رسالة في جواب بعض الاخوان عن التوفيق بين آيتين
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 403 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و الهداة المهديين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم کريم بن ابرهيم انه قد سألني بعض الاخوان عن مسألة صعبة و ذکر انه قد ارسلها اليه بعض الاخوان ليسألني عنها و اکتب له جوابها فبادرت الي جوابه راجياً من الله الهام صوابه و هي ان الله سبحانه يقول في موضع من کتابه في يوم کان مقداره خمسين الف سنة و في موضع آخر يقول ثم يعرج اليه في يوم کان مقداره الف سنة مما تعدون ما التوفيق بين هاتين الآيتين.
اقول لايعرف معني هاتين الآيتين الا ان نحقق معني اليوم و مقاماته و مراتبه و لايمکن تحقيقه الا ان نبين لک مبدءه فان الشيء اذا عرف مبدأه عرف علي الحقيقة فان العارف حينئذ يستولي عليه من مبدئه و يحيط عليه من اعلاه فيعرفه بمبدئه و منتهاه و موصوله و مفصوله و سببه و مادته و صورته و علته و اذا نظر الي الشيء من حيث الاسفل لميعرف حقيقته لاختلاطه من هذه الجهة بالاعراض و الغرايب الحاجبة عن بروز حقيقة الشيء و يجيء منه الاختلاف و يخفي وجه الائتلاف و لذلک قال الله سبحانه في الناظر الي الاشياء من اعلاها ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر کرتين ينقلب اليک البصر خاسئا و هو حسير و قال و ما خلقکم و لا بعثکم الا کنفس واحدة و قال و لو کان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً کثيراً فاثبت ان الاختلاف الکثير من عند غيره و غيره الخلق فجميع الاختلافات من قبل الخلق و هم الجهال الذين کثروا نقطة العلم لانهم لميؤتوا من العلم الا قليلا فمن نظر الي الاشياء بالعين الخلقية رأي في الملک اختلافا کثيراً لايکاد يأتلف شيئان منه و من نظر اليها بالعين الالهية التي اعاره اياها رأي ايتلافاً و اتفاقاً في الخلق فلايري الا امراً واحداً کماقال
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 404 *»
الله سبحانه و ما امرنا الا واحدة و هذا سبيل معرفة کل شيء اذا رام طالبها درک حقيقتها علي الجعل الالهي و من الاشياء معرفة اليوم فلابد و ان نحقق معناه من مبدئه ثم ننزله في الخزاين العندية حتي نأتي به في عالم الشهادة عندک.
فاعلم ان الله سبحانه هو الاحد الذي لايثني و لايجزي فلايتناهي فلايخفي عن احد الا لشدة ظهوره و لايستتر الا من عظم نوره اذ ليس معه غيره ينتهي اليه او يحد به فتجاوز عن درک البصاير و عن فهم الاوهام و شعور المشاعر فتجلي برحمة واسعة و نعمة شاملة و عطاء جزيل و منح نبيل قد عم الظلمات و النور و الظل و الحرور و عليين و سجين و هذا الذي اشار اليه في کتابه فقال و رحمتي وسعت کل شيء فلميشذ عنها شاذ و لايوجد شيء الا بها ثم ثني هذه الرحمة فرقتين و قسمها بمقامين لسر حدوثها المستلزم للرتبتين الرتبة العليا و هي جهتها الي ربها و الرتبة السفلي و هي جهتها الي نفسها و ذلک الذي اشار اليه في کتابه و من کل شيء خلقنا زوجين لعلکم تذکرون فکانت لتلک الرحمة مقامان المقام الاعلي و هي ما رق منها و لطف و کان اشد بساطة و اشد حرارة و اکثر ذوباناً و انفذ سرياناً و اقوي مطاوعة و اکثر تلاشياً و اضمحلالاً و فناء و المقام الاسفل و هو ما غلظ منه و کثف و کان اشد ترکيباً و اشد برودة و اکثر جموداً