رسالة سوانح سفر خراسان
من مصنفات العالم الرباني و الحكيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمدكريم الكرماني اعلي الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 205 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد اتفق لي سفر الي مشهد الرضا صلوات الله علي مشرفه في سنة سبع و ستين بعد المأتين و الالف فلماوصلنا الي قصبة تربة الشيخ حيدر اتاني رجل بكتاب الفوايد المدنية للمولي محمد امين الاستر آبادي رحمه الله الذي قد كتبه في الرد علي علمائنا المجتهدين فاشتريته و استأنست به في الطريق و طالعته فوجدته قد بالغ في قدح العلماء الاصوليين كثيرا و اورد عليهم ايرادات كثيرة و تصلب في حماية علمائنا الاخباريين غاية جهده و من البين انه ليس مبني طريقة الاخباريين و الاصوليين علي مذهبين متباينين ممتازين في الاصول بحيث ان يلزم الانسان ان يكون اما علي طريقة هؤلاء او علي طريقة هؤلاء و اذا اختار طريقة يلزمه ان يجانب ما يقوله اهل الطريقة الاخري بالكلية فان كلتا الطائفتين الههم واحد و نبيهم9 واحد و ائمتهم: اناس مخصوصون كل منهمايريدون اتباع هؤلاء يشاركون في اصول المذهب و كل منهما يريد اتباع آثار محمد9 و اهل بيته الطاهرين غاية الامر انه قد اشتبه بعض الامور النظرية علي بعضهم و الاشتباه و الخطاء و النسيان بين كلا الفريقين مقسوم و ليس ان يكون احدي الطائفتين معصومة عن الخطاء و الزلل و احداهما خاطئة بل يجوز السهو و النسيان و الخطاء و الاشتباه علي كلتيهما البتة و لذلك تري علماءنا الاخباريين رضوان الله عليهم يخالف بعضهم بعضا في اصول تفقههم و فروعه و ليس ان يکون کل مسألة قالها اصولي ترکها اخباري و لا العکس بل هو علي حسب الانظار فکل من راجع الاخبار و نظر اليها بعين الاعتبار فهم منها شيئا و عمل به و انا والله نعلم ان علماءنا الاصوليين رضوان الله عليهم لميتعمدوا الخلاف علي آل محمد: و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 206 *»
ان اشتبه عليهم بعض الامور كما ان علماءنا الاخباريين لميتعمدوا الخلاف علي آل محمد: و ان اشتبه عليهم بعض الامور و الواجب علي هذه العصابة المرحومة اقتفاء آثار آل محمد: كائنا ما كان بالغا ما بلغ ثم ان اشتبه عليهم الامر في بعض الموارد فالله اولي بالعفو و نسأله ان يعفو عنا و عنهم بكرمه و فضله و كل منا اخبارينا و اصولينا مشاركون في الخطاء راجون العفو من الله سبحانه ثم لا شك ان مسائل الدين ليست ببديهية يعرفها كل احد في بادي نظره فهي نظرية تحتاج الي النظر و الفكر و الاستدلال عليها و انما يستدل عليها بالكتاب و السنة و هما عربيان فلابد من معرفتهما و لايعرفان الا بعلم العربية سواء كان بتعلم الكتب النحوية او بمعاشرة العرب و فيهما الفاظ لابد و ان يبحث الانسان عنها و يفحص حتي يعلم و فيها امر و نهي و عام و خاص و ناسخ و منسوخ و بيانات لاتعرف الا بعلم الكلام فهذه الجملة هي علم الاصول الذي يحتاج اليه الاخباري و الاصولي و قد الف هذه الجملة علماؤنا المتقدمون رضوان الله عليهم في كتاب و سموها اصولا و لاشك ان الفقه لايعرف الا بعلم الاصول غاية الامر انه قد غاص في بحار هذه الجملة جميع علمائنا و كل واحد منهم اخرج شيئا و هم بين مخطيء و مصيب سواء سموا انفسهم اخباريين او اصوليين فلايحتاج الي قدح قوم خاص و تصلب لقوم خاص كلهم اصوليون لابد في تفقههم من علم الاصول و كلهم اخباريون يراجعون الاخبار و ان ظن الاخباري ان الاصولي لايراجع الاخبار فقد اساء و ان ظن الاصولي ان الاخباري ليس له اصول فقد اساء و ان ادعي طائفة منهم انه لميخطي في مسألة فقد ادعي بما ليس فيه و نري الاخباري يردّ علي الاخباري و يخطئه فما ظنك بالمخطي مخطيء ام مصيب؟ و اني بعد الامعان من النظر لماجد فرقا بين الاخباري و الاصولي اذ رأيت بعض هؤلاء يقول بمسائل هؤلاء احيانا و بعض هؤلاء يقول بمسائل هؤلاء احيانا فاحببت لما وجدتني فارغا في عرض الطريق ان اكتب بعض ما يسنح بالبال مما يتعلق باصول الفقه و طريق الاستدلال علي المسائل الفقهية و احكم علي الفريقين بالقسط فان الله يحب المقسطين و لماكان قصدي ان لااحكم بغير ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 207 *»
انزل الله و بغير الامور البديهية المتيقنة مما انزل الله سبحانه فارجو ان اصيب في محاكمتي و لااخطي ان شاءالله فان الله سبحانه قد ارسل الرسل و انزل الكتب و اراد الهداية و التعليم فبلّغ الي القلوب و الافهام فاذا قصدها الانسان و توجه اليه بكله لايكاد يخطي ان شاء الله لقوله سبحانه الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا نعم اذا تفكر الانسان من ذات نفسه في شيء و اراد ان يستخرج كنهه باستقلال عقله او عقول غير المعصومين: يخطي في كثير من المسائل و ارجو من الله سبحانه ان لااخطي من هذه الجهة فان الهادي جاهد في الهداية و التفهيم معصوم و انا بتوفيقهم و هدايتهم معرض عن غيرهم منقطع اليهم قائل بقولهم دائن بدينهم مطلع علي مزال اقدام من سلف مجتنب عنها و الله العاصم و به استعين فاسمي هذه الرسالة بـ«سوانح سفر خراسان» و اعنون فصول الكلام بسانحة سانحة.
سانحة: اعلم ان الله سبحانه في ذاته عالم قادر مختار اذ لا معلوم و لا مقدور و لا مختار قد خلق مشيته اولا فعلم بها و قدر و اختار ما خلق بمشيته فكان جميع خلقه سبحانه عالما قادرا مختارا الا انهم في هذه الصفات مختلفون في القوة و الضعف حتي انك تجد افراد بنيآدم مختلفين في هذه الصفات فلاجل ذلك وصف الله سبحانه الاشياء بالعقل و اشار اليهم باشارة العقلاء حيث قال و ان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لاتفقهون تسبيحهم و قال اتينا طائعين و الاخبار نادية بشعور كل شيء و اختياره متواترة و ان اردت ذلك فراجع اخبار عرض ولايتهم علي جميع الاشياء و لا تأول و لاتستنكف و ارجع اليها عقلك لا اياها الي عقلك فجميع الاشياء علماء قادرون مختارون علي حسب درجاتهم و ان الله سبحانه لميكلف اهل درجة الا بقدر ما وضع فيهم من العلم و القدرة و الاختيار قال سبحانه لايكلف الله نفسا الا وسعها و في آية الا ما آتاها روي الا ما عرفها فقد جعل في كل نفس ما اراد منه و لميرد منه الا ما جعل فيه فكلهم كانوا عارفين بما يريد الله منهم قال
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 208 *»
: ثبتت المعرفة و نسوا الموقف و سيذكرونه يوما ما قال تعالي اعطي كل شيء خلقه ثم هدي فلماانزلوا الي دار البلي و الاختبار و عرضهم الاعراض و طرء عليهم الامراض نسوا ما علمهم الله سبحانه مما اراد منهم فاحتاجوا الي تنبيه و تذكير فلذا قال سبحانه و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين و التذكير ظاهر في امر منسي و سمي مبالغة رسوله ذكرا فقال ذكرا رسولا و سمي كتابه ذكرا قال فاسئلوا اهل الذكر فارسل الله اليهم الرسل و انزل عليهم الكتب و سن لهم السنن و شرع لهم الشرايع و ذكرهم بذلك جميع ما جعل فيهم اولا و نسوه عند النزول و منه قوله سبحانه و عهدنا الي آدم من قبل فنسي و لمنجد له عزما قال نسوا الله فانسيهم انفسهم و هل النسيان الا لماكنت ذاكرا له قال سبحانه و اذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم علي انفسهم الست بربكم قالوا بلي بالجملة ثبتت المعرفة في بدء الخلقة و نسوا الموقف و احتاجوا الي التذكير فذكرهم الله برسله و كتبه له الحمد و المن و له الشكر و الطول و الفضل و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين.
سانحة: الناسي لايذكر نفسه و لا ناسيا آخر و انما يحتاج الي تذكير ذاكر فاجتبي الله سبحانه بفضله و جوده من بين خلقه اناسا لميعترهم النسيان و لميعرضهم غفلة الوسنان لميغفلوا عما جعل الله فيهم من العلم يوم اول و لمينسوا ما ذكرهم به فهم مستحفظون لعلمه سبحانه قيمون بامره لميغيروا و لميبدلوا و لمينسوا و لميغفلوا و قد اشهدوا خلق السموات و الارض و الاشياء كما هي و هم علي شهادتهم ستكتب شهادتهم خلق السموات و الارض و يسئلون لانهم اهل الذكر و لاجل ذلك سموا بالذكر و اهل الذكر لانهم ذاكرون ما جعل فيهم و لهم فعلي اهل النسيان ان يسألوا اهل الذكر كيف لا و هم معصومون لا ظالمون و يقول الله سبحانه بئس للظالمين بدلا ما اشهدتهم خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 209 *»
و ما كنت متخذ المضلين عضدا فهم: اعضاد و اشهاد شاهدون علي ماكان و ما يكون لميكونوا تحت قوله نسوا الله فانسيهم انفسهم و لا تحت قوله و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا فهم: ذاكرون من بدء وجودهم الي منتهي شهودهم و كلفوا تذكير الناسين و امروا بسؤالهم و الاخذ عنهم و الرجوع اليهم في كل باب فمن تمسك بهم تذكر و من تخلف عنهم بقي علي نسيانه و اعراضه و ان له معيشة ضنكا و يحشر يوم القيمة اعمي و يقيض له شيطان فهو له قرين و ينسيه الله نفسه فالانبياء: هم الذكر و اوصياؤهم اهل الذكر علي اختلاف درجاتهم فيما جعل فيهم و لهم و علي الناسين سؤالهم و ليس لناس ان يرجع في تذكره الي نفسه في القليل و الكثير و لا الي ناس اخر و لو رضي الله للناسين استقلالهم بانفسهم و مقامهم علي نسيانهم لمابعث اليهم اهل الذكر و لماانطقهم بينهم و امرهم بتذكيرهم و كم من آية في السموات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون.
سانحة: اعلم ان الله سبحانه خلق الانسان من عقل و نفس و العقل يدعو الي مولاه و يريد ان يعبد الرحمن و يكسب الجنان و النفس امارة بالسوء مشتاقة اليه و لكل مقتضيات و صفات و اعمال فالعقل اصل كل خير و من فروعه كل بر و النفس اصل كل شر و من فروعه كل فاحشة و ان الله سبحانه لميأمر عباده الا بمقتضيات العقل و اعماله و صفاته و لمينه الا عن مقتضيات النفس و صفاتها و اعمالها و لميأمر ابدا بشيء من غير مصلحة و لمينه عن شيء من غير مصلحة ان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون فلميدع شيئا يقرب اليه و الي دار رضاه الا و امر به و لميدع شيئا يبعد عنه و يقرب من دار سخطه الا و نهي عنه و العقل في اول خلقه حين
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 210 *»
كان بصرافته يعرف مقتضياته و اعماله و صفاته اذ لايخفي عن الشيء مقتضاه و قد ذكرنا سابقا ان الله سبحانه خلق كل شيء في بدء خلقه عالما و لايخفي عليه مقتضيات النفس و اعمالها و صفاتها فانها نفسه و هو محيط بها مطلع عليها فما اجهل المترددين في ان حسن الاشياء و قبحها عقلي ام لا؟ و هل جاءت الرسل الا بمقتضي العقل؟ و هل امروا الا بما يقتضيه العقل؟ و هل نهوا الا عما يقتضيه النفس؟ فحسن الاشياء و قبحها عقلي و شرعي و هما سواء يشهد بعضها علي بعض لكن العقول الناسية للعهود لايدركون حسن الاشياء و قبحها لانهم شيبوا بما اعميهم و اصمهم من النفوس و العادات و الطبايع و الشهوات و الغضب و الالحاد و الشقاوة و ان الله سبحانه قدر بدو نشو الانسان في هذا العالم من الطين و قدر ان يصير نطفة و علقة و مضغة و عظاما و يكسي لحما ثم ينشأ فيه الروح و يخرج طفلا و يكون رضيعا و فطيما و مراهقا و مدركا و جاهلا و يتعلم شيئا بعد شيء و يتأدب بالاداب و يتعلم العلوم و يرتاض برياضات و هو في كل رتبة يعلم شيئا و يغيب عنه اشياء و دائما يحتاج الي تعلم فلميكن العقل بصرافته في هذه الدنيا حتي يدرك حقايق الاشياء و حسنها و قبحها نعم بعد ما جاءت الرسل و راضوهم و ادبوهم و ربوهم و علموهم و نبهوهم و ذكروهم يذكرون بعد ذلك ما جعل فيهم يوم اول و ماكان يعرفونه و لايتذكر من غير واسطة الا النبي9 فبطل الاستقلال بالادلة العقلية الا ماكان مؤيدا مسددا موزونا بميزان الانبياء و الاوصياء فانه لا عبرة بهذه العقول الناشئة من التراب النابتة في ارض العادات و الطبايع و الشهوات و الغضب و امثالها الا بعد ان تصفي كل التصفية و هو المعصوم او يكون مصدقا بقول معصوم و شهادته فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.
سانحة: ان الانسان لاينجو من بوادي الحيرة و الخسران الا ان يجعل لنفسه ميزانا و يوزن جميع اعماله و اقواله و صفاته بذلك و يجري عليه و لايتحير الانسان في دينه و لايخسر في مذهبه الا بالتخلف عن ذلك و كم من خائب و خاسر اراه قد
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 211 *»
خاب و خسر بذلك و هذا القول مني في النظر صغير و هو في الواقع كبير و كيف لايكون عظيما و قد هلك به جميع من هلك و احب ان افصل ذلك في هذه السانحة ابتغاء وجه الله اعلم انك بعد ما تنبهت في الجملة بقرانات هذا العالم و تفكرت في ان لك ربا صانعا واحدا عليما فاجعله ميزانا و وال اناسا يقولون بقولك و عاد اناسا ينكرون ذلك فانهم بعيدون عن الحق و بميلك اليهم تبعد عن الحق فكل قول يوافق هذا الميزان فخذه و كل قول يخالف ذلك فذره و انك اذا رددت اصل دين المنكرين لاتحتاج الي رد جزئيات دينهم فلاتصغ اليهم و لاتتوجه الي ردهم و لاتجاوبهم و لاتجالسهم و لاتقرأ كتبهم و لاتنظر اليهم فان كل ذلك مبعد عن الحق و التوجه اليه تضييع للعمر مثلا اذا بني صاحب علم المناظر اصل علمه علي خروج الشعاع و انت خالفت اصله و قلت بالانطباع لاتحتاج الي رد ساير مسائله و التوجه اليها فانها كلها متفرعة علي ذلك الاصل و قد بطل فكل مسألة تتفرع علي انكار الرب مفروغ عنه بعد الاقرار بالرب و من غاص بعد ذلك في لجج مسائل انكار الرب فقد خاطر بنفسه و سعي في اهلاكها البتة و كذلك اذا اقررت بمحمد صلي الله عليه و اسلمت لله رب العالمين و تدينت بدينه و علمت ان دينه ناسخ لجميع الاديان فاعرض عن كل مسألة يخالف هذا الاصل فمالك بعد ذلك في مسائل اليهود و النصاري و المجوس و غيرهم و المحاكمة بينهم و معرفة حقهم من باطلهم اليس باطلهم ما يخالف اصلهم و هو اعم من ان يكون علي اصلك او لميكن؟ و اليس حقهم ما يوافق اصلهم و هو علي خلاف اصلك؟ فالمسلم فارغ عن مسائل ساير الاديان و الغائص في لججها بعد اليقين بمحمد9 معرض نفسه علي الهلاك و ان الله الغني وجد محمدا9 عائلا بامته فاغني و نحن نستغني به عن جميع الاديان و الراجع الي غيره بعد كونه عياله مكتسب للنقص عليه و اذا تشيعت و صرت من اولياء آل محمد: و عرفت بطلان غير طريقتهم فاعرض عن كل معرض عنهم و اترك جميع ما يرد علي مذهبهم او يوافق مذهبهم،
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 212 *»
فدع عنك قول الشافعي و مالك
و احمد و المروي عن كعب الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم
روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
و هذه النصيحة نصيحة سهلة في التواصف صعبة في التناصف و هل هلك من هلك الا بذلك؟ و هل وقع في الخطاء من وقع الا لاجل ذلك؟ فالناس يدعون مذهبا ثم ينقضون حجتهم بتمسكهم بفرع دين غيرهم و ستأتيك في خلال هذه السوانح امور كثيرة تري ان علماءنا رضوان الله عليهم قد اخطأوا و تمسكوا باقوال اناس خارجين عن مذهبهم و اجروا في هذا المذهب امورا تتمشي في مذهب غيرهم كلية و لاتتمشي في مذهبهم كلية و انما ذلك عن غفلة منهم عن هذه الدقايق و خطاء منهم و المعصوم من عصمه الله.
سانحة: اعلم ان الله سبحانه بعث محمدا9 علي فترة من الرسل و خفاء من السبل و الناس بين كافر لايعرف ربا و بين مشرك قد اتخذ معه الها و بين اهل كتاب حرفوا كتابهم و غيروا و بدلوا سنن نبيهم صلي الله عليه و علي ساير الانبياء و نسوا سننه و آدابه فابتعثه هاديا من الضلالة و منجيا من الهلكة مبينا لمرضاته و مساخطه اذ لميرض لهم مقامهم علي ما كانوا عليه و لميرض بما حسنه عقولهم او قبحته و بما اتخذوا لانفسهم دينا و مذهبا فلو رضي لهم ذلك لميبعثه و لميأمره بتكفيرهم و جهادهم و الحكم بنجاستهم و المباعدة عنهم فاضطلع قائما بامر الله سبحانه صادعا بشرايعه و احكامه لميدع شيئا فيه نجاة الخلق الا و امر به و لميترك شيئا فيه هلاكهم الا و نهي عنه فاجري علي لسانه كتابا هاديا من الضلالة منقذا من الهلكة مبينا لتحريفات الكتب السالفة و كثيرا مما يخفون من الكتاب و انزل عليه الشرايع و الاحكام شيئا بعد شيء الي ان اكمل له الدين و اتم عليه النعمة فانزل في كتابه اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا فمن زعم ان الله قبضه و لميكمل له دينه فقد كفر بالذي انزل السبع المثاني و القرآن العظيم و اكمال دينه ان لايبقي شيئا من امر دينه يحتاجون فيه
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 213 *»
الي اليهود و النصاري و المجوس و الذين اشركوا بالله و يحتاجون الي عقولهم و اهوائهم و آرائهم و اجماعهم و غير ذلك و قد علمنا في مذهبنا ان الاكمال كان بنصب الخليفة بعده الذي هو عيبة علمه و مودع سره و شارح كتابه و لاجل ذلك قال اليوم اكملت اي بنصب الخليفة و علمنا في مذهبنا ان الذين كانوا معه ما كانوا يطيقون حمل دينه و احكام جميع الاعصار الي يوم القيمة و انما يقدر علي ذلك الاوصياء المعصومون بعده الحافظون الباقون الي يوم القيمة فقد استغنينا نحن معاشر الشيعة بنصب الخليفة الذي به اكمال الدين عن كل مذهب و كل دين يخالف مذهبنا فمن زعم ان الله سبحانه لميكمل لنا الدين بعد نصب الاوصياء فقد كفر و الاكمال ان لايبقي باقية يحتاج اليها في امر الدين فكل ما خرج من عند الاوصياء يحتاج اليه و يكمل به الدين و كلما لميخرج لايحتاج اليه و لايكمل به دين و ليس من شرط الكمال فاذا كان ما لميخرج اليهم ليس من كمال الدين فهو خارج من الدين البتة و كذا المتمسك به فان الله سبحانه لمينزل دينا ناقصا فيستعين بغيره في اتمامه و لمينزل دينا تاما قد قصر النبي المعصوم في ادائه و يكون قد اشركهم في نبوة نبيه و لميفرض غير طاعة نبيه و اوصيائه فاذا كان الدين الكامل ما قال به النبي و الوصي فلايجوز العدول عنهم الي غيرهم و لا اشراك غيرهم في امرهم و لايجوز لاحد ان يشرك بنبيه عقله او عقل غيره ابدا فما قال آل محمد قلنا و ما دان آل محمد دنا و من كمال الدين ان يبين لهم جميع ما يحتاجون في معرفة الدين اليه و كل دليل يحتاج اليه عجبا لقضائهم يزعمون ان الحكماء لما عرفوا ان الحكمة لاتعرف الا بالدليل و لايمكن الاستدلال الا بالمنطق فقدموا المنطق في التعاليم و يزعمون ان نبيهم لما جاء بحكمة الله العظمي لميعرفهم ما يحتاجون في معرفته اليه و لميفهم ما فهمه الحكماء ذلك ظن الذين لايوقنون فكل مقدمة يحتاج اليه في معرفة الشرع و الدين فقد بينوا و اوضحوا و شرحوا و افصحوا و لميقصروا فلايمكن ان يكون فقه الدين يحتاج الي اصول و اساس لميبينوا و لميوضحوا و يخذلون رعيتهم و يحوجونهم الي اعدائهم نعوذ بالله فكل اصل و اساس يحتاج اليه في معرفة الفقه و الدين لابد و ان يكون مذكورا في
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 214 *»
احاديثهم و سنتهم و كل ما لم يذكروه علمنا بانا لانحتاج اليه البتة فالفحص عنه و البحث عنه تكلف زايد و تضييع للعمر و تشويش للذهن و تغيير لخلق الله و تبديل للفطرة المستقيمة البتة فاثمه اكبر من نفعه.
