16-01 مکارم الابرار المجلد السادس عشر ـ رسالة القواعد ـ مقابله

 

 

 

 

رسالة القواعد

من مصنفات العالم الرباني و الحكيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمدكريم خان الكرماني اعلي الله مقامه

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 7 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة الله علي اعدائهم ابد الآبدين .

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذه درر يتيمة و فوايد عظيمة و قواعد مضبوطة و اصول متأصلة استنبطتها من الكتاب و السنة و آثار العترة الطاهرة صلوات الله عليهم اجمعين في سوالف الازمان و الايام و خوالف الاعوام و كانت في دفاتري متفرقة و في صحفي متشتتة و لم‌يقدر لي جمعها و ترتيبها الي الآن و قد تفكرت في هذا الاوان في تقلبات الدنيا و تصاريفها و رأيت انها تفني و تبلي بمرور الايام و تقضي الاعوام فاحببت جمعها في رسالة مخصوصة لتكون لي من الباقيات الصالحات و وسيلة الي الدرجات و تلك القواعد في فن اصول الفقه و لكني دخلت بيتها من غير الباب الذي دخله الاكثرون فانهم قد دخلوا فيه من باب قد كثر فيه الاعتراضات و الايرادات و قد هيئ لكل مطلب فيه اعتراض و رد و ايراد و لايكاد يخلو فيه حق عن باطل معترض بازائه و يقين عن شك واقف بحياله فاحببت ان ادخل فيه من باب لم‌يحيطوا به علما و لم‌يهيئوا للداخل فيه اعتراضا و منعا فيدخل الناظر فيه بفطرة سليمة الهية غير مغيرة و لا مبدلة فيقف علي الحق من غير تردد فان الطبع لو خلي عن الشبهات يعرف بالفطرة الالهية صرف الحق قال ابوعبدالله عليه السلام ما من احد الا و قد يرد عليه الحق حتي يصدع قلبه قبله ام تركه فاذا كان القلب غافلا عن طريق الشبهة و ورد عليه الحق عرفه ان انصف و هذا الباب الذي قد دخلت منه في هذه الرسالة باب لم‌يتفكروا فيه حتي يعترضوا عليه او يمنعوا او يردوا بل لغرابته ترتاع نفوسهم و تدهش فتستمع اليه حتي تعرف ما هو فاذا اصغي اليه الانسان غافلا عن وجوه الشبهات يصدع الحق قلبه و يقبله انشاء الله فخذها و كن لله من الشاكرين و سميتها كما هي بالقواعد راجيا من الله حسن ختامه في التقدير انه بالاجابة جدير و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين .

 

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 8 *»

قاعدة اعلم انه قد اجمع الموحدون علي ان الله سبحانه كامل لا نقص فيه بوجه من الوجوه لا في قدرته و لا في علمه و لا في قوته و لا في سلطانه و لا في حكمته فليس بعاجز و لا جاهل و لا ضعيف و لا مقهور و لا بعابث في شئ من الاشياء و مقتضي كماله في جميع ذلك ان يكون خلقه علي اكمل وجه و احسن طور بحيث لايمكن احسن منه و اكمل هذا مع ان خلقه سبحانه آية تعريفه و تعرفه به عرف نفسه له به و لذا قال سنريهم آياتنا في الآفاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق فلو كان آية تعريفه و تعرفه ناقصة لدلت علي ان صانعها ناقص و كان يجب ان يعرف و يوصف بالنقص تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا و لو كان في خلقه امر واقع علي نهج العبث و اللغو لدل علي ان صانعه عابث لاغ او جاهل بنهج الحكمة و الصواب او عاجز عن جري فعله علي نهج الحكمة و الصواب و تعالي الله عن جميع ذلك علوا كبيرا فمن لطيف حكمته ان بعث في عباده الذين خلقهم مدنيي الطبع مختلفة الطبايع جهالا رسلا مبشرين و منذرين معلمين حكاما بينهم بالعدل هداة الي الحق و الي طريق مستقيم و انزل معهم الكتاب و الحكمة و علمهم ما لم‌يكونوا يعلمون و احتج عليهم بابلاغ الرسل فاراد منهم ما علمهم و عذرهم عما لم‌يبين لهم و لم‌يكل امرهم اليهم و لم‌يلق حبلهم علي غاربهم و ملك الرسل نواصيهم و استرعاهم امرهم و لولا ذلك لم‌يعرفوا مآلهم و ما لهم و ما عليهم و لم‌يبلغوا غاية ما اريد من خلقهم و هلكوا قبل ان يصلوا الي ذلك فخذها بابا من العلم يفتح منها الف باب فكل قول في مسئلة يلزم منه شئ من خلاف ذلك باطل و عن حلية الاعتبار عاطل فاعرف هذه المقدمة السديدة و اضبطها و اتقنها و فرع عليها ما سنذكره فكم من امرء يسلم قاعدة بالاجمال و ينكر فروعها لدي تفصيل الحال .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 9 *»

قاعدة انه قد اجمعت العدلية علي ان الله سبحانه عدل لايجور و قسط لايظلم و قد قال الله سبحانه ان الله لايظلم الناس شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون و هذه الآية رد من الله سبحانه علي منكري العدل و لكن الاجمال مصدق في كل حال و الشأن في تصديق التفصيل في المآل فمن الظلم ان يسد علي احد طريقا ثم يأمره بسلوكه فان لم‌يفعل يعاقبه بتركه او يسلك باحد طريقا ثم ينهاه عنه و يعاقبه علي سلوكه او يخفي علي احد امرا ثم يأمره بالتعبد به كأن يأمره بالعموم و كان مراده منه الخصوص من غير بيان فاذا ائتمر بالعام عاقبه عليه او بالعكس او يأمره بمرسل و كان مراده منه محدودا من غير بيان فاذا لم‌يأت به عذبه عليه او بالعكس او يأمره بمجمل ثم يعاقبه بتركه العمل به مبينا و هو لم‌يبينه او يكلفه بشئ و هو يحب ناسخه الذي لم‌ينزل ثم يعاقب العامل علي العمل به او يخاطبه بما مفاده الفضل و مراده الفرض ثم يعاقب المستمعين بتركه و اعتقاد فضله او العكس او يخاطبه بما مفاده الاعافة و مراده الحرمة و لم‌يبين ثم يعاقبه بفعله و اعتقاد اعافته او العكس او يخاطبه بما لايعرف الا ما عنده و كان مراده غير ما عنده و لم‌يبين مراده ثم يعاقبه بمخالفته لمراده او يخاطبه بالمتشابه و كان مراده المحكم فاذا لم‌يأت بالمحكم عذبه عليه او يأمره بالعمل بعلم و يقين ثم يسد عليه طريقه فاذا عمل بالظن او الشك عذبه عليه و عاقبه او يكلفه بما لايطيق فاذا لم‌يعمل به وبخه و عاقبه او يخاطبه و يأمره بما لايعرف فاذا توقف اهلكه و امثال ذلك مما لايستحسنه العاقل لمن له ادني شعور فضلا عن الرب العدل القسط الحكيم و هذه قاعدة اخري خذها و راعها بالمحافظة عليها فقد جمعت لك في هذه المقدمة كل شئ تريد و اياك و التهاون بها و ازدرائها و الريبة فيها فان من ارتاب شك و من شك كفر و من كفر هلك فكم من امرء يسلم المقدمات البديهية و ينكر ما يتفرع عليها .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 10 *»

قاعدة مقتضي حكمة الله التي اجمع عليها الموحدون المتألهون و علمه سبحانه ان لايكل العباد الذين يعلم انهم لايزالون مختلفين لاختلاف عقولهم و افهامهم و اهوائهم و آرائهم و قراناتهم و طبايعهم و اوضاعهم و بلادهم الي انفسهم حتي يأكلوا و يتمتعوا كما يتمتع الانعام ثم يفعل كل واحد منهم علي حسب هواه فيغشم بذلك بعضهم بعضا و يظلم بعضهم بعضا فيراق بذلك الدماء و تباح به الفروج و يبطل به النسل و يهلك به الحرث و يفسد به البلاد و يستأصل العباد فانه ان فعل ذلك و عاقبهم علي فسادهم يلزم منه الظلم كما عرفت و ان لم‌يعاقبهم عليه لزم منه بوارهم و فسادهم و لزم منه العبث في الخلق اذ خلقهم و اهملهم ثم اماتهم و اقبرهم كمن صنع فخارا ثم كسره ثم صاغه ثانيا و كسره و هكذا و تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا اذ العابث ليس غير هذا و الحكيم من يراعي لفعله غاية فمن اعترف بحكمته سبحانه وجب ان يعترف ان لخلقه الخلق غاية و الغاية لايجوز ان تلحقه لغناه المطلق فيجب ان تلحق خلقه و لاتكون الا فضله الذي يتفضل به علي خلقه فان سوي في الفضل بين من يناقض في فعله و عمله حكمته و صنعه و بين من يوافق كان ذلك ظلما منه تعالي لان فعله سبحانه حسن و حكم و مخالفه قبيح و عبث و شتان بين المحسن و المسئ و ليس المحسن الا من يوافق احسان الله و يتخلق باخلاق الله و ليس المسئ الا من يضاد احسان الله في خلقه و حكمه و يتخلق بضد اخلاق الله و ليس القريب من الله كالبعيد و لا الظلمات كالنور و لا الظل كالحرور و لا الاحياء كالاموات و ان لم‌يسو بينهم مع انه وكلهم الي انفسهم من غير بيان يبين لهم فذلك مما يوجب الحجة لخلقه عليه بل هو ايضا ظلم كما اوضحنا و شرحنا و بينا في القاعدة السابقة فلزم في الحكمة ان ينصب فيهم من يقوم مقامه في الاداء و يعرف مقتضي حكمته و صنعه و احسانه في خلقه و يكون متخلقا باخلاقه عاملا بارادته سبحانه ليمتاز عن غيره فيقيمهم علي احسان الله و يعرفهم اخلاق الله و يهديهم سبل الله و يوقفهم علي مرضاة الله ثم من اهتدي بعد ذلك فانما اهتدي لنفسه و من ضل فانما ضل عليها و هلك من هلك عن بينة و حيي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 11 *»

من حيي عن بينة ثم لم‌يكن الله ليظلمهم بل هم انفسهم يظلمون و لايحتج عليهم بما لم‌يبين لهم و لم‌يرد منهم ازيد مما علمهم و اخبرهم و اوحي اليهم و ذلك قوله سبحانه و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال ان علينا للهدي و قال ان علينا بيانه خذها قاعدة كلية ترشدك الي سبل الهدي و تنجيك عن طرق الردي و اعتن بها فانها من مقباس النبوة و مشكوة الولاية و اياك و التهاون بما اذكر و النظر فيه بعين الازدراء .

قاعدة مقتضي الحكمة التي اجمع المتألهون عليها و الغني المطلق المجمع عليه ان لايردع الله مسيئا عن اسائته الا فضلا و لايمنع محسنا عن احسانه و الا لزم العبث في التكليف و ارسال الرسل و خلق الجنة و الوعد بها و خلق النار و الوعيد بها او الاحتياج من نفسه الي الخلق و ذلك كله محال فلا عليه الا بيان الحق من الباطل و الرشد من الغي و تخلية السرب و اصحاب الامداد مع الفريقين و حفظ الذوات و الصفات و الآلات و الادوات و الاعراض و الاعمال و الاقوال و الاحوال في كل حال ليهلك من هلك باختياره المحفوظ للهلاك عن بينة و يحيي من حي باختياره المحفوظ للحيوة عن بينة فلايهلك هالك الا بمدد صاحب من الله سبحانه و تخلية بعد البيان و لايحيي حي الا بمدد صاحب من الله و تخلية بعد البيان فاستحق الاولون بذلك النار دار البوار جهنم يصلونها و بئس القرار و استوجب الآخرون بذلك النعيم المقيم جنات يدخلونها و نعم القرار فالله سبحانه اولي بالطاعة من العبد لانه اطاع بمدد و بيان و لولا ذلك لمااهتدي اليها ابدا و العبد اولي بسيئاته من الله لانه اساء من نفسه و ان كان بمدد من الله و تخليته التي لولاها لماقوي عليها ابدا و ان شئت المثل فاعتبر بضرير امرته بالسير الي المشرق و نهيته عن السير الي المغرب و لا بد في سيره الي اية الجهتين بقودك له فان مشي الي المشرق فمشي بقودك و ارشادك اياه اليه و لولا ذلك لامتنع عليه المشي و ان اختار علي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 12 *»

نفسه المشي الي المغرب فيمشي بسلوكك به و قودك له و لولا ذلك لامتنع عليه المشي اليه كذلك تقدير العزيز العليم قال الله تعالي كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا و قال قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك و قال و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و من هذه القاعدة السديدة عرف ان الله سبحانه لايمنع المقصر عن تقصيره الا ان يشاء فضلا و جودا و ليس بلازم في الحكمة و لايمنع المجاهد عن جهاده و ثوابه الذي جعل له من هدايته اياه سبله و يسدد المجاهدين و يبلغهم الي ما وعدهم و يمد المقصرين و يبلغهم الي مقتضي تقصيرهم فاحفظ هذه القاعدة السديدة فانا لم‌نقدمها الا لحكمة و لضرورة تأتي و ليس هيهنا موضع بيانها ازيد من ذلك .

قاعدة محال في عدل الله سبحانه ان يكلف عبده ما لايطيق كيف و هو قال لايكلف الله نفسا الا وسعها و الوسع دون الطاقة فكل ما ثبت ان الله كلف عبده به علم انه في وسعه و لو جاهد العبد وسعه لقدر عليه و من قال اني جاهدت وسعي فلم‌اقدر عليه مع ثبوت ان الله كلفه به فقد كذب الله في كتابه حيث يقول الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و يقول لايكلف الله نفسا الا ما آتاها و هو يزعم انه كلفه بما ليس في وسعه و هو افتراء علي الله سبحانه و كذا محال ان يكلف الله العبد ما لم‌يؤته فانه ليس في قدرته بل يكلفه بما آتاه فاذا تكلف العبد و ضيق علي نفسه بما لم‌يؤته الله لم‌يوجر و خالف الحنيفية السمحة السهلة و قد قال الامام عليه السلام ان الخوارج ضيقوا علي انفسهم و ان الدين اوسع من ذلك فاذا كان الله يكلف العبد ما آتاه بل دون ما آتاه فان الطاقة مما آتاه و لم‌يكلف بقدر الطاقة بل كلف كل نفس بقدر الوسع كان جميع ما كلف ميسورا كما قال يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و قال ماجعل عليكم في الدين من حرج فكل من لم‌يصل الي الميسور

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 13 *»

دل علي عدم اعطائه الطلب حقه لانه تعالي قال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و علي عدم التقوي لانه قال ان تتقوا الله يجعل لكم فرقانا و علي عدم التصديق بالحسني لانه قال و شرح فاما من اعطي و اتقي و صدق بالحسني فسنيسره لليسري و اما من بخل و استغني و كذب بالحسني فسنيسره للعسري و مايغني عنه ماله اذا تردي و كشف عن حقيقة حال الاكثرين و قال و اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون فافهم ان كنت تفهم فتبين للناظر البصير و الناقد الخبير ان جميع ما كلف الله عباده به يسر و وسع و لا حرج في الدين و المدعي عسر ما في الدين مكذب علي الله مخالف كتاب الله المجيد خذها قاعدة كلية تغتنم بها في الدنيا و الآخرة و اياك و الانكار لما يتفرع عليها .

قاعدة العقل الخالص الصريح احب الخلق الي الله سبحانه و لايكمله الله الا في من يحب و هو ما لم‌يتدنس بادناس النفس الامارة و الشهوات المضلة و القرانات المبعدة عن الله صايب يصيب الحق و لايخالفه و كان مع الحق و الحق معه و لايخالف نظره شيئا مما شرع في الدين فيثبت ما اثبته الشرع و ينفي ما نفاه لانه من نور الشارع و شعاعه و النور تابع للمنير و الله سبحانه لايثبت الا ما فيه صلاح الخلق و بقاؤه و ثباته و لاينفي الا ما فيه فساد الخلق و بواره لانه في نفسه لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه فلايأمر و لاينهي لصلاح نفسه و لا لعبث بل يأمر و ينهي لصلاح الخلق و لما كان العقل من نوره اذا كان علي فطرته يعرف ما فيه الصلاح و الفساد و لذلك سمي الله الفطرة دينا و قال فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله اي تلك الفطرة ذلك الدين القيم فالفطرة هي الدين و الدين هو الفطرة فكلما اثبته العقل الصريح الخالص غير المبدل اثبته الشرع و بالعكس و اما اذا تدنس بادناس النفس و اتبع العادات و انصبغ في الطبايع و غلب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 14 *»

عليه الشهوات و استفزه الغضب و قاده النواميس و غير ذلك و بدل فطرة الله يعمي عن الحق و يصير الحسن عنده قبحا و القبح حسنا فمتي ما اتبع العادات يستحسن ما اعتاده و يستقبح ما اعتاد علي رفضه كما تري ان جميع الناس يستحسنون ما اعتادوا علي فعله و يستقبحون ما اعتادوا علي تركه حتي انه لو فعل واحد منهم ما لم‌تجر به العادة يستقبحه عقلاء القوم و ينكرون عليه اشد الانكار و الخارج عن عادتهم لايري قبحا في ذلك ابدا ، مثالب قوم عند قوم محاسن ، و الغرقي في هذا البحر كثير من الناس بل لايكاد ينجو منه الا قليل قليل و كذلك قد يعمي العقل بسبب الشهوات فاذا غلبت عليه شهوة شئ يخفي عليه جميع مقابحه و يظهر عنده محاسنه و لذلك قيل حب الشئ يعمي و يصم بل الشهوة تخفي المقابح الموجودة و تثبت محاسن معدومة ، و ذلك بحر ضل فيه السوابح ، فكثير من الناس يستحسنون الاشياء و يستقبحون تركها لميلهم اليها و اما الغير المائل اليها فلايري فيها حسنا ابدا بل ربما يري فيها قبحا كثيرا و قد يعمي العقل عن الحق بواسطة النواميس كمن عرف رجلا بانه كبير و كبره آباؤه و اخوانه و نشأ عليه و تواتر علي سمعه تعظيمه و توقيره و صغر عنده نفسه و ذلت له و بخعت عنده فاذا خالفه رجل و استهان به و خففه و صغره يعظم عليه بحيث يكاد ان يهلك او يهلكه بل يعزم علي قتله و يكفره و يلعنه و لعل ذلك الرجل يكون للاهانة و الاذلال مستحقا و للازدراء به اهلا و محلا و لكن جعله القوم ناموسهم يعزرونه و يوقرونه فيصدقونه في كل ما يقول و ان كان باطلا و ينكرون كل من يقول بخلافه و ان كان حقا و ذلك ان حب الناموس غلب علي عقلهم فيرون مخالفه قبيحا يجب رده و موافقه حقا كائنا ما كان بالغا ما بلغ و مثل ذلك من طالت الازمنة في توقير الناس له و تعظيمه فاذا استهان به رجل يوما ما كبر عليه و اخذته العزة بالاثم و مثل ذلك القواعد المسلمة و المشهورة بين الناس و المسموعة من الاكابر فانها ايضا ناموس يغلب علي اكثر الناس فينكرون مخالفه لا محالة و لعل الخطاء في اصل القاعدة و لكنهم اخذوها مسلمة من غير روية و طال ما سمعوها من كل لسان من اشباههم فزعمتها النفس انها حق لاينكر و امر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 15 *»

حقيقي قد تواتر و يجب تصديقها و رد منكرها و ذلك ايضا بحر كثير الحيات و الحيتان تعلو مرة و تسفل اخري و قل من فاز منه بساحل و قد يعمي العقل عن الحق بواسطه غلبة الطبع و داهية هذا العمي اعظم و ادهي فان العادات و النواميس وجوهها غالبا محسوسة و النجاة منها اسهل و اما شر الطباع فاعظم و اعظم و وجهه خفي يشتبه كثيرا ما بالفطرة و ليس بالفطرة فخطره اعظم من الغير و لكل طبيعة مقتضيات فاذا غلب السوداء مثلا علي رجل يحصل له خيالات واهية و ادلة فاسدة حتي انه ربما يصل الي مقام يدعي القطع علي شئ بل الشهود و ليس له في الخارج اثر بوجه من الوجوه فان اليبس السوداوي يغلب علي الحس المشترك و علي الخيال فيتجسم ما ارتسم فيهما حتي انه ربما يظهر ما فيهما و يري كالدائرة المرئية من الشعلة الجوالة و الخط المحسوس من القطر النازل بسرعة فيدعي صاحبه المشاهدة و العيان مع انه مرض غلب عليه و لهذا المرض درجات ادناها يحصل لمن ادام التفكر في شئ مدة حتي تصور في خياله و تجسم فيدعي المشاهدة و العلم القطعي العياني و ليس من الواقع بمراح و لا مغدي فاذا شاب معها الصفراء الفاسدة و احترقت بحرارتها يصير ماليخوليا و يحصل له في حسه المسمي ببنطاسيا خيالات مجسمة محسوسة له فيدعي الانكشاف و يحلف انه رآها رأي العين و ليس الا خيال في نفسه قد تجسم مثل ما حكي بعض الثقات انه قد مرض رجل بهذا المرض و كان كل ما يحضر عنده من الطعام يري فيه ابرا و يتهم الناس بارادة قتله و يقول انتم عازمون علي قتلي تجعلون في طعامي ابرا لتقتلوني بها و كلما كانوا يحلفون له انه ليس كذلك لايصدق و يقول انتم تريدون ان تلبسوا علي و ماكان يأكل شيئا حتي اذا ضعف و رقوا له قالوا له فلان الرجل كيف حاله عندك قال ثقة عدل قالوا ايقدم علي قتل امرء مسلم قال لا ، قالوا ابينك و بينه عداوة قال لا ، قالوا اذا اتاك بطعام تأكل قال نعم فلما اتوا بالرجل و اتاه بطعام و وضعه عنده رأي فيه ابرا قال يا فلان انت ايضا عاديتني و اردت قتلي و وضعت في الطعام ابرا و قد يحصل مثل ذلك لمن عضه الكلب الكلب فيري في الماء جروا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 16 *»

لايقدر ان يشرب ماء و لايدخله و كثيرا ما يحصل ذلك لشاربي ماء البنج و ذلك ليبسه يجفف البنطاسيا و يتجسم فيه الخيالات و يزعم انه رأي الله و صعد السماء و كلمه الموتي و حشرت اليه و هكذا فلا عبرة بشئ من هذه الانكشافات و هذا المرض له مراتب فقد يكون قليلا و لايخرج الرجل به عن شبه الاعتدال و عما عليه اغلب الناس و قد يشتد و يخرج الرجل به عن الاعتدال و كل من تدبر في امر و اشتد فكره فيه يأنس به بحيث لايكاد يخرج من ذهنه لما تحجر الخيال في ذهنه و ذلك كبعض من يحصل له بكثرة مراجعة الشبهات و الشكوك و الاحتمالات شبهات لاتكاد تخرج عن ذهنه ابدا و لو استدللت بجميع الكتاب و السنة بل يري ادلة ائمة الهدي ادلة واهية و خيالات شعرية مع انهم عليهم السلام ادلاء الله في بلاده و حجج الله علي عباده و السنة الله الناطقة و حجج الله البالغة و ذلك لانه ، تغيرت البلاد و من عليها ، و من غلب عليه السوداء يتقوي في نظره كل دليل يناسب طبع السوداء للمشاكلة و يتضعف كل دليل يضاده مثلا يتقوي عنده كل دليل كان مؤداه الانزواء و الجبن و ترك الجهاد و الاعراض و التوحد و الشقاق و الطلاق و التفريق و الفساد و امثال ذلك مما يناسب طبع السوداء و يتضعف ما يكون مؤداه اضداد ذلك و قد يغلب الصفراء علي رجل فيكثر غضبه و يثار غضبه و عداوته بادني شئ و لعله لايقتضي كل ذلك الغضب فيلعن الناس بادني شئ و يتبرء عنهم و يعاديهم و يكفرهم و يشبه السباع في طبعه و يخفي عليه وجوه حسن المسامحة و المداراة بل يستقبح ذلك بل يرد علي من ذكر حسنها و يستقبح الاغضاء و العفو و الستر علي الناس و يتقوي عنده ادلة الانتقام و الاخذ و الضرب و البطش و اجراء الحدود و الطيش و الجهاد و الدفاع و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الآراء و المصالح المرسلة و التشديد علي الناس و التكاليف الصعبة و امثال ذلك و اذا غلب البلغم علي رجل يتقوي عنده ادلة المداراة و المداهنة و الاغضاء و المصالحة و الدعة و ترك الناس و الشهوة و الميولات و الاتصالات و العمارات و الخفض و يخفي عليه وجه النهي عن المنكر و الامر بالمعروف و السياسة و اجراء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 17 *»

الحدود و القتل و الغارة و الغضب في الله و الجهاد و ما يناسبها و اذا غلب الدم علي رجل يتقوي عنده ادلة المحبة و الشهوة و الميل و سرعة الغضب و سرعة الاقبال و الادبار و العجلة و الايصال و الاتصال و الارتفاع و علو الهمة و السخاوة و الشجاعة و البطش و الكبرياء و الجلال و امثال ذلك و يخفي عليه وجه الاعراض و الزهد و الادبار و التدبير و الحزم و الصبر علي النوايب و التثبت و التبين و امثال ذلك فاذا صار العقل مقيدا بقيد الطبايع علي ما وصفت يعمي عن الحق العدل الواقع و لايبصره و انت اذا تتبعت تري العقول اغلبها مقهورة بما ذكرنا ،
و لكل رأيت منهم مقاما       ** * **      شرحه في الكتاب مما يطول
و لذا لاتري عقلين متفقين في جميع الامور فاذا كان الامر كذلك لايجوز الاعتماد علي العقول وحدها ما لم‌توزن بالميزان القويم و القسطاس المستقيم و ان ادعت القطع فمن قال ان الدليل العقلي ليس بحجة فقد احسن و اجاد اذا اراد العقول الضعيفة المنصبغة الملوثة و من قال هو حجة فقد صدق و اصاب اذا اراد العقول السليمة الموزونة بالميزان القويم و هو الميزان العدل المعصوم عن الميل الي غير الحق ذو اللسان العدل ،
فدع عنك قول الشافعي و مالك       ** * **      و احمد و المروي عن كعب‌الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم       ** * **      روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
و لما كانت الاحلام ضعيفة و العقول مشيبة وجب في الحكمة نصب علم لم‌يكن مدنسا بهذه المغيرات المبدلات و وجب علي ساير العقول الرجوع اليه فما وافقه يجب اتباعه و ما خالفه يجب اجتنابه سواء كان ذلك في التوحيد او ما دونه الي ارش الخدش و اما ما اجمع عليه العقول بحذافيرها مع اختلاف شوائبها فذلك حق لا مرية فيه و صدق لا ريب يعتريه لان اتفاقها كاشف عن ان حكمها ليس من جهة انغمارها في الشوائب المذكورة بل هو من جهة الفطرة المشتركة بينها التي هي نور الله الذي منه بدئت و اليه تعود و ذلك نظره حق فانه الدين القيم و آية الصراط المستقيم صراط الله الذي له ما في السموات و الارض و لان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 18 *»

فيها حينئذ العقل المعصوم غير المشيب و نظره حجة و اني لك بالظفر بمثل ذلك و لماتحط بها علما و انهم لايزالون مختلفين الا من رحم ربك فلاتعتن بعد ذلك برأي العقل فيما اختلف فيه و ان قطع به ما لم‌يكن مطابقا مع ذلك العقل الذي هو علي الفطرة ،
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا       ** * **      و ان لم‌يكن فهم فيأخذه عنا
و ان قال قائل ان الرجوع الي ذلك الحكم و فهم كلامه ايضا بالعقل و لعل المترافعين يختلفان ايضا في فهم مراد الحكم من قوله فكيف المخلص اقول الحكمة التي اقتضت نصب الحكم اقتضت ان يكون عليه البيان و الابلاغ و الايصال فله الحجة البالغة و الابلاغ فذلك عليه لا علي المترافعين فاذا سلما لامره و ترافعا اليه و رضيا بحكمه فالابلاغ و التفهيم عليه لا علي غيره فيعرفهما الحكم الواقعي بلسان يفهمهما المراد و يوقفهما علي الارشاد و يقطع الاعذار حتي لايبقي لذي مقال مقال و لذي حجة حجة و ذلك لان الحكم حكم بقوله و ابلاغه و تفهيمه فاذا لم‌يفهم حكمه بحيث يقطع الراد اليه انه حكم الله سبحانه فليس بحكم و قد عرفت لزوم الحكم في غير هذا المقام فالقول الفصل في هذه القاعدة انه اذا اتفقت العقول علي شئ كائنا ما كان بالغا ما بلغ هو الحجة التي لا مرية فيها كما روي ان المجمع عليه لا ريب فيه و اما ما اختلفت فيه فيجب رده الي الحاكم المنصوب قال الله سبحانه و ان تنازعتم في شئ فردوه الي الله و الرسول و اولي الامر منكم و قال فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما و عليه البيان و التعريف قال تعالي شأنه و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم الآية ، هذا هو الذي استنبطناه من مشكوة النبوة و اقتبسناه من مصباح الولاية و وزناه بالقسطاس المستقيم و جميع ما في الكتاب و السنة من المناهي عن الرأي و الهوي يكون في الاستبداد بالعقول اذ من استبد برأيه هلك .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 19 *»

قاعدة اعلم ان الحجة البالغة الكاملة لاتقوم لله علي خلقه الا بالعلم و اليقين و ذلك لان خلق الله الخلق لايكون الا لغاية و هي التفضل عليهم و استفادتهم من فضله و جوده و لايمكن وصولهم اليها الا بالدلالة و لا دلالة الا بالامر و النهي و لا امر و لا نهي الا بالفضل و العدل و لايظهران الا بالترغيب و الترهيب و لا ترغيب الا باراءة الفضل و حصول اليقين به و لا ترهيب الا باراءة المخوف المهول و حصول العلم به فان المجهول و المشكوك و المظنون لايرغب اليه و لايرهب عنه لاحتمال ان يكون ما ظن انه مرغوب اليه مرهوبا عنه و بالعكس فلايقوم الايتمار بالامر الا بعد اليقين بالامر و لا الانتهاء عن المنهي الا بعد اليقين بالنهي فانهما عين الدلالة و الدلالة المجهولة و المشكوكة و المظنونة لاتوصل الي الغاية و لاتهيج النفس الي طلبها كما عرفت فوجب تحصيل العلم في كل مكلف به قليلا من كثير و ما في ايدي الناس اليوم لايخلو من امرين امر ليس فيه اختلاف و هو ما يجده الناس بالضرورة التي اضطرت بصايرهم الي التصديق بها و الاذعان لها فهو الحق الذي لا مرية فيه و الصدق الذي لا ريب يعتريه و هو مما دعاهم الله اليه بالسنة ارادته و محال مشيته كما عرفت و امر فيه اختلاف يثبته قوم و ينكره آخرون فما سبيله ذلك وجب في الحكمة المجمع عليها ان ينصب حكما لرفعه و ايقافهم علي الحق الموافق للواقع و تلك الحكمة بعينها تقتضي ان يكون ذلك الحكم مما اجمعوا عليه و وجدوه بالضرورة الحاصلة في قلوبهم لو لم‌ينكروا الحق بعد عرفانه حتي يترافعوا اليه و يرجعوا الي حكمه و يسلموا لامره و تلك الحكمة بعينها تقتضي ان يبين لهم ذلك الحكم ما اختلفوا فيه و يعرفهم الحق فيه و الا لم‌يتحقق لوجوده فائدة ثم لم‌يتحقق لوجود الخلق فائدة و لزم العبث تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا فمحال في الحكمة ان يكل الله قوما مختلفين الي عقولهم و آرائهم و اهوائهم فيقوم بينهم العناد و القتال و التعادي و التبري و لا رافع للخلاف بينهم و لا حاكم بينهم بالقسط فيكون بذلك خلقه عبثا و حكمته ناقصة كما مر فالحكمة الكاملة توجب نصب العلم لكل خلاف واقع و لا بد للناس ان يدعوا عقولهم و آراءهم و اهواءهم في كل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 20 *»

ما اختلفوا فيه و ينفروا الي ذلك العلم المنصوب و العلم المصبوب الذي اضطروا بالضرورة التي وجدوها في بصائرهم الي التصديق به و الاذعان لحكمه و التسليم لامره فمن لم‌يفعل ذلك و قنع بعقله في ما هنالك فقد ضاد الله في سلطانه و خالف نبيه في برهانه و اوصياءه في ايمانه بل قال انا ربكم الاعلي او نبيه المصطفي او من اوصيائه الذين هم في الافق الاعلي لانه يقول اقول في مقابلة قول الله و حكمه و قول النبي و اوصيائه عليهم السلام و بذلك نطق الكتاب و سنة النبي و الائمة الاطياب صلوات الله عليهم و قال سبحانه انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الي الله و رسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا و اطعنا و ليس لهم ان يقولوا ان لنا عقولا و تكفينا و ذم قوما و قال الم‌تر الي الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الي كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولي فريق منهم و هم معرضون و بين و فصل و قال فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الامر الذي فيه اختلاف كائنا ما كان مرده الي حكم من ليس فيه اختلاف و لا محيص عنه الي الآراء و الاهواء و ستتلي عليك من الآيات و الذكر الحكيم في ذلك ما تضطر الي تصديقه ان لم‌تعرض عن الحق فهذه قاعدة اخري تحيي بها موات القلوب و تعيش بها المهج فخذها و كن من الشاكرين و لاوليائه من المسلمين .

قاعدة لما عرفت ان الخلق لايكون الا لغاية و الغاية لاتظهر الا بالدلالة و الدلالة لاتكون الا بالحجة و الحجة لاتقوم الا بالعلم فما دام الخلق مكلفين لا بد و ان تكون الحجة قائمة عليهم و لا بد و ان يكون العلم باقيا بينهم اذ بذهابه من بينهم تبطل الحجة و ببطلانها يفني الدليل و بفنائه يبقي الغاية في الغيب و لم‌تظهر و بعدم ظهورها يحصل العبث في الخلق و هو محال ان يصدر من الحكيم فلا بد و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 21 *»

ان يكون العلم بكل مكلف به في كل عصر باقيا و العلم لايحصل الا من ادلة و امارات محصلة للعلم فلا بد من بقاء الدلائل و الامارات المورثة للعلم في كل عصر و قرن عرفها من طلبها و دخل البيت من بابه و لايجوز في الحكمة خفاء تلك الادلة و الامارات في مر الدهور و الاعصار لان بخفائها بوار العلم و استيصاله و لايحصل العبث من الحكيم فمن زعم خفاء تلك الامارات مطلقا زعم العبث في خلق الحكيم و تعالي عن ذلك علوا كبيرا و انما الناس يتفاضلون في معرفة تلك الامارات و كل من طلبها و اتي البيت من بابه وصل اليها البتة قال الله سبحانه الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا اي لنثيبنهم و من البين ان الثواب لايكون الا علي الطاعة و الطاعة لاتكون الا بالامتثال و الامتثال لايكون الا بايتمار امر صادر عن المطاع لا باتباع الاهواء و الآراء فمن جاهد في الله كما امره الله سبحانه ثوابه معرفة السبل و الوصول اليها و من جاهد في غير الباب الذي امره الله فقد اتي البيت من ظهره و استحق الحرمان فلم‌يهتد الي العلم سبيلا و زعم انسداد بابه نعم الباب مسدود من الظهر مفتوح من الامام و لا بد من السلوك في الطريق المأمور به و امارات العلم و اسبابه تأتي انشاء الله فترقب .

قاعدة اعلم ان الله سبحانه حكيم لايفعل العبث و عالم بخلقه لايجهل شيئا من امرهم مما فيه صلاحهم و به نظامهم في معاشهم و معادهم و انما خلق هذا الخلق كرما و جودا و لطفا و رحمة فلايلعب بهم و لايلهو عنهم و لايهملهم و انما يفعل بهم دائما ما فيه صلاحهم و من جملة ذلك ان بعث فيهم رسلا مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب و الحكمة و علمهم ما لم‌يكونوا يعلمون و هداهم الي ما فيه صلاح انفسهم و ابدانهم و اموالهم و ما يضاف اليهم و ما يقترن بهم و مقتضي ذلك اللطف و تلك العناية ان لايخلي بين اهل الباطل و ما يشتهون من اضلال العباد و الافساد في البلاد و اللبس علي الضعفاء امورهم فان الباطل في خلقته شبيه بالحق كالسفاح و النكاح و الرياء و الاخلاص كما بين الله سبحانه في كتابه من امر الكلمتين و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 22 *»

الزبدين فاذا كان خلق الباطل في صورته لحكمة شبيها بالحق يلتبس علي الضعفاء امره لا محالة و يشتبه علي الناس شأنهما فوجب في الحكمة ان يجعل الله لكل واحد منهما علامة يمتاز بها عن الباطل فجعل للحق دواما و ثباتا و نورا و اتفاقا و اتحادا و حقيقة و للباطل زوالا و انتفاء و ظلمة و اختلافا و تكثرا و فناء و لا شك انه لايشتبه النور بالظلمات و الانتفاء بالثبات و لذا روي ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نورا فلزم في الحكمة ان يخرم الله امر الباطل و يفسده و يبين فساده و بطلانه للمكلفين المرتادين للحق حتي لايخربوا العباد و لايفسدوا في البلاد و قد بين ذلك في كتابه و قال لايفلح الساحرون لايفلح الكافرون لايفلح الظالمون لايفلح المجرمون و قال لايفلح الساحر حيث اتي و قال ان الله لايهدي كيد الخائنين و قال ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لايصلح عمل المفسدين و قال بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون و قال جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قال و يريد الله ان يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ليحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المجرمون و قال الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون و قال ان الذين يفترون علي الله الكذب لايفلحون و قال ويلكم لاتفتروا علي الله كذبا فيسحتكم بعذاب و قد خاب من افتري و قال خاب كل جبار عنيد و قال و قد خاب من حمل ظلما و قال قد افلح من زكيها و قد خاب من دسيها و قال و الله لايهدي القوم الكافرين و الله لايهدي القوم الظالمين ان الله لايهدي القوم الفاسقين ، و عن المحاسن عن الصادق عليه السلام ليس من باطل يقوم بازاء الحق الا غلب الحق الباطل و ذلك قول الله بل نقذف بالحق علي الباطل الي غير ذلك من الآيات و الاخبار و هي كثيرة لمن جاس خلال الديار فاذا كان لايفلح الساحر و الكافر و الظالم و المجرم و الخائن و الكاذب و لايصلح الله عمل المفسد و يقذف بالحق علي الباطل و يكون الباطل زهوقا و يقطع دابر الكافر و يبطل الباطل و يخيب المفتري و كل جبار عنيد و من حمل ظلما و لايثيب الله الكافر و الظالم و الفاسق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 23 *»

فلايبقي اشتباه في الحق و الباطل و المطوق و العاطل و لايستوي الظلمات و النور و لا الظل و لا الحرور و لا الاحياء و لا الاموات و هذه القاعدة و الآيات و الاخبار عامة في كل جزئي و كلي بحيث لايشذ عنها شاذ و علي ذلك بناء العالم و اساس عيش بني آدم و لولا ذلك لم‌يقم للحق سوق و لم‌يثبت له عمود و لم‌يخضر له عود و انت لو حفظت هذه القاعدة لم‌تشق ابدا من امر التوحيد فما دونه الي ارش الخدش و هذه القاعدة من اشرف القواعد و اكرم الفوايد و هي اصل كل خير و سنخ كل نور فاحفظها و كن من الشاكرين و بها تثبت نبوة الانبياء و امامة الاصفياء و ولاية الاولياء و عدالة العدول و فقه الفقهاء و ايمان المؤمنين و شرايع المتشرعين الي غير ذلك فاحفظها و اعرف قدرها و اغل مهرها .

قاعدة اعلم ان الذي يحتاج اليه العبد اما له قدرة في الصنع فيه او ليس له قدرة في الصنع فيه اما الاول فهو موكول الي العبد و ان كان هو ايضا بمبادي ليس للعبد فيها صنع و بمشية لله سبحانه هي روح صنع العبد علي التفصيل المقرر في مقامه و انما وكل الله ذلك الي العبد ليخرجه عن حد البطالة و الاضاعة و الغي و التعطيل لطفا منه سبحانه في تدبيره و ذلك كالزرع مثلا فان العبد يمكنه اثارة الارض و نثر الحب و السقي بعد اجراء المياه و حفر القني و الآبار و امثال ذلك و قد يحمل الله بعض ذلك عن العبد لطفا منه و كرما و اما ما ليس له صنع فيه فان الله سبحانه قد تكفل ذلك باسباب اخر و كفي العبد مؤنته و لم‌يكل اليه شيئا من ذلك كاجراء الافلاك و تسيير الكواكب و اجراء الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الارض و انبات النبات و خلق الجنين مثلا و امثال ذلك فقد تكفل الله هذه الامور باسباب اخر فوق صنع العبد تجري بامر الله و لا صنع للعبد فيها و هذه الكلية جارية في التشريع كما هي سارية في التكوين ففي التشريع ايضا امور للعبد فيها صنع و قد وكل الله اليه امره بمشيته و يجب عليه العمل به و ان كان القدر روح عمله لايعمل الا به و ذلك كالتدبر و التفكر و النظر و الجد و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 24 *»

الطلب من اهله و محله و مجالسة اهل العلم و مسائلتهم و امثال ذلك و اما الخفايا و البواطن الغيبية التي لايعلم بها العبد مما لا صنع له فيها و له حاجة فيها ففي الحكمة تكفل الله سبحانه امر ذلك باسباب اخر و وكل بها اسبابا اخر لها صنع فيها مثلا ان العبد يقدر ان يطلب بعثة النبي و يصغي الي مدعيه و يطلبه و لكن لايقدر علي معرفة المحق و المبطل و السحر و المعجز فانما ذلك علي الله سبحانه فان العبد يحتاج الي معرفة ذلك و لا صنع له فيها و لايقدر علي الكشف عن حقيقتها فذلك علي الله ان يقرر الحق و يبطل الباطل ليسد حاجة عبده كما كان يحتاج الي الحنطة و عمل ما له الصنع فيه من نثر البذر و اثارة الارض و السقي و اما ما لم‌يكن له الصنع فيه كالانبات تكفله الله سبحانه له و انبته كذلك في معرفة النبي و الائمة عليهم السلام اذا صنع العبد ما له فيه صنع فالباقي الذي لا صنع فيه من معرفة الحق و الباطل علي الله سبحانه و يجمع ذلك كله قوله سبحانه لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف الله نفسا الا ما آتاها و قوله ماجعل عليكم في الدين من حرج ، و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام المعرفة من صنع من هي قال من صنع الله عز و جل و ليس للعباد فيها صنع و قال ليس لله علي خلقه ان يعرفوا قبل ان يعرفهم و للخلق علي الله ان يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان يقبلوه و قال لرجل اكتب ان من قولنا ان الله يحتج علي العباد بما آتاهم و عرفهم الي ان قال و ماامروا الا بدون سعتهم و كل شئ لايسعون له فهو موضوع عنهم و لكن اكثر الناس لا خير فيهم و قيل له اصلحك الله هل جعلت في الناس اداة ينالون بها المعرفة فقال لا فقيل فهل كلفوا المعرفة قال لا علي الله البيان لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف نفسا الا ما آتاها و قال عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قال كل شئ امر الناس به فهم يسعون له و كل شئ لايسعون له فهو موضوع عنهم الي غير ذلك من الآيات و الاخبار و كذا القول في اقوال الحجج و شرايعهم فانما علي العبد اخذ الرواية عن الرواة و النظر فيها بقدر ما له فيه صنع كالعرض علي الكتاب المستجمع علي تأويله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 25 *»

و السنة الجامعة غير المتفرقة و ما علم من اجماع العامة في عصر صدور الخبر ان علم و ذلك غالبا لايعلم الا من نفس الخبر الصادر تقية او خبر آخر و الاخذ عن الثقة او غير الثقة مع عدم صاد عنه مانع عن العمل به و امثال ذلك فان لنا صنعا في هذه الموارد و ان لنا علما قطعيا بها اذا كانت علي ما وصفنا فما علمنا بحسب الاسباب المعدة لذلك المقدورة لنا صحة الاخبار نعمل به و ما لم‌نقدر عليه و ليس لنا صنع فيه فذلك علي الله سبحانه و علي الحجج كالبيان و التعريف و حفظ الدين عن شرايد الملبسين و تحريف المحرفين و دس الداسين و تغيير المغيرين و كذب المفترين فذلك مما ليس لنا صنع فيه و لانقدر عليه و لانعلم به ابدا لاسيما بعد الف سنة و ازيد فذلك علي الله سبحانه لا علي غيره قال تعالي شأنه انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و قال اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و قال ان علينا جمعه و قرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه فنحن اليوم لانعرف الحديث المدسوس فيه و غيره و المكذوب و غيره و المحرف و غيره و المغير و غيره فحفظ ذلك و ايقاعنا علي الحق علي الله سبحانه فانا محتاجون الي ذلك و لانقدر علي ذلك مثل ساير ما يقوم به حيوتنا و بقاؤنا و لانقدر عليه و قد تكفله الله سبحانه ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فعلينا ان نأتي بما كلفنا و علي الله ان يأتي بما تحمل و قد يأتي و علي هذا الاصل الاصيل يسهل الخطب و يهون الامر قال الصادق عليه السلام من عمل بما علم كفي ما لايعلم فادخل مدينة الشريعة بقلب بارد ساكن و لاتخش شيئا من دس الداسين و تحريف المحرفين و كذب المفترين و ايدي الملبسين و اعلم يقينا ان لك معقبات من خلفك و رقيبا من بين يديك يحفظونك من امر الله قال ابوعبدالله عليه السلام ان الارض لاتخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون شيئا ردهم و ان نقصوا شيئا اتمه لهم و عن احدهما عليهما السلام ان الله لم‌يدع الارض بغير عالم و لولا ذلك لم‌يعرف الحق من الباطل و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان جبرئيل نزل علي محمد صلي الله عليه و آله يخبر من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 26 *»

ربه عز و جل فقال يا محمد لم‌اترك الارض الا و فيها عالم يعرف طاعتي و هداي و يكون نجاة فيما بين قبض النبي الي خروج النبي الآخر و لم‌اكن اترك ابليس يضل الناس و ليس في الارض حجة داع الي و هاد الي سبيلي و عارف بامري و اني قد قضيت لكل قوم هاديا اهدي به السعداء و يكون حجة علي الاشقياء و قال ابوجعفر عليه السلام ان الله لم‌يدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان من دين الله عز و جل فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم و اذا نقصوا اكمله لهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و قال ابوعبدالله عليه السلام ان الله لايدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم فاذا نقصوا اكمله لهم فقال خذوه كاملا و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لم‌يفرق بين الحق و الباطل و عن الحجة عليه السلام انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء الي غير ذلك من الاخبار فقد تبين و ظهر ان من اتي بما علم و قدر من امر الشرايع كفاه الله امر ما لايعلم و لايقدر و يوقفه علي الحق و الصواب انه كريم وهاب و احفظ هذه القاعدة في كل باب .

قاعدة اعلم ان الله سبحانه هو المفيض الحق و الغني المطلق و القاضي لحاجة ما سواه و الممد لما عداه و لا شئ لاحد دونه الا بعطائه و لا قدرة لاحد سواه علي شئ الا به فهو الضار النافع و المعطي المانع و لا سواه فكما ليس لسواه وجود الا به كذلك لا علم لاحد الا بتعليمه و لا فهم لاحد الا بتفهيمه و تعليمه و تفهيمه باسباب قدرها و جعلها للتعليم و هم الانبياء و الرسل و الائمة عليهم السلام فبهم يعلم الله من سواهم و يعلمهم كما شاء و اراد فلا علم لاحد من دون هؤلاء الا بتعليمهم و هدايتم و ارشادهم قال الله سبحانه انما انت منذر و لكل قوم هاد و قال هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 27 *»

الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين و قال فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و لايعلمون لانه يقول اخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئا و قال و ان كانوا من قبل لفي ضلال مبين و قال و مااوتيتم من العلم الا قليلا اي قليلا منكم و هم الائمة عليهم السلام و الحجج فلا احد يعلم شيئا الا بتعليم الله سبحانه قال تعالي لايحيطون بشئ من علمه الا بما شاء و ما شاء ان يحيطوا به من علمه فانما شاءه باسبابه و هم الحجج عليهم السلام و الفاقد لشئ لايسعه تحصيل ما يفقده من عند نفسه لانه ليس له اداة يناله بها الا ان يعطيه غيره فالجاهل لايسعه تحصيل العلم لنفسه من غير الاخذ من عالم و الله سبحانه عدل لايجور لايحتج علي العباد بما يجهلون و لايكلفهم ما لايطيقون و قد قال سبحانه لايكلف الله نفسا الا وسعها و ليس في وسع الجاهل تحصيل العلم لنفسه و قال لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و لم‌يؤت الجاهل شيئا و لو كان آتاه لماكان جاهلا فلا شئ علي الجاهل و لا تكليف عليه ابدا حتي يعلم و يعرف فيكلف بقدر ما علم و عرف فلذلك ارسل اليهم الرسل و انزل عليهم الكتب و احتج عليهم بهم و بما علمهم و لم‌يكونوا لو لم‌يرسل الرسل مكلفين بان يبحثوا عن دين لهم يتدينون به اذا لم‌يكونوا يعرفون ما الرب و ما الدين و ما التكليف قال الصادق عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و قال كل شئ لايسعون له فهو موضوع عنهم و قال اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شئ عليه و قال ابوابرهيم عليه السلام في قوله تعالي قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين مبلغ الحجة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمه العالم بعلمه لان الله تعالي عدل لايجور يحتج علي خلقه ما يعلمون يدعوهم الي ما يعرفون لا الي ما يجهلون و ينكرون و في الدعاء و اي جهل لايسعه جودك الدعاء ، فالناس ما داموا جاهلين معذورون لا تكليف عليهم و لا حجة و قد جعل الله غفلة الناس عذرا و قال ان تقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين هذا مع انه ليس من العدل عقلا و نقلا ان يؤاخذ الجاهل الغافل علي ما ارتكب تعالي الله عن ذلك علوا كبيرا قال الله سبحانه و ماكنا معذبين حتي نبعث

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 28 *»

رسولا فمحض ارسال الرسل و انزال الكتب دليل علي ان الله سبحانه لم‌يرض لهم جهالتهم و لم‌يكلفهم بجهلهم و لم‌يحتج عليهم به و جهالة العباد ثابتة ما لم‌يعلمهم الله سبحانه فكما كان علم الخير و الشر و النفع و الضر و الحلال و الحرام عند الله سبحانه معلوما و لكن ما لم‌يظهره لعبيده كانوا جاهلين و كانوا معذورين غير مكلفين بشئ منه حتي يظهره لهم كذلك بعد ما انزله الي رسوله و عرفه اياه و لم‌يظهر الرسول للعباد لمصالحهم و عدم تحملهم فهم بعد تعليم الله رسوله و عدم تعليم الرسول امته جاهلون معذورون غير مكلفين بشئ حتي يعلمهم الرسول كما كان في بدو الاسلام يعلم النبي صلي الله عليه و آله جميع الشرايع و الاحكام لانه كان نبيا و آدم بين الماء و الطين و لم‌يكن احد مكلفا ان يجتهد بنفسه لنفسه صلوة و لا صوما و لا عبادة حتي يعلمهم النبي صلي الله عليه و آله بل لم‌يكن لهم ان يسئلوه عن تكليف جديد و لم‌يكن ذلك من طلب العلم بل هو من باب الاقتراف و استعجال ما لم‌يحن وقته و الي ذلك يشير ما عن المجمع قال سأل رجل رسول الله صلي الله عليه و آله عن الحج افي كل عام يا رسول الله فاعرض عنه حتي عاد مرتين او ثلثا فقال رسول الله صلي الله عليه و آله ويحك و ما يؤمنك ان اقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت و لو وجبت مااستطعتم و لو تركتم كفرتم فاتركوني ما تركتكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم و اختلافهم علي انبيائهم فاذا امرتكم بشئ فاتوا منه ما استطعتم و اذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه انتهي ، و الي ذلك يشير قوله تعالي لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم اي عن اشياء لم‌تبد لكم ان تبد لكم تسؤكم بالجملة ليس طلب العلم الفحص عما لم‌يكلف العبد به و انما هو طلب التكليف و لا تكليف الا بعد امر النبي اياهم و نهيه و هما بعد الاظهار و الابراز فالتكاليف ليست الا ما ظهرت و الخير و الشر و النفع و الضر كثير مخزون عند النبي صلي الله عليه و آله ما لم‌يظهر و ليس ذلك بتكليف العباد و كذلك اذا اودعه النبي صلي الله عليه و آله وصيه و علمه اياه و اوصاه ان يظهر كل مسئلة في وقت خاص لايق بها و لايظهرها قبل ذلك و لايكتمها بعد ذلك فكلما هو مخزون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 29 *»

عند الوصي و لم‌يظهره علي حسب الوصية ليس للعباد الفحص عنه و هم باقون في جهالتهم به ما لم‌يظهر معذورون في جهلهم و ليس عليهم العمل به و توخيه و الاحتياط فيه و ليس ذلك من المتشابهات كما زعمته الاخباريون و جعلوا ما لا نص فيه من المتشابهات و اوجبوا الاحتياط فيه و جعلوا له حكما كما لم‌يكن ما كان عند النبي صلي الله عليه و آله مخزونا قبل البعثة و لمايظهره من المتشابهات و لم‌يكن تكليف احد تكلفه و كما لم‌يكن ما كان عند الله تعالي مخزونا تكليف احد قبل بعثه الرسل و لله الحجة البالغة و البالغة ان تبلغ المكلف فما زعموه انه قد ورد الامر بالاحتياط و التوقف فيما لم‌يظهروه اشتباه محض فانه لم‌يرد خبر بازيد من التوقف في المتشابهات و ليس فيها ان المتشابه ما لا نص فيه بل المقبولة الحنظلية لامحة بانه ما ورد فيه نصان متعارضان و اشتبه الحق بالباطل و عجز المستنبط عن الترجيح و هو كذلك فان الشبهة ما اشتبه الامر فيه و الاشتباه لايحصل الا بقيام دليلين علي شئ واحد و اما ما لا دليل عليه فهو مجهول و لذا ورد الاثر في ذلك انه مطلق كما روي عن الصادق عليه السلام كل شئ لك مطلق حتي يرد فيه نص و عنه عليه السلام الاشياء مطلقة ما لم‌يرد عليك امر او نهي و عنه عليه السلام كل شئ مطلق حتي يرد فيه نهي و عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله ان الله تعالي حد لكم حدودا فلاتعتدوها و فرض عليكم فرائض فلاتضيعوها و سن لكم سننا فاتبعوها و حرم عليكم حرمات فلاتنتهكوها و عفا لكم عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتتكلفوها و عن الصادق عليه السلام ان عليا عليه السلام كان يقول ابهموا ما ابهمه الله و عنه عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم الي غير ذلك من الاخبار و يأتي تفصيلها فيما بعد ذلك انشاء الله فما كان عند الائمة عليهم السلام موجودا و لم‌ينصوا عليه لم‌يكن تكليف احد الفحص عنه و التكلف له و الاحتياط فيه اذ لا تكليف الا بالبيان و لم‌يبينوا و عليهم البيان و كذلك ما نصوا عليه عليهم السلام و بينوه لواحد من رعيتهم او اكثر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 30 *»

الا انه لم‌يصل الينا بعد فلسنا بمكلفين بشئ منه و لم‌يجب علينا الاحتياط فيه و ليس ذلك من الشبهات اذ نحن باقون علي جهالتنا و لله الحجة البالغة و لم‌يبلغ تكليفنا الينا فذلك ايضا مطلق علينا و قد قال الله سبحانه و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون ، و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان الله يحتج علي العباد بما آتاهم و عرفهم و سئل ابوعبدالله عليه السلام عمن لايعرف شيئا هل عليه شئ قال لا و قال عليه السلام كلما غلب الله عليه من امر فالله اعذر لعبده و هذا من الابواب التي يفتح كل باب منها الف باب و قال من عمل بما علم كفي ما لايعلم و في حديث المرفوعات منها ما لايعلمون و قال ان الله عز و جل احتج علي الناس بما آتاهم و عرفهم و قال ليس لله علي خلقه ان يعرفوا قبل ان يعرفهم و للخلق علي الله ان يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان يقبلوه و قال ان الله يحتج علي الناس بما آتاهم و عرفهم الخبر ، قال الله عز و جل لايكلف الله نفسا الا ما آتاها فاذا كلما علم الله سبحانه و لم‌يوح به او اوحي الله سبحانه الي نبيه و لم‌يبلغه لعدم صلاح الزمان و حلول وقته او بلغه الي الوصي بعده و لم‌يظهره تقية و عدم تحمل الوقت و اهله او بلغه و اظهره و لم‌يصل الينا بعد موسع علينا و لا تكليف لنا فيه و السبيل فيه قوله عليه السلام كل شئ لك مطلق حتي يرد فيه نص و ليس بشبهة بل هو مجهول و الشبهة ما قام عليه دليلان و اشتبه و سيأتي بيان ذلك مفصلا في قاعدة مخصوصة فترقب .