و الزم لمکانه و اقوي امتناعاً و اوفر انية و تماسکاً و سر تثنيتها بعد توحدها عدم تناهي الفيض و انقطاع الکمال من الله المتعال و عدم تعطيل المقامات و العلامات في کل مکان و لايسأل عما يفعل و هم يسألون و لا کيف لفعله و لا علة کما لاکيف له و لا علة فما کان منها مما يلي الاعلي رق و لطف حتي ظهر في کل شيء و خفي عن کل شيء بظهوره لکل شيء و ما کان منها مما يلي الاسفل غلظ و کثف حتي يکاد ان يخفي عن نفسه فضلاً عن ساير الاشياء فصار الاعلي ظاهراً في نفسه مظهراً لغيره بفضل ظهوره الحاصل من غلبة لطيفته و اضمحلال انيته فکان نوراً و صار الاسفل خفياً عن کل شيء حتي کاد ان يخفي عن نفسه فکان ظلمة و ذلک قوله تعالي الحمدلله الذي خلق السموات و الارض و جعل الظلمات و النور فالحمد هو مقام
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 405 *»
تلک الرحمة الواسعة عمت السموات و الارض کماقال سبحانه فسبحان الله حين تمسون و حين تصبحون و له الحمد في السموات و الارض و عشيا و حين تظهرون فکما انه هو الذي في السماء اله و في الارض اله و يعلم سرکم و جهرکم کذلک له الحمد في السموات و الارض و اما السموات فهي الجهة العليا التي اشرنا اليها مبدء الانوار و مظهر الاسرار و معدن الاقدار و عليون الذي فيه کتاب الابرار و اما الارض فهي الجهة السفلي التي اشرنا اليها و هي منتهي الظلمات و غاية الانيات و مأوي السيئات و سجين الذي فيه کتاب النفوس الخاطئات و هذه الارض هي مقام قوله تمسون و قوله و عشياً و قوله سرکم في تلک الآيات و تلک السموات هي مقام قوله تصبحون و تظهرون و جهرکم في تلک البينات و هذان المقامان اصل جميع التثنيات و مبدء کل الازواج و سبب الازدواج و علة الامتزاج.
فذلک النور هو اليوم الاول الذي خلقه الله سبحانه عنده و تلک الظلمة هي الليل الاول الذي خلقه الله سبحانه و کان النهار قبل الليل في الخلقة لان ما من الله مقدم وجوداً في کل مقام و فيه جري قوله سبحانه و لا الليل سابق النهار فلما نزلوا الخلق الي غاية نزولهم و هبطوا الي منتهي هبوطهم في هذه الدار دار البلي و الاختبار و اخذوا في الصعود اذ دعاهم ربهم الودود بقوله اقبل صار الليل قبل النهار و تقدم دولة الفجار و تأخر عصر الابرار و ان في ذلک لعبرة لاولي الابصار و الي الصعود اشار الصادق عليه السلام لما سأله عمر بن يزيد قال له ان المغربية يزعمون ان هذا اليوم لليلة المستقبلة فقال کذبوا ان هذا اليوم لليلة الماضية و کان ذلک اليوم حين خلق وقت الظهر و کانت الشمس شمس الازلية الاولي في کبد السماء ظاهرة مشرقة علي الطتنجين ناظرة في المشرقين و المغربين فلمتکن شرقية و لا غربية في عالم العقول و اصل الاصول فلما دارت افلاکها درجة درجة نزلت درجة درجة بقوله تعالي ادبر الي ان دخل العشاء و امسي الخلق في عالم المثال في اعاليه ثم نزلوا الي ان غربت الشمس في عالم الاجسام و جن الليل و وقب فدارت حتي نزلت درجة درجة الي ان غسق
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 406 *»
الليل و تنصف في الارض فانطبق الليل علي النهار و خفي الانوار و تغيب الاسرار و غلب الفجار و ذلک قوله تعالي يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا فغشي الليل النهار اخيراً کما غشي النهار الليل اولاً فبهذين الغشيانين تم الوجود من مبدئه الي منتهاه.