سانحة: انصف من نفسك و احكم للحق و لاتخاطر بنفسك و انظر بنظر الايمان و طلب الحق و ترك الاستيناس بشيء و انظر في هذا العلم الذي دونوه و سموه اصولا و قد بلغ من درسه انه لاتنتهي دورة منه الا في ثلثين سنة و قد كتبوا فيه كتبا يبلغ طول الكتاب الواحد منها مأة الف بيت و اقل و اكثر و يزعمون انه لايعرف فقه الدين الا بذلك و الفحص عنه و البحث فيه هل ذلك صدق ام كذب؟ يحتاج الكل اليه في الدين ام لا؟ فان كان كذبا و لايحتاج اليه فما هذا التضييع و التشويش؟ و ان كان يحتاج اليه و هو صدق فهو مما يعم به البلوي كما تري من كثرة المصنفات فيه من المتقدمين و المتأخرين و كثرة البحث فيه حتي ان المداولين له اكثر من المتداولين للفقه و المحققين له اكثر و اوفر من المحققين في ساير العلوم فلو كان هذا العلم علي ما قرروا مما يعم به البلوي و يحتاج اليه في الدين لكان اللازم ان يقع فيه سؤال و جواب عن آل محمد: و كان يصير من المتواترات البديهيات لمكان احتياج كل الاصحاب اليها و لكان يذكر في جميع اصولهم المدونة و كان يصير من ضروريات مذهب الشيعة و كيف يمكن ان لايكون الاصحاب تفطنوا بهذه الاسؤلة و هم يرون علماء العامة يتكلمون فيه دائما و يدرسون في المدارس و يكتبون الكتب و قد علم انه اول من صنف في علم الاصول الشافعي و اقوالهم في كتب علمائنا مضبوطة فضلا عن كتب العامة و من كتبنا كتاب المفاتيح مشحون به و قد كان متقدموا العامة الاصوليون معاصرين للائمة: و اصحابنا مخالطون معهم حاضرون مجالسهم يسمعون انهم يقولون لايعرف الفقه الا بهذا العلم و يقيمون عليه الادلة و يكتبون الكتب فهل يمكن ان لايكون الاصحاب في مدة ثلثمأة سنة لميتفطنوا ذلك حتي يسألوا و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 215 *»
يجيبهم ائمتهم في ذلك؟ هب انهم لميتفطنوا فان كان علمه واجبا لم لميتبدأ الائمة: بتعليمه و التحريص اليه و الترغيب فيه و حثهم علي ضبط ذلك و البحث عنه؟ و ان قال قائل ان الائمة: قد قالوا و بينوا علم الاصول علي ما قرر هولاء اقول اين هو و انا نري ان اصحابنا عنونوا في كتبهم بابا في الاستنجاء و في امور لايعم بها البلوي و لايحتاج اليه الا آحاد الناس في قرن مرة و لميعنونوا هذه المسائل في ابواب و يذكروا اخبارها و لميفردوا كتابا فيها كما افردوا الكتب في كل مسألة بها اعتناء و نري علماءنا المتقدمين و المتأخرين رضوان الله عليهم مع شدة احتياجهم الي ادلة تعاضدهم و شدة اعتنائهم بهذه المسائل و كثرة بحثهم و فحصهم فيها و حثهم عليها و صرفهم العمر فيها لميذكروا في تلك المسائل في خلال الابواب حديثا واحدا يدل علي مرادهم و لو وجدوا و كان لكانوا يضعونه علي العين و الرأس و يفردون له كتابا و ابوابا و ينشرونه في العالم فلو انصف ناظر و نظر فيما ذكرت و في سكوت آل محمد: عن هذه المسائل و سكوت الاصحاب و خلو كتب الاخبار عنها و خلو كتب اهل الفن عنها مع طول بحثهم في مدة الف سنة و ازيد لقطع بان هذه المسائل ليست من دين الله و لا الي دين الله و يقطع بقيام الاجماع الذي لا شك في دخول المعصوم فيه علي ان هذه المسائل ليست من دين الله و لمير آل محمد: الصلاح في البحث عنها و الفحص عنها ابدا و لايحتاج اليها في الدين و الباحث عنها متكلف يشوش ذهنه و يوقع نفسه في الهلكة البتة نعم في علم الاصول مسائل قد وقع السؤال عنها كثيرا و اجابوا: و تواترت و اشتهرت و اثبتت في كتب الاخبار و هي في علم الاخبار و عند العامل بالاخبار كالشمس في رابعة النهار كحرمة العمل بالظن في احكامه سبحانه فانه قد نزل فيه قريبا من سبعين آية بالعد و تجاوز الاخبار فيه عن حد التواتر و يعرف ذلك من مذهب الشيعة كل من راجع اخبارهم و كتابهم علانية و كحرمة الرأي و الاجتهاد و القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة في دين الله اذ قد تواتر في
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 216 *»
هذه الاخبار حتي صارت في الشهرة اشتهار الشمس في رابعة النهار و لايخفي علي من له ادني شعور يراجع كتب الشيعة انه ليس من دينهم و كحرمة علم الكلام ان لميؤخذ عنهم و قد استفاض بها الاخبار فلايجوز تداول المقدمات الكلامية في علم الاصول ما لميكن فيها نص و لميبق اصل من الاصول يناسب ذكره فيه الا و قد بوب له ابواب و ذكر فيه اخبار كثيرة و قد كتبنا في ذلك اي في اصول وردت عن آل محمد: كتابا سميناه فصل الخطاب و كتب الشيخ الحر فيه كتابا سماه بالفصول المهمة و كتب فيه ساير علمائنا كمحمد امين الاسترآبادي و القاشاني و الشيخ يوسف البحراني و غيرهم من المتقدمين و المتأخرين و كتب الاخبار بعد ذلك بها مشحونة فلو كان غيرها ايضا قد صدر لكان يذكر في كتبنا و العجب ان فقيها واحدا يفحص عن مسألة واحدة ليلة او ليلتين فان لميظفر له بدليل يقول قد استفرغت وسعي و جاهدت جهدي و لماظفر له بدليل و لو كان لماكان يخفي علي و عندي كتب الاولين و الاخرين و نظرت فيها و يصدق ثم يقول عدم وجدان الدليل دليل عدم الوجود و هذه المسائل لقد تكلم فيها الناس من عهد آل محمد: الي هذه الاعصار و لميظفروا لها بخبر و نص و آية و لميذكروا فيها رواية و لو ان تكون دالة علي التكلف فمع ذلك يمكن ان يكون قد صدر عنهم و خفي عنا و هيهنا ليس عدم الوجدان دليل عدم الوجود و قد فحص عنه الوف من العلماء في الف سنة و اكثر فتدبر و انصف و اعلم انه قد قام الاجماع بانها ليست من دين الله اما تعتبر من اناس اجمعوا علي جواز العمل بالظن في الاحكام و ينادي سبعون آية في كتاب الله بحرمته و احاديث متجاوزة حد التواتر بحرمته و لميجد متقدمهم و متأخرهم آية واحدة و لا رواية واحدة في جواز العمل بالظن ابدا ابدا و انت علي ما عرفت تري قيام الاجماع الذي لاريب فيه قائما علي حرمته و الكتاب و السنة ناطقان بحرمته و انه ليس من دين فهل اجمعوا علي ترك الكتاب و السنة و هل اجمعوا علي اختراع مسألة و مذهب؟ نعوذ بالله و الحكم اليه نعم قد تكلف متكلفهم بعد قرون و سنين و روي رواية ان الانسان متعبد بظنه و لميعرف احد موضع هذا الحديث و لا راويه و لا الاصل
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 217 *»
الذي نقل عنه ثم بعد ذلك اين ذهب القاعدة المسلمة اعرضوه علي كتاب الله و فيه سبعون آية نادية بخلافه و اين ذهب العرض علي السنة و فيها اخبار متواترة تنادي بانكاره و اين ذهب خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه و اين ذهب العرض علي العامة و قد اجمعوا علي العمل بالظنون و ذلك من ديدنهم و شأنهم و اين ذهب خذ بما فيه الحائطة و الاحتياط ترك العمل بالظن و اين ذهب الاخذ بالمحكم و رد المتشابه اليه و نحن نتكلم في مدلول هذه العبارة فان معني المرء متعبد بظنه يعني ان ظن القبول و الاجابة قبل عنه و الا رد عليه كما روي ان الله عند ظن عبده ان خيرا فخير و ان شرا فشر و في الدعاء قد وعدت المحسن ظنه بك ثوابا و اوعدت المسيء ظنه بك عقابا و في القرآن و ذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم ارديكم فمعني قوله المرء متعبد بظنه يعني يعبد الله بحسب ظنه ان كان حسن الظن يعبد كثيرا و الا قليلا او امره الله بحسن الظن و لاشك ان هذه العبارة ليست بنص في جواز العمل بالظن بالجملة امثال هذه المسائل كثيرة مما ليس فيها نص و لا اثر و لا اقول جميع مسائل الاصول كذلك بل فيها مسائل عليها نصوص و كلما فيه نص قد تواتر فيه لكثرة الدواعي الي نقله و وفور الحاجة اليه و علم الفقه لابد فيه من اصول و قد بينوا و اوضحوا و اكثروا فيها الاعلام و الاخبار و قد جمعناها في فصل الخطاب و صنف فيه كتب كثيرة و الحمد لله ولكن علماؤنا رضوان الله عليهم اخطأوا و اشتبه عليهم الامر في بعض المسائل و المعصوم من عصمه الله.
سانحة: ان اصل هذه البلية بين الفريقين ان العامة لمافقدوا النبي9 و لميلجئوا بعده الي ركن وثيق و زعموا انه9 اخبرهم بجميع الدين و لميخص احدا بتعليمه لئلا يضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و زعموا انهم بعده القي حبلهم علي غاربهم ثم كذب زعمهم فرأوا ان الاخبار الواردة عن
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 218 *»
النبي صلي الله عليه لمتكفهم اسسوا اساس الاجتهاد و اصلوا لانفسهم اصولا يستخرجون عنها الاحكام الجزئية فمرة تمسكوا بعمل الصحابة كلهم او بعضهم و مرة تمسكوا بالاستحسانات و مرة تمسكوا بالمصالح المرسلة و مرة تمسكوا بالقياس و مرة بالاستصحاب و مرة باصل البراءة و مرة بترك الاستفصال و مرة باللوازم و مرة بان عدم الدليل دليل العدم و هكذا حتي يكثر لهم مدارك الاحكام و يقدروا علي استخراج الفروع و ايدوا ذلك كله بجواز العمل بالظن ثم اكدوا بان عليه بناء العالم و اساس عيش بني آدم و دعاهم الي جميع ذلك انهم زعموا فقد النبي و انهم القي حبلهم علي غاربهم و لابد و ان يتكلفوا هذا الدين المنقطع عن صاحبه ثم لما وجدوا انهم بقوا بعده9 في عرض واحد و لايقوم علي ذلك الدنيا اخترعوا ان الناس لابد و ان يكونوا علي قسمين مجتهد و مقلد فعلي المجتهد ان يقول بظنه و رأيه و هواه و علي المقلدين ان يستمعوا و يطيعوا فركبوا بذلك علي اعناق الناس و استبدوا بالامر و النهي و الحكم و ادعوا بذلك الامامة و اصلحوا بذلك خلافة خلفائهم فانهم ادعوا ان ابابكر و عمر و عثمن كانوا مجتهدين يعملون بظنونهم و آرائهم و المصالح و ساير الناس كانوا مقلدين لهم فكان لهم ان يقولوا و عليهم ان يقبلوا و اما الشيعة في الصدر الاول كانوا يقولون الخلق نبي و امة فاذا ذهب النبي فامام معصوم مطهر و شيعة و مشوا علي ذلك طول اعصار الائمة: فكانوا تابعين مقلدين لائمتهم المعصومين: و لميكن ائمتهم مجتهدين عاملين بالظن و الرأي و قد ورد بذلك اخبار اوردناها في كتاب القواعد و فصل الخطاب و غيرهما فمضوا علي ذلك برهة من الدهر و لميتفاوت عليهم حال حيوة النبي و بعد وفاته فجروا علي ذلك الي ان غاب الامام و ابتلي الانام فتفرق الشيعة هنالك علي مذهبين فمنهم من زعم ان بلية العامة قد جرت عليه ففقد النبي و غاب الامام و القي حبلنا علي غاربنا و كفلنا امر الدين و لايكفينا الاخبار الموجودة و لابد لنا من تحصيل المدارك لساير المسائل لاسيما ان الاخبار ليست يقينية فتبدل اليقين بالظن و صرنا كالمسلمين بعد فقد النبي و لايقوم امر
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 219 *»
الناس الا ان يكون فيهم مجتهد و مقلد فعلي المجتهد ان يقول بظنه و رأيه و علي ساير الناس تقليده ثم نوعوا الاخبار الي الانواع الاربعة فمنهم من زعم انها كلها آحاد لاتفيد علما و لا عملا و المتواتر ان وجد ليس الا احاديث عديدة لاتكفي في جميع الموارد و استعمل المدارك العقلية المخترعة في اكثر المسائل و الاجماعات في بعضها و الاستصحاب و اصل البرائة في بعض آخر و ساير الاصول في بعض آخر و افتي في جميع المسائل مع انكاره جواز العمل باخبار الاحاد و منهم من جوز العمل بالصحاح و انكر جواز العمل بالباقي و افتي في ساير الموارد بساير المدارك الموضوعة و منهم من جوز العمل بالصحاح و الحسان و استعمل المدارك الموضوعة في البواقي و منهم من جوز العمل بكل خبر عمل به الاصحاب ثم استعمل المدارك الموضوعة في الباقي و منهم من انكر العمل باليقين و استحاله و جوز العمل بالظنون الحاصلة من الاخبار خاصة و منهم من استحال العمل باليقين في دين الله و جوز العمل بمطلق الظنون و قال نعمل بالاخبار لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن منها و من اي موضع حصل الظن كفي سواء كان من الاخبار او غيرها و جعلوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و منهم من قال لايجوز لنا العمل في الدين بشيء سوي الاثار و الاخبار و كتاب الملك القهار و انكروا علي الاولين الظن و التخمين و اوجبوا العمل باليقين و هؤلاء ايضا اختلفوا فيما بينهم علما و عملا اختلافات كثيرة و لميعضوا علي العلم بضرس قاطع و لميقدروا علي رد شبهات الاولين كملا علي الحقيقة نعم كانوا اصوب رأيا و احمد عاقبة من الاولين لانهم كانوا علي الطريقة مع جهل باسرارها و وضع كل شيء موضعه و نحن قد فصلنا الامر و شرحنا في كتابنا القواعد والحمد لله رب العالمين و نذكر هيهنا طريقتنا في تلو سانحة اخري لتكون ممتازة عما سواها.
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 220 *»
سانحة: اما نحن فنقول ان الناس كانوا قبل رسول الله9 في جهالة جهلاء فبعث الله اليهم الرسول9 و له الحمد و المنة فعلمهم من الجهالة و هداهم من الضلالة و لميكن لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم الله يخلق ما يشاء و يختار و كان اللازم عليهم ان يأخذوا بما آتاهم الرسول و ان ينتهوا عما نهاهم و يسكتوا عما سكت و ينطقوا بما نطق و لميكن لاحد ان يشرع لنفسه شريعة او يبتدع لنفسه بدعة و لميكن لجماعتهم ان يجمعوا علي خلاف رضاه بل كان اللازم ان يكونوا عنده كالميت بين يدي الغسال و ان لايتقدموا بين يدي الله و رسوله في شيء من الاشياء فلماقبضه الله اليه اقام نبينا وصيه و خليفته و نفسه يجري له من الطاعة ما كان يجري لرسول الله9 و كان الواجب ان لانتقدم عليه و نأتمر بامره و ننتهي عما نهي و ننطق بما نطق و نسكت عما سكت و لميكن يجوز لاحد ان يعمل بما يرويه عن رسول الله9 الا بتصديقه و تقريره و له ان شاء غير ذلك و ان شاء ابقي فكل مسألة غيرها نرجع عنها و كل مسألة سكت عنها و تركها نقيم عليها بتقريره الي ان يغير و هكذا بعده اذا قبض كل امام عن عصره و قام بعده القائم مقامه يجري لاخرهم من الطاعة ما جري لاولهم يجب علينا في جميع هذه الاوان ان نسكت عن جميع ما سكتوا و ننطق بما نطقوا لميكن لاحد منا ان يحدث في دينه شيئا واحدا و لا لجماعتنا ان نجمع علي شيء يخالف رضاهم كما كنا في عهد رسول الله9 و اما بعد ان غاب عنا الامام الثاني عشر فقد غاب عنا شخصه و لمنغب عنه و هو الشاهد علينا العالم بمصالح امورنا و بمفاسدها و بالزيادة و النقصان لايجوز لنا ان نعمل بشيء رويناه عن رسول الله9 و لا عن آبائه الا بتصديقه او تقريره فان منعنا عن العمل بها نمتنع و ان امرنا بها او سكت عن تغييرها نمضي علي وجهنا كما كنا نمضي و لمنكن نستغني في عصر امام من الائمة عنه في شيء من المسائل ابدا و قد سئل الامام الثاني عشر عن العمل في اوانه فقال اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة اخبارنا فانهم حجتي
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 221 *»
عليكم و انا حجة الله فامرنا بالاخذ بالاخبار السابقة و لميغير و لميبدل فعملنا بتلك الاخبار باشارته فلميتفاوت علينا اليوم و يوم ظهورهم ابدا فانه يشاهدنا و يعلم الزيادة و النقصان و قد تواتر بذلك الاخبار كما اوردناها في فصل الخطاب و رسالة التسديد فنحن عاملون بهذه الاخبار كاننا بين يديه و نعمل بشيء فمهما سكت عنا نعلم بتقريره انه حق لا مرية فيه فانه الشاهد المطلع المأمور من عند الله بالهداية القادر بالله سبحانه فيما يشاء و سنشرح ذلك في سانحة اخري ان شاء الله تعالي و لايجوز لنا ان نخترع شيئا في ديننا و لا ان نقول في اصول الدين و في اصول الفقه و ساير الموارد شيئا الا برواية ناصة علي المورد عموما او خصوصا فما قال آل محمد قلنا و ما دان آل محمد دنا و ما سكت عنه آل محمد سكتنا و لايجوز لاحد ان يغير او يبدل و لانحتاج الي مجتهد و مقلد بل الخلق اليوم و ابدا حجة و محجوج فالحجة هو الامام المعصوم الناطق بدين الله سبحانه و الخلق محجوجون بذلك الحجة مأمورون بطاعته نعم منهم رواة لاحكامهم الينا و نحن روات الي غيرنا و هلم جرا فكل الناس روات و كلهم مروي لهم يسمعون مما روي لهم و يروون لمن يسمع منهم و يجب علي الناس ان يعملوا بما علموا انه قول آل محمد: كما قال7 ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لمتعلموا فردوه الينا نعم بعض الناس اعلم من بعضهم بسبب كثرة روايتهم و درايتهم و كل من يعلم احكامهم حاكم علي من رجع اليه اذا حاز ساير شرايط الحكومة قال ابوعبدالله7 انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه انتهي فان قلت فما الفرق بين العلماء و العوام حينئذ؟ قلت الفرق بينهم و بين العوام ان العوام التهوا بالدنيا و تركوا مراجعة اخبار آل محمد: و ضبطها و العلماء تفرغوا الي مراجعة الاخبار و النظر فيها بعين الاعتبار و الغوص في بحار دقايقها و الانغماس في لجج حقايقها و لاشك انهم لاجل ذلك اعلم بها و اعرف و اعلم بظواهرها و خوافيها و ابصر بما فيها فاذا عرفوا مراد آل محمد: بنظر الدقة و تيقنوا يروون لغيرهم نقلا بالمعني او باللفظ فمن يثق بهم يعمل
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 222 *»
بروايتهم كما كان زرارة يروي الرواية اما نقلا بالمعني و اما رواية باللفظ و هذا العالم اخذ به فان قلت ان زرارة ماكان يجتهد و ينظر و انما كان ينقل ماكان يسمع اقول كذلك نقول اليوم في العالم نقول ليس له ان يجتهد في دين الله و ينظر من ذات نفسه و ينطق بحكم ليس فيه نص فقد قيل لابيعبدالله7 ان قوما من اصحابنا تفقهوا و اصابوا علما و رووا احاديث فيرد عليهم الشيء فيقولون فيه برأيهم فقال لا و هل هلك من مضي الا بهذا و اشباهه انتهي و كفاك من لميحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون فيجب ان يكون الحكم بما انزل الله و لمينزل الله علي زيد و عمرو شيئا و انما انزل علي لسان محمد9 و في بيته و علي آل محمد: فالفقيه اليوم يتجسس و يتفحص حتي يستيقن برواية بالعلم العادي انه من آل محمد: فيجوز له حينئذ ان يرويه لغيره فاذا روي لغيره يعمل به من يثق به و يروي هذا السامع لغيره فيعمل بقوله من يثق به و هكذا فمن عهد رسول الله9 الي اليوم يكون الامر علي وتيرة واحدة و كان الامر دائما كذلك الا تري ان في عصر الامام7 كان الامام في بلد واحد بل في بيت واحد و مجلس واحد لايصل اليه ايدي جميع الناس بل ربما ماكان يصل اليه الاصحاب الحاضرون في بلده بل ربما لميمكنهم سؤاله و هم في مجلسه ان يسألوا و كان مدار جميع الشيعة في جميع الاقطار بالكتب و الروات فاحسب اليوم الامام في محبس هرون الرشيد و هل كان يجوز ذلك اليوم الاجتهاد و الرأي و الاستحسان و القياس و المصالح و لو كان عملهم في البلاد بالاجتهاد علي ما هو المتعارف لشاع كتبهم و تصانيفهم و آراءهم و اقوالهم و النقل عنهم حتي يملأ الاصقاع كما شاع كل ذلك من علماء العامة المعاصرين لهم فمن انصف و تدبر عرف ان اساس الاجتهاد و التقليد بناء من العامة في مقابلة الشيعة حيث كان لهم بعد رسول الله امام و شيعة فسولوا لانفسهم مجتهدا و مقلدا كما كان الشيعة يقلدون امامهم قال رسول الله9 ايها الناس علي بن ابيطالب
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 223 *»
فيكم بمنزلتي فقلدوه دينكم و في حديث آخر اين التقليد الذي كنتم تقلدون جعفرا و ابا جعفر فلابد للشيعة ان يقلد امامه و ان قلنا بتقليد العامي للعالم نريد انه اتكل عليه في الرواية و اخذ بروايته فمن زعم ان الناس اليوم مجتهد و مقلد و علي المجتهد ان يقول علي حسب ظنه سواء روي فيه رواية ام لا و علي الناس ان يقلدوه فلاشك انه ذهب في هذه المسألة مذهب العامة العمياء و ضل الطريق كما هو بين و من قال ان الناس مجتهد و مقلد و قصد ان من الناس من يسعي في تحصيل الرواية القطعية حتي يرويها و من الناس من لايسعي فمن لايسعي يأخذ عمن يسعي فلابأس بقوله و لا ننازعه في اصطلاحه من باب المداراة الا ان المحب لايرضي ان يصطلح في علمه باصطلاح اهل البدع لاسيما انه قد يخدع الاصطلاح الانسان و يلقيه في بلية المعاني الشايعة منه كما لايخفي للمنصف الا تري ان النصاري لميريدوا بان عيسي ابن الله ان الله سبحانه وضعه و ولده حقيقة ولكن اصطلحوا علي كرامته علي الله سبحانه انه ابن الله فنهيهم الله عن ذلك لانه يخدع الناس فربما يزعم الجهلة انه ابن الله حقيقة او يغفل الطبع احيانا عن المعني المصطلح و يزعم غفلة ظاهر مدلوله فلميرض الله لهم ذلك فما قيل انه لا مشاحة في الاصطلاح كلام صدر عن رجل لا علم له بالسياسة و في الاصطلاح مشاحة و اية مشاحة كقولهم لا مناقشة في الامثال فان فيها مناقشة و اية مناقشة قال الله سبحانه لاتضربوا لله الامثال و انما ذلك فان فيها آثارا لاتخفي علي العالم بالسياسة.
