشف و التقريب و الترديد و التبليد و التشحيذ و غير ذلك يفعلون ما يشاؤن فان عليهم الرد و هكذا عليهم اتمام الناقص بم شاؤا و كيف شاؤا و هكذا عليهم التصديق و التقرير بم شاؤا و كيف شاؤا و قد روي ردهم الزيادة و اتمامهم الناقص و تصديقهم الحق و ان كان في كل عصر عدول ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين في احاديث مستفيضة لاتنكر و ليس ذلك شيء اخترعناه و طال ما استدل الانبياء سلام الله عليهم في اثبات نبوتهم بتقرير الله جل و عز و لايثبت نبوة و لا امامة و لا حجة الا بذلك و لايقين في الدنيا الا في ذلك و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و هذا هو الرد اليهم عند عدم امكان الوصول اليهم و قد روي في اخبار عديدة وجوب الرد اليهم في المشتبهات و هذا هو الرد في غيبتهم فننظر اليهم عالما بشهادتهم و قدرتهم و علمهم و وجوب الامر و النهي عليهم فان كان باطلا عليهم رده و لايحتاجون الي الرد بالقول بل لهم اسباب لاتحصي اليس ابليس يرد الناس عن الحق و لايكلمهم و انما يردهم باسباب من اثارة الميل و الشهوة و صرف النفس و اغواء اعوان و انصار من الرجال و النساء و التزيين و التخييل و التخويف و التحريص حتي ينصرف الانسان عن الحق فما الباعث في عدم امكان امثال ذلك علي الحجة في جهة الحق و هو عالم قادر قوي غير خائف علي نفسه و ان خاف علي شيعته فذلك حكم شرعي لهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 120 *»
يجب عليهم العمل به فما الباعث في تركهم و ان قلت ان التقريرات الشرعية علي ما هو المتعارف بين الناس و ليس بالاسباب الباطنية قلت انهم اخبرونا انه بالاسباب الباطنية و هم اعلم بانفسهم فانهم اخبرونا بان وجود الحجة لاجل ذلك و يرد زائد المؤمنين في جميع الاقطار و يتم ناقصهم و يصدق حقهم و ينفي عن الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و ذلك لايكون الا باسباب غيبية فان عادة البشر لمتجر علي ان يتصرف شخص مخصوص من البشر في جميع الاقطار و جميع افراد البشر و الخبر مطلق فليس الا بالاسباب الخفية فهم سلام الله عليهم يقررون الحق و يبطلون الباطل باي سبب شاؤا من الاسباب و يفهمون الحق لطالبه كيف شاؤا و ارادوا فمن انقطع اليهم و طلب الحق منهم و استفاض منهم و توسل الي ولايتهم بولاية اوليائهم و توسل بهم الي الله جل و عز و طلب الحق فعليهم ان يوصلوا اليه الحق و ما يصدر منهم علي نهج الكمال و الاولي و هم لايتركون الاولي و اذ صار الامر بالاسباب الغيبية ايضا فلامانع فهم لايوصلون الي المكلف الطالب المنقطع الا العلم و لايعدلون منه الي الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا و لقد ملأنا كتبنا ببيان ادلة التقرير بحيث لايبقي خفاء لدي الخبير البصير فافهم.