فلما اخذ في الصعود صعد من غسق الليل و نصفه فمبدء الصعود من غسق الليل کما ان مبدء النزول کان من وسط النهار فسار الي ان طلع الفجر من افق العرش و بدا صباح المثال و سار صاعداً الي ان طلع شمس المادة و صعدت في النفوس ضاحية الي ان توسط کبد سماء الغيب في العقول فقامت القيمة و وقفت الشمس علي قمة رؤسهم متدلية متدانية لارتفاع الارض اليها و ذلک قوله تعالي مفصلاً لهذه المقامات فسبحان الله حين تمسون في عالم المثال نزولاً و حين تصبحون في عالم المثال صعوداً و له الحمد في السموات الغيبية و الارض الشهودية و عشياً في غسق ليل الاجسام و حين تظهرون في عالم العقول يخرج الحي الارواح الحية من الارض الميتة يوم القيمة و الغيب الحي بدعوة اقبل من الشهادة الميتة و يخرج الميت الشهادية من الحي الغيبي و الميت الجسماني من الحي الروحاني بدعوة ادبر و کذلک تخرجون يعني بهذا التفصيل الذي ذکرنا من صعودکم الي ارض الآخرة من مهوي الدنيا المنطبق علي نزولکم منها الي الدنيا فهذا اول الايام و اول الليالي فمهما عرجت من الارض ارض الشهادة الي سماء الغيب او خرجت من بطن ارض الشهادة التي دفنت فيها الي عرصة الغيب تخرج من الليل الي النهار و انت في النهار الي عالم العقل و طول هذا النهار الي الظهر خمسون الف سنة مما تعدون لان لهذا النصف من هذا اليوم خمسون مقاماً و طول کل مقام الف سنة و ذلک من حين يطلع الشمس في عالم المادة الي ان ينتصف النهار خمس مقامات المادة الهبائية و الطبيعة و النفس و الروح و العقل و لکل واحد ارض و تسعة افلاک فذلک خمسون مقاماً و يلبث الساير في کل مقام الف سنة مما تعدون علي ما روي ان تمام عمر الدنيا مائة الف سنة و تمام مائة الف سنة دهر و لماکان يوم القيمة نصف يوم صار خمسين الف سنة.
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 407 *»
و اما الدليل علي ان يوم القيمة نصف يوم انه خلق و الشمس في کبد السماء ثم دارت حتي غربت و جاء الليل و نزلوا الي ظلمات الارض فاذا صعدوا يصعدون الي ما منه نزلوا و قد قال الله سبحانه کما بدأکم تعودون فيعودون الي الظهر کما بدؤا ثم ليس لتلک الشمس غروب ابداً و تصديق ذلک ما روي عن العياشي من تفسيره باسناده عن الاشعث بن حاتم قال کنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه السلام و الفضل بن سهل و المأمون في الايوان الخبري بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا عليه السلام ان رجلاً من بنياسرائيل سألني بالمدينة فقال النهار خلق قبل ام الليل فما عندکم قال فاداروا الکلام فلميکن عندهم في ذلک شيء يغني فقال الفضل للرضا عليه السلام اخبرنا بها اصلحک الله تعالي قال نعم من القرآن ام من الحساب قال له الفضل من جهة الحساب قال قد علمت يا فضل ان طالع الدنيا السرطان و الکواکب في مواضع شرفها فزحل في ميزان و المشتري في السرطان و الشمس في الحمل و القمر في الثور فذلک يدل علي کينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط السماء فالنهار خلق قبل الليل و في قوله تعالي لا الشمس ينبغي لها ان تدرک القمر و لا الليل سابق النهار اي سبقه النهار انتهي و هذا الخبر من اخبارهم الصعبة التي لايفهمه الا الخصيصون فانک تعلم ان الارض کرية و السماء من حولها کرية و طالع ارض في ارض رابع او غارب او عاشر او غير ذلک من اوساطها و لذلک نهار ارض ليل لارض آخر و صبح قوم عشاء قوم آخرين و هکذا و الدنيا عالم الاجسام هذا فاين طالع الدنيا سرطان و اين يکون العاشر الحمل و اين يکون الشمس في وسط النهار.