سانحة: ان من المسائل العظيمة التي قد خفيت علي علمائنا الاخباريين و الاصوليين و عمدة خطاياهم بسببه الفرق بين الاحكام الالهية الاولية و الثانوية و في ذلك وقع الخطاء العظيم لهم و هو ان للشيء حالتين حالة في ذات نفسه لو خلي عن الاعراض الطارية و حالة في عرضه الذي يغير الحالة الاولي الا تري ان الخل في نفسه حامض و العسل في نفسه حلو فاذا عرض الخل العسل افسده و احدث له
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 224 *»
طبعا آخر و مزاجا آخر و اثرا آخر غير الاول و كذلك كل شيء لو خلي و طبعه له مقتضاء و له حكم فاذا عرضه العرض تغير حالته و لماكانت الذات واحدة و الاعراض كثيرة يكون الحكم المتعلق بذات الشيء واحدا ابدا لايتغير علي مر الدهور و يكون الحكم المتعلق به من حيث الامراض مختلفة علي حسب الاعراض الطارية فلله سبحانه في كل شيء حكمان حكم متعلق بذاته من حيث ذاته و حكم متعلق به من حيث الاعراض فكلما كان الشيء ذا عرض يجري عليه الحكم العرضي فاذا زال عنه العرض ظهر الحكم الذاتي في حقه كالانسان حكمه من حيث هو ان يصلي قائما فاذا عرضه المرض يصلي قاعدا و اذا اشتد المرض يصلي مضطجعا فاذا اسلم قوم مرضي يكلفهم الامام بالصلوة قاعدين و لايجب في الحكمة اعلامهم بان حكمكم اذا زال مرضكم الصلوة قائمين لان الامام معهم فاذا زال مرضهم يخبرهم عند ذلك بان تكليفكم الان الصلوة قائمين فلربما يطول مرضهم و يموتون فيه و لميشعروا بان تكليف الصحيح الصلوة قائما و كذلك ساير الاعراض و لماعلمنا ان الدنيا من يوم قتل قابيل هابيل تغيرت و خفي الحجج و اخفوا علمهم و فتح علي الناس باب الظلم و الجور و التقية و عمهم البلية علمنا ان الاحكام الاولية خفيت كلها او جلها و عرض علي الناس الاعراض و اخفوا الحجج الاحكام الاولية و لميخبروهم بها لعدم الحاجة اليها لاسيما و بعد النبي9 ازيل الحق عن مقره و فتح عليهم باب الجور و التقية فانه اخفي عليهم الاحكام الاولية و اظهر الحجج لهم الاحكام الثانوية حتي انه ليس يمكننا اليوم في مسألة من المسائل القطع بانه حكم اولي و من زعم ان النبي9 لميتق و اظهر الاحكام الاولية للعباد فقد اخطأ و لولا تقيته لميقر علي احكام الجاهلية اياما ثم ينسخ شيئا بعد شيء و لميقر الخلق علي التوجه الي بيت المقدس سنين و هل كان ذلك الا لانسهم باليهودية و وحشتهم عن خلافه؟ و كذلك ساير الاحكام التي نسخت و كانت اولا علي خلاف الحكم الاولي و للتقية وجوه عديدة منها العلم بعدم تحمل القوم و هل كان عدم اظهاره امر الوصي الي حجة الوداع الا للتقية و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 225 *»
خوفه بارتدادهم و خروجهم عليه؟ كيف لا و قد اخبرهم لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك و قال قولوا للناس حسنا و قال اعرض عن المشركين و قال ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم و كان يعرف اناسا بالنفاق و لا يظهر امرهم و كان يسمع منهم منكرات و يخفي عليهم و من علم علم سياسة المدن علم انه كان في اشد تقية بالجملة لماعلمنا انه9 و اوصياؤهم: حكموا في كثير من المسائل بالاحكام العرضية ليس يمكننا العلم بالمسائل الذاتية الاولية و لانقدر علي التمييز و ليس كلما تواتر او اجمع عليه او استمر في جميع القرون ذاتيا و ماسواه عرضيا فان غاية ذلك العلم بصدوره عنهم فلعله استمر لاستمرار العرض بالجملة لله سبحانه حكمان في كل شيء و انما الواجب علينا طلب حكم الله في حقنا اليوم و ما علينا طلب الحكم الذاتي مطلقا و لانريد العلم به او الظن او غيره و انما نريد العلم بتكليفنا اليوم فمن عرف هذه المسألة استراح من كثير من التعب و اتسع له الطريق و نجا من المضيق ان شاء الله و ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك فالحكم الذاتي مفروغ عنه و الحكم العرضي موسع فيه و يمكن تحصيل العلم فيه و قد غفل عن هذا المعني جلهم اخباريهم و اصوليهم.
سانحة: و هنا مسألة اخري قد غفل عنها جلهم و وقعوا بذلك في تيه الحيرة و هي ان الدليل لابد و ان يكون من جنس المستدل عليه و الاثر لابد و ان يكون علي حسب المؤثر و انا اذا تدبرنا في امور العالم وجدناها علي ثلثة انواع ذوات غيبية و صفات عرضية شهادية و احكام لتلك الصفات اما الذوات فتعرف بالعقل لانها عقلية و ادلتها ايضا عقلية و اثرها حصول اليقين و هي لاتتغير علي مر الدهور و الاعوام و هي ابدا في كل عصر و قرن واحدة فالمصيب لها لايحتمل عنده خلافها و ان خالفه جميع اهل الارض و اما الصفات العرضية التي هي عالم الشهادة فتعرض بالعاديات
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 226 *»
و ادلتها عادية و اثرها حصول العلم العادي و ان لميعرفه العقل و لميكن له عليه دليل عقلي فانت تعلم وجود الصين و ليس لك دليل عقلي علي وجوده فيجامع العلم العادي اليقين و الظن و الشك و الوهم العقلي و لاينافي ذلك كونه علما عاديا فجميع ما في عالم الشهادة من الجزئيات يعلم بالعلم العادي و يستدل عليه بالادلة العادية و لايجامع العلم العادي الظن العادي و الشك العادي و الوهم العادي ابدا وليس شرطا في صحته الظن العقلي ابدا و مدرك اليقين العقل و مدرك العلم العادي النفس و بينهما بون بعيد و اما احكام الصفات فهي امور شرعية فتعرف بالشرعيات و ادلتها شرعية و ثمرتها العلم الشرعي و ليس شرطا في حصوله العلم العادي و اليقين العقلي و لا الظن العادي و العقلي و لا شكهما و لا وهمهما و ربما يفارقها و ربما يجامعها فانت لاتعرف باليقين العقلي حصول الطهارة من الجنابة بالماء و التراب و لاتعرفه بالعلم العادي و انما تعرفه بالعلم الشرعي و هو الكتاب و السنة و انما يحتاج في تحصيل العلم الشرعي الي العلم العادي في مبدء الوصول الي الشرعي فانك بالعلوم العادية تثق بالرجال و تعلم صدقهم و تعلم بالحال بالتواتر و التضافر و امثالها و تفهم المراد من الرواية فاذا وصلت الي الشرع تخلع نعل العادة و تمشي في الواد المقدس باقدام الامتثال ثم تعلم حصول الامتثال ايضا بالعادة نعم لايجامع ذلك الظن الشرعي و لا الشك الشرعي و لا الوهم الشرعي فاذا عرفت هذا التقسيم القويم فاعلم ان اليقين العقلي في تحصيل الشرع غير مكلف به فانه مدرك للكليات و الحقايق و العلم العادي غير ممنوع عنه فما دعا القوم الي العمل بالظن؟ و متي انسد باب العلم العادي؟ و متي كلفوا بتحصيل الظن العقلي؟ و متي جوز لهم الاكتفاء بالظن العادي؟ ذلك ظن الذين لايوقنون فاثبت ثبتك الله بالقول الثابت علي الحق و ثبت الشرع بالعادة و حصل العلم العادي و هو اوسع مما بين السماء و الارض و لاتطلب الاحكام الذاتية المضروبة عليها حجب الاعراض و اطلب تكليفك اليوم في عرض الهدنة و التقية و الغيبة و الانقطاع و ساير الامراض و الاعراض و القرانات من الاشخاص و الازمنة و الامكنة و غيرها فان لجميع ذلك مقتضيات و تقتضي احكاما اخر فاطلب حكمك و توسل اليه بالعلم
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 227 *»
العادي فاذا وصلت اليه فاحمد الله و امتثل و لميبعث نبي بغير ذلك و لميدع وصي الي سواه و لمينزل كتاب بماعداه سنة الله التي قد خلت من قبل و لنتجد لسنة الله تبديلا و لاتطلب ماوراء ذلك فتكون من المتكلفين و هذا مما يسع الاحمر و الابيض و الاسود و الرجال و النساء و ماارسلناك الا كافة للناس و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا.
سانحة: ان من العادة ان يتيقن الانسان بقول من جربه و عرف وثاقته و عدم غرضه فيما يخبر به حتي انه ربما يحصل اليقين بخبر طفل اتي من بيتك يدعوك الي حادث في البيت و ربما يحصل العلم بخط صديق لك و خاتمه و ربما يحصل العلم من قرائن ظنية تتراكم و ذلك مما لايشك فيه في العرف فمن شک في ذلك قد اجري في عالم العادة الاحتمالات العقلية و نظر فيها حتي غفل عن وجوه العادة و غلب عليه تلك الجهات حتي انه لو استمر ذلك عليه يسمي في العادة له مرضا و يسمي بالماليخوليا الا تري ان الناس يسكنون البيوت المسقفة بلااكتراث و يعلمون ان السقف لايقع فمن جلس خارج الباب و قال ان وقوع السقف شيء و الشيء اما واجب او ممكن او ممتنع ثم يستدل عليه انه ليس بواجب و لاممتنع بل هو ممكن ثم يستدل بان الامكان ما استوي طرفاه او رجح طرف منه ثم يجلس لتحصيل وجوه الادلة علي انه هل يرجح في هذه الساعة وقوعه ام لا؟ و يتفكر في ذلك حتي يصير فكره مقصورا علي ذلك و يقول لا ادخل هذا البيت حتي يحصل لي اليقين العقلي بانه لايقع و يستدل و ينقض و يبرم و يرد و يجيب يسمي ذلك في العرض و العادة ماليخوليا و الناس من عصر آدم الي يومنا هذا سكنوا البيوت و جروا علي ذلك المنوال حتي انه وقوع بيت يوما ما علي واحد بل تكرر وقوعه لاينقض علمهم العادي و يقولون ان ما وقع خلاف العادة بقضاء و قدر و لايقدح ذلك في علمهم ابدا و علي هذا العلم يقوم بناء العالم و اساس عيش بنيآدم و كذلك تصديق الثقات من الامور العادية و يحصل العلم باخبارهم عادة
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 228 *»
بل لايضر بعلمهم ظهور خطاء بعض الثقات احيانا و ذلك امر مستمر من لدن آدم الي يومنا هذا و الفاظ الشارع يقصد بها المعاني المتعارفة فانهم كلموا الناس بما يعرفون و هذا هو المعروف فكلما امروا بتحصيل العلم ارادوا العلم العادي لا غير هذا و قد ذكرنا في فصل الخطاب و القواعد اخبارا متواترة في الاخذ برواية الثقات و حصل لنا و لكل من كان علي الفطرة الاجماع بجواز العمل باخبار الثقات بحيث نشك في الشمس في رابعة النهار و لانشك فيه و علي ذلك جرت الشيعة من بدو ظهور النبي9 الي يومنا هذا فالشاك في ذلك شاك في الامر البديهي و تحصيل القرائن علي اخبار الثقات فضل لايحتاج اليه و ان لماذكر الاخبار العديدة في هذا الكتاب فهو لاجل كوني علي جناح السفر و الاخبار في جميع ما اذكره كثيرة او متواترة ذكرناها في فصل الخطاب و القواعد فاذا كان خبر الثقة مما يوجب العلم العادي فكيف اذا كان الثقة عالما و كيف اذا كان مؤمنا و كيف اذا كان عادلا و كيف اذا روي عن امامه الذي يتولاه و كيف اذا روي في امر دينه و كيف اذا روي لارشاد الناس الي يوم القيمة و كيف اذا ضمن صحته و صرح به؟ فبالله الذي لا اله الا هو لايظن باحد من علمائنا ان يتعمدوا الكذب علي امامهم فيما رووا عنه خلفهم و سلفهم و لايظن بهم ان يكتبوا الكتاب لارشاد الناس و يدعون صحته و يجعلونه حجة بينهم و بين ربهم ثم يرووا ما لايقطعون بصحة صدوره عنهم فناهيك ذلك في حصول العلم باخبار ثقات اصحابنا الذين ضمنوا صحة صدورها عن الائمة: هذا و قد كانت في الشيعة اصول كثيرة لمصنفين من اصحاب الائمة و تلك الكتب معروفة النسبة اليهم كمعروفية نسبة الكافي الي الكليني و تلك الكتب متواترة مشهورة معروفة عليها بناء الشيعة فاذا صحت النسبة الي زرارة او محمد بن مسلم او امثالهما و صارت من الامور البديهية فاي توقف في صحة تلك الاخبار و هم في جميع تلك الاعصار كانوا متمكننين من تحصيل العلم بصحتها بالعرض علي الائمة: و علي ثقات الاصحاب و كانوا يأخذون الرواية بالاجازة و الدقة التامة فكيف يظن ان يدعي مثل الصدوق صحة كتابه و مثل الكليني و غيره من امثاله صحة كتابه و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 229 *»
يكتبه لارشاد الخلق و لاتكون اخباره من اصول صحيحة معروفة نعوذ بالله فباي شيء بعد ذلك يوقنون؟ و نحن نعلم ان قدماء اصحابنا لميكونوا يصححون الاخبار بالاجتهادات الظنية بل بالقرائن القطعية و العرض علي الائمة و علي الثقات و غيرهم فليس تصديقنا لهم من باب التقليد لاجتهاداتهم بل من باب الوثوق باخبارهم التي يروونها علي سبيل القطع و اليقين و نحن قد كتبنا في القواعد ادلة عديدة علي صحة اخبار ثقات اصحابنا و كتبنا كتابين آخرين في تصحيح الاخبار و كفي بها في الانتصار فلانطيل الكلام هنا و كفاك دليلا تقرير الائمة: اصحابهم في مدة ثلث مأة سنة علي العمل بتلك الكتب و امرهم بكتبها و ايراثها ليومنا هذا و كفاك دليلا امر الله سبحانه عباده في كتابه بالعلم في آيات و نهيه عن العمل بالظن في سبعين آية و تواتر الاخبار بالعمل بالعلم و النهي عن الظن و مع ذلك ليس شيء في يد اصحابهم الا هذه الكتب فلو لمتكن قطعية لكان تكليفا بما لايطاق و ان كانت قطعية فهو المراد و ان انصفت اكتفيت بما ذكرت و علمت ان كل شبهة يلقونها بعد ذلك من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس فلامجال للكلام بعد هذا المقام فلنقبض العنان.
سانحة: اذا عرفت صحة الاخبار المروية في كتب اصحابنا التي هي قائمة مقام الائمة: في غيبتهم و هي خليفتهم اليوم علينا فارجع اليها بالتسليم و اترك عن نفسك الوساوس و اعلم بعد ذلك ان جميع ما ذكروا من تنويع الاخبار و وجوه الاعتبار و ساير ما يتعلق بها لايتمشي في مذهبنا و انما هي من شبهات عامية تجري في مذهبهم و نحن بعد ما تفرق مذهبنا عن مذهبهم يجب ان لانعول علي ما لايتمشي في مذهبنا و لانحتاج اليه فبذلك ينهدم شطر من اصولهم و نستغني عنها و الحمد لله و نكون اليوم كأننا في حضرة النبي و الوصي: و نسمع منهم الاخبار اليقينية فلانحتاج الي الاجتهادات الظنية فيها ابدا و بقي لنا سبيل الاخذ بالاخبار مع كثرة اختلافها الصادر عنهم من جهتهم لاجل التقية و ليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 230 *»
يقدح ذلك في صحتها و ليس من جهة كذب الرواية بل من جهة اختلاف اسبابها فسبيل الاخذ بها يجب ان يكون علي ما اوقفنا عليه لانه اذا صارت الاخبار كلها صادرة عنهم يقينا ليس لاحد ان يزيف بعضا و يقبل بعضا علي حسب رأيه و هواه لانها كلها كلام المعصوم عن الخطاء و السهو و هو اعلم بمراده من غير فيجب ان نسلك فيها بدلالتهم و ارشادهم و هم قد قرروا لذلك وجوها.
فمنها العرض علي الكتاب و المراد من الكتاب المستجمع علي تأويله و عدم نسخه و احكامه فان الكتاب المختلف فيه يرد علمه اليهم و يعرف المراد الحق منه من جهتهم و نحن لانعرف من ذلك الا اقل قليل و لايكاد يوجد في اخبارنا الصحيحة المنقحة ما يخالف الكتاب علي هذا المعني لاسيما في الاخبار المتعلقة بالاحكام الشرعية و ان وجد موضع او موضعان ليس يغني في كل ابواب الفقه هذا و قد يوجد احكام بين في الكتاب رسمها ثابت في السنة نسخها كما روي عن علي7 فكيف يمكننا رد ما يخالف ظواهر الكتاب من الاحاديث الصحيحة و لاجل ذلك يقيد مطلقات الكتاب و يخصص عموماته بالاخبار و لو بنينا علي رد ما يخالف ظواهر الكتاب لكان اللازم رد اكثر الاخبار فان جل الكتاب عمومات و مطلقات و مجملات فالمعرض الكتاب المجمع علي تأويله و عدم نسخه و قد امروا بالعرض علي الكتاب في الصدر الاول و قد كانت الكذبة يفترون عليهم بما يخالف الكتاب المجمع عليه ازراءً عليهم و كان اكثر ذلك في اصول الدين و لماكانت الفروع التي في الكتاب اكثرها مبهمات و مجملات لايكاد يعرف مخالف الكتاب في اخبارنا اليوم لاسيما ان كتبنا الصحيحة كتاب عمل اصحابنا و قد كتبوها لعمل الشيعة الي يوم القيمة فما وصل اليهم ما يخالف الكتاب المجمع عليه كفونا امره و اخرجوه من كتابهم فليس اليوم يوجد فيها ما يخالف الكتاب فلانحتاج الي هذا العرض يومنا هذا و الحمد لله في الجل او الكل.
و منها العرض علي اجماع العامة و اخبارهم و ذلك ايضا لايعرف يومنا هذا فان المراد من اجماع العامة اتفاق علمائهم علي شيء و ليس يعتبر فيه دخول معصوم و هم علي كثرة علمائهم و اختلاف آرائهم و اهوائهم و تشتت بلادهم و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 231 *»
تجدد كذبهم علي رسول الله9 في كل عصر و كثرة كتبهم ليس يمكن لنا ضبط آرائهم و اهوائهم و كيف و نحن ليس يمكننا معرفة اتفاق اصحابنا بل معرفة اسمائهم بل معرفة كتبهم و نحن متتبعون في امرهم فكيف يمكننا معرفة اجماع العامة و لايمكننا معرفة كتبهم و منها قد بادت و منها قد اختفت لاسيما و هم بعد سنة الستمأة رأوا كثرة اختلافهم فتركوا الاجتهاد و اقوال سلفهم و اجتمعوا علي اجتهاد اربعة و حرموا الاجتهاد بعد ذلك فنسيت اقوال سلفهم و بادت و عدمت فطلب اجماعهم و معرفته في ايام صدور اخبارنا محال في حقنا و تكليف بما لايطاق و اما ما اختلفوا فيه فلايكون معرضا لان الخبر ان خالف احدا منهم وافق الاخر او خالفهم جميعا الا الذي دلوا عليه و هو ما هم اليه اميل و معرفة ذلك اليوم ايضا تكليف بما لايطاق نعم يمكن لنا معرفة كليات من مذهبهم مخصوصة بهم و العرض عليها لاينفع الا في اقل قليل في مقام واحد او مقامين فلاينفعنا ذلك في ترجيح جميع الاخبار هذا و هم: ربما اتقوا من السائل او من الحاضرين او من اهل مسجد السائل او اهل بلده او مسجد الحاضرين او اهل بلدهم او من السلطان او اهل البلد او فقيه البلد و غير ذلك من وجوه شتي نعم كان يمكن ذلك في بعض المسائل في تلك الايام التي كانت علماؤهم قليلة و اصحابنا مخالطين لهم في مدارسهم و مجالسهم و اما اليوم فلاينفعنا فلايجوز الحمل علي التقية اليوم بمحض موافقة الخبر لفقيه منهم او لفقيهين او لعدة من فقهائهم فان من لاتعرف قوله منهم اكثر ممن تعرفه فتدبر و انصف.