فصل: اعلم ان الله جل و عز خلق العباد مدنيوا الطبع لايعيشون الا بالاجتماع في القري و البلاد حتي يكفي كل واحد ماسواه مؤنة عمل و لايختار كل واحد منهم عملا و لايرضي به الا ان يكون علي طبع يناسب ما خلق لاجله فاذا اختلفت الطبايع و الامزجة مع لزوم اجتماعهم يحدث التشاجر و التنازع و التحاسد و التجادل لامحالة كما هو مشاهد و يحدث الاختلاف في الافهام و الانظار و السجايا و القرايح و يؤل امرهم الي القتال و تلف النفوس و تخريب المدينة و تفريق المجتمعين فاحتيج في الحكمة الي حاكم مؤلف بينهم جامع لهم حاكم عليهم فيما فيه يختلفون حامل كل فرد علي شأنه موجه كل شخص الي جهته رابط بينهم بسر الوحدانية التي له و لرأيه و نظره و لولا ذلك الحاكم لكان الخلق
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 121 *»
لغوا بالكلية و حاشا الحكيم عن اللغو فلاجل ذلك خلق الله الرسل حكاما منه بين عباده ليحكم علي لسانهم بينهم فيما هم فيه مختلفون يعلمهم خيرهم و شرهم و صلاحهم و فسادهم و يحفظ ثغورهم و يعمر بلادهم و يحفظ نفوسهم و اموالهم فالحاكم واجب في الحكمة ولكن يجب في الحكمة ان يكون الحاكم من يجمع الناس علي طاعته اما بعرفانهم حقيته و صدقه و بحقيقة ايمانهم و اما بقهره و غلبته حتي يسلموا لامره طوعا و كرها و لاشك ان الله سبحانه غني عن طاعة من اطاعه آمن بمعصية من عصاه و من كفر فان الله غني عن العالمين فلايكره خلقه علي الايمان الا بعد ان يتبين الرشد من الغي ثم بعد ذلك لا بأس بالاكراه و لربما يكره اشد الاكراه و لايبالي و اما في اصل معرفة الحق فلايحتاج الي اكراه و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون لله الحجة البالغة فمحال ان يرسل رسوله عاريا من دليل يورث اليقين و يصير رعيته فيه علي بصيرة و يخرجوا عن الحيرة فارسل الله الرسل مع ادلة يحصل القطع بها برسالة ذلك الرسول لكل رعيته و لذلك يحتج الله علي كفار قومه و يعذبهم في الدنيا و الاخرة و يقول انهم يكفرون بعد العلم و يقول و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم و يقول و ما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و ذلك ان الحكم لايكون حكما الا ان يكون مسلما لطرفي الخصومة حتي يجتمعوا عليه و لو اختار كل خصم رجلا و اقر بحكومته صار اختلاف الاثنين اختلاف الاربعة و لميزل الاختلاف و لعله يشتد في بعض الاحيان فلايحصل رفع الاختلاف الا بحاكم مسلمي بين الخصمين مطاع ثم امين يعرفه بلزوم الاطاعة كل واحد منهما فكذلك بعد ما ذهب الرسول لابد و ان ينصب بينهم بدله و مثل نفسه و نفسه و يعرفهم شأنه و يبلغ اليهم امره و يقطع اعذارهم و الا لجاء المحذور الاول فلو كان امر الخليفة و الامام غير معلوم و غير مقطوع اختار كل واحد منهم اماما و ذهب مذهبه و يشتد الاختلاف و التنازع كما بلغ الي ثلث و سبعين فرقة يلعن بعضهم بعضا و يكفر بعضهم بعضا ولكن كان ذلك بعد العلم كماقال الله تبارك و تعالي و ما اختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 122 *»
بينهم و العلم ما اتي به محمد9 من برهان الله علي ان عليا خليفة الله و خليفته علي الارض ولكن بعد العلم كفروا حسدا من عند انفسهم و ليس اختلاف الامة من نقص في حجة الله عزوجل نعوذ بالله فان الله الذي يقول ان الظن لايغني من الحق شيئا و يقول و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون لايجعل حجته ظنية و لا مبهمة يعرفها بعض و ينكرها بعض و بذلك قامت الحجة علي الخلق فنحن نسأل القوم و نقول هل بعد ذهاب الحجة و غيبته بطلت هذه الحكمة و لايحتاج مدينة البشر الي حاكم مسلم بينهم ام يحتاجون فان اختلاف الطبايع و الافهام باق و اسباب التشاجر و التنازع و الجدال موجودة فان كانت موجودة و لايحتاجون الي حاكم مسلم فكذلك كانوا يوم اول و ما كانوا يحتاجون الي نبي و امام و ان كانوا يحتاجون الي ذلك فمن الحاكم اليوم يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ اما علي ما نقول فقد ابقوا فينا اخبارا قطعية شرعية عليه علائم القطع و اليقين يحصل بها القطع لجميع المكلفين و يجتمعون عليه و يطيعونه و اما علي ما يقولون فليس اليوم حاكم قطعي من الله يجتمع الامة عليه و جعلوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و يقولون ليس اليوم بيننا خبر قطعي و لابد لنا من تحصيل الظن و كل من ظن حكما ينبغي ان يعمل به و نحن نعمل بالاخبار لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن فجعلوا ظنونهم الناشئة من اختلاف طبايعهم التي حثي اسباب التشاجر حكام بين الخلق بعد نبيهم و بذلك هلكت العامة و لو كان ما يقولون صدقا و ما يفعلونه جايزا لا حجة لهم علي العامة في لزوم وجود امام بعد النبي ابدا فان كان واجبا فيجب لرفع داء هو اليوم بعينه موجود و ان قلت ان الاختلاف لايرتفع بالاخبار و ان كانت صحيحة ايضا فان الائمة سلام الله عليهم بانفسهم اوقعوا الاختلاف بين رعيتهم عمدا فكيف يمكن ان يرتفع الاختلاف بهذه الاخبار المختلفة و ان كانت صحيحة قلت ان الاخبار جملة صحيحة و هي حجة الله المسلمية علي الخلق و وضعت لرفع الاختلاف كما ان علم النحو مثلا وضع لرفع الاختلاف اذا اختلفوا في حركات الكلمات غاية الامر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 123 *»
انها كالامام الحي الموجود الذي كان يفتي في زمان ظهوره علي الاختلاف و هذه (هذا ظ) الاختلاف غير مذموم الا تري ان الراجعين من عند الامام بالاختلاف ليس يخطيء بعضهم بعضا و ليس يكفر بعضهم بعضا و كل يقول تكليفك ما في يدك و تكليفي ما في يدي و انما الاختلاف المذموم ان يتنازعوا و يتشاجروا فيخطيء بعضهم بعضا و يكفر فالاخبار اليوم ميزان الحق و الباطل يرجعون اليه و ان رجعوا عنها مختلفين فيصوب كل منهم صاحبه و اما ان لميكن اخبار صحيحة و كان المدار علي العقول فهم مضطرون علي التخطئة او التكفير فان تصديق المخالف تكذيب النفس و ان قلت انهم ايضا يقولون ان كل احد تكليفه ما فهم و لا تنازع بينهم قلت نعم ربما يكون ما فهم اصل النزاع فان هذا يفهم ان يكفر ذاك و يلعنه و يقول بنجاسته و وجوب قتله و امثال ذلك كما قاله العامة ان سيدهم معوية كان مجتهدا فان اخطأ فله ثواب واحد و ان اصاب فله اجران و ان سيدنا عليا ايضا كان مجتهدا و هكذا يصير امر الاجتهاد و هو عين الفساد والله اجل من ان يترك الارض بلاحاكم يحكم بين الفريقين و يضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و هل الاهمال غير ذلك و هل كانوا في الجاهلية علي غير ذلك؟ و هل هذا الا ان يكون كل احد امام نفسه و عقله نبيه مع عدم عصمته؟ و هل يقول البراهمة المنكرون للرسالات و الانبياء غير ذلك؟ و هذا هو ترك الخلق سدي مهملين و تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا اذ في ذلك تجويز ابطال بعث الرسل و انزال الكتب نعوذ بالله فلابد من ان يكون في حال غيبتهم احاديث قطعية هي ميزان الحق و الباطل ليرجع اليه الخلق و يعرفوا به الحق كما ان علم النحو ميزان علم العربية و اذا لحن احد في كلامه او وقع تشاجر في كلام يرجعون اليه فيعرفون به الحق و قد وضع علم النحو اميرالمؤمنين7 لحفظ الكتاب و السنة و وضع السنة اليقينية اهم من وضع النحو و لو لميكن وضعها واجبا لماقال رسول الله9 اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي و لماامرونا بالرجوع الي الاثار و قد قامت الضرورة علي انه ليس الملجأ في زمان الغيبة الا الاخبار فاذا كان امر الاخبار بهذا الوهن الذي يقولون فعلي الاسلام السلام و مثل قولهم انهم تركوا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 124 *»
الاخبار بيننا الا انه اختلط علينا الصحيح و السقيم مثل من يقول بعث الله الرسول و لميقصر الا انه ضال بين المتنبين فلانعرف شخصه او نصب الرسول بعده اماما الا انه ضايع بين المدعين فلانعرف شخصه بعينه او ان الله انزل كتابا و لميقصر الا انه مجهول لانعرف انه اي كتاب هو فلو قال قائل كذا هل اقر باتمام الحجة و ايضاح المحجة و قيام الحجة من الله علي خلقه؟ فان قالوا نعم فذلك مدخول عند العقلاء و ان قالوا لا فكيف يجوز ان يقال ان الامام ترك حجة بيننا و هي اخباره الصحيحة الا انها ضايعة بين السقيمة الكاذبة و نحن لانعرفها و ان نعينها بظنوننا و كل احد منا يظن خبرا و يختاره حاشا ان يقوم لله حجة علي خلقه و ما يبهت به الذكي قولهم ان مطلق الظن حجة الله اليوم فكل من ظن شيئا فهو حجة الله المعصوم عليه نعوذ بالله و به نستعين.