و تحقيق ذلک علي سبيل الاشارة و التلويح ان ذلک في الدنيا الاصلية في الارض و السماء الاصليتين لا العرضيتين و هو في الاقليم الثامن و يسمي بهورقليا و ربما يسمي بالجزيرة الخضراء و طالع ذلک العالم من الفوق الي التحت و المراد مبدء ذلک العالم الذي منه مبدء البدع و طلوع شمس الارادة و تعلقها به فذلک الطالع محيط بذلک العالم احاطة العرش بهذا العالم ففي کل اجزاء ارضه الطالع
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 408 *»
السرطان و وجه کونه السرطان لانه برج مائي من الدورة الاولي من البروج و قد روي ان اول ما خلق الله الماء فالماء مطلع البدع و مبدء المکونات في کل عالم و الدورة الاولي عناصر جبروت کل مقام اي عرشه و الدورة الثانية عناصر ملکوت کل عالم اي افلاکه و الدورة الثالثة عناصر ملک کل عالم و سفلياته فطالع کل عالم جبروته و لماکان اول ما خلق الله منه الماء لانه مادة المواد و حقيقة الاستعداد قال عليه السلام ان طالع الدنيا السرطان فهو من کل جهة العالم لا اختصاص له بارض دون ارض و کون الکواکب في اشرافها لانها في ذلک العالم جارية علي حسب طبعها و کمال ما هي عليها فجميعها في اشرافها ولکن کل برج علي ما بينا علي نحو التدرج و النزول و کل کوکب بقوته محيطة بما دونه علي نحو احاطة السرطان فيکون في ذلک العالم الشمس التي هي المادة الثانية في نهاية قوته و کماله و نهاية قوته في برج الحمل الناري في الدرجة التاسعةعشر في عاشر الدنيا يعني في الدرجة العاشرة من الدنيا و کانت محيطة بها من جميع اطرافها ففي کل بقعة کانت علي قمة رؤسهم في اول الزوال فمبدء ذلک النهار الزوال ثم نزل الي الليل ثم يصعد ثانياً الي الزوال فيکون الليل بين نصفين من النهار علي ما عرفت فيوم القيمة نصف نهار و يوم الذر کان نصف نهار فذلک يوم تام و لذا روي عن الصادق عليه السلام انه لاينتصف ذلک اليوم حتي يقيل اهل الجنة في الجنة و اهل النار في النار.
فظهر ان يوم القيمة لما کان نصف دهر صار خمسين الف سنة و کذلک کان عالم الذر خمسين الف سنة اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و کما بدأکم تعودون فذلک مائة الف سنة تمام الدهر فافهم فلعلک عرفت ان خمسين الف سنة مدة يوم القيمة علي نحو الطول لا العرض مثل ما يقال ان من الارض الي سماء الدنيا خمسمأة عام و قطر سماء الدنيا خمسمأة عام فذلک الف عام و هکذا من کل سماء الي العليا الف عام و هکذا من کل سماء الي العليا الف عام فطول يوم القيمة من جهة صعود اهل المحشر في درجاتها اعتبر من لحن قوله تعالي من الله ذي المعارج تعرج الملائکة و الروح
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 409 *»
اليه في يوم کان مقداره خمسين الف سنة و عن النبي صلي الله عليه و آله تعرج الملائکة و الروح في صبح ليلة القدر اليه من عند النبي و الوصي انظر هل تصعد الملائکة الا من الارض الي السماء علي نهج الطول و عن علي عليه السلام في النبي صلي الله عليه و آله اسري به من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي مسيرة شهر و عرج به في ملکوت السموات مسيرة خمسين الف عام اقل من ثلث ليلة حتي انتهي الي