و منها الاخذ بالمجمع عليه و المشهور و الاعدل و الاوثق و الافقه و الاصدق و امثال ذلك و هذا العرض ايضا ينفع ليوم لميكن اخبارنا مصححة قطعية مجمعا عليها و كان يمكن للانسان ان يوازن عدل الروات و وثاقتهم و فقههم و كان الراوي واحدا و اما اذا انتهي سلسلة الرواة لحديث الي عشرة و ازيد لايكاد يتفق ان يكون رجال سند حديث كلهم اعدل او اوثق او افقه من رجال سند آخر و هذا علي فرض المعرفة و هي متعذرة اليوم بعد الف سنة و ازيد و الذي نعرف اعدليتهم و افقهيتهم ليس ينفع معرفتنا بهم في كل السند و لا في كل خبر و اما المشهور و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 232 *»
المجمع عليه فان كان المقصود القطع بصدور الخبر فهو حاصل و ان كان العلم الحاصل من المشهور و المجمع عليه و المتواتر اوكد و اقوي و لذلك قالوا انه لاريب فيه و ان كان المقصود اتفاق الكلمة و عدم الشقاق في الفرقة فذلك امر مرغوب فيه ولكن علي اي التقديرين لا نعرف منه الا اقله ان كان المقصود اتفاق الشيعة بالنقل لخبر او شهرة النقل بينهم لتشتت ديارهم و العلم بان من لانعرفه منهم اكثر ممن نعرفه و بان اكثر من نعرفه لمينقل الخبر و لميروه و محض رواية عشرة من العلماء او عشرين لخبر لايدل علي شهرته و الشهرة مايكون خلافه شاذا نادرا قد سقط عن الاعتبار و حجب عن الانظار و ذلك مما لايتفق في كثير من المسائل بل في كلها و ان كان المقصود اتفاق جماعة يكون المعصوم احدهم في جواز العمل بخبر فنحن قد حصل لنا الاجماع اليوم في جواز العمل بهذه الاخبار المأثورة في كتبنا الصحيحة فكلها مجمع عليه و كلها معروف مشهور بين الشيعة و قد صرح بذلك جماعة و ادعوا الاجماع علي صحة العمل بهذه الاخبار نعم كان ينفع ذلك في الصدر الاول الذي لميتحقق الاجماع علي صحة جميع الاخبار فيه و اما اليوم فقد قام الاجماع بلانزاع و الحمد لله فكلها مشهورة معروفة عليها المعول و اليها المرجع فالعمل بها اتفاق للكلمة و رفع للشقاق و ما تري من شدة الاختلاف فانما هو من جهة كثرة الاراء و استخراج المسائل من المدارك المجعولة و لو كانوا يعملون بالاخبار لكان كل واحد منهم يصوب الاخر في عمله و كانت الكلمة متفقة.
و منها الاخذ بالحائطة و ذلك لعمري امر مرغوب فيه محبوب و كنت اقطع به لولا ما يعارضه من ساير الاخبار ولكن قد ورد اخبار اخر تعارضه و لانقدر علي الترجيح بينهما من عند انفسنا.
و منها العرض علي السنة و اخبارهم السالفة و المراد منها ضرورة الاسلام او ضرورة المذهب و قد نقح اصحابنا رضوان الله عليهم و شكر الله مساعيهم اخبارنا فلميرووا لنا في كتبهم ما وصل اليهم مما يخالف المذهب و ان فرض فارض في غير الكتب المصححة شيئا فلايكاد يوجد في الفروع و امكانه في الاصول اقرب
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 233 *»
لان الكذبة كانوا يفترون عليهم امورا تزري عليهم و ذلك في الاصول اكثر فهذا العرض ايضا كان ينفع في اوائل صدور الاخبار و اما اليوم فكفونا اصحابنا ذلك رضي الله عنهم هذا و نحن لانعلم السنة الغير الضرورية الا من جهة اخبار الال و لانعلم ناسخها من منسوخها و عامها من خاصها و مقيدها من مطلقها الا من جهتهم فالمعرض هو الضروري لا غير.
و منها الاخذ بالاحدث و هو في زماننا هذا لايعلم الا من جهة الامامين و هو لعمري ترجيح لازم لولا المعارض و قد ترك اكثر اصحابنا ذلك و ذلك ان كل امام اعلم بحكم ما يليه من الاعصار و نحن قد قررنا انا نعمل باخبار الماضين لاجل تصديق الخلف فاذا غير حكما من احكام الماضين فهو اولي بالاتباع الا انهم: رخصوا لنا في تركه و جوزوا لنا الاخذ باخبار الماضين مطلقا فذلك موسع علينا ان شاء الله و لاشك ان الاخذ بالاحدث احوط و اولي و اقرب الي الادب و الحكمة و الامتثال لولا ان يوهنه تجويزهم رواية حديث كل واحد من كل واحد فمع هذا التجويز يشكل البت عليه مع معارضته لاخبار السعة و ترك عمل الاصحاب به.
و منها الاخذ بالمحكم و رد المتشابه اليه و منها الاخذ بالمفسر و رد المجمل اليه و لاشك في لزومهما لامتناع العمل بالمتشابه و المجمل و قد تحير كثير في الجمع بين هذه المرجحات و تقديم بعضها علي بعض و ترجيح بعضها علي بعض زعما منهم انه يمكن وقوعها و علي فرض امكان الوقوع اليس هذه الجملة ايضا اخبارا؟ و اليست متعارضة؟ و اليس يجب ترجيح بعضها علي بعض؟ و اليس يحرم الترجيح بالظنون و الاهواء؟ و هل مفر فيها الا الاخذ بما وسعوا فيه من الامر من الاخذ بايهما شئت و احببت؟ هذا و نحن نقول ان الكتاب الذي هو المعرض المجمع علي تأويله و هو ابدا لايخالف ضرورة المذهب التي هي السنة المعروض عليها و هما ابدا لايخالفان اجماع الاصحاب و شهرتهم و لايعارض هذه الجملة كون راو الخبر اعدل او اوثق او اصدق او افقه او اورع و لا احتياط في مخالفة ضرورة
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 234 *»
الكتاب و السنة و الاجماع و لايعارضها الاقدم و الاحدث نعم يمكن المعارضة بين الاوثق و الاصدق و الافقه و الاورع و الاعدل في الواقع ولكن ذلك مما لايكاد يدرك بعد الف سنة و ان علم في رجال لاينفع في جميع رجال السند و ليسوا براوي كل حديث و يمكن المعارضة في الواقع بين هذه الخصال و الاحدث فان علمنا بحكم حادث عن الخلف علما عاديا فدع راو الاقدم يكن اعدل و اوثق و اصدق و افقه و اورع و غيره ان علم في جميع السلسلة و هو غير واقع بالجملة اغلب هذه التراجيح كانت معمولة قبل تنقيح اخبارنا و تصحيحها و حين امكان الفحص عن حال الراوي حتي يحصل العلم العادي بحاله و اما الان فلايتمشي كثير من ذلك و سبب انتشارها بين الاصحاب تجويز عملهم بالظنون فجعلوا مظنونات الكتاب و السنة معرضا و كان يمكن المعارضة بينهما و جوزوا الاتكال علي الظن باحوال الرجال و نوعوا الاخبار فاجازوا وقوع التعارض بينها و علي ما ذكرنا و وضعنا كل شيء موضعه لاتري فيها عوجا و لا امتا و الحمد لله رب العالمين فالذي علمته من الاخبار بعد الفحص و التجسس خلال الديار انه يجوز لنا اليوم و نحن في شدايد اللأواء و قرب احاطة الاعداء و مبتلون باشد البلاء الاخذ بما وسع الحجج: من الاخذ بايهما شئت فمن تلك الجملة ما روي عن ابيعبدالله7 قال اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي تري القائم فترده اليه و قيل للرضا7 يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلمنعلم ايهما الحق قال اذا لمتعلم فموسع عليك بايهما اخذت و عن ابيعبدالله7 انه سئل عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه كلاهما يرويه احدهما يأمر باخذه و الاخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه و في رواية بايهما اخذت من باب التسليم وسعك الي غير ذلك من الاخبار و يؤيد ذلك ان اخبار التراجيح لميكن الكل عند الكل بل كان عند كل احد بعضها فلو كان العمل بالكل واجبا كان مما يعم به البلوي و كان الكل عند الكل و قد قرر الامام في تلك المدة المديدة بما
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 235 *»
كانوا عليه فالعمل عليه و وجه آخر انه يظهر من لحن تلك الاخبار ان اكثر تلك التراجيح و العروض كان لحصول العلم بصدور الخبر فبعد العلم بصدور الخبر تصير كأنك في محضر الامام تسمع منه و تشاهد فانه ليس فوق العلم مقام فحينئذ اي منفعة في كون الراوي اوثق او غيره؟ و كيف يمكن تأثير الراوي في قول الامام القطعي؟ انظر فيما روي انه سئل الرضا7 عن العلم المنقول الينا عن آبائك و اجدادك صلوات الله عليهم قد اختلف علينا فكيف العمل به علي اختلافه او نرد اليك فيما اختلف فيه فكتب ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لمتعلموا فردوه الينا فجعل مناط اللزوم بالخبر العلم بانه عنهم و جوز اللزوم بكل خبر علم انه منهم و من ذلك المختلفات فيجب اللزوم بها لانها منهم اذا كانت يقينية نعم اذا قطع الناظر بقول الامام و عرف صحة الصدور ينبغي ان ينظر في صحة العمل به فانه اذا عرف ان الامام قاله تقية فلايعمل به و اذا عرف ان الامام اللاحق نهي عنه لايعمل به و اذا لميفهم المراد منه و كان متشابها او مجملا لايعمل به و هكذا علي ما ذكرنا و ما سنذكره و ذهب الي ما ذهبنا بعض اصحابنا ايضا من المتقدمين و المتأخرين و اما محمد امين الاسترابادي فاختار السعة في حقوق الله المحضة و اختار التوقف و الاحتياط في حقوق الادميين و لقائل ان يقول توجب هذا التفريق او تعمل من باب السعة؟ فان كنت توجب ذلك فما دليل هذا التفصيل القطعي و انت تنكر العمل بالظنون و تنكر ان الجمع بين الدليلين اولي من الطرح و تأول تأويلات الشيخ انها محض جمع هذا و نحن نقول اذا اختلفت الاخبار يصير الحكم كلية من المتشابهات و يجب التوقف في اصل الحكم الا ان السعة في العمل و دليلنا علي ذلک قوله7 في الحديثين المختلفين يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه فالسعة في العمل من باب التسليم لحكمهم و التوقف في اصل الحكم و عن ابيعبدالله7 لايسع الناس حتي يسألوا و يتفقهوا و يعرفوا امامهم و يسعهم ان يأخذوا بما يقول و ان كان تقية و قد ذكرنا ادلة هذه المسائل علي ما اخترنا في كتابنا فصل الخطاب و القواعد مفصلا فان شئت فراجع هذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 236 *»
و ان خضت في لجج الاخبار و عرفت لحنهم يحصل لك المخلص عن كثير من المختلفات و لذلك روي انا لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتي يلحن له فيعرف اللحن و في رواية حتي يعرف معاريض كلامنا.
سانحة: قد تواترت الاخبار معني في ان علم الكتاب عند آل محمد: و ان القرآن معمي و يعرفه من خوطب به و ليس حظ كل احد فهمه و من فسره برأيه فليتبوأ مقعده من النار و ما آمن بالله من فسر كلامه برأيه و امثال ذلك و بعد تواتر الاخبار بان علمه مخصوص بهم: و قد سئلوا: و قيل ما نصنع بما خبرنا في المصحف فقالوا سلوا عن ذلك علماء آل محمد: و روي علي تفسير كتاب الله فالقول فيه فضل و انما يتمشي الاستدلال بظواهر الكتاب في مذهب العامة لانهم استقلوا بانفسهم و قالوا ان كتاب الله فينا و يكفينا و انه لميحذف منه شيء و ان رسول الله9 علمهم علم جميع الكتاب و لميخص به احدا و اما علي مذهبنا حيث قلنا انه لابد من حجة معصوم بعد النبي صلي الله عليه و في الكتاب ناسخ و منسوخ و محكم و متشابه و عام و خاص و محرف عن موضعه و محذوف و غير ذلك فلايمكن الاستدلال بشيء منه الا بتوقيف الامام7 بنص منه او اجماع علم دخوله فيه علي تأويله و من ذهب الي جواز التمسك بظواهر الكتاب يلزمه ادعاء الاستغناء في تلك المسألة عن الامام و ذلك مخالف لمذهب الشيعة هذا و من يحيط بناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه؟ و من الذي يعلم انه هل حذف من ذلك الموضع شيء ام لا؟ و من راجع اول كتاب تفسير القمي يئس من الاستقلال في تفسير الكتاب و كذلك اليوم الاخبار المروية عن النبي9 فانه يجري فيها ما يجري في الكتاب بعينه و قد كثرت عليه الكذابة فمن ادعي جواز الاستدلال
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 237 *»
بها ادعي الاستقلال و عدم الحاجة في تلك المسائل الي الامام7 بعده و انه شريك في علم الدين معه و لايتمشي ذلك في مذهبنا ابدا هذا و قد نهونا عن الاستدلال بها فعن علي7 يا ايها الناس اتقوا الله و لاتفتوا الناس بما لاتعلمون فان رسول الله9 قد قال قولا آل منه الي غيره و قد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه الخبر و روي ان الله تبارك و تعالي لميقبض نبيه9 حتي اكمل جميع دينه في حلاله و حرامه فجاءكم بما تحتاجون اليه في حيوته و تستغنون به و باهل بيته بعد موته و انه مخفي عند اهل بيته الخبر و قيل لابيالحسن7 اتي رسول الله9 الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال نعم و ما يحتاجون اليه الي يوم القيمة فقيل ضاع من ذلك شيء؟ قال لا هو عند اهله بالجملة الاخبار في ذلك كثيرة ذكرناها في فصل الخطاب و القواعد فلايجوز العمل بشيء منها الا بعد السؤال عن الخليفة بعده و عن عيبة علمه العالم بمراده و لايجوز مشاركة احد في علم الدين مع امامه و الاستقلال بنفسه ابدا فالسنة التي امرنا بالعرض عليها ضرورة الاسلام و المذهب التي فيها الامام قطعا كما روي عن علي7 الراد الي الله الآخذ بمحكم كتابه و الراد الي الرسول الآخذ بسنته الجامعة الغير المتفرقة و عن الكاظم7 ما لميثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي9 لا خلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له فتبين و ظهر ان الكتاب الذي هو المعرض و السنة التي هي المعرضة لساير الاخبار ما كان منهما مجمعا عليه لا غيره و ذلك ايضا حجة لان دخول المعصوم فيه قطعي لايقال اذا كان الكتاب مجمعا عليه او السنة مجمعا عليها فما فائدة الخبر و العرض فانه ربما يكون في الكتاب و السنة كليات مجمع عليها ثم يرد اخبار جزئية تصير محل الاختلاف لعدم تنبه الناس بافراد تلك العمومات المسلمة فيرفع
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 238 *»
الخلاف عنها بالعرض عليها و ربما ترد اخبار مختلفة في الجزئيات الحكمية يكون بعضها مكذوبة و لايعرفها الانسان من غير العرض علي المعرض و لولا العرض يقع الانسان في تصديق ما لايعرف فان قلت فكيف يجوز تخصيص عمومات الكتاب و السنة و تقييد مطلقاتهما ان وجب العرض و رد المخالف قلت ان المعرض منهما ما اجمع علي بقاء عمومه و اطلاقه و صحة مدلوله و بقاء حكمه لا الذي ليس كذلك و انما اراد الله سبحانه و نبيه9 باستخلاف المعرض بين الامة ليكون حقا ثابتا بينهم في الاعصار و القرون الي يوم القيمة فمهما حدث في الامة قول او كذب رواية علي الحجج: علي مر الدهور يكون بينهم معرض قطعي يعرضوا عليه و يرجعوا اليه و يكون ذلك المعرض سناد اجماعهم و مناط اتفاقهم و عماد امرهم الي يوم القيمة اذ به عرفوا و عليه اتفقوا فمهما مات منهم ميت او نسي منهم ناس او غفل غافل يكون ذلك المعرض بينهم باقيا ثابتا مذكرا و لولا ذلك لباد امرهم و نسوا او تناسوا و ازاحهم عن دينهم المشبهون عن قريب و ان لمتستوحش اقول:
و للناس فيما يعشقون مذاهب
و لي مذهب فرد اعيش به وحدي
و هو انه لايجوز الاستدلال بشيء من اخبار الامام الماضي الا باشارة الامام الخلف و اذنه فلو منع الناس عن العمل بها لماجاز لاحد العمل بها بتة فان نحن عملنا بتلك الاخبار عملنا باجازة الامام الحاضر ففي هذه الايام لايجوز العمل بشيء من الكتاب و السنة و اخبار الائمة الماضية الا من جهة تقرير الامام المنتظر الغايب المعلوم بنص او ضرورة او اجماع محصل او قراين او غير ذلك و قد اذن و قرر العمل بها و الحمد لله فنحن نعمل بها امتثالا لامره و لااجوز لاحد ان يعمل بها لا بهذه النية فانه ادعاء الاستقلال و عدم الحاجة الي الامام الحاضر في تلك المسائل و المشاركة معه في علم الدين نعوذ بالله من بوار الدين و قبح الزلل و به نستعين فتبين و ظهر انحصار المدرك للاحكام الشرعية في اخبار امام العصر و كلما
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 239 *»
اذن فيه فمن اخباره راجع اليه و لايجوز الاستدلال بشيء غيره
هذا اعتقادي فيه قد ابديته
فليقبل الواشون او فليمنع(فليمنعوا ظ)
سانحة: لايجوز التمسك بشيء من الادلة العقلية الغير الموزونة بميزان الاخبار و الاستقلال بها في امر الدين ابدا ابدا و هو الرأي المنهي عنه في الاخبار المتجاوزة حد التواتر و لايتمشي ذلك في مذهبنا ابدا ابدا و القول فيه فضل و حرمة العمل بدليل العقل و الاستحسانات و المصالح في مذهبنا من الضروريات كحرمة لحم الخنزير و الخمر و الميتة فمن عمل نعوذ بالله بها فقد خرج عن الدين و لاينافي ذلك كون الحسن و القبح في الاشياء عقليا لما بينا سابقا ان العقول شيبت بالعادات و الطبايع و الشهوات و الغضب و غيرها من الاعراض فلاجل ذلك لميرض الله لهم ذلك و بعث اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب و لو رضي من عباده الاجتهاد بالعقول الناقصة و الارتياء بالافهام الكاسدة لميبعث اليهم الرسل و لمينزل عليهم الكتب ذلك ظن الذين لايوقنون فكل ما ليس عليه نص مأثور عموما او خصوصا فهو رأي و اجتهاد و استقلال بالعقل و كفر بما جاء به محمد9 و ظهور ذلك في مذهبنا كظهور حرمة العمل بالقياس و حرمة لحم الخنزير و كفاك قوله تعالي من لميحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون و ليس الناس شركاء النبي في رسالته فيقول و يقولوا و الاخبار في ذلك متواترة بل متجاوزة حد التواتر بل قام عليه الاجماع الذي لاريب فيه فلانطيل الكلام بذكره و اخباره مذكورة في فصل الخطاب فراجع و نتبرك بكلام لعلي7 في ذم اختلاف العلماء في الفتيا ترد علي احدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند امامهم الذي
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 240 *»
استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا و الههم واحد و كتابهم واحد و نبيهم واحد فامرهم الله سبحانه بالاختلاف فاطاعوه ام نهاهم عنه فعصوه ام انزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم علي اتمامه ام انزل الله سبحانه دينا تاما فقصر رسول الله9 عن تبليغه و ادائه و الله سبحانه يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء و فيه تبيان لكل شيء و ذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا و انه لا اختلاف فيه فقال سبحانه و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا الخبر.
