07-01 مکارم الابرار المجلد السابع ـ الفطرة السلیمة المجلد الثانی – چاپ

 

الفطرة السليمة المجلد الثانی

 

من مصنفات

العالم الرباني و الحکيم الصمداني

مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني

اعلي‌الله مقامه

 

 

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 13 *»

 

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي سيدنا محمد و اله الطاهرين و رهطه المخلصين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.

و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذا هو المجلد الثاني من كتاب الفطرة السليمة في المعارف الدينية في النبوة ففيه باب اخر من اربعة ابواب الكتاب و خاتمة و ارجو الله سبحانه ان‏يوفقني لاتمام هذا المجلد ايضاً كما وفقني لاتمام مجلده الاول و ان‏يجعله خالصاً لوجهه الكريم انه رؤف رحيم و لاحول و لاقوة الا باللّه العلي العظيم و صلي اللّه علي محمد و اله الطاهرين و رهطه المخلصين.

الباب الثاني

في النبوة و في هذا الباب مقصدان

المقصد الاول

في اثبات مطلق النبوة و الحاجة الي نبي في كل زمان و معني النبي و الرسول و الفرق

بينهما و بيان صفات النبي التي يجب ان‏يكون عليها و ما يتبع ذلك من البيان

ففيـه ثلثـة مطالــب

المطلب الاول

في اثبات لزوم وجود نبي في كل عصر و عدم انتظام الخلق بدون وجوده و فيه فصول

فصـل: في الاستدلال بالحكم الظاهرة المنبئة عن الحكم الباطنة علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 14 *»

وجوب وجود نبي في كل زمان اعلم انك بعد ما تدبرت في هذا العالم رايته  علي اكمل وجوه الحكمة بحيث قد حارت الالباب من الحكماء في ادراك جميع وجوه حكمته و تاهت العقول من العلماء في فهم جميع منافع خلقته و لم‏يشك في ذلك جاهل فضلاً عن عاقل اللهم الا منكر معاند للحق و اهله فيناقش في حكمة بعض الاشياء و لاينبغي للعاقل ان‏يناقش في جزء من اجزاء صنعة حكيم و لمايعرف وجهه مع وضوح الحكمة و الصواب في الف الف من اجزائها فانه لايعرف جميع حكم صنعة حكيم احد الا ان‏يكون مساوياً لذلك الحكيم في حكمته و الا فكل من يقصر عنه يعمي عليه بعض وجوه حكمته لامحالة و ذلك بديهي فعدم عرفان بعض الجهلة حكمة بعض اجزاء العالم دليل جهلهم لا دليل كون العالم علي خلاف الحكمة و قدفصل الامام الصادق جعفر بن محمد7 بعض وجوه حكم العالم في حديث رواه مفضل بن عمر و فيه كفاية و بلاغ مع ان الكتاب و السنة مشحونان بحكم العالم و لا حاجة بنا الي الاستقصاء في ذلك.

فاذا كان خلقة العالم باجزائه علي نهج الحكمة و الصواب و قد عرفت فنقول ان من اجزاء العالم بني‌ادم و قد خلقوا مدني الطبع لايقدرون علي ان‏يعيشوا و يبلغوا اجلهم الاو ان‏يكونوا متمدنين في مدينة مجتمعين في قرية لان لهم حاجات عديدة لايمكن لواحد واحد منهم القيام بجميعها و في استعداداتهم قوي كمالات عديدة لاتستخرج الي الفعلية الا بالتمدن و الاجتماع و تربية بعضهم بعضاً و تكميل بعضهم بعضاً فلاجل ذلك و غيره خلقوا متمدنين لاينتظم امرهم الا بالتمدن و لما كانت الحاجات العديدة لاتتادي من اشخاص الا بمناسبة الطبايع للصنايع و لا كل نفس ياتي منه كل حاجة و يقدر علي كل صنعة البتة فوجب في الحكمة اختلاف الطبايع لاحداث الصنايع فهم مختلفون بعدد اختلاف صورهم كما هو بين فاذا اجتمع قوم مختلفوا الطبع في بلدة لابد و ان‏يقع فيهم التنازع و التشاجر لاختلاف الطبايع فكما انهم كانوا محتاجين الي من يقوم بساير حوايجهم يكونون حينئذ محتاجين الي من يقوم بجمعهم و يرفع التشاجر من بينهم البتة بل هذه الحاجة عمود خيمة تلك الحاجات لاتقوم الا بها و بصلاحها يصلح الكل و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 15 *»