ساق العرش تدبر في هذين الحديثين ان معني العروج الصعود من الارض الي السماء و ان من الارض الي السماء مسيرة خمسين الف عام فمن ارض المحشر الي اعلي درجاته مسيرة خمسين الف عام لان هذه الارض اذا صفيت و هذه السماء اذا صفيت تکونان بعينهما ارض المحشر و سماءه کماقال تعالي يوم تبدل الارض غير الارض و السموات و برزوا لله الواحد القهار و تبديلها تصفيتها فان المعاد جسماني و تلک الارض المصفاة و الارض المصفاة هي ارض اقليم الثامن و سمائه و هي عالم هورقليا بعينها و من ارض المحشر التي هي ادني مقاماته الي اعلي مقاماته خمسون الف سنة و کلها نصف يوم و الشمس تجيء علي قمة رؤسهم في آخر تلک المقامات و اما اطلاق اليوم علي نصفه شايع بحسب العرف ظاهراً و باطنه هو يوم الشأن علي ما نفسره لک فيما بعد انشاءالله فقوله تعالي تعرج الملائکة و الروح اليه ادل دليل علي ان تلک المقامات مترتبة بعضها علي بعض لاسيما بعد ورود الخبرين و ان المقدار طولي لا عرضي لاسيما بعد تأويل النبي صلي الله عليه الآية بعروجهم في صبح ليلةالقدر فذلک اليوم هو يوم القدر و هو خمسون الف سنة صعوداً الي ساق العرش و في هذا الخبر ايضاً اشارة الي ان الدنيا هي ليلة القدر لاجتماع جميع المراتب العالية نزولاً فيها و تضيقها بازدحامها و فيها نزل الکتاب التکويني اي جميع ما في المراتب و المقامات و يوم القيمة ايضاً يوم القدر و الضيق لاجتماع جميع اهل الغيب و الشهادة فيه حتي ان الناس يقومون فيه کقيام الاقداح في الکنانة ليس فيه موضع قدم الا و عليه واقف فهو يوم القدر کما ان ليلته ليلة القدر و تعرج الملائکة و الروح من عند النبي و
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 410 *»
الوصي اليه في صبح ليلة القدر اول مقامات المحشر في خمسين الف سنة الي آخر مقاماته و لذلک وصف نفسه بذيالمعارج يعني ذي المصاعد و المعرج ما يعرج عليه کالدرج کماقال رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره علي من يشاء من عباده و عروج الملائکة لاجل اصعاد الکلمات الطيبة و الاعمال الصالحة و اهل المحشر الي المعارج و في هذه الدنيا و يوم القدر المعروف يصعدون بعد هبوطهم الي الولي بانزال الاحکام الحتمية و الاقدار و الاقضية المحتومة من اول السنة الي آخرها فبعد ما ادوا ما استعبدهم الله به من النزول و الابلاغ يعرجون الي مراکزهم و مقاماتهم و طول مسافة صعودهم خمسون الف سنة و هي مسافة قطعها النبي في ليلة القدر کما عرفت و هي مسافة معارج القيمة و مدارجها و روي انه سئل ابوعبدالله عليه السلام عن اليوم الذي ذکره الله تعالي مقداره في القرآن في يوم کان مقداره خمسين الف سنة قال هي کرة رسول الله صلي الله عليه و آله فيکون ملکه في کرته خمسين الف سنة و يملک اميرالمؤمنين عليه السلام في کرته اربعاً و اربعين الف سنة انتهي و ذلک لان الرجعة هي القيمة الصغري و ينبغي ان يکون علي طبق الکبري و مدة ملک اميرالمؤمنين عليه السلام ايضاً مندرجة في الخمسين و اطلاق اليوم علي هذه المدة المديدة من باب يوم الشأن و سيأتي و تعرج الملائکة و الروح اليه في ذلک اليوم بالاعمال الحسنة من العباد و الکلمات الطيبة.