سانحة: في اصل البراءة و لي في ذلك كلام انيق و الاخباريون منا انكروا ذلك فقالوا بعد ان جعل الله سبحانه لكل شيء حكما حتي ارش الخدش و كلها مخزون عند آل محمد: فليس الاصل براءة الذمة بل الاصل الاشتغال و يجب التوقف في كل ما لايعلم حكمه و الاحتياط منهم من قال باصل البراءة في امور يعم بها البلوي اذ عدم الحكم فيها مع عموم البلوي بها يدل علي عدم الحكم فيها واقعا و اما المجتهدون منا فقالوا ان الاصل براءة الذمة حتي يثبت الاشتغال فان المكلف ليس بمكلف بشيء حتي يكلفه مولاه و لايسألنا الله عما لميكلفنا اقول ان هذه اللفظة لاتتم بحقيقة معناها الا ان نقول ان الحسن و القبح بمحض امر الآمر و نهيه و ليس عن مقتضي للاشياء واقعي فهنالك الاصل براءة الذمة الي ان يجعل الشارع الحسن بامره حسنا و القبيح بنهيه قبيحا ثم يكلفنا بذلك الامر و النهي و اما علي المذهب الحق ان الله سبحانه لميأمر الا بالصعود اليه و التقرب الي دار قربه و لمينه الا عن الادبار عنه و المباعدة عن دار رضاه و تلك اشياء معلومة في الواقع و لها آثار و ان الشرع يكشف عن الواقع لا انه يجعل الحسن حسنا و القبيح قبيحا بلامرجح فهذه اللفظة ناقصة في الكلام و الاداء و العبد خلق عبدا حين خلق مشغولا ذمته بالعبودية و قد سبق الناس ابوهم آدم7 و كان نبيا رسولا ذا شرع و هم جاؤا بعده و لزمهم الاخذ بدينه حين بلغوا التكليف و التمسك بسنته و سنة كل نبي اذا جاء و سنة النبي اما قوله او فعله او تقريره فاذا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 241 *»
جاء نبي و نطق ببعض الاحكام يجب علي الناس الاخذ به و ما لمينطق وجب علي الناس الاخذ بسنته التقريرية فانه قررهم علي ما هم عليه بسكوته و لميقررهم الا و هو راض في تلك الاوقات ان يعملوا به و رضي الله لهم ذلك و جعله دينه بتقرير نبيه فالعباد يجب عليهم ان يعتقدوا اباحتها و يعملوا بها لاجل ان النبي قررهم علي ذلك فمتي كانوا بريء الذمة عن العبادة و التعبد بالشرايع؟ ثم لمانطق بالشرايع رفع حكم ما قرره اولا و وضع مسائل اخر فاشتغلت ذمتهم بها اذ نسخها ثم لما اكمل دينه و لميبق شيء الا و فيه كتاب او سنة اشتغلت ذمتهم بها فالعبد يكون مشغول الذمة بالعبودية ابدا فان وسع ربه عليه حكمه السعة و ان ضيق عليه ببيان حكمه الضيق و انما ذلك من الفاظ العامة انتشرت بين الناس بجهلهم و كذلك علماؤنا الاخباريون اشتبه عليهم الامر و اخطأوا الطريق حيث جعلوا الاصل اشتغال الذمة شرعا بامور خفية عند آل محمد: و يجب الاحتياط فيها و قد اشتبه عليهم الاخبار الواردة في هذا المضمار فان الاحكام المستورة عند آل محمد: تحتمل الاحكام الخمسة الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الكراهة و الاباحة و الانسان لايقدر ان يجتنب الفعل و الترك معا فاما ان يفعل فيحتمل الوقوع في الحرمة و الكراهة و اما ان يترك فيحتمل ترك الفرض و الندب و لا فرق بين ترك الواجب و فعل الحرام و ليس الترك امرا عدميا و الا لما تحقق بل هو ايضا فعل وجودي نسبي الا تري انك لاتقول لمن نام عن صلوته تارك الصلوة و انما تقول فاته الصلوة و اما من ترك الصلوة متعمدا تقول هو تارك الصلوة و هو كافر فلو كان الترك غير فعل وجودي لماكان عليه عقاب فالترك ايضا فعل وجودي و يشتق له فعل و يقال ترك و يقترن بوقت و يسمي تركا بالاضافة و الا فهو فعل فاذا كان الترك فعلا وجوديا فترك الواجب محرم كفعل شرب الخمر فكيف يمكن لنا المحيص عن الوقوع في المحرم؟ و ذلك خطاء من الاخباريين واضح حيث اوجبوا التوقف فيما لايعلم حكمه و فسروه بترك فعل وجودي و هو تفسير عن ظن و رأي حقيقة و استدلالهم بعمل المرأة التي جهلت الاحرام فلمتحرم و لمينهها الامام بانها لم تعلم و توقفت و تركت الفعل الوجودي الذي
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 242 *»
هو الاحرام اشتباه محض و للمجتهدين ان يقولوا انها لماتركت بجهالتها عذرت و يعذر بالجهالة بما هو اعظم من ذلك و ماعلمكم بانها لو احرمت كان ينهاها الامام7 فالمجتهدون منا و الاخباريون كلتا الطائفتين في ذلك علي خطاء و قد وجدت عن السيد المرتضي رضي الله عنه كلاما في ذلك قريبا من الحق و هو ان في زمن الفترة الاشياء علي الاباحة بمعني انه لميتعلق باهل زمن الفترة شيء من التكاليف المخفية عنهم الواردة من الله تعالي انتهي. و هذا الكلام قريب سديد و السند في ذلك ان الحجج: قالوا كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص و في رواية نهي و قد روينا اخبارا كثيرة تبلغ حد التواتر بان الجاهل ليس عليه شيء كيف و قد قال الله سبحانه لايكلف الله نفسا الا ما آتاها روي اي ما عرفها و روي الناس في سعة ما لميعلموا الي غير ذلك من الاخبار و الايات و ذلك مقتضي عدل الله سبحانه و لو كلف الله الجهال بجهلهم لماارسل اليهم الرسل و لماانزل اليهم الكتب فالحسن و القبح واقعي عقلي ذاتي و ان الله سبحانه ما لميبين لعبده ذلك يرفع اثره عنه و في الخبر المتواتر رفع عن امتي تسعة و منها ما لايعلمون و ذلك بديهي فكل ما لميصل حكمه الينا عن الائمة فنحن في سعة حتي يصل الينا و كلما غلب الله علي عبده فهو اولي بالعذر و قد غلبنا بجهالتنا و الجهل و المعرفة من صنعه سبحانه و قد خلقنا من طين نعم نحن لماعلمنا ان الله سبحانه قد جعل لكل شيء حكما و هو مخزون عند آل محمد: و امرنا بالسؤال عنهم يجب علينا السؤال عند الامكان و اما عند غير الامكان فلايمكن السؤال و يبقي السعة التي هي تكليف الجاهل كما قال7 يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه و نحن لانقول ان السعة و الاباحة هي حكم كل ما جهلناه في الحكم الاولي الواقعي المخزون عند آل محمد: بل السعة حكمنا في حال عدم امكان السؤال حتي نتمكن و يجب السؤال في كل ما لمنعلم و لولا ذلك لتمسك كل جاهل باصل البرائة و اباح كل شيء و لميعرف الدين و انما ساق الاخباريين الي ذلك الاخبار الواردة
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 243 *»
في تثليث الاحكام الرشد البين و الغي البين و الشبهات فزعموا ان الشبهات ما لايعلم حكمه فاشتبه عليهم الجهالات و الشبهات و ان الشبهة ما يقوم عليه دليلان لايعلم المخلص منهما و لا الترجيح بينهما و هو غير الجهل البسيط الذي لا دال عليه فلايقال اشتبه علينا هل وراء القاف بحر ام لا؟ و يقال لاندري و جهلنا فتبصر فمن الشبهة ان يرد في المسألة حديثان مختلفان لايعلم الحق منهما و التقية و من الشبهة ان يرد حديث يحتمل معان و علي كل واحد قرينة ظنية لايعلم ايها المراد و من الشبهة ان يشتبه الموضوع فلايعلم انه تحت اي حكم معين معلوم؟ و من الشبهة ان يعلم قطعا ان لنا تكليفا موجودا الان باحد امرين و لانعلم ايهما هو كاحتمال القصر و الاتمام في الشاك في المسافة العاجز عن القياس فعند ذلك و امثاله يجب التوقف و عدم الاقتحام و المراد من التوقف التوقف عن الحكم و اما في العمل فلايمكن التوقف و لابد له من ارتكاب احد الضدين البتة فالتوقف في الفتوي و ترك القول بالظنون و الاراء و اما في العمل ففي الخبرين موسع عليه بايهما اخذ و في معني الخبر فهو متشابه يرد الي المحكمات ان امكن و الا فيتوقف في الفتوي و في العمل موسع عليه نظرا الي قوله كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص و قوله الناس في سعة ما لميعلموا و لاتكليف الا بالبيان و اما في اشتباه التكليف و الموضوع مع العلم بالحكم فقد مثلوا له بالمسافة مع العلم بالقصر للمسافر و الاتمام للحاضر و اشتباه مبلغ الماء و العلم بان اقل من الكر ينجس بملاقاة النجاسة و الكر لاينجس ففي المسافة نقول المعلوم عندنا حكم المسافر و هو من قصد ثمانية فراسخ فعليه القصر و اما من قصد مسافة مشكوكة فلانعلم حكمه و لميصل الينا حكمه فهو مجهول الحكم و ليس علينا ان نعين حكم المجهولات فاذ لاحكم له لا اثر له و اذ لا اثر له لايغير علينا امرا و لايوجب لنا عملا خاصا فنبقي علي ما كنا فيه لاجل انا ما كلفنا بغيره قطعا لا لاجل الاستصحاب و استنباط حكم المشكوك و اما الماء المشكوك فانه قطعي و اللاحقة مشكوكة فيحكم علي السابق ففي المسافة يحكم بعدم كوننا مسافرين لانا كنا علي يقين من كوننا حاضرين فشككنا في زوال ذلك الاسم عنا بهذا القصد
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 244 *»
فالمسافة في نفسها و ان كانت مشتبهة و لاتعلم واقعا مساحتها الا ان حكمها واضح و اما الماء المشكوك فنحن نحكم فيه بمفهوم الخبر ان قلنا بنجاسة القليل بالملاقاة فان مفهوم قوله7 اذا كان الماء قدر كر لاينجسه شيء نجاسة ما لميعلم كونه كرا فان الالفاظ عندنا موضوعة للمعاني المعلومة و التكاليف تتعلق بمعلومات المكلف المتتنبه من قول علي7 لاابالي اذا لماعلم ابول اصابني ام ماء فما اصابه ليس ببول معلوم و كذا مثلوا له بالشاك في الهلال و في وقت الصلوة و امثال ذلك فتلك موضوعات مشتبهة في نفسها يجب التوقف عن البت علي الواقع الا ان حكمها في الشرع معلوم نعم قد يتفق للانسان موارد لايعلم التكليف فيها و لايطمئن نفسه علي جعله تحت قاعدة او حكم معين و تتحير النفس فيه و تتوارد عليه الادلة و تتعارض و لايعرف المخلص منه فهو الشبهة العظيمة الاصلية فهنالك يجب التوقف عن اصل الحكم و العمل بالاحتياط لقوله9 دع ما يريبك الي ما لايريبك كرجلين اصابا صيدا فالانسان يعلم قطعا ان له جزاء و لو كان المصيب واحدا كان عليه الجزاء و يعلم من القراين او يظن ان اصابتهما معا لاتسقط الجزاء ثم لايدري هل يوزع الجزاء الواحد عليهما او يضرب علي كل واحد منهما جزاء او لوقوع الجزاء علي واحد منهما اسباب اخر فلايقدر علي اجراء اصل فهو مشتبه عليه و ليس بجاهل محض حتي يكون حكمه السعة فيتوقف و يحتاط لقوله7 اذا اصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط حتي تسألوا عنه بالجملة مقام الشبهة مقام قام عليه سببان وجوديان و اشتبه الامر لا الجهل المطلق بالحكم فاذا جهل الحكم فهو علي الاباحة حتي يصل اليه حكمه و لايحكم حينئذ ان الحكم المخزون لهذا الموضوع عند الامام هو براءة الذمة و عدم الحكم او الاحتياط بل هو متوقف فيه ولكن يقول ان حكمي في حال جهلي الاباحة او الاحتياط و اذا وصل اليه سببان شرعيان لميعلم ايهما الحق فهنالك تجيء الشبهة و يجب التوقف في اصل الحكم فهو في سعة حتي يعرف و يتبين الحق او يعمل
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 245 *»
بمقتضي البناء علي اليقين في موضعه او الاحتياط في موضعه فانه حكم موضوع لرفع الشبهة عن الموضوعات و اما الاحتياط الذي يوجبونه في ساير المواضع فهو امر مستحب مرغوب فيه و هو طريق النجاة و لسنا نحتمه لانا في سعة من الاخذ به و بساير الوجوه التي ذكرنا لمكان المعارضة و لايعقل وجوبه علينا اليوم مع جواز تركه لنا بمقتضي الرخصة الا في موضع لايعلم المخلص عنه الا به.
سانحة: في الاستصحاب في نفس احكامه سبحانه و قد اختلف فيه علماؤنا الاخباريون و المجتهدون اما الاخباريون منا فقد قالوا بعدم جوازه في الدين لانه اجتهاد ظني غير منصوص عليه من جانب الشارع و هو قياس شيء مجهول حكمه بشيء معلوم حكمه و اما الاصوليون منا فقد جوزوه لان مدارهم علي الظن و هو احد الظنون علي زعمهم و قد مثلوا لذلك ان رجلا دخل في الصلوة بتيمم ثم اصاب الماء في اثناء الصلوة قالوا يتم صلوته لانه دخل في الصلوة دخولا مشروعا و كانت صلوته صحيحة فبطلان الصلوة في هذه الحالة مشكوك فيه فبحكم استصحاب الصحة تصح صلوته فاجروا حكم الحالة المعلومة علي الحالة المجهولة ثم ذكروا له شروطا من ثبوت الحكم في الزمن الاول و عدم زواله في الحالة الثانية بالدليل و ان نسخ ما دل علي الزوال و اشتراط بقاء الظن ببقائه فاذا تساوي الاحتمالان او انعكس لميجر و ان لايوجد في الزمن الثاني ما يوجب زوال الحكم الاول و ان لايتحقق دليل شرعي آخر يوجب انتفاء الحكم الثابت اولا في الوقت الثاني بالخصوص و ان لايعارضه استصحاب آخر او دليل آخر و ان لايحدث امر يقتضي انتفاء الحكم في الزمن الثاني و ان لايتغير الموضوع فيصير حقيقة اخري في الواقع او عند العرف و عدم لفظ شامل في الحكم الاول للحالتين باطلاقه او عمومه و امثال ذلك و تكلف بعض المتأخرين في ادخال الاستصحاب تحت قوله7 لاتنقض اليقين الا بيقين مع انهم عدوه في الادلة العقلية مقابل الكتاب و السنة فلو كان من جهة عموم هذا الخبر لما عدوه دليلا عقليا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 246 *»
فاقول ان القوم عدلوا عن اليقين و الاخذ بالعلم في ساير المسائل الي الظن و قد خرجوا بذلك عن الحق الذي لا مرية فيه و لا ريب يعتريه فما عذرهم هنا في الاخذ بالشك المحض و اي دليل يدل علي جواز الاخذ بالشك المحض و ذلك ان استصحاب حكم الحالة المعينة في الحالة اللاحقة بلادليل شك محض بل توهم محض فان عدم قيام ظن بزوال الحكم السابق و عدم تغير مادة الموضوع لايوجب ظن بقاء الحكم السابق الا تري انك اذا رأيت زيدا في دار امس لايوجب ظن كونه فيها اليوم و كيف يظن ان حكم واجد الماء في اثناء الصلوة حكم غير واجده في الاول و الظن امر قهري يستولي علي النفس و محض جعل قاعدة لايحدث الظن في النفس و محض القول بان الاصل كذا لايحدث الظن بالبداهة و كون الاشياء لها عمرا يظن بقاؤه في مدة ذلك العمر ان لميعرض عارض لايوجب علمنا بان لاعمال الاشخاص عمرا و لاحكام اعمالهم ايضا عمرا و الاعمال علي خلاف الاكوان بالبداهة فان رأيت زيدا يكتب صباحا لايوجب ظنا بانه كاتب مساءً الا ان تقوم قرائن اخر و علي فرض حصول ظن بقائه قد منعنا عن العمل بالظن في اخبار متواترة فقد روي ان الظن اكذب الكذب و روي اذا ظننت فلاتقض و روي من شك و ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و نزلت في منعه قريب سبعين آية و اما حصول العلم هنا فلميدعه احد و ان قيل فكيف تمسكتم ببقاء الوضوء مع الشك في الحدث بذلك و تقولون انه لايفيد علما و لا عملا قلت انا درنا في ذلك مدار الشرع و علمنا علم شرعي ببقاء الوضوء لا علم طبيعي و لو انكم تمسكتم في ذلك بنص لما انكرت عليكم و كان الحاصل منه علما شرعيا البتة و ان قيل لم لايجوز تعميم قوله7 لاتنقض اليقين بالشك في نفس الاحكام قلت لو ان هذا الخبر كان يدل علي المراد لما خفي علي القوم في مدة الف سنة و ازيد و انما عرفوا انه غير دال عليه و لذلك عدلوا عن الاستدلال به الي وجوه ظنية عقلية بزعمهم ولكن المتأخرين غفلوا عن المراد فصاروا متمسكين به اعتضادا لادلتهم الظنية
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 247 *»
و تحقيق ذلك ان حكم الاشياء علي قسمين قسم يتعلق بالشيء مقيدا بخصوصه و حدوده فذلك الحكم قائم عليه مادام ذلك الشخص باقيا مشخصا بحدوده فاذا تغير ذلك الشخص عماكان عليه من شخصيته يزول ذلك الحكم بزواله و يحتاج الحالة الثانية الي حكم آخر بنص آخر و لايجوز ان يقال حكم الحالة الثانية هو حكم الحالة الاولي كان يقول الشارع صم يوم الاربعاء فاذا ذهب الاربعاء و جاء الخميس لايجوز ان يقال حكمه حكم الاربعاء بذلك النص المتعلق بالاربعاء و لسنا حينئذ في شك من حكم يوم الاربعاء (الخميس ظ) بل في جهل و الفرق بينهما ان الشك امر قهري قلبي يحصل من دليلين فان كانا عاديين فهو شك عادي او شرعيين فهو شك شرعي و اما الجهل فهو عدم وجدان القلب شيئا لعدم الدليل فلايقال هنا لاتنقض اليقين بيوم الاربعاء بالشك في الخميس هذا و هما شخصان ممتازان لا ربط بينهما اصلا و مرة يكون الحكم متعلقا باصل مادة مطلقة من غير تقييد بقيود شخصية كقول الشارع «صم» و ان كان لصدور الحكم وقت لانه حادث فحينئذ يجب الامتثال به و حكمه باق في جميع الاوقات و الامكنة و لايعترض هنا شك بسبب تغير الازمنة و الامكنة و ساير الحدود فان الحكم متعلق باصل الماهية و حكم الماهية باق في كل الحدود لان نسبة الماهية الي الحدود بالسوية و هيهنا موضع قوله سبحانه ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم ففي هذين القسمين لا استصحاب ابدا و الحكم لايخلو من هذين القسمين ففي المثال المذكور حكم فاقد الماء التيمم و صلوته صحيحة فمادام يصدق عليه فاقد الماء يكون حكمه ذلك كما اذا كان واجد الماء كان حكمه الصلوة بوضوء و اما واجد الماء في اثناء الصلوة فليس حكمه من المشكوكات و انما هو من المجهولات و يجب الرجوع فيه الي آل محمد: فكيف يجوز التمسك حينئذ بقوله لاتنقض اليقين بالشك بل ليس حكم ذلك من المتشابهات كما زعمه الاخباريون فان المتشابه ما قام عليه دليلان و انما هذا من المجهولات فصار خطاء الاصولي و الاخباري في امثال ذلك من عدم الفرق بين المشكوك و المجهول
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 248 *»
و اما في الموضوعات فنحن اذا علمنا بالطهارة و علمنا بالشرع استمرار حكمها الي حصول الناقض و عرفنا النواقض فاذا شككنا في حصول الناقض لاننقض علمنا بالطهارة بالشك في وجود الناقض و هنا يصح اطلاق الشك لوجود سببين يورث الشك و لذلك تري جميع مواضع ورود هذا الخبر من هذا القبيل لا غيره هذا و مورد اجراء الخبر ان يكون متعلق الحكم باقيا في الحالات لانه ماهية مستمرة و انما يشك في زوال الحكم بسبب عروض عرض خارج عنها كما ان الماء بعينه باق و يشك في طروء عرض النجاسة و الماء ماهية مستمرة و كان حكمها الطهارة فالشك العارض لايزيله و شرط صحة استصحابهم عدم استمرار متعلق الحكم اذ لو كان مستمرا لكان بمقتضي نفس الحكم الاول حكمه كذا و ماكان يحتاج الي استصحاب هكذا ينبغي ان يحقق هذا المقام و ان قلت كيف عملك في الاوقات المشكوكة و في المسافة المشكوكة و الماء المشكوك بلوغه كرا و امثال ذلك قلنا انا لا نحتاج في ذلك الي استصحاب فان التكاليف متعلقة بالموضوعات المعينة فما لمنقطع بوجود موضوع معين لمنقطع بحكمه فانا قد علمنا بان الصلوة تجب بحصول الزوال المعين فما لمنقطع بالزوال الشرعي لمنصل و ما كنا في شك من الزوال لمنجر عليه حكم الزوال الشرعي و ان كنا في شك من كونه قبل الزوال الواقعي و ان كان حكم متعلقا بما قبل الزوال فمادام نعلم انه قبل الزوال نجري عليه ذلك الحكم فاذا شككنا في الزوال اجرينا عليه حكم قبل الزوال فان الاحكام الشرعية متعلقة بالموضوعات المعلومة و ذلك الوقت قبل الزوال المعلوم زواليته قطعا و ان الله سبحانه لميكلفنا بالموضوعات الواقعية المجهولة و كذلك في الصبح فقد قال الله سبحانه كلوا و اشربوا حتي يتبين لكم الخيط الابيض فما لميتبين لنا الصبح يقينا نأكل و نشرب و كذلك قال الله سبحانه اتموا الصيام الي الليل فما لمنقطع بالليل لانفطر و اما المسافة فنحن نعلم ان حكم الشاهد التمام و حكم المسافر القصر و نشك في كوننا تحت هذا الحكم او ذلك الحكم فنقول انك تعلم ان حكم من قصد ثمانية فراسخ معينة القصر فاذا قصدت ثمانية يقينا تقصر و ان قصدت ما لاتعلم
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 249 *»
كونه ثمانية ليس حكمه القصر لعدم ورود نص فيه فحكمه مجهول و ليس لنا ان نجعل حكما لحالة لانعلم حكمها من الله فهذه الحالة عندنا لاحكم لها و لا اثر لها و لايوجب علينا امرا جديدا فكأنها لمتكن فاذا صارت كأنها لمتكن نحن نعمل بما كنا نعمل اذ لميأتنا مانع شرعي منه و ما لميأت صارف شرعي لانترك ما كنا فيه فنحن لانعين بذلك حكم الشك في المسافة بل نقول نجهل حكم الشك و عروض المجهولات لايصير منشأ حكم لنا و اما الماء المجهول كريته فكذلك فان الاخبار ناطقة بان الماء اذا بلغ كرا لمينجسه شيء و لميتعلق الاحكام بالامور الواقعية فان قيل اغسل البول عن ثوبك ليس المراد البول الواقعي بل ما علمت انه بول كما روي لا ابالي اذا لماعلم ابول اصابني ام ماء فاذا كان الماء قدر كر معلوم كريته لمينجسه شيء و اما اذا كان مجهول الكرية فينجسه شيء فعلي هذا فالمياه تنجس حتي تبلغ مبلغ الكر اليقيني و كذلك ساير ما يمكن ان يجري فيه و ليس حكمنا في الوقت و الماء و ما يتغير الماهية بهذا الاصل اي اصل اليقين اذ لايعقل اجراؤه فيه الا تري انك كنت علي اربعة ساعات من النهار فزاد عليه قدر من الزمان يقينا فشككت هل صار الزوال ام لا؟ فانما تشك في وقتك هذا و هو اربع ساعات مع زايد في اصل الماهية فلايمكن ان يقال لاتنقض يقينك في اربع ساعات بشكك في اربع و شيء فانهما ماهيتان بل هو من جنس استصحاب القوم و كذلك اذا كان الماء الف رطل فسكبت عليه شيئا من الماء حتي شككت هل بلغ كرا ام لا فلايقال لاتنقض يقينك في الف رطل بشكك في الف رطل و ازيد فانهما ماهيتان بخلاف الماء المشكوك في وصول النجاسة اليه فان تمام الماء السابق باق علي حاله من غير زيادة و لا نقصان و انما شككت في العارض فهذا هو الفرق بين موضع اصل اليقين و غيره و اما في موضع يتغير نفس الماهية فنحن انما نتوسل الي حكمها باسباب اخر فان جهلنا حكمها مطلقا يجري فيه السعة و الاباحة فافهم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 250 *»
سانحة: استصحاب النفس ليس بشيء متأصل سوي السنة فان اصالة نفي الموضوع يدخل تحت قوله لاتنقض اليقين الا بيقين مثله و نفي الحكم يدخل تحت قوله كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص فكلما شك في موضوع فالاصل عدمه و كلما شك في حكم فالاصل الاطلاق و عدم الحكم و لاشك في حقيته بهذا المعني.