قاعدة اعلم ان الامور ثلثة و من لم‌يعرف الفرق بينها هو في امره مختلط و يكون دائما علي شبهة و ارتياب و هي عقلي و عادي و شرعي فانها اما تقليدي تسليمي او استدلالي اجتهادي فالاول هو الشرعي و الثاني اما متعلقه الكليات فهو العقلي او الجزئيات و هو العادي و علي هذه الثلثة مدار العالم و اساس عيش بني آدم فالامر العقلي هو الكلي الذي ينبغي ان يعرف بالعقل و مدركه العقل و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 31 *»

يستدل عليه بالعقل بادلة قطعية لايحتمل النقيض في الواقع مورثة ليقين لا شك فيه و لا ريب يعتريه بحيث لو اجتمع عليه اهل الدنيا و انكروا عليه ذلك لرد الكل و استبد برأيه و ليست ادلة ذلك ما هو مقرر في كتب اهل المجادلة من القياسات الاقترانية و الاستثنائية و امثالها فانها لاتورث اليقين و انما تورث عجز النفس عن القول بغير المطلوب و اقامة الدليل علي خلافه و مع ذلك حين يرجع الي قلبه يري فيه الاضطراب و احتمال عدم موافقة الواقع فغاية امر هؤلاء العجز عن الاستدلال علي خلاف الامر المثبت بها و العجز عن نقض الدليل و منعه او رده و ان كان قلبه بعد في قلق و اضطراب فالمثبت بهذه الادلة ليس بقطعي تسكن النفس اليه و تقطع بانه موافق للواقع و ليس لاقوي منه في العلم رده او النقض عليه او منعه و انما ادلة ذلك الموعظة الحسنة كما قررناه في محله و يأتي في قاعدة علي‌حدة و هذا الامر هو امر العقائد فانه يجب فيها اليقين و لايكفي فيها العجز عن الرد مع اضطراب النفس و لايجوز رد الدليل العقلي بالعاديات و لايرد الا بمثله اذ لايزول القطع العقلي بالعادي و انما يزول بعقلي مثله فافهم و الامر العادي هو الجزئي الذي يعرف بالعادة و مدركه النفس و يستدل عليه بالعاديات المورثة للقطع العادي و تسكن النفس اليه عادة و ان كان اذا راجع عقله و استعمل فيه العقل احتمل فيه بالاحتمال العقلي مخالفة الواقع و اضطرب فيه بسبب ذلك و ذلك كالعلم الحاصل من اخبار الثقة و العدلين و التواتر و الشياع و المحسوسات و العرف و غير ذلك فان النفس تسكن الي اخبارهم بحسب العادة و تطمئن و ان كان اذا راجع عقله احتمل عقلا كذب الثقة و العدلين و تواطؤ القوم علي الكذب او اشتباههم او سهوهم و عدم امتناع شئ من ذلك بل ربما يحصل هذا العلم بسبب القرائن و خط الثقة و ختمه بل ربما يحصل من اخبار الاطفال و الفساق اذا انضم اليها القرائن و المشركين و الكفار و المنافقين و غيرهم و علي هذا القطع العادي اساس العالم و مدار عيش بني آدم و لولا العمل بهذا القطع في الامور العادية لضاق بهم الخناق و اعتسر عليهم الامور و اشتدت و لزم الحرج الشديد و لايمكن لاحد المشي في امر من الامور اذ ليس يمكن لاحد الاستدلال بالعقل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 32 *»

في الجزئيات فان شأنه درك الكليات و الاستدلال عليها علي النهج الكلي و امور العالم غير جارية علي النهج الكلي لاجل العوارض العارضة لكل جزئي جزئي و اختلافها بسبب العوارض فخلق الله سبحانه لاجل درك الجزئيات مدرك النفس المدركة للجزئيات فتعرف بها و تستدل فيها بالعاديات كما قررنا و تسكن اليها اذا حصل العلم العادي بها و لايجوز نقض الدليل العادي و لا منعه و لا رده الا بعادي مثله مثلا اذا اخبر ثقة اي من يوثق به بخبر و حصل العلم العادي لايجوز رده بانه ليس بمعصوم و يحتمل فيه الكذب و السهو و النسيان و الخطاء فلايجوز الركون الي خبره فان ذلك رد عقلي لا عادي و الانسان يحصل له العلم عادة باخبار الثقة قهرا نعم يمكن الرد بان يقال ان ثقة آخر اخبر بخلاف هذا الثقة او قامت القرائن علي كذب هذا الثقة فان بذلك يمكن رد هذا الدليل فانه عادي مثله و يجتمع العلم العادي مع الشك و الظن العقلي و لا حرج و لا تنافي فافهم و الامر الشرعي هو الذي يعرف بالشرع سواء كان كليا ام جزئيا و دليله الشرع و مدركه النفس و لكن تستدل عليه بالشرع فيثبت الامر الشرعي بالدليل الشرعي سواء حصل اليقين العقلي او العادي به ام لم‌يحصل و لايجوز النقض عليه و الرد له الا بامر شرعي و دليل شرعي آخر مثله و لايرد بالعقلي و العادي ابدا بعد ثبوته بالشرعي فان الشرع ميزان العقل لا العكس و بعد مخالفتهما نعلم خطاء العقل فالذين يردون الشرعي بالعقلي خاطئون فان العقول ليست بمعصومة بعد ما شابت بالاعراض و الامراض كما قدمنا في قاعدة و العقل الذي لايخالف الشرع هو العقل المعصوم و هو عقل المعصوم لا غيره مثلا اذا شك الانسان في صلوته هل هو في الثالثة او في الرابعة قام الدليل الشرعي علي انه يجب البناء علي الاربع و مع الظن بالثلث يبني علي الثلث و يجب ان يعتقد شرعا انه علي ما بني مع انه لايقطع عقلا و لا عادة انها اربع او ثلث و لكن يقطع شرعا انه اربع اذا بني عليها و ثلث اذا بني عليها و لايجوز رده بالعقل او العادة بعد ثبوت لزوم هذا الاعتقاد بالشرع و لايرد الا بشرعي مثله بان يستدل له بحديث آخر و دليل شرعي آخر علي جواز البناء علي الاقل حين الشك و كذا اذا شك في ثوبه الطاهر هل اصابه نجس ام لا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 33 *»

يجب الاعتقاد بطهارته شرعا مع انه لايقطع عقلا و لا عادة بطهارته فلايرد عليه بدليل عقلي و لا عادي و انما يرد بدليل شرعي آخر و هكذا باقي احكام الشرع فيشترط في كلها العلم الشرعي و الدليل الشرعي و لا راد لها الا الشرعي و يجتمع هذا العلم مع الشك و الظن العقليين و العاديين و لا حرج و لا تنافي فافهم راشدا موفقا فانها قاعدة سديدة مأخوذة من مخازن العلم و معادن الحكم و لا تخلص الا بها و لا راحة الا فيها .

قاعدة اعلم ان اثبات الازل تعالي قدره و معرفة النبي المطلق و الحجة المطلقة من العقليات يجب الاستدلال عليها بالعقل القاطع و معرفة النبي الشخصي و ان كان يمكن بالعقليات في الخاتم و الفاتح و لكن لايجب معرفة الاشخاص بالعقليات و تكفي بالعاديات و هي محلها العام للمكلفين جملة و ثبوت شرايعهم و اخبارهم و آثارهم و اقوالهم و افعالهم و احوالهم من العاديات ليس للعقليات فيه مدخل الا بعضها لبعض و ليس تكليف العامة و يجب معرفتها بالعاديات و الاستدلال عليها بها و ان احتمل في كل شئ منه الف شك و ظن عقلي فكلها ليس بشئ و انما يعتبر فيها العلم العادي و الدليل العادي و اذ لم‌يمكن الاستدلال عليها بالعقلي و لم‌يكن تكليف احد ان يستدل عليها بالعقلي فاي ضرر في الشك العقلي و الظن العقلي فيه اذا كانا لايرفعان الا بدليل يقيني عقلي و هو مما لايمكن ان يؤتي بها و لايكلف الله نفسا الا وسعها و ما آتاها و عرفها و ثبوت احكام الشرايع و التكاليف بالشرعيات و هي تعبدية ليس للعقل و العادة في نفسها مدخل للعامة و يكفي فيها الاخذ بالشرعيات و هي الاصل في الباب و الميزان فان وافقها العقل و العادة و الا فالمرجع فيها الشرعيات و العمل بالشرايع و استبراء الذمة منها من العاديات ليس للعقل فيها مدخل فمن اخذ بما ذكرت هدي و رشد و استراح و اتي بما عليه و من لم‌يفعل فلنفسه اتعب و لبنيان دينه خرب و هلك من حيث لايعلم فمن رام اثبات الازل و معرفة النبي المطلق بغير العقليات فقد اخذ دينه بالتقليد قبل ان يؤسس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 34 *»

بنيانه فاختطفته ايدي الرجال و ساء به الحال و ضل في المآل و من رام معرفة الاشخاص بالعقليات المحضة و هو قاصر عنها بل عامة المكلفين قاصرون عن تلك ضل في بوادي الضلالة تائها و بات علي جناح الهلاكة حيران و لم‌يفز بالمراد لما ليس فيه لذلك من الاستعداد و انما سبيل معرفة الاشخاص هو العاديات و تعرف بها و تسكن النفس اليها لان مرجع كثير من العاديات الي البديهيات و المحسوسات و من البديهي سكون النفس الي البديهيات مع انها ليست بعقليات و يحتمل فيها الاحتمالات العقلية و لايمكن ردها بالعاديات و لايقام عليها العقليات و مع ذلك تسكن النفس اليها و تطمئن بحيث تزول الجبال و لم‌تزل و ان كان تختلف مراتب العلم العادي في القوة و الضعف كما هو محسوس و لكن كلها علم عادي عليه المدار في جميع الاعصار و كذلك معرفة اخبارهم و آثارهم و ما ذكرنا من العاديات فمن رام معرفتها بالعقليات فقد تردد في بوادي الريب ابدا و تلجلج في مسالك الشك سرمدا اذ لايمكن ان يقام عليها دليل عقلي يمتنع خلاف مدلوله عقلا بل ليس للعقل فيها مدخل و لاينبغي ان يستعمل فيها فانها من الجزئيات و مدرك العقل كلي يدرك الكليات الاتري انك تري بعينك الشمس طالعة و تقطع به و تتيقن و لاتقدر ان تأتي بدليل عقلي يمتنع خلاف مدلوله انها طالعة في تلك الحالة و انك لست بساه و لا لاه و لم‌يشتبه عليك و ليس في عينك مرض و لست بنائم و يحتمل عقلا مع قطع النظر عن العادة جميع هذه الاحتمالات و لا رافع لها من العقل و مع ذلك تقطع بطلوعها بحيث لاتشك بل الناس يسمون الشاك في طلوعها حينئذ موسوسا او مريضا بمرض الجنون و الماليخوليا او مكابرا و هو كذلك و لربما يبتلي الانسان بهذا المرض فلايكاد يقطع بامر عادي ابدا و يحتمل في كل امر محسوس عادي الاحتمالات العقلية فلايكاد يسكن الي شئ و انما يحصل هذا المرض لكثير من الطلبة حتي يضيع عنهم العرف و العادة فلاتسكن نفوسهم الي شئ سمعوه او رأوه حتي اني سمعت من بعضهم و هو يعد نفسه من عرض العلماء يقول في مقام سد باب العلم و وجوب العمل بالظن ان المشافه للامام السامع من فلق فيه ايضا ماكان يحصل له العلم بمدلول كلامه و انما كان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 35 *»

يعمل بالظن انظر ان التعمق في كلام العامة و دخول البيت من غير بابه الي اي مقام يؤدي فهم الانسان و كيف يعوجه و شتان ما بين هذا القول و بين قول من يقول الآن يحصل العلم من الاخبار و الحق مع هؤلاء الاخيار فان العلم العادي يمكن تحصيله كما نجد في انفسنا بداهة فهم المراد من كتب التواريخ و ساير الكتب المصنفة للعلماء رضوان الله عليهم و كتب المعاصرين للائمة عليهم السلام بل و قبلهم و لانتوقف في شئ من ذلك و لايختلج في قلوبنا شك و لا ارتياب بل نتلقاها بارد القلب ثلج الفؤاد مع انه ربما يحصل لنا التردد في المراد في بعض الاحيان و لانقطع بمراده من العبارة و مع ذلك لايمنعنا من القطع في الباقي و علي ذلك مدارنا في جميع الاعصار و لا شك ان الفرق بين العلم و الظن و الشك ان القلب ساكن في العلم غير محتمل لخلافه و في الظن و الشك متلجلج غير مستقر و في جميع ما ذكرنا قلب غير المبتلي بهذه الامراض ساكن مطمئن و علي ذلك مضت الدهور و تقضت القرون و تكالم الناس و تكاتبوا من عصر آدم الي يومنا هذا و هم ساكنوا القلب مع انه قد يحصل لهم الاضطراب في بعض المقامات و لايمنعهم ذلك من القطع في الباقي فهذه الوساوس من الشيطان و يريد ان يستفز الانسان و يزعزع قلبه عن القطع في الايمان فان في العمل بسكون القلب اثرا عظيما و في تزلزل القلب للشيطان مدخل عجيب كما حققناه في محله و يأتي لحصول العلم من الاخبار قاعدة مخصوصة فترقب فالواجب ان يسلك في فهم الآثار و الاخبار و اثباتها طرق العاديات و لايجري الاحتمالات العقلية بوجه من الوجوه و يجب ان يعمل بها سواء كان العقل مع ذلك متيقنا او ظانا او شاكا يعني سواء كان الدليل العقلي قائما بحيث يمتنع خلاف مدلوله او قام علي خلاف مدلوله ايضا دليل عقلي آخر الا انه مرجوح او قام علي خلافه ايضا دليل مساو له فانه ليس مدرك ذلك العقل بوجه من الوجوه و انما مثل ذلك انه يجب العمل بقول الفقيه سواء رضي به غيره او لم‌يرض و لكن اصحابنا رضوان الله عليهم اجروا في العاديات العقليات فاختلط الامر علي اكثرهم فانسد عليهم باب العلم و اوجبوا العمل بالظن مع انه عند التحقيق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 36 *»

لايحصل ظن لهم فانك لو شككت بوجود زيد في الدار فقلت انه لم‌يكن قبل اليوم فيها فبحكم الاصل عدم دخوله فيها ليس الآن في الدار لايحصل للانسان ظن بعدم دخوله فيها و كذا لو علمت بوجوده فيها و شككت في اول دخوله و قلت الاصل في وجود الحادث التأخر فلم‌يدخلها الي الآن و انما دخلها حين ما التفتنا فانه آخر جزء من الزمان السابق لايحصل لك ظن بدخوله في تلك الساعة و انما هي صرف قاعدة اجريتها لا اثر لها في النفس و انت باق علي شكك لو انصفت فكذلك بمحض قولك ان الاصل عدم التحريف و عدم الدس و عدم السهو و عدم نقل الكلمات عن معانيها و عدم المجاز و عدم الاضمار و عدم الاشتراك و عدم السقوط من قلم النساخ و عدم التقية و هكذا لايحصل لك ظن بانه لم‌يقع شئ من ذلك فان ذلك قاعدة حكمية وضعية لايورث في النفس شيئا ففي الحقيقة لا علم لهم و لا ظن بصحة صدور الاخبار عن الائمة الاطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار و كذلك يجري هذه الاصول في كتب اصحابنا المتقدمين و المتأخرين التي يستنبطون منها الاجماع و الشهرة فتلك الكتب ايضا يحتمل فيها و في كلماتها جميع ذلك و لا بد من اثبات تلك الاصول كما قالوا ان لفظ الخبر لايجوز العمل به الا بعد اثبات اصول عشرة منها ما ذكرنا فكتب الاصحاب ايضا كذلك و انت تعلم ان محل استنباط القرائن للاخبار و لاقوال العلماء الاخيار الكتب و الكتب الفاظ لا بد في جواز الركون اليها من اثبات الاصول العشرة و قد عرفت ان تلك الاصول لاتنبئ عن الواقع و انما هي قاعدة موضوعة لاتفيد علما و لا ظنا فصارت القرائن و الشهرة و الاجماع ايضا مشكوكة و الاصول غير مفيدة للظن اللهم الا ان يحصل لهم من الخارج و من تضاعيف هذه المشكوكات امور و قرائن ظنية و انما كل تلك المحنة لاجراء الاحتمالات العقلية في الامور العادية و ليسوا كذلك في غير امور فقههم فانهم يأتيهم الكتب و الخطوط من الاطراف فيقرؤن و يعملون بها عن علم و يقين و يكالمون الناس و يحولون و يضمنون و يسمعون الاقارير و الشهود و يعملون بها علي الفطرة مع غفلتهم عن تلك الشبهات و لما كان تفقههم موضع توجه و تعمد و التفات الي تلك الشبهات يخدش في قلوبهم جميع ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 37 *»

حتي يبلغ الرجل منهم حيث يضيع عنه المفاهيم العرفية و يشتبه عليه الامور العادية و الواجب عليهم اصلاح النفس و ردعها عن هذه الشبهات و اما الاحكام التي وضعها الشارع فانها تثبت بعد ما عرفته بالدليل العقلي و حصلت آثاره بالعادة المعروفة و فهمت معانيها علي حسب العرف و العادة فاذا ثبت المراد حصل العلم العادي بمراد الشارع مثل ما يحصل العلم بمراد المورخين من كتبهم و بمراد النحويين و الصرفيين و الحكماء و غيرهم من الشعراء و الادباء من كتبهم و هذا العلم قد يجتمع مع الظن العقلي و شكه و وهمه و لا ضير فان الواجب هو العمل بالعلم العادي و اليقين العقلي عسر و حرج علي المكلفين فاذا حصل العلم العادي بالمراد صار ذلك المعلوم اصلا موضوعا يجب العمل بمقتضاه سواء حصل اليقين العقلي المستنبط عن الدليل العقلي الخاص به ام لا و سواء ساعدته العادة ام لا فان الشرع يوزن به كل شئ و لا يوزن بشئ و يرجع اليه من كل شئ و لايرجع منه الي شئ فعند ذلك يترك العقل و العادة و يعمل بالشرع ثم ان من الله علي امرء بمعرفة علل تلك الاحكام و حقايقها و اسبابها فتلك منة اخري و الا فله المن علي الدلالة عليها و منه التوفيق علي العمل بها و كم من قاعدة اكتبها في هذا الكتاب و هي باب يفتح منه الف باب و تزدريه مع ذلك اعين الاقشاب و الصلوة علي محمد و آله الاطياب ما طلع نجم و غاب .

قاعدة اعلم ان مشاعر الانسان ثلثة الفؤاد و العقل و النفس و ذلك لان الانسان هو العالم الصغير انموذج العالم الكبير و فيه من كل جنس من مراتب العالم حصة و قبضة و لما كان العالم له مرتبة حقيقة مجردة عن المعني و الصورة و هي وصف الله الاعظم الاعظم الاعظم الذي وصف به نفسه للعالم الذي هو الانسان الكبير و مرتبة معان و هي العقل الكلي المجرد عن الصور الجزئية النفسية و مرتبة صور جزئية و هي النفس الكلية ذات الصور بمراتبها العشرين المحققة في محلها و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 38 *»

الانسان انموذج العالم خلق فيه من كل نوع حصة و قبضة فله فؤاد و هو حصة من الحقيقة الكلية يدرك به الحقايق المجردة عن المعني و الصورة و به يعرف الله و يعرف ما سواه لان الادوات تحد انفسها و الآلات تشير الي نظائرها و لايعرف وصف الله سبحانه و حقايق الاشياء الا به و منه المعرفة و ضدها الانكار و له عقل و هو حصة من العقل الكلي به يعرف المعاني الجبروتية و منه اليقين و ضده الظن و الشك و يجتمع اليقين مع الانكار كقوله تعالي و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم و له نفس و هي حصة من النفس الكلية بها يعرف الانسان الصور الجزئية الملكوتية و الملكية و منها العلم الذي هو حضور المعلوم عند العالم و ضده الجهل و يجتمع مع الشك و الظن و الوهم لان العلم هو صرف حضور المعلوم عند العالم و قد يطلق العلم علي اليقين و المعرفة و ليس هنا محل تحقيق كل واحد باكثر من ذلك و لما كان العالم صاحب هذه المراتب الثلث و لايدرك الشئ الا ما هو من جنسه جعل الله في الانسان من كل نوع حصة ليعرفه بها و السنة هي الموافقة للكتاب المجيد التدويني الموافق للكتاب التكويني و لا رطب و لا يابس الا و هو فيها فان كان المقصود ادراك حقايق السنة فآلة ادراكها الفؤاد و ان كان المقصود ادراك معانيها المجردة الجبروتية فآلة ادراكها العقل و ان كان المقصود ادراك معانيها سواء كانت الذوات الخارجية او النورية او الذهنية كلية كانت او جزئية من حيث الارتباط بالمواد او الصور الذهنية فمدرك جميع ذلك النفس و ما لم‌يستعمل الانسان في ادراك المدركات ( بالفتح ) مداركها لم‌يصب الادراك فان الادوات تحد انفسها و الآلات تشير الي نظائرها و لما كان مدرك ما يطلبه الفقهاء من الاخبار النفس و غاية ما يحصل منها و لها العلم قلنا في القاعدة السابقة انه يمكن اجتماع العلم مع الظن العقلي و الشك و الوهم فضلا عن الاجتماع مع اليقين فالعلم صفة النفس و هي اي النفس مدرك لادراك الصور الجزئية و التكاليف الشرعية المتعلقة بما دون العقايد امور جزئية و مدرك ادراكها النفس كما عرفت فلايطلب فيها اكثر من العلم اي حضورها عند نفس العالم فهي معلومات لها ان حضرت عندها و لها في مقامها علم و ظن و شك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 39 *»

و وهم فعلمها ما حضر لديها من غير معارض مزيل او مزلزل له فتدركه عالمة بانه الذي انطبع في ذهنه من الخارج او بانه الخارج الواقع فالاول مثل ما انطبع في ذهنه من مدلول الكلام و الثاني مثل نفس الكلام فاذا اصغت النفس الي الكلام و ادركته علمت انها سمعت كلمة هكذا اذا لم‌يعارضه شئ كما يأتي و كذلك اذا ادركت في ذهنها مدلولها علمت انها مدلول تلك الكلمة اذا لم‌يعارضه شئ من عالمه و اما اذا عارضه شئ من عالمه بان انطبع في ذهنه من وجه كذا و من وجه كذا و لم‌يعلم ايهما موافق للواقع او سمع مرة كذا و مرة كذا و لم‌يعلم ايهما الواقع فان غلب احد المعارضين فالغالب راجح و يحصل لها منه الظن و المغلوب مرجوح يحصل لها منه الوهم و ان تساويا حصل لها منهما الشك فلم‌يعلم ايهما الموافق للواقع و انما يحصل الشك و ان لم‌ينطبع شئ فهو الجهل و هذا هو الفرق بين الجهل و الشك فلاتكن من الغافلين فان بعض المنتحلين قد غفلوا عن ذلك و زعموا الجهل شكا مع انه يشترط في الجهل عدم حضور شئ و في الشك حضور الطرفين مع تساويهما و بينهما فرق واضح فلست بشاك في وجود زيد في الدار الا ان يظهر لك امارات وجوده فيها و امارات عدمه و اما اذا لم‌يظهر لك شئ اصلا فانت جاهل بوجوده و عدمه و قد كررنا ذلك في الشك و الجهل لتحفظه لما يأتي فكل ما يحضر عندك من غير معارض عادي انت عالم به و تعلم مطابقته للواقع الثانوي الذي آتاك الله و عرفك كما يأتي و كلما يعارضه شئ فينطبع في ذهنك هكذا و هكذا فانت تتردد بين الامرين ان كانا متساويين و تميل الي احدهما ان كان احدهما الغالب فذلك من ما قال الصادق عليه السلام في وصيته لمفضل من شك و ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و لا بد في الشرايع و الاحكام من العمل بالعلم اي ما لا معارض له في النفس فان النفس تطمئن و تسكن عند عدم المعارض و تتردد و تضطرب بين الطرفين اذا كان معارض فيحتج الله سبحانه علي الانسان بما آتاه و عرفه فان كان و لا معارض تم الاحتجاج و ثبتت الحجة و وجب الاخذ به فاذا كان له معارض كل واحد يدعو الانسان الي جانبه و كل واحد علي خلاف الآخر و الرب واحد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 40 *»

و النبي واحد صلي الله عليه و آله و دعوة الحق واحدة فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا قال الله سبحانه و ما امرنا الا واحدة فالدعوتان اما ليستا من الله كلتاهما او احديهما من الله و الاخري من الشيطان و لو كنت تعلم ايهما من الله و ايهما من الشيطان لثبتت و انقلب لك الشك علما و لكن لمكان عدم علمك ان الحق مع ايهما كنت في شك فلايتم عليك الحجة و لايجب عليك اتباع احداهما من دون بينة فان حجة الله هي الحجة الواضحة فالبين يتبع و الشبهة يتوقف فيها و لا بد من الوقوف فان المقتحم في احد الطرفين مخاطر بنفسه لايأمن الهلاك عليها و الظن من افراد الشك كما هو في حديث زرارة و لايأمن الانسان علي نفسه فهو ايضا من الشبهات فان الشبهات في مقابلة البينات كما هو معروف في الروايات و المظنونات ليست من البينات بالبداهة فهي من الشبهات فيجب التوقف عند الظن كما قال عليه السلام من شك و ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و كما قال النبي صلي الله عليه و آله اذا تطيرت فامض و اذا ظننت فلاتقض فالواجب هو العمل بالعلم و هو ما حضر لديك بعد الفحص و الطلب عن مراد الشارع من غير معارض و ما حصل لك مع المعارض تتوقف لديه في الفتوي و ترجع في العمل الي امر لا معارض له و هو الاحتياط او الاخذ باخبار السعة في العمل حتي يأتيك البيان كما يأتي انشاء الله في محله و لا شك ان الاخذ بالاحوط ان امكن و علم سبيل الاحتياط احوط و الاحتياط ان تتوخي امرا اذا عملت به عملت بحجة الله و مراده البتة قطعا لا غير فان امكن لك ذلك فهو و الا فلا احتياط و يأتي تفصيل ذلك انشاء الله تعالي .

قاعدة اعلم ان الله سبحانه احد صمد فلا مدخل لغيره فيه و لا مخرج و ليس فيه و لا معه شئ غيره و لا حاجة له الي شئ غيره لاجل غناه المطلق اللازم لاحديته بل هو عين احديته فلاتلحقه فائدة الخلق و فائدة اعمالهم و افعالهم ففائدة الخلق و فائدة اعمالهم ترجع اليهم و لما علمنا ان فائدة الخلق لا بد ان ترجع اليهم و هو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 41 *»

سبحانه غني عن طاعتهم آمن بمعصيتهم لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه و علمنا ان الفائدة منحصرة في دوام بقائهم و تنعمهم في دار البقاء و الوصول الي النعيم الدائم المقيم و مفارقة الشقاء و العناء الثابت الاليم و علمنا انهم جهال لايهتدون الي اسباب ذلك سبيلا الا ان يجدوا عليها دليلا علمنا انه لا بد في الحكمة ان يهديهم الله سبحانه الي اسباب ذلك باسباب موصلة الي ذلك و علمنا انها الانبياء و الرسل عليهم السلام بمقدمات و ادلة ليس هيهنا موضع بيانها فلاجل ذلك بعث الله الرسل و انزل معهم الكتب مقرونة بادلة موجبة للعلم بحقيتهم و اليقين بصدقهم من المعجزات البينات و العلوم و الاخلاق و الاحوال ما ليس هيهنا موضع بيانه باكثر من الاشارة فقد جاؤا و بلغوا عن الله سبحانه شرايعه و احكامه و هدوا الي مراد الله سبحانه و لم‌يقصروا في شئ مما امروا به فانهم معصومون مطهرون لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون و لا شك في ذلك و لا ارتياب و لكن و انما وقع الشك في قلوب الناس لاجل الوسواس الخناس انهم عليهم السلام هل بلغوا عن الله سبحانه ما احدث للمكلفين علما بمراد الله سبحانه بحيث لايحتمل النقيض في صدورهم او ما احدث ظنا يحتمل النقيض باحتمال مرجوح او بلغوا ما يحدث لهم علما لكن عرض لسننهم و آثارهم عوارض فدرس اطلالها و طمس آثارها و اخمد انوارها و زعزع اركانها و اخفي دلائلها فلايحدث بعد ذلك الا ظنا او شكا فاكثروا في ذلك القيل و القال لاستبانة الحال حتي ملأوا بشرحه الطوامير و الطروس و اطالوا في بيانه الابحاث و الدروس فآل امر كثير منهم في آخر الزمان انهم سلام الله عليهم لم‌يبلغوا الا ما يحدث الظنون و آخرون زعموا انهم بلغوا ما احدث العلوم ثم طرتها ما هدمت بنيانها و زعزعت اركانها فلايحدث الآن الا الظنون و زعم جماعة انهم ابلغوا عن الله سبحانه ما احدث العلم و شددوا بنيانه و اتقنوا برهانه بحيث لايزداد في مر الدهور الا ظهورا و لايستفيد حينا بعد حين الا نورا فاحدث في الاول علما و يحدث بعد ذلك ايضا علما الي يوم القيمة فلايهدم بنيانه هادم و لايصرم اصوله صارم و ترقي جماعة من الاولين فزعموا ان بناء العالم و اساس عيش بني آدم علي الظنون و ان العباد متعبدون بظنونهم من اي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 42 *»

جهة كانت و من اي شئ حصلت و ان شرايع الانبياء و آثارهم احد اسباب الظن و قالوا نحن نعمل بالاخبار لا من حيث انها اخبار بل من حيث حصول الظن منها فنحن ندور مدار ظنوننا فان حصلت من الاخبار و الا فمن حيث حصلت كائنا ما كان بالغا ما بلغ و فصل آخرون فزعموا ان من الشرايع ما يحدث للعباد علما كالمجمع عليه و منها لايحدث الا الظنون كساير الآثار و الاخبار مجملا جعلوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و نحن نذكر هيهنا لك ما يقتضيه حكمة الله المتعال و قدرة الله ذي الجلال معرضا عن ادلتهم صافحا عن طريقتهم فاعلم انه لما خلق الله الحكيم لفائدة و كانت تلك الفائدة بقاءهم الابد و تمتعهم بالنعيم السرمد علم انهم لايصلون اليها الا ان يعملوا بما يورثها لهم و يتركوا ما يورث لهم خلاف ذلك فلزم في الحكمة ان يهديهم الي تلك الاسباب المورثة للبقاء الابدي و النعيم السرمدي و علم انهم مخلوقون له فقراء في كل شئ اليه ليس لهم الا ما آتاهم و لايملكون الا ما اعطاهم و لايعلمون الا ما علمهم و لايهتدون الا الي ما هداهم اليه و علم انهم لايقدرون علي التلقي منه من غير واسطة فخلق لذلك وسائط تعلمهم تلك الاسباب و تهديهم اليها و هي الرسل و الاوصياء عليهم السلام فارسل اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب و اصطفاهم بالوحي و ارتضاهم لحمل شرايعه و جعلهم ترجمان حكمته و السنة اداء مراضيه و مساخطه بقدرته و امرهم ان يؤلوا اليهم و يرجعوا الي حكمهم و حذرهم عن مخالفتهم فقال من يطع الرسول فقد اطاع الله و قال ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و قال فليحذر الذين يخالفون عن امره الآية ، و لا يشك عاقل في ان الله سبحانه لايترك الاولي و لايعدل عن الاحسن و قد عاب بذلك علي انبيائه و رسله فما كان نقصا في المخلوق فهو نقص في الخالق بداهة و لايجوز عليه بتة و كذا لايشك عاقل ان اكمال الحجة و ابلاغها بالعلم احسن و اولي من ايصالها بالظن و لايكاد يخدش في ذلك ذو مسكة فلايجوز ان يعدل الله سبحانه عن الاكمل الاحسن الاولي و هو قادر علي ذلك لا راد لقضائه و لا مانع عن حكمه و لا قاهر لقدره و ان قلت ان هذا اكمل و اولي و لكن منع عنه مانع و المانع منا قلت اذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 43 *»

اقررت بان ذلك احسن و اولي و لا مانع عنه من جهته سبحانه فينبغي ان يكون ابلاغه سبحانه علي نهج العلم و الاكمل و قد فعل لانه قال اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا فلانقص من جهته سبحانه بلا نزاع و اما قولك ان المانع منا اليس ان كان المانع منا لم‌يظهر ابلاغ الله سبحانه علي نهج الاكمل و ظهر عجزه و ما انتم له بمعجزين البتة مثال ذلك اذا كان رجل محرم لايفهم العربية و لايحسنها اكنت اذا اخبرته بخبر بالعربية اكنت مبلغا اليه الخبر او منبها اياه به حاشا بل هو من عجزك و سوء تدبيرك و يعيبك علي ذلك كل احد لاسيما اذا عاقبته بالمخالفة فاذا عرفت ذلك في الدرجة العليا فاعرفه في السفلي و هو انه اذا كان مانع منا عن العلم كالمحرم الذي فيه المانع عن فهم العربية و لم‌نعلم ما اتي به الرسل و الوحي اليس يكون الله سبحانه كمخبر المحرم بالعربية غاية الامر ان عجز المخبر بالعربية اكثر بالجملة الابلاغ هو الايصال الي فهم السامع لا سطح جسده و الايصال الي الفهم التفهيم و التفهيم هو التعليم و التعليم يحصل بعد حصول العلم للمتعلم الاتري ان التلميذ لو كان غبيا لايفهم ما تقول تقول عجزت عن تعليم هذا و انما ذلك لانه لم‌يحصل له العلم و لو كان ذكيا و تعلم قلت علمته ذلك فان لم‌يعلم المكلفون مراد الله سبحانه نقول ان الله لم‌يعلمهم ذلك فلو كان علمهم كانوا يعلمون فمتي لم‌يعلمهم لم‌يفهمهم و متي لم‌يفهمهم لم‌يوصل الي افهامهم و متي لم‌يوصل الي افهامهم لم‌يبلغ اليهم و متي لم‌يبلغ المحتج حجته لا حجة له و لله سبحانه الحجة البالغة علي كل احد و لولا الحجة البالغة كان خلقه الخلق عبثا و بطل الحكمة و القدرة نعوذ بالله فتبين و ظهر ان الخلق لايكون الا للفائدة لهم و الفائدة لاتحصل الا باسباب و لا سبيل لهم الي الاسباب الا بتعليم الله سبحانه و لا تعليم الا بعد حصول العلم لهم و من زعم ان العلم لايمكن حصوله و بابه مسدود بالذات او تجدد انسداده فهو قائل في الواقع بعدم تعليم الله سبحانه و تفهيمه و ابلاغه لما عرفت او عجزه سبحانه عن الابلاغ الواقعي الحقيقي فان الظن باجماعهم ما يحتمل النقيض و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 44 *»

ليس يحتمل النقيض الا لعدم العلم بعدمه بالبداهة و لايجهل عدم النقيض الا بسبب نقصان علمه بالوجود و شوبه بالجهل و عدم احاطته فهو بتعليم ناقص بل ليس بالتعليم لان العلم ما لايحتمل النقيض و انما هو باقامة بعض الامارات الناقصة فمنكر حصول العلم منكر للتعليم حقيقة و منكر التعليم منكر للابلاغ الكامل حقيقة و منكر الابلاغ يلزمه القول بعجز المبلغ حقيقة و حاشا ربنا العزيز القاهر القادر الذي لا مانع عن قدرته هذا و قد تكاثرت في المنع عن العمل بغير العلم الآيات و الاخبار فقد قال الله تعالي سيقول الذين اشركوا لو شاء الله مااشركنا و لا آباؤنا و لاحرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان‌تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و قال قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق و ان تشركوا بالله ما لم‌ينزل به سلطانا و ان تقولوا علي الله ما لاتعلمون و قال و اذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا و الله امرنا بها قل ان الله لايأمر بالفحشاء اتقولون علي الله ما لاتعلمون و قال في الشيطان انما يأمركم بالسوء و الفحشاء و ان تقولوا علي الله ما لاتعلمون و قال و ان كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم و قال فمن اظلم ممن افتري علي الله كذبا ليضل الناس بغير علم و قال و لاتقف ما ليس لك به علم الي غير ذلك من الآيات و قد عد بعض اصحابنا قريبا من سبعين آية و يكفي واحدة منها للمسلم لان كلام الله سبحانه مفرده و مكرره سواء في الحجية و قال الصادق عليه السلام من افتي الناس برأيه فقد دان بما لايعلم و من دان بما لايعلم فقد ضاد الله حيث احل و حرم فيما لايعلم و عن النبي صلي الله عليه و آله اذا تطيرت فامض و اذا ظننت فلاتقض و عن ابي‌الحسن عليه السلام اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و ان جاءكم ما لاتعلمون فها و اهوي بيده الي فيه و قال الصادق عليه السلام لايسعكم فيما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت و الرد الي ائمة الهدي حتي يحملوكم فيه علي القصد و يجلوا عنكم فيه العمي و يعرفوكم فيه الحق قال الله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و عنه عليه السلام ان الله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 45 *»

حصر عباده بآيتين من ( ان الله تبارك و تعالي حصن عباده بآيتين من كتابه ان لايقولوا خ ) ان يقولوا حتي يعلموا و لايردوا ما لم‌يعلموا قال الله عز و جل الم‌يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا علي الله الا الحق و قال بل كذبوا بما لم‌يحيطوا بعلمه و لمايأتهم تأويله و عنه عليه السلام اياك و خصلتين فيهما هلك من هلك اياك ان تفتي الناس برأيك او تدين بما لاتعلم و عنه عليه السلام انهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال ان تدين الله بالباطل و تفتي الناس بما لاتعلم و عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله من افتي الناس بغير علم لعنته ملائكة السموات و الارض و عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث ليس لك ان تتكلم بما شئت لان الله عز و جل قال و لاتقف ما ليس لك به علم و عن الصادق عليه السلام اياك و خصلتين مهلكتين ان تفتي الناس برأيك او تقول ما لاتعلم و عنه عليه السلام اياك و خصلتين هلك فيهما الرجال ان تدين بشئ من رأيك او تفتي الناس بغير علم و عن ابي‌جعفر عليه السلام قال من افتي الناس بغير علم و لا هدي لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه و عن ابي‌عبدالله عليه السلام اذا سئل الرجل منكم عما لايدري فليقل لاادري و لايقل الله اعلم فيوقع في قلب صاحبه شكا و اذا قال المسؤل لاادري فلايتهمه السائل و عن ابي‌جعفر عليه السلام لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا و لم‌يجحدوا لم‌يكفروا و عن الصادق عليه السلام القضاة اربعة ثلثة في النار و واحد في الجنة رجل قضي بجور و هو يعلم فهو في النار و رجل قضي بجور و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو لايعلم فهو في النار و رجل قضي بالحق و هو يعلم فهو في الجنة و سئل ابوجعفر عليه السلام عن حق الله علي العباد قال ان يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لايعلمون و سئل ابوعبدالله عليه السلام عن ذلك فقال ان يقولوا ما يعلمون و يكفوا عما لايعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد ادوا الي الله حقه و عن ابي‌عبدالله عليه السلام في وصيته لمفضل من شك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 46 *»

او ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و عن اميرالمؤمنين عليه السلام من عمي نسي الذكر و اتبع الظن و بارز خالقه الي غير ذلك من الاخبار المتجاوزة حد التواتر فانظر وفقك الله تعالي انه هل يسع الشيعي بعد ما ورد عن ساداته و مواليه الذين يفترض طاعتهم و يقر بعصمتهم ما يزيد علي حد التواتر ثم وافق كل تلك الاخبار الكتاب و كان فيه في النهي عن ذلك قريب من سبعين آية و ساعدهما دليل العقل ان يتخلف عن جميع ذلك و يقول بجواز العمل بالظن في احكام الله سبحانه و هل يجوز للشيعي متابعة تلك الادلة الظنية التي هي اوهن من بيت العنكبوت و لايرضي بها احد ممن له طبع مستقيم و ترك الكتاب و السنة مع صراحتهما و هل يجوز للشيعي ان يترك كل هذا او يأولها و يركن الي تلك الادلة الاصولية التي هي اوهن شئ في الدنيا هذا و قوم من العدول الثقات الذين لايتهمون بالفسق و لا بالجهل ينادون ان باب العلم مفتوح و انا لانفتي الا بالعلم و الكتاب و السنة ايضا معهم يشهدان بعدم انسداده فكيف يمكن ان يسكن قلبه الي تلك الادلة السخيفة و لايتزلزل ابدا نعوذ بالله و اذا بني الشيعي ان يرد كل هذه الآيات و الاخبار في مسألة فباي حديث بعده يؤمنون و من تدبر في هذه الاخبار و غيرها مما تركناها هنا و اوردناها في كتابنا فصل‌الخطاب و اوردها ساير اصحابنا المحدثين بنظر الاعتبار و ترك الانس بموافقة القوم و الاستيحاش عن مخالفتهم عرف علي نحو البداهة ان العمل بالظن و الاجتهاد ليس من دين الله و لا رسوله كما يعرف ان شرب الخمر و ساير المآثم حرام في دين الله و لااظن ان يبلغ الآيات و الاخبار في تحريم محرم مبلغها و من زعم انه يأول هذه الاخبار فقد اتخذ مذهبا لايقوم معه للاسلام عمود و لايخضر له عود فانه لو فتح باب التأويل لمابقي لذي حجة حجة و قد قال صلي الله عليه و آله نحن معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم فاين التأويل و هم قد نطقوا للهداية و التعليم فالعمل بالظن حرام كحرمة الزنا و شرب الخمر و لا عبرة بالعمل به و العامل به فاي عبرة باجتماعهم او افتراقهم بعد ذلك فيجب العمل في جزئي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 47 *»

الامور و كليها بما علم صدوره عنهم صلوات الله عليهم فانه لا علم الا لله و لايظهر الا علي السنة حجج الله فما صح عنهم صح عن الله و ما لم‌يخرج عنهم جهل جهلاء و هو من الطاغوت و قد امرنا ان نؤمن بالله و نكفر بالطاغوت و لا حاجة لنا الي ذكر ادلتهم و تزييفها فانهم لو صنفوا الف كتاب و حشوها بالادلة علي حجية الظن بادق اوهامهم يبطل جميعها آية من كتاب الله سبحانه او خبر واحد صح صدوره عن النبي صلي الله عليه و آله و الحجج عليهم السلام و كلها جهل جهلاء و خطوات شيطان و ذكرها و التعرض لها و ردها تضييع عمر و الباطل يموت بترك ذكره فلنقتصر بما ذكرناه علي سبيل الاختصار فبعد ذلك ،
فدع عنك قول الشافعي و مالك       ** * **      و احمد و المروي عن كعب‌الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم       ** * **      روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
فما صدر عنهم و صح صدوره عنهم في خصوص شئ فاعمل به و اعمل بما وضعوه قاعدة في غير المنصوص و اني لنا بغير منصوص بعد قوله عليه السلام كل شئ لك مطلق حتي يرد فيه امر او نهي و اي شئ يخرج من تحت عموم كل شئ فالواجب متابعة الآثار و الاقتصار علي الاخبار و مجانبة الاغيار و لا قوة الا بالله العلي العظيم و لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله فان الناس اجتمعوا علي مائدة شبعها قليل و جوعها طويل و قليل من عبادي الشكور و هذا المقدار من الآيات و الاخبار كاف انشاء الله للابرار و من لايسكن قلبه بما ذكرنا من الكتاب فليس باهل للكلام بل لاينبغي ان يكلم الا بالتقية فانهم لا لامر الله يعقلون و لا من اوليائه يقبلون حكمة بالغة فما تغن النذر .

قاعدة اعلم ان الله سبحانه هو الحق الدائم الازلي و امره و حكمه حق لانه بالحق و من الحق و لايجوز في الحكمة اخترام الحق و انقطاعه و غلبة الباطل عليه لان الحق من الله و بالله و الي الله و هو غالب علي كل شئ غير مغلوب و دائم ثابت

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 48 *»

لايزول و لايحول و قوام العالم و نظامه بالحق اي بامر الله الذي هو الحق فلو ارتفع الحق عن العالم لفني العالم فانه ينقطع عن امر الله سبحانه و لايقوم شئ الا بامر الله فبالحق حيوة العالم و قوامه و حركته و ثباته لانه من امر الله و ان اخترم يوما ما و ارتفع لظل العالم ميتا لا حراك له و دليل بقاء الحق في العالم نظامه و دوران افلاكه و سبح نجومه و ثبات ارضه و بقاؤه علي حاله و هذا مما لا ريب فيه و لا شك يعتريه و مايتذكر الا اولوا الالباب و انت لما علمت بمقدمات عندك ان النبي صلي الله عليه و آله هو كان حامل الحق في آخر الزمان و كان دينه و شرعه حيوة العالم تعلم ان دينه و شرعه لا بد و ان يبقي الي يوم القيمة فانه لا نبي بعده فبدينه و شرعه تقوم السموات و الارض و ذلك قوله تعالي و من آياته ان تقوم السماء و الارض بامره ثم اذا دعاكم دعوة من الارض اذا انتم تخرجون فاذا الواجب بقاؤ دينه في جميع الاعصار و الازمان الي يوم القيمة بل هو باق و آيته بقاؤ السماء و الارض و قيامهما و لما كان دينه و شرعه غير مخصوص بقوم دون قوم و عصر دون عصر بل كان عاما لكل قوم و في كل عصر و يتجدد في كل قوم و في كل عصر وقايع لم‌تكن قبل و لا بد و ان يكون لتلك الواقعة حكم من الله سبحانه لتكون بذلك قائمة حية وجب في الحكمة نصب من يقوم مقامه لئلايضيع من في اصلاب الرجال و يظهر في ساير الاعصار و يدل علي ذلك ما نقله العاملي عن الطبرسي في الاحتجاج عن النبي صلي الله عليه و آله في احتجاجه يوم الغدير علي مفسر كتاب الله و الداعي اليه الا و ان الحلال و الحرام اكثر من احصيها او اعرفها فآمر بالحلال و انهي عن الحرام في مقام واحد فامرت ان آخذ البيعة عليكم و الصفقة منكم بقبول ما جئت به عن الله عز و جل في علي اميرالمؤمنين و الائمة من بعده و علة اخري في وجوب نصب القائم ان كل امر لما طال في قوم و توارد عليه الافكار و تتابع عليه الانظار يقع فيه شكوك و شبهات يضيق منها المخرج و يلعب به ايدي المنافقين و الاشرار و الناصبين الفجار فيضمحل بمر الدهور و الايام و في تصاريف الاعصار و الاعوام حتي لايبقي من الاصل الا اسمه و من الواقع الا رسمه فيجب في الحكمة نصب حافظ لذلك الامر يحفظه عما ذكر لئلايبطل الدين و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 49 *»

يمحق الشرع المبين و يدل علي ذلك ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله ان لكل بدعة من بعدي يكاد بها الايمان وليا من اهل بيتي يذب عنه و يعلن الحق و يرد كيد الكائدين و له علل اخري ليس هيهنا موضع بيانها و من الثابت الجازم بيننا ان ذلك القائم بعد النبي صلي الله عليه و آله علي و عترته عليهم السلام و لذلك قال صلي الله عليه و آله في اواخر عمره ما رواه العامة و الخاصة اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن‌تضلوا و قال لاتعلموهم فانهم اعلم منكم و احاديث متواترة رواها العامة و الخاصة فالمرجع بعد النبي صلي الله عليه و آله الي علي عليه السلام ثم بعده الي وصيه و وصي وصيه الي ان انتهي الامر الي مولينا و سيدنا بقية الله في ارضه عليه السلام و هو الحافظ للشرع بعد ابيه عليهما السلام و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لم‌يعرف الحق من الباطل لكثرة تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و دس الداسين و افتراء المفترين و حذف السارقين و شبهات المشبهين الي غير ذلك من آفات الدين في مر الدهور و الاعصار فلولا وجود الحافظ لبطل امر الدين و انمحق الشرع المبين اسرع من سحاب بدده العاصفة من الرياح و دليل حفظه بقاء السموات و الارضين و قيامهما و بقاء النظام و لكن اكثر الناس لايعلمون و لما حكم الله و قضي لبقية‌الله صلوات الله عليه الغيبة لمصالح هو اعلم بها غيبه عنا و ابقي فينا آثاره و اخباره فان آثار آبائه هي آثاره و هو روحها و به قوامها و حيوتها فانهم نفس واحدة و روح واحدة و طينة واحدة و امرهم واحد و حكمهم واحد و علمهم واحد و حديثهم واحد فلا بد في الحكمة اذا غاب عنا ان يستخلف فينا آثارا تكون نوره و بدله و القائمة مقامه و ما يكون بدله و القائم مقامه لاينبغي ان يكون الا حقا و من الله و بالله و الي الله حتي لايضيع رعيته في غيبته و خفائه و ليكون عليهم حجته بالغة و حكمته فيهم كاملة ان لايقولوا يوم القيمة انا كنا عن هذا غافلين او يقولوا انما كان آباؤنا في اوهام و شكوك و شبهات و ظنون و كنا ذرية من بعدهم ضعفاء لانقدر ان نبدع دينا من عندنا فصرنا علي آثارهم مقتدين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 50 *»

او يقولوا قد اهملتنا و غيبت حجتك فاكلنا و تمتعنا كما يتمتع الانعام اذ ماكنا نريك حتي نسمع منك و لانري حجتك حتي نصغي اليه و لم‌يك بايدينا امر نقطع به انه منك فليس لك اليوم علينا حجة و كنا بالدين جاهلين فوجب في الحكمة استخلاف اخبار صحيحة و آثار قطعية لتقوم بها الحجة عليهم اذا دخلوا البيت من بابه و طلبوا الحق من مآبه فيصح عملهم بها و تكون قاطعا لاعذارهم يوم القيمة و يهلك بعدها من هلك عن بينة و يحيي من حي بعدها عن بينة فمن ظن انه لايجب استخلاف اخبار صحيحة يمكن طالب الحق الوصول اليها و يصح عند الله عمله بها هو كمن يظن انه لايجب ان يستخلف رسول الله صلي الله عليه و آله معصوما فانه لا فرق بين الاقوال و الرجال فكما يكفي هنا اخبار متشابهة يكفي هناك رجال متشابهة و كما يكفي هيهنا الاجتهاد يكفي هناك الاجتهاد فالقول بعدم وجوب استخلاف آثار صحيحة يصل اليها المجاهدون في سبيل الله البتة كما قال سبحانه الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا لايتمشي في مذهب الامامية و لما علمنا ان بقية‌الله صلوات الله عليه و علي آبائه معصوم مطهر علمنا انه لايخل بالحكمة فقد فعل و خلف و يجب الرجوع اليها كما امروا و الاستنباط عنها كما اوقفوا و لكن الله سبحانه لما بني حكمته علي نهج الاولي و الصواب و كان في الحكمة ان يجري الايجاد علي نهج الاختيار و لايمنع قابلية عن مقتضاها حتي ينال كل نصيبه من الكتاب و كان في الامة رجال يسعون في اطفاء نور الله عز و جل و ابطال دينه و مخالفة ارادته لم‌يمنعهم عن ارادتهم خذلانا و املاء و جري الامر في اخبارهم ايضا مثل ما جري في الحجج بعد رسول الله صلي الله عليه و آله من ادعاء الضلال مع ادعائهم و دعوة الناس الي انفسهم كما يدعوا الحجج الي انفسهم و كذلك جري في اخبار رسول الله صلي الله عليه و آله في عصره و بعده فانه صلي الله عليه و آله كذب عليه في عصره حتي قال قد كثرت علي الكذابة و ستكثر فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار و قال ايضا سيكذب علي كما كذب علي من كان قبلي فقد كذب علي الائمة عليهم السلام في اعصارهم حتي قال الصادق عليه السلام ان الناس اولعوا بالكذب علينا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 51 *»

و سأل بعض اصحابنا يونس بن عبدالرحمن رحمه الله فقال يا بامحمد ما اشدك في الحديث و اكثر انكارك لما يرويه اصحابنا فما الذي يحملك علي رد الاحاديث فقال حدثني هشام بن الحكم انه سمع اباعبدالله عليه السلام يقول لاتقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القرآن و السنة او تجدون معه شاهدا من احاديثنا المتقدمة فان المغيرة ابن سعد لعنه الله دس في كتب اصحاب ابي احاديث لم‌يحدث بها ابي فاتقوا الله و لاتقبلوا علينا ما خالف قول ربنا و سنة نبينا محمد صلي الله عليه و آله فانا اذا حدثنا قلنا قال الله عز و جل و قال رسول الله صلي الله عليه و آله قال يونس وافيت العراق فوجدت بها قطعة من اصحاب ابي‌جعفر و وجدت اصحاب ابي‌عبدالله متوافرين فسمعت منهم و اخذت كتبهم فعرضتها بعد علي ابي‌الحسن الرضا عليه السلام فانكر منها احاديث كثيرة ان يكون من احاديث ابي‌عبدالله عليه السلام و قال لي ان اباالخطاب كذب علي ابي‌عبدالله عليه السلام لعن الله اباالخطاب و كذلك اصحاب ابي‌الخطاب يدسون هذه الاحاديث الي يومنا هذا في كتب اصحاب ابي‌عبدالله عليه السلام فلاتقبلوا علينا خلاف القرآن فانا ان حدثنا حدثنا بموافقة القرآن و موافقة السنة انا عن الله و عن رسوله نحدث و لانقول قال فلان و فلان فيتناقض كلامنا ان كلام آخرنا مثل كلام اولنا و كلام اولنا مصداق لكلام آخرنا و اذا اتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه و قولوا انت اعلم و ما جئت به فان مع كل قول منا حقيقة و عليه نور فما لا حقيقة معه و لا نور فذلك قول الشيطان و عن ابي‌عبدالله عليه السلام كان المغيرة بن سعد يتعمد الكذب علي ابي و يأخذ كتب اصحابه و كان اصحابه المستترون باصحاب ابي يأخذون الكتب من اصحاب ابي فيدفعونها الي المغيرة فكان يدس فيها الكفر و الزندقة و يسندها الي ابي ثم يدفعها الي اصحابه فيأمرهم ان يبثوها في الشيعة فكلما كان في كتب اصحاب ابي من الغلو فذلك مما دسه المغيرة بن سعد في كتبهم و عنه عليه السلام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 52 *»

ان اهل الكوفة نزل فيهم كذاب اما المغيرة فانه يكذب علي ابي يعني اباجعفر عليه السلام قال حدثه ان نساء آل‌محمد اذا حضن قضين الصلوة و ان والله عليه لعنة الله ماكان ذلك من شئ و لاحدثه و اما ابوالخطاب فكذب علي و قال اني امرته ان لايصلي هو و اصحابه المغرب حتي يري كوكبا كذا و عنه عليه السلام ثلثة كانوا يكذبون علي رسول الله صلي الله عليه و آله ابوهريرة و انس بن مالك و امرأة و عنه عليه السلام انا اهل بيت صادقون لانخلو من كذاب يكذب علينا و يسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس كان رسول الله صلي الله عليه و آله اصدق البرية لهجة و كان مسيلمة يكذب عليه و كان اميرالمؤمنين عليه السلام اصدق من برء الله بعد رسوله صلي الله عليه و آله و كان الذي يكذب عليه و ( يعمد ظ ) في تكذيب صدقه بما يفتري عليه عبدالله بن سبا لعنه الله و كان ابوعبدالله الحسين بن علي عليه السلام قد ابتلي بالمختار ثم ذكر ابوعبدالله عليه السلام الحارث الشامي و بنان فقال كانا يكذبان علي علي بن الحسين عليه السلام ثم ذكر المغيرة بن سعد و بزيعا و السري و اباالخطاب و معمر و بشار الاشعري و حمزة اليزيدي و صايد النهدي فقال لعنهم الله انا لانخلو من كذاب يكذب علينا او عاجز الرأي كفانا الله مؤنة كل كذاب و اذاقهم حر الحديد و عن الباقر عليه السلام لم‌نزل اهل البيت منذ قبض رسول الله صلي الله عليه و آله نذل و نقصي و نحرم و نقتل و نطرد و وجد الكذابون لكذبهم موضعا يتقربون الي اوليائهم و قضاتهم و عمالهم في كل بلدة يحدثون عدونا و ولاتهم الماضين بالاحاديث الكاذبة الباطلة و يحدثون و يروون عنا ما لم‌نقل تهجينا منهم لنا و كذبا منهم علينا و تقربا الي ولاتهم و قضاتهم بالزور و الكذب و كان عظم ذلك و كثرته في زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام الخبر ، الي غير ذلك من الاخبار الشاهدة النادية علي ان المنافقين قد دسوا في كتبهم و آثارهم و حرفوا و غيروا و زادوا و نقصوا و كذلك الرواة الثقات منهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 53 *»

لايخلون من سهو و وهم في الخبر و ان لم‌يتعمدوا الكذب و من هذا القبيل ايضا كثير في اخبارهم فبقي اخبارهم الحقة لحكمة لايعرفها الا الخصيصون ممزوجة بالباطل فاتيا جميعا فلو خلص الحق لم‌يخف علي ذي حجي و لو خلص الباطل لم‌يخف علي ذي حجي و لكن اخذ من كل ضغث فمزجا و اتيا جميعا ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من حي عن بينة و يكون لاهل الحق مستند يستندون به و يكون لاهل الباطل ملجأ يستترون به و هذا والله من التدبير الحكيم من حكيم عليم لايغالب في امره و لايمانع في حكمه و هو المقدر لذلك لعلل ليس هيهنا موضع بيانها و هو والله لو شاء غير ذلك ماقهره قاهر و لامنعه عن ارادته مانع و لكنه حكمة بالغة لايجوز غيره في صلاح النظام و هكذا ابقي للحق و اهله مجملا بقي بعد بقية‌الله صلي الله عليه اخبار حقة ممزوجة بالباطل كما بقي بعد النبي صلي الله عليه و آله اخبار حقة ممزوجة بالباطل كما قال اميرالمؤمنين عليه السلام ان في ايدي الناس حقا و باطلا و صدقا و كذبا و ناسخا و منسوخا و عاما و خاصا و محكما و متشابها و حفظا و وهما الخبر ، و كما انه صلي الله عليه و آله خلف بعده اميرالمؤمنين فقام معه رجال ادعوا مثل دعواه حتي تحير الجاهلون فلاتجد في الدنيا حقا صرفا محضا عن الباطل ابدا حتي كتاب الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فقد حرفوه و قدموا فيه و اخروا و حذفوا منه حتي انه لايعلم آي من آي فما ظنك باخبار آل‌محمد عليهم السلام فهم عليهم السلام خلفوا بعدهم آثارا و لكن القي الشيطان في امنيتهم كما انه يقول و ماارسلنا من رسول و لا نبي و في قراءة اهل البيت و لا محدث الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته و ذلك سنة قد خلت من قبل و لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتي انهم لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه فبعد بقية‌الله صلوات الله عليه ايضا كان الامر كذلك حرفا بحرف و ببقاء الحق الذي في هذه الاخبار تقوم السموات و الارض و تعمر الديار كما عرفت و دليل بقاء الحق فيها بقاء الدنيا و هكذا يكون الامر حتي يتميز الخلائق و يظهر شمس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 54 *»

المغارب و المشارق فهنالك يظهر الحق خالصا من شوب الباطل و يعود الشرع علي البدء و يجري الاحكام علي حسب الواقع و لكن هذه البني الممزوجة و الاعين المرمودة لاتطيقها و لو ظهرت لها و كلفت بها لتفرقت بنيتهم و تبددت جماعتهم و تشتت شملهم و الله حكيم عليم رؤف رحيم لان الزمان زمان خلط و مزج و ان من شئ الا و فيه اعراض غريبة و لطخ من غيره لحكمة ليس هيهنا موضع بيانها فلاتقوم بنية الناس الممزوجة الا بذاتياتها و اعراضها ما دام يريد الله ذلك فلا بد لكل منهما المدد حتي يبقيا قال الله سبحانه كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظورا و الشرع هو مدد بني الخلق و بالعمل به قوامهم و نظامهم فلا بد و ان يكون مددهم مشاكلا لهم ممزوجا فيه الحق و الباطل حتي اذا عملوا بهما يمد كل من جهتيهم بهما من حيث لايعلمون و لذلك وقع المزج في جميع الكتاب و السنة و الا فلايغالب الله في تقديره و لايمانع من محتوم امره و ذلك امر لايحتمله الا الخصيصون العالمون بالكم و الكيف و اللم و تدبير سياسة المدن و ما به قوام العباد فمن رام غير ذلك فلنفسه اتعب و لروحه انصب فادخلوا البيت من بابه كما اريد منكم و كما امرتم و لاتتكلفوا علم ما زوي عنكم فان الله لايحب المتكلفين و سلموا الامر لمدبره تفلحوا لان الله يقول قد افلح المؤمنون روي اي المسلمون ان المسلمين هم النجباء فلاينبغي في هذه الاعصار الا هكذا و لااريد منهم الا هذا لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و لايكلف الله نفسا الا وسعها فاسترح و لاتغتم مما قدر الله سبحانه و لاتتكلف ما لم‌تؤمر به و لاالقي عليك و لااريد منك و لايصلح لك و لاتتحمله لو اوتيته و لم‌يكلفك الله سبحانه بعلم الغيب و لم‌يكلف المرضي بغذاء الاصحاء و انما لهم ادوية بشعة مرة كريهة و لو تكلفوا غيرها لم‌يعطوا و لو اعطوا لهلكوا و الله لايحب المتكلفين و سيأتيك طريق العمل بما شاء الله كيف شاء الله .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 55 *»