و اما قوله تعالي يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم کان مقداره الف سنة مما تعدون و مثله قوله تعالي و يستعجلونک بالعذاب و لنيخلف الله وعده و ان يوماً عند ربک کالف سنة مما تعدون فذلک يوم الشأن و المراد مقام من مقامات يوم القيمة لا جميعه و ذلک لان اليوم له ثلث اطلاقات اولها يوم الغشيان و هو ما اشار اليه سبحانه يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً و ثانيها يوم الايلاج و هو ما اشار اليه سبحانه يولج الليل في النهار و يولج النهار في الليل و ثالثها يوم الشأن و هو ما اشار اليه سبحانه کل يوم في هو شأن اما يوم الغشيان
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 411 *»
فهو الليل المنطبق علي النهار و النهار المنطبق علي الليل و هو يتحقق عند الزوال فان الشمس تتوسط السماء و يستر نورها الليل بکله و يکون النور في نهاية القوة و الظهور و الليل في نهاية الاضمحلال و الدثور و يکون النهار حاد الليل و الليل حاد النهار او يظهر سلطان الليل بکله و يخفي النور بکله فحين زوال الليل و زوال النهار هو حال الغشيان و عنده يکون الليل غاشياً و کذا النهار و اما يوم الايلاج فهو بين الطلوعين و الغروبين الذي يولج الليل في النهار و يختلط به و هو حالة متوسطة بين النور و الظلمة و اما يوم الشأن فهو کل لحظة و آن فان الله سبحانه في کل آن في شأن و ليس انه في کل يوم معروف في شأن واحد بل في کل لحظة و حين في شدن يحدث ما يشاء و يمحو ما يشاء و يثبت کما روي عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال قال الله تعالي کل يوم هو في شأن فان من شأنه ان يغفر ذنباً و يفرج کرباً و يرفع قوما و يضع آخرين انتهي و هو رد علي اليهود حيث قالوا يد الله مغلولة يعني قد فرع من الامر و لايحدث شيئاً بعد ذلک فقال الله سبحانه کل يوم هو في شأن فليس يختص شأنه بالنهار المعروف فيفعل في کل يوم عملاً واحداً و يشتغل بشأن واحد و انما هو في کل حين و آن.
فاذا عرفت ذلک فاعلم ان من يوم الغشيان دولة الباطل و اوقات غلبتهم علي الحق و ستر الحق و اخفائه بظلماته و منه زمان رجعة آلمحمد عليهم السلام و قتل الشيطان و جنوده حين تشرق الارض بنور ربها و خفي الباطل بکله و ظهر الحق بکله و من يوم الايلاج حين مضي رسول الله صلي الله عليه و آله و غصبت الخلافة قبل ان يخفي آثاره و ينطمس اعلامه و هي الي اوائل امر الحسن عليه السلام و منه ايضاً اوائل ظهور الامام عليه السلام و اختلاط الحق بالباطل الي ان يقوي النور شيئاً فشيئاً و يضمحل الظلمة قليلاً قليلاً و من يوم الغشيان غاية النزول عالم التراب و انطماس الانوار و اختفاء الاسرار و غلبة الظلمات و منه عالم العقول مبدء الوجود و نهاية ظهور النور و کون شمس الامر في کبد السماء علي ما شرحنا و بينا و من يوم الايلاج عالم المثال البرزخي المختلط بالاجسام عالم الارتسام و اختلاط النور بالظلام و من يوم الغشيان الدنيا جملة حين غلبة ظلمة الانيات و ازدحام الکثرات
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 412 *»
و تراکم الماهيات و منه الآخرة جملة حين غلبة الانوار و ظهور الاسرار و وقوف الشمس علي قمة الرؤس هنالک الولاية لله الحق و من يوم الايلاج احوال الرجعة من حيث اختلاط ظلمات الکثرات و الانيات مع نور شمس العقول و جهة الرب و اشراق ارض القوابل بنور ربها و استغناء الناس عن سرج الشمس و القمر و النجوم فالرجعة من يوم الايلاج باعتبار الکون و من يوم الغشيان باعتبار الشرع کماذکرنا و من يوم الغشيان الماهية الصرفة من حيث نفسها الغاشية انوار الوجود الطامسة اعلامها و منه الوجود الصرف الغاشي ظلمات الانيات المظهر لانوار رب البريات و من يوم الايلاج اختلاطهما و ترکيبهما في الشيء و تکونه بهما و من يوم الغشيان الصيف المحض و الشتاء المحض و النار الخالصة و التراب الخالص و من يوم الايلاج الربيع و الخريف و الهواء و الماء و هکذا و قد مثلنا هذه الامثلة حتي تتقوي علي اسرائها في جميع الآفاق و الانفس و کلها يوم و ليلة فان اليوم هو ما الغالب عليه جهة الرب التي هي مبدء کل خير و نور و کمال و الليل هو ما الغالب عليه جهة النفس التي هي مبدؤ کل شر و ظلمة و نقص و من هذا الباب ما روي في معني لاتعادوا الايام فتعاديکم انها الائمة عليهم السلام فالسبت هو رسول الله صلي الله عليه و آله و الاحد هو اميرالمؤمنين عليه السلام و الاثنين الحسن و الحسين عليهما السلام و الثلثا علي و محمد و جعفر عليهم السلام و الاربعاء موسي و علي و محمد و علي عليهم السلام و الخميس العسکري عليه السلام صاحب العسکر المخمس ذي المقدمة و المؤخرة و الجناحين و القلب و الجمعة الحجة عليه السلام و ربما يقسم من جهة السعادة و النحوسة فالايام السعدة الائمة عليهم السلام و النحسة اعدائهم بالجملة اليوم يطلق علي ما الغالب عليه النور او النار و الليل يطلق علي ما الغالب عليه الظلمة او البرد کتسمية فاطمة عليها السلام بليلة القدر و اما يوم الشأن فيطلق علي جميع ذلک و علي کل واحد واحد من اجزائها و آناتها في کل بحسبه کما اشرنا اليه فافهم.