سانحة: ان الله سبحانه جعل لكل شيء من الماهيات و الاوقات و الامكنة و القرانات و الاعراض حكما معينا و هو عند آل محمد: فما بينوه لنا يجب امتثالهم فيه و ما حجبوه عنا فهو مطلق موسع لنا حتي يأتينا البيان فاذا وصل الينا حكم متعلق بشيء نجري ذلك الحكم علي ذلك الشيء مادام ذلك الاسم المعلوم صادقا عليه فاذا زال ذلك الصدق نترك ذلك الحكم و نفحص عن حكم ذلك الاسم و لسنا نغير ذلك الحكم بسبب العوارض التي لميصل الينا حكمه اصلا و هو باق علي اطلاقه فاذا قالوا في مكة يوم الاحد لنا ان الكلب نجس نقول بنجاسته مادام يصدق عليه الكلب فاذا صار ملحا نفحص عن حكم الملح و لانجري عليه حكم الكلب بخلاف ساير التغيرات التي لمتكن جزء موضوع الكلب فلانغير الحكم بدخول المدينة اودخول يوم الاثنين او كان مع شاة او كان مريضا او غير ذلك مما ليس جزء موضوع الكلب و ليس ذلك من باب الاستصحاب و كذا اذا كنت في صلوة صحيحة و وقع عينك علي اجنبي لانقول بصحة الصلوة من باب الاستصحاب بل لاجل ان النظر مطلق لميصل الينا حكم فيه انه ناقض ام لا فلايحدث لنا حكما و كذا اذا قيل احرم من مسجد الشجرة لايحدث اختلاف الاوقات فيه تغييرا او قال صم الخميس لايحدث اختلاف الامكنة فيه حكما و علي هذه فقس ماسواها فدر ابدا ابدا مدار موضوع الحكم و ليس ذلك من باب الاستصحاب بل هو من باب قوله تعالي ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و من باب لايكلف الله نفسا الا ما آتاها
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 251 *»
و لذلك لايشترط في ذلك ما يشترطون في الاستصحاب من ظن بقاء الحكم و عدم جريان الحكم بنفس دلالة الحكم الاول و غيره فانهم يريدون ان يحصلوا حكما غير منصوص و نحن قد اتبعنا النص و ان سمي احد هذا المعني استصحابا فلابأس بهذا الاستصحاب و الا فلا.
سانحة: للاصوليين المجتهدين مدارك اخر يستخرجون منها فروعا كثيرة منها عدم الدليل دليل العدم و انكر ذلك الاخباريون منا و ربما عملوا به في الامور العامة البلوي فانه لو كان هناك دليل لظفرت الناس به مع كثرة الدواعي و اذ ليس فليس و انا اقول لاشك ان الله سبحانه اكمل لرسوله دينه و انزل عليه كتابه و جعله تبيانا لكل شيء و فسره رسول الله9 في سنته حتي انه لا شيء الا و فيه كتاب او سنة ثم حرف كتابه و حذف منه اشياء كثيرة مع كونه معمي من يوم اول لايعرفه الا الذين نزل في بيوتهم و كذب علي رسوله9 و حرف و بدل و اخفي مع انه يجري عليه ما كان يجري في الكتاب و علم ذلك كله عند اهله فعدم الدليل يومئذ يحتمل ان يكون لاخفاء الائمة: اياه تقية و يحتمل ان يكون لاجل انه دليل العدم فلايمكن لاعتماد عليه فلعلك عرفت ان هذا الدليل بهذا المعني يتمشي في مذهب العامة دون مذهبنا لكن لي محاكمة هنا و هو ان الاحكام قد بينا انها علي قسمين احكام اولية و هي التي قد خفيت عند اهلها و اما في عالم الاعراض فالاخفاء من اجل التقية بنفسه اطلاق للشيء في الحكم الثانوي فانهم لميكلفونا بان نعلم الغيب و نحيط بالاحكام الاولية قبل ان يبينوا و لميكلفونا بان نقول في الاحكام باهوائنا و آرائنا بل امرونا بان نقول اذا قالوا و نسكت اذا سكتوا و قالوا كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نهي فاذا احتجنا الي حكم و فحصنا في مظانه و لمنجده علمنا ان حكمنا الاباحة بمقتضي هذا الخبر و هو حكم ثانوي الي ان يأذن الله بالخروج للحق و نتوقف عن اصل الحكم الي ان
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 252 *»
نلقي من يخبرنا ان شاء الله و بين ما نقول و ما يقولون بون بعيد و منها القياس بالطريق الاولي و هو خطاء عظيم لهم فان جميع اخبارنا الناهية عن القياس التي فصل فيها القول صريحة في النهي عن القياس بالطريق الاولي و ذلك خطاء عظيم لا عذر عنه الا ان يشملهم عفو الله سبحانه و تجاوزه نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين و منها القياس الاستقرائي و العجب من صاحب الحدايق الشيخ يوسف الاخباري المتصلب يسجل علي صحة الاعتماد علي القياس الاستقرائي و الحكم بمقتضاه مع انه قياس صريح منهي عنه و احكام الشرع متي تشابه بعضها بعضا حتي يمكن معرفة ما لميسمع بما سمع؟ فماذا قوله7 اما انه شر عليكم ان تقولوا بشيء ما لمتسمعوه منا و قوله اسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله و انا نري اختلاف جهات الاحكام بحيث لميبق لها سلسلة نظام فكيف جاز ذلك و اي دليل ساقك الي ذلك؟ نعم ان الجواد قد يكبو و ان المصيب قد يخطي اسأل الله التجاوز عنا و عنه و منها القياس المنقح المناط فاذا وصل اليهم حكم شرعي ينقحون بعقولهم له مناطا فاذا رأوا ذلك المناط في موضع آخر اجروا ذلك الحكم فيه ايضا و يستدلون بانه لا فقيه الا و هو يعمل به و يحتاج اليه فان الحكم الواصل في نجاسة الماء القليل مثلا واصل الينا في مسألة وقوع الميتة و لميصل الينا في المني مثلا فنحن اذا نقحنا بان مناط الامر بالاجتناب عن ماء فيه الميتة نجاستها ثم علمنا ان المني ايضا نجس علمنا بانه حكم وقوع المني ايضا كذلك و هكذا في جميع الموارد فاقول لهم اتنقحون المناط بعقولكم الخالصة ام بقرينة دالة من الكتاب و السنة او من اجماع قائم؟ فان كنتم تنقحون المناط بعقولكم الخاصة فلعمري ليست بمتبعة بل ليست بمدركة فلعله لعلة خاصة فيه ليست في غيره الا تري انك لو سمعت لبس الثوب المبلول للصائم و انه مكروه لذهب عقلك الي انه لبلة الثوب بلاشك فاذا سئلت عن الاستنقاع في الماء اما حرمته او استكرهته بتنقيح المناط فان مناط الكراهة البلل و هو موجود في الماء اكثر و اعظم و الحال ان الحجة تجوز
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 253 *»
الاستنقاع و تكره لبس المبلول و كذلك اذا سمعت كراهة شم النرجس له ظننت انه لاجل طيبه و الطيب تحفة الصائم نقح مناطك شيخي ما تري فيه و ان كنت تنقح المناط بالكتاب و السنة فلعمري هما ان كانا قطعيين متبعان كالاجماع و ان كانا ظنيين في الدلالة فقد نهينا عنه في اخبار متواترة فلاجل ذلك لميجسر المفيد علي ذلك في مسألة الاواني و القدران و قال بنجاسة مياه الاواني و ان كانت كرا اذا لاقت النجاسة فانه رأي نصوص الاواني دالة علي النجاسة بالاطلاق و هو معاف اذا لميظفر بحديث عام آخر يشملها بالجملة جل الاختلافات في المسائل صدرت عن هذا الاصل الغير المتأصل و هو من الوجوه الظنية الغير الصالحة للعمل و اذا لميرض الحجج بالقياس الاولوي فبالحري ان لايرضوا بتنقيح المناط و لميرضوا حيث نهوا عن القياس مطلقا و عن الظنون في اخبار متواترة و اما منصوص العلة فهو حجة لان العالم بوجه الحكم قد اخبر بوجه حكمه و علم علة الحكم لتسري في ساير الموارد و من زعم انه ربما يكون لتلك العلة خصوصية بذلك الشيء لاتجري في غيره فاذا قال حرم الخمر لاسكارها فلعلها حرمت لاسكار خاص بالخمر ليس في غيرها فذلك محض توهم غير عادي في الاستدلالات فلو قيل ضرب الامير فلانا الحد لانه زني لايتوهم منه انه لزناء خاص به دون غيره و هذا التعليل اذا لميجر في غيره يكون عبثا فان حكم ذلك الشخص قد انقضي و العلة غير جارية في الغير فما حاصل التعليل؟ هذا و في كلمات العترة الطاهرة: قراين ترفع اكثر الاحتمالات في الاحكام فعلي الفرض لو وجد موضع يحتمل ان يكون العلة مخصوصة به و قام عليه قرينة يتوقف عنده و لاتسري العلة في غيره فان مناط الاحكام العلم العادي و هو حاصل من ظواهر الكلام و لايضر بالعلم العادي الاحتمالات و التوهمات العقلية الممكنة الوقوع احيانا فافهم و منها قياس مستنبط العلة فهو كتنقيح المناط الظني و ليس بشيء كاتحاد طريق المسألتين و امثال ذلك و حرمة العمل بالظنون لاسيما انواع القياس كحرمة لحم الخنزير والخمر لاتحتاج الي زيادة استدلال عليها في مذهبنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 254 *»
بالجملة كل وجه ظني من وجوه الاستدلالات لايحصل منه القطع فهو حرام محرم و لا قطع فيما لايصدر عن آل محمد: ابدا كما يدل عليه اخبارهم صلوات الله عليهم و اني لما فصلت اخبار هذه المسائل في ساير كتبي لماحتج الي ذكرها هيهنا مع ان هذا الكتاب سوانح في عرض السفر و لايمكن لي الاستقصاء و لعمري انها بديهية راجعة الي ضروريات المذهب لمن انصف.
سانحة: يجوز الاستدلال بعمومات الاخبار و اطلاقاتها و طال ما استدل بها الائمة: و اصحابنا قديما و حديثا من غير نكير و ادواتها في كل لغة معروفة لاتنكر و ان بقي بعض المواضع يشك في عمومه يتوقف عنده حتي يأتي البيان و لا حرج و هل يجوز العمل بها قبل الفحص عن المخصص و المقيد ام لا؟ فجل اصحابنا الاخباريين و الاصوليين علي عدم الجواز و زعموا المخصص و المقيد لها بمنزلة الاستثناء و قد فصلوا في ذلك تفصيلات و شققوا تشقيقات و حققوا تحقيقات كلها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتي اذا جاءه لميجده شيئا و وجد الله عنده فوفيه حسابه و الله سريع الحساب و حسبهم ان لميعولوا في ايجاب الفحص الي كتاب مجمع علي تأويله بل و لا ظاهر و لا الي سنة جامعة غير مفرقة بل و لا سنة مروية عن طرق الاحاد و لا الي اجماع قائم و لا الي دليل عقل مؤيد مسدد بل حكموا في ذلك بالظنون و الاراء و ليس ذلك من طريق التنطقات العادية حتي نحكم عليه بالعادات و اغلب استدلالاتهم جارية علي مذهب العامة و لاتتمشي في مذهبنا فانهم يقولون ان النبي صلي الله عليه شرعه ظاهر بين و بعضه يشهد علي بعض و بعضه ينسخ بعضا و بعضه يشرح بعضا و لميتق في ادائه شيئا فاذا ورد منه عام و خاص لابد من ملاحظة التاريخ و الحكم بكون المتأخر ناسخا و ان لميعلم التاريخ يجعل الخاص و المقيد شارحا لبيان المراد من العام و المطلق فلاجل ذلك يخصصون العام بمحض ورود المخصص و يقيدون المطلق و فصلوا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 255 *»
في ذلك تفاصيل تتمشي علي مذهبهم و اما علي مذهبنا و نحن نعتقد ان الائمة: اتقوا و القوا الخلاف بين الشيعة حفظا لرقابهم و انهم اذا افتوا لرجل كان عليه ان يأخذ بمفاد قوله عاما كان او خاصا مطلقا كان او مقيدا و لميكن عليه بعد سماع العام الفحص عن المخصص بل لو وقع ذلك منه كان ذلك منه دالا علي عدم التسليم لحكمهم و التكذيب لهم و عدم الاعتماد علي مدلول قولهم و كذا بعد سماع المطلق فالواجب ان يأخذ بمدلول العام و لايترقب شيئا آخر و بمدلول المطلق ان وصل اليه و لايترقب شيئا آخر ابدا و علي ذلك كان ديدن جميع المسلمين من لدن النبي9 الي آخر الائمة: و علي ذلك ديدن شيعتهم المسلمين لامرهم بعدهم و رأينا في الاخبار انهم زبروا المتفحصين عن الخاص بعد سماع العام عنهم و قد ذكرنا تلك الاخبار في القواعد فمن كان مسلما لامرهم معتقدا عصمتهم و انهم لايغرون بالباطل و لايتكلمون عند بيان التكليف بالمعميات ان يسلم للعام الوارد و المطلق الوارد عنهم بلاترقب شيء آخر و لو فحص احد عن حال الشيعة و استفتائهم عنهم و عملهم بماسمعوا و تتبع في الاخبار حصل له الاجماع البتي القطعي بعدم لزوم الفحص عن المخصص و المقيد و لو كان ذلك تكليف عامة السائلين عنهم المستمعين لاحكامهم لشاع و ذاع حتي يملأ الاصقاع و لكثر الامر منهم بذلك و النهي عنهم عن العمل باقوالهم العامة و المطلقة حتي يفحصوا عن المخصص و المطلق لعموم البلوي به و احتياج كل احد اليه و اذ ليس حصل العلم القطعي بانه لميكن تكليفهم ذلك بل ورد النهي عنه اي عن الفحص و الامر بالاخذ بما سمعوا منهم بل كذلك الفحص عن المعارض مطلقا بعين تلك الادلة و من تتبع في الاخبار حصل له الاجماع الذي لاريب فيه ان الفحص عن المعارض مخترع مبتدع و ليس من مذهبنا مطلقا و لميحدث عنهم امر بالفحص بل ورد الامر بالتسليم و الاخذ بكل ما صدر عنهم و علي ذلك عمل الشيعة و لو كان واجبا لكان شايعا مجمعا عليه لايخفي علي مسلم بل اقول يؤدي ذلك الي عدم قبول خبر عنهم و لا حكم من احكامهم الي منتهي الفحص و لا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 256 *»
منتهي لذلك لمن لايحتاج الي العمل في تلك المسألة الي آخر عمره فكان اللازم عدم التسليم لحكم من احكامهم لميحن حين عمله و ليس ذلك من مذهب الشيعة هذا و القول بذلك قول علي الله و رسوله و حججه: من غير دليل فاذا قال الله يوم يقوم الاشهاد ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون لاجواب لهم عنه فانه لايدل عليه كتاب و لا سنة فالواجب الاخذ بكل خبر صحيح محكم لايعرف منه التقية في غير محلها و لايجب الفحص فلو ورد المعارض احيانا و سمع المكلف الحديثين فهنالك يجري عليه ما قدمنا في سانحة اخري فالخاص و المقيد خبران منهم يحتمل فيهما كل ما يحتمل فيهما كل ما يحتمل في العام و المطلق و الاخبار الدالة علي ما ذكرنا مذكورة في ساير كتبنا.