بفسادها يفسد الكل و ذلك الذي يقوم به الاجتماع يجب ان‏يكون عالماً ماهراً بهذه الصنعة اي صنعة الجمع و حفظ المدينة و اقامة كل احد موضعه و حفظ الثغور و دفع الاعادي و الحكم بين العباد و العلم بالقضايا و صفة العدل و غير ذلك مما ياتي و يكون مصلحاً للمدينة لا مفسداً كما انه يجب ان‏يكون النجار عالماً باحوال الاخشاب و النجارة و الاتها و ادواتها و هيئة الباب و السرير و الصندوق و غيرها و ما فيه صلاحها و قوامها و استحكامها و ما فيه فسادها فاذا كان عالماً بذلك ماهراً فيه يصلح بان‏يقوم بامر نجارة المدينة و كذلك الصايغ يجب ان‏يكون عالماً بالصياغة و متعلقاتها و الخياط عالماً بالخياطة و متعلقاتها فكذلك قيم المدينة و حافظها و اهلها يجب ان‏يكون عالماً بسياسة المدينة و اصلاحها و اصلاح اهلها البتة علي حذو ساير الصنايع حذو النعل بالنعل و كيف يجوز في الحكمة ان‏يكون الرقاع عالماً بالرقاعة ماهراً و قيم المدينة يكون جاهلاً بما يصلح البلد و ما يفسده نعوذبالله فوجب في الحكمة ان‏يكون في افراد بني‏ادم اناس طباعهم مناسب للقيمومة و هذه الصنعة فتكون سجيتهم سجية العلم و الحكم و العدل و الانصاف و العصمة كما يأتي ان شاءالله و يكونوا في كل عصر لان الحاجة الي وجوده ماسة في كل زمان و لايجوز الاخلال بالحكمة فماء الزمان السابق لايرفع عطش اهل الزمان اللاحق و بوجود قلب في زمان لاتقوم الاعضاء في زمان اخر و بوجود حاكم في زمان لايرتفع النزاع من بين اهل زمان اخر فوجب ان‏يكون نبي في كل عصر يقيم البلاد و العباد علي الاعتدال و النظم حتي يعيشوا الي ان‏يبلغ الكتاب اجله و يخرج الي الفعلية ما جعل في قوتهم من الكمالات و الترقيات التي ظهورها غاية الخلقة و علة الايجاد فتدبر في خلال هذه الحكمة تجد حكماً جمة تفتح عين كل ضرير و تهدي كل بصير و لاينبؤك مثل خبير.

فصـل: من الحكم الباطنة دلايل كثيرة تدل علي القطع و اليقين علي لزوم وجود نبي في كل حين لايمكننا احصاؤها في هذا الكتاب ولكن لابد و ان‏نذكر بعضها لان لكل كلمة مع صاحبها مقاماً و لكل درجة من درجات الحكمة اهل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 16 *»

فنقول علي سبيل الاجمال و الاختصار ان الحكيم خلق هذا الخلق لغاية و هي المعرفة و هي في قوتهم لا فعليتهم و لاتستخرج الا بكامل في المعرفة الكافية ذي‏فعلية فيها و تلك المعرفة لها اصل و فروع كلها من لوازم المعرفة و ذلك الكامل في المعرفة هو النبي و يجب ان‏يكون في كل عصر لان اهل كل عصر خلقوا لاجل ذلك و لايكفي الكامل السابق لعدم الاقتران و الرواة عنه ان كانوا كاملين فهم ابداله و ان كانوا ناقصين فيحرفون الكلم عن مواضعه من غير حافظ كامل لهم كما هو بين.

و وجه اخر ان جميع الخلق ليسوا في غاية القرب الي المبدء بالبداهة و فيهم البعيد و بينهما بون بلا شك و المبدأ جل‏شانه لايناسب احداً من الخلق و الخلق كلهم محتاجون الي المدد و ابي اللّه ان‏يجري الاشياء الا باسبابها لعدم تحمل الخلق غيره و عدم تمكن الاستدلال بغيره و عدم كون ظهور الاحد الا هكذا والخلق لعدم مناسبتهم لايمكنهم تلقي المدد من الله سبحانه مع حاجتهم الدائمة في بقائهم الي ذلك فجرت الحكمة بان‏يكون في كل عصر اناس مخصوصون و هم اشرف الخلق و الطفهم و اقربهم اليه سبحانه و اشبه بمشيته و انسب بارادته بل يكونوا صفاته و اسماءه و محبوبيه المتصفين بصفة محبته ياخذون عن الله سبحانه الامداد الكونية و الشرعية و يبلغون الي ساير الخلق و لولا ذلك لفنوا عن اخرهم في طرفة عين لعدم وصول المدد اليهم.