فقوله تعالي في يوم کان مقداره الف سنة فهو ليس تمام يوم القيمة و انما المراد مقام من مقامات القيمة و معرج من معارجها فقد روي عن ابيعبدالله عليه
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 413 *»
السلام في حديث حاسبوا انفسکم قبل ان تحاسبوا عليها فان للقيمة خمسين موقفاً کل موقف مقداره الف سنة ثم تلا في يوم کان مقداره خمسين الف سنة فاطلاق اليوم علي موقف من تلک المواقف من باب يوم الشأن و عن القمي في قوله تعالي يدبر الامر الآية يعني الامور التي يدبرها و الامر و النهي الذي امر به و اعمال العباد کل هذا يظهر يوم القيمة فيکون مقدار ذلک اليوم الف سنة من سني الدنيا انتهي هذا ظاهره ما سمعت.
و باطنه ان يوم القيمة دهري يظهر فيه جميع الازمان و الامکنة و الاجسام و اعراضها و اعمال الناس و صفاتهم و الدهر کل يوم منه اي کل آن منه کالف سنة من سني الدنيا و هو تحديد الطول بالعرض و تحديد الدهر بالزمان و لايمسح الدهر بممساح الزمان و لايقدر بمقاديره لان کل آن من الدهر حقيقة يحيط بجميع الزمان و جميع الزمان آن واحد دهري فذلک حقيقة لبيان طول تلک المدة و عدم انصرامها بانصرام الزمان و سر خصوص التعبير بالف سنة لان کل واحد من المقامات الخمسين التي اشرنا اليها مقامات عشرة بحسبها فجسم و مثال و مادة و طبع و نفس و روح و عقل و فؤاد و اسم و مسمي و في کل واحد من المقامات العشرة عشرة مقامات ذکراً و آية و جمادية و نباتية و حيوانية و ملکية و جنية و انسية و نبوية و محمدية و امرية و عنوانية و اذا نسبت کل واحد من هذه العشرة الي کل واحد و رأيتها في تلک العشرة رأيت الف مقام ظاهراً بينا عبر عن کل مقام من هذه المقامات بسنة لان لکل مقام مبدء اجمال و غاية تفصيل و برزخ بينهما و کل واحد من هذه الثلثة مرکب من اربع طبايع فذلک اثناعشر برجاً و کل برج منها ادير في ثلثين دورة حتي کمل و تمّ فيما هو عليه و تلک الدورات صارت ثلثين لان لکل برج ثلث مقامات جهة الي ربه و جهة الي نفسه و جهة الي غيره و کل جهة تتألف من عشر اجزاء تسعة من مجذر الظهور و الظاهر و المظهر الذي هو الفعل و واحد هو المظهر بالفتح فصار دورات کل برج ثلثين درجة و تسير شمس الامر في جميع تلک الدرجات في ثلث مأة و ستين يوماً فلذلک عبر عن کل مقام من تلک المقامات بسنة و عن کل موقف بالف سنة و عن القيمة بخمسين موقفاً
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 414 *»