سانحة: قد كثر القول في الاجماع بين الفريقين و هم مابين مزيف و مصدق و مفصل و قل من عرف المراد منه فمن الاخباريين من ظن ان مراد الاصوليين اجماع العلماء فانكر ذلك و هو مقام الانكار فان اجماع الناس علي شيء لايتمشي علي مذهبنا و انما هو من مذاهب العامة و منهم من فصل و قال اذا اجمع جمع من علمائنا المتقدمين الذين علمنا منهم انهم لايفتون الا بخبر واصل اليهم فهو الحق لانا نعلم انهم لايفتون الا بخبر فعلي ذلك حسبوه تحت الاخبار و لايزيد ذلك علي خبر واصل اليهم و من الاصوليين من زعم انه ينبغي ان يكون في جماعتهم مجهول النسب ليحتمل ان يكون اماما و خروج معلوم النسب لايضر لان الاجماع عنده اتفاق جماعة احدهم المعصوم و المعروفون لايكون احدهم اماما فلابد من مجهول النسب بينهم و منهم من زعم ان الاجماع اتفاق جماعة يكشف عن رضاء المعصوم فعلي ذلك فالعلم برضاء المعصوم حجة و لادخل له بالاجماع فلو علم رضاه من اخبار ثقة ففيه الحجة و ليس باجماع فاتفاق العلماء او المسلمين حينئذ طريق الي العلم برضاء المعصوم و تقريره فتقريره هو الحجة و اتفاق القوم طريق الوصول اليه كما اذا اخبر ثقة واحد بتقرير الحجة يكون اخباره طريق الوصول
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 257 *»
الي رضاء الحجة7 و هو احد افراد السنة علي ان السنة قول المعصوم او فعله او تقريره و الذي اري ان الاجماع ايضا من مصطلحات العامة فانهم اول من نطق به و استدل به و لمااراد علماؤنا بعد التنبه ان يمشوا هذا الاصل ايضا في مذهبهم و عرفوا انه لاحجة في اتفاق الناس قالوا اذا كان احد الجماعة معصوما يكون حجة و الا فلا او علم منه رضاء المعصوم ثم كثر بحثهم و فحصهم عن ذلك حتي بلغ ما ترون و لنعم ما قال السيد المرتضي رحمه الله خطابا للعامة ما معناه انكم لما سألتمونا عن الاجماع هل يتمشي في مذهبكم قلنا نعم اذا كان المعصوم احد الجماعة انتهي فالاجماع ان لميشترط فيه دخول المعصوم فلاحجة فيه و هو من مذهب العامة و ان قيل انه ما يكشف عن قول المعصوم فقول الجماعة طريق الي العلم بقول المعصوم و الحجة فيه لا في قولهم و ان قيل ان الاجماع هو اتفاق جماعة علي رواية خبر فالحجة في الخبر و هم رواة له و ان قيل انه ما يكشف عن رضاء المعصوم فالحجة في رضاء المعصوم و تقريره و هو احد افراد السنة و اتفاق الجماعة طريق الي العلم بتقرير الحجة كاخبار ثقة واحد و ان قيل انه اتفاق جماعة علي امر احدهم الحجة قلنا ان حصل القطع بان الامام قائل بهذا القول فالحجة في قوله و قول الجماعة طريق العلم و ان لميحصل فلاحجة فيه و القول به الاتفاق حجة كالقول بان خصوصية رواية زرارة مع العلم بان المروي عن الصادق7 حجة معا فان كان قول الصادق7 بنفسه حجة فخصوصية زرارة لاتكمله بل المناط العلم بقول الصادق7 سواء كان من طريق زرارة او غيره و ان قيل انه بنفسه ليس حجة فليس له جواب عندنا و ان قيل ان العلم بقول المعصوم لايعلم الا باتفاق هؤلاء و في اتفاق هؤلاء فلذلك يكون الاتفاق حجة قلنا ان العلم بقول المعصوم يحصل بقراين عديدة فكما ان القراين ليست حجة و انما الحجة ما تدل عليه كذلك اتفاق القوم يكون قرينة و كاشفا عن تقرير الحجة و اذنه بهذا القول و قوله به و الحجة في قوله لا في الطريق بالجملة هذا لفظ القي في الاسلام من العامة و اراد الخاصة تمشيته في
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 258 *»
المذهب فتكلفوا في معناه و حسبك انهم مختلفون في معناه فالاجماع المنقول ينبغي ان لايكون فيه ثمر عندهم الا ان يكون مذهب الناقل فيه كمذهب المنقول اليه و حسبك انه لميرد به كتاب و لا سنة و انما امرنا باتباع آثار المعصومين فان كان هو من آثارهم فهو المتبع و الا فلاحاجة فيه و ما روي في الاخبار من لفظ الاجماع فانما هو الاتفاق علي نقل الخبر واتفاق جميع الامة كلهم علي شيء كوجوب الصلوة و الصيام مثلا كما يظهر منها بلاغبار و صرفها الي هذه المعاني المختلفة فيها تكلف نعم انا اقول ربما تفحصنا عن الاخبار و عن اقوال العلماء الاخيار و عن سيرة الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار في مسألة فحصل لنا علم مؤكد قطعي لا يحتمل الريب عادة انها من دين الله و دين رسوله و دين حججه و هذا العلم اعظم من العلم بقولهم: بخبر ثقة واحد فان مراتب العلم تتدرج البتة و لماكان العقل كاشفا عن الواقع و لايحتمل في يقينه خلاف الواقع و يمتنع عنده و النفس صاحبة العلم و يحتمل عندها خلاف الواقع و لايمتنع فكلما قرب العلم الي العقل و يكثر اسبابه و يتوفر قرائنه يتأكد و يكثر الاطمينان به البتة و يقرب خلافه من الامتناع حتي انه يظن امتناع خلافه و يعلم عادة كذب خلافه فالفرق بين مراتب العلم قطعي ولكن علماؤنا الاخباريون لميدركوا ذلك فالقطع الحاصل من الخبر المتواتر ليس كالقطع الحاصل من خبر ثقة و ان كان الثاني علما عاديا و لاجل ذلك قال7 ان المجمع عليه لاريب فيه فغير المجمع عليه فيه ريب بعد الالتفات يعني لايمتنع كذبه عقلا ففيه ريب و الريب مبدء الشك فالعلم العادي لاشك فيه ولكن فيه ريب و المجمع عليه لاريب فيه و ليس لاحد ان يقول ان علمي الحاصل من خبر الواحد كعلمي الحاصل من المتواتر المجمع عليه و كعلمي الحاصل من ضروريات الاسلام بلاشك فلاجل ذلك يرجح الخبر المشهور و المتواتر و المجمع عليه علي خبر الواحد و امروا: بالاخذ به فنحن اذا تتبعنا في الاثار و اقوال العلماء الاخيار و سيرة الائمة الاطهار صلوات الله عليهم ما اختلف الليل و النهار حصل لنا في بعض المسائل علم مؤكد
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 259 *»
لاريب فيه بمذهب المعصوم7 في تلك المسألة و نعبر عنه بالاجماع الذي لاريب فيه و هو مرادنا منه و ينبغي ان يحمل عليه كلام علمائنا المتقدمين و المتأخرين المحققين في مواضع الخلاف و هو المراد من الاجماع المحقق الخاص الذي يريده شيخنا اعلي الله مقامه في رسالته و تراكم هذه القراين يدلنا علي رضاء المعصوم و مذهبه و هو الحجة و لولا هذه القراين لميحصل لنا القطع بمذهبه كذلك و معلوم ان القراين طريق علمنا الي ذلك القطع و مثل هذا الاجماع لايخلو من اخبار و آيات و آثار و اقوال من العلماء الاخيار و هذا هو الاجماع الذي لاريب فيه و فيه الحجة و هو المتبع لا ما يدعيه بعضهم في مواضع ليس فيه نص و لا اثر و لا قائل غيره و في فتح ذلك الباب فتح باب التنازع و الجدال و القتال بين المؤمنين و حينئذ يجوز لكل احد ان يقول حصل لي الاجماع في قتال جماعة من المسلمين و لايجوز لاحد رده نعوذ بالله و انما حجة الله هي الحجة الواضحة و مثل هذا الاجماع لايمكن ان يكون حجة يدفع بها الخصم المنكر له و لله الحجة البالغة فافهم ما ذكرت لك ففيه مر الحق و محض الرشاد و يسمي ايضا ضروري الملة و المذهب اجماعا و فيهما الحجة لحصول القطع المؤكد بقول الحجة7 و لماكانت المسائل مختلفة فمنها ما يعم به البلوي لكل مكلف فتلك تصير ضرورية لامحالة و منها ما لايعم به البلوي ولكن يتداوله اناس مخصوصون و يحفظه المستحفظون لاحكام الله و هم الفقهاء فقد يكون مسألة ضرورية الفقهاء كما يكون ضروري الاسلام عند المسلمين ضروريا لكثرة تداولهم فكل من تفقه و دخل في عرصة الفقهاء و راجع كتبهم و راجع الاخبار في المسألة عرف بلاغبار انه من مذهب الائمة الاطهار و لايعرف ذلك جميع الشيعة لعدم عموم البلوي في تلك المسألة و عدم حاجة الكل اليها في جميع الاوقات و هي من خواص الفقهاء و من دخل في عرصتهم و سلك مسلكهم فيسمي ذلك بالمحقق العام و ذلك ايضا في الحجية كالثلثة المتقدمة لحصول القطع المؤكد به و اما الاجماع المحقق فلايحصل لكل احد و اما الاجماع المنقول فلايكون
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 260 *»
عن ضروري و لايكون عن المحقق العام فان الناظر بنفسه يطلع عليه لو كان و لايحتاج فيه الي نقل فغالب ذلك عن المحقق الخاص و علامته عدم حصول الاجماع لنفس الناظر في تلك المسألة فهو ان صح اخبار عن وجدان الناقل و نظره فان كان له سند من الاخبار فلا بأس به و الا فلايمكن التعويل عليه لكثرة اختلاف العلماء في الاجماع و لانا لمنؤمر في الاخبار بالاخذ بمثله و لانه للمنقول اليه ظني و لايجوز الاخذ به و ليس حينئذ كخبر منقول عن ثقة لانه اخبار عن السمع و النطق و الاجماع المنقول اخبار عن وجدان الناقل فلايعول عليه نعم هو قرينة من القراين اذا كان له اصل و سند و هو حجة لمحصله و اما الاجماع السكوتي و المركب فلانطيل الكلام بذكرهما لعدم حصول العلم بهما و هما محض فرض و لايكادان يقعان نعم اذا وقعا و حصل العلم و القطع ففيهما الحجة واما المشهوري فهو عندي ليس بحجة ما لميكن له سند اذ رب مشهور و لا اصل له و اكثرهم لايعقلون و قليل من عبادي الشكور و روي لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله الخبر فان كان خبر مشهور متواتر و خلافه نادر شاذ فالمشهور لاريب فيه و يرجح الاخذ به اذا لميكن مرجح آخر للنادر اقوي منه هذا خلاصة معني الاجماع و ما فيه فخذه و كن من الشاكرين.
سانحة: قد كثر القول في المفاهيم بين العلماء و انا اجمل لك القول و هو انه ان كان ما يقولون ليس بمفهوم من الكلام فلاكلام و ان كان مفهوما فاي كلام؟ بقي الكلام في انه ان كان مفهوما هل يجوز الاخذ به لانه قطعي او لايجوز لانه ظني و اما الاخذون بالظن و القائلون بانه يفهم منه ذلك فلاسبيل لهم الي الكلام و اما نحن و قد اوجبنا العمل بالعلم فينبغي ان نتكلم فيه فاعلم انا رأينا آل محمد: قد استدلوا كثيرا بمفاهيم الكتاب و السنة كما ذكرناها في ساير كتبنا و نري في العرف يأخذون بالمفاهيم اشد الاخذ بل ربما يعتنون به احيانا اكثر من المنطوق حتي انه نري الاطفال الذين لهم ادني تميز بل ربما لميبلغوا التميز الا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 261 *»
انهم تعلموا الكلام و النطق يفهمون المفاهيم و يأخذون بها فتبين ان المفهوم ايضا من ظواهر الكلام حيث يعرفه كل اهل اللسان حتي الاطفال و عليه بناء التخاطب فاذا كان من الظواهر يجب الاخذ به كما يجب الاخذ بالمنطوق الظاهر الا انه قد يحصل في بعض المواضع شك في ارادة المفهوم و جهاته فعند ذلك يكون الامر كالشك في المنطوق و كثيرا ما يتشابه المعني فلايعول عليه فتدبر في الكلام فان فهمت من الكلام شيئا موافقا او مخالفا بينا ظاهرا فاعمل به فان المفهوم ما يفهم و ما لايفهم فليس بمفهوم و المفهوم لايخفي علي الاطفال فضلا عن اهل الكمال فلايحتاج الي بسط المقال و قد فصلنا في ساير كتبنا الحال.
سانحة: لنا اصل متأصل استنبطناه من الكتاب و السنة و اطلعنا عليه بعقولنا النيرة المؤيدة بكلمات العترة و قد فصلنا القول فيه في ساير كتبنا مشروحا مبينا و نشير هيهنا اليه و اعلم ان من لميتمسك به في اصول دينه و فروعه و في دنياه و آخرته لاتبلغ درجة اليقين و لايكون علي هدي و من تمسك به هدي و نجا من جميع الشكوك و الشبهات في دين الله سبحانه و عندنا لايتم دليل من الادلة معقولا كان او منقولا الا به و لايتسنم احد درجة اليقين و لاينجو من مهاوي الشك و الظن و التخمين الا به و هو ان الله سبحانه خالق جميع الخلق عالم به يعلم المفسد من المصلح و الحق من الباطل قادر ذو سلطان علي جميع خلقه قد اوجب في حكمته علي نفسه الهداية و التعريف و لميكلف عباده علم الغيب و لافوق وسعهم و لا ما لميعرّفهم و لميؤتهم غير مغر علي الباطل قد عهد الي عباده ان يهديهم سبله اذا جاهدوا فيه قد خلق عبادا جهالا ليس لهم الا ما اتاهم و لايملكون الا ما اعطاهم فعليه التعريف و البيان و ايضاح الحق بالعيان اذ له الحجة فاذا ظهر في خلقه شيء و نسب اليه و الي الحق الذي هو من لديه و لميسمه بسمة الباطل و لميعلمه بعلائم الفساد علمنا قطعا انه منه و اليه و هو الحق الذي لاشك فيه و لامرية تعتريه كائنا ماكان و بالغا ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 262 *»
بلغ و لايسوي بين الحق و الباطل و لميسمها بسمة واحدة فعلي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور فلايستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون و لايكون الذين آمنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الارض و لا المتقون كالفجار و لايستوي الظل و لا الحرور و لا الظلمات و لا النور و لا الاحياء و لا الاموات و لايستوي الحق و الباطل بل قال بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون و قال جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قال ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لايصلح عمل المفسدين و قال لايفلح الظالمون لايفلح الساحرون لايفلح الكافرون لايفلح الساحر حيث اتي و امثال ذلك و استدل كل نبي بشهادة الله عليه كما هو مذكور في الكتاب و قال لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين الي غير ذلك من الايات و روي ما معناه لايقوم باطل بازاء الحق الا و غلب عليه الحق فالحق ما صدقه الله و قرره و لميسمه بسمة الباطل و الباطل ما علمه الله بعلائم الباطل و لايكاد ان يشتبهان ابدا في ملك الله و ان كانا يشتبهان و لميكن لكل واحد علامة يعرف بها لكان الناس معذورين في اتخاذ الباطل و لميكن لله علي خلقه حجة فكل قضية كائنة ماكانت قررها الله سبحانه و لميعلمه بعلامة الباطل و يسمه بسيماء الحق عرفنا انه حق لامرية فيه و صدق لاشك يعتريه و كل ما ابطله و اقام عليه ادلة علي بطلانه من اي جهة كان من الامور القطعية الحقية عرفنا انه باطل لاشك فيه و لاريب يعتريه و ليس بين هذين ما يشتبه فيه الامر لايقال فما قوله حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك و الشبهة ما يشبه الحق فانا نقول ليس المراد انه لايشتبه علي امرء شيء من امور الدنيا و لو كان كذلك لكان كل احد عالما بما كان و ما يكون بل المراد ان التكليف لايشتبه في شيء و ان رضا الله لايشتبه في شيء بل عرف عباده كل شيء يحتاجون اليه فالاشخاص منهم من يتبين انه حق و من عند الله و يدعو اليه فيتبع و منهم من يتبين انه باطل و من عند الشيطان يدعو اليه فيجتنب و منهم من يشتبه فيه الامر فليس
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 263 *»
لاحد اتباعه و جعله وسيلة بينه و بين الله حتي يظهر امره فمن جعله وسيلة بينه و بين الله يسأل غدا لقوله لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا و لايتخذه عدوا لانه في شبهة من امره بل يسكت عما سكت الله و يبهم ما ابهمه الله هذا هو الصراط المستقيم و ان كان المشتبه حكما فيسكت عنه لايقول فيه برأي و اجتهاد و يتوقف عنده ثم يكون الامر في العمل بالسعة و لايستقيم ذلك في العبادات اذ لايمكن لاحد ان يتبدع عبادة من باب السعة و يتقرب بها الي الله سبحانه و معني السعة انه لميقع عليه تكليف فهو كساير المباحات فكما انه ليس له ان يجعل مباحا عبادة يتقرب بها الي الله ليس له ان يتبدع عبادة يتقرب بها الي الله فاذا اشتبه عليه الامر في شيء كالقنوت مثلا هل هو واجب عليه او مستحب و قطع بان الامر داير بين هذين يتوقف عن القول بوجوبه و عن القول باستحبابه فان شاء اتي به و ان شاء تركه من باب السعة فان اتي به اتي به من غير قول بوجوبه بل يقول برجحانه المطلق و يأتي به لانه راجح قطعا و ان تركه لانه لميقع عليه تكليف قطعي و الناس في سعة ما لميعلموا و ان اشتبه عليه الامر في الواجب و الحرام فيتوقف عن الحكم و هو في سعة من العمل يعني لايجب عليه فيأتي به بعزم الوجوب و لايحرم عليه فيجتنب عنه اجتناب حرمة بل هو كأنه لميقع عليه فيه تكليف فما لاتكليف فيه لايجعل عبادة فلايتعبد به و ان اشتبه عليه الامر في الواجب و المكروه بالذات فكذلك فان غاية الامر انه يجوز له الارتكاب من باب السعة و اما العبادة فلاتكون مكروهة و كذلك ان شك في الواجب و المباح فلايتعبد في هذه الموارد بما لايعلم رجحانه قطعا و ان اشتبه الامر في المستحب و الحرام او المكروه او المباح فكذلك لايتعبد به فان العبادة تكليفية و لميقع تكليف قطعي بها و ان اشتبه الامر في الحرام و المكروه فخلاف الرجحان قطعي فان تركه لعدم الرجحان فلابأس و اما انه حرام فلا و ان اشتبه بينه و بين المباح فهو جايز في العمل من باب السعة لعدم وقوع التكليف القطعي و كذلك المكروه و المباح و الاحتياط في هذه المواقع ظاهر بين بعد ما بيناه و ان كان ذلك اي الشك في هذه الاقسام في غير العبادات كالمعاملات
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 264 *»
فهو في سعة مطلقا حتي يأتيه البيان الواضح لقوله7 الناس في سعة ما لميعلموا و كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نهي او نص و يجري عليه الحكم السابق القطعي لقوله7 لاتنقض اليقين الا بيقين مثله فان شك في صحة معاملة او فسادها لمتقع و هو علي ما كان للمالك الاول حتي يثبت الناقل و ان تحقق المعاملة و شك في كون الواقع مفسدا لها فلايفسد و المعاملة صحيحة علي ما كانت و ليس ذلك استصحابا في نفس الحكم بل مقتضي الحكم السابق الدوام و الاستمرار بنفسه و الناقل الشرعي عنه غير ثابت فلاينتقل و الاستصحاب علي ما يذكرون شرطه عدم دوامه في الحال الثاني بمقتضي نفس الحكم الاول فالبيع مقتضاه ثبوت المال للمشتري فما لميظهر الفساد هو للمشتري بنفس الحكم الاول و ليس ذلك من الاستصحاب في شيء و كذا كون المال للبايع قبل الناقل الشرعي يقتضي دوامه له بنفس حكم الشرع فما لميثبت النقل هو له و هكذا و ما ذكره بعض الاخباريين في المعاملات من التوهمات فذكر انه اذا وقع بيع و اشتبه صحته يمنع البيّعان عنه و يقوم عليه رجل حسبة الي ان يقوم الحق و اذا وقع نكاح و اشتبه صحته يجب علي الزوج ترك الاستمتاع و التزوج بما يحرم معها و يجب عليها ترك التزويج من آخر و عدم التمكين من نفسها و امثال ذلك فكلها توهمات و اضرار لعباد الله و ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك و الحق ان الملك ملك الله لايجوز التصرف فيه بغير رضاء الله القطعي فان اذن لنا في تصرف و معاملة قطعا عملنا به و الا فلميقع معاملتنا البتة و قال كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص فمطلق لصاحب المال ان يمنع الاخر عن التصرف فيه كما ذكرنا و ان اشتبه موضوع بانه هل هو تحت هذا الحكم القطعي ام تحت ذلك الحكم القطعي فيتوقف في المسألة و حكم ذلك الشيء فقد يلاحظ فيه الحالة السابقة ان كانت فيجري عليه حكمها و ان لميكن له حالة سابقة بل اشتبه عليه اولا هل هو من هذا النوع فيكون حكمه كذا او ذلك النوع فيكون كذا و ليس له مخلص من ساير الاصول المتأصلة و لا مفاهيم الاخبار و قراين الاثار و لحن الاحاديث فتلك هي الشبهة الواقعية المشكلة قال7 امر بين رشده فيتبع
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 265 *»
و امر بين غيه فيجتنب و امر مشكل يرد حكمه الي الله و رسوله فينبغي الارجاء الي التمكن من السؤال و اما في العمل فان كان لايحتمل اجراء السعة للقراين فالاحتياط لقوله9 دع ما يريبك الي ما لايريبك و لقوله7 اذا اصبتم بمثل هذا فعليكم بالاحتياط حتي تسألوا عنه فتعلموا و ان كان له حالة سابقة كان عليها فالحالة الحادثة لمتحدث حكما فهو علي حكم الحالة الاولي السابق بالجملة طال الكلام في ذلك استطرادا و لماكن قاصدا لذكره هنا و الغرض الاصلي ان الله سبحانه عليه بيان الحق من الباطل و لايخل بذلك كرما فكل شيء يدعي في ملكه و ينسب اليه فعليه تعالي قدره بيان تكليف العباد فيه بما هو الحق الذي لا مرية فيه و لايخل بذلك و كذلك نبيه الذي هو مرآة قدرته و علمه و حكمته و لطفه فعليه بيان الحق من الباطل باي نحو شاء و اراد و عرف مصلحة العباد و لايختلف الحال في محضره و مغيبه لانه الشاهد علي خلق السموات و الارض و كذلك الامر في الاوصياء بعده فانهم الاشهاد العلماء القادرون المأمورون بذلك فكل امر حدث و لميقم عنهم: عليه آية البطلان فهو الحق الذي لامرية فيه اذ لو كان باطلا لكان عليهم قذف الباطل بالحق ليحق الله الحق بكلماته و يبطل الباطل و ان حدث امر و سكتوا عنه لمصلحة فالحكم الثانوي لنا سكوتهم و ان نطقوا فالحكم الثانوي لنا نطقهم و ان اتقوا فالحكم لنا تقيتهم و ان منع عن ابراز الحق موانع اخر فالحكم لنا ما عرفونا و نحن طالبون باحثون عن الحكم الثانوي لنا اليوم و هو يصل الينا بهم و نعلم علما يقينا ان كلما وصل الينا فمنهم وصل و عن عمد منهم و علم و قدرة و صلاح و هو علاج الله لمرضنا الحادث في دار الاعراض و حكم الله في حقنا في عالمها و يدل علي ذلك اخبار و آيات اوردناها في فصل الخطاب و في رسالة خاصة في علم التسديد و في القواعد و ساير كتبنا و يشهد بما ذكرت اخبار متواترة مؤيدة بالكتاب و بالعقل المستطاب فالفرق بيننا و بين غيرنا انا نأخذ بما وصل الينا عن علم و يقين انه منهم و اليهم و بهدايتهم و بمرأي منهم و مسمع و الناس يزعمون ان ما يصل اليهم فانما
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 266 *»
هو بجدهم و كد ايديهم و الدين لاقيم له و لا ناظر فقالوا «ان وجود الامام لطف و تصرفه لطف آخر و عدمه منا» فنحن غير داخلين تحت تصرفه و تدبيره و انما نحن مهملين سدي بلاراعي و الحال ان الحجة يقول انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و قال اما وجه الانتفاع بي في غيبتي كانتفاع الناس بالشمس اذا جللها السحاب و عن احدهما8 ان الحجة لاتقوم لله عزوجل علي خلقه الا بامام حتي يعرف و في حديث لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لميعرف الحق من الباطل و في رواية ما معناه لاتخلو الارض بغير عالم يعلم الزيادة و النقصان فان زاد المسلمون شيئا ردهم و ان نقصوا اتمه لهم الي غير ذلك من الروايات المتواترة فاذا نحن آخذون بحجزة الامام العالم القادر الشاهد الحكيم المتصرف الهادي الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر و نكون تحت تصرفه و تدبيره و في كهف ولايته و تحسبنا ايقاظا و نحن رقود و يقلبنا ذات اليمين و ذات الشمال ان زدنا ردنا و ان نقصنا اتم لنا و هو تدريجي دائما و اما الناس فيزعمون انهم مهملون بلاراع قد فقدوا النبي و غاب عنهم الوصي و انقطع عنهم تصرفه و بقوا جادين في اصلاح دين لهم و ابقائه عليهم بظنونهم و آرائهم فما يفسدون اكثر مما يصلحون ان اصابوا لميوجروا و ان اخطأوا اثموا قال رسول الله9 من عمل علي غير علم كان ما يفسد اكثر مما يصلح و ورد بذلك اخبار كثيرة فالتقرير مصباح كل ضرير و عون كل بصير به ينكشف حكم النقير و القطمير يعرف ذلك كل خبير و لولا ذلك لعمري يجري في امور الدين شبهة كل ذي شبهة و يحتمل في كل شيء جميع ما احتج به اهل الشبهات و لايسكن علي شيء قلب فطن لبيب و لعمري لولا ذلك لمابقي ظن باحكام الدين و اني اتعجب من الاصوليين انهم مع انقطاعهم عن هذه المسألة كيف يقولون يحصل لنا الظن بالمسائل الشرعية و الشبهات التي اوردوها ترفع كل يقين و ظن و توقع اللبيب في الشك المحض و اظنهم يتكلفون في اطلاق الظن علي الشك او انهم يبنون الاحكام
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 267 *»
علي قواعد مسلمة فيظنون و لو التفتوا الي تلك القواعد لزال ظنهم ايضا فان تلك الشبهات التي يوردونها و الاحتمالات التي يذكرونها كلها واردة و لامخلص عنها لهم بقواعدهم لولا هذه المسألة فهم بالشك في جميع الاحكام اولي من الظن و اما نحن فبحمد الله و حسن توفيقه بعد ما فزنا بهذه المسألة قد زال تحيرنا في تكاليفنا و ان تحيرنا في بعض الاوقات في اصل الحكم الاولي الواقعي الا انه لمنكلف بعلمه و انما كلفنا الله وسعنا و ما آتانا و هو يصل الينا فكل ما علمنا اليوم هو حكمنا الثانوي اليوم و ان لميحصل العلم فلمنكلف به و يبقي تحت حكم السعة فيما لايعلم فافهم و ان اردت التفصيل فعليك بساير كتبنا الحكمية و الاصولية.