و وجه اخر ان الحكيم جل‏شانه خلق الخلق لغاية و الغاية لايجوز ان‏تصل الي الله سبحانه لغناه عن خلقه فيجب ان‏تصل اليهم فهي الجود و الكرم لانهم لم‏يكونوا يستحقونه منه قبل ان‏يكونوا و لايعقل في الحكمة ان‏يسوي الحكيم جميع خلقه الصالح و الطالح و العالم و الجاهل و المعتدل و المنحرف و غير ذلك في تلك الفايدة مع تفاوت قوابلهم و كذا لايجوز في الحكمة ان‏يوصل اليهم الفائدة علي التفاوت مع عدم مميز قاطع للحجة و علمه بذلك لايقطع الحجة فاحتاج في الحكمة الي مميز و ميزان يفرق بينهم ثم يوصل اليهم من تلك الفائدة علي حسب رجحانهم في الميزان القاطع لاعذارهم و هو الابتلاء و الاختبار بالامر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 17 *»

و النهي و المبلغ عن الله ذلك الامر و النهي هو الرسول الذي لولاه لم‏يستعد ساير الخلق لان‏يتلقوا من الله الامر و النهي لتفاوت قوابلهم فبهذا الوجه ايضاً يجب ان‏يكون في كل عصر نبي يؤدي عن الله سبحانه اوامره و نواهيه حتي يميز الله سبحانه بين الصالح و الطالح و يوصل الي كل مخلوق من تلك الفائدة بقدر استعداده و يقطع الحجج فافهم.

و وجه اخر ان الحكمة اقتضت ان‏ينشأ الخلق في هذه الدنيا من غاية البعد و هي الماء و التراب مع انه قد كمن فيه غاية القرب برب الارباب فكان يحتاج الانسان من اول نشوه الي بلوغ غايته الي اسباب لانه بنفسه لايكون سبب ترقية نفسه ضرورة ان الناقص فعله ايضاً ناقص و لايرقي الذات الفعل و الفعل الذي يرقي الذوات هو الفعل الذاتي بالحركة الي مبدئها اي توجهها الي مبدئها و سيرها اليه و هو الحركة الانفعالية و يحتاج الي فاعل خارج و ذلك ان الحركة الذاتية لايعقل ان‏تكون ايجادية و انما هي انوجادية و الانوجاد يحتاج الي موجد فلما انشأ الله الانسان من الماء و التراب كفله بطن الارض و رباه بايدي النجوم و الليل و النهار و توارد الحر و البرد حتي جعله نباتاً و تولد من بطن امه و خرج من الارض فرباه باسباب السموات و الارض حتي جعله غذاء للانسان فكفله بطن ابيه و امه و رباه باسباب السموات و الارض حتي جعله كيلوساً ثم كيموساً ثم دماً صافياً ثم منياً و قذف المائين في رحم الام و كفله اياه و رباه و انماه جماداً ثم نباتاً من نطفة و علقة و مضغة و عظام و اكساء لحم حتي اخرج من كمونه الخلق الاخر الذي هو الخلق الحيواني و لولا هذه الاسباب و التربية طوراً بعد طور بسبب بعد سبب لما بلغ هذا المبلغ ابداً و كيف يعقل ان‏يجعل المني نفسه حيوانا و يجعل هو لنفسه اعضاء و جوارح و الات و ادوات و ارواحاً و كل ما هو فاقده حاشا و كذلك في كل درجة لايقدر شي‏ء ان‏يجعل لنفسه ما ليس له ثم يربيه الله سبحانه الي ان‏يخرجه من بطن امه و يجعل فيه النفس الناطقة و هل‏يكون للحيوان ان‏يجعل لنفسه نفساً ناطقة و هو يفقدها و ادني منها بدرجات فاحدث الله سبحانه فيه النفس الناطقة بهذه الاسباب ثم كفله حضن امه فارضعته و غذته و ربته و كلاته و حفظته و راعته

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 18 *»