قاعدة قد عرفت آنفا ان آثار محمد و آل‌محمد عليهم السلام قد مزجت بالباطل منذ نطق رسول الله صلي الله عليه و آله بالكلام الي يومنا هذا و هو الف و مائتان و اربع و ستون سنة بانحاء المزج من الدس و التحريف و الزيادة و النقصان و التقديم و التأخير و التصحيف و السهو و النسيان و غلط النساخ و المحو بمرور الزمان و الاشتباه و امثال ذلك مما لايحصي و كذا حرف الكتاب و زيد فيه و نقص ما لايمكن معه الاطمينان بآية من آياته انها كانت كذا يوم نزلت و بقينا بعدهم و غاب الولي و فقد النبي و قل المدد و ان كثر العدد فكيف المخرج و ما المفزع يومنا هذا و ماذا هو عروة العباد و علي ما يجوز الاعتماد اقول لا شك و لا ريب ان عروة العباد و المعتمد و السناد بعد اركان البلاد اخبارهم و آثارهم و لا حبل بيننا و بين الله سبحانه الا هي و لم‌يبق فينا من شريعة رسول الله صلي الله عليه و آله الا آثارهم و قد علمنا ان الحق فيها و منها و لها و اليها و بما فيها من الحق تقوم السموات و الارض فلايجوز العدول عنها و التمسك بغيرها فانه لا حق الا فيها و لا نور الا منها و جميع ما سواها باطل بالادلة التي ليس هيهنا موضع بيانها فلا بد من الرجوع اليها و قد عرفت فيما قدمنا من القواعد ان ما ليس في صنع العباد يلزم في الحكمة ان يحمله الرب عنهم و ما في صنعهم ان شاء تفضل عليهم بحمله و ان شاء كلفهم بادائه و ذلك باب من العلم يفتح منه ابواب و معلوم ان بعد مزج الشرايع كل هذا المزج و بعد كل هذه المدة التي تنيف علي الف سنة لا احد يمكنه معرفة حق الاخبار من الباطل و محليها من العاطل لاسيما و فيما صدر عنهم ايقاع خلاف عن عمد و تعمد و تقية و انهم يتكلمون بالكلمة و يريدون سبعين وجها و لايمكن لاحد معرفة الغيب و الوصول الي الحق بلا ريب فكيف يمكن معرفة المخرج منها و الذين يظنون انهم يستخرجونها بالاجتهاد و التحري و الظن لايحصل لهم ازيد من الشك في كثير من المواضع و لذا يتوقفون و يتحيرون و لذا يتمسكون بالاصول الموضوعة من اصل العدم و اصل البراءة و الاستصحابات و الاجماعات المتكلفة و المشهورات و الاحتياط و امثال ذلك و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 56 *»

لا شئ من ذلك يكشف عن صحة الاخبار و معرفتهم بحقايق الاحكام و ان ظنوا بصحة خبر و لعله الاقل فانما هو بعد تعب شديد و كد جهيد و ليس يغني عنهم جميع الاحكام ابدا فما الحيلة يومنا هذا و قد عرفت انه لايجوز التعبد بالظنون و الاجتهادات و لا بد من العلم باحكام خالق البريات الا ان يتكفل الله سبحانه تعريف شرايعه و احكامه و يتكفل الحجة الشاهد علي حقايق الاشياء تعريف الدين و ايصال الشرع المتين و هذا الطريق مما خصصنا به و هدينا اليه و الحمد لله سبحانه حيث عرفنا المخلص من هذه المزالق و هدانا طريق النجاة في هذه المهالك و اشرق قلوبنا بنور اليقين في هذه الطخية العمياء و نور صدورنا بنور العلم في هذه الجاهلية الجهلاء و ان كنت طالبا لمعرفة ذلك فاصغ الينا لتطلع علي ما هنالك و قد كتبنا في ذلك رسالة منفردة و نذكر هيهنا ايضا ما يكفي المستبصر انشاء الله تعالي اعلم ان الله سبحانه كما عرفت قد تكفل عن عباده حمل ما لايحتملونه و صنع ما لايقدرون عليه فانه الحكيم الذي لايفعل العبث و العليم الذي علم ان الخلق لايقوم بغير ذلك فلما خلق خلقه بحيث لايعلمون الغيب و قدر ان يكون الحق في هذه الاعصار مشيبا باباطيل عديدة لايحيط باطرافها احد من العباد نصب في كل عصر اعلاما و عدولا ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين بارتباط بينهم و بين الولي المطلق و الحجة الحق الشاهد علي خلق السموات و الارض المطلع علي الكم و الكيف و ما يحدث في الاعوام و الاعصار فيلهمهم صلوات الله عليه الحق من الباطل و المحلي من العاطل و يؤيدهم و يسددهم حتي يعرفهم الحق فيظهرونه بحول الله و قوته بين العباد و البلاد حتي يبقي الدين في كل عصر خالصا من شوب الباطل علي حسب ما يري من صلاح كل عصر و قد نطق بذلك الآيات و الاخبار و تواتر بذلك الآثار و شهد بذلك العقل المستنير بالانوار من الائمة الاطهار صلوات الله عليهم ما اختلف الليل و النهار و لولا ذلك لانمحق الدين و زهق الشرع المتين و دحض نعوذ بالله حجة الله علي العباد و انقطع عن الدين و الشرع الاعتماد فاولئك العدول في كل عصر مراقبون و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 57 *»

تحريف الغالين ينفون و ايدي الداسين يقطعون و تلبيس الملبسين يظهرون و من ورائهم تسديد الائمة الطاهرين و مراقبة اولياء الدين و مشاهدة عين الله الناظرة في العالمين و من ورائهم الله رقيب عليهم و علينا و عليها و كفي بالله رقيبا و علي ذلك اعتمادنا اذ هو سنادنا و في المزالق عمادنا ذلك بان الله مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم و لنسرد بعض الاخبار الدالة علي ذلك بالتصريح و الاشعار حتي يرتفع عن البين الغبار و تقطع حجة الاغيار فقد قال الله سبحانه و ماارسلنا من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته وجه الاستدلال ان سيرة الانبياء و الرسل كلهم كانت كذلك فكانوا اذا قرأوا لامتهم آيات الله و احكامه و شرايعه القي الشيطان فيما قرأ من اباطيله و اضاليله حتي يشبه علي الناس فاتيا متشاكلين لايعرف اي من اي فينسخ الله ما يلقي الشيطان و يبطل امره لما مر انه لايفلح الظالمون في قاعدة منفردة و الشيطان و اعوانه ظلمة جائرون عن الحق ثم يحكم الله آياته بعده و يظهرها و قد ورد و لا نبي و لا محدث فهذه السيرة تجري في آثارهم ايضا فاذا تمنوا لنا الاحكام القي الشيطان بايدي المكذبين و غيرهم في احاديثهم ما شاء لكن حتم من الله سبحانه انه ينسخها اي يمحوها و يحكم اخبارهم الصحيحة فالحق الذي لا مرية فيه محكم بنص الله سبحانه و ما القاه الشيطان ممحو فكلما يلقي يمحوه الله سبحانه بايدي اوليائه و قال سبحانه فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و ذلك انه بعد القاء النبي شرعه و كذب الكذابة عليه في عصره لم‌يكن الدين كاملا فانه كان مغشوشا بالاباطيل لم‌يعرف الحق منه من الباطل بعد ارتحال النبي فلما نصب الله سبحانه الولي الحافظ للدين المبين للكتاب و الشرع المبين اكمل الدين و اتم النعمة فان ما القاه النبي محفوظ بعين الله التي لاتنام و ما لم‌يبينه مضبوط في خزانة علم الله سبحانه التي هي صدر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 58 *»

الولي فاي كمال اكمل من هذا و اي تمام اتم فلما ولي علينا السلطان الحامي للدين و المرابط علي ثغر المسلمين مما يلي الشياطين قال فلاتخشوهم و اخشون فلانخشي انشاء الله داسا و لا محرفا و لا مكذبا و لا ماحيا و لا غيرهم تكلانا علي الولي الحافظ الحامي و قال سبحانه انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و الذكر هو الكتاب و السنة فانهما ذكر الله لخلقه و ذكر الخلق له فاذا عرفنا ان الله سبحانه حافظ له بالنص المحكم الذي لا نسخ فيه فكيف لانعتمد علي حفظه سبحانه بعد وعده فقد عرفنا ان الشيطان و ان كاد كيده و جهد جهده الا ان الله سبحانه رقيب عليه و علينا يحفظ الدين من شرهم و قال سبحانه يريد الله ان يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ليحق الحق و يبطل الباطل و لو كره المجرمون فتبين و ظهر من الآيات و الذكر الحكيم ان احقاق الحق و ابطال الباطل علي الله سبحانه و حفظ الحق عليه و نسخ الباطل من شأنه و لايدرك احد من الخلق و لايقدر عليه الا هو سبحانه و هو لايخل بالحكمة يقينا و لايكله الي غيره و هو قادر مطلع حكيم لايفعل العبث و خلاف الاولي فيحفظ ديننا علي يد ولينا و يشهد بذلك اخبار عديدة مطابقة للكتاب و دليل العقل فمن ذلك ما روي عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان الارض لاتخلو من حجة كيما ان زاد المؤمنون شيئا ردهم و ان نقصوا شيئا اتمه لهم و انت تعلم ان كلمة شيئا نكرة في سياق الشرط يفيد العموم فان زاد المؤمنون شيئا و لو قليلا ردهم و ان نقصوا شيئا و لو قليلا اتمه لهم و ان لم‌تدرك كيفية زيادتهم و نقصانهم فان تدبيرهم من وراء عقولنا فلرب شئ تراه زيادة و هو تام و لرب امر تراه تاما و هو نقصان و هم اعلم بمصالح الناس فاذا دل الدليل القاطع علي ان الرد للزيادة و اتمام النقصان من صنع الحجة لا المكلفين و انه معصوم مطهر ناظر قادر مأمور من الله سبحانه فلايترك الرد و الاتمام ابدا و عنه عليه السلام مازالت الارض الا و لله فيه الحجة يعرف الحلال و الحرام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 59 *»

و يدعو الناس الي سبيل الله تدبر رحمك الله في هذا الحديث ان الحجة هو الذي يعرف الحلال و الحرام و هو الذي يدعو فاذا كان التعريف و الدعوة عليه و لم‌تك من صنع احد غيرهم فلم لايرضي نفس امرء ان يتكل عليهم و يعتمد علي ولايتهم و يستهديهم و يستعرفهم ما يشاء من امر دينه و هل يظن ظان انهم يقصرون مع عصمتهم في التعريف و الدعوة و الله امرهم بذلك و عن احدهما عليهما السلام ان الله لم‌يدع الارض بغير عالم و لولا ذلك لم‌يعرف الحق من الباطل انظر في هذا الحديث المبارك كيف صريح في تصديق دعواي ان تعريف الحق و الباطل من صنع الله بوليه و ليس ذلك من صنع الرعية ابدا فلم‌يكلفوا بذلك ابدا فمن تكلف ذلك من غير اعتماد علي العماد و الله لايحب المتكلفين ابتلي بما ابتلي به العامة الذين لا مولي لهم فاجتهدوا لتحصيل الظنون و اسهروا فيه العيون و اقرحوا الجفون و الجنون فنون و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان جبرئيل نزل علي محمد صلي الله عليه و آله يخبر من ربه عز و جل فقال يا محمد لم‌اترك الارض الا و فيها عالم يعرف طاعتي و هداي و يكون نجاة فيما بين قبض النبي الي خروج النبي الآخر و لم‌اكن اترك ابليس يضل الناس و ليس في الارض حجة داع الي و هاد الي سبيلي و عارف بامري و اني قد قضيت لكل قوم هاديا اهدي به السعداء و يكون حجة علي الاشقياء تدبر ان كانت نفسك مشتاقة الي الحق كيف بين الله سبحانه انه لايترك ابليس ان يضل الناس و ليس في الارض نور في مقابله و حق بازاء باطله و ان ذلك من صنع الله سبحانه و لذا قال سبحانه في كتابه و لكل قوم هاد و لو كان الانسان بنفسه يخرج من لجج هذه الشبهات لم‌يكن يحتاج الي هاد و لما علم الله سبحانه انهم لايهتدون الا ان يهدوا قضي لهم الهداة و عن النبي صلي الله عليه و آله ان لكل بدعة من بعدي يكاد بها الايمان وليا من اهل بيتي يذب عنه و يعلن الحق و يرد كيد الكائدين و في اخري بعد قوله يذب عنه ينطق بالهام من الله و يعلن الحق و ينوره و يرد كيد الكائدين و يعبر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 60 *»

عن الضعفاء فاعتبروا يا اولي الابصار و توكلوا علي الله ماادري هل تعتبر بهذه الاخبار و تتوكل علي الله في دينك ام لا و هل تعتمد عليه انه يذب عنه و يعلن الحق و ينوره و يرد كيد الكائدين من تحريف المحرفين و دس الداسين و تأويل الجاهلين و نقص الناقصين و زيادة الزائدين ام لا و عن اميرالمؤمنين عليه السلام في دعاء له اللهم لا بد لارضك من حجة لك علي خلقك يهديهم الي دينك و يعلمهم علمك لئلاتبطل حجتك و لايضل متبع اوليائك بعد ان هديتهم به اما ظاهر ليس بالمطاع او مكتتم مترقب ان غاب من الناس شخصه في حال هدايتهم فان علمه و آدابه في قلوب المؤمنين منبثة و هم بها عالمون اعتبر من هذا الخبر ان الهادي لا بد و ان يكون و ان الله سبحانه لايكل قوما الي انفسهم و لايشترط في هدايته ان يروه باعينهم و انما عليه الهداية و لو باشراق انواره في قلوبهم و تسديدهم و العجب من قوم انهم يجوزون ان يكون ابليس يجري منهم مجري الدم و ان يوسوس في ضماير قلوبهم و يكون بها عالما و لايكون الامام الحجة القادر القاهر نور الله و قدرته و علمه و احاطته قادرا علي التسديد و تقريب البعيد و تبعيد القريب و تسهيل العسير فاعتبروا يا اولي الابصار و انظروا لو خاصم الحجة الاغيار بين يدي الجبار انكم نقصتموني عن الشيطان و انتهكتم بذلك حرمة الرحمن ماذا يجيبون و عن ابي‌جعفر عليه السلام قال ان الله لم‌يدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان من دين الله عز و جل فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم و اذا نقصوا اكمله لهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم انظر وفقك الله كيف لم‌يرض الله سبحانه بالتباس الامر و انزل حجة جليلا يعلم الزيادة فيردها و يعلم النقصان فيكمله و عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال الارض لاتكون الا و فيها عالم يصلحهم و لايصلح الناس الا ذلك تدبر كيف احكم الله خلقه و لم‌يدع ما يصلح الخلق الا و قد خلق لهم لئلايفسدوا قبل بلوغ الغاية فتبطل الحكمة و عنه عليه السلام ان الله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 61 *»

لم‌يدع الارض الا و فيها عالم يعلم الزيادة و النقصان فاذا زاد المؤمنون شيئا ردهم فاذا ( و اذا ظ ) نقصوا اكمله لهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لم‌يفرق بين الحق و الباطل تدبر في صراحة هذا الخبر فيما ندعيه و نقول و عن بقية‌الله عليه السلام و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا سترها السحاب انظر في هذا الخبر ان في يوم الغيم هل يشتبه علي الناس طريق و هل يفقد احد شيئا غاية الامر انه لايري قرص الشمس و انه من وراء السحاب فكذلك الامام عليه السلام قد غاب وراء سحاب الجور و اخفي شخصه و نوره و علمه و آدابه في العالم منبثة يهتدي به المهتدون و عنه عليه السلام انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء فاذا كان لنا موالي مطلعون عالمون قادرون مراقبون متحملون مأمورون هادون معرفوا الحق و الباطل متكفلوا رد الزيادة و اكمال الناقص فممن نخشي و ان كيد الشيطان كان ضعيفا و يد الله فوق ايديهم نعم لعمري ان ما ذكروا متمش في طريق المخالفين الذين لا امام لهم و حبلهم علي غاربهم يتخطفهم الذئاب الضارية و ينهشهم الكلاب العاوية فليخشوا ما يخشون و اما نحن فلانبالي اذا اهيلت علي الارض السماوات بعد نيل ولاها اليس الله بكاف عبده و يخوفونك بالذين من دونه و من يضلل الله فما له من هاد و من يهدي الله فما له من مضل اليس الله بعزيز ذي انتقام فاذا خلق الله لنا هاديا و هدانا اليه و رزقنا معرفته فما لنا من مضل انشاء الله و عن اميرالمؤمنين عليه السلام في حديث كميل اللهم بلي لاتخلو الارض من قائم لله بحجة ظاهر او خافٍ مغمور لئلاتبطل حجج الله و بيناته و عن الصادق عليه السلام انظروا علمكم هذا عمن تأخذونه فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و عنه عليه السلام يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين و تحريف الغالين و انتحال الجاهلين كما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 62 *»

ينفي الكير خبث الحديد الي غير ذلك من الاخبار الموافقة لكتاب الله سبحانه و في دون ذلك كفاية للمؤمن انظر ايدك الله في هذه الاخبار و جس خلال الديار و اعتمد علي ائمتك في آناء الليل و النهار و لاتخش من دس الداسين و لا تحريف المحرفين و لا كذبة الكاذبين و لا سهو الساهين و لا غلط الغالطين و لا خطاء الخاطئين و لا نسيان الناسين و لا غير ذلك فان الامام المطلع علي جميع ذلك من ورائك متكفل لتعريف حقه من باطله و صدقه من كذبه و خطائه من صوابه و لولا ذلك لالتبس عليك و علي ساير الموالين امورهم البتة و سنذكر لك كيفية الاخذ بالاخبار و سبيل الاعتماد عليها فترقب و اعلم انك لو قدرت قدره لعرفت اني ارحتك عن حمل الاسفار و نقل الاقوال و تكلف اللأواء و الخشية من الاعداء و ادخلتك في حصن حصين و صيصية متين و الحمد لله رب العالمين .

قاعدة اعلم ان لا كل خبر صح صدوره عنهم صح العمل به و لا كل خبر صح العمل به وجب ان يصح صدوره عنهم اما الاول فانه قد يصدر عنهم عليهم السلام خبر عن تقية و يصل الينا في حال عدم التقية و عرفنا انه صدر تقية و وصل الينا حكم آخر لا تقية فيه فحينئذ يكون الخبر صحيح الصدور و ليس بصحيح العمل فانا امرنا بمخالفة العامة و علمنا انهم ليسوا من الحق بمراح و لا مغدي و ان الرشد في خلافهم و اما الثاني فانه رب خبر موضوع مثلا قد وصل اليك بواسطة ثقة و هو لايعلم انه موضوع و انت لاتعلم و لكن اصل مضمونه موافق للكتاب او موافق مع اخبار اخر او ليس شئ من ذلك و لكن لا معارض له و الحجة الخبير عالم به و بانه موضوع و لكن ربما لصحة معناه و موافقته لمزاجك و صلاحك قرره و سدده و القاه اليك لامور هو اعلم بها و انت لاتعلم انه موضوع و تكليفك في الظاهر اذا اخذته عن ثقة و لا معارض له و لا مانع عنه ظاهرا ان تعمل به بتقرير الحجة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 63 *»

المطلع فهو صحيح العمل به و ليس بصحيح الصدور في الواقع و انت تفكر في نفسك اولا في مرادك هل مرادك الوصول الي ما يصح عملك به و عملك به يسقط التكليف عنك و يبرئ ذمتك او تريد الاطلاع علي ما صح صدوره فان تفكرت علمت ان مطلوب المكلف ما يصح عمله به ثم ما له و ما يصح صدوره واقعا فعلي هذا دع يكون فيه دس او سهو او نسيان او خطاء او تحريف او غير ذلك فانك و الاخبار بعين الحجة و تستهديه فما قربه اليك خذ به و ما بعده عنك فاتركه و لكن الاستهداء يحصل اذا دخلت من الباب الذي امرت بالدخول منه و الله سبحانه يقول و اتوا البيوت من ابوابها و قال ليس البر ان تأتوا البيوت من ظهورها و الباب هو الذي فتحوه كما يأتي انشاء الله تعالي و نبينه لقوم يهتدون به بحول الله و قوته فاذا دخلت من الباب و قصدت دخول البيت مستأذنا مستأنسا بصاحب البيت دخلته انشاء الله و ما عليك من ساير المخاوف و يقول لك راعي البيت لاتخف نجوت من القوم الظالمين و ليكن نظرك فيما يقربه اليك الحجة و اعتمادك عليه و اعمل بما هو من صنعك و يؤدي اليه علمك و قدرتك ثم ذر ما ليس في صنعك و لاتتكلف فان الله لايحب المتكلفين و قد قلنا مرة كلاما بليغا في نصيحة بعض الاخوان قلت له ان الاعمال عملان عمل هو من شأن الرب و عمل هو من شأن العبد اما الذي من شأن الرب فالربوبية و الذي من شأن العبد العبودية فاذا اشتغلت بعبوديتك و الله سبحانه لايخل بربوبيته قام النظام و حصل المرام و ان غصبت الربوبية و لم‌تقدر عليها خذلك الله سبحانه و انت تارك للعبودية فلا العبودية فعلت و لا علي الربوبية قدرت ففسد النظام و لم‌تبلغ المرام و كذلك انت اذا ذهبت ترتكب ما ليس في صنعك ابتليت بالشكوك و الشبهات و الحيرة و ظن السوء بالدين كما نري رجالا يزعمون انه فقد النبي و غاب الولي و بقي الدين ضالا لا راعي له و هم الذين يمنون علي الله في حفظ دينه و يتكلفون المشقات ليلا و نهارا و يمشون علي الارض في دلال و منة علي الله و علي رسول الله و الائمة عليهم السلام و المؤمنين انهم يحفظون دينه و الله غني عنهم و هو يمن عليهم ان هداهم للايمان ان كانوا صادقين و الله سبحانه يقول انا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 64 *»

نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون فدع ما هو في صنع الله لله و لوليه و هو حفظ الدين و تعريف الاحكام و تمييز الحق من الباطل و رفع اللبس و اشتغل بما هو من صنعك من العمل بما وصل اليك من الرواة الثقات و قرره الحجة و لم‌يأت له بمانع عن العمل علي ما نبينه انشاء الله تعالي .

قاعدة اعلم ان للاشياء حالتين حالة ذواتها قبل عروض العوارض عليها و حالة عروض العوارض عليها فالحالة الاولي في اصطلاحنا تسمي بالحالة الاولية الواقعية و الحالة الثانية تسمي عندنا بالحالة الثانوية النفس الامرية فللحالات الواقعية مقتضيات و للحالات النفس الامرية مقتضيات كما هو بين و قد ذكرنا ان الله سبحانه لايحكم في شئ بمقتضي ذاته لغناه المطلق و انما يحكم بمقتضي ذلك الشئ لافتقاره الي الهداية و الحكم فبذلك يختلف احكام الله سبحانه في الاشياء فله حكمان حكم واقعي متعلق بواقعيات الاشياء و حكم نفس امري متعلق بنفس امريات الاشياء اما واقعيات الاشياء من غير قاسر و لا عارض فقد حجبت عن هذه الدنيا يوم اهبط آدم علي نبينا و آله و عليه السلام فان العالم اقترن بالاعراض و حدث فيه الامراض و بدا فيه العدوان و ظهر فيه الطغيان حتي قتل قابيل هابيل و ظهرت التقية التي هي اصل كل بلية و فشا الجور و تغير الطور حتي قال آدم علي نبينا و آله و عليه السلام :
تغيرت البلاد و من عليها       ** * **      و وجه الارض مغبر قبيح
و استمر الامر علي ذلك و سيستمر الي قيام القائم عليه السلام بل الي ظهور رسول الله صلي الله عليه و آله و قتل ابليس و جنوده و ازالة كل خبيث عن الدنيا حتي يظهر الجنتان المدهامتان و يظهره الله سبحانه علي جميع الدنيا فعند ذلك يعود العالم علي البدء و يصفو فيظهر حينئذ احكام الله سبحانه المتعلقة بالاشياء علي الوضع الالهي الاولي و اما الآن فاحكام الله سبحانه علي حسب المقتضيات الثانية كما تري صلوة المتقي غير صلوة المستأمن و صلوة الصحيح غير صلوة المريض و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 65 *»

صلوة الخائف غير صلوة الآمن و هكذا تختلف الاحكام بحسب اختلاف الاحوال و لله سبحانه في كل حال حكم مخصوص بها فتبين و ظهر ان لله سبحانه حكمين و ليس لاهل هذه الازمان التتبع عن الحكم الاولي اذ ليسوا مكلفين بذلك و لم‌يرد الله سبحانه اياه منهم و هذا التكليف الثانوي يختلف بحسب اختلاف الاوقات و الامكنة و الاشخاص و الحالات اختلافا ليس يخفي علي ذي مسكة فاحكام زمان الغيبة مثلا تختلف مع احكام زمان الحضور و احكام زمان عدم التقية تختلف مع حالها او شدتها البتة و احكام زمان انطماس الآثار و تلف كثير من الاخبار تختلف مع زمان ظهور الامر و اجتماع الاخبار و وجود كثير منها او كلها بالجملة قال الله سبحانه ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و كلمة ما من ادوات العموم و هنا يدل علي العموم علي نحو البدلية لمكان النفي فكلما غير القوم شيئا مما بهم غير ما بهم من حكم تلك الحال البتة و لو حالا جزئيا و لو مقدار ادارة عين و تحريك يد فتختلف الاحكام علي حسب اختلاف الحالات و نحن ينبغي لنا ان نطلب الحكم الذي متعلق بحالنا البتة و لايعلم حقايق هذه الاحكام المتعلقة بهذه الاحوال الا الحجة الموضوع لذلك و لغيره و ليس لاحد من المكلفين معرفة ذلك فانهم لم‌يعطوا الاحاطة بجميع الكم و الكيف و الزمان و المكان و الحالات و مااشهدهم الله خلق السموات و الارض و لا خلق انفسهم فليس في صنعهم معرفة شئ من ذلك الي ان يعرفهم الله ذلك بواسطة لسانه الناطق و حجته علي الخلق و القائم مقامه بالحق فتبين ان ذلك عليهم و كشف ذلك ايضا عن لزوم الحجة في كل عصر و الا لم‌يعرف الحق من الباطل في ذلك العصر و التبس علي المسلمين امورهم في ذلك العصر فالحجة القائم في كل عصر هو المبين المعرف لتكليف كل شخص في كل بلد في كل وقت و انما ذلك عليه لا علي الخلق و لا من صنع الخلق و هذا الامر بين و لكن نتبرك بذكر بعض الاخبار فقيل لابي‌عبدالله عليه السلام المعرفة من صنع من هي قال من صنع الله عز و جل و ليس للعباد فيه صنع و قال ان الله عز و جل احتج علي الناس بما آتاهم و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 66 *»

عرفهم و قال عليه السلام ليس لله علي خلقه ان يعرفوا قبل ان يعرفهم و للخلق علي الله ان يعرفهم و لله علي الخلق اذا عرفهم ان يقبلوه و سئل عمن لم‌يعرف شيئا هل عليه شئ قال لا و قال لرجل اكتب ان من قولنا ان الله يحتج علي العباد بما آتاهم و عرفهم الي ان قال و ماامروا الا بدون سعتهم و كل شئ لايسعون له فهو موضوع عنهم و لكن اكثر الناس لا خير فيهم و قيل له اصلحك الله هل جعلت في الناس اداة ينالون بها المعرفة فقال لا فقيل فهل كلفوا المعرفة قال لا علي الله البيان لايكلف الله نفسا الا وسعها و لايكلف الله نفسا الا ما آتاها الخبر ، الي غير ذلك من الاخبار فتبين و ظهر من الكتاب و السنة و العقل المستنير ان الناس لايعرفون تكاليف كل زمان و لايكفي في ذلك اخبار السلف لانها اخبار يجب العمل بها الي يوم القيمة و فيها حكم كل زمان و كل مكان و كل شخص مخلوط بعضه ببعض و لايقدر احد علي استخراج حكم نفسه منها لعدم علمه بحاله فلا بد و ان يكون الحجة عليه السلام مراقبا لكل مجاهد حتي يهديه الي سبل تكاليفه و ذلك قوله سبحانه الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فاذا عرف الانسان من نفسه هذا الاعتقاد و تيقن به سكن و اطمئن و من وثق بماء لم‌يظمأ فعرف انه لم‌يخلق سدي و لم‌يترك مهملا و له راع يرعيه كيف شاء كما قال الصادق عليه السلام الذي فرق بينكم هو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه و هو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها و خوف عدوها الخبر ، و قد قال الحجة عليه السلام انا غير مهملين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و قال عليه السلام و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا سترها السحاب فتبين و الحمد لله انا مرعيون بعين الله محفوظون بحفظ الله لنا من يسددنا و يعرفنا الحق و الباطل في كل وقت بما يناسب حالنا و زماننا و مكاننا و عليه التعريف و لا تعريف الا بالابلاغ الكامل و ذلك مما لنا عليه و لايقصر و ليس علينا الا الطلب و التسليم فبعد ذلك كلما وصل الينا فهو مما هدانا اليه و بلغه الينا قطعا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 67 *»

لا فرق بيننا في هذه الغيبة المنقطعة و بين من كان في حضورهم و كان يستفتيهم و يجيبونه بما هو صلاحه ابدا فانهم شهداء الله في خلقه يروننا و يسمعوننا اذ نحن بمرأي منهم و مسمع و نحن نستفتيهم بالطلب من حيث امرونا فهو جهادنا في الله و بالله و عليهم ان يهدونا و يهدون لا محالة و لاتحسبن الله مخلف وعده رسله فاسكنوا رحمكم الله الي عدتهم و اطمئنوا بهدايتهم و اعلموا ان ما وصل اليكم بعد الطلب هو تكليفكم القطعي البتي الذي عرفوكم و لاتكونوا كالعامة العمياء الذين يئسوا من الهادي لهم كما يئس الكفار من اصحاب القبور .

قاعدة لاتضطربوا و لاتستوحشوا من اختلاف الاخبار و لاتظنوا انه من نوائب الاعصار و لعب الفجار و انه دليل عدم كونها من دين الله و من عند الله سبحانه لان احكام الله سبحانه علي حسب اختلاف القوابل الثانية النفس الامرية و القوابل قد اختلفت بمقتضي اللطخ و الخلط في هذه الدنيا و لها في انفسها احكام مختلفة و لايصلحهم الا ذلك و انما مثلهم كالمرضي الذين يراجعون طبيبا حاذقا فيصف لاحدهم الدواء الحار و للآخر البارد و للآخر الرطب و للآخر اليابس و انما ذلك بسبب نصحه المرضي و حذاقته لا بسبب عدم كماله في علمه و جهله بالمداواة بل من جهة اختلاف اسباب الامراض و انما علي المرضي تسليم اختلاف معالجاته و لنعم ما قال الكليني في اول الكافي حيث قال و قد ذكرت ان امورا قد اشكلت عليك لاتعرف حقايقها لاختلاف الرواية فيها و انك تعلم ان اختلاف الرواية فيها لاختلاف عللها و اسبابها الي ان قال فاعلم يا اخي ارشدك الله انه لايسع احدا تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه الا علي ما اطلعه العالم عليه السلام الي آخر كلامه رفع الله في الخلد اعلامه و انما تبركنا بكلامه لما روي ان كتابه عرض علي الحجة عليه السلام و رضيه و امر بالاخذ به فقوله كالخبر فاختلاف الاخبار رحمة من الله سبحانه علي هذه الفئة و هذا احد معاني قوله صلي الله عليه و آله اختلاف امتي رحمة و انما امته من قال صلي الله عليه و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 68 *»

آله جماعة امتي من كان علي الحق و ان كانوا عشرة فالامة هذه الفرقة الناجية المرحومة و اختلافهم رحمة عليهم في هذه الازمان البتة فلايستوحشنك اختلاف هذه الفرقة و اختلاف اخبارهم فانها بسبب اختلاف القوابل و لان هذه الاخبار مستنبطة الاحكام الي يوم القيام و ايدي هداية الحجة فيوصل كل طالب الي ما ينبغي له بها البتة و يدل علي ان الاختلاف من قبلهم اخبار عديدة منها عن منصور بن حازم قال قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ما بالي اسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال انا نجيب علي الزيادة و النقصان و عن الصادق عليه السلام انه قيل له ليس شئ اشد علي من اختلاف اصحابنا قال ذلك من قبلي و عن موسي بن اشيم قال دخلت علي ابي‌عبدالله عليه السلام فسألته عن مسألة فاجابني فبينا انا جالس اذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاءه آخر فسأله عنها بعينها فاجابه بخلاف ما اجابني و صاحبي ففزعت من ذلك و عظم علي فلما خرج القوم نظر الي فقال يا بن اشيم كأنك جزعت قلت جعلني الله فداك من ثلث اقاويل في مسألة واحدة فقال يا بن اشيم ان الله فوض الي سليمان بن داود امر ملكه فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و فوض الي محمد امر دينه فقال ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فان الله تبارك و تعالي فوض الي الائمة منا ما فوض الي محمد صلي الله عليه و آله فلاتجزع و عن ابي‌الحسن عليه السلام قال اختلاف اصحابي لكم رحمة و قال اذا كان ذلك جمعتكم علي امر واحد و سئل عن اختلاف اصحابنا فقال عليه السلام انا فعلت ذلك بكم لو اجتمعتم علي امر واحد لاخذ برقابكم و عن زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام قال سألته عن مسألة فاجابني قال ثم جاء رجل آخر فسأله عنها فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاء رجل آخر فاجابه بخلاف ما اجابني و صاحبي فلما خرج الرجلان قلت يا بن رسول الله رجلان من اهل العراق من شيعتك قدما يسألان فاجبت كل واحد منهما بخلاف ما اجبت به الآخر قال فقال يا زرارة ان هذا خير

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 69 *»

لنا و لكم و لو اجتمعتم علي امر واحد لقصدكم الناس و لكان اقل لبقائنا و بقائكم قال فقلت لابي‌عبدالله عليه السلام شيعتكم لو حملتموهم علي الاسنة او علي النار لمضوا و هم يخرجون من عندكم مختلفين قال فسكت فاعدت عليه ثلث مرات فاجابني بمثل جواب ابيه و عن محمد بن سنان قال كنت عند ابي‌جعفر الثاني عليه السلام فاجريت اختلاف الشيعة فقال يا محمد ان الله تبارك و تعالي لم‌يزل منفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا و عليا و فاطمة فمكثوا الف دهر ثم خلق جميع الاشياء فاشهدهم خلقها و اجري طاعتهم عليها و فوض امورها اليهم فهم يحلون ما يشاؤن و يحرمون ما يشاؤن و لن‌يشاؤا الا ان يشاء الله تبارك و تعالي ثم قال يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق و من تخلف عنها محق و من لزمها لحق خذها اليك يا محمد و في رسالة ابي‌عبدالله عليه السلام الي زرارة فاحببت ان اعيبك ليحمدوا ( ليخمدوا ظ ) امرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون بذلك منا دافع شرهم عنك الي ان قال فلايضيقن صدرك من الذي امرك ابي و امرتك به و اتاك ابوبصير بخلاف الذي امرناك به فلا والله ماامرناك و لاامرناه الا بامر وسعنا و وسعكم الاخذ به و لكل ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحق و لو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردوا الينا الامر و سلموا لنا و اصبروا لاحكامنا و ارضوا بها و الذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه و هو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن من فسادها و خوف عدوها الي ان قال فاجب يرحمك الله من حيث تدعي الي حيث ترعي حتي يأتي من يستأنف بكم الدين استينافا و سئل عليه السلام انه ربما دخلت المسجد و بعض اصحابنا يصلون العصر و بعضهم يصلي الظهر فقال انا امرتهم بهذا لو صلوا علي وقت واحد لعرفوا فاخذ برقابهم و عن ابي‌جعفر عليه السلام انه قال يا زياد ما تقول لو افتينا رجلا ممن يتولينا بشئ من التقية فقال انت اعلم جعلت فداك قال ان اخذ به فهو خير له و اعظم اجرا و في اخري ان اخذ اوجر و ان تركه والله اثم و عنه عليه السلام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 70 *»

من عرف من امرنا انا لانقول الا حقا فليكتف بما يعلم منا فان سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم ان ذلك دفاع و اختيار له الي غير ذلك من الاخبار فاذا كان الاختلاف من قبلهم و جهتهم و هم حجج معصومون شهداء خلق السموات و الارض فارتفع عن الشيعي المسلم الوحشة و الاضطراب و يجب التسليم لامرهم و الاعتقاد بان ذلك لاختلاف الاسباب و العلل و لايجب في اختلاف اخبارهم ان يكون بعضها مطابقا لاقوال العامة فان مطابقة العامة احد مقتضيات الاختلاف و لهم علوم بساير المقتضيات قد خفيت عن الرعية و هم اعلم بجهاتها بل لايعلم جميعها غيرهم فكيف يمكن لاحد التصدي لرفع اختلاف الاخبار و وضع كل خبر محله الا من اخذ عنهم و تعلم منهم و هذه القاعدة قاعدة شريفة تسكن بها نفس المؤمن المسلم لامرهم و الراد اليهم امره انشاء الله و تبين مما ذكرنا انه ليس جل هذا الاختلاف من اجل دس الداسين او تحريف المحرفين او التقية عن العامة الطاغين بل هو لاجل اسباب و علل عديدة لايعلمها بجميعها الا هم عليهم السلام و يجب في العمل الوقوف موقف امرهم و نهيهم و تعليمهم كيفية الاخذ بها و لايقدر احد علي وضع قواعد لاستنباط الاحكام منها اذ لايعلم وجوه اختلافها فلربما يرجح خبرا علي خبر برأيه و هواه ثم يأمر بواحد و ينهي عن واحد و ليس ذلك علي وجه ارادتهم و قد قالوا عليهم السلام اما انه شر عليكم ان تقولوا بشئ ما لم‌تسمعوه منا و انما بعض اصحابنا نظر الي كتب العامة الذين القي حبلهم علي عاتقهم و اهملوا انفسهم بترك الراعي فوضعوا قواعد برأيهم في رفع اختلاف اخبار النبي صلي الله عليه و آله فاخذ بها جهلا و غفلة ان قواعد من ليس له حجة داع هاد حافظ من الله سبحانه لاتتمشي في دين من له حجة داع هاد حافظ من الله سبحانه ذلك بان الله مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم فانت اذا كان لك من هو اولي بك و بدينك و مالك من نفسك فسلم لامره و لاتقدم بين يديه و الا فانت و ما تشاء خذها قاعدة كلية تحيي بها موات النفوس .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 71 *»

قاعدة اعلم ان الله سبحانه لما خلق الخلق و عرف منهم انهم لايعلمون شيئا الا ما علمهم و لايعرفون شيئا الا ما آتاهم و علم منهم انهم مختلفوا العقول و المدارك و ان اكثرهم في قيد العادات و الشهوات و الطبايع و النواميس و العقل مع ذلك كله لايقدر علي معرفة الحقايق و الصلاح و الفساد و كان قد حكم في حكمته بنجاة كل محسن و هلاك كل مسئ بعث اليهم انبياء مبشرين و منذرين لئلايكون للناس علي الله حجة بعد الرسل فيقولوا انا كنا عن هذا غافلين و يقولوا لولاارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك و نكون من المؤمنين فلو علم ان عقولهم كافية في معرفة الصلاح و الفساد لمابعث الانبياء و لماارسل الرسل فارسال الرسل ادل دليل علي عدم رضاه باستبداد العقول بآرائها و ما تفهمها كما قال ابوعبدالله عليه السلام في رسالته الي اصحابه و لو كان الله رضي منهم اجتهادهم و ارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لم‌يبعث اليهم فاصلا لما بينهم و لا زاجرا عن وصفهم و انما استدللنا ان رضي الله غير ذلك ببعثه الرسل بالامور القيمة الصحيحة و التحذير من الامور المشكلة المفسدة الخبر ، فبعد ما بعث الله الانبياء بالبينات الواضحات وجب الرد اليهم في صغير الامور و كبيرها و يجب الرد اليهم في كل شئ وقع الاختلاف فيه او لم‌يقع فانهم السلاطين و نحن رعاياهم يجب علينا الرجوع اليهم في جميع امورنا سواء تخالفت آراؤنا او تطابقت و هذا قوله تعالي اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الي الله و الرسول و قال فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و قال و ما اختلفتم فيه من شئ فحكمه الي الله و قال ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و قال و ماكان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و كثير من الآيات و الاخبار تدل علي ذلك كما هو معلوم فبعث الرسل الي الناس و قاموا بينهم بالقسط و انذروهم بالعدل و كانوا في عصرهم كالعلماء في هذه الاعصار و كانت الناس كالمقلدين يرجعون اليهم في صغير الامور و كبيرها و كذلك في عصر الاوصياء المعصومين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 72 *»

عليهم السلام القائمين مقامهم الجاري فيهم ما يجري في اولئك الرسل و قد روي عن الرضا عليه السلام انه قال اين التقليد الذي كنتم تقلدون جعفرا و اباجعفر و عن ابي‌عبدالله عليه السلام يغدو الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء الي غير ذلك من الاخبار فكان الناس يختلفون اليهم و يأخذون عنهم و يسألونهم عن مسائل دينهم و يجيبونهم بلسانهم كما يجيب العلماء مقلديهم بلسان يفهمونه و يعرفونه بل اشد و اشد لعلمهم بمزاج كل احد و مقدار فهمه و عدم علم العلماء بذلك و كان يستحيل ان يجيبوا السائل المرتاد بما لايعرفه لانهم كانوا مأمورين من عند الله سبحانه بابلاغ ما بعثوا به و نزلوا لاجله فكيف كان يمكن ان يجيبوا بما لايعرفه السائل المنقطع اليهم ذلك ظن الذين لايوقنون بل كان يأتيهم اهل البوادي و الاعرابي و يسألونهم عن مشكلاتهم فيكشفون عن مبهمهم و يبلغون الدعوة اليهم و كان شأنهم ذلك كما روي عن المحاسن قال رسول الله صلي الله عليه و آله انا معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم و قال تعالي و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم و قال ان عليك الا البلاغ فكان كلامهم في اجوبة المسائل علي قدر عقول الناس و ان لكلامهم من وراء ما يفهمه الناس وجوها اخر من التأويل و الباطن يأخذون بايها شاؤا و لكن لا بد و ان يكون لكلامهم وجه يوافق العقول الظاهرة و هو مرادهم منه في الظاهر و ما كان في خطاباتهم من اصطلاح خاص بهم يعرفون رعيتهم بالترديد و التكرير كما يعرف الآباء ابناءهم اللغات بالترديدات و القرائن و الاشارات حتي يتعلموا تلك الاصطلاحات و تصير عندهم واضحة و هذا شأن كل ذي فن و اصطلاح بالنسبة الي تلامذته و لا شك ان لهم اصطلاحات خاصة لانهم لاينطقون بهوي انفسهم و انما ينطقون بوحي خاص من الله و ان الله علمهم تلك الاصطلاحات في القرآن و الوحي و ليلة المعراج و تعلموا من الله ثم علموا رعيتهم و لايجوز علي الرعية حمل كلامهم فيما لهم فيه اصطلاح علي لغتهم و المتداول عندهم الا ان يأخذوا منهم و جميع التكاليف التي جاؤا بها لهم لفظ فيها يجب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 73 *»

اخذها عنهم و لايفهم ذلك بالاستدلال و القياسات و الرجوع الي غير اهل ذلك الاصطلاح كما ان العالم في الاكسير اذا تكلم في علمه لايمكن معرفة اصطلاحه باللغة و الاستدلالات الا بالاخذ عنه و كذلك العالم في الصرف و النحو و المعاني و البيان و الحكمة و غيرها فاهل الدين ايضا لهم اصطلاحات يجب تحصيل القطع بان ذلك هو مرادهم من ذلك اللفظ و لايحصل القطع الا بالاخذ عنهم و ذلك مشاهد مرئي ان الالفاظ المستعملة في القرآن و الاخبار في مقام التكليف ليس علي طبق اصطلاح العرف من غير اهل ذلك الدين فيجب الاخذ عنهم فما ثبت تفسيره عنهم بواسطة التصريح او القرائن و الترديد يؤخذ به و ما لم‌يثبت نحمله علي مقتضي اللغة فانه لو كان مراد الحكيم غير ما نعرف لاقام عليه قرينة تدل علي مراده فانهم يكلمون الناس بقدر عقولهم فظهر لمن هو علي الفطرة المستقيمة ان ما كان من اللغة فلايحتاج الي الاستدلال فانه موقوف بتصريحهم و ما كان من اصطلاحهم فكذلك فانه لايعرف الا بتصريحهم و اذا وقف الناس موقف الاخذ تقليدا من كل من الفريقين لم‌يقع كثير اختلاف و لم‌يؤل الامر الي هذه الفرقة و الشقة فان ما كان في كل منهما مما لا اختلاف فيه فهو و ما كان مما فيه اختلاف و قام عليه دليل قطعي علي احد المعاني فهو و الا فهو من المتشابهات و لم‌تقم الحجة به علي العباد فان حجة الله هي الحجة البالغة كما قال الصادق عليه السلام في وصيته لمفضل من شك و ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و عن النبي صلي الله عليه و آله الامور ثلثة امر تبين رشده فاتبعه و امر تبين لك غيه فاجتنبه و امر اختلف فيه فرده الي الله عز و جل و عن الصادق عليه السلام انما الامور ثلثة امر بين رشده فيتبع و امر بين غيه فيجتنب و امر مشكل يرد حكمه الي الله و رسوله صلي الله عليه و آله و امثال ذلك من الاخبار كثيرة و لايجوز القول في المشكلات بالرأي و الظن و الدليل العقلي كما وردت اخبار كثيرة في النهي عن القول بجميع ذلك منها ما رواه العاملي عن عبدالله بن جعفر في قرب الاسناد عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله اياكم و الظن فان الظن اكذب الكذب و عن علي بن محمد الخزاز في كتاب الكفاية بسنده عن يحيي البكاء عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله ستفترق امتي علي ثلث و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و الباقون هالكون و الناجون الذين يتمسكون بولايتكم و يقتبسون من علمكم و لايعملون برأيهم فاولئك ما عليهم من سبيل ه‍ ، و تدل علي ذلك آيات و اخبار كثيرة ليس هيهنا مقام ذكرها و قد بينا بعضها آنفا فظهر ان اللازم الرجوع الي الرسل و الاوصياء في جميع الامور كرجوع المقلدين الي علمائهم حرفا بحرف فان العلماء ايضا يجب ان يكونوا مقلدين للاوصياء فالعاملي عن عبدالله بن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 74 *»

جعفر في قرب الاسناد بسنده عن احمد بن محمد بن ابي‌نصر قال قلت للرضا عليه السلام جعلت فداك ان بعض اصحابنا يقولون نسمع الامر يحكي عنك و عن آبائك فنقيس عليه و نعمل به فقال سبحان الله لا والله ما هذا من دين جعفر هؤلاء قوم لا حاجة بهم الينا قد خرجوا من طاعتنا و صاروا في موضعنا فاين التقليد الذي كانوا يقلدون جعفرا و اباجعفر الحديث ، فيجب ان يكون العلماء مقلدين للاوصياء عليهم السلام في كل باب لاينطقون بشئ من غير سماع كما اورد العاملي عن الكليني بسنده عن يونس عن بعض اصحابه قال سئل ابوالحسن عليه السلام هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون اليه قال لا و بالاسناد عن يونس عن جميل عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال يغدو الناس علي ثلثة اصناف عالم و متعلم و غثاء فنحن العلماء و شيعتنا المتعلمون و ساير الناس غثاء و بسنده الي هاشم صاحب البريد قال قال ابوعبدالله عليه السلام في حديث اما انه شر عليكم ان تقولوا بشئ ما لم‌تسمعوه منا و بالجملة تزيد الاخبار في هذا المعني حد التواتر و لايشك فيه عاقل فظهر وجوب كون العلماء من الائمة عليهم السلام ككون المقلدين من العلماء ان في كتب العلماء عاما و خاصا و مطلقا و مقيدا و مجملا و مبينا و محكما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 75 *»

و متشابها و امرا و نهيا و الفاظا فيها حقيقة و مجاز و اشتراك و كلي و جزئي و غير ذلك و لايجوز للمقلد ان يجتهد في مدلول هذه الامور و حجية بعضها و رد بعض الي بعض و صحة استعمال بعض و بطلان آخر و حمل كلام المجتهد علي مقتضي ادلته الا بنص خاص من المجتهد و معرفة اصطلاحه بالسماع عنه بواسطة او وسايط كذلك في اخبار الائمة سلام الله عليهم جميع الامور المذكورة موجود و لايجوز الاستدلال علي شئ من ذلك بالاجتهاد و الرأي الا بسماع منهم بواسطة او وسائط حرفا بحرف فكما ان للمجتهد اصطلاحا فللامام اصطلاح فكما انه يتكلم في الاغلب بلغة اهل زمانه كذلك الائمة عليهم السلام فكما لايكشف اجراء اصل العدم عن المقلد و الاستصحاب عن شئ من رأي المجتهد لايكشف شئ من ذلك عن رأي الامام فانك ان قلت ان الامر في هذا الزمان للوجوب فالاصل عدم تخالف الامر الذي استعمله المفيد مع هذا الامر لايكشف عن رأي المفيد و لايعلم المقلد انه هل هو رأي المفيد ام لا كذلك الائمة عليهم السلام حرفا بحرف و بالجملة جميع الاستدلالات آراء منهي عنها الا ما صدر عن اهل بيت الطهارة علي سبيل القطع و اليقين فلايحتاج الي شئ من ذكر ما في الكتب الاصولية و النظر فيه فانا لسنا من شيعتهم و نحن من شيعة آل‌محمد عليهم السلام و نرجع في جميع ذلك اليهم فما قال آل‌محمد قلنا و ما دان آل‌محمد دنا و نعم ما قال الشاعر :
اذا شئت ان تختر لنفسك مذهبا       ** * **      ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي و مالك       ** * **      و احمد و المروي عن كعب‌الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم       ** * **      روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
فالعاملي عن كتاب فضل الشيعة عن ابي‌اسحق النحوي قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول الي ان قال فوالله لنحبكم ان تقولوا اذا قلنا و تصمتوا اذا صمتنا و نحن فيما بينكم و بين الله ماجعل الله لاحد خيرا في خلاف امرنا .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 76 *»

قاعدة اعلم وفقك الله انك بعد ما حصلت العربية بالصرف و النحو و التتبع في كتب العربية او العشرة مع العرب الفصيح في ازمنة ثم تتبعت كتب الاخبار و الاحاديث و كتب اللغة يحصل لك قوة تعرف معاني الاخبار بحسب اللغة و تصير كاحد العرب المعاصرين للحجج عليهم السلام و ان يكن لك قريحة فهم اللحن في الكلام يحصل لك القرائن الدالة علي المطلوب دلالة قطعية اللهم الا في بعض الاخبار المتشابهة فيشتبه عليك الامر و لاتجد المخرج عنه و ذلك ايضا بعمد من القائل لحكمة فيه كما ان في القرآن متشابهات و ليس من عجز الله سبحانه عن البيان و لكن في الاكثر تعرف المراد من ظواهر عربيته و تقطع به قطعا عاديا و ذلك ايضا امر فطري كما انك تقطع بمطالعة كتب التواريخ بمراد المورخ و لاتشك الا في قليل منها و تقطع في كتب الفقهاء بمرادهم من دون شك فان يعجب عاجب فليعجب من هذه القضية ان من جميع الكتب يحصل القطع بمراد الكاتب الا من كتب الائمة عليهم السلام و هل ذلك الا من شبهات اهل السنة حيث فتحوا باب حجية الظن ليعملوا فيما سوي الاخبار بالظن حيث قالوا الاصل حجية الظن و جميع الالفاظ و الاخبار ايضا ظنية ليلبسوا علي الناس ساير ظنونهم ما بالهم اذا نظروا في كتب اخر انهم يدعون حصول العلم برأيهم و اذا نظروا في خبر يدعون الظن بمضمونه ليس ذلك الا من شبهات عرضت للاذهان و ان يعجب عاجب فليعجب من انهم يراجعون اقوال العلماء ثم يدعون الاجماع و يقولون هو دليل قطعي كيف كان يمكن القطع بالاجماع اذا ظننت اتفاق قوم فان قلت يحصل القطع بمرادهم فما بال الاحاديث صارت ظنية بين جميع كتب الدنيا ماادري الم‌يكونوا فصحاء حتي يؤدوا الكلام بحيث لايشتبه مع ان عليا عليه السلام يقول و انا لامراء الكلام و فينا تهدلت غصونه و تنشبت عروقه و عنهم عليهم السلام اعربوا حديثنا فانا قوم فصحاء اكان كل اهل الدنيا افصح منهم حتي صار يحصل العلم بقول كل قائل و كتاب كل كاتب دونهم ام كانوا فصحاء و ادوا الكلام احسن اداء و لكن الافهام اختلطت و اختبطت خبط عشواء بل قلوبهم في غمرة من هذا بل هم من هذا عمون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 77 *»

فانها لاتعمي الابصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور انظر وفقك الله لنفسك و اتق الله فيها و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة و اجتنب المزالق و احتفظ المضال و توكل علي الله المتعال و تتبع بعد العربية بنظر الفطرة خلي البال فما اقاموا لك قرينة علي المراد الخاص منهم خذ به و ما لم‌يقيموا قرينة فلايفقدك اللغة العربية فاجر الكلام عليه و ما اشتبه عليك فرد حكمه الي الله عز و جل و قل لاادري كالمقلد الذي لايفهم من كتاب المجتهد رأيه فاذا سئل عن تلك المسئلة عن قول ذلك المجتهد يقول لاادري و اياك و التكلان علي مظنون الدلالة فتكون من العاملين بالظن و تكون ممن قال الله فيهم سيقول الذين اشركوا لو شاء الله مااشركنا و لا آباؤنا و لاحرمنا من دونه من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتي ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان‌تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون و احذر من هذه الآية قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الاثم و البغي بغير الحق و ان تشركوا بالله ما لم‌ينزل به سلطانا و ان تقولوا علي الله ما لاتعلمون و قوله يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا و لاتتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين انما يأمركم بالسوء و الفحشاء و ان تقولوا علي الله ما لاتعلمون ، و عن ابي‌الحسن عليه السلام اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و ان جاءكم ما لاتعلمون فها و اهوي بيده الي فيه و عن الصادق عليه السلام لايسعكم فيما نزل بكم مما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت و الرد الي ائمة الهدي حتي يحملوكم فيه علي القصد و يجلوا عنكم فيه العمي و يعرفوك فيه الحق قال الله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و عنه عليه السلام من افتي الناس برأيه فقد دان بما لايعلم و من دان بما لايعلم فقد ضاد الله حيث احل و حرم فيما لايعلم و امثال ذلك من الاخبار المتواترة اوردناها في رسالتنا فصل‌الخطاب فانها رسالة جامعة في هذه الابواب و الله الهادي الي طريق الصواب .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 78 *»

قاعدة ان النفس اذا كانت علي الفطرة تركن الي خبر الثقة العدل المتدين المتحرج القاطع في خبره اذا لم‌تسبق بشبهة و لم‌يختلط ذهنها سواء كان بواسطة او وسائط كما نري من انفسنا في ساير الاخبار من امر الدنيا و من اصحابنا و اخبارهم بل نحلف علي صدقه في بعض الاوقات كما اذا جاءك كتاب من صاحبك الثقة و هو في بلد بعيد بوقوع حادثة في ذلك البلد تقطع به و تشهد الا اذا التفتت الي الشبهات و الشكوك و غيرت الفطرة و شككت نفسك فانك حينئذ تتردد و تتزلزل و اما بحسب الفطرة المستقيمة تركن الي خطه و ختمه و خبره و تقطع به و ذلك امر وجداني بل لو قال لك ثقة ان هذا رأي فلان العالم قطعا تقطع به من دون ترقب شئ آخر كما انك تري جميع العلماء اولهم و آخرهم يركنون الي حكاية بعضهم قول بعض آخر من دون ترقب شئ آخر و يقطعون به و لايكذب احد منهم احدا سواء نقل عنه بواسطة او بدون واسطة بل يصدقونهم من دون ترقب شئ في نقلهم قول العامة سواء بعد عصرهم او قرب و من المعلوم ان العلماء لم‌يلاقوا فقهاء اهل السنة الذين كانوا في اعصار الائمة عليهم السلام و انما ينقلون بواسطة و وسائط و مع ذلك يصدق بعضهم بعضا من غير التفات الي الشكوك و الشبهات و يعرضون الاخبار علي تلك الاقوال و يرجحون مخالفها و يفتون بها بل يصدقون علماء النحو في رواية بعضهم عن بعض اذ ليسوا متهمين في نقل ذلك بل علماء اللغة و الشعراء و الادباء و اهل السير و الاطباء في نقل بعضهم عن بعض لذلك فما بال الثقات لايصدقون في نقلهم عن الائمة عليهم السلام اجميع تلك الشبهات في اخبار الائمة عليهم السلام وحدهم دون جميع العالم و هذا مما لاينبغي و الحق تصديق الثقات فيما يروون عن الائمة عليهم السلام علي سبيل القطع سواء رووه مرسلا او مسندا كساير اخبار العالم و ذلك شئ لاينكره ذو فطرة سليمة عن الشكوك و الشبهات العامية و لذلك تواترت الاخبار عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم في قبول خبر الثقة و كتابه كما رواه الكليني بسنده عن عمر بن حنظلة قال سألت اباعبدالله عليه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 79 *»

السلام عن رجلين من اصحابنا الي ان قال فرضينا ان يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم فقال الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما في الحديث و اورعهما و ما رواه الصدوق عن حماد بن عيسي انه قال قال لي ابوعبدالله عليه السلام يوما اتحسن ان تصلي يا حماد قال قلت يا سيدي انا احفظ كتاب حريز في الصلوة قال فقال لا عليك قم فصل الخبر ، و ما رواه العاملي عن الكليني بسنده عن احمد بن اسحق عن ابي‌الحسن عليه السلام قال سألته و قلت من اعامل و عمن آخذ و قول من اقبل فقال العمري ثقتي فما ادي اليك عني فعني يؤدي و ما قال لك عني فعني يقول فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون قال و سألت ابامحمد عليه السلام عن مثل ذلك فقال لي العمري و ابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان الحديث ، و عن الطوسي باسناده عن ابان بن عثمان ان اباعبدالله عليه السلام قال له ان ابان بن تغلب قد روي عني رواية كثيرة فما رواه لك عني فاروه عني و عن كتاب اكمال‌الدين بسنده عن اسحق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمن العمري ان يوصل لي كتابا قد سئلت فيه عن مسائل اشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب‌الزمان عليه السلام اما ما سألت عنه ارشدك الله و ثبتك الي ان قال و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و اما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه و عن ابيه من قبل فانه ثقتي و كتابه كتابي و عن محمد بن الحسن في كتاب الغيبة بسنده عن الحسين بن روح عن ابي‌محمد الحسن بن علي عليهما السلام انه سئل عن كتب بني‌فضال فقال خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا و عن محمد بن عمر الكشي في كتاب الرجال بسنده الي يونس بن عمار ان اباعبدالله عليه السلام قال له في حديث اما ما رواه زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام فلايجوز لك ان ترده و بسنده عن المفضل بن عمر ان اباعبدالله عليه السلام قال للفيض بن مختار في حديث له فاذا اردت حديثنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 80 *»