فصل: اعلم ان من البين انه لميجعل الله لهذا الخلق اداة ينالون بها الغيب و ان الغيب لله لايعلمها الا هو و الغيب في الجزئيات و الشخصيات كلما غاب عن مشاعرك الخمسة الظاهرة باعيانها او عن مشاعرك الخمسة الباطنة بمثلها فكل ما غاب عن مشاعر الانسان الجزئية فالانسان محجوب عن دركه و يحتاج الي دركه الي آخر مشاهد يخبره به و في الكليات كلما غاب عن مشاعره الباطنة الكلية فهو غيب يحتاج في دركه الي مشاهد يخبره فاذا لميكن له اداة ينال بها الغيب اذ ليس الرجل بموجود حيث هو معدوم لميكلفه الله بعلم الغيب و قال لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و من البين ان الناس ليس لهم اداة ينالون بها معرفة الدين و ما يرضي الله و ما يسخطه و ما يحبه و ما يبغضه و لو كان لهم اداة كذا لكانوا كلهم انبياء مستغنين عن طاعة غيرهم و لميحتاجوا الي ارسال الرسل اليهم و لا انزال الكتب عليهم و لاستووا كلهم في النبوة و الرياسة و هذا القول من الخطاء بمحل و ان لميكن لهم اداة ينالون بها علم حقايق الاشياء فهي غايبة عنهم و لايعملون بها و يحتاجون الي مشاهد يخبرهم و هو الذي اشهده الله خلق السموات و الارض و جعلهم شهداء علي خلقه فانحصر الامر باخبار و نطقهم و السمع فاذا تكلموا و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 125 *»
نطقوا و صار نطقهم محسوسا مسموعا فحينئذ يكون اذن السامع و قلبه و عقله حجة الله عليه ان يسمع باذنه و يعي بقلبه و يفهم بعقله و ليس العقل حجة من الله علي خلقه علي ما لميشهده فما ورد من ان لله علي خلقه حجتين حجة ظاهرة و هي الانبياء و الرسل و حجة باطنة و هي العقول معناه ما ذكرنا من ان علي الرسل ان يقولوا و علي الرعية ان يفهموا لا ما ذكره قوم من ان الادلة العقلية حجة ما ليس فيه نص نعوذ بالله فيكون عقولهم انبياؤهم و ائمتهم و حجج الله عليهم مع انها غير معصومة و نطقهم صلوات الله عليهم احاديثهم و آثارهم و اخبارهم و سنتهم لا غير فماداموا ظاهرين كان عليهم النطق و علينا السمع و الفهم و العمل و اذا غابوا كان آثارهم خلفاؤهم فان كان آثارهم خفية علي العباد لاتعرف فقد انقطع حجة الله فان النطق قد عدم و العقل غير مشاهد لما غاب عنه و لميكلف الله نفسا الا ما آتاها فقد ارتفع التكليف بارتفاع الاثار اليقينية يقينا و ذلك قول باطل و عن حلية الاعتبار عاطل و ذلك قول بجواز ان يبعث نبي و يكون ساكتا عن تبليغ الرسالة ثم يشرع كل واحد من امته لنفسه شرعا فلابد من بقاء آثار صحيحة بها تقوم الحجة علي الخلق هذا و انا نجد ان جميع ما يذكرونه في معرفة الاخبار لايفيد شيء منها العلم بصحة صدور الاخبار.