و علمته بالليل و النهار حتي جعله ناهضاً ناطقاً ماشياً بالاستقلال الي ان‏تكلم بكل شي‏ء و ميز فرباه ابوه حتي ادبه و مرّنه بالعقل الي ان بلغ فصار مدبراً في امره حازماً حاذراً مخترعاً صانعاً و لولا شي‏ء من هذه الاسباب لم‏يخرج من قوته شي‏ء من ذلك ابداً ابداً و هو حين كونه فاقداً ما كان يمكنه ان‏يحدث لنفسه في نفسه ما ليس له و ان كان يمكن له ان‏يحدث افعالا دونه لم‏تكن ظاهرة عليه و لايحدث بتلك الافعال في نفسه ما ليس له و ما يري من ترقي الشي‏ء بعد صدور الافعال و يزعم منه انه من الافعال فذلك خطاء محض و انما هو باسباب يعدها المسبب و يحركها الي حيث يشاء فيتحرك الي حيث يريد و ليس يرقي الاثر الذي هو الفعل الي الموثر الذي هو الذات ابداً فلا نجاة لاحد الا بفضل الله سبحانه فلايتكلن عامل علي عمله بل هذه الاعمال تصدر بعد تحرك الذوات صعوداً بامداد الله سبحانه الي حيث يريد فكلما يصعد درجة يصدر منه فعل من تلك الحالة الحادثة و ذلك الفعل ظله و نوره او نزولاً بخذلان الله سبحانه الي حيث يريد فكلما يتغير الذات يتغير الافعال كما ان السراج نوره الاول من كينونة الشعلة الاولي و كلما يمد مدداً من الدهن يحدث شعلة اخري و لها نور اخر فلما حمرت بالتدبير في الان الثاني احدثت نوراً احمر و لو خضرت احدثت نوراً اخضر و هكذا فكل فعل لحالة للذات صاعدة او هابطة و حالات الذات انفعاليات و تحتاج الي تدبير مدبر خارجي فاني للشي‏ء ان‏يغير نفسه من حال الي حال و لايغير الشي‏ء من جوهريته الي جوهر اخر الا موثره الذي انشأه بما شاء كيف شاء.

فلما بلغ مبلغ الرجال و استعد للتعديل و التكون بالانسانية و الحكمة و النزاهة و العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة احتاج الي ان‏يكفل غير والديه حكيماً منزهاً عالماً حليماً ذكوراً فكوراً نبيهاً و ينبغي ان‏يكون هذا السبب ايضاً مثل ساير الاسباب كاملاً فيما جعل له كما ان النار كاملة في التسخين و الماء كامل في التبريد و الشمس كاملة في الاضاءة و هكذا كل شي‏ء من الاسباب يكون علي نهج الحكمة و الصواب و الكمال فوجب ان‏يكون هذا السبب ايضاً كاملاً فيما جعل لاجله و هذا السبب هو ابوا الانسانية و هما النبي و الولي كائنين من كانا فالحكيم و المتنزه و العليم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 19 *»

الحليم الذكور الفكور النبيه بالحق علي حسب الواقع غيرالمخطئ هو النبي فانظر لنفسك هل‏يحتاج الناس الي من يكون سبباً لاخراج هذه الامور منهم ام لا فان خطر ببالك لا فادفعه بان هذه الخصال قد جعلت في قوة الانسان و لم‏تجعل لغواً و لابد من خروجها من القوة الي الفعلية و هو بنفسه لايقدر علي اخراجها و كذا من هو مثله فلابد و ان‏يكون سبب لاخراج هذه القوي الي الفعلية و هو النبي لا غير.

و ان قلت هلايكفي في ذلك الاسباب السماوية الكونية قلت ان الاسباب السماوية لاترتبط بما لايناسبها من السفليات بل بما يناسبها و يطاوع فعلها كماتري ان شعاع الكواكب يحرك الرياح و لايحرك الصخور و ظهور الاثر موقوف بصلوح الفاعل و القابل و لايتاثر من فعل الفاعل اللطيف الا القابل اللطيف و القوابل السفلية مختلفة فالفاعل اذا اراد اعلام كثيف بامره يعلم اللطيف بامره اول ثم يعلم به من هو ادون منه بدرجة ثم بذلك الادون من هو ادون منه و هكذا كما انه اذا اراد تحريك صخر يحرك روحك اول ثم بروحك بدنك ثم ببدنك ذلك الصخر فالافعال النفسانية الصادرة عن الافلاك لاتتعلق اول الا بنفس كاملة ثم بها تتعلق بساير الانفس التي دونها و النفس الكاملة التي تتربي بالافلاك في جميع جهات العلوم المتعلقة باصلاح الخلق هي نفس النبي و بها تربي ساير النفوس فثبت لزوم وجوده كساير الاسباب فكما ان الافلاك ترضع الصبي بامه كذلك تربيه بالنشو و النما بوالديه و من يربيه و تعلمه بالنبي و لاتتعلم كل نفس من النفوس بالافلاك بلا سبب و كذلك تقدير العزيز العليم و ابي الله ان‏يجري الاشياء الا باسبابها.