سانحة: ان الله سبحانه خلق الخلق و ارسل اليهم الرسل و اوجب عليهم طاعة الرسل فالرسل كانوا يأخذون عن الله سبحانه بمااراهم من حكمته و اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و كان الواجب علي الخلق ان يأتوهم و يسألوا عن معالم دينهم و يعملوا بها و كانوا يجيبونهم بما يفهمون و يعقلون كما روي نحن معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم و كذلك الحجج بعدهم كانوا بعدهم انفسهم و عيبة علمهم و شارحي كتابهم و دينهم و حاملي شرايعهم و احكامهم الي ان انتهي الامر الي نبينا9 فجاء علي فترة من الرسل و خفاء من السبل الي قوم جهال لايعرفون كتابا و لا نبيا و دينا فهداهم بكلامه و بيانه فجاؤه و تعلموا منه صغيرهم و كبيرهم و رجالهم و نساؤهم و ابيضهم و اسودهم و احرارهم و عبيدهم الا ان منهم من حاز اكثر و منهم من ضبط اقل و كذلك بعده9 في عصر خلفائه فكل واحد منهم كان عالم عصره و الناس يأخذون عنهم كما كانوا يأخذون عن رسول الله9 الا ان منهم من كان اكثر سؤالا و ضبطا و منهم من كان اقل سؤالا و اقل ضبطا فمن كان متمكنا من السؤال كان يسأل و الا كان يرسل اليهم رسولا او يكتب اليهم كتابا فيأتيه الجواب او يسأل ثقة سأل تلك المسألة و يعمل بقوله فان كان يظفر بمن
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 268 *»
يعلم تلك المسألة عن رواية يعمل بها و الا كان يبقي علي جهالته الي ان يسأل و قد سألوا تكليف حال الجهالة فامروهم مرة بسؤال مفتي البلد و الاخذ بخلاف قوله فان الرشد في خلافهم و مرة اجابوهم بان كل شيء لك مطلق حتي يرد فيه نص و بان الناس في سعة ما لميعلموا و بالتوقف عن اصل الحكم و ربما كانوا يسألون عمن يسألون عنه عند بعد الشقة فيشيرون اليهم ببعض الاصحاب الذين قد كثر سؤالهم عنهم و ملازمتهم لخدمتهم و احاديث هذه المذكورات مذكورة في فصل الخطاب جميعا بالجملة لميكن ذلك اليوم اجتهاد و لا تقليد بل كان العالم هو الامام و الناس متعلمون بلاواسطة او معها و كان يطلق التقليد علي تقليد الامام كما في الخبر اين التقليد الذي كنتم تقلدون جعفرا و ابا جعفر و لميكن ظن و لا ارتياء و لا اجتهاد الا عند العامة المنقطعين عن النبي9 المستبدين بآرائهم المجانبين لآل محمد: و شر الامور محدثاتها و خير الامور تلادها فكذلك اليوم ليس لاحد منا ان يبتدع بدعة او يحدث رأيا فنحن اليوم نجري مجري ما كان اصحابنا عليه و عليه تقرير الحجج و آثارهم فلااجتهاد عندنا اليوم و لا تقليد و انما العالم الامام الغايب و كتب الاخبار كتب علمه و الناس مقلدون له متعلمون منه فمن يعلم رواية منه و يعرفها و يفهم المراد منها يعمل بها و من لايعلم رواية يستروي غيره و يسأل راويا آخر فيروي له بلفظ الرواية او بمعناها باي لغة كانت لما رخصنا في نقل الاخبار بالمعني و علي الراوي منا ان يروي رواية يعلم صحة صدورها و ينقل بالمعني اذا علم المراد منها فاذا علم صحة الصدور و المراد فله الرواية لنا و لنا الاخذ بروايته و علي ذلك كان بناء اصحابنا و لاتحسب الروايات المذكورة في كتب الروايات انها بلفظها بل اغلبها منقولة بالمعني كيف و قد رخص ائمتهم لذلك و قالوا في ضبط الالفاظ طعنا علي العامة ذلك زخرف القول غرورا اذا اصبت المعني فلابأس الا انهم كانوا عربا فنقلوا بالمعني بالعربي فيزعمها الجاهل لفظ الامام فلافرق بين رواية الفقيه اليوم بلغة اخري و
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 269 *»
بين روايتهم بالعربية فالجاهل منا بالحكم يسأل الروات الفقهاء عن مسألة فيروون له حكما رووه و عرفوه كما روي اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة اخبارنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و لميقل الي المجتهدين في دين الله بالرأي و الاصول الموضوعة و قال انظروا الي رجل منكم قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف احكامنا فارضوا به حكما الي غير ذلك من الروايات المذكورة في فصل الخطاب و لايحل لفقيه منا الفتوي بغير ذلك و ان سئل عن مسألة لا نص فيها عنده فليقل لا اروي في ذلك رواية فاذا بقي الجاهل لايجد من يروي له في تلك المسألة فهو في سعة ولكن بعد الفحص و لربما اذا فحص الجاهل و سأل جماعة اخري عن تلك المسألة وصله رواية فيها فاذا كان حكم الفقيه لعدم اصابته الرواية السعة و الاطلاق لايلزم ان يكون حكم الجاهل السائل ايضا السعة و الاطلاق بل عليه ان يسأل فقيها آخر و آخر الي ان يصله نص فان ضاق الوقت و حان العمل فهو في سعة و هذا اشتباه عظيم وقع بين العلماء و غفلة بينة فان جهل فقيه بحكم و رواية لايستلزم اطلاق الحكم للناس جملة فانا رأينا ان فقيها يدعي ان المسألة لانص فيها و نري فقيها آخر يروي فيها نصوصا عديدة و ربما لميثبت لفقيه صحة كتاب فلايرويه و ثبت لغيره و يرويه و ربما يعمل فقيه بقراين في صحة الخبر لايعمل بها غيره بالجملة هذا خطاء عظيم اسأل الله العفو لاصحابنا عنه ففقهاؤنا اليوم رواة عن الائمة: كالروات عن فقيه حي في بلد بعيد و ساير الناس مقلدون للائمة: كلهم علي حد سواء الا ان بعضهم اكثر رواية و بعضهم اقل رواية و ليست الرواية ما يروي بلفظه بل بمعناه فكل الشيعة رواة و علي كلهم ان يرووا عمن يعتمدون عليه و لايعملوا بخبر لميعلموا صحته و هم يعلمون صحة كثير من اعمالهم بالضرورة من الاسلام و كثيرا بضرورة المذهب و كثيرا برواية آبائهم عن اسلافهم و كثيرا برواية فقهاء العصر العدول و كلها طريق التفقه و ليس شرط التفقه ان يكون عن كتاب و لميكن اصحاب الائمة: كلهم ذوي كتاب و كان اكثرهم اميين لايعلمون الكتاب هو
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 270 *»
الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين فالفقيه منا ماذا يريد اليوم ان يصنع بين الامة؟ فما كان فيه نص عام او خاص او مطلق او مقيد فليروه كما روي له بلفظه او معناه بعد العلم بصحتها و تحقيق معناها و ان لميرو شيئا في المسألة فحكمه في نفسه الاطلاق و السعة و ليس حكم الناس الاطلاق و السعة بسبب جهل رجل من الامة فليقل للعامي لا ادري اسأل غيري و عليه و علي العامي الفحص الي منتهي الوسع فان طلب العلم واجب و اسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون فان حان عمله و ضاق فهو في سعة و اطلاق و اما الاستنباطات الظنية و الاستدلالات الاصولية و ما لمينزل الله بها من سلطان فلايجوز و كل الناس فيه سواء و ليس احد حجة علي احد و لميجعلهم الله شركاء مع رسوله و خلفائه: في بيان الشرع فان كان النبي9 بين تلك المسائل فعليهم جميعا الطلب حتي يظفروا به فان لميظفروا فحكمهم جميعا السعة و ان لميكن النبي9 بيّنه و هم يستدلون و يبينون فان كان حقا فعلي رسول الله و الائمة ان يتبعوهم في ذلك فانهم متبعون للحق فاذا هم الحجج و الحجج محجوجون و ان كان باطلا فلايجوز لهم ان يتفوهوا به ثم بعد ذلك هم اذا اعظم من رسول الله9 و اعظم من الخلفاء فانهم لميكونوا يدرون بغير وحي من الله سبحانه و هؤلاء يدرون المسائل بغير وحي فكأنهم يدعون الربوبية لان الرب يعلم الحق من غير تعلم و اما الخلق فكلهم محتاجون الي تعليم قال الله تعالي و كذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و قال احكم بمااريك الله و قل رب زدني علما و اي خطاء في الدين اعظم من ذلك؟ و عن ابيجعفر7 قال يا جابر انا لو كنا نحدثكم برأينا و هوانا لكنا من الهالكين ولكنا نحدثكم باحاديث نكنزها عن رسول الله9 كما يكنزون هؤلاء ذهبهم و فضتهم و عنه7 لو انا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا ولكنا حدثنا ببينة من ربنا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 271 *»
بينها لنبيه فبينه لنا و قال ابوعبدالله7 يغدو الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و قال7 لابيحنيفة انك صاحب رأي و كان الرأي من رسول الله صوابا و من دونه خطاء لانه تعالي قال احكم بما اريك الله و لميقل ذلك لغيره و قال من افتي الناس برأيه فقد دان بما لايعلم و من دان بما لايعلم فقد ضاد الله حيث احل و حرم انتهي انظر كيف جعل الرأي مطلقا جهلا و دينا بما لايعلم و سئل7 عن مسألة فاجاب فقال الرجل ارأيت ان كان كذا و كذا ما كان القول فيه فقال له مه ما اجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله9 لسنا من ارأيت في شيء و قال ان الله فرض ولايتنا و اوجب مودتنا و الله ما نقول باهوائنا و لانعمل بآرائنا و لانقول الا ما قال ربنا عزوجل و قيل له ان من عندنا من يتفقه يقول يرد علينا ما لانعرفه في الكتاب و لا في السنة نقول فيه برأينا فقال ابوعبدالله7 كذبوا ليس شيء الا جاء في الكتاب و جاءت فيه السنة و قيل له ان قوما من اصحابنا قد تفقهوا و اصابوا علما و رووا احاديث فيرد عليهم الشيء فيقولون برأيهم فقال و هل هلك من مضي الا بهذا و اشباهه و قيل له يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها فقال لا اما انك ان اصبت لمتوجر و ان كان خطاء كذبت علي الله و قال7 اذا سئل الرجل منكم عما لايعلم فليقل لا ادري و لايقل الله اعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا و اذا قال المسئول لا ادري فلايتهمه السائل و عن علي7 لاغزو الا مع امام عادل و لا نقل الا من امام فاضل و عنه7 انما الطاعة لله و لرسوله و لولاة الامر و انما امر الله بطاعة الرسول لانه معصوم مطهر لايأمر بمعصيته و انما امر بطاعة اولي الامر لانهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصيته الي غير ذلك من الاخبار المتجاوزة حد التواتر المعنوي فاذا ان كان الفقيه يفتي عن رواية فهو الراوي و الواسطة و الطاعة للحجة فالحجة هو العالم و الناس مقلدون و الفقهاء وسايط و ان كان يفتي بغير الرواية فلا
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 272 *»
طاعة لغير المعصوم و لايجوز طاعته بوجه من الوجوه فعلي ذلك لافرق بين الحي و الميت فان حلال محمد9 حلال الي يوم القيمة و حرامه حرام الي يوم القيمة و لا طاعة لغير الله و لرسوله و لاولي الامر و ما كان يقول به الشيعة من عدم جواز تقليد الميت فانما المراد به كون حجة حي في كل عصر يرجع اليه و يقلد بخلاف ما يقوله العامة انه لا حجة بعد النبي صلي الله عليه الا الفقهاء و يجوز تقليد ميتهم و اما اذا صار الفقيه راويا و الحجة المعصوم حيا فلميقع التقليد الا للحي و لا فرق بين الفقيه الميت و بين ساير الروات كزرارة و محمد بن مسلم و اشباههما و كما انه لايصدق علي الفقهاء تقليد زرارة مثلا لايصدق علي ساير الناس تقليد الفقهاء و كلهم روات و وسايط بلافرق فتدبر و انصف.
سانحة: لماجد ابدا فرقا بين فهم الاخبار و بين فهم كتب علمائنا الاخيار فان كليهما الفاظ و عبارات و فيها حقيقة و مجاز و مشترك و مترادف و عام و خاص و مطلق و مقيد و مجمل و مبين و متعارضات و آيات و اخبار و كلاهما يحتاجان الي تصحيح و معرفة الروات بل لي ان اقول ان كتب الاصحاب اشد اشكالا فانهم كتبوا الكتب باللسان العلمي و الاصطلاحات الخاصة و ربما قصدوا بها الاشكال و تعمدوا الاعضال و وجه كلامهم الي اصحاب الفضايل و المحققين و المدققين و الائمة: قصدوا التفهيم و التسهيل و خاطبوا العوام و كلموا الناس علي قدر عقولهم و اكثرها اسؤلة و اجوبة و ورد عنهم المسألة الواحدة باسؤلة مختلفة و اجوبة متعددة و يكون فهمها اوضح و ابين البتة فبطل استدلال القوم ان غير المجتهد لايعرف الاخبار و لابد له من الرجوع الي كتب العلماء الاخيار و فتاويهم و قد بسطنا القول في ذلك في كتابنا القواعد فان شئت التفصيل فراجع نعم لابد لمن يريد فهم الاحكام من المراجعة الكثيرة للاخبار و الانس بها فان النفوس لاعراضهم عن الاخبار صارت من اجانب الديار و بعدوا عن معرفة لحن الاخبار فمن اراد من الرعية تناول درجة الفقاهة الكاملة فلابد له اولا من تحصيل
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 273 *»
العربية و مرادي من العربية معرفة كيفية تخاطب العرب سواء كانت بمجالسة الفصحاء او مراجعة كتب الادباء و المعتبر من ذلك رواية القوم عن العرب و لاعبرة بدرايتهم و قد غفل اكثر الطلبة عن ذلك و زعموا ان كتب اصحاب العربية بكليتها هي المتبعة و غفلوا عن ان درايتهم انما هي علي حسب آرائهم و اهوائهم و لا حجة فيها و لذلك يختلفون فيها كثير اختلاف و انما الحجة في روايتهم عن العرب و عن تنطقهم و ليس فيها اختلاف و هو يحصل بقليل تتبع و اقل كتاب و اخصره و اما ساير ادلتهم و وجوه استحساناتهم و تقديراتهم و اضماراتهم و اشتقاقاتهم فلاعبرة بها و لا حاصل فيها الا تضييع العمر و قد ورد الرواية عن النبي9 بالنهي عن التوغل فيها فاذا حصلت قواعد نطق العرب علي حسب الرواية فتحتاج الي العمل في الاثار و الاخبار و كلام الملك الجبار فتراجعها و تتقن الفاظها و لغاتها و معانيها بالممارسة و المزاولة الكثيرة فتصير حينئذ كاحد من العرب المأنوسين بكلام اهل العصمة الطاهرين ثم تكثر النظر فيها و التدبر فيها حتي تطلع علي لحونهم و معاريض كلامهم و قد نصبوا في كلماتهم قراين يستغني بها الانسان عن جميع ما ذكروه في كتبهم الاصولية فان علم الاصول لميكن و كان الائمة يفهمون اصحابهم مراداتهم و لميضعوا لفهم مرادهم قواعد و قوانين علي ما وضعه المخترعون لهذا العلم و لذلك قلما يحتاج العلماء الي تلك التخريجات التي ذكروها في الاصول و يستغنون بقراين كلماتهم و لحون عباراتهم في الفقه و العمل فاذا عرفت اللحن و تعاريض كلامهم صرت فقيها و لاتحتاج الي غيره فتبين ان اللازم علم اللغة و الصرف و النحو علي حسب الرواية و اما المعاني و البيان فليس شيئا سوي اصطلاحات و اسماء مصطلحة و كلها طبيعية لافرق فيها بين لسان العرب و غيره و اري اناسا فصحاء بلغاء و لايعرفون تلك الاصطلاحات ابدا كالشعراء الذين هم احسن عصرهم شعرا و لايعرفون العروض و البديع و انما ذلك لان هذه العلوم طبيعية لا كسبية و انما العالم يسعي في التنبه علي امر الطبيعة لا غير و اما المنطق فلاينفع ابدا في مادة الفكر و انما غاية ما يظنون فيه اصلاح
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 274 *»
صورة الفكر و هي ايضا طبيعية و كل الناس يجرون عليه حتي الاطفال في اول تنطقهم و لا حاصل له الا معرفة الاسماء و الاصطلاحات التي وضعوها و العمر اشرف من صرفه في ذلك.
و اما علم التفسير فان كان لتفسير من الاخبار فيدخل في علم الاخبار و الا فليس فيه اعتبار و اري فقهاء غافلين عن ذلك يستندون في فهم الايات الي اقوال المفسرين و شهرتهم و اجماعهم و يحتجون علي خصمهم بقول المفسرين و تفسير الكتاب ان كان المراد منه فهم اللغة و الالفاظ و ظاهر العربية فهو حاصل لكل من عرف العربية و ان كان المراد معرفة التأويل و شرح المجملات و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و العام و الخاص و امثالها فذلك ليس يحصل الا من جهة الاخبار فيرجع فهم ذلك الي فهم الاخبار و اما علم الرجال فهو تاريخ غير معتبر و قد بسطنا القول فيه في القواعد و ان الحاصل منه ليس الا ظنون اجتهادية و لا عبرة بالظن نعم يحصل فيه بعض الاطلاع علي احوال بعض و طبقاتهم و يزيد الانسان بصارة في الاخبار و لا بأس به و يحصل ذلك بقليل مراجعة و بعد تصحيح الاخبار يقل فايدتها اليوم و اما علم الفقه بمراجعة كتب الفقهاء فهو لعمري معين علي فهم الاخبار لان الفقهاء اهل الاخبار و صرفوا فيها الاعمار و يساعد الانسان في فهمها لكن مع حذر عن الاغترار بتخريجات حدثت في بعضهم في استخراج الاحكام و يحصل فيه الاطلاع علي نكات و اشارات و لحون و تعاريض و اجماعات و لا بأس به بل الاولي تحصيله من عند عالم يوقف الطالب علي مواضع التخريجات و يحذره عنها و ان وجد الطالب استادا يعلمه الاخبار و يوقفه علي تلك الاشارات و النكات و اللحون ففيه غنية و اية غنية و اما علم اصول الفقه فبعد الاطلاع علي اصول آل محمد: علي ما شرحنا لا بأس به بقدر معرفة اصطلاحاتهم لان بناء كتبهم الفقهية عليها لكن مع توق و حذر و الاقتصار علي اخصر كتب منهم و الزايد فضل لايحتاج اليه و اثمه اكثر من نفعه البتة فان لميوقف علي استاد يعلمه الاخبار و احتاج الي الكتب
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 275 *»
الفقهية يحتاج اليه قليلا بقدر العلم بالاصطلاحات و الا فلا و اما علم الكلام فعلي ما روي عن اهل العصمة فهو شرط الاسلام و الايمان و يحصل بمراجعة الاخبار و التعلم من علماء الكلام و علي ما ذكروه في الكتب فاثمه اكبر من نفعه و اكبر فاجعل بينك و بينه البحر الاخضر بالجملة الحد الواجب معرفة العربية المروية و مراجعة الاخبار و الاثار و مزاولتها كثيرا و الباقي فضل فضل و لو كان شيء آخر شرط التفقه لعلم رسول الله9 و الحجج: اصحابهم ذلك اولا ثم شرعوا في تعليم الفقه و قد ابتدأ رسول الله9 لعرب البادية و الجهلة بتعليم الفقه من غير مقدمة و مباد اخر و هو لايترك الاولي بل ماسواه ترك للاولي و مخالفة للطريق الاقرب البتة و اصل هذه الشروط من العامة لان علماءهم ارادوا ان يكونوا رؤساء ائمة بعد النبي فاشترطوا في ائمتهم الفقهاء الاطلاع علي جهات العلوم الموضوعة حتي لايكونوا جهلة علي زعمهم و يقدروا علي اظهار الفضل و العلم و يكثر مداركهم في استنباط الاحكام و يتسلطوا علي الاراء و المقائيس و اما نحن فائمتنا معصومون شاهدون علي جميع الخلق و انفسنا تلامذة متعلمون لهم يوقفوننا بالترديد و التكرير و نصب القرائن و التفهيم علي المراد و الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آل محمد.
سانحة: اذا بطل الاجتهاد و التقليد في مذهبنا فالقول في ساير مسائله فضل و لانحتاج الي تحقيق معني المجتهد الكل و الجزء و الميت و الحي و الاعلم و غير الاعلم و ساير ذلك و اذا بطل العمل بالظنون يكون القول في تعارض الاحوال و ساير الاقوال في مبادي الالفاظ و الاجتهادات و ساير المدارك الظنية فضلا فلانسود الاوراق بذكرها مفصلا و قدحها فلنختم علي هيهنا الكتاب حامدا مصليا مستغفرا و من اراد التفصيل و الاطلاع
«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 276 *»
علي الاخبار المتواترة الدالة علي ما ذكرنا في هذه السوانح فعليه بالقواعد التي صنفناها في علم الاصول و فصل الخطاب في الاخبار ففيها غنية و هداية و كفاية و الحمد لله اولا و آخرا و صلي الله علي محمد و آله الطيبين الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين و قد وقع الفراغ من تصنيف هذه السوانح لليلة بقيت من شهر شعبان من شهور سنة سبع و ستين بعد الالف و المأتين حامدا مصليا مستغفرا.