فعليك بهذا الجالس و اومي الي رجل من اصحابه فسألت اصحابنا عنه فقالوا زرارة بن اعين و بسنده عن عبدالله بن ابي‌يعفور قال قلت لابي‌عبدالله عليه السلام انه ليس كل ساعة القاك و لايمكن القدوم و يجئ الرجل من اصحابنا فيسألني و ليس عندي كل ما يسألني عنه فقال ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي فانه سمع من ابي و كان عنده وجيها و بسنده عن يونس بن يعقوب قال كنا عند ابي‌عبدالله عليه السلام فقال اما لكم من مفزع اما لكم من مستراح تستريحون اليه ما يمنعكم من الحرث بن مغيرة النصري و بسنده عن المسيب الهمداني قال قلت للرضا عليه السلام شقتي بعيدة و لست اصل اليك في كل وقت فممن آخذ معالم ديني قال زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا الحديث ، و بسنده عن مسلم بن ابي‌حية قال كنت عند ابي‌عبدالله عليه السلام في خدمته فلما اردت ان افارقه ودعته و قلت احب ان تزودني فقال ائت ابان بن تغلب فانه قد سمع مني حديثا كثيرا فما رواه لك عني فاروه عني و بسنده عن عبدالعزيز بن المهتدي و الحسين بن علي بن يقطين جميعا عن الرضا عليه السلام قال قلت لااكاد اصل اليك اسئلك عن كل ما احتاج اليه من معالم ديني افيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ ما احتاج اليه من معالم ديني فقال نعم و بسنده عن معاذ بن مسلم النحوي عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال بلغني انك تقعد في الجامع فتفتي الناس قلت نعم و اردت ان اسألك عن ذلك قبل ان اخرج اني اقعد في المسجد فيجيئني الرجل فيسألني عن الشئ فاذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون و يجئ الرجل اعرفه بمودتكم و حبكم فاخبره بما جاء عنكم و يجئ الرجل لااعرفه و لاادري من هو فاقول جاء عن فلان كذا و جاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك فقال اصنع كذا فاني كذا اصنع و بسنده عن احمد بن ابرهيم المراغي ورد علي القسم بن العلاء و ذكر توقيعا شريفا يقول فيه فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و بسنده عن علي بن سويد قال كتب الي ابوالحسن عليه السلام و هو في السجن و اما ما ذكرت يا علي ممن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 81 *»

تأخذ معالم دينك لاتأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا فانك ان تعديتهم اخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله و رسوله و خانوا اماناتهم انهم ائتمنوا علي كتاب الله فحرفوه و بدلوه فعليهم لعنة الله و لعنة رسوله و لعنة ملائكته و لعنة آبائي الكرام البررة و لعنتي و لعنة شيعتي الي يوم القيمة و بسنده عن احمد بن خاتم ماهويه قال كتبت اليه يعني اباالحسن الثالث عليه السلام اسأله عمن آخذ معالم ديني و كتب اخوه بذلك فكتب اليهما فهمت ما ذكرتما فاعمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في امرنا فانهما كافوكما انشاء الله و عن احمد بن ابي‌عبدالله البرقي في المحاسن بسنده عن ابي‌بصير قال قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ارأيت الراد علي في هذا الامر كالراد عليكم فقال يا بامحمد من رد عليكم في هذا الامر فهو كالراد علي رسول الله ه‍ ، انظر وفقك الله الي هذه الاخبار المتواترة كيف اوجبت الائمة عليهم السلام الاخذ بخبر الثقة سواء روي الخبر عن الامام بواسطة او وسائط و كيف نهي عن رد خبر الثقة و لاتحسبن ان هذه الاخبار واردة في التقليد علي الاصطلاح المتعارف فان في الاول كانت فتاويهم نفس الاخبار و استفتاؤهم عن نفس الاخبار كما اذا استفتيت اليوم احدا من المقلدين عن مسئلة فانما تستفتيه عن قول المجتهد و يفتيك عن قول المجتهد كذلك كانوا هم في اول الامر كذلك لايجيبون الا بالخبر و لايسئلون الا عن الخبر و لذا ورد الحث الاكيد في زيارة الاخوان و المحادثة و احياء امرهم و ذكرهم و حفظ اربعين حديثا في معالم الدين كما سنذكره فيما بعد انشاء الله و لعل الرجل كان يسأل عيون الشيعة عن حكم فيجيبوه بفتوي الامام فيه و هو يفتي لغيره و يروي و يعمل به من يثق به كهذه الازمان حرفا بحرف فلم‌يك احد منهم كان يقول برأيه و نظره الا بخبر ناص من الامام عليه السلام و من راجع الاخبار و جاس خلال الديار عرف ان الشيعة لاسيما العلماء كانت سيرتهم كذلك الي اواخر الغيبة الصغري و اوائل الغيبة الكبري ثم استمروا علي ذلك الاخباريون و تخلفوا عن ذلك جمع اخر فطالعوا كتب العامة و استأنسوا بها و قوي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 82 *»

فيهم شبهاتهم حتي فعلوا ما فعلوا و صار ما صار و نحن نرجو من الله ان نبقي علي التلاد فان شر الامور محدثاتها و نأخذ بسيرة الشيعة قديما فان الرشد في خلاف العامة العمياء فنحن نتكل علي ما صححه ثقات اصحابنا و نعمل به و لانترقب شيئا آخر و لا فرق عندنا فيما بين ما رووه مسندا او مرسلا و ما بين ما لو كانوا يسمعون عن الامام فانه كل ما يحتمل في المسند و المرسل يحتمل في المسموع ايضا لكن كل ذلك احتمالات تصدر عن الوسوسة كما لو ان ثقة اخبرك عن النهار و انت اعمي تقول يحتمل انك نائم و تتكلم او في عينك مرض تري الليل نهارا او جننت او تري اخاك و تشك فيه و تقول لعله جني تجسم لي و كل ما اري من الناس جن تجسموا لي فان كل ذلك احتمالات ممكنة و مع ذلك كلها وسواس ليست عن الفطرة فانا نري في جميع الحكايات الواقعة و الاخبار نتكل علي خبر الثقة من دون ترقب شئ و نتكل علي الرواة عن العلماء من دون وسوسة و تزلزل اللهم الا مبتلي بالوسواس فيسميه الناس موسوسا و يستهزؤن به بل ربما يتكل النفس علي خبر الاطفال و سائر عرض الناس بحيث يقطع به من دون وسوسة فما ظنك بالعلماء هذا مع ان الناس لايعتنون بساير الاخبار كثيرا و يسامحون في اكثرها و اعتناؤهم بالدين اكثر و اشد و ضبطهم لاخباره اعظم و اهتمام الائمة بحفظ الدين في الغاية و النهاية فكيف يشك صاحب الفطرة السليمة في هذه الاخبار ذلك مع ما ورد من الاخبار في عدم العذر بترك خبر الثقة و وجوب التكلان عليه بلا اكتراث فاذا فهمت ما ذكرنا فاعلم ان الكتاب المبارك الكافي و الكتاب المستطاب المسمي بمن لايحضره الفقيه و كثيرا من كتب الثقات مشهودة بصحتها و حجيتها بل كثير من اخبار التهذيب و الاستبصار بل جميع كتاب الوسائل الحاوي لمائة و خمسة و ثمانين كتابا و ازيد و قد شهد بصحة جميعها الشيخ الحر العاملي رضي الله عنه في اوله صريحا و هذه عبارته في الخاتمة الفايدة الرابعة في ذكر الكتب المعتمدة التي نقلت منها احاديث هذا الكتاب و شهد بصحتها مؤلفوها و غيرهم و قامت القرائن علي ثبوتها و تواترت من مؤلفها ( مؤلفيها ل ) او علمت صحة نسبتها اليهم بحيث لم‌يبق بها شك و لا ريب كوجودها بخطوط اكابر العلماء و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 83 *»

تكرر ذكرها في مصنفاتهم و شهادتهم بنسبتها و موافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة او نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة و غير ذلك ثم اخذ يعد الكتب التي كانت عنده و عد منها قريب تسعين ثم الكتب التي نقل عنها العلماء و اورد نقلهم و عد منها نيفا و تسعين و قال في الفائدة الثامنة في تفصيل بعض القرائن التي تقترن بالخبر بعد ما سرد القرائن و اذا تأملت وجدت كل حديث من احاديث هذا الكتاب محفوفا بقرائن كثيرة و بعضها باكثرها و الله الموفق انتهي ، و بالجملة كل خبر اتت به الثقات لايخلو اما يقولون سمعت عن فلان عن فلان من دون عمل بالخبر و تصحيح له فذلك يصدق علي سماعه عن فلان و اما يقولون سمعت عن فلان عن فلان و يصححونه و يعملون به فذلك مما لايسع احدا رده بهذا الوسواس بوجه من الوجوه فمجمل القول كل خبر عمل به الاصحاب عملنا به و كل خبر تركوه باجمعهم نتركه و لقد اجاد المحقق في المعتبر كما نقل عنه افرط الحشوية في العمل بخبر الواحد حتي انقادوا لكل خبر و مافطنوا ما تحته من التناقض و ان في جملة الاخبار قول النبي صلي الله عليه و آله و سلم سيكثر بعدي المقالة علي و قول الصادق عليه السلام لكل رجل منا رجل يكذب عليه و اقتصر بعض عن هذا الافراط فقال كل سليم السند يعمل به و غيره لايعمل به و ماعلم ان الكاذب قد يصدق و الفاسق قد يصدق و لم‌يتنبه ان ذلك طعن في علماء الشيعة و قذف في المذهب اذ لا مصنف الا و هو قد يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل و افرط آخرون في طرف رد الخبر الواحد حتي احال استعماله عقلا و نقلا و اقتصر آخرون فلم‌ير العقل مانعا لكن الشرع لم‌يأذن في العمل به و كل هذه الاقوال منحرفة عن السنن و التوسط اصوب فما قبله الاصحاب و دلت القرائن علي صحته عمل به و ما اعرض عنه الاصحاب او شذ يجب طرحه انتهي كلامه اعلي الله مقامه و هو كلام منبئ عن التحقيق و هو دقيق انيق اذ الاصحاب لم‌يعملوا بخبر الا بعد تصحيحه سواء كان بالقرائن المفيدة للقطع او السند و لكن فليعلم ان تصحيح العاملين بالظن و عملهم بخبر ليس مما يوجب التصديق بالخبر فانهم انفسهم في شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن و ان الظن لايغني من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 84 *»

الحق شيئا فلايجوز التكلان علي خبر عمل به هؤلاء و انما المرجع تصديق قدمائنا كالشيخ و من قبله و زمرة من المتأخرين من علمائنا الاخباريين و الاصوليين العاملين بالعلم و اليقين و من حذا حذوهم و هذه طريقة استنبطناها من طرق الاخبار لا افواه الرجال و من اخذ علمه عن الرجال ازالته الرجال و من اخذ علمه عن الكتاب و السنة تزول الجبال و لم‌يزل و قد عرفت الاخبار المتواترة في الباب علي وجوب الاخذ بخبر الثقة و الكتاب ايضا يشهد به حيث يقول اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا و مفهومه عدم وجوب التبيين لخبر العادل و قوله تعالي فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين الآية ، قد اورد العاملي في تفسيرها عن معاني الاخبار و العلل بسنده عن عبدالمؤمنين الانصاري قال قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ان قوما يروون ان رسول الله صلي الله عليه و آله قال اختلاف امتي رحمة فقال صدقوا فقلت ان كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال ليس حيث تذهب و ذهبوا انما اراد قول الله عز و جل فلولانفر الآية ، فامرهم ان ينفروا الي رسول الله صلي الله عليه و آله فيتعلموا ثم يرجعوا الي قومهم فيعلموهم انما اراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا في الدين انما الدين واحد ه‍ ، فالواجب علي الناس ان يتكلوا علي اخبارهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون فظهر بالكتاب و السنة وجوب الاخذ بخبر الثقة و ليس هذا تقليدا له بل بعلم عادي حاصل لك بخبر الثقة و انما تقلد الائمة عليهم السلام لا غير كما اذا نقل لك الثقات فتوي عن المجتهد فانك تقلد المجتهد في العمل لا الراوي و وجوب الاخذ برواية الثقة مما قام لنا الاجماع فيه بحيث لا شك يعتريه و علمنا بدخول قول المعصوم عليه السلام بل المعصومين عليهم السلام فيه و ليس بمنحصر بنا بل كل من تتبع وجد ان بناء الدين من عصر النبي الامين صلي الله عليه و آله في اخذ الشرايع كان ابدا كذلك و كان يسأل النبي و الامام عليهما السلام رجل فيفتيه فيه ثم اذا اراد تعليم احد حكي له ما سئل ثم كان يعلم ذلك الثاني غيره و هكذا و كان كل من يثق برجل يأخذ به فان سميت ذلك تقليدا فليس في الدنيا الا التقليد و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 85 *»

ان سميته اجتهادا فليس الا الاجتهاد في الدنيا و هؤلاء المجتهدون الذين يقلدون ان كانوا يقولون في الاحكام بالرأي و الهوي و لايكون ذلك ان شاء الله فهلكوا و اهلكوا و لانقول بذلك و ان كانوا يقولون بالروايات اليس انهم قالوا بما صححوه من الاخبار و قطعوا بصحته و لاجل ذلك قلدتهم و لانه قول الامام عليه السلام و ذلك لعلمك بانهم ثقات مأمونون و انت تعلم انهم لم‌يروا الامام عليه السلام و انما رووا عنه بوسائط فكما انك تقطع برواية مجتهد واحد عن الامام بوسائط كذلك صاحب الفطرة السليمة يقطع برواية الثقة المأمون عن الامام عليه السلام سواء كانت بواسطة او وسايط فان قلت اذا انت مقلد الراوي قلت نعم انا مقلد لكن للامام عليه السلام و اعمل بقول الامام عليه السلام بسبب نقل الثقات عنه اذ اداني الاجتهاد الي ذلك و امرني الامام به كما سمعت في اخبار عديدة كما انت مقلد للمجتهد و ان اخذت بفتاويه بواسطة او وسايط بلا فرق و لست تقلد الوسائط و علي ذلك كان بناء الشيعة قديما و حديثا و ليس عمل الفقهاء اليوم غير انهم يعملون بخبر من وثقوه و صححوا خبره و اذ قلنا انه لايجب الفحص عن المعارض فليس ساير زحماتهم الا تكلفا و مشقة لانفسهم و يعملون في آخر تكلفاتهم بخبر احد الثقات و كان يجزيهم العمل به اولا هذا مع انا اذا حصل لنا العلم العادي من اخبار الثقة بانه فتوي الامام انتقلنا عن الثقة الي الامام و وقعنا علي قوله و فتواه و جاوزنا الراوي و تقليد الراوي يكون اذا لم‌يحصل لك العلم بقول الامام عليه السلام و لم‌تر الا الراوي فتقلده من حيث هو فاذا حصل لك العلم بقول الامام عليه السلام فيكون الراوي سببا من الاسباب كما ان الكتب و الاقوال تكون سبب وقوع الفقيه علي فتوي الامام و ليس يقلد الكتاب و لا الاقوال و كما ان الوسائط بين الفقيه و المقلد تكون اسباب علم المقلد بقول الفقيه فلاجل ذلك هو مقلد الفقيه لا الوسائط و لولا انسك بما سمعت لتيقنت من كلامي انه ليس الحق الا ما اقول و لا قوة الا بالله .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 86 *»

قاعدة في الاستدلال علي صحة الاخبار التي عليها مدارنا اليوم بعد غيبة امامنا صلوات الله عليه و علي آبائه من بعض القرائن المفيدة للقطع وحدها وحدها او بتراكمها و هي امور : منها انا نري من النقلة عن العلماء و المقلدين لهم في عصرنا و ما بلغنا من ساير الاعصار انهم لايكتفون بنقل كل من ينقل عن العلماء الا ان يطابق كتاب ذلك العالم المنقول عنه المعروف المتواتر منه او يكون الناقل ممن يمكن ان يوثق بقوله فما ظنك بالعلماء الاعلام من مثل ثقة الاسلام و صدوق الملة و شيخ الطايفة و ساير علمائنا المحدثين ايمكن ان يصنفوا كتبا لعملهم و ارشاد الناس و رفع الحيرة و رواج الملة ثم يقنعوا برواية كل من يروي من الضعفاء و المجاهيل و يثبتوها ثم يضمنوا صحتها و يجعلوها حجة بينهم و بين ربهم لا والله هذا مما لايظن بمثلهم ابدا و من ظن فانما ظنه ظن اثم بل لا بد و ان يكونوا في ذلك علي يقين فان رووا فلايروون الا عن الثقات و ان نقلوها عن كتب لا بد و ان تكون تلك الكتب معتبرة مشهورة متواترة صحيحة ثم لايعملوا بشئ الا بما دلت علي صحته القرائن القطعية لاسيما بعد تصريحهم علي حرمة العمل بالظن و وجوب الافتاء بالعلم و ان قلت انه لا شك انهم حصلوا اليقين بصحة الاخبار و لكن لايجدي لنا نفعا و لايجوز للمستنبط الذي بلغ مبلغ الاستنباط ان يقلدهم حتي يحصل له العلم و من حصول العلم لهم لايحصل العلم لنا قلت ذلك حق و نحن لانكتفي ايضا بذلك و لكن جعلنا ذلك احد القرائن علي ان علماءنا شكر الله مساعيهم لم‌يتهاونوا في اخذ الاخبار و ضبط الآثار و انما عملوا بمجهودهم و عملهم بمجهودهم يبعد الاخبار عن عدم الاعتبار فاذا علم ضبطهم و دقتهم في ذلك يركن اليها النفس اكثر مما لو كانوا متهاونين غير ضابطين و ذلك مما لا شك فيه و لا ريب يعتريه فاذا تراكمت القرائن علي شئ تسكن النفس اليه و ذلك ايضا لا ريب فيه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 87 *»

منها ان مذهب الشيعة قديما و حديثا عدم الاكتفاء برواية كل مجهول و فاسق و خارج من المذهب في دينهم و ماكانوا يعملون بشئ لم‌يثبت عندهم صحته بوجه من الوجوه فاذا كان عدم الاعتماد علي اخبار الفساق و الكذابين من دينهم فمحال ان يكتفوا بذلك و هم عماد الدين و سناد الشرع المبين و قد نقل عن الشيخ بهاءالدين العاملي في مشرق‌الشمسين المستفاد من تصفح كتب علمائنا المؤلفة في السير و الجرح و التعديل ان اصحابنا الامامية كان اجتنابهم لمن كان من الشيعة اولا ثم انكر امامة بعض الائمة عليهم السلام في اقصي المراتب بل كانوا يتحرزون عن مجالستهم و التكلم معهم فضلا عن اخذ الحديث عنهم و اما بالنسبة الي العامة فيظهرون لهم انهم منهم خوفا من شكوتهم الي حكام الضلال و اما هؤلاء المخذولون فلم‌يكن لاصحابنا الامامية ضرورة داعية الي ان يسلكوا معهم علي ذلك المنوال و خصوصا الواقفية فان الامامية كانوا في غاية الاجتناب عنهم و التباعد منهم حتي انهم كانوا يسمونهم الممطورة اي الكلاب التي اصابها المطر و ائمتنا عليهم السلام كانوا ينهون شيعتهم عن مجاملتهم و مخالطتهم و يأمرونهم بالدعاء عليهم في الصلوة و يقولون انهم كفار مشركون زنادقة انهم شر من النواصب و ان من خالطهم فهو منهم و كتب اصحابنا مملوة بذلك كما يظهر لمن تصفح كتاب الكشي و غيره فاذا قبل علماؤنا سيما المتأخرون منهم رواية رواها رجل من ثقات الامامية عن احد من هؤلاء و عولوا عليها و قالوا بصحتها مع علمهم بحاله فقبولهم لها و قولهم بصحتها لا بد من ابتنائه علي وجه صحيح لايتطرق به القدح عليهم و لا الي ذلك الرجل الثقة الراوي عمن هذا حاله كأن يكون سماعه منه قبل عدوله عن الحق و قوله بالوقف او بعد توبته و رجوعه الي الحق او ان النقل انما وقع من اصله الذي الفه و اشتهر عنه قبل الوقف او من كتابه الذي الفه بعد الوقف و لكنه اخذ ذلك الكتاب عن شيوخ اصحابنا الذين عليهم الاعتماد ككتاب علي بن الحسن الطاطري فانه و ان كان من اشد الواقفية عنادا للامامية فان الشيخ شهد له في الفهرست بانه روي كتبه عن الرجال الموثوق بهم و روايتهم الي غير ذلك من المحامل الصحيحة و الظاهر ان قبول المحقق رواية

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 88 *»

علي بن ابي‌حمزة مع تعصبه في مذهبه الفاسد مبني علي ما هو الظاهر من كونها منقولة من اصله و تعليله يشعر بذلك فان الرجل من اصحاب الاصول و كذلك قول العلامة بصحة رواية اسحق بن جرير عن الصادق عليه السلام فانه ثقة من اصحاب الاصول و ايضا تأليف هؤلاء اصولهم كان قبل الوقف لانه وقع في زمن الصادق عليه السلام فقد بلغنا عن مشايخنا قدس الله ارواحهم انه قد كان من دأب اصحاب الاصول انهم اذا سمعوا من احد من الائمة عليهم السلام حديثا بادروا الي اثباته في اصولهم لئلايعرض لهم النسيان لبعضه او كله بتمادي الايام و توالي الشهور و الاعوام و الله العالم بحقايق الامور انتهي ، اقول و مما يدل علي صحة ما نقله الشيخ و حمله ما روي انه سئل الشيخ يعني اباالقاسم رضي الله عنه عن كتب ابن ابي‌العذافر بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل له فكيف نعمل بكتبه و بيوتنا منها ملأي فقال اقول فيها ما قاله ابومحمد الحسن بن علي عليهم السلام و قد سئل عن كتب بني‌فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم و بيوتنا منها ملأي فقال صلوات الله عليه خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا و اما ما يشهد بمبادرتهم باثبات الحديث في كتبهم ما روي من امر الائمة عليهم السلام باثباتهم الحديث فمنها ما روي عن الصادق عليه السلام احتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها و قال اكتب و بث علمك في اخوانك فان مت فاورث كتبك بنيك فانه يأتي علي الناس زمان حرج لايأنسون فيه الا بكتبهم و قال اكتبوا فانكم لاتحتفظون حتي تكتبوا و قال ان القلب يتكل علي الكتابة الي غير ذلك فاذا عرفت ذلك تحصل لك قرينة انهم ماكانوا يأخذون عن كل احد حتي يصيروا من صحة خبره علي يقين و بصيرة فاذا انضم ذلك الي ما سبق يحصل لك زيادة وثوق بالكتب و رواتها لا محالة فان قلت انا نقطع ان بناء عملهم علي اليقين و لكن لايقدح في عدالتهم و وثاقتهم الرواية عن غير الثقات و الضعفاء فان غاية ما يتوقع عن الثقة ان لايكذب في روايته عمن يروي عنه و لكن لا بد و ان يروي ما يقطع بصحته و لايروي ما لايقطع قلت ان ذلك كلام ظاهره متين و لكن لايجري في ثقات اصحابنا الذين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 89 *»

صنفوا الكتب لعمل الناس و عملهم و ضمنوا صحتها و جعلوها حجة بينهم و بين ربهم فاذا صنفوا لاجل ذلك و ضمنوا و تعهدوا لايظن فيهم ان يرووا ما لايعتمدون عليه و يجري هذا الكلام في رواية الثقة اذا لم‌يعمل بها و لم‌يضمن صحتها منها ان مقتضي حكمة الله التامة و حجته البالغة و جد الائمة عليهم السلام و جهدهم في اعلان الشريعة و نشر الدين و علمهم بغيبة الحجة و وقوع الناس في الحيرة ان يضعوا بعدهم علما يقوم مقامهم كما ان رسول الله صلي الله عليه و آله خلف بعده عترته لئلاتضيع من في اصلاب الرجال و كذا الائمة لما علموا من حكمة الله و قضائه انه لا بد لقائمهم من غيبة و يبقي الناس في الحيرة و الهرج و المرج لزم ان يضعوا فيهم كتبا قيمة يرجع اليها الشيعة لئلاتضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و لايكون للناس علي الله حجة و اذا تدبرت لم‌تجد الا هذه الكتب التي عليها مدار الامامية قديما و حديثا و لعمري لو لم‌تقر بذلك لكانت حجتك داحضة و نورك منطفيا لان ذلك يورث النقص في حكمة الائمة و تدبيرهم المدن و الرعية و انا امثل لك مثالا انه لو قال لك رجل خارج عن مذهب الامامية انكم معاشر الشيعة تظنون ان ائمتكم حكماء علماء اعلم الناس بالسياسة المدنية و هم اخبروا ان قائمهم يغيب عن الابصار و تواتر عنهم حرمة العمل بالظن و الرأي و الاجتهاد في الدين و كتاب الله ايضا به مشحون و تواتر عنهم في الاستدلال علي لزوم امام معصوم بعد النبي صلي الله عليه و آله انه لولا ذلك ليضيع من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و لاضطروا الي الرأي و الاجتهاد و يقع بذلك الاختلاف بين الناس و ذلك مناف للحكمة لان الله ذم الاختلاف و قال و مااختلفوا الا من بعد ما جاءهم العلم و قال و لايزالون مختلفين الا من رحم ربك فالمختلفون غير مرحومين و المتفقون مرحومون و لايمكن رفع الاختلاف الا بوجود امام معصوم حتي يرحموا فاخبروني بعد فقد نبيكم و غيبة وليكم ماذا بيدكم من الدين علي اليقين حتي ترجعوا اليه عند الاختلاف و تعملوا باليقين في الدين فان قلت ليس عندنا الدين علي اليقين و نعمل بالظن و التخمين فيقال لك كيف حرم الله عليكم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 90 *»

العمل بالظن ثم سد عليكم باب العلم و اضطركم الي الظن و لم‌يأذن في العمل بالظن عند اضطراركم بل قالوا ان الظن اكذب الكذب فكيف ضيع امامكم من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و كيف اوقعكم في هرج و مرج تجعلون امركم بينكم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و انتم معاشر الشيعة تدعون ان للباطل جولة و للحق دولة فاذا غاب امامكم و ليس بيدكم دين تتيقنون به فقد وهن امركم و انتم علي الباطل و ان قلت بيدنا الدين بعد غيبة الولي الامين علي اليقين و لم‌يتركنا سدي و لم‌يهملنا و وضع فينا ما يرفع الاختلاف و به يهتدي كل من يأتي في قرن قرن و زمن زمن انا اسألك اي كتاب هو و اي حديث هو فان كان غير هذه الكتب المتداولة فجميع العاملين بها علي ضلال اذ لم‌يظفروا بما تقول و ان اضطررت الي ان تقول ان ما وضعوا فينا بعد غيبتهم هذه الكتب و هي يقينية ثبت ما اقول و ان قلت ان هذا الاستدلال حق لا شك فيه و اللازم منه ان يكون فينا امور قطعية من تتبع و استفرغ الجد بقدر الوسع وجده و لايلزم ان يكون جميع ما في هذه الكتب حقا اقول الامور القطعية لا بد و ان تكون قطعية لكل الشيعة بحيث من طلبها وجدها و يجتمعوا عليه بعد الطلب حتي تصير مرجعا عند الاختلاف ان قال قائل دليلكم حق لا مرية فيه و لكن نقول نحن انهم وضعوا بعدهم مرجعا و هو هذه الكتب يقينا و فيها ما يصح العمل به و يورث العلم و كل من تتبع اوصل الحجة المسدد اليه نصيبه و لايضره اذا كان باقي الاخبار ظنية بالنسبة اليه و غاية دليلكم تؤدي الي انه لا بد و ان يكون لكل احد بعد الحجة سناد قطعي و هو ما اوصله المسدد و كفي به اقول اولا ان كان التسديد صحيحا عندك فقد قرر الحجة مدعي الصحة و لم‌يقم دليل علي ابطالهم ابدا ابدا فاتبعهم اولا ثم انهم نهوا عن التشكيك في اخبار الثقات و عدوه في عداد الكفار و قام الاجماع بصحة الاخذ باخبار الثقات و تواتر الاخبار فيه فاتبعه و هذا تسديد الامام لا ما تقول و دل الكتاب علي وجوب الاخذ به فاتبعه و كذا دلت الادلة العقلية ثم بعد ذلك ابهام الاخبار الصحيحة لايكون حجة لله علي خلقه بينة و قولك هذا يجوز ان يكون لله سبحانه في الارض حجة مشتبهة في عرض الخلق و كل من يجتهد يصل الي ما يرضي الله بالتسديد و لايجب ان يكون الحجة ظاهرا معروفا و اي دليل قلت هناك قلنا هنا و انما قلنا بوجوب اخبار صحيحة يكون عليها معول الشيعة و يعرفها كلهم حتي يرتفع بينهم التعادي و الاختلاف و النزاع و كل واحد منهم القي الي الآخر الحجة ضاق عليه التصديق و كان واجبا عليه الاقرار و ايم الله لو اجتمع العلماء علي الاخبار و مفادها لارتفع الاختلاف الا ما كان من قبل الاخبار و هو المطلوب و الرحمة و مع ذلك كل واحد يصدق الآخر فانه ليس من طلب الحق فاخطأه كمن طلب الباطل و وجده و لم‌يكفر احد احدا و لم‌يتبرأ احد احدا و جميع ذلك صار بينهم من باب الآراء و الظنون و الاجتهادات ، منه .
فلو كانت مجهولة و لا بد ان يجتهد كل احد حتي يجدها يصير الاختلاف اعظم فان كل واحد يدعي صحة ما في يده و بطلان ما في يد صاحبه و يقول انا يقينا علي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 91 *»

الحق و صاحبي يقينا علي الباطل فيقع بينهم التشاجر و النزاع و القتل و السبي كما هو موجود بين من سبقت شبهة في ذهنه كما نري ان جماعة من الشيعة ذهبوا الي دعوي الباطن و يأولون الاخبار الي مدعاهم و هم علماء حكماء ظاهرا و جماعة ذهبوا الي دعوي الظاهر و عدم وجود باطن و اولوا الاخبار علي مدعاهم فكفر المنتحلون بالظاهر المنتحلين بالباطن و سموهم الغلاة و المفوضة و الصوفية و كفر المنتحلون بالباطن المنتحلين بالظاهر و رموهم باسهم التقصير و التخلف و كل يدعي انه علي الحق علي اليقين و صاحبه علي الباطل و كل يعمل بالاخبار و يدعي صحة ما في يده ثم اهل الظاهر صاروا فرقتين فمنهم صاروا اخباريين و يعملون بصرف الاخبار من دون استعمال الاعتبار و يدعون صحة الآثار و منهم صاروا اصوليين يستعملون الجد و الاجتهاد و يتبعون الظنون و يدعون سد باب العلم بالاحكام و لزوم استعمال الارتياء و الاجتهاد فيكفر الاخباريون الاصوليين و ينسبونهم الي الضلال و الخروج عن الدين و كذا ينسبون الاصوليون الاخباريين الي الجهالة و البلاهة و عدم معرفة حقيقة الدين بالجملة جعلوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و تحير العوام المساكين بين هؤلاء الاعلام لايدرون قول من يقبلون و الي من يتوجهون مذبذبين بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء فعاد المحذور و اضطررتم الي المحظور فكيف يغني خبر صحيح لايدري ما هو و اين موضعه و يجب استعمال الظنون في وجدانه و اتباع الآراء لفقدانه و كونه صحيحا يقينا في نفسه لايجدي للطالب فانه يجده بالاجتهاد و هو لايورث اكثر من الظن لوقوع الاختلاف و استعمال الادلة و القرائن و هي لاتفيد الا ظنا و علي فرض اليقين لايرفع به الاختلاف لان صاحبه ايضا علي يقين لخلافه كما يدعي فلا بد و ان يكون بين الامة احاديث مضبوطة صحيحة صريحة معروفة مشهودة متواترة تقطع عذر كل معتذر و تبلغ الحجة بها الي كل باد و حاضر و ان قلت لو قلنا هذا لزمنا التناقض في المدعي لان في هذه الاخبار موجود انه قال النبي صلي الله عليه و آله قد كثر علي الكذابة و قد شاع عن الائمة مثل ذلك ان لكل واحد منهم كذابا يكذب عليه و انهم كانوا يدسون في كتب اصحابنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 92 *»

فان كانت هذه الاخبار صحيحة فالكل ليس بصحيح و كذا ان كانت هذه الاخبار غير صحيحة قلت ان محض صدور كذب عن كذاب يوما ما و دس داس في وقت ما لاينقص من اعتبار كتبنا شيئا و لايضر بصحة الجميع فانه لا شك انه قد كذب عليهم و دس في كتبهم لكن الائمة الذين جعلهم الله لحفظ الدين و ضبط الشرع المبين ان زاد المؤمنون شيئا ردوهم و ان نقصوا اتموه لهم فبينوا كذب كل كذاب و اخرجوا دس كل داس و اوضحوها لشيعتهم فحذفوها عن كتب الشيعة فان لهم في كل خلف عدولا ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين فالكل اي كل كتبنا المعتمدة المشهودة بصحتها و اعتبارها صحيحة من غير تناقض و ان ما ذكرت لك ايضا مشهودة في الاخبار بلا غبار منها ان هذه الكتب المتداولة صنفت باذن الائمة و امرهم و حثوا علي كتب الكتب و ضبطها و روايتها و ايراثها و استيراثها غاية الحث و ذلك لانهم كانوا يعلمون انه يأتي علي الناس زمان هرج لايأنسون الا بكتبهم فلو علموا ان هذه الكتب لاتنفع الشيعة و مع ذلك لايحصل لاحد العلم و يضطرون الي الظن لدبروا غير هذا التدبير و سعوا غير هذا السعي و لما رأيناهم امروا بكتب الكتب و الاعتماد عليها و العمل بها و روايتها عرفنا ان ذلك مرضاتهم و كانت مما تورث العلم الذي امروا به فان شئت الاطلاع علي صدق ما ادعيت فانظر الي الاخبار فمن ذلك ما روي عن عبيد بن زرارة قال قال ابوعبدالله عليه السلام احتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها و عن المفضل بن عمر قال قال لي ابوعبدالله عليه السلام اكتب و بث علمك في اخوانك فان مت فاورث كتبك بنيك فانه يأتي علي الناس زمان هرج لايأنسون فيه الا بكتبهم و عن محمد بن الحسن بن ابي‌خالد قال قلت لابي‌جعفر الثاني عليه السلام و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم‌ترو عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حدثوا بها فانها حق و في رسالة ابي‌عبدالله الي اصحابه ايتها العصابة عليكم بآثار رسول الله صلي الله عليه و آله و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 93 *»

سنته و آثار الائمة الهدي من اهل بيت رسول الله صلي الله عليه و آله فان من اخذ بذلك فقد اهتدي و من ترك ذلك و رغب عنه ضل لانهم هم الذين امر الله بطاعتهم و ولايتهم و عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله اللهم ارحم خلفائي قيل يا رسول الله و من خلفاؤك قال الذين يأتون بعدي يروون حديثي و سنتي و عن ابي‌عبدالله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي لعلي عليه السلام قال يا علي اعجب الناس ايمانا و اعظمهم يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم‌يلحقوا النبي و حجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد علي بياض الي غير ذلك من الاخبار المتواترة فاذا كانوا كذلك و امروا و حثوا بهذا المقدار و استحسنوا عمل الذين يتكلون علي الكتب و كتبت الكتب و صنفت بامرهم و عرض اكثرها عليهم و كان عليها مدار الشيعة في عصرهم و هم مطلعون عالمون و مع ذلك قرروا عملهم و استحسنوا و لم‌يبعثوا اليهم ان لايعملوا بكتبهم فانهم قد دس فيها و حرقت و بدلت ظهر ان تلك الكتب المعتبرة كلها مقررة عنهم محفوظة باعينهم يجوز العمل بها و انها قطعية لانهم عالمون مطلعون قادرون علي الاصلاح و نري انهم اصلحوا كثيرا منها و سكتوا عن الباقي و منعوا عن الاخذ عن كثير منهم و سكتوا عن الباقين فعرفنا انها صحيحة محفوظة باعينهم منها ان الله سبحانه خلق بني آدم مدني الطبع لاتقوم حياتهم و لا معاشهم بل و لا معادهم الا بالاجتماع و اعانة بعضهم بعضا و تكفل بعضهم امر بعض و لذلك قدر تمدنهم في المدائن و تبلدهم في البلاد و جعل لكل واحد منهم غريزة تقبل علي عمل من الاعمال و تتنفر من غيره و لربما رجل يقبل طبعه علي عمل يأنف عنه الآخر فلذلك جعلهم علي اختلاف الاصناف و تشتت الاجناس و تفاوت الغرائز فجعل منهم غنيا و منهم فقيرا و منهم عليا و منهم دنيا و منهم صحيحا و منهم سقيما الي غير ذلك من اختلاف الاحوال حتي يتكفل كل واحد ما يناسب طبعه من الاعمال و يقوم بذلك معاشهم و معادهم فجعل واحدا نجارا و واحدا حجارا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 94 *»

واحدا قصارا و واحدا زارعا و واحدا خبازا و واحدا حدادا و واحدا خياطا و واحدا كناسا الي غير ذلك من الصنايع و الاعمال لانه لو رام رجل واحد تكلف جميع ما يحتاج اليه امر معاشه لظل ميتا في اول ساعة من عمره فلاجل ذلك قدر اجتماعهم في المدن و مصاحبة بعضهم بعضا و استعانة بعضهم من بعض و اعانة بعضهم لبعض و لما كان اجتماع الاجناس المختلفة سبب التشاجر و التنازع جعل فيهم ناموسا يجتمعون عليه و يقبلون عنه و مما وضع في تلك الناموسة الجليلة الحكيمة ان جعل كل ذي فن من تلك الفنون و غيرها مؤتمنا علي فنه لساير الناس يجب الاعتماد عليه و يحرم اتهامه ما لم‌يظهر خيانته لانه لو لم‌يعتمد عليه و يؤتمن يجب تكلف جميع ما يحتاج اليه من جميع الفنون حتي يكون علي يقين فينبغي للرجل الواحد ان يبني و يحوك و يزرع و يحصد و يطحن و يخبز و يخيط و يصنع آلات الحديد و الخشب و يجلب لنفسه ما يحتاج اليه من العقاقير و الادوية و الآلات و الادوات من البلاد البعيدة و يصنع السفن و يستنتج الدواب الي غير ذلك لانه لايؤتمن غيره و في ذلك خلاف الصواب و الحكمة و به هلاك الخلق و بوارهم فظهر استيمان الغير في فنه و كسبه ما لم‌يظهر منه خيانة و بذلك وردت اخبار اوردناها في رسالة علي‌حدة وضعناها في ان افعال المسلمين تحمل علي الصحة ما لم‌يظهر منهم ما يخالفها و يصيروا متهمين بذلك حتي انه ورد جواز التعويل علي اذان المؤذنين لانهم امناؤ المؤمنين علي صلوتهم و صومهم و ورد ان المؤذن مؤتمن و قال الصادق عليه السلام ليس لك ان تأتمن من خانك و لاتتهم من ائتمنت و قال لم‌يخنك الامين و لكنك ائتمنت الخائن فليس لاحد ان يتهم احدا من اهل الصنايع ما لم‌يظهر منه خيانة فان في ذلك العسر و الحرج في الدين و هو منفي عنه و اخبار هذا المدعي متفرقة في الكتب الفقهية يعرفها المتتبع و لاتقوم الدنيا و ماقامت الا بها فاذا كان عمل كل ذي عمل يحمل علي الصحة و يعول عليه و يؤتمن و يستعمل ما عملوه في الصوم و الصلوة و الحج و ساير العبادات من غير نكير ماادري كيف تخلف امر الاخبار و نقلة الآثار العدول الثقات العلماء الحلماء الابرار

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 95 *»

الاتقياء مع انهم من اعظم اسباب التمدن اذ بهم يحفظ الناموس و تقام الحدود و تجري الاحكام و لولاهم لباد دين الناس و دنياهم و لفسد امر اخراهم و بهم يحفظ العالم و عليهم اساس عيش بني آدم فان صنعتهم من بين الصنايع ما به يحفظ جميع تلك الصنايع فهل يجوز في العقل ان يكونوا هؤلاء مع عظم هذه الصنعة و عدالتهم و وثاقتهم و علمهم و حكمتهم غير مؤتمنين و يجب تكليف كل نفس ما يحتاج اليه من الصنايع ما يلزم الرجل ان يتصفح عما قبل كونه و يتكلف فانه يزرع في يومه و يحوك مثلا ليومه و ما بعده و اما هذا الامر يجب عليه التصفح عن قبل كونه بالف و مأتي سنة و يتزايد التكليف بتزايد الايام و الاعوام فيجب عليه ان يتصفح عن قبل كونه من كل رجل رجل في اختلاف احواله في مدة عمره و يتصفح عن كل بلد بلد و يعاشر كل امام امام حتي يصير من تلك الاخبار و صحتها و سقمها علي يقين و ذلك ايضا ان كان يتصفح عنه باخبار العلماء المعاشرين لهم الموجودين في كل عصر و بلد المصاحبين لكل رجل فقد ثبت استيمانهم و ان لم‌يستأمنهم و يريد المعاينة لنفسه كيف يتصفح عن يوم قبل كونه فضلا عن السنين العديدة و كيف يتقدم علي كونه و يعاين جميع القرون السالفة و الاعوام الماضية فظهر امتناع تكلف الانام في استعلام ما سلف من الاعوام و ظهر في الحكمة وجوب كون رجال في كل قرن قرن و زمن زمن يحملون الآثار و ينقلون الاخبار و يؤدونها الي نظرائهم فيضبط بذلك الدين و الشرع المبين و ظهر وجوب استيمان اولئك الاخيار الناقلين للآثار اذ لولا استيمانهم للزم علي كل نفس تصفح ما يمتنع عليه كما ذكرنا و ان قلت اني اري ان الرجل يحصل له العلم بكثير من الاحوال الماضية في القرون الخالية و لم‌يعاينها كيف يستلزم ذلك بل عليه ان يتتبع القرائن الموجبة للقطع و يعمل به و ان لم‌يعاين القرون قلت تلك القرائن اما شهادة العلماء او شهرة الخبر عندهم او اجماعهم عليه الي غير ذلك من القرائن و كل ذلك يحصل باستيمان النقلة و لولا استيمانهم لزم استعلام القرون فان من عدم المنظر له المخبر و لايحصل لك في كل خبر خبر و حكم حكم التواتر مع ان التواتر ايضا يحتاج

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 96 *»

الي استيمان النقلة لتحصيل العلم بالتواتر في كل طبقة و ذلك انشاء الله ظاهر و ليس اني ائتمنت علي هذا الدليل العقلي وحده مع انه من اوضح الادلة و اصحها بل وردت اخبار كثيرة تبلغ حد التواتر اوردناها في كتابنا الكبير فصل‌الخطاب و سنورد هنا شطرا منها في محله انشاء الله فقد تبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الفقهاء مؤتمنون علي رواياتهم و يعول عليها و اخبارهم التي صححوها و عولوا عليها او عملوا بها و ضمنوا صحتها كلها صحاح لا شك فيها و لا ريب يعتريها و لايجوز اتهامهم فيها انظر ما يقول السجاد في الدعاء المتواتر عنه في الصلوة علي اتباع الرسل يذكر الصحابة و يصلي عليهم ثم يذكر التابعين و يقول فيهم يدينون بدينهم و يهتدون بهداهم و يقفون عليهم و لايتهمونهم فيما ادوا اليهم و يقول الحجة عليه السلام لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا و قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم الي غير ذلك من الآيات و الاخبار علي ما نسردها في محلها فتدبر فيما ذكرت فانه يبرد الغليل و يشفي العليل و يسقيك من السلسبيل و ان قلت فعلي ذلك يجب علينا تقليدهم في كل ما يقولون و يروون فانهم اهل هذه الصنعة و يجب التعويل علي قولهم و روايتهم قلت اما تقليدهم في الاقوال فقد ورد النهي عنه فيستثني لدليل يأتي في محله و اما في قبول الروايات فليس ذلك من التقليد في شئ لان الفقيه اذا اداه دليله الي قبول قول العادلين في الشهادة مثلا ليس انه يقلدهما و كذا اذا اداه دليله الي قبول قول الثقة او الي استيمان اهل الصنايع الاتري ان قبول رواية العدل التي لا معارض لها اجماعي و ليس انك قلدت الثقة في ذلك و انما عملت باجتهادك الذي اداك الي قبول قوله مع ان التقليد هو قبول قول الغير من غير دليل و هذا ليس بقول للغير و انما هو قبول القول بالدليل عن العدل و ليس علي المخبر العدل الدليل علي اخباره و انما الدليل علي المدعي اليس ان زرارة مثلا اذا روي خبرا عن الصادق عليه السلام لايسئل عنه ما الدليل علي انك سمعت منه و ليس انه يرد خبره بلا دليل و انما الدليل لك في قبول خبره اذ تدعي وجوب قبول خبر العدل الواحد اذ هو

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 97 *»

قول و لاينبغي ان يقلدك احد بمحض ادعائك فاذا ثبت وجوب قبول خبر الثقة و روي لك الثقة رواية لايسئل الثقة عن دليل الاتري انه لو سئل مااستطاع علي اقامة الدليل هو يروي ما سمع ان شئت فاقبل و ان شئت رد فكذلك انا نقبل خبر الثقة سواء رواه مرسلا او مسندا لما ادانا الدليل اليه كالمقلد الذي يروي له العدل رواية عن المجتهد فيسمع المقلد تلك الرواية و يعتمد و ليس انه قلد الراوي و انما قلد المجتهد فكذلك انا نقلد الائمة عليهم السلام و انما العلماء حملة فتواهم الينا نعم اذا قالت الحملة شيئا غير محض الرواية لايقبل قولهم الا بدليل كما انا لانقبل قولكم في عدم استيمان الفقهاء في روايتهم حتي تجتهدوا في ذلك و لو رويتم في ذلك خبرا لقبلنا عنكم ذلك منها اني انشدك بالله هل يفعل ذلك رئيس عاقل فضلا عن الله العليم الحكيم و النبي الكريم و الاوصياء العظام صلوات الله عليهم ان يحرم في كتابه و سنة نبيه العمل بالظن في آيات متعددة و اخبار متشتتة متواترة و يوبخ قوما عملوا بالظن و يعيرهم و ينهي عن العمل بغير علم و يقول ان حجتي بالغة علي ما سائلتني ( سألتني خ‌ل ) عليك ثم يرفع القطع و العلم عن العالم حتي يدعي قوم ان دلالة جميع الكتاب و صدور جميع الاخبار و دلالاتها ظنية و ليس شئ اليوم يوجب القطع و الناس مضطرون الي العمل بالظن و لم‌يكتف قوم آخرون بذلك حتي قالوا ان الظن المطلق يكفي في الدين و ترقي قوم و قالوا ان الاصل حجية الظن الا ما خرج بالدليل فانشدك بالله هل يفعل ذلك من له ادني مسكة حتي جوزتموه علي ربكم و قد عد بعض اصحابنا سبعين آية في كتاب الله تدل علي حرمة العمل بالظن و آيات منها صريحة في المسائل الفرعية و هل تظن حكما من الاحكام تبلغ فيه الآي سبعين و قد اوردنا في فصل‌الخطاب آيات و اخبارا تبلغ حد التواتر و تجوز فاما ردوا كتاب الله و الاخبار المتواترة و جوزوا الظنون بآرائكم في مقابلتهما و اما صدقوها و اتركوا ما انتم ماسكون به و ان قلت ان تلك الآيات و الاخبار في زمان يمكن العلم و اما اليوم لايمكن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 98 *»

و التكليف باق فالعمل بالظن متعين قلت ها ان جمعا من العدول الثقات الذين ينزه ساحتهم عن الكذب و الافتراء علي الله و رسوله يدعون العلم و القطع كيف لايمكن العلم و ثانيا انه لا شك انكم لم‌تحيطوا بالنفوس خبرا و لم‌تحيطوا بها علما و لم‌تعلموا ما في الصدور فكيف قلتم بسد باب العلم علي الجميع مع ان هنا قوما عدولا يدعون حصوله لهم فان تردد الامر بين تصديق قولكم و اخباركم عما لم‌تحيطوا به علما و بين تصديق قولهم و اخبارهم عن انفسهم فتصديقهم متعين لا محالة كما ان تخطأتكم متعين لا محالة فاذا رأينا الكتاب يأمر بالعلم و ينهي عن الظن في سبعين موضعا و رأينا الاخبار تواترت و رأينا العقول لاتأبي عن حصوله بل تصدق و ان قوما عدولا ثقات لايمكن عادة افتراؤهم علي الله يدعون ذلك علمنا ان قولكم غير سديد و انهم صادقون في مدعاهم و انتم ملتم عن القصد فاذا كان الامر كذلك و رأينا الآيات و الاخبار من غير تخصيص بزمان دون زمان بل رأينا انهم نفوا التكليف عند نفي العلم كما ورد لا تكليف الا بالبيان و ورد الناس في سعة ما لم‌يعلموا و ورد كل شئ لك مطلق حتي يرد فيه نص و قال الله تعالي لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و لم‌يرد ان الناس مأمورون بالظن اذا لم‌يعلموا و لم‌يرد اجتهدوا ان لم‌يكن نص و رأينا ان ذلك اكمل و انسب الي الحجة البالغة و ادحض لحجة الجاحدين و رأينا ان العقل يصدق ذلك علمنا ان الله لم‌يرفع العلم عنا و هو موجود بيننا الا ان يحجبنا الشبهات و الشكوك عن ذلك و تعوج فطرنا باتباع العامة العمياء فاذا وجب ان يكون العلم موجودا نسألك ما هو هل هو هذه الكتب المصححة او هو فيها معينا او مجملا و يتبين بالظنون فان قلت هذه الكتب المصححة بتمامها اصبت و ان قلت ان فيها معينا بطلت حجتك و عليك ان تبين الفرق مع ان حكم بعضها حكم كلها و ليس بينهما امتياز متفق عليه و ان قلت فيها مجملا و يتبين بالظنون يرد عليك ما اوردنا سابقا و ان ذلك لايجدي نفعا .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 99 *»

قاعدة اذا عرفت صحة العمل بهذه الاخبار فاعلم ان الائمة عليهم السلام هم الذين اوقعوا الخلاف بين شيعتهم كما مر و يدل علي ذلك كثير من الاخبار و لاتتحير في الاخذ بها و لايكن همك معرفة الحكم الواقعي في هذه الازمان فتتحير في تكليفك و تضطرب فتقول ان باب العلم مسدود و لا بد من العمل بالظن و مما يدل علي ذلك ما عن الاحتجاج عن الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله في حديث اختلاف اصحابي لكم رحمة قيل يا رسول الله من اصحابك قال اهل بيتي و عن العلل عن حريز عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال قلت له انه ليس شئ اشد علي من اختلاف اصحابنا قال ذلك من قبلي و عنه عن حريز عمن حدثه عن ابي‌الحسن عليه السلام قال اختلاف اصحابي لكم رحمة و قال اذا كان ذلك جمعتكم علي امر واحد و سئل عن اختلاف اصحابنا فقال عليه السلام انا فعلت ذلك بكم لو اجتمعتم علي امر واحد لاخذ برقابكم و عنه عن زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام قال سألته عن مسئلة فاجابني قال ثم قال جاء رجل آخر فسأله عنها فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاءه رجل آخر فاجابه بخلاف ما اجابني و اجاب صاحبي فلما خرج الرجلان قلت يا بن رسول الله رجلان من اهل العراق من شيعتك قدما يسألان فاجبت كل واحد منهما بخلاف ما اجبت به الآخر قال فقال يا زرارة ان هذا خير لنا و لكم و لو اجتمعتم علي امر واحد لقصدكم الناس و لكان اوجب لبقائنا و بقائكم قال فقلت لابي‌عبدالله عليه السلام شيعتكم لو حملتموهم علي الاسنة او علي النار لمضوا و هم يخرجون من عندكم مختلفين قال فسكت فاعدت عليه ثلاث مرات فاجابني بمثل جواب ابيه و عن بصائرالدرجات عن موسي بن اشيم قال دخلت علي ابي‌عبدالله عليه السلام فسألته عن مسئلة فاجابني فبينا انا جالس اذ جاءه رجل فسأله عنها بعينها فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاءه آخر فسأله عنها بعينها فاجابه بخلاف ما اجابني و اجاب صاحبي ففزعت من ذلك و عظم علي فلما خرج القوم نظر الي فقال يا بن اشيم ان الله فوض الي سليمان بن داود امر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 100 *»

ملكه فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و فوض الي محمد صلي الله عليه و آله امر دينه فقال ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فان الله تبارك و تعالي فوض الي الائمة منا و الينا ما فوض الي محمد صلي الله عليه و آله فلاتجزع و عن الكشي عن عبدالله بن زرارة في حديث طويل قال له ابوعبدالله عليه السلام ان يقول لوالده فلايضيقن صدرك من الذي امرك ابي عليه السلام و امرتك به و اتاك ابوبصير بخلاف الذي امرناك به فلا والله ماامرناك و ماامرناه الا بامر وسعنا و وسعكم الاخذ به و لكل ذلك عندنا تصاريف و معان توافق الحق و لو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردوا الينا الامر و سلموا لنا و اصبروا لاحكامنا و ارضوا بها و الذي فرق بينكم فهو راعيكم الذي استرعاه الله خلقه هو اعرف بمصلحة غنمه في فساد امرها فان شاء فرق بينها لتسلم ثم يجمع بينها ليأمن فسادها و خوف عدوها و في الاستبصار عن سالم بن ابي‌خديجة عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال سأل انسان و انا حاضر فقال ربما دخلت المسجد و بعض اصحابنا يصلي العصر و بعضهم يصلي الظهر فقال انا امرتهم بهذا لو صلوا علي وقت واحد لعرفوا فاخذ برقابهم و عن الكليني بسنده الي نصر الخثعمي قال سمعت اباعبدالله عليه السلام يقول من عرف انا لانقول الا حقا فليكتف بما يعلم منا فان سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم ان ذلك دفاع منا عنه و عنه بسنده عن الحسين بن مختار عن بعض اصحابنا عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ارأيت لو حدثتك بشئ العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ قلت كنت آخذ بالاخير فقال لي رحمك الله و عنه عن ابي‌عمرو الكناني قال قال لي ابوعبدالله عليه السلام يا باعمرو ارأيت لو حدثتك بحديث او افتيتك بفتياء ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فاخبرتك بخلاف ما كنت اخبرتك او افتيتك بخلاف ذلك بايهما كنت تأخذ قلت باحدثهما و ادع الآخر فقال قد اصبت يا باعمرو ابي الله الا ان يعبد سرا والله لئن فعلتم ذلك انه لخير لي و لكم ابي الله عز و جل لنا في دينه الا التقية ه‍ ، و من هذا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 101 *»

القبيل اخبار كثيرة فاذا كانوا يفتون شيعتهم في مجلس واحد بالاختلاف و بالزيادة و النقصان فما شأنك تريد ان تقع علي الواقع الذي قد اخفوه خوفا من فرعون و ملائه و يقولون ابي الله عز و جل لنا في دينه الا التقية فلاتحزن باختلاف الاحاديث و لاتصد (ظ) رفع ما هم اوقعوا في شيعتهم بعمد منهم و تدبير و سلم لامرهم تسلم اذ لايسعنا الا التسليم قال الله عز و جل فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما ان الله و ملئكته يصلون علي النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما و نحن اقل و احقر من ان نميز بين اخبارهم و ننقد بعضا و نزيف بعضا باهوائنا و آرائنا بل يجب علينا الوقوف حيث اوقفونا و نختار لانفسنا ما اختاروا لنا اذ يقول الله تبارك و تعالي ماكان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا و قد ورد عن الائمة عليهم السلام اخبار مختلفة في علاج الاخبار المختلفة فان اردنا ترجيح بعض تلك الاخبار علي بعض بعقولنا ثم اوجبنا علي انفسنا العمل به و اوجبنا علي الناس العمل بمضمونه و وعدنا لمن تابعنا جنات النعيم و اوعدنا من خالفنا العذاب الاليم فنصير بذلك ممن دان الله برأيه و افتي الناس بهواه و من افتي الناس برأيه لعنته ملئكة الرحمة و ملئكة العذاب و لا طاقة لنا بها فلا حيلة لنا في ترجيح بعض تلك الاخبار علي بعض الا ما لعله يظهر من نفس تلك الاخبار و نحن نورد شطرا من تلك الاخبار ليرتفع الغبار فمن ذلك ما رواه الكليني عن عمر بن حنظلة عن ابي‌عبدالله عليه السلام في رجلين من اصحابنا بينهما منازعة الي ان قال و كلاهما اختلفا في حديثكم فقال الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما في الحديث و اورعهما و لايلتفت الي ما يحكم به الآخر قلت فانهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لايفضل واحد منهما علي صاحبه قال فقال ينظر الي ما كان من روايتهما في ذلك الذي حكما به المجمع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 102 *»

عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه الي ان قال كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به و يترك ما خالف حكمه حكم الكتاب و السنة و وافق العامة قلت جعلت فداك ارأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة و وجدنا احد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم باي الخبرين يؤخذ قال ما خالف العامة ففيه الرشاد فقلت جعلت فداك فان وافقهما الخبران جميعا قال ينظر الي ما هم اليه اميل حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر قلت فان وافق حكامهم الخبرين جميعا قال اذا كان ذلك فارجه حتي تلقي امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات ه‍ ، و روي عن الشيخ و الصدوق و الطبرسي مثله و هذا الخبر مورده في المنازعة في الدين و الميراث الا ان الاصحاب استعملوا مفاده في اختلاف الاخبار و يشكل الاستدلال به و ما رواه عن سماعة عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه احدهما يأمر باخذه و الآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه قال الكليني في رواية اخري بايهما اخذت من باب التسليم وسعك ه‍ ، اقول هذا الخبر اعم من ان يكون الراوي ثقة ام لا ففرض الارجاء في الحكم و السعة في العمل و عنه عن السكوني عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله ان علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نورا فما وافق كتاب الله فخذوه و ما خالف كتاب الله فدعوه و عنه عن عبدالله بن ابي‌يعفور قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به قال اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله و الا فالذي جاءكم به اولي به و عن المحاسن مثله مفاد هذا الخبر انه ليس الاعتبار بالثقة و غيره فان وجدتم شاهدا منهما فهو و الا ينبغي رده الي من جاء به و لايمكن لنا العمل بمقتضي هذا الخبر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 103 *»

لانا لانقدر علي رد جميع الاخبار الي الكتاب و السنة اذ لانعلم منهما الا اقله الا ان نحمله علي ما سيأتي و مثله ما روي عنه عن ايوب بن هاشم عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ما لم‌يوافق الحديث القرآن فهو زخرف ه‍ ، اللهم الا ان نقول ان المراد من غير الموافق المخالف و عنه عن الاحول عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال لايسع الناس حتي يسألوا و يتفقهوا و يعرفوا امامهم و يسعهم ان يأخذوا بما يقول و ان كان تقية ه‍ ، هذا الخبر يفيد السعة في الاخذ بكل ما يقول الامام عليه السلام و ان كان تقية و عنه عن عبدالله بن بكير عن رجل عن ابي‌جعفر عليه السلام في حديث قال اذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهدا او شاهدين من كتاب الله فخذوا به و الا فقفوا عنده ثم ردوه الينا حتي يستبين لكم ه‍ ، و هذا الخبر كخبر عبدالله بن ابي‌يعفور و يمكن ان يقال ان المراد ما لم‌يكن في كتاب الله و سنة نبيه ينبغي فيه الارجاء و التوقف في اصل الحكم و السعة في العمل كما شهد به خبر سماعة او نقول ان المراد بالا ما كان مخالفا للكتاب او كان في الكتاب ما يشتبه معه الامر كما نقل عن امالي الطوسي عن جابر عن ابي‌جعفر عليه السلام في حديث قال انظروا امرنا و ما جاءكم عنا فان وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به و ان لم‌تجدوه موافقا فردوه و ان اشتبه الامر عليكم فقفوا عنده فردوه الينا حتي نشرح لكم ذلك ما شرح لنا و عن العيون عن احمد بن الحسن الميثمي انه سئل الرضا عليه السلام يوما و قد اجتمع عنده قوم من اصحابه و قد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله صلي الله عليه و آله في الشئ الواحد فقال عليه السلام ان الله حرم حراما و احل حلالا و فرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله او تحريم ما احل الله او رفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ما لايسع الاخذ به لان رسول الله صلي الله عليه و آله لم‌يكن ليحل ما حرم الله و لا ليحرم ما احل الله و لا ليغير فرائض الله و احكامه كان في ذلك كله متبعا مسلما مؤديا عن الله ما امره به من تبليغ الرسالة قلت فانه يرد عنكم الحديث في الشئ عن رسول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 104 *»