و ان قلت الايكفي في ذلك وجود ساير العلماء و الحكماء قلت فاولاً من يخرج العلم و الحكمة من العلماء و الحكماء الا الانبياء و ثانياً فان العلماء و الحكماء ان قالوا حقاً فقد رووا عن الانبياء و ان قالوا باطلاً فلايكون سبب اخراج الحق من قوة الناس الي الفعلية هذا و النبي ان كان سابقاً فعلمه علي نهج التعليم المناسب لاهل زمانه و الذي اخذ منه اخذ ذلك النهج و لا علم له بنهج التعليم المناسب للزمان اللاحق فلابد و ان‏يكون في كل عصر نبي ناطق بالحق او حجة معصوم اخر مثله.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 20 *»

و ان قلت ان العلماء الاخذين عن الانبياء السابقين يترقون شيئا بعد شي‏ء و يزدادون العلم و يكفون اهل زمانهم قلت ان العالم اذا بلغ مبلغ مشاهدة جميع حقايق عصره و علم جميع ما لها و بها و فيها علم مشاهدة لا خطاء فيه فهو البالغ مبلغ النبوة و ان كان جاهلاً بكثير منها غيرمشاهد لها خاطئ في كثير منها فلايكفي وجوده لان السبب من الله يجب ان‏يكون كاملاً و يبقي قوي كثيرة في الناس قد جعلت للخروج و لاتخرج لنقص السبب و الحكمة و القدرة و الاحدية تقتضي ان لايكون نقص في الاسباب من الله سبحانه بل يجب ان‏تكون الاسباب من الله كاملة ثم من شاء ٰامن و جوزي خيراً بايمانه و بخروج قوته الي فعليته و صار موجوداً بما هو انسان و من شاء كفر و جوزي شراً بكفره و بعدم خروج ما في قوته و عدم صيرورته انسانا و بقائه مع الحيوانات بالجملة كما احتاجت كل قوة الي مرجح يخرجها الي الفعلية كذلك القوة الانسانية القدسية ايضاً تحتاج الي سبب و عدم خلقته يوجب اللغو في جعلها و ذلك السبب هو النبي من الله سبحانه او من يقوم مقامه مثله فافهم راشداً موفقاً فانه دليل حكيم.

و وجه اخر ان الله سبحانه خلق الخلق لغاية و ظهور فائدة و لا شك ان بعض الخصال و الاعمال يمنع من ظهور تلك الغاية و بعضها يعين و الخلق مع انهم خلقوا لتلك الغاية جاهلون بما يمنع ظهورها و يعين فوجب في الحكمة تعليمهم تلك الخصال و الاعمال التي تعين علي ظهور تلك الغاية و التي تمنع عنه و الحامل لذلك العلم و التعليم اليهم هو النبي في كل عصر ضرورة ان الكل لايقدرون علي التلقي من الله سبحانه بلا واسطة بالجملة بامثال هذه الاستدلالات يستدل علي وجوب وجود نبي في كل عصر و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.

فصـل: ان بعض فرق الموحدين قد القوا شبهة علي الجهلة فزلزلوهم علي الصراط المستقيم و ازلوهم عن الطريق القويم فقالوا انا نقر بان لنا رباً واحداً حكيماً عليماً قديراً لا شك فيه و لا ريب يعتريه ولكن نعلم قطعاً انه غني عما سواه فلا حاجة له الي ان‏يعذب او يرحم او يامر او ينهي او يدعو او يحذر او يعد او

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 21 *»

يوعد فلايحتاج الي ارسال الرسل و انزال الكتب و انما خلق الخلق جوداً و كرماً و خولهم هذه الدار و مكنهم من انحاء التصرف فيها و الانتفاع منها فيعيشون فيها و ياكلون و يشربون حتي يبلغ الكتاب اجله فيموت الانسان او يقتل ثم لا برزخ و لا حشر و لا جنة و لا نار و لقد صعب علي الجهلة ردها و تزلزلوا فيها هذا و ان كان قد تبين مما مر الجواب عن ذلك و من عرفه لايخفي عليه الجواب عن هذه الشبهات الا اني احببت ان‏اذكر جوابها بخصوصها.