و روي عن ابيعبدالله عليه السلام لو ولي الحساب غير الله لمکثوا فيه خمسين الف سنة من قبل ان يفرغوا و الله سبحانه يفرغ من ذلک في ساعة و معني ذلک لو ولي الحساب غير الله لمکثوا فيه خمسين الف سنة من سني الآخرة و الله سبحانه يفرغ من ذلک في ساعة من ساعات الآخرة ولکن تلک الساعة تساوي خمسين الف سنة يعني نصف الدهر يعني نصف الزمان فان عمر الدنيا مائة الف سنة او هي ساعة بالنسبة الي الله سبحانه و انما هذا الطول يمر علي الناس في مرورهم في مواقفهم و اعمالهم و عقائدهم اذ لو ولي الحساب غير الله لمکثوا هذه المدة و الخلق غير الله و هم في مرورهم يمتد عليهم هذه المدة و اما بالنسبة الي الله کل هذه المدة ساعة واحدة کماقال و ما امرنا الا واحدة کلمح بالبصر و عن تفسير الامام لانه لايشغله شأن عن شأن و لا محاسبة عن محاسبة فاذا حاسب واحداً فهو في تلک الحال محاسب للکل يتم حساب الکل بتم حساب الواحد و هو کقوله ما خلقکم و لا بعثکم الا کنفس واحدة و قال اميرالمؤمنين عليه السلام انه يحاسب الخلايق دفعة کما يرزقهم دفعة فلايمر علي الله شيء من الزمان و الدهر في حسابهم و انما هو منه کلمح بالبصر و انما يطول المدة علي الناس فلا اختلاف و مثال ذلک في التقريب ان نور الشمس يشرق من الفلک الرابع و منه الي الارض اربعة آلاف عام فهو يشرق في طرفة عين و لو اراد امرء ان يرتقي اليه مثلاً يصل اليه في اربعة آلاف عام و روي انه قيل لرسول الله صلي الله عليه و آله ما اطول هذا اليوم فقال و الذي نفس محمد بيده انه ليخف علي المؤمن حتي يکون اخف عليه من صلوة مکتوبة انتهي و انما ذلک لان المؤمن الممتحن لشدة نورانيته و صفاء طينته يکون سيره کالبرق الخاطف او کالنجم الثاقب للافلاک و الفضاء في اسرع من طرفة عين و الذي هو دونه يکون ابطأ سيراً منه فهو يسير مثلاً کالکواکب في مداراتها و الذي هو دونه يکون ابطأ منه فيسير کالسحاب و هکذا کل بحسب رتبته و مقامه و شدة نورانيته و ترکه الاوزار و الاثقال و تلطفه فلکل منهم مقام معلوم و انما يمر هذه المدة علي ادني المؤمنين و الا فمن فوقه يختلف بحسب
«* مکارم الابرار عربي جلد 14 صفحه 415 *»
اختلاف مقامه و کل واحد منهم يمر علي الخمسين الف مقام الا ان السير و طول المدة يختلف بحسب اختلاف حرارتهم و سرعة انتقالهم کما مثلنا لک و روي في الآية الثانية التي اوردناها يستعجلونک بالعذاب الآية ان رسول الله صلي الله عليه و آله اخبرهم ان العذاب قد اتاهم فقالوا اين العذاب استعجلوه فقال الله و ان يوماً عند ربک کالف سنة مما تعدون و لاينافي ما ذکرنا لامکان ورودها في المحلين يعني بذلک ان يوماً من ايام ذلک الميعاد يوازي الف سنة فاني وعدتکم بلغة الله و ان يوماً عند ربي کالف سنة فيأتي ذلک العذاب بعد تلک المدة علي هذا الحساب.
و قد تم علي يد مؤلفه کريم بن ابرهيم في عصر يوم الاحد لثلثة مضت من الجمادي الثانية من شهور سنة الف و مأتين و واحد و ستين المنقضية من الهجرة النبوية علي مهاجرها آلاف التحية حامداً مصلياً مستغفراً مسلماً. تمت