الله صلي الله عليه و آله مما ليس في الكتاب و السنة ثم يرد خلافه قال كذلك قد نهي رسول الله صلي الله عليه و آله عن اشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي الله و امر باشياء فصار ذلك الامر واجبا لازما كعدل فرائض الله فوافق في ذلك امره امر الله فما جاء في النهي عن رسول الله صلي الله عليه و آله نهي حرام ثم جاء خلافه لم‌يسع استعمال ذلك و كذلك فيما امر به لانا لانرخص فيما لم‌يرخص فيه رسول الله و لانأمر بخلاف ما امر به رسول الله صلي الله عليه و آله الا لعلة خوف ضرورة فاما ان نستحل ما حرم رسول الله او نحرم ما استحل رسول الله فلايكون ذلك ابدا لانا تابعون لرسول الله مسلمون له كما كان رسول الله صلي الله عليه و آله تابعا لامر ربه مسلما له و قال الله عز و جل و ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و ان الله نهي عن اشياء ليس نهي حرام بل اعافة و كراهة و امر باشياء ليس بامر فرض و لا واجب بل امر فضل و رجحان في الدين ثم رخص في ذلك للمعلول و غير المعلول فما كان عن رسول الله صلي الله عليه و آله نهي اعافة او امر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخص فيه اذا ورد عليكم عنا فيه الخبر باتفاق يرويه من يرويه في النهي و لاينكره و كان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الاخذ باحدهما او بهما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 105 *»

جميعا او بايهما شئت و احببت موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله صلي الله عليه و آله و الرد اليه و الينا و كان تارك ذلك من باب العناد و الانكار و ترك التسليم لرسول الله مشركا بالله العظيم فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما علي كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا او حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب و ما لم‌يكن في الكتاب فاعرضوه علي سنن رسول الله صلي الله عليه و آله فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي حرام و مأمورا به عن رسول الله امر الزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول الله صلي الله عليه و آله و امره و ما كان في السنة نهي اعافة او كراهة ثم كان الخبر الآخر خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله و كرهه و لم‌يحرمه فذلك الذي يسع الاخذ بهما جميعا و بايهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم و الاتباع و الرد الي رسول الله صلي الله عليه و آله و ما لم‌تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن اولي بذلك و لاتقولوا فيه بآرائكم و عليكم بالكف و التثبت و الوقوف و انتم طالبون باحثون حتي يأتيكم البيان من عندنا ه‍ ، اقول ما يستفاد من هذا الخبر ان اختلاف اخبارهم لخوف ضرورة و هو التقية و ايقاع الخلاف لحفظ الرقاب و اما ما دون الضرورة فلايختلف اخبارهم الا في الفضل و الاعافة و هذا اخبار عن الواقع ثم اعطي القانون الكلي و هو ان يعرض علي الكتاب ثم علي السنة و هي في مثل زماننا تعرف اما بضرورة المذهب و اما من طرقهم فاما ما عرف بضرورة المذهب حلالا او حراما فيصدق من اخبارهم ما يوافقها و يترك ما يخالفها و يرد الي قائله و كذا ما عرف بالفضل و الرجحان و الاعافة و الكراهة و يحمل اخبارهم المختلفة علي طرفي الرخصة و اما ما لم‌يعلم بالضرورة فلا بد ان يعرف من طرقهم و سبيل العرض فيه مسدود و يجب ان يرد علمه اليهم و ترك القول فيه بالرأي و يجب الكف و التثبت و الوقوف و الطلب حتي يأتينا البيان و الظاهر ان التوقف في اصل الحكم و تعيينه و اما العمل فموسع عليك حتي تري القائم عليه السلام فترده اليه ه‍ ، و عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام قال قلت يجيئنا الاحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك منا فقس علي كتاب الله عز و جل و احاديثنا فان كان يشبهها فهو منا و ان لم‌يكن يشبهها فليس منا قلت يجيئنا الرجلان فكلاهما ثقة بحديثين مختلفين و لانعلم ايهما الحق قال فاذا لم‌تعلم فموسع عليك بايهما اخذت و في العيون عن ابن‌عون مولي الرضا عليه السلام قال من رد متشابه القرآن الي محكمه فقد هدي الي صراط مستقيم ثم قال عليه السلام ان في اخبارنا محكما كمحكم القرآن و متشابها كمتشابه القرآن فردوا متشابهها الي محكمها و لاتتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا ه‍ ، اقول المتشابه ما يشبه الباطل او يشتبه مفاده و لايحصل منه القطع بالمراد فلايجوز اتباعه اذ لايعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 106 *»

و وردت اخبار كثيرة في الاخذ بما خالف القوم منه ما مضي في مقبولة عمر بن حنظلة و منه ما عن العيون عن علي بن اسباط قال قلت للرضا عليه السلام يحدث الامر لااجد بدا من معرفته و ليس في البلد الذي انا فيه احد استفتيه من مواليك قال فقال ائت فقيه البلد فاستفته في امرك فاذا افتاك بشئ فخذ بخلافه فان الحق فيه و عن الشيخ مثله و عن العلل عن ابي‌اسحق الارجائي رفعه قال قال لي ابوعبدالله عليه السلام اتدري لم امرتم باخذ بخلاف ما يقول العامة فقلت لاادري فقال ان عليا لم‌يكن يدين الله بدين الا خالف عليه الامة الي غيره ارادة لابطال امره و كانوا يسألون اميرالمؤمنين عليه السلام عن الشئ الذي لايعلمونه فاذا افتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا علي الناس و عن كتاب صفات‌الشيعة عن الحسين بن خالد عن الرضا عليه السلام قال شيعتنا المسلمون لامرنا الآخذون بقولنا المخالفون لاعدائنا فمن لم‌يكن كذلك فليس منا و عن رسالة سعيد بن هبة‌الله الراوندي عن عبدالرحمن بن ابي‌عبدالله قال قال الصادق عليه السلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما علي كتاب الله الي ان قال فان لم‌تجدوه في كتاب الله فاعرضوهما علي اخبار العامة فما وافق اخبارهم فذروه و ما خالف اخبارهم فخذوه و فيها عن الحسين بن السري قال قال ابوعبدالله عليه السلام اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم و فيها عن الحسن بن الجهم نحوه و فيها عن ابي‌بصير عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ما انتم والله علي شئ مما هم فيه و لا هم علي شئ مما انتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنفية علي شئ و فيها عن داود بن الحصين عمن ذكره عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال والله ماجعل الله لاحد خيرة في اتباع غيرنا و ان من وافقنا خالف عدونا و من وافق عدونا في قول او عمل فليس منا و لا نحن منهم و عن الشيخ عن عبيد بن زرارة عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ما سمعته مني يشبه قول الناس فيه التقية و ما سمعت مني لايشبه قول الناس فلا تقية فيه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 107 *»

و روي في اختلاف الاخبار خذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا فان المجمع عليه لا ريب فيه و ورد في مرفوعة زرارة المشهورة الاخذ بالاحوط و في اولها الاخذ بالمشهورة و ترك النادر و عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب مسائل‌الرجال عن علي بن محمد عليه السلام ان محمد بن علي بن عيسي كتب اليه يسأله عن العلم المنقول الينا عن آبائك و اجدادك عليهم السلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به علي اختلافه او الرد اليك فيما اختلف فيه فكتب ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لم‌تعلموا فردوه الينا ه‍ ، اقول هذا يفيد جواز الاخذ بالمختلفات اذا علم انها منهم و قولهم و عن الاحتجاج في جواب مكاتبة محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الي صاحب‌الزمان عليه السلام الي ان قال عليه السلام في الجواب عن ذلك حديثان اما احدهما فاذا انتقل من حالة الي اخري فعليه التكبير و اما الآخر فانه روي اذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثم قام ليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و كذلك التشهد الاول يجري هذا المجري و بايهما اخذت من باب التسليم كان صوابا و عن الشيخ عن علي بن مهزيار قال قرأت في كتاب لعبدالله بن محمد الي ابي‌الحسن عليه السلام اختلف اصحابنا في رواياتهم عن ابي‌عبدالله عليه السلام في ركعتي الفجر في السفر فروي بعضهم صلها في المحمل و روي بعضهم لاتصلها الا علي الارض فوقع عليه السلام موسع عليك باية عملت و عن العياشي في تفسيره عن سدير قال قال ابوجعفر و ابوعبدالله عليه السلام لاتصدق علينا الا ما وافق كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و روي الاخذ بالاحدث فجملة المرجحات و المعارض الواردة الاخذ بشواهد الكتاب و السنة و بالمجمع عليه و بمخالف العامة و ما هم اليه اميل و ما يشبه اقوالهم و يوافق اخبارهم و بالاحدث و الاحوط و ما رواه الاعدل و الافقه و الاصدق و الاوثق و الاورع و الاخذ بالناسخ و بالمحكم و رد المتشابه اليه و بالمشابه لاخبارهم القديمة و الاخذ بالمفسر و روي الاخذ بالسعة و الارجاء و التوقف كما علمت و لم‌ار من يتصدي لبيان هذه الامور كما ينبغي و يرفع عن محياها النقاب و يكشف عن وجوهها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 108 *»

الحجاب و انا اذكر لك بحول الله و قوته ما منحنا الله سبحانه من بركات ساداتنا عليهم السلام فاعلم ان هذه الوجوه منها معارض لايخالف بعضها بعضا و هي متفقة بعضها ككلها و كلها كبعضها و منها مرجحات اما معارضها فاولها شواهد الكتاب فالمراد بالكتاب هو الكتاب المستجمع علي تأويله و عدم نسخه كما روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام و عن الكاظم و الرضا عليهما السلام فما لم‌يكن من الكتاب هكذا ليس بمعرض البتة فان بظواهره لايمكن رد اخبار آل‌محمد عليهم السلام و انكارها فانهم حملة الكتاب و مفسروه كما نذكره انشاء الله تعالي فما ورد خبر و كان موافقا للكتاب المستجمع علي تأويله و عدم نسخه نأخذ به سواء كان من بر او فاجر و ما كان مخالفا لمثل ذلك الكتاب نتركه سواء كان من بر او فاجر كما ورد به الخبر فهذا احد المعارض التي يجب العرض عليها و لايسع احدا خلافها ثم السنة و المراد بها ايضا السنة الجامعة الغير المفرقة كما روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام و عن الكاظم عليه السلام فما لم‌يكن السنة كذلك لاتكون معرضا و حكما و لايمكن انكار اخبارهم عليهم السلام بسنة اختلف الناس فيها فما وجد من السنة كذلك فهو المعرض الذي يجب العرض عليه فيؤخذ ما يوافقه سواء كان من بر او فاجر و يترك ما يخالفه سواء كان من بر او فاجر و لايخالف السنة الجامعة الكتاب المستجمع علي تأويله ابدا و يصدق بعضه بعضا فايهما امكن هو المعرض الحق و يوافق الآخر لا محالة و من المعارض الحق اجماع العامة فانا لما علمنا بطلانهم عن يقين فلايجمعون ابدا الا علي الباطل يقينا فما وافق اجماعهم من غير مشاركة الشيعة هو باطل يترك سواء كان من بر او فاجر فانهم لايجمعون منفردين عن الشيعة الا علي الباطل و ما وافق اجماعهم منفردين يترك سواء كان من بر او فاجر فان الرشد في خلافهم و اما ما اختلفت العامة فليس بمعرض فانه ان خالف بعضهم الحق وافق بعضهم الحق و اما ما هم اليه اميل فلايكاد يعرف في هذه الازمان فانهم كانوا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 109 *»

اصحاب آراء و اجتهادات و كان اهل كل بلدة مائلين الي واحد و كذا اهل كل عصر و لم‌يجمعوا علي المذاهب الاربعة الا في سنة خمس و ستين في المائة السابعة علي ما نقل و يظهر تفصيل مذاهبهم و آرائهم مما ذكره الاسترابادي في فوائده نقلا من كتاب المواعظ و الاعتبار لتقي‌الدين احمد بن علي بن عبدالقادر قال اعلم ان الله سبحانه لما ابتعث محمدا صلي الله عليه و آله رسولا الي كافة الناس جميعا عربهم و عجمهم و هم كلهم اهل شرك و عبادة غير الله تعالي الا بقايا من اهل الكتاب فكان من امره صلي الله عليه و آله مع قريش ما كان حتي هاجر من مكة الي المدينة و كانت الصحابة حوله صلي الله عليه و آله و سلم يجتمعون اليه في كل وقت مع ما كانوا فيه من ضنك المعيشة و قلت القوت فمنهم من كان يحترف في الاسواق و منهم من كان يقوم علي نخله و يحضر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في كل وقت منهم طائفة عند ما يجدوا ادني فراغ مما هم بسبيله من طلب القوت فاذا سئل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن مسئلة او حكم و امر بشئ او فعل شيئا وعاه من حضر عنده من الصحابة و فات من غاب عنه علم ذلك الاتري ان عمر بن الخطاب قد خفي عليه ما علمه جبل بن مالك بن النابغة رجل من الاعراب من هذيل في دية الجنين و كان يفتي في زمن النبي صلي الله عليه و آله و سلم من الصحابة ابوبكر و عمر و عثمان و علي و عبدالرحمن بن عوف و عبدالله بن مسعود و ابي بن كعب و معاذ بن جبل و عمار بن ياسر و حذيفة بن اليمان و زيد بن ثابت و ابودردا و ابوموسي الاشعري و سلمان الفارسي رضي الله عنهم فلما مات رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و استخلف ابوبكر الصديق تفرق الصحابة رضي الله عنهم فمنهم من خرج لقتال اهل العراق و بقي من الصحابة بالمدينة مع ابي‌بكر عدة و كانت القضية اذا نزلت بابي‌بكر قضي فيها بما عنده من العلم بكتاب الله او سنة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فان لم‌يكن عنده سأل من بحضرته من الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك فان وجد عندهم علما من ذلك رجع اليه و الا اجتهد في الحكم فلما مات ابوبكر و ولي امر الامة من بعده عمر بن الخطاب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 110 *»

فتحت الامصار و زاد تفرق الصحابة فيما افتتحوه من الاقطار و كانت الحكومة تنزل بالمدينة او في غيرها من البلاد فان كان عند الصحابة الحاضرين بها في ذلك اثر من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حكم به و الا اجتهد امير تلك المدينة في ذلك و قد يكون في تلك القضية حكم عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم موجود عند صاحب آخر في بلد آخر و قد حضر المدني ما لم‌يحضر المصري و حضر المصري ما لم‌يحضر الشامي و حضر الشامي ما لم‌يحضر البصري و حضر البصري ما لم‌يحضر الكوفي كل هذا موجود في الآثار و فيما علم من مغيب بعض الصحابة عن مجلس النبي صلي الله عليه و آله في بعض الاوقات و حضور غيره فمضي الصحابة رضوان الله عليهم ما ذكرنا ثم خلف بعدهم التابعون الآخذون عنهم كل طبقة من التابعين في البلاد التي تقدم ذكرها انما تفقه مع من كان عندهم من الصحابة و كانوا لايتعدون فتاويهم الا اليسير مما بلغهم من غير من كان في بلادهم من الصحابة رضوان الله عليهم كاتباع اهل المدينة في اكثر فتاوي عبدالله بن عمر و اتباع اهل الكوفة في اكثر فتاوي عبدالله بن مسعود و اتباع اهل المكة في الاكثر فتاوي عبدالله بن عباس و اتباع اهل مصر في الاكثر فتاوي عبدالله بن عمرو بن عاص ثم اتي من بعد التابعين رحمة الله عليهم فقهاء الامصار كابي‌حنيفة و سفيان و ابن ابي‌ليلي بالكوفة و ابن‌جريح بمكة و مالك و ابن‌الماجشون بالمدينة و عثمان البتي و سوار بالبصرة و اوزاعي بالشام و الليث بن سعد بمصر فجروا علي تلك الطريقة من اخذ كل واحد منهم الي ان قال فلما قام هرون الرشيد في الخلافة ولي القضاء ابايوسف يعقوب بن ابرهيم احد اصحاب ابي‌حنيفة بعد سنة سبعين و مائة فلم‌يقلد بلاد العراق و الخراسان و الشام و مصر الا من اشار به القاضي ابويوسف و اعتني به و كذلك لما قام بالاندلس الحكم بن المرتضي بن هشام بن عبدالرحمن بن معوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان بن الحكم بعد ابيه و تلقب بالمنتصر في سنة ثمانين و مائة اختص بيحيي بن كثير الاندلسي و كان قد حج و سمع الموطا من مالك الا ابوابا و حمل عن ابن‌وهب و عن ابي‌القاسم و غيره علما كثيرا و عاد الي الاندلس فنال من الرياسة و الحرمة ما لم‌ينله غيره و عادت الفتيا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 111 *»

اليه و انتهي السلطان و العامة الي بابه فلم‌يقلدوا في ساير اعمال الاندلس قاض الا باشارته و اعتنائه فصاروا علي رأي مالك بعد ما كانوا علي رأي الاوزاعي و لم‌يزل مذهب مالك مشتهرا بمصر حتي قدم الشافعي محمد بن ادريس الي مصر مع عبدالله بن عباس بن موسي بن عيسي بن موسي بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس في سنة ثمان و تسعين و مائة فصحبه من اهل مصر جماعة من اعيانها و كتبوا من الشافعي ما الفه و عملوا بما ذهب اليه و لم‌يزل امر مذهبه يقوي بمصر و ذكره ينتشر ثم ذكر امر العقايد الي ان قال و لم‌يكن في دولة آل‌بويه بمعني كثير ذكر لمذهب ابي‌حنيفة و احمد بن حنبل ثم اشتهر مذهب ابي‌حنيفة و احمد في آخرها فلما كان سلطنة الظاهر بي‌برس البندقداري ولي بالقاهرة و مصر اربع قضاة شافعي و مالكي و حنفي و حنبلي فاستمر ذلك من سنة خمس و ستين و ستمائة حتي لم‌يبق في مجموع الامصار مذهب يعرف من مذاهب اهل الاسلام سوي هذه الاربعة و عقيدة الاشعري و عملت لاهلها المدارس و الخوانك و الزوايا و الربط في ساير ممالك الاسلام و عودي من يذهب بغيرها و انكر عليه و لم‌يول قاض و لا قبلت شهادة احد و لا قدم للخطابة و الامامة و التدريس احد ما لم‌يكن مقلدا احد هذه المذاهب و افتي فقهاء هذه الامصار في طول هذه المدة بوجوب اتباع هذه المذاهب و تحريم ماعداها و العمل علي هذا الي اليوم الي آخر كلامه ، اقول بناء اهل السنة علي ما ذكرت و لم‌يستقر مذهبهم علي ما سمعت الا في سنة خمس و ستين من المائة السابعة و كانوا قبل ذلك في آراء مختلفة و العامة في كل سنة كانوا مائلين الي احد بل في كل بلد و انت تعلم ان تقيتهم صلوات الله عليهم لحفظ الرقاب فربما كانوا يراعون في تقيتهم حال الراوي او البلد الذي هو فيه او حال من سيصل الخبر اليه او حال اهل المجلس او حال من حضر من العامة او حال اهل بلدهم او حال الغالب علي البلاد او حال ما العامة اليه اميل او حال ما اجمعوا عليه او حال السلطان و ميله او حال الراوي في طريقه او حال معاشره و لكل ذلك شواهد من الاخبار يعرفها المتتبع فلايكاد ينضبط معرفة وجه تقيتهم بل ربما يرون المصلحة في محل ايقاع الخلاف سواء كان في العامة قائل به ام لم‌يكن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 112 *»

كما سمعت فلايعرف وجه تقيتهم في هذه الازمان فيما سوي موافقة اجماعاتهم المنفردة غالبا نعم كثيرا ما يعرف الفقيه من لحن الاخبار و القرائن ان صدور الخبر عن تقية فعند ذلك يكون الرشد في تركه البتة فان المنافقين و المنافقات يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و اما ما روي يسعهم ان يأخذوا بما اقول و ان كان تقية فيعني به عند المشافهة في محلها او اذا لم‌يعلموا انه صدر تقية ام لا و ذلك لان للتقية مواضع لايعذر الانسان بمخالفتها كما هو معلوم في محله و كذا من المعارض اخبارهم و المراد اخبارهم التي اجتمعوا عليها و علي العمل بها لما عرفت انهم لايجمعون منفردين عن الشيعة الا علي الباطل و اما اذا كانت اخبارهم مختلفة فكاقوالهم و من المعارض المجمع عليه و هو الخبر الذي اجتمعت الشيعة عليه و علي العمل بمضمونه او ضرورة الشيعة فهو المعرض الذي لا شك فيه و لا ريب يعتريه و لايخالف المعارض السابقة ابدا كما يأتي في الاجماع و هذا هو المراد بالشهرة كما في مرفوعة زرارة و مقبولة عمر بن حنظلة فان لفظة اصحابك جمع مضاف يفيد العموم اي جميع اصحابك اي جميع الشيعة كما صرح به في خبر آخر خذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا فاذا اجتمعت الشيعة علي قول او علي خبر و العمل به فهو المعرض الذي لا شك فيه و لا ريب يعتريه و يصرح بذلك رسالة الكاظم عليه السلام الي الرشيد حيث قال و الاخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة و المستنبط عنها كل حادثة فاي خبر وافق الاجماع اجماع الشيعة او اجماعهم علي العمل بخبر يؤخذ به سواء كان من بر او فاجر و ما خالف اجماعهم يترك سواء كان من بر او فاجر و اما ما كان القائل به في الشيعة اكثر فلايعبؤ به و ليس بمعرض و لا بمرجح للخبر و ليس معني المشهور في الخبر ذلك بعد ما صرح به و علم حيث يقول ينظر الي ما كان من روايتهما في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه فبين و علل ان المراد بالمشهور هو الاجماع الذي لا ريب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 113 *»

فيه كما صرح في حديث آخر اذا اختلفت عليكم احاديثنا فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا و كذلك في مرفوعة زرارة خذ ما اشتهر بين اصحابك فان الاصحاب جمع مضاف يفيد العموم اي جميع الشيعة و ذلك لان راوي النادر حينئذ راو للمشهور ايضا و اما اذا اختلفت الشيعة فهم المأمورون ان يتحاكموا الي المعارض و لايكون المختلف في نفسه حكما و يشمله عموم قوله تعالي فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم و قوله و ان تنازعتم في شئ و قوله و ما اختلفتم فيه من شئ فالمشهور و النادر بالمعني المشهور محل التنازع و الخلاف و يحتاج الي الرد و المحاكمة و لايكون معرضا و لم‌يرد امر بالاخذ بقول المشهور اللهم الا ان يكون رواية مشهورة فيعلم بسبب التواتر صحة صدورها لا غير و يكشف عن هذه المعارض ما روي عن ابي‌الحسن عليه السلام انه قال قال لي الرشيد احببت ان تكتب لي كلاما موجزا له اصول و فروع يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك عن ابي‌عبدالله عليه السلام فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون عليها و الاخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة و المستنبط عنها كل حادثة و امر يحتمل الشك و الانكار و سبيل استيضاح اهله الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها و وجب عليه قبولها و الاقرار و الديانة بها و ما لم‌يثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له كذلك هذان الامران من امر التوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه امر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عنك ضوؤه نفيته و لا قوة الا بالله و حسبنا الله و نعم الوكيل انتهي ، انظر الي هذا الكلام الجامع

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 114 *»

البليغ و اعلم انا اتبعنا الآثار فيما ذكرناه انشاء الله و القياس في هذا الخبر اتفاق العقلاء علي شئ و لا شك في حجيته لوجود العقل المعصوم فيه و اما مخالفة العامة فلروايات مستفيضة موافقة للكتاب و النقل فتبين ان المعارض خمسة الكتاب و السنة و الاجماع و مخالفة العامة و الاخبار المجمع عليها و لايخالف بعض ذلك بعضا في الواقع الا ان يكون شئ في واحد خفيا و في واحد واضحا و لذا احتيج الي الجميع فما وافق بعض ذلك او كله يؤخذ به سواء كان من بر او فاجر و ما خالفه يترك سواء كان من بر او فاجر و اما ما لم‌يوجد في هذه المعارض نصا فيتتبع صحة صدوره عن الحجة التي هي ثابتة بهذه المعارض فما صح صدوره عمن ثبت بالمعارض ففيه الحجة و الديانة و الا فلا و قد عرفت و ستعرف كيفية تصحيح الاخبار فاذا صحت الاخبار عن حجج الجبار سلام الله عليهم فان لم‌يكن له معارض صادر عنهم فهو ان لم‌يكن منسوخا بينا نسخه او مجملا غير واضح الدلالة او متشابها يشبه الباطل او يعرف من لحنه التقية و لايجب الفحص عن المعارض كما يأتي فما وصل معارضه قهرا و كان احدهما مخالفا للمعارض الخمسة فصدوره تقية يقينا فيترك و لايجوز الاخذ به فان لم‌يكن مخالفة لاحدهما مع المعارض فحينئذ بينوا لنا وجوه المعالجة فان كان احدهما مفسرا و الآخر مجملا فيرد المجمل الي المفسر لا محالة فانهم اعلم بمرادهم من غيرهم و انما وقع التكليف بالمفسر لا المجمل فان حجة الله هي الواضحة البالغة و ان كان احدهما متشابها و الآخر محكما يرد المتشابه الي المحكم لا محالة فان الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و حجة الله هي الحجة الواضحة و له الحجة البالغة و لايقع التكليف بالمتشابه و ان كان احدهما ناسخا و الآخر منسوخا و تبين بالدليل الواضح كون احدهما ناسخا بتصريح غير معارض باقوي او اجماع او غير ذلك فيترك المنسوخ و يؤخذ بالناسخ و ان كان في احدهما لحن تقية يترك و يؤخذ بما ليس فيه لحن تقية فان الرشد في خلافهم فهذه الوجوه الاربعة ايضا مما يجب الاخذ بها و لايسع احدا تركها البتة و اذا لم‌يكن احدهما منسوخا و لا متشابها و لا مجملا و لا تقية و كانا سواء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 115 *»

في الدلالة و الوضوح و الاحكام فقد روي هيهنا مرجحات علي ما ذكروا منها الاخذ برواية الاعدل و الافقه و الاصدق و الاوثق و الاورع فهذه الوجوه لم‌ترد الا في مقبولة عمر بن حنظلة و مرفوعة زرارة اما مرفوعة زرارة فلم‌يصح صدورها عن الامام عليه السلام فلايمكن العمل بها و اما مقبولة عمر بن حنظلة ففي تشاح الحكمين لانها نص في ذلك فان لفظها هذا الحكم ما حكم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما في الحديث و اورعهما و لايلتفت الي ما حكم به الآخر و هذا نص في تشاح الحكمين و اجراؤه في الروايتين يحتاج الي دليل و لذلك لم‌يجره الكليني الذي هو راوي الحديث في الروايتين بل لم‌يعمل به احد من الاصحاب في الروايتين مع امتناعه لان استعمالها في بعض الرواة دون بعض ترجيح من غير مرجح و في كلهم غير ممكن و لايمكن اتفاق خبر يكون جميع سلسلة سنده من لدن من سمع الخبر الي من حدثنا به مرجحا بهذه الترجيحات البتة مع عدم انضباط مقادير عدالة الرواة و صدقهم و ورعهم و فقههم و وثاقتهم ابدا و لااظن احدا يدعي معرفة ذلك و منها الاخذ بالاحوط و لم‌يرد ذلك في مقام الترجيح الا في رواية زرارة و هي غير صحيحة الصدور و اما ساير ما ورد في الاحتياط فمطلقات و المراد منها توخي السنة فاذا عرفنا السنة يجب ان يسعي الانسان جهده في مصادفته و انما ذلك كقولهم افضل الاعمال احمزها و ليس من المرجحات الاخذ بالاحمز و ان الله سبحانه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه يحب ان يؤخذ برخصه و الاحتياط في اتباع الحجة و الاخذ بقوله هذا مع انه معارض بغيره الاقوي كما مر و منها الاخذ بالاحدث و لعمري ان له وجها وجيها يدل عليه العقل الصريح فان الاحكام تابعة لمصالح العباد و المصالح تتغير بحسب الحالات و الامكنة و الازمنة و كل امام يحمل رعيته علي ما فيه صلاحهم فان كان صلاحهم في العمل بالحكم السابق يقرره و الا يغيره و قد قال الله سبحانه ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و لفظة ما من ادوات العموم فالاخذ بالاحدث له وجه وجيه الا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 116 *»

اني لم‌ار بين الاصحاب من عمل بذلك الا ما يروي عن الصدوق في مسئلة واحدة و اري الاصحاب لم‌يستثنوا من كتبهم روايات الائمة السابقة المخالفات لروايات الائمة اللاحقة و علي العمل بجميعها دأبهم و ديدنهم قديما و حديثا حتي في زمن الائمة عليهم السلام حتي انه قيل لابي‌جعفر الثاني عليه السلام جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن ابي‌جعفر و ابي‌عبدالله عليهما السلام و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم‌ترو عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حدثوا بها فانها حق انتهي ، مع ما فيها من التعارض و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام الحديث اسمعه منك ارويه عن ابيك او اسمعه من ابيك ارويه عنك قال سواء الا انك ترويه عن ابي احب الي انتهي ، فلو كان الاخذ بالاحدث حكما عاما لكان رواية اللاحق عن السابق اخلالا بالاحكام و كذا قال عليه السلام ليس عليكم جناح فيما سمعتم مني ان ترووه عن ابي و ليس عليكم جناح فيما سمعتم من ابي ان ترووه عني ليس عليكم في هذا جناح و قيل له نسمع الحديث منك فلاادري منك سماعه او من ابيك فقال ما سمعته مني فاروه عن ابي و ما سمعته مني فاروه عن رسول الله صلي الله عليه و آله انتهي ، فلو كان الاخذ بالاحدث واجبا في الشيعة لكان في ذلك اخلال شديد في الامر فعدم وجوب الاخذ بالاحدث لغير المشافهين كالاجماع الذي لا ريب فيه نعم اذا شافه الامام رجل فامره بشئ يجب الاخذ به عليه و ترك ما كان يرويه سابقا او يعمل به و يشهد بالتخصيص ايضا لحن الاخبار فمنها ما قال ابوعبدالله عليه السلام لرجل ارأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالاخير قال يرحمك الله و هو صريح في المشافه و قيل له اذا جاء حديث عن اولكم و حديث عن آخركم بايهما نأخذ فقال خذوا به حتي يبلغكم عن الحي فان بلغكم عن الحي فخذوا بقوله ثم قال انا والله لاندخلكم الا في ما يسعكم و هو ظاهر في ان الحي اذا حكم علي رعيته بحكم يجب اتباعه و لايجوز معارضته بالحديث السابق و قال يا باعمرو ارأيت لو حدثتك بحديث او افتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فاخبرتك بخلاف ما كنت اخبرتك او

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 117 *»

افتيتك بخلاف ذلك بايهما كنت تأخذ قال باحدثهما و ادع الآخر فقال قد اصبت يا باعمرو ابي الله الا ان يعبد سرا اما والله لئن فعلتم ذلك انه خير لي و لكم ابي الله عز و جل لنا في دينه الا التقية و من هذه الاخبار يلوح المشافهة و حدوث التقية مع ما هو معارض بما ذكرنا فلايمكن البت بالعمل به مع عدم عمل الاصحاب به فهو من المتشابهات التي لايجوز العمل به و منها الارجاء و التوقف و الرد الي الائمة و اخبار الارجاء ظاهرة في البت علي الفتوي و اما العمل فالحكم فيه السعة اذا اضطر الانسان الي العمل باحدهما و لا رجحان لاحدهما فان الامام عليه السلام لو اراد تعيين احدهما عليك لعين و هو العدل و يشهد بذلك اخبار منها سئل ابوعبدالله عليه السلام عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه احدهما يأمر باخذه و الآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه و في رواية اخري بايهما اخذت من باب التسليم وسعك و قال اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي تري القائم فترده اليه و في آخر رواية زرارة اذا فتخير احدهما و تأخذ به و تدع الآخر و في رواية اذن فارجه حتي تلقي امامك فتسأله و لا تنافي بينهما فاذا تعارضت الاخبار و لم‌يظهر لك معين يجب عليك التوقف فان الامر من المتشابهات كما في آخر الحنظلية اذا كان ذلك فارجه حتي تلقي امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات و لا شك في وجوب التوقف في مثل هذا المقام عن الفتوي و تعيين ما لم‌يعينه الله تعالي و لكن انت في سعة من الاخذ بايهما شئت من باب الرد و التسليم الي ائمة الهدي و متابعة آثارهم لا من باب التعيين و ان شئت التحري في مثل هذا المقام فلك و لكن لايكون علي سبيل التعيين الوجوبي فتبين ان الاخذ باخبار السعة في مثل هذا المقام في العمل و اخبار التوقف في الفتوي متعين و لا محيص عنه و لايجوز العمل بالمرجحات المبتدعة و الاهواء الباطلة و الآراء المضلة فالاحكام يومنا هذا ثلثة حلال بين و حرام بين و شبهات بين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 118 *»

ذلك و عليه يدل الحنظلية حيث بين فيها انما الامور ثلثة : امر بين رشده فيتبع و امر بين غيه فيجتنب و امر مشكل يرد حكمه الي الله قال رسول الله صلي الله عليه و آله حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجي من المحرمات و من اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لايعلم و عن ابي‌عبدالله عليه السلام لايسعكم فيما ينزل بكم مما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت و الرد الي ائمة الهدي الي غير ذلك من الاخبار المتواترة و قد ذهب بعض الاخباريين الي التوقف في العمل عملا باطلاق بعض الالفاظ و فسروه بترك فعل وجودي و هو غير مستقيم فان الانسان لايخلو اما يعمل او لايعمل فان عمل فيكون بمقتضي احد المتعارضين و ان لم‌يعمل فيكون بمقتضي الآخر و كيف يمكن التوقف عن العمل باحدهما و لذلك قال عليه السلام يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه يعني في العمل و اشار الي ذلك الرضا عليه السلام في حديث طويل مر و ما لم‌تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن اولي بذلك و لاتقولوا فيه بآرائكم و عليكم بالكف و التثبت و الوقوف و انتم طالبون باحثون حتي يأتيكم البيان من عندنا انتهي ، فلا بد من رد العلم اليهم و عدم القول بالرأي و اما العمل فما لم‌يحتج الانسان اليه فيتوقف و اما اذا اضطر الي ان يعمل بمقتضي احدهما فكيف يمكنه التوقف و من الاخباريين من قال بالتوقف في الحكم و وجوب الاحتياط في العمل و لعمري لا دليل لهم علي ذلك مما يفيد الوجوب و تمسكوا بادلة اوهن من بيت العنكبوت و باخبار لا دلالة عليها منها ما روي انه سأل رجل اباعبدالله عليه السلام عن رجلين اصابا صيدا و هما محرمان و سألني بعض اصحابنا عن ذلك فلم‌ادر ما عليه فقال اذا اصبتم بمثل هذا فلم‌تدروا فعليكم بالاحتياط حتي تسألوا عنه فتعلموا و دلالة هذا الخبر علي العمل ليس باوضح من الاحتياط في ترك الفتوي حتي يسألوا و كيف يعارض هذه الدلالة تلك الاخبار المصرحة مع انها في غير المنصوص مفصلا مع وجود العلم بثبوت النص الاجمالي و هو ثبوت كفارة ما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 119 *»

فالحق ما ذكرنا من التوقف من التعيين في الفتوي و السعة في العمل اذ لا دليل علي وجوب الاحتياط و ما ذكروه دليلا غير صريح في المسألة فتبين انه لا معني لترجيح الاخبار بعضها علي بعض بعد صدق النسبة و هو اقبح قبيح و هي كلها حق و نور و صدق لايفضل احدهما علي الآخر و انما الواجب اولا تحصيل صدق النسبة و يحصل ذلك اولا بالمعارض فان لم‌يمكن فبالقرائن فاذا صح النسبة ينظر في الدلالة فان لم‌يكن مجملا او متشابها او منسوخا او ظاهرا في التقية يؤخذ به و الا فيترك و يعمل بما ليس كذلك ان وجد و الا فالامر مطلق حتي يرد فيه نص سالم فافهم .

قاعدة اعلم انك اذا تدبرت في الاخبار و السير تعرف ببداهة عقلك ان اصحابنا كانوا يستفتون الائمة عليهم السلام في مسائلهم و يأخذون به و يروونه لاهاليهم و اخوانهم و خلطائهم فيعمل برواياتهم كل من يصدقهم و يثق بهم من دون ترقب شئ آخر و اجتهاد و من دون ملاحظة اقوال ساير الشيعة في المسألة و من دون فحص عن المعارض و المخصص و المقيد بوجه من الوجوه و من كان يروي له خبران متعارضان كان يأخذ بخبر العدل و يترك خبر غير العدل كحال المقلدين للعلماء مع النقلة عنهم حرفا بحرف و ربما كانوا يتحيرون اذا كان كلاهما عدلين فكانوا يسألون الامام عليه السلام عن وجه الحيلة فكانوا يجيبونهم بالزيادة و النقصان و الاختلاف لانه ابقي لهم و لنا فكان كل واحد يرجح الاخبار المختلفة بحسب ما امره الامام عليه السلام و لم‌يأمروا احدا منهم بعدم جواز العمل بما وصل اليه بل انما كانوا يأمرونهم و يفتونهم بما يناسب حالهم و حال بلادهم و احاطتهم فكانوا يجيبون من يعرف وجه تقيتهم بالاخذ بما خالف القوم و من يعرف مقام الاحتياط بالاخذ بما يوافق الاحتياط و من كان ضابطا للروايات بالاخذ بالمشهور و الاعدل و الافقه و من كان يعرف اقوال الشيعة بالاخذ بالمجمع عليه و من كان عارفا بالتفاسير بالعرض علي الكتاب و من كان قريبة ناحيته بالسؤال و الرد ثانيا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 120 *»

و من كان بعيدة شقته و لم‌يعلم شيئا من ذلك بالاخذ بايهما شاء و امثال ذلك كما تري فيما روي عن زرارة مرفوعا كيف فصل له تفصيلا و لغيره كيف اكتفي بوجه او وجهين و لم‌يكن ذلك الا لاختلاف مراتب الناس في الاستعلام و عدمه حتي قال لمن قال يرد عنكم خبران لانعلم ايهما الحق قال فان لم‌تعلم فموسع عليك و قد ذكرنا طرفا من ذلك فيما سبق و الذي يظهر بعد التتبع انهم كانوا يأمرونهم بالاخذ باخبارهم خاصة من دون ترقب خبر آخر فلم‌تجد في الاخبار نهيا عن العمل باخبارهم قبل الفحص عن المعارض و لا عن العمل بالعام قبل الفحص عن الخاص و لا عن العمل بالمطلق قبل الفحص عن المقيد فلو كان ذلك واجبا عليهم او علينا لماكانت الائمة يخلون بالواجب فان كل ذلك الا احكام جديدة ليس لها اثر في اخبارنا بل ورد ما يخالف ذلك و سنورد شطرا من تلك الاخبار لتعرف الحق بلا غبار فعن الكليني بسنده الي ابي‌البختري عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال ان العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‌يورثوا درهما و لا دينارا و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشئ منها فقد اخذ حظا وافرا الخبر ، و بسنده الي محمد بن مسلم عن ابي‌عبدالله عليه السلام قال من حفظ من شيعتنا اربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما و لم‌يعذبه ه‍ ، اقول و من المعلوم ان حفظها للعمل بها لا حفظ لفظها و ان كان مما لايجوز العمل بها و الدليل عليه ما عن ابن‌بابويه في العيون عن الرضا عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه و آله من حفظ من امتي اربعين حديثا ينتفعون به بعثه الله يوم القيمة فقيها عالما و كذا ورد اربعين حديثا من السنة و ورد اربعين حديثا في امر دينه و ورد اربعين حديثا مما يحتاجون اليه من امر دينهم و ورد اربعين حديثا من احاديثنا في الحلال و الحرام و ورد في حديث آخر ان هذه الاربعين في اغلب الاحكام و عن العلل و عيون الاخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث قال انما امروا بالحج لعلة الوفادة الي الله عز و جل و طلب الزيادة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 121 *»

و الخروج من كل ما اقترف العبد الي ان قال مع ما فيه من التفقه و نقل اخبار الائمة عليهم السلام الي كل صقع و ناحية كما قال الله عز و جل فلولانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون الخبر ، و عن المحاسن بسنده عن جابر عن ابي‌جعفر عليه السلام قال سارعوا في طلب العلم فو الذي نفسي بيده لحديث واحد تأخذه عن صادق خير من الدنيا و ما فيها من ذهب و فضة و عن الشيخ بسنده عن الحسين بن روح عن ابي‌محمد الحسن عليه السلام انه سئل عن كتب بني‌فضال فقال خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا ه‍ ، و قد سئل الشيخ ابوالقاسم رضي الله عنه عن كتب ابن ابي‌عذافر بعد ما ذم و خرجت فيه اللعنة فقيل له كيف نعمل بكتبه و بيوتنا منها ملأي فقال اقول فيها ما قاله ابومحمد الحسن بن علي صلوات الله عليه و ذكر الحديث السابق و عن الاحتجاج في جواب مكاتبة محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الي صاحب‌الزمان صلوات الله عليه الي ان قال عليه السلام في الجواب عن ذلك حديثان اما احدهما فاذا انتقل من حالة الي اخري فعليه التكبير و اما الآخر فانه روي اذا رفع رأسه من السجدة الثانية و كبر ثم جلس ثم قام ليس عليه في القيام بعد القعود تكبير و كذلك التشهد الاول يجري هذا المجري و بايهما اخذت كان صوابا ه‍ ، و هذا الخبر ظاهر واضح في عدم وجوب تخصيص العام و ان وجد فضلا عن الفحص و من ادل الادلة انه لم‌يرد اثر في رد العام علي الخاص و المطلق علي المقيد كيف و قد يحتمل في المخصص و المقيد التحريف و الدس و التقية و امثال ذلك فكيف يكون كل مخصص بيانا للعام و اي دليل يدل علي وجوب الفحص عنه و يدل علي ذلك ايضا ما ورد من تصحيح الائمة عليهم السلام بعض الكتب بعد ما عرض عليهم و لم‌يقولوا لاتعملوا بهذه الكتب الا ان تفحصوا عن ساير الكتب و يدل علي ذلك ما ورد في اخذ الروايات عن بعض المأمونين كما روي عن محمد بن عبدالله الحميري بسنده عن احمد بن اسحق عن ابي‌الحسن عليه السلام قال سألته و قلت من اعامل و عمن آخذ و قول من اقبل فقال العمري

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 122 *»

ثقتي فما ادي اليك عني فعني يؤدي و ما قال لك عني فعني يقول فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون قال و سألت ابامحمد عليه السلام عن مثل ذلك فقال لي العمري و ابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان ه‍ ، و ما امر الصادق عليه السلام ابان بن عثمان ان يروي عنه بواسطة ابان بن تغلب و في التوقيع و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و اما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه و عن ابيه من قبل فانه ثقتي و كتابه كتابي ه‍ ، و ما ورد في الاخذ عن زرارة و محمد بن مسلم و بريد و ابوبصير و الحرث بن مغيرة النصري و زكريا بن آدم و علي بن حديد و عروة القتات و يونس بن عبدالرحمن و في التوقيع فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم ه‍ ، و ورد الاخذ عن الشيعة مطلقا و عن احمد بن حاتم بن ماهويه قال كتبت اليه يعني اباالحسن الثالث عليه السلام اسأله عمن آخذ معالم ديني و كتب اخوه ايضا بذلك فكتب اليهما فهمت ما ذكرتما فاعمدا في دينكما علي كل مسن في حبنا و كل كثير القدم في امرنا فانهما كافوكما انشاء الله ه‍ ، و من هذا القبيل اخبار كثيرة و انت اذا تدبرت تري ان بيد اصحابنا ممن سمعت اسماءهم و غيرهم كانت اخبار مختلفة و جوز الامام الرواية عن كل واحد من دون فحص عن الاخبار التي عند غيره و كذا امروهم بالاخذ بواحد من الكتب الصحيحة من دون فحص عن ساير الكتب و عن اقوال ساير العلماء و من المعلوم ان كتب اصحابنا القدماء و اصولهم كلها اخبار و روايات لا نقل اقوال و كذا ما كانوا يفتون به روايات يروي بعضهم لبعض لا آراءهم في الاحكام كالنقلة عن العلماء حرفا بحرف و ان قلت اولئك الاصحاب لعلهم لم‌يكن عندهم الا بعض الروايات و لذلك جوزوا لهم العمل بها و اما نحن فاجتمعت عندنا الروايات اغلبها و ينبغي ان يكون تكليفنا غير تكليفهم اقول ليس كذلك فان هذه الاصول كانت عندهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 123 *»

و كان عليها مدارهم و جميع هذه الاختلافات جاءتنا من عندهم كما يشهد به التتبع و قد ذكر جمع من العلماء ذلك هذا مع انك سمعت انهم امروا بالاخذ عن زرارة مع ان ابابصير و محمد بن مسلم و بريد و غيرهم من العلماء كانوا في بلد واحد و مع ذلك جوزوا الاخذ عن واحد و احاديث السعة و الاخذ بايهما شئت مؤيد لذلك و من المعلوم ان اولئك الفضلاء لم‌يكن عندهم الا الاخبار و لايفتون الا بها و بنقلها فلايجب تصفح جميع الاخبار الواردة في الباب بوجه بل هذه سيرة علمائنا المتأخرين حيث يكتفون بالكتب الاربعة المتداولة من دون مراجعة لساير الاصول المتداولة و لايحصلونها و ليس ذلك الا ان اخبارهم كلها نور و من اخذ بشئ منها فقد اخذ بحظ وافر و كذلك كانت سيرة جميع العلماء في جميع الاعصار و لذا اكتفي الشيخ بما رواه في كتابه و كذا الصدوق و الكليني و ساير اصحاب الاصول و ليس انهم لم‌يعلموا صحة ما سواه بل لجواز الاخذ بكل خبر من اخبارهم كما شهد به الكليني في اول الكافي و كما يفهم من كتاب الفقيه حيث قال في اوله اني اذكر فيه كل ما احكم بصحته و افتي به ثم ذكر الاخبار المختلفة و يزعم من لا خبرة له ان ذلك نقض في ما ادعاه و ليس كذلك بل هو من باب السعة و الاخذ بايهما شاء و بالجملة الذي يظهر من بعد التتبع التام انه يجوز الاكتفاء بكتاب واحد جامع كاف في جميع ابواب الفقه و ان كان له معارض بالشروط التي قدمنا و يجوز الاخذ به و هذه سنة الله التي قد خلت من قبل و لن‌تجد لسنة الله تبديلا و اما مراجعة اقوال العلماء فهي مؤيدة لفهم مشكلات الاخبار و معضلات الآثار و لكن ليس بحيث يكون مما لا بد منه و ان قلت لا بد لمعرفة مواقع الاجماع فان العوام ليس بيدهم من احكام الدين الا احكام الطهارة و الصلوة و اغلب الاحكام خفي عليهم و ان كان مجمعا عليه بين العلماء بحيث لا خلاف فيه و من لايتتبع كلامهم لايعرف تلك الموارد اقول قد عرفت ان كتب اصحابنا كتب عملهم و انهم كتبوها للعمل و ان من سمع الحديث عمل به و كل من روي عنه فكل خبر كان في كتاب من كتب اصحابنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 124 *»

هو معمول به عندهم فان كان العلماء ايضا عملوا به فهو محل اجماع و ان لم‌يعملوا به فهو محل خلاف و لايمكن انعقاد الاجماع علي خلافه مع انه معمول به عند القدماء و ان قلت لعله كان معمولا به عند المتقدمين و لعله انقطع العمل به عند المتأخرين فيجب الرجوع حتي تطلع علي المنقطع اقول هذا من الفحص الذي ماورد في وجوبه كتاب و لا سنة و لم‌يأمرنا الامام بعد ما ورد علينا فتاويهم ان نترقب اقوال شيعته فان قلت فما معني قوله خذ ما اشتهر بين اصحابك و دع الشاذ النادر فان المجمع عليه لا ريب فيه اقول ذلك في الرواية كما شهد به مقبولة عمر و غيرها و تلك هي التواتر فاذا عرفت صحة الآخر فهو ايضا كالمتواتر الاتري في مقبولة عمر قدم الاخذ بالاعدل و لعله النادر فان كان النادر يجب تركه لماامر بالاخذ بالاعدل و كان يفصل و قدم في مرفوعة زرارة الاخذ بالشهرة علي الاعدل بخلافها فلم‌يظهر تعيين الاخذ بالشهرة و ترك النادر مع صحة الاخبار فلايجب الفحص عن شئ بعد ورود الخبر الصحيح الصريح فاعمل به ساكن القلب مطمئن الفؤاد فانه حكم الله سبحانه و قضاه في حقك اوصله اليك الذي انت بمرأي منه و مسمع العالم بك و بصلاحك و فسادك فلو علم ان صلاحك في غيره لاوصله اليك انشاء الله كما بيناه في مسألة التسديد و قد عمل بما ذهبنا اليه العلامة الحلي رحمه الله و الاستاد اجل الله شأنه و انار برهانه و غيرهما من محققي المحدثين .

قاعدة اعلم ان بعض العلماء رضوان الله عليهم اعتني كثيرا بعلم الرجال حتي قالوا ان كل سليم السند يجوز العمل به و كل خبر في سنده مطعن لايجوز التعبد به ابدا و منهم من اعتمد عليه و قال و ان كان الخبر في سنده طعن و لكن يدل علي صحته قرائن من عمل الاصحاب او موافقة الشهرة يعمل به و ما ليس كذلك لايعمل به ثم اختلفوا في استعلام السند و سلامته و عيبه فمنهم من قال انه بالشهادة و قال لا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 125 *»

بد من شهادة عدلين علي عدالة الراوي حتي تقبل و جوز بعض من هؤلاء الاكتفاء بشهادة عدل واحد و استدل بانه لو الزمنا شهادة عدلين يلزم ان يكون الفرع ازيد من الاصل و ليس في الشرع امر كذلك و رد بان الشهادة سواء كانت عن واحد او اثنين لا بد و ان يكون الشاهدان مشهودين حاضرين في مجلس الاستعلام و لايمكن ذلك بالكتابة و بعد الوفاة و ما ثبت في الشرع من الاعتداد بقول الشاهد ان يكونا مشهودين و هنا هذا الشرط مفقود بل هذا من باب الاخبار و لايحتاج الي مشاهدة المخبر اذا قطعت بقوله و خبره و نحن نعلم صحة نسبة هذه الكتب الي مصنفيها و هم عدول ثقات و يخبرون فيقبل خبرهم بمفهوم الآية اذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا و رد بان الخبر يقبل اذا كان عن سماع او رؤية و اما اذا كان عن اجتهاد او رأي او ظن فانه يخبر عن ظنه و لايخبر عن الواقع فلايمكن الاعتداد بهذا الخبر و ان ذلك محض تقليد و الصواب ان معرفة الرجال تحصل بالظنون الاجتهادية فليس ذلك من باب الشهادة و لا من باب الخبر بل من باب حصول الظن للمجتهد بسبب التتبع في اقوال العلماء في حق الرجال و التتبع في احوالهم و لي في عدم جواز الاعتداد بعلم الرجال و ما يستنبط منه ادلة :
الاول ان هذه العلماء لم‌يلاقوا الرجال حتي يخبروا عن مشاهدة و عيان و انما وثقوا و جرحوا باجتهاد منهم و لا عبرة بالآراء سواء اجتمعت او افترقت .
الثاني ان الرجل يعرف بالحالات اذا تعلم بها في ازمنة كثيرة و تعاشره في مدة مديدة و ان غاية ما كتبوا من حال الرجال في كثير منهم حال ساعة او يوم مع ان ذكر تلك الحالة ايضا عن غير مشاهدة و ذلك لايغني من شئ و ساير الحالات بانه تاجر او نجار او شاعر او اديب او مات في سنة فلان او تولد في سنة فلان و امثال ذلك فلاتفيد شيئا في عدالة الرجل و وثاقته هذا مع ان اغلب الرجال غير مذكور بالحالات و انما ذكروا فيه ان فلانا وثقه و فلانا ضعفه و ذلك لاينفع بوجه .
الثالث انهم لم‌يزيدوا في الرجل علي انه ثقة او ضعيف الا في قليل من الرجال و ان زادوا زادوا ما لايفيد العدالة و قلما ذكروا في رجل انه عدل و هم قد حققوا في الاصول ان الرجل لا بد و ان يكون عدلا للآيات و الاخبار و الوثاقة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 126 *»

اعم من العدالة و ما ذكر ان التوثيق في علم الرجال تعديل كلام بلا دليل و محض الوثاقة لايكفي في اخبار المخبر للكتاب و السنة انه لايجوز تصديق الفاسق علي الله لانه لايؤمن منه الكذب و ان كان فيما شهد صدوقا في الواقع اللهم الا ان يكون معه قرائن مفيدة للقطع فحينئذ يكون العمل بالقرائن لا بالاخبار .
الرابع انهم اقروا ان اول من كتب في علم الرجال ابن‌عقدة الزيدي البتري ثم اخذ عنه علي بن فضال الفطحي و كل من اخذ من علم الرجال حظا اخذ عنهما و اعتمد علي قولهما و انك تعلم ان الزيدي و الفطحي ناصبيان لايعتني بقولهما في الشئ لاسيما في جرح الرجال و تعديلهم و توثيقهم و نقلهم و قد اضطر القلوب الي عدم الاعتداد بقول النصاب و الاعادي لاسيما في علم هم فيه محل التهمة فانه يوثق اصحابه و يعدلهم و يزكيهم و يجرح الشيعة المخلصين الممحضين لعنادهم فكيف يعتني بهم في العوالم نقلا من كنز الكراجكي في حديث طويل خطابا الي الحرث الهمداني انك امرء ملبوس عليك ان دين الله لايعرف بالرجال بل بآية الحق و الآية العلامة فاعرف الحق تعرف اهله الخبر ، صدق اميرالمؤمنين عليه و آله صلوات المصلين و الرجال لفظ عام و كذلك دين الله مطلق و قد مر انا نثبت دين الله بآية الحق فراجع و تدبر ، ١٢ .
.
الخامس انا قد علمنا ان علماءنا مختلفوا العقايد في الاصول فمنهم من يري اعتقادا سببا للجرح و منافيا للوثاقة و العدالة و منهم من لايراه منافيا كما عرفت من حالات اهل قم و اخراجهم الرجال من البلد بتهمات لاتليق بحالهم و قد يرون اعتقادا مما لا بأس به كاعتقاد سهو النبي و قد سموا من قال بعدمه غاليا و جرحوه به فكيف يعتني بقولهم و بتعديلهم او جرحهم و كيف يحصل منه ظن بالواقع او علم .
السادس انا نري من عصرنا المشاهد و اجزاء الزمان مساوية ان بعض العلماء من معاصرينا قد وثقوا رجالا و اناسا ادني فسقهم الشرك و الكفر و ضعفوا رجالا و جرحوا و مقامهم مقام الشيعة الخصيصين و ذلك لاجل اختلاف عقايدهم او اغراضهم و اهوائهم مع انهم يعدون في العلماء و يعزرون و يوقرون و لهم اتباع و تلامذة و كتب و تصانيف فكيف يمكن ان نعتقد بجرح من تقدم علينا او توثيقهم .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 127 *»

السابع انهم اختلفوا في معني العدالة فمنهم من زعم انها عدم ظهور الفسق مع الاسلام و منهم من قال انها حسن الظاهر و منهم من زعم انها الملكة ثم منهم من قدم الجرح و منهم من قدم التعديل و منهم من اكتفي بحصول الظن بايهما حصل ثم اختلفوا في عدد الكبائر و شروط العدالة و بذلك يختلف حال كثير من الرجال علي حسب اختلاف الآراء فاي عبرة بتعديل قوم و جرحهم و لايعلم مرادهم من العدالة و لايعلم اسبابها برأيهم ذلك مع ان توثيقهم و جرحهم مع كل ما ذكرنا عن اجتهاد في اقوال المتقدمين و رأيهم و كل ذلك مما لايمكن الاعتماد عليه و ان قيل نحن لانعتمد علي توثيقهم و جرحهم بل نعتبر الظنون الاجتهادية اقول لا عبرة بالظن الا اذا كان مستندا الي سبب شرعي و اما مطلق كل ظن فلا دليل علي حجيته بل هو مما لايجوز بالكتاب و السنة و ان قلت الظن كاف في العدالة اقول هو اول الكلام و لا دليل عليه و ما روي من حديث ابن ابي‌يعفور ان يسئل عنه اهل محلته و سوقه فاذا قالوا لم‌نر منه الا خيرا فهو عادل يجوز شهادته فذلك مورده المشاهدون له و اما اخبار الذين اجتهدوا بظنونهم و آرائهم فلا دليل عليه و الاستدلال بهذا الخبر علي الاكتفاء بمطلق الظن قياس و هو غير جائز مع انا نقول ان الرجل اذا سئل عن اهل سوقه و محلته يحصل العلم العادي بحسن ظاهره و هو كالشياع هذا مع ان في الخبر تصريحا بلزوم حصول المعرفة بستره و عفافه و حسن ظاهره و بالجملة اذا انصفت و تدبرت ان اخبار المخبرين كلها عن اجتهاد منهم مثل اجتهادك لايحصل لك الا الشك .
الثامن ان اغلب الرجال غير مذكورين في كتب الرجال لانهم قد ذكروا ان رجال الصادق عليه السلام الذين دونوا كانوا اربعة‌آلاف رجل فضلا عن رجال الباقر عليه السلام و ساير الائمة الي الحجة عليهم السلام و بعد ذلك الذين لم‌يلاقوا الامام عليه السلام و اخذوا عن رجالهم و هكذا يزيدون علي مائة‌الف البتة و ان كثيرا من هؤلاء مشتركون في الاسم و الاب و البلد و الصنعة فلعل بعض المشتركين عدل و بعضهم فاسق ضعيف و ليس في كتب الرجال الا اسماء البعض و علي فرض صحته كيف يعلم ان هذا المذكور في السند هو ذلك المذكور في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 128 *»