فنقول لهم لا شك و لا ريب ان الله سبحانه غني و غناه لايقتضي ان‏يهمل الخلق بل يقتضي ان لايخلق الخلق الا لاجل فائدة تصل اليه و ان لايتصرف في خلقه تصرفا لاجل فائدة نفسه و اما ان‏يسأله خلقه جبر كسره فيجبر كسره او يرفع حاجته او يكسي عورته او يطعم جوعته اذا سأله فلاينافي ذلك الغني بل يكون مناسباً للكرم و الجود و هو كريم جواد قد خلق الخلق بجوده و كرمه فاذا كان العطاء بمقتضي سؤال السائلين لاينافي الغناء بل يكون من الجود فلا باس بالعطاء اذا سئل كما يقرون بانه يخلق و يرزق و يحيي و يميت و يرفع و يضع و يصح و يمرض و هكذا ساير التصرفات الكونية و ان كانوا ينكرون ذلك اجمع و يقولون انه خلق ثم رفع يده عنهم فلم‏يعرفوا معني الخلق فان الخلق اذا وجد بنظر الخالق يجب ان‏يفني اذا رفع نظره عنه و الله سبحانه خلق الخلق لا من مادة و المخلوق لا من مادة مخلوق بالذات و المخلوق بالذات لايعقل انقطاعه عن الخالق ابداً  لعدم امتداد و حالات في الذات و كونها ابداً في اول الصدور عن الخالق فاحفظه مقدمة و كذلك لاينافي الغناء المطلق اجراء الخلق علي نهج الحكمة و الصواب بل هو من مقتضيات الحكمة و قد اقررتم بحكمته و الا يلزمكم بالاقرار خلقه المتقن و امره المحكم.

فاذا كان اجراء الخلق علي نهج الحكمة لاينافي الغناء بل يجب ان‏يكون لمقتضي الحكمة نقول لهم وجود حاكم جامع للشتات قاض بالحق حامل كل احد علي حده و مقامه ممدن للمدن مجند للجنود حافظ للثغور مانع للطغاة واجب في الحكمة و بدونه يكون الخلق ناقصاً ام لا فان قلت لا فلا كلام مع جاهل مثلك فانك تعيش بفضل نظم الحكام و تزعم انه يمكن العيش بدونهم و من علم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 22 *»

علم سياسة المدن علم ان الدنيا لاتقوم يوماً واحداً بلا حاكم او كبير ابداً ابداً و من ذلك احتجتم بعد انكار الانبياء الي الحكام الجهلة فنصبتموهم و اطعتموهم و سكنتم في ظلهم و ذلك غير خفي لاهل الحل و العقد و ان قلت نعم يجب في الحكمة فاقول كيف يخل الله سبحانه بالحكمة و كل حكيم حكمته ماخوذة من بعض وجوه حكمته فلابد و ان‏يجعل من حكمته في البلاد حاكماً.

و ان قلت نعم يجب في الحكمة ولكن علم انا بانفسنا ننصب علي انفسنا حاكماً و نستغني به عن نصب الله قلت انكم لو تدبرتم عرفتم ان الحاكم من يقطع اللص لا من يقطع الطريق و الحاكم هو الجامع لا المفرق و المصلح لا المفسد و العالم بالسياسة لا الجاهل و هكذا و هل انكم اذا تدبرتم او اجتمعتم و تراءيتم عرفتم من كان هكذا علي الحقيقة ام لا فان قلت نعم فقد ادعيت علم الغيب و هو ليس فيك و ان قلت لا فكيف يكتفي في حكمته ان‏يفوض اعظم امور الحكمة الذي يدور عليه الكل الي جهلة خلقه لينصبوا لانفسهم حاكماً و الانفس تختلف حالاتها فاللصوص ينصبون علي انفسهم لصاً كبيراً و الفسقة فاسقاً كبيراً و الجهلة جاهلاً كبيراً و هكذا فكل قوم ينصبون  عليهم كبيراً مشاكلاً لهواهم فيقع بين الاقوام بذلك التعادي و التقاتل و التعاند و جميع فساد العالم من جهة ان القوم عدلوا عمن نصبه الله الي من نصبوه فوقع ما وقع و لما علم الله ان خلقه علي صنوف شتي و لهم اراء شتي و اختيارات متفاوتة وجب في حكمته ان‏ينصب هو بنفسه حاكماً عدلاً يجبر كسر المدن و التمدن و يقيم الخلق علي الصلاح و الصواب و هذا الحاكم هو النبي لا غير و سيأتي من صفاته مايعرفكم ان الحاكم من لايحتاج الي ان‏يحكم عليه احد و كذلك نجيب اذا لبسوا علي الناس بالشوري بان شوري كل قوم علي حسب هواهم و ان كانوا يختارون قوماً يقضون بالحق و به يعدلون ففروا عن الاقرار بنبي واحد و ادعوا وجوب انبياء عديدة لشوريهم هذا وطباع هذا الخلق المنكوس غير منكور و لايشتبه حالهم و ليس ملكهم الا علي التغلب علي حطام الدنيا و الظلم و الغشم و ان دبروا يوماً تدبيراً فانما يدبرون لبقاء سلطانهم لا لحفظ الرعية و ان اصلحوا امر الرعية فرضاً يوماً فانما يصلحونه لئلايلحق الي انفسهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 23 *»

الفساد نعوذبالله من شرور انفسنا.