اما علم الرجال فلايفيد ذلك فان غاية افادة علم الرجال الظن بان هذه الاسماء المكتوبة اسماء رجال نظنهم ثقات و الكلام في صحة الاسماء المكتوبة فان من يضع المتن يقدر علي وضع سند و كتب اسماء رجال ثقات فان لميكن موضوعا فهو صحيح و ان كان موضوعا فيحتمل في سنده مثل ما يحتمل فيه و كذلك الاخذ بالاعلم و الافقه و الاورع و الاصدق و امثالها و اما العرض علي الكتاب و السنة و الضرورة و الاجماع و العامة و ساير ذلك مما ورد فلايفيد شيء منها العلم بصحة الصدور فان المكذوب ايضا يمكن ان يكون مطابقا فلا حجة في المكذوب المعروض و انما الحجة في المعرض و العلم بصحة الصدور غير ذلك فهذه العروض لصحة العمل بعد صحة الصدور فاذا الواجب تحصيل الاخبار الصحيحة قطعا و قد عرفت انه لايعرف بعلم الرجال و لا العروض المأثورة و الانسان لايعلم الغيب و الظن غير كاف في المقام
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 126 *»
للنهي عنه في الكتاب و السنة و الادلة العقلية و قد ذكرنا شطرا منها هنا و لعمري لو انصف المنصف و كان خبيرا باهل زمانه و اخبار اهل زمانه و عرف ان الناس اكفاء في الاعصار بل في اوائل الاسلام كانوا جديدي العهد بالدين و وحشيين و قد انس الناس كلما تأخر الزمان و الان كما تري يتلمذون علي فقيه و يباحثهم ساعتين و يخرجون من عنده كل ينقل منه قولا فمن عرف اخبار اهل زمانه و اشخاصهم و عرف حوادث الزمان و طواريه علي الكتب عرف انه لايحصل الظن الواقعي العادي الا في اقل قليل من الاخبار و انما الذي يقولون قول في الاصول بمحض التصور و الخيال ولكن لو انصفوا عند كل خبر خبر و تفكروا انه يحتمل الوضع اولا في كله او بعضه و يحتمل السهو و الخطاء و الغلط من المصنف و الكتاب و الروات و غيره لايبقي مجال الظن و انما الظن الذي يقولون ظن وضعي جعلي اصطلاحي و ليس بظن طبعي لهم فعلي اي حال يجب تحصيل اليقين و لا يقين في هذه الطرق فاما علي ما اسلفنا و قدمنا من ان المراد بوجوب تحصيل اليقين هو اليقين الشرعي فهو المكلف به المجزي و اليقين الشرعي في هذا المقام هو انه لاشك في ان هذه الاخبار هي خليفتهم بلاغبار بلاتفصيل من عندهم و ان الثقات امناء فكل ما رووا لنا هو تكليفنا و ما بال علمائنا ليسوا بمؤتمنين علي صناعتهم و الظئر مأمونة في الاسلام و القابلة مأمونة و صناعتهم اعظم الصناعات و حاجة الناس اليها و الي امانتهم اعظم من الكل فهم امناء الله علي حلاله و حرامه كماوردت به الاخبار و يجوز الرجوع اليهم و الاخذ بما رووا معتمدين علي ما رووا الا ان يقول الراوي الثقة الامين انا سمعت فلانا يقول و لا اعلم انه كان صادقا ام كاذبا ثقة ام لا؟ فما رواه مصححا له معتمدا عليه فهو المعمول به و ذلك يمكن في طريقة اصحابنا المحدثين و العاملين بالعلم و اما في طريقة العاملين بالظن فلايروون حديثا معتمدا عليه حتي يسكن الآخذ منه علي روايته و ان روي عن اعتماد ففيه الحجة و هو امين فما رواه الامين غير مصحح له فان كان الرواة الي الامام7 ثقات ان عرفت ففيه الحجة و الا فان شهد القراين بصدقه ففيه الحجة و ان طابق المعارض فهو الحق
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 127 *»
و ان لميعرف صحة صدوره و هو المقرر المصدق و لا بأس به لانهم اذنوا لنا ان نأخذ بالخبر سواء كان من بر او فاجر اذا وافق الكتاب و ان خالف فهو المطروح المردود و ان لميوافق و لميخالف فان كان مطابقا للاصل او حديث صحيح آخر فهو الحق و ان خالف الاصل و عارضه حديث صحيح آخر فلا عبرة به و ان خالف الاصل و لميعارضه بخصوصه صحيح فالعمل به احوط فانه احد شقي مقتضي الاصل فلايضرنا العمل به لا لاجل انه حجة بل لاجل ان العمل به احوط و اسلم فاذا لانرد حديثا الا في باب العمل و عند التعارض و مع ذلك نحن علي يقين ان هذا الطريق الذي سلكناه هو مرضي لله و لرسوله و الاخذ بها دين الله و دين رسول و حججه: و ان لميكن لنا علم عادي او عقلي بصحتها و علي العلم الشرعي بناء الدين و اساس الشرع المبين فافهم و استرح.