كتاب الرجال مع انهم اقروا ان المجاهيل و المهملين كثير فلعل هذا المذكور في السند هو احد المجاهيل او المهملين و ما ذكروا من القرائن ان فلانا يسند عن فلان و يسند عنه فلان فلعل ان بعض المجاهيل يسندون عن ذلك الشيخ و يسند عنه ذلك الرجل ففي الحقيقة ادعاء معرفة الرجل ادعاء معرفة الغيب و ذلك مشاهد مرئي ان في بلد واحد يمكن ان يكون مائة او ازيد اسمهم محمد و ان قلت نعرفه بابيه فلعل فيه خمسين اسماء آبائهم واحد و ان قلت نعرفه بكسبه فلعل عشرين رجلا كسبهم واحد و ان قلت نعرفهم بالمجموع اقول ان كان في كتب الرجال بعض المميزات مذكورا فليس في السند اكثرها مذكورا فكيف تعرف ان المذكور في السند هو المذكور في الكتاب و ان قلت بالمرتبة فقد قلنا ان في عصر واحد يكون اشخاص متعددة باسماء واحدة حتي لايكاد ينعقد مجلس الا و فيه رجلان سميان اقلا و بالجملة لو تدبرت لاتكاد تميز بينهم الا بظنون صادرة عن غفلة و حسن ظن بالسلف .
التاسع انا نري ان اغلب علماء الرجال يميزون بين المشتركين بالاجتهاد و الظنون و يختلفون فيه اختلافا فاحشا فكيف يمكن الاطمينان بالظن في اصل الرجل ثم الظن في عدالته مع انه لايحصل الا الشك عند التحقيق .
العاشر ان استندت الي نقل بعضهم عن بعض حالات الرجال فذلك يلزم منه الدور اقول كيفية لزوم هذا الدور انا نعرف صنوف الطاعات و المعاصي التي يعرف العدل بالعمل بمقتضاها بالرجال فان كنت تقول انا نعرف عدالة الرجال بالنقلة و عدالة النقلة بالرجال يلزم منه الدور فانك لاتستعدل النقلة الا بعملهم باحكامهم عرفتها من رواية الرجال و لاتستعدل اولئك الرجال الا باخبار النقلة الذين استعدلتهم بعملهم برواية الرجال فذلك دور ظاهر في كثير من الموارد و ان لم‌يكن في قليل منها ، منه .
في كثير من الموارد فانك لاتعرف النقلة الا بالرجال فان كانوا يسندون فيلزم الدور و ان كانوا يرسلون فاي عبرة بارسالهم علي ما تظن ذلك مع ان ذكر الحال ليس الا في قليل منهم .
الحادي‌عشر ان اغلب الرجال و اكثرها غير مذكورين بالحال في كتب الرجال و اكتفوا فيه بان النجاشي مثلا وثقه و الكشي مثلا ضعفه و محض توثيق اولئك و جرحهم لايفيد ظنا لانه عن ظن منهم و لا احد ادعي القطع في علم الرجال

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 129 *»

و ان ذكروا حال بعض منهم ذكروا حالات لاتفيد عدالة كما انه مات في سنة فلان و تولد في سنة فلان و كان شاعرا او اديبا او نساجا او غير ذلك و ذلك لايغني شيئا و ان ذكر من حال بعض من هؤلاء ما يفيد شيئا كان ذكر حالة ساعة او حين ما و ذلك لايفيد انه عادل و ثقة مع انه لايعلم هل ذلك حالة قبل خبره او بعده و علي فرض ان يذكر في رجل صفات تعلم بها عدالته فذلك بعد كل ما ذكر من عدم خوف الاشتراك و غيره لايكون الا في اقل قليل من الرجال كخمسة او عشرة و اي شئ ينفعك هذا في سلسلة السند في جميع الاخبار و اي خبر يوجد يكون جميع رجال سنده من اولئك الخمسة او العشرة و علي فرض المحال ان يوجد خبر كذلك ماذا تصنع في جميع ابواب الفقه فان تعمل بالقرائن فكيف عدمت القرائن في عين هذا الخبر و وجدت في الباقي و هل اهمل صاحب الشرع دينه و جعله بالظن و التخمين ام نصب لاستعلامه قرائن يمكن تحصيل العلم عنها بالصحة بل نصب والله و ان الناس عنها غافلون الا قليلا منهم و ان اكثرهم لايعلمون .
الثاني‌عشر ان كثيرا ما يحصل في السند اختلال بتبديل الواو بلفظة عن و بتحريف الاسم و غلطه و تبديله و تصحيفه كما نقله صاحب المنتقي انه رأي من خط الشيخ كثيرا من ذلك و كما يصرحون كثيرا في كثير من الاوقات ان فلانا لايروي عن فلان و يروي عنه بواسطة او واسطتين فالخبر منقطع او مرفوع او مرسل او مسند فكيف يمكن ان يعلم ان سلسلة السند صحيحة حتي تراجع علم الرجال فتبتلي بما ذكرنا سابقا مع انه يحتمل في جميع السلسلة انه موضوع او محرف او سهو او غلط او غير ذلك .
الثالث‌عشر علي فرض امكان معرفة الرجال ثمرة علم الرجال معرفة المكذوب علي الائمة عليهم السلام من غير المكذوب لانك اذا عرفت وثاقة الرجل تقول انه مأمون فمع ما ذكرنا من احتمال وضع السند بجميعه او سهوه او غلطه لايحصل لك معرفة المكذوب و غيره لانه ان كان يحتمل في كتب اصحابنا وضع متن الخبر كذا يحتمل وضع سنده و الا فتحكم ظاهر فاذا لايفيد العلم بالسند العلم بصحة صدور المتن فاي نفع فيه بعد كل هذا التعب و ان قلت تميز المكذوب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 130 *»

عن غيره يحصل بتسديد الامام عليه السلام اقول فهو يحصل بغير هذا السبب ايضا فان هذا السبب لايميز بين الغث و السمين فما يسدد به الامام و يؤيد هو يكفي عن علم الرجال .
الرابع‌عشر لا كل ما ظننت انه هو هو ثم ظننت انه ثقة صادق ظنك و مع صدقه مأمون عن السهو و النسيان و الخطاء و لا كل ما ظننت انه هو هو ثم ظننت انه ضعيف صدق ظنك و مع صدقه ممنوع عن الصدق فاذا لم‌تعلم بعلم الرجال ان هذا الخبر صحيح ام لا فاذا لايجدي شيئا فانه اذا كان يجدي كان هذا جدواه فاذا انتفي هذا صار مما لا طائل تحته .
الخامس‌عشر انا بعد التتبع التام و العشرة الكاملة لانعرف عدالة من نخالطه من اهل بلدنا الا في قليل منهم فكيف لنا بمعرفة من هو غير معاشر لنا من اهل بلدنا فضلا عن معرفة اهل غير بلدنا من البلاد التي سمعنا بها فضلا عن البلاد التي لم‌نعلم بها فاذا لم‌نعرف ذلك فكيف لنا بمعرفة رجال شتي من بلاد متفرقة الذين تقدموا علينا بالف سنة و اكثر و اقل .
السادس‌عشر نفس هؤلاء المعدلين او الجارحين غير معروفين و محض كونهم من العلماء لايجدي شيئا لما نري من علماء عصرنا و القول بوجوب حسن الظن بمن سمي عالما يشبه قول العامة انه يجب حسن الظن بجميع الصحابة و لايجوز القول فيهم الا بخير و ان جميعهم عدول موثقون فانا نري في عصرنا ما نري و ان المتقدمين ليسوا كالمتأخرين قول مذكور في جميع الاعصار و هو قول بلا دليل فاذا كان المعدلون مجهولين غير معروفين فان كنت تعرفهم بالكتب يلزم الدور و ان كنت تعرفهم بعلم الغيب فذلك ليس في حدك و بالجملة انا لااعرف وجوب حسن الظن بمن سمي عالما او اشتهر في عصر و لااعتمد الا بمن اعرفه و اذ ليس فليس و لا حول و لا قوة الا بالله فسيكفيكهم الله و هو السميع العليم و حسبي الله و نعم الوكيل فاذا لا عبرة بجرحهم و لا تعديلهم و لا توثيقهم بوجه من الوجوه نعم لو كانوا رأوهم و كانوا ينقلون احوالهم كان يمكن الاعتماد عليه ان لم‌يمنع عنه مانع الا ان ما تقدم من الوجه السادس يمنع عنه و ليس علم الرجال

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 131 *»

غير محل التهمة بل هو محل التهمة العظيمة فلايمكن التعويل علي نقلهم ايضا و القول بان العلماء اجل شأنا و اعلي مكانا عن هذا قد سبق جوابه و لا قوة الا بالله فانا لااعتمد علي شئ من ذلك ،
و للناس فيما يعشقون مذاهب       ** * **      و لي مذهب فرد اعيش به وحدي
السابع‌عشر ان من العلماء لما رأوا من عدم امكان معرفة العدالة في عصرهم و كونها مما يتعطل بها احكام العباد و البلاد لو اعتبروها قالوا بجواز الظن و هذا في عصرهم فكيف لهم بمعرفة من تقدم عليهم بالف سنة او تحصيل الظن به .
الثامن‌عشر لو قلنا بان العدالة ملكة نفسانية فالعلم بها اعسر عسير بل متعذر في المتقدمين علينا بكل هذا الزمان بل في المعاصرين الا في قليل و ذلك رأي كثير منهم و اما علي مذهب من يراها حسن الظاهر فاسهل و مع ذلك كله يمتنع عادة كما عرفت و ان قلت نعرف كثيرا من الرجال بالاخبار الواردة في هذا المضمار اقول الكلام في اسناد تلك الاخبار و رجال تلك الآثار فيلزم الدور .
التاسع‌عشر ان قلت جميع ذلك حق و نحن لانعتمد علي علم الرجال و نعتمد علي ظنوننا و ان الظن كاف في معرفة عدالة الرجل قلنا اولا ان الظاهر من اخبار اهل البيت سلام الله عليهم انه يجب العلم بالعدالة باي معني فسرت و ان الظن لايغني من الحق شيئا و ان الاخبار تنادي بذلك و انهم لما تكلفوا في معناها الملكة و رأوا انها لايمكن العلم بها الا نادرا تكلفوا الاكتفاء بالظن و اما علي ما تنادي به الاخبار انها حسن الظاهر فانه يمكن العلم بها و لا مانع منه فلايجوز الاكتفاء بالظن و اما قولكم نعتمد علي ظنوننا فقد ذكرنا فيما مر ان الظن لا بد له من مستند شرعي حتي يجوز الاكتفاء به و لا دليل علي جواز الاكتفاء بهذه الظنون مطلقا فلايجوز الاعتداد به و قد حققنا عدم جواز العمل بالظن في رسالتنا فصل‌الخطاب و رسالتنا في التسديد .
العشرون اني انشدك بالله ان مع كل هذه العيوب و مع جميع هذه الوجوه المزلزلة للنفس المورثة للشك يمكن الاعتماد علي علم الرجال و كيف يمكن العلم بوثاقتهم او الظن مع جميع هذه الاختلالات التي ذكرنا و علي فرض حصول

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 132 *»

الظن اي دليل دل علي حجية هذا الظن و ابتناء احكام الله سبحانه عليه و ان الظن لايغني من الحق شيئا و اي دليل قام و كان اقوي من سبعين آية في كتاب الله سبحانه و اخبار متواترة عن الائمة عليهم السلام في النهي عن العمل بالظن مطلقا و في الكتاب و ان الذين اختلفوا فيه اي في عيسي لفي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن و ماقتلوه يقينا و ذلك في معرفة حال الشخص اذا كانت مناط ايمان و قد نهي الله سبحانه فيه عن العمل بالظن .
الحادي و العشرون لو كان علم الرجال من العلوم التي يناط عليها الدين و لا بد منه في الشرع المبين لندب اليه الائمة الطاهرون صلوات الله عليهم و حرضوا عليه اصحابهم و امروهم ان يكتبوا احوال معاصريهم و اخبروهم عن احوال من تقدمهم و امروهم ان يأمروا التابعين ان يكتب كل واحد من عصر احوال من يليه في عصره حتي يصل الينا و اذ ليس فليس لانهم لايخلون بالحكمة و ان قلت انهم وثقوا بعض الرجال و امروا بالاخذ برواية الاعدل و الافقه و الاورع و الاوثق و هذا دليل علي كونه معروفا في تلك الايام ايضا اقول مثل ذلك لايكفي في هذا المقام و ليس مفاد كلامنا انه ليس في الاخبار لفظ الثقة و ذكره بل كانوا يتكلمون بكل لفظ و ذلك لايكتفي في امرهم بالتدوين و تنبيههم به بل غاية ما كان مراد الامام عليه السلام تحصيل العلم بصحة صدور الخبر من اي جهة كان كما قالوا ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لم‌تعلموا فردوه الينا و حصول العلم بصحة الصدور بالقرائن و علي فرض العلم باحوال الرجال لايحصل العلم بصحة الصدور لاحتمال التحريف في السند و وضعه و الدس فيه او في المتن و ان قلت انما نستفيد ذلك بقرائن اخر اقول فاذا المفيد للعلم القرائن الاخر لا علم الرجال فلا فائدة فيه ، و من كان ذا فهم يشاهد ما قلنا .
الثاني و العشرون ان طريقة قدماء اصحابنا التي وقع عليها التقرير و كانوا عليها في زمان الائمة عليهم السلام و بعدهم و في الغيبة الصغري و طائفة منهم في الكبري ايضا الي يومنا هذا تصحيح الاخبار بالقرائن و ان علم الرجال هو علم النسابة في زمان الجاهلية ثم عمل به العامة العمياء لاختلال نظام دينهم و احتياجهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 133 *»

الي التشبث بكل حشيش فتمسكوا بعلم النسابة و هو من سيرة العرب فاغتر بهم الشيعة بعد ما آل حالهم كحالهم في غيبة امامهم فعملوا بسيرتهم و اذا وقع عليهم القول اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون و خير الامور تلادها و شر الامور محدثاتها فاعمل بطريقة اصحابك و صحح الاخبار بالقرائن و ان لم‌تزدد لماطمست آثارها و لماخمدت انوارها بل ابي الله لاشاعة دينه الا قوة و نورا و لاعلاء كلمته الا شدة و ظهورا فالاعلام باقية و الاطلال ثابتة كما اثبتنا صحة الاخبار في قاعدة علي حدة فراجع .
الثالث و العشرون ان العدالة امر يجب فيه مراعاة الاعتقاد كما يجب فيه مراعاة الاعمال و الاخلاق فان المشرك و الكافر و الناصب و المخالف لايكون عادلا البتة و ليس بمذكور في علم الرجال عقيدة واحد منهم الا نادرا حتي يحصل منها الظن بعدالتهم او تعمل باخبارهم او شهادتهم فافهم هذه الوجوه التي يكفي المنصف واحد منها فضلا عن جميعها و ان قال قائل انك تقول بالتسديد فلم لاتقول ان الرجال يعرفون بالتسديد اقول نحن نقول بالتسديد في التكاليف و الاحكام لمن دخل البيت من بابه الذي امروا به لا في الموضوعات و لا لمن دخل الابواب المنهي عن اتيانها فانهم مستحقون للخذلان و ان الله سبحانه يقول الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و معرفة الرجال من الموضوعات و لو كان التسديد في الموضوعات جاريا لماكان يشتبه شئ علي احد ابدا مثلا اذا لقيت ماء و شككت فيه هل هو كر ام لا ليس علي الامام تسديدك او لقيت رجلا في البادية و لم‌تعرفه ليس علي الامام تسديدك و انما بين الامام عليه السلام حكم الموضوع المقطوع به و المشكوك فيه و عليه التسديد في معرفة الحكم بالجملة ادعاء معرفة الرجل بعد الف سنة من الغرائب و نحن لانعرف من نعاشره من اهل محلتنا و سككنا و جيراننا بعد العشرة التامة في عشرين سنة فلانثق بهم فكيف بمن مضي و من كتب الرجال التي ليس في اغلبها الا التوثيق و التضعيف المحض فاذا كان معرفة الرجال متعذرة في هذه الايام و لايمكن التلقي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 134 *»

عن الامام عليه السلام و لم‌يثبت تواتر خبر في جميع الاعصار حتي نأخذ به و ليس جميع الاحكام ايضا في الكتاب المقطوع بتأويله و ثبوته علي حسب فهمنا و لا في السنة التي لا اختلاف فيها او سائر الضروريات انحصر طريق معرفة الاخبار بلا غبار في التسديد الذي به قوام جميع الاديان في جميع الاعصار فكل خبر لم‌يقم علي الردع عنه كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن الحجج عليهم السلام لا اختلاف فيها او بداهة تعرف العقول باجمعها وضوحها لا دليل علي بطلانه من الادلة القطعية الاسلامية التي هي ما سمعت و ما لا دليل علي بطلانه ثبت تقرير الامام عليه السلام له و عدم الردع عنه اذ هو بمرأي من الامام و مسمع منه فلو علم بطلانه لردع عنه بامر جازم بين ردعه و الوجه فيه ان علي الله البيان و ابلاغ حجته و تمييز الحق من الباطل و بعد ذهاب النبي و غيبة الولي لم‌يدع في ايدينا امرا قطعيا الا الكتاب المستجمع علي تأويله و السنة الجامعة الغير المتفرقة و بداهة العقول القاطعة فما كان في اخبارنا مما يعارضه شئ من هذه القطعيات علمنا عدم صحة العمل به و ما لم‌يكن له معارض من هذه القطعيات و الخبر بمرأي من الولي و مسمع منه و هو قادر علي المنع و علي ابطاله و ازهاقه و لم‌يفعل علمنا انه حق لقوله تعالي بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و الحق هو الكتاب و السنة و العقل علي ما وصفنا و شرحنا فانها الحق الثابت المعلوم المقطوع به فكل خبر مروي من طرق الثقات في كتبنا و لا معارض له من هذه الاصول الثلثة و عمل به في الشيعة هو مما وقع عليه التقرير و التسديد و يجوز العمل به في الدين و هو بعد التسديد مقطوع بصحة العمل به يقينا و ان كان له معارض منها يترك و بذلك وردت اخبار كثيرة و قد تقدمت في القواعد المتقدمة و عن الشيخ في العدة ادعاء الاجماع علي صحة العمل بجميع اخبارنا المروية في هذه الاصول و الكتب و ادعاؤه حق كما تري و تشاهد ان العلماء في اختلاف آرائهم كل واحد منهم متمسك بخبر من الاخبار المتداولة و لا نكير عليهم في الفرقة المحقة و لا راد عليهم و لم‌يفسقهم احد و لم‌ينسبهم احد الي الخروج عن الايمان و لم‌يرد عليهم و لااستقبح فعلهم احد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 135 *»

فظهر ان جواز العمل بهذه الاخبار مما رضي به حجة الجبار اللهم الا ان يكون خبر في هذه الكتب لم‌يعمل به احد و لم‌يشهد بصحته احد من الاصحاب فذلك مما لايعمل به و يرد علمه اليهم صلوات الله عليهم و اما اذا كانت الاخبار علي ما وصفنا متعارضة و لايردع عن احدها كتاب مستجمع علي تأويله و لا سنة جامعة غير متفرقة و لا بداهة عقل فاختلف هيهنا الاخبار في علاجها كما قدمنا فهيهنا يجب للفقيه ان ينظر اولا في نفس تلك الاخبار و لحنها فان ارتفع التعارض بسبب لحن الاخبار عمل بما ادي اليه معرفته لما روي انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتنصرف علي وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء و لايكذب و روي حديث تدريه خير من الف ترويه و لايكون الرجل منكم فقيها حتي يعرف معاريض كلامنا و ان الكلمة من كلامنا لتنصرف علي سبعين وجها لنا من جميعها المخرج و روي انتم افقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا ان كلامنا لينصرف علي سبعين وجها الي غير ذلك من الاخبار فينبغي اولا التدبر في كلامهم بعد الانس التام و المداولة لكلماتهم و اخبارهم و التعمق فيها و في دقائقها حتي يستأنس بلغتهم و لحنهم فاذا حصل له ذلك و تدبر في الحديثين المختلفين قلما يبقي اختلاف في كلامهم فانها من عند الواحد و النبي الواحد في الدين الواحد و ما يبقي ايضا من الاختلاف فمن اجل قلة معرفة كلماتهم البتة ثم بعد ذلك ان بقي اختلاف و لم‌يعلم وجهها علما يقينيا فليس له و لا لاحد رفع التنافي بينها الا علي ما اوقفوا عليه من العمل باخبار التراجيح و قد بينا امرها و لقد احسن و اجاد شيخنا الكليني رضوان الله عليه في الكافي حيث قال فاعلم يا اخي ارشدك الله انه لايسع احدا تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم السلام برأيه الا علي ما اطلقه العالم بقوله اعرضوهما علي كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوا به و ما خالف كتاب الله فردوه و قوله دعوا ما وافق القوم فان الرشد في خلافهم و قوله عليه السلام خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه و نحن لانعرف من جميع ذلك الا اقله و لانجد شيئا احوط و لا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 136 *»

اوسع من رد علم ذلك كله الي العالم عليه السلام و قبول ما وسع من الامر فيه بقوله بايما اخذتم من باب التسليم وسعكم الي آخر قوله و لعمري لقد احسن و اجاد و لكن بعد التتبع و التعمق في نفس الخبرين فان رفع التنافي من البين بسبب اللحن و الدلالة و الا فالامر بالسعة و هو احوط و اوسع من كل قاعدة اذ لايلزم منه عمل بالرأي و الهوي و الظنون فانت اولا تعمق الفكر في الخبرين فان كان احدهما محكما و الآخر متشابها ترد المتشابه الي المحكم و تعمل به و ان كان احدهما مجملا و الآخر مفسرا ترد المجمل الي المفسر و ان كان احدهما مشكوك الدلالة و الآخر مقطوعها ترد المشكوك الي المقطوع و ان كان في احدهما لحن التقية و الآخر خلافها تعمل بالمخالف و تحمل الآخر علي التقية فتدور مدار نفس الاخبار و لحنها و معناها فانهم سلام الله عليهم امراء الكلام و افصح الخلق و قد بينوا كلامهم بحيث يظهر منه الحق لاهله و ان بقي التعارض بعد ذلك كله فاعمل بالسعة في العمل و التوقف في الفتوي و اياك و الرأي و الهوي فان من عمل بالرأي لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب سواء كان الرأي في مطلق الحكم او في ترجيح احد الخبرين و انما انهاك حينئذ عن البت بالرأي و لكن اذا اردت في مقام العمل ان تعمل باحوطهما او اظهرهما او انسبهما او اشبههما او اوليهما او اشهرهما او اقويهما فلاامنعك عنه اذا كان من باب التسليم و الاخذ بقوله بايهما اخذت من باب التسليم وسعك و علامة ذلك ان لاتمنع من الآخر بل الاحسن ان تعمل بالآخر ايضا و لو مرة حتي تكون من الآخذين برخصهم لما روي ان الله يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه فقد والله نصحت لك في هذه القاعدة و لايعدل عادل عنها الا الي الهوي و ان ذلك طريق الهدي و ان في ذلك لعبرة لمن يخشي .

قاعدة رأيت ان اذكر لك بعد ذلك كله شهادة جمع من العلماء رضوان الله عليهم ليكون قلبك اقوي و فؤادك اثبت فان النفس ما لم‌تستقر علي مر الحق تستوحش

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 137 *»

من القلة و تطمئن بالكثرة فاذا وجد الشخص لنفسه اعوانا سكنت و استقرت الي ان يعرف مر الحق فحينئذ يستأنس بالقلة و يستوحش من الكثرة علما منه بقوله تعالي قليل من عبادي الشكور و قليل ما هم و ان اكثرهم لايعقلون الي غير ذلك من الآيات و لذا قال علي عليه السلام معني ذلك لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله فان الناس اجتمعوا علي مائدة شبعها قليل و جوعها كثير فلاجل ذلك اذكر لك شهادة بعض العلماء حتي تستأنس بها و لاتحسبننا انا شذذنا عن الجماعة و ندرنا عن القوم و اخترنا الفرقة فقد قال الصدوق في اول الفقيه و لم‌اقصد فيه قصد المصنفين الي ايراد جميع ما رووه بل قصدت فيه الي ايراد ما افتي به و احكم بصحته و اعتقد انه حجة بيني و بين ربي جل ذكره و جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول و اليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني و كتاب عبيدالله بن علي الحلبي و كتب علي بن مهزيار الاهوازي و كتب الحسين بن سعيد و نوادر احمد بن محمد بن ابي‌عمير و كتاب المحاسن لاحمد بن ابي‌عبدالله البرقي و رسالة ابي رضي الله عنه الي غيرها من الاصول و المصنفات التي طرقها الي معروفة في فهرست الكتب التي رويتها عن مشايخي و اسلافي الي آخر كلامه و كلامه هذا صريح ان كتابه هذا مستخرج من كتب مشهورة كانت في تلك الايام معروفة و عليها معول الشيعة و مرجعهم و شهادة منه الي صحة جميع الاصول و المصنفات التي رواها و قال محمد بن يعقوب (ره‌) في اول كتابه الكافي و قلت انك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم و يرجع المستشهد و يأخذ منه من يريد علم الدين و العمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم السلام و السنن القائمة التي عليها العمل و بها تؤدي فرائض الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و قلت لو كان ذلك رجوت ان يكون سببا يتدارك الله بمعونته و توفيقه اخواننا و اهل ملتنا و يقبل بهم مراشدهم و قد يسر الله و له الحمد تأليف ما سألت و ارجو ان يكون بحيث توخيت الي آخر كلامه (ره‌) و هذا ايضا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 138 *»

صريح في ان جميع ما في كتابه صحيحة و عليها العمل و من البين انه رحمه الله مع كونه في الغيبة الصغري و تمكنه من العرض علي الحجة و الوكلاء لايقدم علي اثبات احاديث لم‌يثبت صدورها عنهم و لم‌تكن مقطوعة الصدور ثم يقول ان ما في كلماتي كلها صحيحة عن الصادقين و عليها العمل او يخلط بين الصحاح و غيرها من غير نصب علامة ثم يكون بذلك مدلسا غاشا للشيعة و هو في عصر التمكن من العرض علي الامام ثم لم‌ينه عنه الامام عليه السلام مع علمه بانه مخلوط من الصحاح و الضعاف و هو يعلم اتكال الشيعة عليه و علي قوله و لم‌ينه عنه الوكلاء بل خرج التوقيع ان نرجع في الحوادث الواقعة الي رواة اخبارهم فانهم كافونا و صرح بذلك السيد رضي‌الدين علي بن موسي بن طاوس في كتاب كشف‌المحجة لثمرة المهجة في وصيته لولده كما نقل عنه روي الشيخ المتفق علي ثقته و امانته محمد بن يعقوب الكليني و هذا الشيخ كان حيوته في زمان وكلاء مولانا المهدي عليه السلام عثمان بن سعيد العمري و ولده ابي‌جعفر محمد و ابي‌القاسم الحسين بن روح و علي بن محمد السمري رضي الله عنه و توفي محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد السمري فتصانيف هذا الشيخ و رواياته في زمان الوكلاء المذكورين انتهي ، و مات رحمه الله في سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة سنة تناثر النجوم و ذكر الشيخ ابوعلي في رجاله و يقال ان جامعه الكافي الذي لم‌يصنف في الاسلام مثله عرض علي القائم صلوات الله عليه فاستحسنه و الله العالم انتهي ، و ليس ببعيد لانه كان ببغداد و مات في زمان علي بن محمد السمري بل البعيد عدم عرضه و مما يؤيد صحة الكافي و ان لم‌يكن دليلا مستقلا لكنه من المؤيدات ما رأيته بخط الميرزا محمد الاخباري و خاتمه مع شهادة القرائن و من اثق بقوله و قد اجاز رجلا من اهل بلادنا ما صورته :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و سلام علي عباده الذين اصطفي اما بعد فقد اجزت الاخ في الله المولي المسدد الملا محمد بن الملا علي الكرماني لازال كاسمه محمد ان يروي عني كتاب الجامع الكافي لثقة الاسلام ابي‌جعفر محمد بن يعقوب بن اسحق الكليني الرازي قدس سره بحق روايتي عن الشيخ

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 139 *»

الثقة الورع الرباني موسي بن علي البحراني قدس سره بحق روايته عن شيخه الثقة الورع الحاج عبدالهادي الهمداني الغروي جوارا و مدفنا عن حجة العصر و الزمان خليفة الرحمن م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن ابيطالب بن عبدالمطلب بن هاشم الهاشمي صلوات الله عليهم بمدينة الرسول بين قبره و منبره صلي الله عليه و آله و سلم امره عليه السلام ان يعمل علي كتاب الكافي لابي‌جعفر الكليني و له قصة رويناها بهذا الاسناد في كتاب تسلية‌القلوب فله ايده الله تعالي ان يعمل بما فيه و يرويه عني بهذا الاسناد بعد تصحيح مبانيه و معانيه و ان لاتنساني من صالح الدعاء فانه تعالي قريب مجيب كتب الداعي الي محجة المهدي ابن احمد محمد بن عبدالنبي بن عبدالصانع النيسابوري المجيب المسلم التلقي عصر يوم الجمعة الثاني من شهر صفر من سنة ١٢٣٠ بمقابر قريش حامدا مصليا مستغفرا .
فهذه الحكاية ايضا تؤيد المقام بما لا كلام و قال الشيخ (ره‌) في اول كتاب التهذيب و ان اترجم كل باب علي حسب ما ترجمه و اذكر مسئلة مسئلة فاستدل عليها اما من ظاهر القرآن او من صريحه او فحواه او دليله او معناه و اما من السنة المقطوع بها من الاخبار المتواترة و الاخبار التي تقترن اليها القرائن التي تدل علي صحتها و اما من اجماع المسلمين ان كان فيها او اجماع الفرقة المحقة ثم اذكر بعد ذلك ما ورد من احاديث اصحابنا المشهورة في ذلك و انظر فيما ورد بعد ذلك مما ينافيها و يضادها و ابين الوجه فيها الي آخر كلامه و كلامه ظاهر في ان كل ما عمل به في كتابه هذا اما متواتر او محفوف بالقرائن القطعية او مشهورة و نقل عن مواضع من كتابه انه ذكر ان كل حديث عمل به فهو مأخوذ من الاصول و الكتب المعتمدة و يؤيده ما نقل عنه في العدة انه قال لايجوز العمل بالاجتهاد و لا بالظن في الشريعة و ذكر في اول الاستبصار ما حاصله ان ما عمل به في جميع كتبه اما متواتر او محفوف بالقرائن القطعية او مجمع علي صحة العمل به و نقل عن العدة مثل ذلك و اما شهادة غيرهم من العلماء فعن الشيخ بهاءالدين العاملي في مشرق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 140 *»

‌الشمسين بعد ذكر تقسيم الحديث الي الاقسام الاربعة المشهورة و هذا الاصطلاح لم‌يكن معروفا بين قدمائنا كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم بل المتعارف بينهم اطلاق الصحيح علي ما اعتقد بما يقتضي اعتمادهم عليه او اقترن بما يوجب الوثوق به و الركون اليه و ذلك بامور منها وجوده في كثير من الاصول الاربع‌مائة التي نقلوها من مشايخهم بطرقهم المتصلة باصحاب العصمة و كانت متداولة في تلك الاعصار مشتهرة بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار و منها تكرره في اصل او اصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة و اسانيد عديدة معتبرة و منها وجوده في اصل معروف الانتساب الي احد الجماعة الذين اجمعوا علي تصديقهم كزرارة و محمد بن مسلم و الفضيل بن اليسار او علي تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيي و يونس بن عبدالرحمن و احمد بن محمد بن ابي‌نصر البزنطي او علي العمل بروايتهم كعمار الساباطي و غيرهم فمن عدهم شيخ الطائفة في العدة كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح في المعتبر و منها اندراجه في احد الكتب التي عرضت علي الائمة عليهم السلام فاثنوا علي مصنفيها ككتاب عبدالله بن علي الحلبي الذي عرضه علي الصادق عليه السلام و كتابي يونس بن عبدالرحمن و الفضل بن شاذان المعروضين علي العسكري عليه السلام و منها كونه مأخوذا من الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها و الاعتماد عليها سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية المحقة ككتاب الصلوة لحريز بن عبدالله و كتب ابني سعد و علي بن مهزيار او من غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي و كتب الحسين بن عبيدالله السعدي و كتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري و قد جري رئيس المحدثين علي متعارف القدماء فحكم بصحة جميع احاديثه و قد سلك ذلك المنوال جماعة من اعلام علماء الرجال لما لاح لهم من القرائن الموجبة للوثوق و الاعتماد انتهي ، و عن رسالته الموسومة بالوجيزة التي الفها في دراية الحديث جميع احاديثنا الا ما ندر ينتهي الي ائمتنا الاثني‌عشر عليهم السلام و هم ينتهون فيها الي النبي صلي الله عليه و آله الي ان قال و قد كان جمع قدماء اصحابنا ما وصل اليهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 141 *»

من كلام ائمتنا عليهم السلام في اربعمائة كتاب تسمي الاصول ثم تصدي جماعة من المتأخرين شكر الله سعيهم لجمع تلك الكتب و ترتيبها تقليلا للانتشار و تسهيلا علي طالبي تلك الاخبار فالفوا كتبا مضبوطة مهذبة مشتملة علي الاسانيد المتصلة باصحاب العصمة عليهم السلام كالكافي و من لايحضره الفقيه و التهذيب و الاستبصار و مدينة‌العلم و الخصال و الامالي و عيون‌الاخبار و غيرها انتهي ، و رأيت صريح شهادته بان الاصول الاربعمائة كانت مشتهرة بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار و طرقهم فيها متصلة باصحاب العصمة عليهم السلام و كانت متداولة ثم الفوا منها هذه الكتب المشهورة تقليلا للانتشار و لاينافي ذلك ما ذكره الشيخ من ضعف بعض الاخبار لان الضعيف عندهم كما يطلق علي ما لم‌يصح صدوره يطلق علي ما لايصح العمل به فاذا ظهر ان اخباره كلها صحيحة و ان ضعف بعضا دل علي ان تضعيفه له لعدم صحة العمل بمضمونه لكونه تقية و عن الشيخ الشهيد الثاني في شرح دراية‌الحديث قد كان استقر امر المتقدمين علي اربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف سموها اصولا فكان عليها اعتمادهم ثم تداعت الحال الي ذهاب معظم تلك الاصول و لخصها جماعة في كتب خاصة تقريبا علي المتناول و احسن ما جمع منها الكافي و التهذيب و الاستبصار و من لايحضره الفقيه انتهي ، و اما شهادة الاخباريين علي تواتر هذه الكتب الاربعة فمعروفة مشهورة و كتبهم في الاستدلال عليها مشحونة كالفوائد المدنية للاسترابادي و رسالة الاصول من القاشاني و الوسائل للعاملي (ره‌) و مقدمات الحدائق للبحراني و غيرهم من المتقدمين و المتأخرين و اما ساير الكتب فعن الكفعمي في اول الجنة‌الواقية هذا كتاب محتوي علي عوذ و دعوات و تسابيح و زيارات و حجب و تحصينات و هياكل و استغاثات و احراز و صلوات و اقسام و استخارات الي ان قال مأخوذة من كتب معتمد علي صحتها مأمور بالتمسك بوثقي عروتها و عن الطبرسي في اول الاحتجاج و لانأتي في اكثر ما نورده من الاخبار باسناده الموجود للاجماع عليه و موافقته لما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 142 *»

دلت العقول عليه و لاشتهاره في السير و الكتب بين المخالف و المؤالف الا ما اوردته عن الحسن بن علي العسكري عليه السلام فانه ليس في الاشتهار علي حد ما سواه و ان كان مشتملا علي مثل الذي قدمناه فذكرت اسناده في اول خبر من ذلك انتهي ، و عن علي بن ابرهيم الشهادة بثبوت احاديث تفسيره و كذلك مزار جعفر بن محمد بن قولويه و كذا نقل عن مناقب و عن معالم‌العلماء عن المفيد انه قال صنفت الامامية من عهد اميرالمؤمنين عليه السلام الي عهد ابي‌محمد الحسن العسكري عليه السلام اربعمائة كتاب تسمي الاصول فهذا معني قولهم له اصل و عن المحقق في المعتبر ايضا بثبوت اربع‌مائة الاصول كتبت من اجوبة مسائل الصادق عليه السلام و عنه عن الشيخ الاجماع علي العمل بهذه الاخبار المروية المدونة حتي لو رواها غير الامامي و كان الخبر سليما عن المعارض و اشتهر نقله في هذه الكتب الدائرة بين الاصحاب عمل به و عن المرتضي ان اكثر احاديثنا المروية في كتبنا معلومة مقطوع علي صحتها و صدق روايتها فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع و ان وجدناها مودعة في الكتب بسند معين مخصوص من طريق الآحاد انتهي ، و عنه ايضا ان معظم الفقه تعلم مذاهب ائمتنا عليهم السلام فيه بالضرورة و بالاخبار المتواترة و ما لم‌يتحقق ذلك فيه و لعله الاول يعول فيه علي اجماع الامامية و عن المفيد و المرتضي ان الاحاديث المتواترة عندنا اكثر من ان يحصي ه‍ ، و عن الشهيد في الذكري الجزم بصحة الكتب الاربعمائة و ذكر امورا ثم قال و الانكار بعد ذلك مكابرة محضة و تعصب صرف انتهي ، و عن الشيخ في الفهرست ان كثيرا من المصنفين و اصحاب الاصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة و كانت كتبهم معتمدة انتهي ، و ذكر الشيخ الحر في خاتمة‌الوسائل الفائدة الخامسة في بيان بعض الطرق التي نروي بها الكتب المذكورة من مؤلفيها و انما ذكرنا ذلك تيمنا و تبركا باتصال السلسلة باصحاب العصمة عليهم السلام لا لتوقف العمل عليه لتواتر تلك الكتب و قيام القرائن علي صحتها و ثبوتها كما يأتي انشاء الله ثم ذكر طرقه اليها و الكتب ما ذكره في الفائدة الرابعة حيث قال الفائدة الرابعة في ذكر الكتب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 143 *»

المعتمدة التي نقلت منها احاديث هذا الكتاب و شهد بصحتها مؤلفوها و غيرهم و قامت القرائن علي ثبوتها و تواترت من مؤلفيها او علمت صحة نسبتها اليهم بحيث لم‌يبق فيها شك و لا ريب كوجودها بخطوط اكابر العلماء و تكرر ذكرها في مصنفاتهم و شهادتهم بنسبتها و موافقة مضامينها لروايات الكتب المتواترة او نقلها بخبر واحد محفوف بالقرينة و غير ذلك ثم ذكر قريبا من تسعين كتابا من الاصول و المصنفات التي كانت عنده و نقل عنه ثم ذكر الكتب التي لم‌تكن حاضرة لديه و انما نقل عنها بنقل العلماء و ذكر قريبا من خمسة و تسعين اصلا و مصنفا من الكتب المعتبرة ثم قال و اما ما نقلوا منه و لم‌يصرحوا باسمه فكثير جدا مذكور في كتب الرجال يزيد علي ستة‌آلاف و ستمائة كتاب علي ما ضبطناه انتهي ، هذا ما وجدته من شهادة الافاضل علي صحة الكتب المتداولة عموما و خصوصا عاجلا و قد بسطنا القول في تصحيح الاخبار في رسالة مخصوصة و لم‌نذكر تمام ما هناك لعدم الفرصة فان شئت فراجعها و من البين ان الكتب الاربعة و كثيرا من الكتب متواترة بالنسبة الي مصنفيها و قد علمت ان الكتب الاصول كانت بالنسبة اليهم كالكتب الاربعة بالنسبة الينا و كانت متواترة عندهم و عليها معولهم و هم متمكنون من العلم بصحتها و عرضها علي الائمة عليهم السلام و ادعوا صحتها و صحة ما فيها و شهد علي ذلك جمع من علمائنا و اما المنكرون لذلك ليس لهم حجة الا عدم ثبوتها عندهم و هو لاينهض حجة و شهادة النفي لاتسمع مع انه لم‌يدع احد منهم عدم صحة هذه الاخبار الا دعواهم علي عدم صحة عملهم ببعضها و اني لهم الدعوي بعدم صحتها .

قاعدة فيما يعمل به من الكتاب و ما لايجوز العمل به فقد اختلف اصحابنا فيه اختلافا كثيرا فمنهم من قال بجواز العمل بظواهر الكتاب المحكمة و منهم من قال بعدم جواز العمل بشئ من الكتاب زعما منه ان جميع الكتاب متشابه للرعية الا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 144 *»

بواسطة الاخبار و منهم من قال ان الكتاب يختلف بالنسبة الي الاشخاص فمنه ما هو محكم بالنسبة الي شخص متشابه بالنسبة الي آخر و لا بد من العمل بالمحكم لكل احد علي حسبه و قد استند كل واحد منهم الي اخبار و ترك الاخبار الاخر او اولها علي غير وجهها و انا اذكر لك هيهنا بيانا شافيا وافيا حتي تري بعينك انه لا اختلاف في اخبار آل‌محمد عليهم السلام و انما الاختلاف في الافهام بسبب الاستيناس بكلام القوم اي العامة العمياء و لايتمشي اكثر قواعدهم في مذهبنا فانا فارقناهم في اصول المذهب فما يتفرع علي كليات مذهبهم لايتمشي في مذهبنا البتة هذا و قد روي عن الصادق عليه السلام ما انتم والله علي شئ مما هم فيه و لا هم علي شئ مما انتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفية علي شئ و روي انهم متي افتوا بشئ فالحق في خلافه و روي والله لم‌يبق في ايديهم الا استقبال القبلة فاذا كان الامر كذلك فكيف يتمشي قواعدهم في مذهبنا و كيف يجوز للشيعي ان يجري في مذهبه قواعدهم و اغلب هذه الشبهات التي وقعت في قلوب علمائنا فانما نشأت من المخالطة و عدم التفطن باختلاف اصول المذهب بالجملة نقول ان الله سبحانه لما خلق الخلق و علم انهم جهال لايعلمون و ضلال لايهتدون و ناقصون لايتكملون الا ان يعلمهم الله و يهديهم و يكملهم و علم انهم لايقدرون علي التلقي منه سبحانه لعدم صفاء طويتهم و لطافة انيتهم اصطفي من بينهم الانبياء و الرسل و هم الذين خلقهم الله سبحانه من نور عظمته و جلال كبريائه فجعلهم اقرب الخلق اليه و اكرمهم عليه و اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم و اتخذهم اعضادا و اشهادا و حفظة و روادا فعرفوا بما جعلهم الله سبحانه عليه الكم و الكيف و الحيث و اللم و الموصول و المفصول و اسباب القرب و البعد فحكموا بما اراهم الله سبحانه من حقايق الاشياء و اسبابها و عللها فحللوا ما شاؤا بمشية الله و حرموا ما شاؤا بمشية الله سبحانه فجعلهم الوسائط بينه و بين خلقه لايساويهم احد و لايوازيهم خلق و لايأخذ عن الله سبحانه بغير واسطة الا هم و لايتلقي فيضا احد ممن سواهم من غير طريقهم من التوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه و ان الله سبحانه قد عبر عن شؤن علمه بعبارات

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 145 *»

فانزلها علي ظواهرهم فان شؤن علمه سبحانه هي كمالات نفوسهم و فعلياتها و انوارها و اشعتها اذ هم خزان علم الله سبحانه و اوعيته قال الله سبحانه بل هي آيات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و قال قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب و قال و كل شئ احصيناه في امام مبين فالكتاب هو تعبير عن شؤن علم الحجج انزله الله سبحانه في قلوبهم حتي عبروا به بالسنتهم عنه قال سبحانه نزل به الروح الامين علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين و قال سبحانه و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم فصار القرآن قول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين و علي النبي صلي الله عليه و آله بيانه لانه سر الحبيب مع الحبيب لايطلع عليه الرقيب فعلي الله سبحانه بيانه لنبيه كما قال ان علينا جمعه و قرآنه ثم ان علينا بيانه و علي نبيه صلي الله عليه و آله بيانه للناس كما قال سبحانه و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس و انه صلي الله عليه و آله بينه لمن يتحمل معانيه و هو الذي يسع صدره علم الله سبحانه الذي نزل به القرآن كما قال فاعلموا انما انزل بعلم الله و لايسع صدر امرء علم الله سبحانه الا ان يكون صدره كصدر النبي صلي الله عليه و آله و نفسه من نفسه لان علم الله سبحانه كما بينا كله مكتوب في لوح صدر الحجة كما قال سبحانه و كل شئ احصيناه في امام مبين فقد بينه صلي الله عليه و آله لوصيه و حجته بعده و كذلك كل حجة قد فسره لمن بعده و يدل علي ذلك اخبار متواترة لايمكن ان ينكرها الا منكر الشرايع و الاحكام جميعها و قد اوردنا ما يلحق التواتر في كتابنا فصل‌الخطاب و لانطيل الكلام بذكرها هيهنا و لنذكر حديثين هنا تيمنا قال ابوجعفر عليه السلام في حديث ان كان رسول الله صلي الله عليه و آله لم‌يستخلف احدا فقد ضيع من في اصلاب الرجال ممن يكون بعده قيل و مايكفيهم القرآن قال عليه السلام بلي لو وجدوا له مفسرا قيل و مافسره رسول الله صلي الله عليه و آله قال عليه السلام بلي قد فسره لرجل واحد و فسر للامة شأن ذلك الرجل و هو علي بن ابيطالب الخبر ، و قال ابوعبدالله عليه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 146 *»

السلام في حديث و انما القرآن امثال لقوم يعلمون دون غيرهم الي ان قال و انما اراد الله بتعميته في ذلك ان ينتهوا الي بابه و صراطه و ان يعبدوه و ينتهوا في قوله الي طاعة القوام بكتابه و الناطقين عن امره و ان يستنبطوا ما احتاجوا اليه من ذلك عنهم لا عن انفسهم الخبر ، الي غير ذلك من الاخبار المتواترة فليس لاحد من الرعية ان يستقل بفهم آية من كتاب الله سبحانه و ان يستغني عنهم و يصل الي علم الله سبحانه من غير طريقهم صلوات الله عليهم و قد قال الله سبحانه ماآمن بي من فسر برأيه كلامي ، و قال الصادق عليه السلام من فسر آية من كتاب الله كفر الي غير ذلك فلايجوز لنا اليوم الا الاخذ عن آل‌محمد عليهم السلام و اما ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله فلايجوز لنا التمسك به الا بواسطة آل‌محمد عليهم السلام فان في القرآن منسوخا و يمكن ان يكون تفسير النبي صلي الله عليه و آله في المنسوخ الذي لايجوز التمسك به و قد فسر الناسخ و لم‌يصل الينا و آل‌محمد عليهم السلام هم العلماء العالمون بالناسخ و المنسوخ و العام و الخاص و غيرها فما وصل الينا من طرقهم نعمل به و ما لم‌يصل لايجوز العمل به و ان وصل عن النبي صلي الله عليه و آله و طريق ايصالهم صلوات الله عليهم الينا اقسام مختلفة فمنها ما يصل الينا منهم بواسطة ضروري الاسلام و هو حجة علينا لوجودهم عليهم السلام فيه و لولاهم لمانفعنا شيئا و لماقطعنا في حقيته بعد علمنا باحوال هذا الخلق المنكوس و منها ما يصل الينا منهم بواسطة ضروري المذهب و هو ايضا حجة لوجودهم فيه و الا فكالاول فاذا وصل الينا تفسير الكتاب بالضرورتين و علمنا ان فيهما آل‌محمد عليهم السلام و قولهم عليهم السلام حجة في كل ما علم منهم علمنا بتفسير الكتاب من طريقهم فما لم‌يصل الينا بالضرورتين علم من طريق الاخبار المجمع عليها و ما لم‌يصل الينا من هذا الباب يصل الينا بالاخبار المستفيضة او باخبار آحاد من طريق الثقات المورثة للعلم العادي فمن اي هذه الطرق وصل الينا منهم تفسير علمنا تفسير الكتاب من طريقهم و نعمل به و ان لم‌يصل الينا بشئ من هذه الوجوه و كان الكتاب دالا علي حكم من الاحكام ظاهرا فيه ظهور ساير الاخبار في معانيها

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 147 *»

و ليس صارف عنه من طرقهم صلوات الله عليهم و لم‌يقم اجماع علي خلافه و لم‌يكن مخالفا لبداهة العقول فان كل ذلك من انكار الحجج عليهم السلام فكان في ذلك ايضا حجة و بلاغ و كفاية فان الحجة لايغري بالباطل فلو علم عدم كون ظاهره مرادا لصرف عنه فان لم‌يصرف و امر بالرد الي الكتاب و العرض عليه مطلقا علمنا حجيته بتقريره و اما ما لم‌يصل الينا من طريقهم فلايجوز الاخذ به بوجه من الوجوه سواء وصل عن المفسرين او غيرهم فلا عبرة بكلام غير الحجة المنصوب من الله سبحانه ابدا فمن دخل بيت علم الله سبحانه من غير الباب الذي فتحه فهو سارق اتي البيت من ظهره و اما ما وصل بطريق الضرورتين او الاخبار المجمع عليها فهو المعروض الذي يعرض عليها كل شبهة و المستنبط عنها كل حادثة و لايجوز العرض بغيرها مما وصل في تفسيره من طرق الآحاد فانها ايضا اخبار فما روي في العرض فالمراد العرض علي هذا النوع و ما وصل في السكوت و الرد اليهم فهو في السكوت عن الرأي و الرد اليهم و ما روي في التدبر في كتاب فهو علي ما روي من طرقهم و اما اعجاز القرآن و نزوله اعجازا للعرب فهو من باب نظمه و فصاحته و اخباره عن الغيوب و ذلك لايخفي علي العرب و ليس شرطه اطلاعهم علي تفاسيره فنحن لانعرف من القرآن نصا و لا ظاهرا الا بتصديق آل‌محمد عليهم السلام فنصه ما اخبروا بانه نص و الا فليس بنص و محكمه ما اخبروا انه محكم و الا فليس بمحكم الاتري انهم لو فسروه علي غير وجهه الذي نعرفه كان يجب الرد اليهم و اتباعهم فالقرآن يعرف بالحجة لا الحجة بالقرآن و ان كان في القرآن امر الحجج ظاهرا باهرا فانما ذلك بعد تقريرهم و تفسيرهم لا غير و علي ما ذكرنا يجتمع جميع الاخبار بلا غبار و يرتفع الاختلاف و يأتي الايتلاف و بذلك يمتاز شيعتهم عن مخالفيهم المستغنين عنهم بزعمهم المستبدين في تفسير الكتاب برأيهم و الشيعي لايعتقد امكان استبداده برأيه في تفسير حرف من كتاب الله برأيه و لايظن انه يقدر علي استنباط آية من كتاب الله سبحانه او حرف منه بنفسه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 148 *»

من دون دلالة الوسائط بينه و بين ربه فافهم ان كنت تفهم ،
فدع عنك قول الشافعي و مالك       ** * **      و احمد و المروي عن كعب‌الاحبار
و خذ عن اناس نقلهم و حديثهم       ** * **      روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
قاعدة في ان السنة ايضا ليس يقدر علي ادراكها احد من الرعية الا من طريق آل‌محمد عليهم السلام و ان القول بانه يمكن الاستبداد بمعرفة بعض السنة من غير حاجة الي آل‌محمد عليهم السلام لايتمشي علي مذهب من له امام حجة معصوم من عند الله سبحانه و انما هو من شبهات الكافرين الذين لا مولي لهم و زعموا انهم بعد نبيهم سدي مهملين و اما علي مذهبنا فكما سمعت فان الائمة عليهم السلام هم الوسائط بيننا و بين نبينا صلي الله عليه و آله و لايصل الينا فيض منه الا بواسطتهم فنحن لانقدر علي الاستفاضة منه من طريق غير طريقهم و الا لكنا مساوين لهم و لايكون ذلك ابدا و الامام لايتقدم عليه و لايساوي و علي الوجه الظاهر انه في كلام النبي صلي الله عليه و آله عام و خاص و مرسل و محدود و ناسخ و منسوخ كما في القرآن و نحن اذل و احقر من فهم ذلك الا بواسطة آل‌محمد عليهم السلام و بذلك دلت اخبار كثيرة فروي عن النبي صلي الله عليه و آله في احتجاجه يوم الغدير انه قال علي مفسر كتاب الله و الداعي اليه الا و ان الحلال و الحرام اكثر من ان احصيهما او اعرفهما فآمر بالحلال و انهي عن الحرام في مقام واحد فامرت ان آخذ البيعة عليكم و الصفقة منكم بقبول ما جئت به عن الله عز و جل في علي اميرالمؤمنين و الائمة من بعده و سئل ابوعبدالله عليه السلام ما بال اقوام يروون عن فلان و فلان عن رسول الله صلي الله عليه و آله لايتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه فقال ان الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن و عن النبي صلي الله عليه و آله انا المدينة و علي الباب و كذب من زعم انه يدخل المدينة الا من قبل الباب الي غير ذلك من الاخبار و قد رويناها في فصل‌الخطاب فلايمكن فهم شئ من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 149 *»

حديث النبي صلي الله عليه و آله لنا اليوم الا من طريق آل‌محمد عليهم السلام و نعرفها من طريقهم من باب الضرورتين من حيث كونهم فيهما لا غير و من باب اخبارهم المجمع عليها و من باب اخبار الآحاد من طرق الثقات فما وصل الينا من هذه الطرق في تعريف السنة علمنا به من جهتهم لا مستبدين بآرائنا مستنبطين عن انفسنا و هذا لعمري شرط التشيع و ما يتمشي في مذهبنا و اما ما لم‌يصل الينا من طريقهم و وصل من غير طريقهم من اخبار الثقات فان كان معه تقريرهم عملنا به و الا فلا فان نظرنا الي ايدي آل‌محمد عليهم السلام و اشارتهم و نحن اذل و احقر من ان نعرف من النبي صلي الله عليه و آله شيئا الا من طريقهم و اما المعروض من السنة فهو الثلث الاول و اما الباقية فهي بنفسها اخبار ليست باولي مما يراد عرضها عليها و علي ذلك تجتمع جميع الاخبار كما مر بلا غبار فان كنت من اهل البر فائت البيت من بابه و ذر الذين يلحدون في اسمائه و يريدون الاستبداد بالرأي و ما اقبح بالشيعي ان يكون مستغنيا عن امامه و سيده في حرف من حروف دينه او في شئ من الاشياء و لا طريق الي العالي في شئ من الاشياء الا من الوسايط الكلية فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم .

قاعدة اعلم ان الله سبحانه هو المتعالي عن رتبة الناس و ان يحس بالحواس او يلتمس بالاخماس فلما خلق الخلق و عرف انهم لايقدرون علي التلقي عنه لكثافة طوياتهم اجتبي من بينهم الرسول اليهم يكون له جهتان جهة التلقي عنه سبحانه بصفاء مرآة ضميره و جهة الالقاء الي الخلق بسبب بشريته الظاهرة فكان هو الواسطة بين الخلق و بين الله سبحانه و المؤدي عنه و القائم مقامه في الاداء و الشاهد منه علي بريته و لكن ما دام فيهم فاذا رفعه الله سبحانه عن خلقه انقطع ربط الرعية به و ان لم‌ينقطع ربطه عن الله سبحانه فارتفع نظره عن الخلق و عنايته عنهم و شهادته لهم و عليهم كما قال الله سبحانه حكاية عن عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 150 *»

عليهم فلاجل ذلك احتاج الخلق الي واسطة اخري يكون محل نظر الله من خلقه و مهبط فيضه و ارادته و لولا ذلك لساخت الارض باهلها فبذلك لزم وجود الحجة في كل عصر و كل حجة في عصر هو لسان الله المعبر و يده المغيرة و غوثه من خلقه و هاديه فيهم و المعرف عنه الحلال و الحرام بينهم و لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لم‌يعرف الحق من الباطل ابدا فعماد الخلق و سنادهم و من عليه اعتمادهم في كل عصر الحجة القائم الحي و هو الواقف في العصر الذي يليه علي الطتنجين الناظر في المشرقين و المغربين العالم بالزيادة و النقصان من البين العالم بصلاح زمانه و من فيه من رعيته فكل حجة يراعي صلاح زمانه و يقوم باصلاحه فاذا مضي يقوم باصلاح الزمان القائم مقامه فيغير من امره ما تغير الزمان عنه و يقرر من امره ما بقي الزمان علي ما كان فاذا تغير العصر فنحن لانعلم كيفية تغير شئ من احكامه عما كان عليه مع القطع بان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم و نري قطعا تغير الامور عما كان عليه و لاندري كمية تغيرها و كيفيته حتي نعلم كيف ينبغي ان يغير احكام الامام السابق و القول بان الاصل عدم التغير فلايفيد علما و لا عملا ان كان من العقول و ان كان من النصوص السابقة فلعله تغير الاصول فلا بد و ان يكون للخلق حجة معصوم يتكلون علي نظره و يعتمدون علي رعايته و يستندون الي تقريره مطمئنين بانه يغير و يبلغ ما يجب تغييره و ابلاغه و يقرر ما يجب تقريره علي ما كان و انه انظر للرعية من انفسهم لان الائمة عليهم السلام الهداة المأمورون من عند الله تعالي فاذا من كان له امام و يعتقد في حقه هكذا اصول مذهبه تخالف من لايعتقد ذلك فلايتمشي في مذهبه ما يتمشي في مذهب غيره فليس الله كلفنا حفظ دينه و شرعه بالقول عليه بما لانعلم و عليه الهداية و البيان و علينا القبول و الاذعان فعلي ذلك نحن لانعمل بآثار الائمة الماضية عليهم السلام فانهم امروا و نهوا بما كان صلاح عصرهم و قد ، تغيرت البلاد و من عليها ، و القول بان الاجماع قام باتحاد التكاليف لايتمشي علي مذهبنا فان الاعصار تغيرت و ان الله سبحانه يغير ما بنا لتغييرنا ما بانفسنا و ان الاحكام النفس الامرية لا اجماع علي اتحادها لاختلاف فقهائنا في اغلب شرايع الاحكام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 151 *»

فلانقدر علي العمل بآثارهم في عصر امامنا المنتظر عجل الله فرجه الا من حيث تقريره و تسديده و تأييده و قد امرنا بالرجوع الي الآثار آثار الائمة الهداة فنحن نرجع اليها من حيث امره بها و ما اقبح بالشيعي ان يستبد في الاخذ عن السلطان السابق و لايراجع في امره السلطان اللاحق و لو في جزئي من الامور فان كنا من رعيته فيجب ان نصدر عن امره و نهيه و لو امر بترك جميع آثار آبائه فانا رعيته و يجب علينا اطاعته فانه اعلم بمصلحة غنمه ان شاء فرق بينها او جمع فماكان لمؤمن و لا مؤمنة ان يكون لهم الخيرة من امرهم فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما و ان قلت ان كلامهم واحد و امرهم واحد اقول نعم السابق لو كان في عصر اللاحق لقال بما يقول اللاحق و كذا العكس فقال ابوعبدالله عليه السلام لرجل ارأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بايهما كنت تأخذ قال كنت آخذ بالاخير فقال له رحمك الله و قيل له اذا جاء حديث عن اولكم و حديث عن آخركم بايهما نأخذ فقال خذوا به حتي يبلغكم عن الحي فان بلغكم عن الحي فخذوا بقوله ثم قال انا والله لاندخلكم الا فيما يسعكم و روي خذوا بالاحدث و قال عليه السلام يا باعمرو ارأيت لو حدثتك بحديث او افتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فاخبرتك بخلاف ما كنت اخبرتك او افتيتك بخلاف ذلك بايهما كنت تأخذ قال باحدثهما و ادع الآخر فقال قد اصبت يا باعمرو ابي الله ان يعبد الا سرا اما والله لئن فعلتم ذلك انه لخير لي و لكم ابي الله عز و جل لنا في دينه الا التقية الي غير ذلك من الآيات و الاخبار و الادلة و هذا هو سر الامر في عدم جواز تقليد الميت و هذا هو الفرق بيننا و بين الكافرين الذين لا مولي لهم فعلم من ذلك ان عدم جواز تقليد الميت هو اصل من اصول دين الشيعة و ان جوازه هو من اصول دين الكافرين للحق المستبدين بآرائهم المكتفين بآثار الرسول صلي الله عليه و آله علي زعمهم مع جهلهم بمراده و خصوصها و عمومها فنحن لانقلد الا الامام الحي فان صوب العمل باخبار الماضين عملنا بها علي حسب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 152 *»

تصويبه و ان غير عملنا فبما غير كيف ما امر و هذا هو الديانة التي من تقدمها مرق و من تأخر عنها زهق و من لزمها لحق فاذا كان الامر كذلك نتكل علي تعريفه اي تعريف الحجة الحي و عليه التعريف و البيان و علينا الاذعان فعليه تعريف جديد لكل جزئي جزئي اما بالتقرير او بالتغيير فاليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا ذلك بان الله مولي الذين آمنوا و ان الكافرين لا مولي لهم خذوها قاعدة سديدة تنبئ عن حقايق الحكم الالهية و الشرايع النبوية و الطرايق العلوية و اعلموا انكم بعد ما عرفتم ذلك ان اخذتم به هديتم و رشدتم و ان تركتموه ضللتم و اضللتم فهلكتم و اهلكتم و من عرف هذه المقدمة استغني عن كثير من تحقيقات القوم و اختلافاتهم و اعتراضاتهم و ايراداتهم فان كلها يتمشي في دين من زعم انه ترك مهملا ففقد نبيه و غاب وليه و القي حبله علي غاربه و سد عليه مشارع الدين و كلف بان يتخذ لنفسه طريقة و يهتدي من غير هاد الي احكام الشرع المبين فيقوم و يقعد متدللا علي الله سبحانه متبخترا يمن علي الله في نفسه باني لو لم‌اكن لكان اعلام دينك طامسة و آثاره دارسة و اني اجاهد ليلا و نهارا و اتعب نفسي في اصلاح دينك و بيان ما لم‌تقل و اهملته من دينك فاكمل دينك برأيي و اتم شرعك بعقلي و لولاي لكان دينك ناقصا و شرعك ضايعا هيهات يقول الله سبحانه في جوابه اذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون فافهم و تفطن .