بالجملة عدم الحاجة الي حاكم قول احمق لايعبؤ بقوله و مع وجوب وجوده لايجوز ان‏يكل الله امر نصبه الي الجهلة فيتخذ كل قوم حاكماً و يتشاوروا علي التعادي و التنازع و الاستقلال بالملك و التفرد و يكون ذلك كراً علي ما فر فالواجب في الحكمة ان‏ينصب بنفسه حاكماً عدلاً حكيماً سايساً ناظماً مجاهداً علي ماياتي و خلقه محتاجون سائلون مثل ذلك بالسنة قوابلهم منه و هو الجواد الكريم و يتوقف انتظام الملك الي غاية اجله في كل حين بذلك فيجب في الحكمة ايجاد حاكم كذا و عدم تخلية الملك منه و ليس من الغني احداث ملك ناقص فانه دليل نقصان حكمة الحكيم و نقصان الحكمة دليل فقره الي ما ليس له فعدم خلقة الانبياء في الاعصار دليل فقر الحكيم لا غناه اذا عرفت فمقتضي الغني احداث ملك كامل البتة و من الغني ان‏يكون اثره غير متوقف الي استكمال من غيره فالغني لغناه خلق عالماً كاملاً و خولكموه لينظر كيف تعملون و امركم بما فيه صلاحكم و نجاتكم عما مقتضاه فسادكم و نهاكم عما فيه فسادكم و وقوعكم فيما مقتضاه هلاككم و ذلك كله من غناه المطلق فان نجوتم او هلكتم فلم‏ينتفع هو به و لم‏يتضرر و انما وصل النفع و الضر اليكم لما الزم المقتضيات مقتضياتها و ليس له رضاء و لا سخط الا هذا الالزام و هذا الالزام جود منه و كرم و استجابة لدعوة القوابل و انما هم ايضاً عباد امثالكم فتدبر فيما ذكرت فان فيه جواب كل شي‏ء تريد في ردهم و علي اهل الفهم السلام.

فصـل: ان قال قائل ان كان الغرض من الخلق غاية و تلك الغاية لاتظهر من الكمون الي العيان الا بوجود نبي كما قلت سابقاً و لاجل ذلك وجب ايجاد الانبياء و نحن نري عياناً ان الانبياء لم‏يمكنوا من التصرف علي ما شاءوا و ارادوا و لم‏يظهروا الغاية و الخلق باق علي ما كان فدليلكم منقوض ببقاء الخلق و عدم اصغائهم الي الانبياء قلنا له ان الغرض قد تحقق و انتم راقدون في مراقد الغفلة و الانبياء بلغوا ماامروا بتبليغه و ذهبوا بمن ارادوا الذهاب به و اهلكوا من ارادوا اهلاكه و انتم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 24 *»

في غفلة لاهون ساهون لاتزعمون فوق تدبيراتكم الملكية علي زعمكم تدبيراً و ذلك ان صوافي كل كثير اقل اجزائه و الباقي نخالة و حثالة لا حاجة اليها الا لتتميم بعض الامور و الانبياء حين جاءوا خلصوا اولئك الصوافي و نبهوهم و اوصلوهم الي الغاية و لماتتنبهوا و اهلكوا من ارادوا اهلاكه في الدنيا و الاخرة فاقول لكم:

ظفر الطالبون و اتصل الوصل و فاز الاحباب بالاحباب
و بقيتم مذبذبين حياري بين حد الوصال و الاجتناب