قاعدة اعلم ان العامة بعد ما غاب عن هذه الدنيا نبينا صلي الله عليه و آله و اختار الله له دار جواره عادوا كغنم فقد راعيها هملا سدي و عادوا الي الجاهلية الجهلاء الاولي لاتصل ايديهم الي الله سبحانه و لايرونه و لايسمعونه فيأخذوا عنه و لاتصل ايديهم الي النبي صلي الله عليه و آله لاعراضه عن هذه الدنيا و لم‌يلجئوا الي ركن وضعه بينهم و لا الي علم نصبه بينهم لهدايتهم و لم‌يكف اخبار النبي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 153 *»

صلي الله عليه و آله جميع امورهم و لم‌يقصر صلي الله عليه و آله في اداء شرايع الله سبحانه و انما وضع فيهم نفسه لتؤتي اكلها كل حين باذن ربها و هم قد اعرضوا عنه فكانت اخباره المحفوظة عديدة لاتكفي جميع ما يرد علي الناس من الوقايع و كان كتاب الله سبحانه مجملات و معميات لايعرفونه كما عرفت فآلوا الي جاهلية جهلاء و ارادوا ان يزووا السلطان عن آل‌محمد عليهم السلام حنقا و غيظا و لا نص علي شركائهم من الله سبحانه و من رسوله فاخترعوا لانفسهم الاجماع و ملأوا به الاصقاع و خرقوا به الاسماع و هو باب يفتح منه الف باب من الضلال فان الاشرار يجمعون علي ما شاؤا و ارادوا كالكلاب المجمعة علي دفع الانسان المتنزه عن جيفتها الا انه يمر لحاجة من قربها زعما منها انه طامع في جيفتها المنتنة فابدعوا الاجماع و اجمعوا علي خلافة ابي‌بكر متمسكين بانه قال صلي الله عليه و آله لاتجتمع امتي علي ضلالة غافلا عن انه لو صح صدوره فاما معناه جميع الامة القاهر منهم و المقهور فانه فيها وصيه و هو معصوم مطهر لايسلك طريق الضلال كما قال اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن‌تضلوا و قال علي مع الحق و الحق مع علي يدور معه حيث ما دار فاذا كان في الامة من اذا تمسكوا به لن‌يضلوا فلاتجتمع امته علي ضلال او ان المراد باجماع امته اجماع اهل الحق منهم كما سئل صلي الله عليه و آله عن جماعة امته فقال جماعة امتي اهل الحق و ان قلوا و في اخري ما جماعتك قال من كان علي الحق و ان كانوا عشرة و جاء رجل الي اميرالمؤمنين عليه السلام فقال اخبرني عن السنة و البدعة و عن الجماعة و الفرقة فقال اميرالمؤمنين عليه السلام السنة ما سن رسول الله صلي الله عليه و آله و البدعة ما احدث بعده و الجماعة اهل الحق و ان كانوا قليلا و الفرقة اهل الباطل و ان كانوا كثيرا فالمراد من قوله صلي الله عليه و آله لاتجتمع امتي علي الضلالة يعني اهل الحق الثابتون علي طريقتي و سنتي الآخذون بكتاب ربي و عترتي لايجتمعون علي ضلالة و ان اخطأ بعضهم في بعض الامور الا ان الحق محفوظ في جميعهم لايخرج عن جملتهم كما قال صلي الله عليه و آله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 154 *»

في الحديث المتواتر ما ان تمسكتم بهما لن‌تضلوا بالجملة ابدعوا اجماعا و تمسكوا به في نصب الحجة بعده صلي الله عليه و آله و هو من البدع التي تدعو الي ضلالة و اي دليل ادل من بطلان اجماعهم اذا كان علي خلاف الكتاب و السنة كما قال الهادي عليه السلام في حديث الجبر و التفويض اجتمعت الامة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك ان القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون و علي تصديق ما انزل الله مهتدون لقول النبي صلي الله عليه و آله لاتجتمع امتي علي ضلالة فاخبر صلي الله عليه و آله ان ما اجتمعت عليه الامة و لم‌يخالف بعضها بعضا هو الحق فهذا معني الحديث لا ما تأوله الجاهلون من ابطال حكم الكتاب و اتباع حكم الاحاديث المزورة و الروايات المزخرفة و اتباع الاهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب و تحقيق الآيات الواضحات النيرات الخبر ، فتبين و ظهر ان ما لم‌يتميز اهل الحق من الباطل يشترط في تحقق الاجماع الحق اجتماع جميع الامة ابيضهم و اسودهم رجالهم و نسائهم لانه ان خرج خارج يحتمل ان يكون هو من اهل الحق و روي ان المؤمن وحده حجة و المؤمن وحده جماعة ففي هذا الاجماع لايجوز خروج واحد من الامة حاضرهم و باديهم و اما اذا تميز اهل الباطل و الحق فقد خرج اهل الباطل عن كونهم امة فاجتماعهم و افتراقهم علي حد سواء الا انهم اذا اجتمعوا علي شئ منفردين عن اهل الحق علمنا بالقطع و اليقين انه باطل و سبيل ضلال و الرشد في خلافهم حينئذ قطعا و اذا افترقوا يحتمل في كل فرقة ان يتفق كونه موافقا للحق فلايكون الرشد القطعي في خلاف كل فرقة فرقة الا ان يوزن باهل الحق اليقيني فيعرف حينئذ حقيته من بطلانه فاذا تزيلوا فاجتماع اهل الباطل دليل قطعي علي الضلالة و اجتماع اهل الحق بحيث لم‌يشذ منهم شاذ دليل قطعي علي انهم علي الحق في تلك المسئلة فان الحق لايفوت اهل الحق و الحق لاينخرم و به يقوم السماء و الارض كما مر و هذا معني ما روي اذا اختلفت احاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 155 *»

فانه لا ريب فيه و في هذا الاجماع يشترط اجتماع جميع الشيعة الاثني‌عشرية من جميع فرقها و هذا معني قوله خذوا بالمجمع عليه فان المجمع عليه لا ريب فيه لا ما تأوله الجاهلون من هذه الفرقة كما تأوله الاول من اتباع الاحاديث المزورة المخالفة للكتاب الواضح المنير المخالفة للسنة الجامعة غير المفرقة من ائمة الهدي عليهم السلام فمهما ادعوا الاجماع علي شئ و هو كما ذكرنا فانما هو بسبيل اجماع الصدر الاول و هو الي الضلال اقرب فهذان الاجماعان لا بد و ان يكونا ضروريين بديهيين يعرفهما كل جاهل و غبي فمن تخلف عن هذه الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الايمان من عنقه كما قال ابوعبدالله عليه السلام من خلع جماعة المسلمين قدر شبر خلع ربقة الايمان من عنقه و هذا معني قول الصادق عليه السلام ينظر الي ما كان من روايتهم عنا المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمنا و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه الخبر ، و انت تعلم ان اصحابك جمع مضاف يفيد العموم و هو عبارة اخري لمعني قوله خذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا كما قال النبي صلي الله عليه و آله لاتجتمع امتي علي ضلالة فيجب ان يكون الخبر مجمعا عليه قد اجمع عليه جميع الشيعة قد اتفقوا علي روايته فيكون الشاذ ايضا راويا للخبر المشهور الا انه تفرد برواية اخري نادرة فاي خبر اجتمعت عليه الشيعة من جميع فرقها هو الذي لا ريب فيه و يجب الاخذ به كما قال الكاظم عليه السلام في رسالته الجامعة و الاخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة و المستنبط عنها كل حادثة فان قلت ان ذلك قليلا ما يتفق اقول نعم قليل ما هو و لذلك قال الكليني و نحن لانعرف من جميع ذلك الا اقله فكما ان المجمع عليه في الامة قليل كذلك الاخبار المجمع عليها قليلة الا انه نبه الامام عليه السلام عليه انه اذا اتفق ان روي خبر علي خلاف الخبر المجمع عليه فخذوا بالمجمع عليه فانه لا ريب فيه و لكن يشترط ان لايكون الخبر المجمع عليه في الرواية وحدها بل يجب ان يكون العمل به مجمعا عليه فانه حينئذ يجب ان يترك الشاذ و اما ان كان الخبران مرويين

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 156 *»

مأثورين قد رواهما الثقات و عملوا بهما جميعا فذلك في غير ما نحن فيه فيحتاج حينئذ الي مرجح آخر و هو ان يعرضا علي اجماع اهل الباطل فما خالفهم جميعا فهو الحق الذي لا مرية فيه او غيره من المرجحات التي مرت بالجملة المراد بالاخذ بالمجمع عليه ما اجمع عليه جميع الشيعة من جميع فرقها فان تخلف واحد يحتمل ان يكون الحق معه فان الجماعة اهل الحق و ان قلوا و المؤمن وحده جماعة فهذان الاجماعان هما الضروريان و الاخبار الضرورية لا غير و هما الحق الذي لا ريب فيه و لايجوز خلعهما لمن دخل ربقة الايمان البتة و هما اللذان يدل عليهما الاخبار الواردة في معني الاجماع و هما المرادان منها يقينا و الحق بالثاني المحصل العام و هو اتفاق علماء الشيعة و اهل الحل و العقد منهم اذا علم وجود الحجة فيهم و هو مما يكون الاطلاع عليه عسيرا عسيرا فان اهل الحل و العقد كثيرون متفرقون قد تشتت بهم الدار و خفي منهم الآثار فان حصل و حصل العلم بدخول الحجة فيهم فهو حجة ايضا كما يأتي لوجود الغاية فيه ثم لما تمسك الشيعة بعد نبيهم صلي الله عليه و آله بالحجج المعصومين عليهم السلام و علموا ان الحجة عليه السلام هو اصل كل خير و فرعه و الحق منحصر فيه جميعه يدور معه حيث ما دار و ان الضروريين و المحصل العام صارت حجة لدخول الحجة المعصوم فيها و الا فهذا الخلق المنكوس اتباع كل ناعق لا عبرة باجتماعهم و افتراقهم ان لم‌يكن حافظ للحق فيهم و علموا ان الحافظ للحق هو المعصوم الحق فاكتفوا به عن الاطلاع علي جميع الامة او علي جميع الفرقة اذا علموا بكون الحجة مع جماعة خاصة منهم فانا احتجنا الي جميع الشيعة اذا كان المعصوم غير معين بينهم و اما اذا كان معينا في فرقة فلا حاجة لنا الي الباقي كمن شافه الامام و امره بشئ فلايبالي اجتمعت الشيعة علي ذلك القول او افترقت فان الغاية في يده قد اطلع عليها فتفكرت الشيعة في بعض المسائل فحصلت لهم قرائن عليها من الاخبار و من ذهاب جمع من الشيعة الابرار اليها و من اشارات الكتاب و الادلة العقلية و سائر الاشارات النقلية و السيرة و الحكمة حتي حصل لهم علم عادي بان ذلك هو مذهب الحجة و طريقته و حكمه و قوله فيها بحيث لم‌يكن يحصل لهم من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 157 *»

كل واحد واحد من تلك الاسباب ذلك العلم و انما حصل لهم العلم من مجموعها فسموا ذلك اجماعا ايضا حيث حصل لهم الغاية المطلوبة و هي وجود الحجة في الجماعة فبمقتضي جماعة امتي من كان علي الحق و ان قلوا سموا اتفاق هؤلاء الجماعة الذين احدهم المعصوم يقينا اجماعا و لا شك ان ذلك حجة علي محصله لا علي غيره ممن لايحصل له ذلك العلم فان علم احد من غير المعصومين عليهم السلام ليس علي احد حجة و هل يكون هذا الاجماع علي غيره بمنزلة خبر فيكون حجة ان كان عن ثقة و لا معارض له ام لا لم‌يصل الينا خبر في حجية امثال ذلك اذا لم‌يكن مستندا الي حسن الظاهر و الي لفظ مروي فان مرجع ذلك الي الاجتهادات و تراكم الظنون فهو حجة علي محصله و مثله النقل عنه و منهم من فرض اجماعا سكوتيا بان يقول قائل في الشيعة قولا و سكت الباقون عنه فانا نعلم يقينا حينئذ ان الحجة الحق الناظر الشاهد القادر الراد للزائد و المتمم للناقص في الساكتين و لو علم انه باطل لرد عليه فاقول هيهنا تفصيل و هو ان القائل ان كان قال ذلك متمسكا بكتاب مجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله او عن الائمة الطاهرين و لا راد لسنده في المذهب لا شك انه هو الحق من حيث السند فهو كسائر الاخبار غاية الامر علمنا بسبب العلم بعدم الرادع عنه ان حصل ان الامام سددنا و قرره مثل ساير الاخبار و لكن الشأن في حصول هذا العلم مع تشتت الشيعة و خمول كثير منهم و لايجب في الحكمة ان يوصل الامام كل حكم بالاجماع و يكفي في الايصال نفس الكتاب و السنة فلايجب في الحكمة ان يعرفك الامام الناطق بخلاف القائل المعلوم و ان لم‌يكن له سند فاي شئ ادل علي رده من قوله عليه السلام دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و ساير المناهي الواردة في الاخذ بما ليس عنهم و اليهم فحينئذ سكت الباقون ام نطقوا فلا حجة في قول ذلك الرجل و لا في سكوت اولئك فان الحجة لم‌يسكت عن رده و قد رده بالكتاب و السنة عن العمل بالرأي و ان لم‌نعلم هل له سند ام لا فلا حجية له علينا و كذا سكوت الباقي فان الله سبحانه نهانا عن ان نتبع ما ليس لنا به علم فقال و لاتقف ما ليس لك به علم و امرنا بالاخذ عن آل‌محمد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 158 *»

عليهم السلام ما لم‌نعلم فقال فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و نهانا ان نقول ما لم‌نعلم و روي من دان الله بغير سماع من صادق الزمه الله و من ادعي سماعا من غير الباب الذي فتحه فهو مشرك و ذلك الباب المأمون علي سر الله المكنون و عن اميرالمؤمنين عليه السلام من اخذ دينه من افواه الرجال ازالته الرجال و من اخذ دينه عن الكتاب و السنة زالت الجبال و لم‌يزل و قال ابوعبدالله عليه السلام في قوله الشعراء يتبعهم الغاوون الشعراء هم قوم تعلموا و تفقهوا بغير علم فضلوا و اضلوا الي غير ذلك فلااعرف للاجماع السكوتي وجها الا اذا كان للقائل لقوله برهان من الكتاب و السنة و الا فاي دليل علي ردعه ادل و اوضح من انه قال برأيه المنهي عنه و منهم من فرض اجماعا مركبا و هو ان يتفرق الشيعة علي قولين بان ينفي احدي الطائفتين كليا و يثبت الاخري بعض الافراد او يثبت احدي الطائفتين امرا كليا و ينفي الاخري بعض اجزائه فقالوا ان الحق لايفوت جملة الشيعة فاذا تفرقوا علي قولين فيقينا يكون الحجة في احدي الطائفتين فلايجوز احداث قول ثالث لا حجة فيه و هو ايضا يعسر الاطلاع علي الانحصار جدا مع تشتت العلماء و تفرقهم و خمول اكثرهم و انطماس آثار اخبارهم و كتبهم و لكن فرض المسألة اذا حصل العلم و كان الطائفتان استخرجوا قولهم من الكتاب و السنة و لا قائل بثالث في جميع الشيعة جميع فرقهم و طوائفهم لايجوز احداث ثالث و لكن الشأن في حصول هذا العلم و لما كان النقل عن السكوتي و المركب اخبارا بعدم القائل ليس بحجة اذ شهادة النفي من صنع العليم الحكيم فلايظهر علي غيبه احدا الا من ارتضي من رسول و اما المشهور بمعني الاكثر اي اكثر ما ظهر للمتتبع فلا حجية فيه بوجه و لا سند له و قد عرفت معني فقرة الحنظلية و كذا مرفوعة زرارة مع ضعف سندها فانها ايضا تدل علي شهرة الخبر بين جميع الشيعة لما مر فيجب ان يكون راوي النادر هو ايضا راوي المشهور فامثال هذه الروايات قليلة جدا و يمكن ان يكون

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 159 *»

اكثر من ذلك اذا كان المقصود شهرة معناها لا لفظها و اما كون اكثر من اطلعنا عليه مع خبر لايفيد حجية البتة اذ لا دليل علي حجيته و اما اكثر الشيعة فلايسهل الاطلاع عليه البتة بل هو اعسر عسير كما مر فالاجماع الممكن ييسر في هذه الازمان بل جميع الازمان الضروريان و المحصل الخاص فغالب الاجماعات المنقولة بل كلها منقول عن المحصل الخاص لعسر الاطلاع علي غيرها عادة و لذا ينقلون الاجماع كثيرا في كتاب ثم يبدو لهم قرائن اخر يزول علمهم بكون الحجة مع تلك الجماعة فيذهبون الي خلافه بل ربما ينقلون الاجماع ثانيا علي خلافه فيزري عليهم الجاهل مرة بان ادعاء الاجماع في محل الخلاف منكر و مرة بمخالفة بعضهم اياه في كتاب و مرة بعسر الاطلاع علي جميع الشيعة و هم عن معني قولهم غافلون بالجملة الاجماع هو الضروريان علي ما يفهم من الاخبار و المحصل الخاص هو كالاجماع في الحجية كما روي عن الحجة عليه السلام في دعاء التوجه و السنة المؤكدة التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه وجهت وجهي الدعاء ، مع ندرة هذا الدعاء بحسب الرواية و اما باقي الفروض فان حصل فهو كالاجماع ايضا في الحجية و لايحتاج فيه الي نزاع فان المدار فيها علي العلم بدخول الحجة فيها و هو امر قهري لا استدلالي فان حصل فهو حجة لمحصله و اما النقل عن المحصل العام فهو ايضا لاستلزامه شهادة النفي بعدم مخالف ان صرح بانه منقول عن المحصل العام لااعلم له حجة مع العلم بكونه عسيرا جدا عادة و قلنا انه مستلزم شهادة النفي لعسر الاطلاع عادة و وجود القرائن علي عدم اطلاعه علي جميع اهل الحل و العقد مع تفرقهم و الحق انه اخبار عمن اطلع عليه و عن عدم اطلاعه علي مخالف و كون مثل ذلك حجة يحتاج الي دليل و التسديد يقع في الدخول من الباب المأمور به و لم‌يصل الينا نص صريح في الامر بمثل ذلك و قد عرفت معني ما امروا به اللهم الا ان يدعي مدع ان الحق في عصري منحصر في من اطلعت عليه و ما سواه باطل و ذلك ما لايسعه .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 160 *»

قاعدة اعلم ان العاقل ببداهة عقله لايؤثر علي اليقين شيئا ما امكنه فان في غيره من الوهم و الشك و الظن احتمال الخطر و الانسان ما قدر علي رفع احتمال الخطر عن نفسه لايختار عليه غيره البتة و ذلك واضح انشاء الله لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد فاذا كان الامر كذلك عقلا باتفاق العقلاء فنقول ان الله سبحانه يقين و كذا رسوله و الائمة الطاهرون عليهم السلام بالادلة التي هي مذكورة في محلها فلايحتمل فيهم الوهم و الشك و الظن و الانكار لان امرهم اوضح من ان يذكر و ابين من ان يستطر فاذا راجعنا كلام الله سبحانه في كتابه رأيناه ينهي عن العمل بخلاف اليقين في سبعين آية في كتابه كما عدها بعضهم و ذكرنا بعضها و راجعنا سنة الحجج رأيناهم قد نهوا عن الوهم و الشك و الظن في اخبار متواترة بحيث لم‌ينزل آي في مطلب من المطالب بهذه الكثرة و لم‌يرد من طرق الروايات في مسألة من المسائل هذا المقدار حتي انه من تدبر في الاخبار علم ان الامتياز بين الشيعة و مخالفيهم في العمل بالعلم و اليقين و الشك يعني ان اليقين من خواص مذهب الشيعة و الظن و الرأي من خواص مذهب مخالفيهم و قد قام الاجماع الذي لا ريب فيه علي حرمة العمل بالظن كحرمة شرب الخمر و الزنا و اللواط بلا فرق و رأينا ان العقل ايضا يحكم بذلك و ان التكليف يقع بالعلم دون الظن و لايكون الحجة بالظن بالغة واضحة و قد فصلنا ذلك فيما سبق و في مباحثاتنا و من كثرة بداهته لمن راجع الاخبار لايحتاج الي تكرار فاذا كان الامر كذلك يجب ان يكون جميع دين الشيعي بجميع جزئياته مأخوذا عن علم و يقين لا شك فيه حتي اذا قال له ربه يوم القيمة ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون يقول له في الجواب انت اذنت لي بذلك فاني اريد ان ابين في هذه القاعدة وجه تحصيل العلم بجميع جزئيات الاحكام انشاء الله اعلم انك بعد ما عرفت ربك و انه احد غني لطيف قادر عالم و عرفت نبيك صلي الله عليه و آله انه رسول معصوم عن الخطاء و السهو و النسيان و شاهد هاد مطلع قادر و عرفت الحجج عليهم السلام انهم شهود حجج معصومون عن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 161 *»

الخطاء و الزلل و السهو و النسيان هادون مأمورون بتعريف الحلال و الحرام و لولاهم ماعرف الحلال و الحرام و في كل عصر يعرف الحلال و الحرام بتعريف الحجة الذي يليه و ان اهل العصر رعيته لايجتمعون الا باذنه و لايفترقون الا باذنه و هو العالم بالزيادة و النقصان فينقص الزايد و يزيد الناقص و يحفظ الدين باذن الله سبحانه فينفي عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و لولا ذلك لاندرس آثار الدين و ان الرعية يتقلبون بين اصبعيهم و قلوبهم بيديهم يقلبونها كيف يشاؤن و لم‌يكن الله سبحانه ان يسلط ابليس علي قلوب الناس فيجري فيهم مجري الدم فيوسوس لهم ما يشاء و لم‌يجعل حجته و مظهر قدرته بقوة ابليس فيقدره علي ان يهدي الناس و يصدع قلوبهم بالحق قبلوه ام تركوه فاذا عرفت امامك كذلك لاتكاد تحتاج الي ان ازيدك و لكني ازيدك فضلا فاقول اذا عرفت نفسك عندهم كذلك و عرفت الحجج كذلك فاعلم ان جميع ما يتمشي في دين من لا مولي له لايتمشي في دينك فانهم يفرعون مسائلهم علي الاهمال و انت ينبغي ان تفرع دينك علي الراعي و بينكما بون بعيد و انت لو حفظت هذا الاصل في كل مسألة و اسندت ظهرك عليه لعرفت انك لاتحتاج الي ان تعنون كثيرا من مسائلهم فضلا ان ترد او تجيب كما انك لاتحتاج الي مسائل يتفرع علي دين موسي و عيسي او علي فقدهما مع عدم بعث رسول فقد بعث الرسول و جاء البرهان فلاتحتاج الي تلك المسائل ابدا و انما الناس لما كانوا جديدي التشيع او كثيري المخالطة مع قلة المعرفة او كثرة الانس بالعامة عنونوا مسائلهم و حذوا حذوهم عن غفلة او جهل او انس و اما انت فبعد ما تذكرت انشاء الله لاتحتاج الي مسائلهم و ردهم و بحثهم ابدا فاذا وردت عليك مسألة من المسائل فتدبر في نفسك انها من فروع الاهمال و عدم المولي ام لا فان كانت من فروع الاهمال فادرأها عنك بوجود الراعي و الحجة و لاتتعرض لادلتهم و اجوبتهم و اعتراضاتهم الممرضة المتلفة للعمر و ان كانت من فروع وجود الراعي فالقول فيها كلمتان ان كان نص فاتبعه و الا فاطلقها و السلام فبعد هذه المقامات السديدات اقول ان جميع ما كلفت به من امر التوحيد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 162 *»

فما دونه الي ارش الخدش لايخلو من قسمين اما وصل اليك فيه حكم من ربك ام لم‌يصل فان كان لم‌يصل فابهم ما ابهمه الله فان الله لايكلف نفسا الا ما آتيها و اياكم ان تقولوا علي الله ما لاتعلمون فان وصل فيه حكم من ربك فلايخلو اما ان وصل اليك باجماع اصحاب الحق و اتفاقهم الذي لا اختلاف فيه حكم واحد فيما تحتاج اليه فهو المتبع الذي لا ريب فيه و لا شك يعتريه فخذ به عن سكون و يقين فانه قول الحق المبين و اما ان وصل اليك باختلاف منهم بعد عدم مخالفتها المعارض فان كان جمع منهم ثقات و من يروي بخلافهم غير ثقات فاترك قول غير الثقات لعدم سكون النفس الي قولهم و خذ بقول الثقات المتفقين و روايتهم فان الفطرة السليمة تسكن الي اخبار الثقات و هم متفقون علي شئ و الحجة من ورائهم رقيب يعلم الزيادة و النقصان و لم‌يردع عنها ففيها الحجة و الرشاد و ان كان الثقات قد اختلفوا في روايتهم في المسألة الواحدة و لاتخالف المعارض فينظر الي متون تلك الاخبار و يديم النظر فيها مسترشدا عن الحجج لا مرشدا مستفيدا لا مفيدا حتي يكشفوا علي قلبه نقاب جمع تلك الاخبار فانه لا اختلاف في اخبارهم البتة و لجميعها وجه تجتمع عليه الا ان يقولوا بشئ في موضع حاجة و ضرورة و ليأخذ حينئذ بالمحكم و يرد اليه المتشابه و ليأخذ بالمفسر و يرد اليه المجمل و ليأخذ بالناسخ و يترك المنسوخ ان عرف و ان كان يعرف من لحن واحد انه تقية يترك و يؤخذ بالآخر فان كشف علي قلبه نقاب الاختلاف و رفع الخلاف و ظهر الاتحاد بقراين يقينية فيعمل به ساكن القلب بارد الفؤاد و ان لم‌يظهر له وجه اجتماع و الروات ثقات و هي مختلفة الظاهر فهنالك يتوقف و كيفية العرض علي المعارض ان ينظر الي الامور القطعية و توزن الاخبار بها فلتعرض اولا علي كتاب مستجمع علي تأويله و يترك مخالفه ان كان في الكتاب آية في المسألة كذلك و ان لم‌تكن فلتعرض علي السنة الجامعة الغير المفرقة ان كانت و يترك المخالف و ان لم‌تكن فلتعرض علي اجماع اصحاب الحق ان كان و يترك المخالف و ان لم‌تكن فلتعرض علي اجماع العامة ان عرف و يترك الموافق و هذه الاربعة لايفترق بعضها عن بعض ابدا فان لم‌تخالف الاخبار شيئا من ذلك و لم‌توافق لعدم اطلاعك الكامل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 163 *»

عليها و كلها صريحة الدلالة واصلة عن الثقات بينة الاختلاف فذلك المقام من الشبهات فتوقف عندها في اصل الحكم و اياك اياك ان تتعرض لتعيين ما اراد الله ابهامه فاسكت عما سكت الله و ابهم ما ابهمه الله فتوقف حيث اوقفك الله و لاتميز بين اقوال العلماء عليهم السلام بعقلك و لاتتصد لرفع اختلاف اوقعوه بعمد منهم و عزيمة و حكمة فتخر من ابعد من السماء فتوقف في الحكم و انت في سعة في العمل فان الناس في سعة ما لم‌يعلموا حتي تلقي امامك بالبيان او العيان انشاء الله فهذا طريق اليقين في الشرع المبين في جميع المسائل خذه و كن من الشاكرين .
قاعدة قد ورد بعض الاخبار المطلقة في الامر بالاحتياط و الاخذ بما لا ريب فيه و حملها بعض اصحابنا علي وجوب الاحتياط في الشبهات و ما لا نص فيه و منهم من حملها علي الاستحباب و ذهب الي اخبار السعة و البراءة الاصلية في الشبهات فاحببت ان اكتب في ذلك ايضا قاعدة حتي ينكشف المراد فلنسرد هيهنا اولا شطرا مما يدل علي السعة في حال الشبهة ثم نسرد ما يدل علي الاحتياط حتي يسهل الخطب لمن اراد الاختبار و الاعتبار فعن ابي‌عبدالله عليه السلام في حديث المرفوعات منها ما لايعلمون و عنه عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و عنه عليه السلام من عمل بما علم كفي ما لايعلم و عنه عليه السلام اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شئ عليه و عنه عليه السلام كل شئ لايسعون له فهو موضوع عنهم الي غير ذلك من اخبار معذورية الجاهل و التقريب في الاستدلال انه اذا قامت الادلة المختلفة علي امر و لا معين لاحديها فهو مما جهل التعيين فيه فنكون في سعة منه حتي يأتينا البيان و عن علي عليه السلام ابهموا ما ابهمه الله و عن ابي‌عبدالله عليه السلام ان الله يحتج علي العباد بما آتيهم و عرفهم و سئل عمن لايعرف شيئا هل عليه شئ قال لا و قال كلما غلب الله عليه فالله اعذر لعبده و هذا من الابواب التي يفتح كل

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 164 *»

باب الف باب و عنهم عليهم السلام لا تكليف الا بالبيان و في حديث ان الله سكت عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتكلفوها و التقريب في هذه الاخبار ايضا ما تقدم و قد مر في اخبار معالجات اختلاف الاخبار الاخذ بايهما شئت فهذه الاخبار مع الآيات المحكمة و الدليل العقل المستنير تدل علي ان الله سبحانه اذا ابهم شيئا مع قدرته لايسع احدا تعيينه و لم‌يكلف احدا تعيينه فيجب التوقف في الفتوي و الاخذ بايهما شاء و اراد المكلف تسليما كما امروا به توسعا و اما اخبار الاحتياط فما روي عن النبي صلي الله عليه و آله دع ما يريبك الي ما لايريبك فقالوا ان ما هو خلاف الاحتياط مريب لاحتمال الوقوع في خلاف المكلف به فالاخذ بما لايريب واجب و هو ما فيه الحائطة و الجواب عنه ان ما صح صدوره عن الحجة عليه السلام ليس بمريب و المفروض ان كلا الخبرين صح صدورهما و خفي التعيين و توقفنا عنه و امرنا بالاخذ بالسعة فلا ريبة فيه فموضع الحديث في مكان علم الحلال و الحرام من الخارج و شك الانسان في موضوع انه من افراد ايهما فالاخذ بما لايريب و هو الترك خوفا عن الوقوع في الحرام هو الاحتياط المطلوب كما روي حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لايعلم فينبغي ترك ما يريب الانسان عند ذلك و كذلك تعيين احد الخبرين مريب يحتمل الوقوع في الحرام فيجب ترك التعيين و اما العمل باحد الخبرين من دون تعيين فلا ريب فيه بعد الرخصة منهم و منهم من قال ان السعة عند الجهل بالتعيين و قد عين الحجة الاخذ بالاحوط فاجيب عنه بان هذا ينتقض بعكسه فان الاخذ بالاحتياط لحصول الجزم بالتكليف و يحصل الجزم باخبار السعة فان الاحتياط هو توخي التكليف و التكليف قول الحجة فاذا هذه الاخبار مختلفة و يجب عليكم التوقف عن تعيين اخبار الاحتياط ثم لا دليل عليكم علي وجوب الاحتياط و لنا دليل انا ماكلفنا بتعيين احدها مع انا مكلفون بالتمسك باذيال الحجج و الاخذ بسنتهم و عدم التعدي عن سنتهم اجماعا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 165 *»

و التوقف عن العمل مما لايمكن اذا احتجنا اليه فبايهما اخذنا تسليما وسعنا و هذا القول مؤيد بالكتاب و السنة و يدل عليه الدليل العقلي ثم هذا الخبر لايدل علي ازيد من ترك المريب و الاخذ بما لا ريب فيه و اخبار السعة ليس فيها تقييد بحال دون حال كما سئل ابوعبدالله عليه السلام عن رجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه احدهما يأمر باخذه و الآخر ينهاه عنه كيف يصنع قال يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه و في رواية اخري بايهما اخذت من باب التسليم وسعك و قال عليه السلام اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي تري القائم فترده اليه الي غير ذلك فقد وسعوا علينا بالاخذ بايهما شئنا فلا ريب بعده فاذ لا ريب لايجري ذلك الخبر هنا نعم ريب في التعيين و يجب التوقف و ريب في الموضوع و ينبغي التوقف و منها ما روي عن اميرالمؤمنين عليه السلام يا كميل اخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت فالمراد بهذا الخبر و امثاله توخي دين الله و حكمه فيحتاط حتي يقطع باصابته و دين الله امر يثبت بالاخبار فما حصل منها فهو دين الله و يوجب توخيه و الاحتياط حتي يعلم اصابته و نحن نميز الدين باخبار السعة ثم نحتاط في العمل به فاخبار الاحتياط في العمل بالامور المريبة المشتبهة لا في تحصيل الدين اذ ما لم‌يعلم الانسان الدين لايمكنه الاحتياط في اصابته و من دين الله سبحانه انه يحب الاخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزائمه و من دينه ان ما جعله مستحبا تعتقد استحبابه و ما جعله واجبا تعتقد وجوبه و ما جعله مكروها تعتقد كراهته و ما جعله حراما تعتقد حرمته و ما جعله مبهما تبهمه ثم تحتاط في اصابتها و اي احتياط في ايجاب ما سوي الواجب علي الناس و تحريم ما سوي الحرام عليهم بل ذلك خلاف الاحتياط بل و اي وقوف حصل في ايجابك الاحتياط و الاخذ بايهما كان احوط و لسنا مكلفين بالواقع و انما حكم الله فينا ما ظهر للفقيه فاذا اوجبنا الحكم فقد عينا احدهما و قد ابهمه الله فالاحتياط في عدم التعيين و الابهام فليس شئ احوط و لا اوسع من رد علم المشتبه الي العلماء عليهم السلام و التوقف عن التعيين و تخلية الناس و طبعهم في الاخذ بايهما شاؤا كما امروا و لا احتياط في التضييق

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 166 *»

علي الناس و انما الاحتياط لاصابة السنة فاحتط لدينك بما شئت و نحن نشاء الاحتياط هكذا و لايرد لهم علينا شئ و نري ذلك احوط للدين و عن الصادق عليه السلام لك ان تنظر الحزم و تأخذ الحائطة لدينك و الجواب عنه كما مر و قيل لابي‌الحسن عليه السلام في رجلين اصابا صيدا و هما محرمان و سألني بعض اصحابنا عن ذلك فلم‌ادر ما عليه فقال اذا اصبتم بمثل هذا فلم‌تدروا فعليكم بالاحتياط حتي تسألوا عنه فتعلموا و هذا الخبر ليس في الاحتياط في الفتوي بتركه اظهر منه في احتياط الصائدين فلايمكن الاخذ به و اما ما في مرفوعة زرارة المشهورة انه امر بالاخذ بالاحتياط و ترك ما خالفه و مع تساويهما يتخير فمع عدم صحة الرواية و وصولها عن ثقة هي معارضة بمثلها و اقوي ثم ليس لهم حديث دال علي المراد بتا يقاوم ادلة السعة و مع فرض وجوده معارض باخبار السعة المستفيضة و الترجيح بالعقل وحده بينها ممنوع و اخبار السعة موافقة للكتاب و دليل العقل المستنير بخلاف اخبار الاحتياط و علي فرض التكافؤ يجب توقفهم عن ترجيح الاحتياط و تعيينه فيعود الامر الي الابهام فيرجع الي الاطلاق و عدم تكليف قبل البيان فالاخذ بالسعة احوط و اوسع كما اختاره الكليني رحمه الله و آمن للنفس من القول علي الله و ايجاب ما لم‌يوجبه الله و اما مع عدم الايجاب لانمنع العمل بما هو احوط علي حسب ظنه و الاخذ بما لايريب ثم يشير بعض الاخبار و يلمح بان آل‌محمد عليهم السلام لايحدثون اصحابهم بالاختلاف الا في المستحبات و المكروهات و اما في الواجبات و المحرمات فلايرخصون ابدا الا من خوف ضرورة و اما ما لم‌يكن ضرورة فلايوسعون الا في المستحب و اختلاف اخبارهم غالبا في ذلك فما لم‌يكن موضع ضرورة و روي عنهم الثقات اخبارا مختلفة فانما هو في المستحب و المكروه لا في الواجب و الحرام و ان السعة في تلك الاخبار و اما اذا جاء اخبار مختلفة في الواجب و الحرام و لم‌يكن في الكتاب و السنة كاشف عن حقيقة الامر فيجب هنالك التوقف و الرد اليهم صلوات الله عليهم فاقول لا شك انهم لايخالفون في الواجب و الحرام الكتاب و السنة الا لاجل التقية و لكن الشأن في تقيتهم فانهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 167 *»

كثيرا ما يتقون في فتاويهم بل يوقعون الخلاف المطلق تقية فبذلك اشتبه الامر فلايمكن بمحض ورود الخبرين المختلفين البت بانهما في الفضل و الاعافة لمكان التقية و ليس انه كلما لم‌نعلم انه تقية ليس بتقية فيجب التوقف في الكل لاختلاط الواجب و الحرام بالفضل و الاعافة و المكلف في سعة بعد العجز لما روي عن الرضا عليه السلام انه قيل له يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلانعلم ايهما الحق فقال اذا لم‌تعلم فموسع عليك بايهما اخذت انتهي ، و لا حيلة ثم اعلم ان لنا مستحبا و مكروها عمليا غير الواقعي فانا اذا رأينا خبرا في الامر بشئ و خبرا في الرخصة فيه و لم‌نعلم ايهما الحق قلنا انه مستحب يعني يجوز تركه بسبب تلك الرخصة اذا اخذ بها و يرجح فعله بسبب ذلك الامر و ليس غرضنا انه مستحب في الواقع و كذلك اذا رأينا خبرا في النهي و خبرا آخر في الرخصة قلنا انه مكروه اذا لم‌نعلم ايهما الحق نظرا الي انه يجوز فعله بسبب الرخصة و مرجوح عمله بسبب النهي فهو مكروه عملي لا واقعي فالمستحب الذي نقول عبارة عن السعة بين الخبرين و كذا المكروه الذي نقول و ربما نقول بهما فيما تبين لنا رجحانه او مرجوحيته فتبصر ذلك و اما القول بوجوب الاحتياط فيما لا نص فيه فكلام في غاية السخافة لعدم العلم بوجه الاحتياط فيه لان ما لا نص فيه عندنا يحتمل الاحكام الخمسة عند الله سبحانه و لم‌نكلف نحن بالعمل بما في علم الله و يمتنع الاحتياط فيه لاحتماله الاحكام الخمسة مع ما ورد في الكتاب و السنة من اطلاق ما لا نص فيه و يدل عليه الدليل العقلي القاطع و قد تقدم شطر منه و اوردنا له اخبارا كثيرة في فصل‌الخطاب و كذا القول بايجاب التوقف العملي فيه تمسكا باخبار التثليث فان التوقف العملي مما لايمكن عند الضرورة و القول بايجاب ترك الفعل الوجودي قول بلا دليل مع صراحة الكتاب و السنة بالاطلاق و لانطيل الكلام بذكر الرد عليه لما تقدم منا في هذه القواعد و في فصل‌الخطاب مع ظهور اخبار التوقف في التوقف عن الفتوي و عدم كون شبهة فيما لا نص فيه فان ما لا نص فيه مجهول لا مشتبه فافهم ترشد انشاء الله تعالي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 168 *»

و لما كنا قد فصلنا ذلك فيما سبق و في بعض كتبنا و مباحثاتنا حتي تبين الامر كالشمس في رابعة النهار و طال بنا هذا الكتاب حتي اورث الملال اكتفينا بذلك و الحمد لله فالاحتياط فيما لا نص فيه غير معقول و في الشبهات غير لازم الا انه اذا كان احد الخبرين بحيث اذا عمل به حصل العمل بالآخر فالعقل يستحمد العمل به ان امن التقية في احدهما لامتثال الخبرين لا لاجل مكان الريبة اذ الريب خوف مخالفة الواقع و ربما يكون التقية في الذي تري فيه الاحتياط فالاحتياط لايدفع الريبة و انما يدفع الريبة مجانبتها بعد العلم بان فيه ريبة و هو مع الجهل بكون الريبة في ايهما غير ممكن و كذا الاحتياط المأمور به في ساير الاخبار و انما هو لتوخي الواقع و الواقع ما لا تقية فيه و بالاحتياط لايجانب التقية و لولا التقية لم‌يكن في اخبار آل‌محمد عليهم السلام اختلاف البتة فالاختلاف من التقية و الاحتياط لايخطيك عنها فمن ذلك علم ان موارد الاخبار في غير نفس الاحكام و انما هي في الموضوعات بعد العلم بالاحكام فافهم انشاء الله .

قاعدة في مجمل في امر الاستصحاب الذي تداول بين المجتهدين اعلم ان الله سبحانه غني احدي فلايحكم علي العباد لانتفاع منهم و انما حكم لهم باحكام لمصالحهم و مصالحهم تابعة لمقتضيات كينوناتهم و قوابلهم و حالاتهم فكل حالة من حالاتهم مقتضية لحكم خاص بها لانها غير اختها و قد قال الله سبحانه ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم فلله سبحانه في كل ما يسمي بشئ حكم كما تواتر في الاخبار انه ما من شئ الا و فيه كتاب او سنة فله سبحانه علي جميع الحالات حكم خاص عنده محفوظ بلغنا او لم‌يبلغنا و قد بلغنا بعض احكامه بحكمته و زوي عنا بعضا برحمته و بين لنا ما بين لاقامة حجته و شبه علينا ما شبه بقدرته و حكمته ليس بمقهور فيما قدر و لا بمغلوب فيما قضي فاذا حكم سبحانه بحكم في حالة فان لم‌يدل بدلالته اللفظية علي بقائه في غير تلك الحالة فهو مخصوص بتلك الحالة و كما انه احتاجت الحالة الاولي الي حكم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 169 *»

منه سبحانه كذلك تحتاج الحالة الثانية الي حكم منه سبحانه لانها موضوع آخر و قابلية اخري فاذا لاتخلو الحالة الثانية اما لم‌يرد من الشارع فيها حكم اصلا فهي المجهول حكمها و قد روي الحكم جملة فيما لا نص فيه فاذا في الحالة الثانية نص مطلق فكيف يسري اليها حكم الحال السابق مع وجود نص فيها و شرطه عدم النص و هل ترك آل‌محمد عليهم السلام ما لا نص فيه بعموم و لا خصوص او اطلاق او تقييد و ان كان قد روي فيها نص خاص صحيح تام الحجية فهو و ان كان فيه نصوص متعارضة فقد بينوا التكليف في موارد النصوص المتعارضة فاي مجال لاجراء الحكم المخصوص بالحال السابق الي اللاحق و هل هذا الا قياس صرف ممنوع عنه في الشرع فاذا لايجوز الاستصحاب في نفس الاحكام الشرعية و اما اذا صدر الحكم عن الشارع في موضوع مقتضاه بقاؤه له و استمراره عليه ما دام الموضوع باقيا فاذا تيقنا بوجوده حكمنا له به فاذا شككنا في زوال ذلك الموضوع فيكون قد زال الحكم او هو باق فيكون قد بقي الحكم فقد امرونا عليهم السلام بان لاننقض اليقين بالشك ابدا و ننقضه بيقين آخر فاذا شككنا في زوال الموضوع نحكم ببقائه و نحكم بالحكم اليقيني عليه باذن من الشارع و نص منه صلوات الله عليه فانه لولا الشك كان مستمرا بالنص السابق بخلاف اجرائه في نفس الحكم فان الحكم قد صدر في حالة خاصة و قد زال تلك الحالة الخاصة يقينا فاجراؤه فيها قياس بحت و الاستدلال فيه بلا تنقض اليقين بالشك اشتباه بحت فاما في الموضوع فاجرينا حكم اليقين في حال لاقتضاء نفس الحكم الاول و للنص و لقوله سبحانه ان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم فقد نبه تعالي شأنه ان الحكم السابق باق حتي يغيروا ما بانفسهم تغييرا يقينيا فان الاسماء موضوعة للمعاني المعلومة خذها كلاما مجملا كافيا شافيا للعليل مبردا للغليل يغنيك عن التطويل و التفصيل و يهديك الي سواء السبيل و بين المقامين فرق واضح جليل .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 170 *»

قاعدة في مجمل في احوال الامر و النهي علي سبيل الاختصار اعلم انا اذا تتبعنا في نفس الامر و النهي معرضين عن الشبهات و الشكوك رأينا انهما للطلب الصرف الا ان الامر لطلب الفعل و النهي لطلب الترك و لايتبادر منهما وجوب و لا حرمة و لا ندب و لا كراهة فان هذه الاحكام شرعية وجدت بعد صدور الشرع و في نفس اللغة لا احكام و لايعرف منهما شئ من ذلك البتة و الجاحد مكابر ثم اذا تتبعنا في العرف رأينا ان من عمل بطلب غيره عد ممتثلا مطيعا له و من لم‌يأتمر بما امره غيره و لم‌ينته عما نهاه غيره عد مخالفا له عاصيا لامره و نهيه لغة فان المخالفة ان لايعمل بهوي من يأمره و ينهاه و هذا القدر بديهي فكان في العرف بيننا معني الطاعة و المعصية معروفا بينا لا سترة عليه و ان لم‌يكن واجبا او حراما او مستحبا او مكروها الا ان المطيع عن العاصي في العرف معروف معلوم فاذا ورد الشرع علينا و علمنا وجوب طاعة الله سبحانه و طاعة رسوله و اوليائه و علمنا حرمة مخالفتهم و عصيانهم بالكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل عرفنا انهم اذا قالوا افعل من غير قرينة يجب طاعتهم اي اتيان المأمور به و اذا قالوا لاتفعل من غير قرينة يجب الانتهاء عما زجروا الا ان ينصبوا لنا قرينة او يصرحوا بان العدول عن المأمور به و المنهي عنه يجوز فاذا نعدل عنهما مطيعين لهم ايضا و حينئذ يجب الاعتقاد بانه كما صرحوا و امروا فنحن في كل حال مطيعون لهم مفترضون طاعتهم و من انصف عرف ان الطاعة ليست الا الامتثال لطلب الغير فاذا وجب طاعة رجل وجب امتثال طلباته و حرم مخالفتها الا ان يصرح بجواز الترك و العدول فحينئذ تترك و تعدل عملا بطاعته و هذا وجه ان الامر الصادر عن الشارع للوجوب و النهي للحرمة و ليس في مفهومهما من حيث انفسهما وجوب و لا حرمة اذ هما بعد الشرع و كذلك لفظ الامر و النهي اي آمرك ان تفعل و انهاك عن هذا فانها ايضا لولا الشارع لم‌يكن احد اعلي من احد و لم‌يكن طاعة احد واجبة علي احد و انما ذلك بعد الشرع فاذا قام الحجة و وجب اتباع امره و نهيه صار للوجوب فكون الامر للوجوب و النهي للحرمة امر اعتقادي لا لفظي فلايحتاج

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 171 *»

الي مناقشة و هل هما للفور و التكرار ام ضدهما فاعلم ان الله سبحانه غني عن خلقه غير عجول فلايقدم الحكم علي وقت المصلحة و لايؤخره عن وقت الحاجة فلايأمر الا في وقت حاجة العبد الي ذلك الحكم و صلاحه و لزوم ايتماره به فاذا حكم بحكم وجب الامتثال مع ما عرفت ان المخالفة عصيان عرفا و لغة و التأخير مخالفة الي وقت اخره اليه و ليس في مدلول اللفظ شئ من الفور و جواز التراخي و انما هذه الامور امور اعتقادية لا لفظية و اما اللفظ فهو صرف الطلب فاذا صدر اللفظ من طالب و لم‌يتبادر الي طلبه المطلوب عنه خالفه الي وقت يأتي به بلا شك فاذا اعتقدنا وجوب الطاعة و حرمة العصيان مطلقا وجب علينا المبادرة الي ان يأذن لنا بجواز التأخير فتؤخر الاجابة باذن منه و رخصة و كذلك لما عرفنا ان الله لايحكم الا لمصلحة عبده و اقتضاء قابليته و انها لو تغيرت لغير الحكم و نهي عنه اذ لا مصلحة في ذلك الحكم بعده فاذا طلب شيئا من عبده وجب الاتيان به الي ان يطلب خلافه فان الله لايغير ما بقوم حتي يغيروا ما بانفسهم يعني اذا غيروا يغير فما لم‌يغير علم بقاء القابلية فيجب عليه الاتيان بالحكم و هذا ايضا امر اعتقادي لا لفظي و لما لم‌يتفطن الاصحاب ذلك تكلموا فيهما من باب اللفظ فخبطوا كثيرا فيجب الامتثال الا ان ينهي الحاكم و علي ذلك يدل الخبر ايضا في من ترك مالا و وصي بالحج فسئل الامام عليه السلام عن ذلك فامر بالحج عنه ما له مال نظرا الي دلالة قوله حجوا عني علي التكرار بالجملة لايبقي غبار علي المسائل من هذا الباب الذي دخلنا نحن و بيناه و لايرد علينا شئ من تلك الاعتراضات فلا حاجة الي التطويل و هل الامر بالشئ هو نهي عن الضد ام لا فاعلم ان حقيقة الامر اللغوي كما بينا هو طلب الشئ وحده من غير ضم شئ اليه فالامر لايدل علي النهي باحدي الثلث بل لايلزم في فعل الشئ ترك ضده طبعا و لا عقلا حتي يستدل عليه بالتلازم العقلي و الطبعي فان ترك الشئ فرع الاشتغال به و الاشراف عليه فالخصي ليس بتارك الزنا و الكافر ليس بتارك الصلوة و لايلزم في فعل شئ ان يشتغل الانسان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 172 *»

بجميع ما سواه ثم يتركه ثم يفعل ذلك الشئ بل لايفعل الانسان فعلا الا حين خلوه عن ضده و خلوه عن ضده ليس بفعل يقع عليه الامر و النهي فالامر بالفعل ليس بنهي عن ضده و لايقتضي النهي عن ضده و لايلزمه النهي عن ضده و لايلزمه ترك ضده ابدا و ان قلت ان الانسان لايخلو دائما من فعل ما فاذا ورد عليه امر يجب عليه ترك ما هو فيه حتي يتمكن من فعل المأمور به قلت نعم انه امر طبعي يجب طبعا ان يكون الانسان فارغا عن غير ما يريد فعله حتي يتمكن من فعله فيترك ما هو فيه لفعل ما يريد و ليس ترك ذلك مدلول افعل باحدي الثلث و ليس ترك احد الاضداد بالخصوص شرطا في فعل شئ و ترك فعل ما لايثمر لهم ثمرا هذا و ضده ان كان مما لا نص فيه بخصوصه مرخص فيه عموما و ان كان مما فيه نص بالاباحة فهو مباح في نفسه و ان كان حراما او مكروها فهو حرام او مكروه في نفسه و ان كان واجبا او مستحبا فهو واجب او مستحب فعلي كل واحد من الاضداد حكم خاص به من الشارع و ليس تقييد احدها بالآخر اولي من تقييد الآخر به و ان كان الآخر واجبا موسعا فهو بحكم الشارع يجوز تقديمه و تأخيره فعلي جواز تقديمه بالشرع ينافي ما يقولون هذا و هذا الحكم منهم عسر شديد و تأثيم للمقلدين و المتقين و لانفسهم البتة هذا مع ما نقول لهم هل امركم الله و رسوله بذلك فاين الحجة او تبدعون رأيا لم‌يأمر الله سبحانه به فما العذر و اما ما عنونوه في اجتماع الامر و النهي فهو من حيث واحد فلايصدر من المعصوم بل من الحكيم الا ان يكون الثاني ناسخا للاول او يكون احدهما تقية فيحتاج الي العمل بالموازين الشرعية و مع عدم الامكان فهو من المتشابهات و ان كان من جهتين فكل واحد منهما يختص بموضعه و لا اجتماع حقيقة فلا تنافي بين قوله صل و قوله لاتغصب فالنهي عن الغصب لا الصلوة و الامر بالصلوة لا بالغصب و كل واحد منهما غير الآخر اللهم الا ان يرد لاتصل في المكان المغصوب فان النهي حينئذ وارد علي الصلوة بخلاف الصورة الاولي فان النهي عن الغصب فهو امر منهي عنه سواء صلي او لم‌يصل و الامر بالصلوة و حقيقة الصلوة غير المكان و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 173 *»

غير التصرف في المكان و انما المكان من الاعراض الخارجة عن حقيقة الصلوة و ان لم‌تتحقق الصلوة في الخارج الا في احد الامكنة كما انك اذا امرت بحب زيد تحبه من حيث نفسه و ان لم‌يتحقق وجوده في الخارج الا في مكان و ليس مكانه جزء المأمور بحبه فافهم و اما ما يقال من ان النهي عن عمل هل يقتضي فساده ام لا فاعلم ان الخلق كله لله فلايجوز تصرف احد في شئ منه الا باذنه فالخلق و جميع ما لهم لله حقيقة لا شريك له في مالكيته و انما يجوز التصرف في ماله لمن اذن له و بقدر ما اذن له فاذا نهي احدا عن التصرف في بدنه او غيره لايجوز له التصرف و يجب رجعه الي ما كان و هذا هو معني الفساد فادخل البيت من بابه و لاتصغ الي الذين لم‌يدخلوا البيت من بابه و لسنا بصدد ذكر اقوالهم و تزييفها فانك ان سلكت طريق الحق و وصلت اليه لاتحتاج الي قطع طرق الباطل فتدبر و اما ما عنونوا انه هل الامر بالشئ امر بمقدمته ام لا فاعلم ان مقدمة الامور اما مقدمات شرعية وقع الامر بها من الشارع فهي واجبة بالامر الذي وقع من الشارع بها و اما هي مقدمات طبيعية لايصدر المأمور به طبعا من الانسان الا ان يأتي بها فهي ليست متعلق الامر لانها غير المأمور و يمكن صدور امر بها خاصة فاذا لم‌يرد لم‌يكن مأمورا بها كما انك كنت في بعيد عن مكة و امرت بالحج فقطع الطريق غير معني الحج فلما رأينا انه يمكن صدور امر بقطع الطريق ايضا كما صدر بنفس الحج فاذا لم‌يصدر عرفنا انه مسكوت عنه البتة و لذا اذا سافر الانسان الي قريب من مكة لا بنية الحج ثم اراد الحج يحج من موضعه و لايجب عليه الرجوع الي مكانه الاول و العزم من هناك فهو كان طبيعيا و مقدمة اذا كان الانسان في بعد لا اذا كان في قرب فلما رأينا المقدمات الطبيعية تتغير و تختلف و انها غير مفهوم المأمور به عرفنا انها غير مأمور بها البتة فلم‌يكن الامر بالشئ امرا بمقدماته الطبيعية الا انها امور طبيعية و الانسان مأمور بامر لايقدر الانسان معها علي اتيان المأمور به الا بها فلو فرضنا زوال ترتبه عليها طبعا لايحتاج الطبع الي الاتيان بها فمقدمة الواجب واجبة طبعا لا بنفس الامر المتعلق بذلك الواجب فيكون شرعيا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 174 *»

فان الواجب الشرعي هو متعلق الامر و متعلق الامر ماهية نفس المأمور به فما هو خارج عن نفس ماهيتها غير داخل تحت الامر الشرعي البتة فهو واجب طبعي و وجوبه ظل الواجب الشرعي و اما الامر بعد الحظر فهو يمكن ان يكون ناسخا و يمكن ان يكون احدهما تقية فان كان ناسخا فكما انه يمكن نسخ الحظر الي الجواز يمكن نسخه الي الوجوب ايضا و كذلك الامر في التقية فان كان قرينة للجواز يحمل عليه و الا فالامر علي حقيقته للوجوب لامكان الايجاب و عدم مانع و كذا ان عرف كون احدهما تقية فهو كما اذا عرف ان الثاني ناسخ و الا فيعود الي الموازين و المعينات و مع عدمها فهو من المتشابهات و اعلم ان كل ما لم‌يصدر من اهل بيت العلم فهو باطل و ما ليس فيه كتاب او سنة لايجوز التعويل عليها البتة كما قال الصادق عليه السلام دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و قد جاءكم برهان من ربكم و هو الكتاب و السنة و ما من شئ الا و فيه كتاب او سنة فاياك و الآراء الباطلة و الاهواء السخيفة التي لاتتمشي في دين الشيعة ابدا فافهم .

قاعدة في مجمل في احوال العام و الخاص و المطلق و المقيد اعلم انه قد طال ما استدل ائمة الهدي عليهم السلام بالعام و المطلق و القوا الي شيعتهم الاصول بالعموم و الاطلاق الي ان قالوا علينا ان نلقي اليكم الاصول و عليكم ان تفرعوا و لايجب في العمل بهما الفحص عن اخويهما لعدم ورود نص بوجوب الفحص و قيام الاجماع لمن تدبر علي عدم وجوب الفحص عن المعارض بل ورود النهي عن الفحص كما روي في بقرة بني‌اسرائيل و في الاجناس الزكوية هذا مع ما عرفنا ان الناطق حكيم معصوم غير مغر بالباطل و قد خاطب المكلف بلفظ يفهم منه العموم و الاطلاق فان كان يعلم انه ليس علي عمومه كان لايغري بالباطل و ينصب له قرينة يعرف انه ليس علي عمومه فان كان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 175 *»

قرينة يجب الفحص عنه و التخصيص و التقييد به و الا فالقول به قول بعدم جواز الائتمار و التصديق باوامرهم المطلقة و العامة حتي نفحص بقدر حصول الظن او العلم بعدم معارض و هذا فظيع من القول و ان كان يجب تصديقهم و الايتمار بامرهم و عدم ترقب شئ فيجب العمل به و لايحتاج الي الفحص هذا و نقول لهم ما الدليل من كتاب او سنة علي لزوم الفحص عن المعارض او المخصص و المقيد فاذ لا دليل لايجب و ما تكلف له من الاخبار الواردة في وجوب طلب العلم لا دلالة فيها اصلا مع ان لنا ان نقول طلب العلم واجب و هذا العام و المطلق علم حصلناه و علي ما يقولون لايجوز تصديق خبر من اخبارهم قبل الفحص عن المعارض و ذلك خارج عن التشيع و نقول لهم هل كان يجب علي من كان معهم في عصرهم ان لايصدق كلامهم حتي يفحص عن معارضه ام لا فان قالوا نعم فقد افتروا و لا سلطان لهم و الضرورة قاضية علي خلافه و ان قالوا لا فنقول من الذي اوجب ذلك عليكم بعدهم و حلالهم حلال الي يوم القيمة و حرامهم حرام الي يوم القيمة و شر الامور محدثاتها فان قالوا ان المخصص مبين المراد من العام و المقيد مبين المراد من المطلق نقول لهم فقد كلف المعصوم المخاطب بالعام و المطلق اذا بالمجملات و المبهمات و ما لايعرفون و ذلك قول فظيع و نسبة غير لايقة بهم فيجب تصديقهم في اقوالهم فقولهم العام باق علي حقيقته و المطلق باق علي حقيقته البتة ثم متعلق المقيد و المخصص ان وجد اما نفس بعض افرادهما اي افراد العام و المطلق او اعراضهما فان كانا في الاعراض فهما واقعان علي الاعراض لا نفس الافراد و ان كانا في نفس الافراد فهما اي العام و الخاص او المطلق و المقيد خبران متعارضان يسلك فيهما كما يسلك في ساير الاخبار المتعارضة اذ لا كل خاص و مقيد حق ثابت معلوم اذ يحتمل في كل واحد منهما ما يحتمل في ساير الاخبار فاياك ان تحمل العام علي ما سوي الخاص و المطلق علي ما سوي المقيد بمحض ورودها اذ لم‌يأمروك بذلك و ذلك قول بالرأي و الهوي و ليس الخاص و المقيد كالمستثني اذ ربما يكون العام عن الباقر عليه السلام و الخاص عن الرضا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 176 *»

عليه السلام فلو كان الخاص كالمستثني لكان الناس اذا قبل صدور الخاص علي الباطل نعوذ بالله و لكانت الحجج اذا قصروا عن بيان الحق نعوذ بالله فلايجب الفحص عنهما اولا و لا الحمل بعد وجودهما ثانيا اذ لا سلطان علي شئ من ذلك و قام النص و الاجماع المحصل الخاص علي خلاف ذلك بل من تدبر عرف ان اجماع جميع الشيعة كان علي ذلك قبل و لربما نذكر بعد ذلك قاعدة في عدم وجوب الفحص عن المعارض و جواز العمل بالخبر الصحيح السليم الوارد عنهم عليهم السلام و نورد الاخبار في تلك القاعدة حتي يعرف المنصف ان الحق معنا في هذه المسئلة و من تدبر في ما ذكرناه في هذه القواعد استغني باذن الله عن جميع شبهاتهم و ايراداتهم و اعتراضاتهم و عنواناتهم و امن من جميعها .

قاعدة في المفاهيم اعلم ان ما لم‌يفهم من اللفظ فليس بمفهوم و ما يفهم منه فان نصب الشارع قرينة علي عدم ارادتها فهو و الا فهو المفهوم و لا ريب في حجيته لانه يفهم من اللفظ و علمه الحجة و تكلم به حتي يفهم المخاطب مراده من اللفظ و المفهوم هكذا فهو الحجة و هو علي اقسام فاما يفهم منه ما يوافق حكم المنطوق فهو مفهوم الموافقة و اما يفهم منه ما يخالف حكم المنطوق فهو مفهوم المخالفة فالاول كقوله تعالي لاتقل لهما اف و ليس عندي فلس و لا شك في انه يفهم منه النهي عن اعظم من الاف و عدم ما هو ازيد من الفلس و هو حجة مع عدم القرينة علي خلافه و اما الثاني فهو كمفهوم الشرط و الوصف و الغاية و العدد و الحصر و اللقب و الزمان و المكان و لا شك في حجية الكل لانه يفهم منها فمع عدم القرينة مراد البتة و من اتي لذلك بامثلة لم‌تكن مفاهيمها حجة فانما عرفها بالقرينة لا بغير قرينة و طال ما استدل الائمة عليهم السلام بها اما مفهوم الشرط فكما قال الصادق عليه السلام لزرارة في قوله تعالي من

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 177 *»

شهد منكم الشهر فليصمه ما ابينها من شهد فليصمه و من سافر فلايصمه و اما مفهوم الوصف فكما روي عن الرضا عليه السلام في قوله خلق السموات بغير عمد ترونها قال ثم عمد و لكن لاترونها و في قوله لاينال عهدي الظالمين فابطلت هذه الآية امامة كل ظالم الي يوم القيمة فصارت في الصفوة و في مفهوم اللقب عن الصادق عليه السلام في قوله تعالي جعلناهم ائمة يهدون بامرنا قال لا بامر الناس يقدمون امر الله قبل امرهم و حكم الله قبل حكمهم و اخبار عديدة عن علي عليه السلام في قوله تعالي فمابكت عليهم السماء و الارض ثم اشار الي الحسين عليه السلام فقال لكن هذا لتبكين عليه السماء و الارض و اما مفهوم العدد فكما روي عن الرضا عليه السلام قال ان الله تعالي قال لمحمد ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن‌يغفر الله لهم فاستغفر لهم مائة مرة و اما مفهوم الغاية و الحصر و الزمان و المكان فلما لم‌يكن لنا فرصة ان نحصل لها شواهد من الاخبار لم‌نحصلها و لم‌نأت بها الا انا علمنا كلية ان الحكيم البليغ القادر لايأتي بكلامه حشوا و لا زائدا و لا تكرارا و انما يكون جميع كلامه لفائدة خاصة و تأسيس خاص فاذا قال صم الي الليل عرفنا انه غاية الصوم و ليس بعد دخول الليل صوم اذ لو كان قبح ان يكرر الكلام كأن يقول صم الي الضحي صم الي الزوال صم الي العصر صم الي الليل ليوم واحد و الواجب علي الذي لايزيد في كلامه حرفا لغير فائدة و لاينقص الا لفائدة و لا تكرار في كلامه ان يكون قيده الحكم الي غاية لبيان آخر مدة الحكم البتة و كذا اذا قال النكاح خمسة اقسام مثلا فانه لو كان هناك اقسام اخر احتاج الي ان يقول ايضا النكاح قسمان و هو قبيح الاتري انه لو قال النكاح خمسة اقسام فسأله السائل ليس هناك نكاح فيقول بلي اقسام كثيرة اخر فيسأله عن وجه الحصر ليس له وجه للحصر و هو قبيح البتة فيجب ان يكون حصره حاصرا لجميع اقسام النكاح

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 178 *»

و كذلك اذا قال ائتني صباحا يعني لاتأتني في غيره و كذلك اذا قال القني في الحرم يعني لاتلقني في غيره و الا فتقييده لغو البتة و من زعم انه اتي بشواهد لم‌تكن المفهوم فيها حجة فانما اتي بها من جهة القرائن و الا فلم‌يكن له علم غيب يأتي به و فهم المفاهيم امر فطري عند النساء و الصبيان و غيرهم و يستدلون بها كلهم عن فطرة فهي ايضا دليل شرعي الا ان المنطوق غالبا اقوي منها و اصرح فاذا عارض المنطوق المفهوم يكون الحكم للمنطوق اذا لم‌يكن مع المفهوم قرائن اخر و شواهد اخري و الا لتعارض كل خبر ساير الاخبار جميعها فيبلغ المعارض حد التواتر و الاجماع و ازيد و يكون الخبر المطلوب المنطوق بالنسبة اليها في غاية الضعف و لا كذلك الامر فالمنطوق غالبا اقوي الا اذا ايد المفهوم بدليل و قرينة فافهم راشدا موفقا و كفي بذلك ايضا دليلا في حجية المفاهيم انشاء الله .

قاعدة في جواز العمل بخبر واحد صحيح سليم مروي عن آل‌محمد عليهم السلام من غير فحص عن المعارضات كائنة ما كانت اعلم انا اذا تتبعنا في سيرة اصحاب الائمة عليهم السلام علمنا بلا اشكال انهم كانوا يستفتون الائمة عليهم السلام عن مسائل دينهم و يفتونهم بما يرون صلاحهم فيه و كانوا يعملون بما يسمعون عنهم من غير ترقب شئ ثم يذهبون و يروون لنسائهم و اولادهم و خدمهم و حشمهم و اقوامهم و اصحابهم و اخوانهم فكل من يثق بهم يأخذ بخبرهم من غير ترقب شئ و فحص عما سواه و كان ذلك دأبهم و ديدنهم منذ بعث النبي صلي الله عليه و آله الي انقطاع صدور الاوامر عن الحجة عليه السلام و كان الائمة عليهم السلام مطلعون ( كذا ) علي احوالهم ظاهرا و باطنا و يقررونهم علي ذلك بل امرهم الله بذلك في آية النفر و في ساير الآيات و امرهم الحجج عليهم السلام بذلك في اخبار عديدة كما سنذكره انشاء الله تعالي و ليس انه لم‌يكن ذلك اليوم معارضات بل كل هذه المعارضات جاءت من ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 179 *»

اليوم بل كانوا مطلعين بذلك و كانوا يسألون الائمة عليهم السلام عنها و يكشفون لهم معضلها فمن تدبر في ذلك و في الآيات و الاخبار و سيرة الناس و طبع العام و مدنية الطبايع و قوام العالم و سهولة نظام امور بني آدم عرف بلا غبار ان الفحص عن المعارض لم‌يكن و لايكون و انه من المبتدعات و المخترعات التي لم‌تكن في عصر النبي صلي الله عليه و آله و لا الائمة عليهم السلام و لاينبغي لاحد ان يخترع ذلك بعد الكتاب و السنة و قيام الاجماع عليه حقيقة فمن الاخبار ما رواه الشيخ الحر في فصول‌المهمة بسنده عن احمد بن اسحق عن ابي‌الحسن عليه السلام قال سألته و قلت من اعامل و عمن آخذ و قول من اقبل فقال العمري ثقتي فما ادي اليك عني فعني يؤدي و ما قال لك عني فعني يقول و اسمع له و اطع فانه الثقة المأمون و سئل ابومحمد عليه السلام عن مثل ذلك فقال العمري و ابنه ثقتان فما اديا اليك عني فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان و قد مر في الحنظلية الامر بالرجوع الي من روي حديثهم و نظر في حلالهم و حرامهم و عرف احكامهم و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام ارأيت من لم‌يقر بانكم في ليلة القدر كما ذكرت و لم‌يجحده فقال اما اذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلم‌يثق به فهو كافر و اما من لم‌يسمع ذلك فهو في عذر حتي يسمع ثم قال عليه السلام يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين و عن ابي‌بصير يعني المرادي قال قلت لابي‌عبدالله عليه السلام ارأيت الراد علي هذا الامر كالراد عليكم فقال يا ابامحمد من رد عليك هذا الامر فهو كالراد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و علي الله عز و جل و في التوقيع الرفيع لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا و (ظ) قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و سمع ابوعبدالله عليه السلام يقول بشر المخبتين بالجنة بريد بن معاوية العجلي و ابوبصير ليث بن البختري المرادي و محمد بن مسلم و زرارة اربعة نجباء امناؤ الله علي حلاله و حرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة و اندرست و قال عليه السلام لولا زرارة و نظراؤه لظننت ان احاديث ابي ستذهب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 180 *»

و قال في حديث اما ما رواه زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام فلايجوز لك ان ترده و قال رحم الله زرارة لولا زرارة و نظراؤه لاندرست احاديث ابي عليه السلام و عنه عليه السلام في حديث انه ذم رجلا و قال انه ذكر اقواما كان ابي ائتمنهم علي حلال الله و حرامه و كانوا عيبة علمه و كذلك هم عندي اليوم الي ان قيل له من هم فقال بريد و ابوبصير و زرارة و محمد بن مسلم و قيل للرضا عليه السلام شقتي بعيدة و لست اصل اليك في كل وقت فعمن آخذ معالم ديني قال من زكريا بن آدم القمي المأمون علي الدين و الدنيا و قال ابوعبدالله عليه السلام لرجل ائت ابان بن تغلب فانه قد سمع مني حديثا كثيرا فما رواه لك عني فاروه عني و قيل للرضا عليه السلام لااكاد اصل اليك اسألك عما احتاج اليه من معالم ديني افيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني قال نعم و عن عبدالله بن ابي‌يعفور قال قلت لابي‌عبدالله عليه السلام انه ليس القاك كل ساعة الي ان قال فقال و ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقة فانه قد سمع من ابي و كان عنده وجيها و وجد بخط صاحب‌الزمان عليه السلام اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و اما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه و عن ابيه من قبل فانه ثقتي و كتابه كتابي و عن ابان بن عثمان ان اباعبدالله عليه السلام قال له ان ابان بن تغلب قد روي عني حديثا كثيرا فما رواه لك عني فاروه عني و سئل ابوالحسن عليه السلام انه سئل عن كتب بني‌فضال فقال خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا الي غير ذلك من الاخبار الكثيرة المتواترة الدالة علي الاكتفاء بخبر الثقة و ان به تقام الحجة و من لم‌يقر به و يدن به يكفر و انهم كانوا يبعثون الثقات الي الاطراف و يكلفون الناس بتكاليف و ان الاكابر يكتفون في امر الامامة و النص بخبر ثقة واحد و انهم كانوا يحملون الثقة الواحد النص علي الامامة و غير ذلك فمن تتبع في كل ذلك عرف انه يجب التكلان علي خبر الثقة الواحد و لايجوز الرد عليه و الرد عليه رد علي رسول الله صلي الله عليه و آله و علي الله فوق عرشه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 181 *»

و ان به يقام حجة الله علي خلقه و عليه يكون مدار الايمان و الكفر و ان قلت ان ذلك في الثقات الذين اخذوا عن الامام مشافهة من دون اجتهاد و ان الثقات اليوم يحصلون العلم بالاخبار باجتهادهم و لايجب تصديق آراء الناس و اجتهادهم قلت اولا ليس في الاخبار تخصيص بالمشافهين فان زرارة مثلا و ان كان مشافها لابي‌جعفر و ابي‌عبدالله عليهما السلام الا انه لايجب ان لايروي عن الائمة السابقة ابدا و كذلك ساير الروات فهم مساوون مع هؤلاء في النقل عن السابقين و مع ذلك امروهم بالاخذ عن الثقات من دون ترقب شئ و ثانيا انصف نفسك انه هل يكون يمكن لاحد طريق غير التكلان علي خبر الثقة و هل الفقهاء يفعلون غير ذلك و في اي شئ يجتهدون و اي شئ يحصلون غير ذلك فان كانوا بزعمهم يجتهدون في الرواة فليس الا انهم يتكلون علي اخبار الثقات في الرجال ثم يتكلون علي الكليني في نقل السند مثلا ثم يعملون بالرواية و هل هو الا تكلان علي الثقة ثم اذا رأوا في كتاب الكليني انه كتب محمد بن يحيي عن احمد بن محمد عن محمد بن عيسي عن محمد بن الحسين عن عبدالرحمن بن ابي‌هاشم عن ابي‌خديجة عن ابي‌عبدالله عليه السلام مثلا هب ان كليني سمع عن محمد بن يحيي فهو ثقة صدقته في روايته عن محمد بن يحيي ثم كيف علمت ان محمد بن يحيي سمع احمد بن محمد فان كان علمك بسبب خبر الكليني فقد اخبر الكليني عما لم‌يسمع فان قلت انه سمع محمد بن يحيي و هو اخبره انه سمع احمد بن محمد فلذلك صدقته قلت كذلك سمع الكليني الخبر ممن يثق به و الا لم‌يروه عنه و لم‌يضمن صدقه و هكذا كل طبقة رووها عمن تقدم عليهم فان كنت تصدق الثقة في صدق السند فلم لاتصدقه في صدق المتن و ان كنت تصدق علماء الرجال في توثيق من تقدم عليهم بالف سنة فلم لاتصدقهم في تصحيحهم الاخبار و ان كنت تحصل الظنون الاجتهادية باحوال الرجال فلم لاتحصلها في نفس الاخبار و صحتها بعد كل هذه القرائن و لا قرينة في كثير من الرجال الا ان كش ثقة جش فطحي و امثال ذلك و اي ظن يفيد لك هاتان الكلمتان لايفيدك كل هذه القرائن و قد عرفت سابقا من ادلة الاكتفاء علي خبر الثقة ما لا مزيد عليه هذا و تصحيح الاخبار ليس

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 182 *»

بادلة عقلية و قياسات و استحسانات متعارفات و انما هو باجازات في ايدي ثقات حملة لها في كل عصر فكما انا نقطع بان كتاب الكافي لمحمد بن يعقوب من دون اجتهاد و اهواء و آراء و قياسات و اجتهادات و انما نعلم به من جهة التواتر كعلمنا بالشمس ما لايحتمل فيه النقيض كذلك كانت الاصول الاربعمائة و غيرها معلومة النسبة الي الثقات من اصحاب الائمة عند مشايخنا و هم ما لم‌يعلموها كالشمس انها معلومة النسبة صحيحة ماكانوا يروونها و يضمنون صحتها ابدا فليس قرائن صحة الاخبار من باب الاجتهادات فيجوز التكلان علي اخبار الثقات البتة و قد مر ذلك فاذا جاز الاكتفاء بخبر الثقة و سمعت الاخبار في الاذن بالاكتفاء بخبر الواحد من دون فحص و عرفت السيرة و سمعت الكتاب فلم‌يبق عذر لاحد في ذلك فاكتف بخبر ثقة واحد في المسألة من دون فحص عن المعارض فان اتفق له معارض فاعمل فيه كما مر و اعلم ان الدين اوسع شئ فلاتضيق علي نفسك و لاحظ مع ذلك الشروط المتقدمة و الآداب السابقة و راجع الاخبار حتي تستأنس بها و كلمات العلماء الاخيار حتي تفهمها فانها شارحة للآثار مبينة للمرادات .

قاعدة جميع ما في الكتاب و السنة و اخبار اهل العصمة سلام الله عليهم لايخلو من قسمين اما يكون ما فيها مجمعا علي تأويله و صحة العمل به او يكون مختلفا فيه فما كان مجمعا علي تأويله و صحة العمل به ضاق لمن انتحل هذا الدين ان ( لا ظ ) يتعبد به و اما ما لم‌يكن مجمعا عليه فاثبته قوم و نفاه آخرون فسبيل اهله الحجة عليه فان كان احد المتخالفين مستنبطا ما عنده من وجه متفق عليه لم‌يطلع عليه الآخرون و كان ذلك بحيث لو اطلع عليه الآخرون لصدقوا به و عملوا به و ذلك كشاهد يشهد علي صحة واحد و لم‌يطلع النافون علي ذلك الشاهد و يكون ذلك الشاهد داخلا في الكليات المجمع عليها يجب التعبد به و اما ما لم‌يكن مجمعا عليه و لا مثبتا بالمجمع عليه فانت في سعة عملا و يجب عليك التوقف علما لانه مختلف فيه و كل ما كان كذلك يجب ان يرجع الي الله و رسوله صلوات الله عليه و آله ليحكم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 183 *»

فيه فانت في سعة من الامر الي ان تجد صاحبك فيحكم فيه بما اراه الله و هذه قاعدة استنبطتها من اخبار اهل العصمة عليهم السلام و يصدقه العقل المستنير من نورهم سلام الله عليهم و الخبر ما رواه في البحار عن ابي‌الحسن موسي عليه السلام قال قال لي الرشيد احببت ان تكتب لي كلاما موجزا له اصول و فروع يفهم تفسيره و يكون ذلك سماعك عن ابي‌عبدالله عليه السلام فكتبت بسم الله الرحمن الرحيم امور الاديان امران امر لا اختلاف فيه و هو اجماع الامة علي الضرورة التي يضطرون اليها و الاخبار المجتمع عليها المعروض عليها كل شبهة و المستنبط منها كل حادثة و امر يحتمل الشك و الانكار و سبيل استيضاح اهله الحجة عليه فما ثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله ضاق علي من استوضح تلك الحجة ردها و وجب عليه قبولها و الاقرار و الديانة بها و ما لم‌يثبت لمنتحليه من كتاب مستجمع علي تأويله او سنة عن النبي صلي الله عليه و آله لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله وسع خاص الامة و عامها الشك فيه و الانكار له كذلك هذان الامران من امر التوحيد فما دونه الي ارش الخدش فما فوقه فهذا المعروض الذي يعرض عليه امر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما غمض عنك ضوؤه نفيته و لا قوة الا بالله و حسبنا الله و نعم الوكيل ه‍ ، فتدبر في هذا الحديث الشريف و انظر فيه بنظر التعلم و التفهم و اعلم ان كل ما ليس بمجمع عليه مختلف فيه فما لم‌يستوضحه منتحله من وجه مجمع عليه كان حجته من المختلف فيه و كان قد اختار ما اختاره برأي و هوي و هو منهي عن اتباعه و ان كان كل واحد ينتحل الحجة بحديث الا ان اختيار كل واحد واحدا و نهيه عن الحديث الآخر من دون مستند مستجمع عليه اختيار رأي و لايتبع فلزم ان يكون الاختيار بمستجمع عليه دون العقل قال الله سبحانه ليس لك من الامر شئ و قال ماكان لمؤمن و لا مؤمنة اذا قضي الله و رسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم فما لم‌يكن كذلك انت في سعة منه و ما سوي ذلك تضييق ممنوع عنه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 184 *»

فاجتنبه فافهم و تبصر و استرح و لاتتكلف ما لم‌يكلفك الله به ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و ما سكت عنه فاسكتوا و ما ابهمه الله فابهموا و لاتتكلفوا فانه ارأف بكم من انفسكم و لاتكونوا اناء احر مما فيه و انظروا الي ما قدمت من القواعد تفلحوا .

قاعدة لايضر في تحقق الاجماع علي امر خروج المعاند للحق المكابر معه و العامل برأيه و هواه في مقابل الحق و يعتبر فيه اجتماع العارفين بالحق المصدقين له المؤمنين به المجتنبين عن الاهواء و الآراء المنقطعين الي الحق و اهله فاذا تحقق اجماع هكذا كان الخارج عنه خارجا عن الحق و قد اوضح الله ذلك في كتابه و قال و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي و نصله جهنم و قد وردت اخبار كثيرة عن النبي صلي الله عليه و آله ان جماعة امتي اهل الحق و ان قلوا و في اخري من كان علي الحق و ان كان عشرة و في اخري الجماعة اهل الحق و ان كانوا قليلا فالمراد بالاجماع اجماع من كان في ذلك المجمع عليه منقطعا الي الحق مخالفا لهواه متابعا لمولاه لا الذين يقولون باهوائهم و آرائهم من دون استناد الي الحق و اهله فافهم و تبصر ترشد و تهدي و كن من الشاكرين فلو خالف رجل اهل الحق و اتبع هواه كان الضرر عليه لا علي اجماع اهل الحق .

قاعدة ان الله سبحانه مانطق الا بالحق و مافرط في كتابه من شئ و عليه بيانه لرسوله كما قال مافرطنا في الكتاب من شئ و قال فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم ان علينا بيانه فانحصر بيان القرآن في الله سبحانه ثم اخذ الميثاق علي نبيه صلي الله عليه و آله ان يبينه للناس و قال و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 185 *»

و هو صلي الله عليه و آله لم‌يخالف ميثاق الله و غرضه في انزال الذكر و الذي يستنبط من الاخبار و القرآن و صحيح الاعتبار ان المراد من الناس الائمة عليهم السلام كما قال ام يحسدون الناس علي ما آتيهم الله من فضله و ورد في الاخبار انهم هم الناس المحسودون و قد قال تعالي و انذر عشيرتك الاقربين و اخفض جناحك للمؤمنين و يؤيد ذلك من الاعتبار الصحيح المجمع عليه ان النبي معصوم و لم‌يخالف امر ربه و ان في الكتاب تبيان كل شئ فلو كان النبي بين الكتاب للناس جميعا لمابقي فيهم جاهل بشئ ابدا فظهر من هاتين المقدمتين ان المراد بالناس رجال مخصوصون و ان النبي بين لهم و هم يعلمون كل شئ فبين صلي الله عليه و آله لعشيرته الاقربين الذين امر بانذارهم و امر الناس بحبهم و اتيانهم و هم الائمة عليهم السلام و من المعلوم المجمع عليه ان النبي صلي الله عليه و آله يتبع ما يوحي اليه من ربه و لايخالف وحي الله كما قال تعالي و علمه ان‌اتبع الا ما يوحي الي و قال و ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و قال لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين و قال و فيه تبيان كل شئ و قال مافرطنا في الكتاب من شئ فقول النبي صلي الله عليه و آله مطابق للكتاب في كل موطن فما روي عليه بخلاف الكتاب ليس منه و انما هو كذب و افتراء عليه و لقد كذب عليه في حيوته حتي قال صلي الله عليه و آله قد كثرت علي الكذابة و ستكثر فمن كذب علي متعمدا فليتبؤ مقعده من النار فاذا اتيكم الحديث فاعرضوه علي كتاب الله و سنتي فما وافق كتاب الله و سنتي فخذوا به و ما خالف كتاب الله و سنتي فلاتأخذوا به الخبر ، و بهذا المعني اخبار كثيرة و صدقها الكتاب حيث قال الم‌تر الي الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الي كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولي فريق منهم و هم معرضون و قال و ما اختلفتم فيه من شئ فحكمه الي الله و مدح قوما و قال الذين يمسكون بالكتاب و اقاموا الصلوة انا لانضيع اجر المحسنين و من المعلوم المجمع عليه ان آل‌محمد صلوات الله عليهم لايخالفون رسول الله صلي الله عليه و آله كيف و قد قال تعالي من اتبعني فانه مني و لا ريب انهم من رسول الله فهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 186 *»

متابعوه و كيف و قد قال تعالي ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و قال فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم و الائمة عليهم السلام معصومون مطهرون لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون اللهم الا ان يتقوا من المخالفين تقاة فيحكمون بغير الحق في تلك المسئلة في غير تلك الحال و الا في تلك الحالة هو الحق الذي امروا به بعهد معهود من رسول الله صلي الله عليه و آله و بامر من الله تعالي كما قال الا ان تتقوا منهم تقاة و هو الحق في تلك الحالة و مخالفهم في تلك الحالة في تلك المسئلة مخالف للحق فانه التكليف الحق في تلك الحالة و اما ما لم‌يكن خوف و تقية فمحال ان يخالفوا رسول الله صلي الله عليه و آله و محال عليه ان يخالف امر الله و محال علي امر الله ان يكون فيه اختلاف فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و مع ذلك من جهة انهم عليهم السلام امراء الكلام و فيهم تهدلت غصونه و تنشبت عروقه يؤدون كلام التقية بحيث لهم فيه تأويل يطابق الحق كما ورد عن ابي‌جعفر عليه السلام اذ قيل له ان سالم بن ابي‌حفصة يروي عنك انك تكلم علي سبعين وجها لك منها المخرج فقال ما يريد سالم مني ايريد ان اجئ بالملائكة فوالله ماجاء بهم النبيون و لقد قال ابرهيم اني سقيم والله ماكان سقيما و ماكذب و لقد قال ابرهيم بل فعله كبيرهم و مافعل كبيرهم و ماكذب و لقد قال يوسف ايتها العير انكم لسارقون والله ماكانوا سرقوا و ماكذب ه‍ ، فاذا عرفت ان الله ليس في علمه اختلاف و ان النبي صلي الله عليه و آله لايتبع و لاينطق الا ما يوحي اليه و ان الائمة عليهم السلام لايخالفون امر الرسول صلي الله عليه و آله فلا اختلاف في علمهم بوجه من الوجوه و لا في اخبارهم و انما الاختلاف يجئ من قبل التقية التي امرهم الله بذلك و امرهم بها رسوله صلي الله عليه و آله فهنالك يختلف اخبارهم باذن الله و اذن رسوله صلي الله عليه و آله و هو دين الله الذي يجب ان يدان به لان احكام الله ليست لمصلحة ذاته بل لمصلحة عباده و مصلحة العباد و حفظ دمائهم و فروجهم بالتقية و الا لاخذ برقابهم و اهلكوا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 187 *»

عن آخرهم و لم‌يعبد الله في ارضه فمن منه علي عباده وضع التقية و هو احسن ما شرع في حفظ الرقاب و قد قال الله تعالي في كتابه لايتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شئ الا ان تتقوا منهم تقية و يحذركم الله نفسه و الي الله المصير ، و عن الاحتجاج في حديث علي عليه السلام و آمرك ان تستعمل التقية في دينك فان الله يقول لايتخذ المؤمنون الآية ، قال و اياك ثم اياك ان تتعرض للهلاك و ان تترك التقية التي امرتك بها فانك شائط بدمك و دماء اخوانك معرض لنعمك و لنعمهم للزوال مذلهم في ايدي اعداء دين الله و قد امرك الله باعزازهم و عن النبي صلي الله عليه و آله لا ايمان لمن لا تقية له قال الله تعالي الا ان تتقوا منهم تقية و عن الصادق عليه السلام التقية ترس الله بينه و بين خلقه و عن الباقر عليه السلام التقية في كل شئ يضطر اليه ابن آدم و قد احل الله له و عنه عليه السلام قال لزياد يا زياد ما تقول لو افتينا رجلا بشئ من التقية قال قلت له انت اعلم جعلت فداك قال ان اخذ به فهو خير له و اعظم اجرا و في اخري ان اخذ اوجر و ان تركه والله اثم ه‍ ، و من هذا القبيل اخبار كثيرة .

قاعدة ان التقية من الائمة عليهم السلام ليست بمنحصرة في قولهم بما يقول به العامة كما يدل عليه اخبارهم بل ربما يكون تقيتهم بتفريقهم بين الشيعة بان يفتوا بالزيادة و النقصان حتي اذا رأتهم العامة مختلفة الكلمة يهون عليهم امرهم و لايعتنون بهم او يرونهم مشابها بهم في اختلاف كلمتهم و آرائهم و اهوائهم فيحسبون انهم ايضا اصحاب رأي و هوي مثلهم فلايؤذونهم و علي هذا المضمون وردت اخبار كثيرة اوردناها في مقدمة كتابنا فصل‌الخطاب و لنذكر هنا بعضا منها و عن الصادق عليه السلام انه قيل له ليس شئ اشد علي من اختلاف اصحابنا قال ذلك من قبلي و سئل ابوالحسن عليه السلام عن اختلاف اصحابنا فقال عليه السلام انا فعلت ذلك بكم لو اجتمعتم علي امر واحد لاخذ برقابكم ه‍ ، و عن ابي‌الحسن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 188 *»

عليه السلام قال اختلاف اصحابي لكم رحمة و قال اذا كان ذلك جمعتكم علي امر واحد و عن زرارة عن ابي‌جعفر عليه السلام قال سألته عن مسئلة فاجابني قال ثم جاء رجل آخر فسأله عنها فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاء رجل آخر فاجابه بخلاف ما اجابني فلما خرج الرجلان قلت يا بن رسول الله رجلان من اهل العراق من شيعتك قدما يسئلان فاجبت كل واحد بخلاف ما اجبت به الآخر فقال يا زرارة ان هذا خير لنا و لكم و لو اجتمعتم علي امر واحد لقصدكم الناس و لكان اقل لبقائنا و بقائكم قال فقلت لابي‌عبدالله شيعتكم لو حملتموهم علي الاسنة او علي النار لمضوا و هم يخرجون من عندكم مختلفين قال فسكت فاعدت عليه ثلث مرات فاجابني بمثل جواب ابيه و اخبار كثيرة اخر اوردناها في ذلك الكتاب فظهر ان الخلاف بين الشيعة من قبلهم فمن تصدي لرفع الخلاف و ترجيح بعض اقوالهم علي بعض من دون ترجيح ثابت منهم لقد تصدي لخلاف غرضهم فلا غرو اذا ورد خبران قطعيا الصدور مختلفان و لا امتناع فيه و لا بأس به فالقول بان القطعيين لايمكن تعارضهما لايمكن تصديقه بعد ما سمعت فتدبر و الشاهد علي ذلك ايضا ما ورد عن موسي بن اشيم قال دخلت علي ابي‌عبدالله عليه السلام فسألته عن مسألة فاجابني فبينا انا جالس اذ جاءه رجل آخر فسأله عنها بعينها فاجابه بخلاف ما اجابني ثم جاءه آخر فسأله عنها بعينها فاجابه بخلاف ما اجابني و اجاب صاحبي ففزعت من ذلك و عظم علي فلما خرج القوم نظر الي فقال يا بن اشيم كأنك جزعت قلت جعلني الله فداك انما جزعت من ثلث اقاويل في مسئلة واحدة فقال يا بن اشيم ان الله فوض الي سليمان بن داود امر ملكه فقال هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب و فوض الي محمد صلي الله عليه و آله امر دينه فقال ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فان الله تعالي فوض الي الائمة منا و الينا ما فوض الي محمد صلي الله عليه و آله فلاتجزع ه‍ ، و كذلك اخبار كثيرة بهذا المعني اوردناها في فصل‌الخطاب فان شئت فاطلبه فاذا يمكن ان يكون القطعيان متعارضين و ذلك لحفظ الرقاب كما شرحنا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 189 *»

بينا و لكن القوم لما غفلوا عن هذا المعني و زعموا ان الحق الصادر عنهم واحد و ان الاختلاف من قبل النقلة و دس الداسين و افتراء المفترين و اغتروا بقول العامة العمياء المعرضين عن ائمة الهدي حيث هم لايأخذون علي زعمهم بحديث غير النبي صلي الله عليه و آله و احاديث النبي صلي الله عليه و آله لا تقية فيها فقالوا ان الحكمين القطعيين لايمكن تعارضهما و بعض اصحابنا ايضا اغتر بهم غافلا عن ان ذلك لايتمشي في مذهبنا لمحل التقية بموافقة القوم و ايقاع الخلاف و اغتر بعضهم ببعض فتصدوا لرفع ذلك الخلاف و لعرفان ما هنالك فضاق بهم المجال حتي وضعوا قواعد ظنية بآرائهم و اهوائهم لعرفان الحكم الاصلي بزعمهم و لما قصر باعهم عن تناول ذلك قالوا بكفاية الظن و لو علموا ان الاختلاف من قبلهم لاستراحوا و لم‌يطلبوا الحكم الواقعي و اكتفوا بالنفس الامر الصادر عنهم و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا و لكنهم قالوا نريد من بقلها و قثائها و فومها و عدسها و بصلها فقال لهم ربهم اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم فابتلوا بالحرج الشديد و الدين اوسع من ذلك و هذا الاختلاف لهم رحمة فتبصر و اغتنم و لاتتبع اهواءهم و قل آمنت بما انزل الله من كتاب .

قاعدة العامة في مسائلهم اما متفقون او مختلفون و علي اي حال اما يطابقون ما دل عليه الكتاب المستجمع علي تأويله او السنة التي لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله او يخالفون فان طابق قولهم ذلك لا محيص عن ذلك القول و يجب الاخذ به لان الله سبحانه من لطيف حكمته و صنعه لما رأي ان الشيعة لا بد لهم من العمل بمقتضي ذلك و ان في مخالفتهم له بوارهم و هلاكهم حمل العامة علي القول بالحق حتي لايكون للشيعة تقية في العمل به و الا لم‌يكن لهم ان يعملوا بشئ من الحق فانهم في سجين و لا حق فيه و اما ما كان يمكن للشيعة مخالفته و لم‌يكن فيه بوارهم فخذلهم في آرائهم و اهوائهم فهنالك يجئ التقية و يعمل الشيعة بها و فيها صلاحهم بل لو عملوا بخلاف ذلك في حال التقية اثموا و هلكوا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 190 *»

كما قال ابوجعفر عليه السلام لزياد يا زياد ما تقول لو افتينا رجلا ممن يتولانا بشئ من التقية قال قلت انت اعلم جعلت فداك قال ان اخذ به اوجر و ان تركه والله اثم و قال ابوعبدالله عليه السلام لايسع الناس حتي يسألوا و يتفقهوا و يعرفوا امامهم و يسعهم ان يأخذوا بما يقول و ان كان تقية و ذلك من لطف الله سبحانه بعباده فاذا كانوا متفقين علي شئ او مختلفين في شئ و هو يخالف الكتاب المستجمع علي تأويله او السنة التي لا اختلاف فيها او القياس الذي تعرف العقول عدله يجب مخالفتهم فيما ذهبوا اليه بالبداهة لان موافقتهم حينئذ مخالفة الكتاب و السنة و هو خروج عن الايمان و اما اذا اتفقوا علي شئ يقينا و لم‌يعرف حكمه من الكتاب المستجمع علي تأويله او السنة التي لا اختلاف فيها او قياس تعرف العقول عدله و ورد اخبار من طرقنا واحد يوافقهم و الآخر يخالفهم فقد ورد اخبار كثيرة في المقام ان الاخذ بما يخالفهم متعين فان الرشد في خلافهم و قد بين الله تعالي في كتابه ان المنافقين و المنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و قال في صفة المؤمنين و المؤمنون و المؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر فهم في كل جهة مخالفون للمؤمنين و وردت اخبار كثيرة انه اذا ورد خبران يجب الاخذ بما خالف القوم كما قال ابوعبدالله عليه السلام ما انتم والله علي شئ مما هم فيه و لا هم علي شئ مما انتم فيه فخالفوهم فما هم من الحنيفية علي شئ و روي انهم متي افتوا بشئ فالحق في خلافه و روي والله لم‌يبق في ايديهم الا استقبال القبلة الي غير ذلك من الاخبار و قد اوردناها في فصل‌الخطاب و اما اذا كانوا مختلفين في المسئلة فورد انه ينظر فما كان قضاتهم و حكامهم اليه اميل فيترك و يعمل بخلافه و انت خبير بان اتفاقهم في المسائل قليل نادر لاختلاف آرائهم و اهوائهم و قياساتهم و علي فرض وقوعه يعسر الاطلاع عليه للشيعة بل لهم ايضا لانهم كلهم اصحاب رأي و هوي و لايكاد تجتمع اهواؤهم فان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 191 *»

قلوبهم شتي و لايكاد يعرف اجتماعهم و اذا كانوا مختلفين فلايكاد يعرف في هذه الايام ما كان عليه قضاتهم و ما حكامهم اليه اميل لان كل واحد من القضاة التي كانوا في البلاد كان اهل بلدهم اليه اميل و شهرته في ذلك البلد اكثر و كل واحد من الاربع في بلادهم اشهر من كفر ابليس و اهل ذلك البلد اليه اميل كميل اهل الغرب الي مالك و العراق الي ابي‌حنيفة و ماوراءالنهر الي حنبل و اهل البادية الي محمد بن ادريس و ساير القضاة التي كانوا في البلاد فكل واحد كان اشهر من غيره في بلده و الناس اليه اميل كما عرفت فيما قدمنا فلايكاد يضبط ذلك الامر في هذه الاعصار فسبيل معرفتنا بالاخذ بما خالف القوم مسدود في هذه الازمان و لايمكن جعل خلاف واحد منهم من المرجحات من دون مرجح نعم اذا حصل الاطلاع فهو من المرجحات كما نطقت به اخبار كثيرة و الا فبمحض الاطلاع بقول واحد منهم او اثنين لايمكن الاخذ بخلافهما مثلا اذ لعلهما من بينهم طابقوا الحق او لعل قولهما لم‌يكن في تلك الايام في تلك المسئلة مشهورا فلم‌يحتاجوا الي التقية فيه فمحض قول عامي بشئ لايكون مرجحا و لم‌يثبت من الاخبار انه مرجح و يمكن ايضا احيانا حصول العلم بصدور الخبر عن تقية من لحن الخبر او القرائن الملحقة به فيجب حينئذ تركه لانه علي خلاف الحق و امرنا بخلافهم في اخبار عديدة و عمل الاصحاب قديما و حديثا في خلافهم و هم مجمعون عليه فتركه اذا دلت عليها القرائن متعين لكن اذا كان هناك ما يعارضه و عمل به الاصحاب فيعمل به لانه مما عرف الامام صلاح رعيته فيه و العمل به كما يأتي و اما ما ورد عن علي بن اسباط قال قلت للرضا عليه السلام يحدث الامر لااجد بدا من معرفته و ليس في البلد الذي انا فيه احد استفتيه من مواليك قال فقال عليه السلام ائت فقيه البلد فاستفته في امرك فاذا افتاك بشئ فخذ بخلافه فان الحق فيه ه‍ ، فهذه الرواية في من لايعلم شيئا من اخبارهم في المسئلة فيستفتي المفتي منهم فيعمل بخلافه فان الحق الذي يجب ان يأخذ ذلك الرجل به حينئذ في العمل بخلاف فتوي ذلك المفتي .

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 192 *»

قاعدة لعلهم عليهم السلام راعوا في القول بقول العامة حال الراوي و البلد الذي هو فيه و ربما راعوا حال اهل المجلس او حال من حضر من العامة او حال اهل بلدهم او حال الغالب علي البلاد و ما العامة اليه اميل او حال ما اجمعوا عليه او حال الراوي في طريقه او حاله مع معاشره من العامة او حال الغالب علي العصر او حال ما السلطان اليه اميل و لكل ذلك شواهد من الاخبار يطول ذكرها و من غير لحن الخبر و القرائن او ما عرف اجماع العامة عليه من ضرورياتهم يشكل فهم وجه التقية مع ما ذكرنا انه ربما يكون التقية في صرف ايقاع الخلاف لان اتفاق قوم في جميع الامور اعظم في عين الخصم من كل شئ و يصير اقوي ارعابهم و تخويفهم فيهمون باتلافهم اكثر و يصير اقوي لكلبهم و اشد لعداوتهم فلايكاد ينضبط معرفة وجه تقيتهم في هذه الازمان فليس باب احوط و اوسع من التسليم لامرهم اذا لم‌يعلم الحق من اخبارهم كما قال الباقر عليه السلام لزياد في خبر قدمناه .

قاعدة ان لكل الاختلافات الواردة عنهم عليهم السلام تصاريف و معاني توافق الحق كما ورد عن ابي‌عبدالله عليه السلام انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا ان الكلمة لتنصرف علي وجوه فلو شاء انسان لصرف كلامه كيف شاء و لايكذب و عنه عليه السلام حديث تدريه خير من الف ترويه و لايكون الرجل منكم فقيها حتي يعرف معاريض كلامنا و ان الكلمة من كلامنا لتنصرف علي سبعين وجها لنا من جميعها المخرج و عنه عليه السلام خبر تدريه خير من الف ترويه ان لكل حق حقيقة و لكل صواب نورا ثم قال انا والله لانعد الرجل من شيعتنا فقيها حتي يلحن له فيعرف اللحن و عنه عليه السلام في رسالته الي زرارة فلايضيقن صدرك من الذي امرك ابي عليه السلام و امرتك به و اتاك ابوبصير بخلاف الذي امرناك به فلا والله ماامرناك و لاامرناه الا بامر وسعنا و وسعكم الاخذ به و لكل ذلك عندنا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 193 *»

تصاريف و معان توافق الحق و لو اذن لنا لعلمتم ان الحق في الذي امرناكم فردوا الامر الينا و سلموا لنا و اصبروا لاحكامنا و ارضوا بها الي ان قال فلذلك عندنا معان و تصاريف ما يسعنا و يسعكم و لايخالف شئ منه الحق و لايضاده ه‍ ، و كثير من الاخبار في هذه المعاني فاذا اذن لهم بينوا تصاريف كلماتهم بحيث لايبقي خلاف و اما الذي لنا قبل ذلك الاذن فهو ما نعرف منها من ظواهرها و نصوصها و يسعنا ما نفهم قبل البيان .

قاعدة لا شك و لا ريب ان الله سبحانه من لطيف حكمته و صنعه لم‌يكل العباد الي انفسهم حتي يقولوا بآرائهم و اهوائهم و لو كان ذلك جائزا في الحكمة لكان ارسال الرسل و انزال الكتب عبثا و ايضا لا شك و لا ريب انه ما لم‌ينزل كتابا و لم‌يبعث رسولا لم‌يقم حجة علي العباد في اعمالهم و افعالهم و بالكتاب و الرسول تقوم الحجة علي الخلق فالناس في سعة ما لم‌تقم حجة عليهم من ربهم و لايمكن انكار ذلك و كذلك الحال بعد انزال الكتاب و قبل بيانه و بعد ارسال الرسول و قبل تبليغه فان قبل الكتاب و البعث كان جميع الخيرات و الشرور في علم الله و الناس في سعة و كذا بعد الكتاب و قبل التبليغ فان الرسول صلي الله عليه و آله في اول بعثه كان يعلم جميع الشرايع بتعليم الله سبحانه و كانوا في سعة الا عن الشهادتين ثم ظهرت الشرايع شيئا فشيئا و كل ما كان يظهر كان علي العباد الاخذ به و كلما لم‌يكن ظاهرا كانوا في سعة و كذلك الامر بعد توديع الرسول صلي الله عليه و آله الشرايع الي وصيه فكل ما اظهره الوصي للناس صار اللازم عليهم الاخذ به و كلما اخفي عنهم هم علي سعتهم كما قال الله سبحانه لايكلف الله نفسا الا ما آتاها و قال و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هداهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال لايكلف الله نفسا الا وسعها ، و قال الصادق عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و سئل عليه السلام عمن لايعرف شيئا هل عليه شئ قال لا و قال ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 194 *»

الله عز و جل احتج علي الناس بما آتاهم و عرفهم و قال ايما رجل ركب امرا بجهالة فلا شئ عليه الي غير ذلك من الاخبار التي رويناها في فصل‌الخطاب فهم في سعة ما لم‌يعلموا و هذه السعة لاتكشف عن عدم كون حكم مخصوص في ذلك المجهول بل كاشفة عن عدم جواز عملنا فيه برأي و هوي و ذلك مما لا ريب فيه و منكره منكر للبديهة و مثاله في اول الشرع كان الربا عند الله حراما و لكن العباد لما لم‌يكونوا يعلمون كانوا في سعة منه الي ان ابرز الله فضاق عليهم الاخذ به و السر في ذلك ان الجاهل الغافل يقبح اخذه قبل تعليمه و تنبيهه و هذا ظاهر انشاء الله و انما الكلام في انه قد ورد في الاخبار ما مفاده بحسب الظاهر ان الحكم فيما لايعلم التوقف و فسر بترك الفعل و ورد ان الحكم السعة و اخبار السعة توافق ما قدمنا من القاعدة الموافقة لبداهة العقل السليم الموافقة للعدل المجمع عليه و اخبار التوقف تخالفهما ظاهرا علي ما فسروا فمن الناس من تمسك باخبار التثليث و استشهدوا بالكتاب اما الكتاب فقوله تعالي و لاتقف ما ليس لك به علم و اما الاخبار ففي مقبولة عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام فانما الامور ثلثة امر بين رشده فيتبع و امر بين غيه فيجتنب و امر مشكل يرد حكمه الي الله عز و جل و الي رسوله صلي الله عليه و آله حلال بين و حرام بين و شبهات تتردد بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لايعلم و في آخر الخبر عند سد الترجيح فارجه و قف عنده حتي تلقي امامك فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات و عن ابي‌جعفر عليه السلام في ما جاءنا منهم بعد العرض علي القرآن و ان اشتبه عليكم فقفوا عنده و ردوه الينا حتي نشرح لكم ما شرح لنا و في مرفوعة زرارة بعد الترجيح اذن فارجه حتي تلقي امامك فتسأله و عن النبي صلي الله عليه و آله الامور ثلثة امر تبين لك رشده فاتبعه و امر تبين لك غيه فاجتنبه و امر اختلف فيه فرده الي الله عز و جل و عن ابي‌عبدالله عليه السلام اورع الناس من وقف عند الشبهة و في وصية علي عليه السلام لابنه الي ان قال و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 195 *»

الصمت عند الشبهة و عن النبي صلي الله عليه و آله من اتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه و عن ابي‌الحسن عليه السلام اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و ان جاءكم ما لاتعلمون فها و اهوي بيده الي فيه و عن الصادق عليه السلام لايسعكم فيما نزل بكم مما لاتعلمون الا الكف عنه و التثبت و الرد الي ائمة الهدي حتي يحملوكم فيه علي القصد و يجلوا عنكم فيه العمي و يعرفوكم فيه الحق قال الله فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون و اخبار اخر فمن الناس من تمسك بهذه الاخبار و قال ان السعة فيما لم‌يرد عن الشارع و قد ورد الآن ما يوجب العدول عنه و هي هذه الاخبار فيجب التوقف عن القول و العمل فيما لايعلم و استثني من ذلك بعض الامور العامة البلوي اذا لم‌يرد فيه نص فانه كاشف عن عدم كون حكم فيه اصلا و هذا ايضا خيال منه اذ لعله كان حكم و اخفوه تقية فان الامور العامة البلوي اكثر من الامور النادرة فيسقي النادرة و الشايعة بماء واحد ان لم‌يكن النادرة بهذا القول اولي و من الناس من تمسك باخبار السعة و استشهد عليها بالكتاب اما الكتاب لايكلف الله نفسا الا ما آتاها و قوله و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قوله و ماكنا معذبين حتي نبعث رسولا و اما الاخبار فعن علي عليه السلام ابهموا ما ابهمه الله و اخبار ما رفع عن هذه الامة و فيها ما لايعلمون و عن الصادق عليه السلام ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و عن عبدالاعلي قال سألت اباعبدالله عليه السلام عمن لايعرف شيئا هل عليه شئ قال لا و قولهم عليهم السلام لا تكليف الا بالبيان و عن النبي صلي الله عليه و آله ان الله تعالي حد لكم حدودا فلاتعتدوها و فرض لكم فرائض فلاتضيعوها و سن لكم سننا فاتبعوها و حرم عليكم حرمات فلاتتكلفوها ( تنتهكوها ظ ) و عفا لكم عن اشياء رحمة منه من غير نسيان فلاتتكلفوها و عن الصادق عليه السلام الاشياء مطلقة ما لم‌يرد عليك امر او نهي و عنه عليه السلام كل شئ مطلق حتي يرد فيه نهي و عنه عليه السلام ان من قولنا ان الله يحتج علي العباد بما آتيهم و عرفهم ثم ارسل رسولا و انزل عليهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 196 *»

الكتاب فامر فيه و نهي عنه و عنه عليه السلام كل شئ مطلق حتي يرد فيه نص و عنه عليه السلام من عمل بما علم كفي علم ما لايعلم و امثال ذلك من الاخبار الكثيرة فمن الناس من تمسك بهذه الاخبار و قال بعد ورود هذه الاخبار لم‌يبق مشكل حتي يكون حكمه التوقف فانه اما ورد في المسألة امر فمبين رشدها او نهي فمبين غيها او لم‌يرد فمبين سعتها و اما ما ورد فيه المتعارضان فان كان ترجيح لاحدهما فهو و الا فبايهما اخذت من باب التسليم وسعك فاي شبهة في المقام و اي اشكال نعم نتوقف في الحكم الواقعي و يرد عليهم ان التوقف في الحكم الواقعي لازم في جميع المسائل سواء كان منصوصا او لم‌يكن لاحتمال التقية و ايقاع الخلاف فيه فيسقي الكل بماء واحد اقول و لا قوة الا بالله انه لا اختلاف في هذه الاخبار بحمد الله تعالي و انما الاختلاف في الانظار فان مورد الاخبار الاول في الاشتباه لا الجهل و مورد الاخبار الاخيرة الجهل لا الاشتباه و بين المقامين فرق واضح فان الجهل هو ان لايكون عندك شئ مما يدل علي وجود المجهول و عدمه و الشبهة ان يكون لك شئ يدل علي وجود المشتبه و شئ يدل علي عدمه فيشتبه عليك الامر او تحصل قرينة ان مدلول الخبر هذا و اخري ان مدلوله هذا او يشبه الحق بوجه و يشبه الباطل بوجه و امثال ذلك و لذلك قلنا ان الرجل لو لم‌يعلم ان سوق الهند مثلا كيف هو ليس بشاك في كيفيته و انما هو جاهل و اما اذا اخبره عدلان بخبرين مختلفين هو شاك فيه مشتبه عليه و هذا السر قد خفي علي الاخباريين فخبطوا في المسئلة و لم‌يميزوا الجهل و الشبهة فاحمد الله سبحانه علي ما القينا اليك و رفعنا عنك هذه الشبهة بحول الله و قوته و بركات آل‌محمد عليهم السلام فما كان مجهولا لا نص عليه انت في سعة منه و لا حكم عليك فيه ابدا كيف و اثبات الحكم فيه ينافي العدل المجمع عليه كما روي عن ابي‌ابرهيم عليه السلام في حديث لان الله تعالي عدل لايجور يحتج علي خلقه ما يعلمون يدعوهم الي ما يعرفون لا الي ما يجهلون و ينكرون انتهي ، و نحن عبيد جهال لانملك لانفسنا نفعا و لا ضرا و لانعرف شيئا منهما الا بتعريف الله سبحانه و لم‌يكلنا الله الي عقولنا و لم‌يفوض الينا امر دينه و ملكه فلا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 197 *»

تكليف لنا في شئ لم‌يبين الله لنا فانه لم‌يكن عاجزا عن البيان و لا بممنوع عنه و لايسهو و لايلهو و لاينسي و حجته بالغة فلو كنا مكلفين باحد الامرين لاوضح لنا ببرهان واضح قطعي حتي يكون له الحجة علينا يوم القيمة و نحن نعلم انه لو خيرنا بين احكامه بعقولنا القاصرة المشيبة الكدرة لاحتج علينا يوم القيمة و قال ءالله اذن لكم ام علي الله تفترون و لانقدر ان نقول له انت اذنت لنا في العمل بعقولنا و الايجاب علي عبيدك و امائك ان يعملوا بعقولنا و اما اذا لم‌نعمل فلنا حجة ان نقول يا رب انا وقفنا لامرك و نهيك و بيانك و كنا نعلم انك غير مغلوب في حكمك و لا ساه و لا لاه و لا ناس و لم‌تبين لنا تكليفك و دينك في هذه المسئلة و علمنا انه عن عمد و حكم منك و علمنا انك اعدل من ان تحجب عنا علم شئ عن عمد منك ثم تعذبنا علي تركه فاما ما تمسكوا به من قوله و لاتقف ما ليس لك به علم فقد ورد في تفسيرها انها في اتباع امام دون الامام المنصوب من عند الله و في التهمة و علي فرض اطلاقها و عدم ما يحتاج فيه الي تفسير الائمة عليهم السلام فظاهرة في الالتزام بما لايعلم اذ الاقتفاء بمعني المتابعة و الاطاعة و ضده المخالفة و المعصية كما قال تعالي من اتبعني فانه مني و من عصاني فانك انت الغفور الرحيم و المراد بالعلم في هذه الآية و امثالها ما يرادف اليقين و ضده الشك و الظن و لا شك في حرمة اتباع الظن و الشك كما نزلت فيه آيات كثيرة و الشاهد علي ان المراد ما يرادف اليقين قوله تعالي قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ان‌تتبعون الا الظن و ان انتم الا تخرصون فيجب متابعة المعلوم و يحرم اتباع المظنون و المشكوك كما قال الصادق عليه السلام من شك و ظن فاقام علي احدهما احبط الله عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة ه‍ ، فلايجوز الاقامة علي الشك و الظن و التزامهما و اقتفائهما و اما الاخذ بالسعة فيما لم‌يرد فيه بيان من الله سبحانه ليس التزام مشكوك و مظنون و لا اتخاذ احد الشقين متعينا دينا يدان الله به و انما هو سعة فيما ابهمه الله بحكم من الله و رسوله كما تلونا عليك من الاخبار و الذكر الحكيم و هو اقتفاء للعلم الخارج عن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 198 *»

اهل البيت عليهم السلام و اتباع لآثارهم و عمل بحكمهم و امتثال بحكم الآية و بالجملة ظاهر الآية كساير الآيات المانعة من العمل بالظن و الشك و ليس من محل الكلام في شئ و هي مطابقة مع قوله تعالي لايكلف الله نفسا الا ما آتيها فان الظن و الشك غير مكلف به فمن اتخذهما دينا يدين به فقد اقتفي ما لم‌يكلفه الله به و ابدع و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار فيحرم اقتفاء المظنون و المشكوك و اتخاذهما دينا اذ لايكلف الله نفسا الا ما آتاها فلا اختلاف في الآيتين و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و اما الاخبار الواردة في التوقف فانها وردت في الفتوي كما هو ظاهر منها و قد اقر العاملون بها بانها في الفتوي و جعلوا مدار العمل علي الاحتياط و نحن ايضا نقول انها في الفتوي و ورد في شرحها ايضا اخبار كما روي عن الصادق عليه السلام اذا سمعت من اصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتي تري القائم فترده اليه و كرواية سماعة في الحديثين المختلفين قال يرجئه حتي يلقي من يخبره فهو في سعة حتي يلقاه و قول ابي‌جعفر عليه السلام لزرارة و قد سأله عن حجة الله علي العباد قال ان يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لايعلمون و روايته عن الصادق عليه السلام قال لو ان العباد اذا جهلوا وقفوا و لم‌يجحدوا لم‌يكفروا الي غير ذلك من الاخبار فيجب التوقف في تعيين حكم احد الخبرين المختلفين و الامرين المشتبهين و لكنه في العمل موسع عليه حتي يري من يخبره فلا اختلاف في الاخبار ايضا بحمد الله بل نقول هذه الاخبار ايضا في مقام النهي عن العمل بالظن و الشك فانهم عليهم السلام جعلوا الشبهة في مقابلة البين و نهوا عن اتباع الشبهة و اتخاذها دينا كالآية فالشبهة كل مظنون و مشكوك و يحرم اتباعهما و يجب الوقوف فيهما و ترك القول بالرأي فيهما كالعامة العمياء و اما العمل فانه موسع لقوله تعالي و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و معناها ان الله سبحانه لايضل قوما بعد اذ هديهم الي الايمان بعملهم بما لم‌يبين لهم لعدم قيام الحجة عليهم في المشتبه و المجهول و لذا قال و ماكنا معذبين حتي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 199 *»

نبعث رسولا اي ليبين لهم ما يتقون لانه فائدة ارسال الرسول و انزال الكتاب كما قال و انزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم و يدل عليه مفهوم قوله تعالي و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي فمن لم‌يتبين له الهدي ليس له هذا الجزاء و غير ذلك من الآيات ففي الحقيقة اذا فسرت الاخبار بغير هذا التفسير يخالف كتاب الله اذ يصير مفادها ان الله سبحانه في مقام لم‌يتبين الهدي مهلك مضل و الكتاب علي خلافه و ان قلت انه قد بين ان الحكم في المشتبه التوقف فمن لم‌يتوقف هلك و ضل بعد البيان قلنا انا ايضا نتوقف في الحكم البتة كما هو المجمع عليه بيننا و بينكم و انما موضع الخلاف العمل الذي لايمكن التوقف فيه و تفسيره بترك الفعل الوجودي تحكم و لم‌يصل عن الحجج عليهم السلام ففي العمل نحن موسع علينا لعدم قيام حجة علينا و قد تقدم شرح ذلك فيما تقدم مفصلا فراجع .
هذا بعض تلك القواعد التي قد تقدم تصنيفها منا في سالف الزمان و قد انتهي جمعها الي هنا مع بعض تصرفات و لما وصل الجمع الي هنا رأينا ان نقتصر عليها و نترك ما شذ منها لنزول ساير امور علينا هي اهم عندنا فما ترك فيها من القواعد و ندر عنها من المسائل بخصوصها فنحن معذورون انشاء الله فانا لم‌نقصد في جمع هذه القواعد استيفاء جميع المسائل و انما اردنا جمع قواعد كانت في دفاترنا متشتتة من غير ملاحظة ترتيب فلذلك اقتصرنا علي ما جمع و قد فرغنا من جمعها في عصر يوم الاربعاء من العشر الآخر من شهر رجب من شهور سنة اربع و ستين بعد المأتين و الالف حامدا مصليا مستغفرا ، تمت .