و الغرض من الخلق وصول الصوافي الي غاية الخلق و اما البواقي فهم متممات امورهم و نواظم حوائجهم في معاشهم علي مثال البدن حيث يكون الغرض من البدن تعلق الروح بالقلب الذي هو صافي البدن و اما الصدر فهو لحفظه و الارجل لنقله و الايدي لخدمته و الحواس لايصال الاخبار اليه و هكذا فالاعضاء و ان لم‏تصر قلباً و لم‏يظهر منها الغاية لكنها بقت لانه ظهر من بينها الغاية و بقت لحفظ الغاية فبقاء هذا الخلق المنكوس لعيش الصفوة الذين لهم قامت السموات و الارض و لهم خلق الخلق و الانبياء جاءوا و صفوهم عن الاكدار و جعلوهم بلا غبار فان يكفر بها هولاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين فاولئك الصفوة يعملون بمقتضي اوامرهم و نواهيهم و يستمعون اليهم و يحبونهم و يطيعونهم و يؤمنون بهم و لاجلهم جاءوا و لاجلهم تحملوا هذه الاذيات صلوات الله عليهم و جزاهم الله عنا خير الجزاء و لاجلهم عاشت البواقي كما تري و انما هذا القول ينقض علينا قولنا لو بقي الدنيا و ليس فيها مؤمن و لو ساعة و لم‏تكن كذلك ابداً هذا و هذا الخلق ايضاً عاشوا بفضل تادبهم باداب الانبياء غاية الامر انهم كفروا بنبي و امنوا بنبي و ان كفروا لفظاً بالكل فقد بقي فيهم سنة سوالفهم الاخذين بقول الانبياء و هولاء يطيعونهم من حيث لايشعرون و بفضل طاعة الانبياء و وجود الصفوة عيشهم و بقاؤهم و هم يحسبون انهم لايحتاجون الي نبي هيهات هذا و وجود الانبياء ينفع الدنيا و تقوم به في الظاهر اطيعوا ام لم‏يطاعوا فان وجودهم في الدنيا يحتاج الي الليل و النهار و السماوات و الشمس و القمر و الارض و الماكل و المشارب و لاينتظم له ذلك الا ان‏يبقي الدنيا كما تري و قد شرحنا امثال ذلك مفصلاً في كتابنا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 25 *»

ارشادالعوام فمحض وجود النبي في الدنيا ايضاً سبب بقاء الدنيا في الظاهر فضلاً عن الباطن و هذا معني ما نزل في القران و ماكان الله ليعذبهم و انت فيهم و لو علم الناس سر الامر مافتروا عن الاتصال بالانبياء و الاولياء و الارتباط بهم و تحمل حاجة من حوائجهم فان لاجل بقاء وجودهم يحفظ الله كل من يرتبط بهم و يقترن كما انك باحترام قلب زيد تحترم جميع اعضائه و لاجل حفظه تحفظ جميع اعضائه و لاجل اكرامه تكرم جميع اعضائه فافهم راشداً موفقاً.

و كذلك يدفع بذلك شبهة الذين ينقضون بزعمهم دليلنا باهل الارض الجديدة و الجزاير التي في اوساط البحار فانهم بزعمهم لم‏يبعث اليهم نبي و بلادهم معمورة و خلقها باق و لا نبي لهم و نقول لهم ان الواجب علي الامم ان‏ياخذوا بسنة نبي بعث اليهم حتي يبلغهم نسخ ما بعث به و ان الامم التي زعمتم من ولد ادم و هو نبي و له شريعة و من ولد نوح او الثمانين الذين امنوا به و شرعهم شرع نوح فكيف لم‏يبعث اليهم نبي و تظاهرهم علي ترك سنة النبي غير مضر باصل الحكمة و ان الله سبحانه لم‏يخل بالحكمة و ان احداً منكم لم‏يحط بجميع اهل تلك البلاد فلعل فيهم اولياء لله سبحانه مومنين متشرعين بشرع نبي العصر او الانبياء السابقين كادم و نوح و قد اختفوا خوفاً من فراعنة بلادهم و لايسعكم ان‏تنكروا ذلك بتة فانكم في شك من ذلك و المشكوك لايصير سبب النقض فيما علم بالقطع و انا علمنا ان وجود الحاكم بالحق من الحكمة و لم‏يخل الحكيم بالحكمة و بقاء اهل تلك البلاد مع تظاهرهم علي زعمكم علي ترك سنن الانبياء كبقاء الفسقة ببقاء المومنين و كما ذكرنا سابقاً هذا و لايسع احداً منكم ان‏يقول ليس فيهم حجة و لو مختفياً فاذا دل الدليل علي لزوم وجود الحجة في كل عصر اما ظاهراً مشهوراً او خائفاً مغموراً و ببركات وجوده ظاهراً و باطناً تقوم الدنيا وجب اتباعه و المشكوكات لاتنقض عليه البتة.

و ان قلت و ما الحاجة الي وجود الحجة المخفي الذي لايتصرف و كيف ينتظم به امر العباد و البلاد و اذا جاز ان‏يكون خفياً و لايتصرف جاز ان لايكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 26 *»

قلت ان لوجود الحجة اثرين اثراً سياسياً في ظاهر الدنيا و اثراً كونياً فاذا اختفي لحكمة و لم‏يظهر منه السياسة لحكمة ليس انه لم‏يبق الي وجوده حاجة فانه في الاكوان كالقلب في الاعضاء و به حيوة الكل و حفظه و قوامه كما مر و ياتي ان شاءالله هذا و لما بلغ الكلام الي هيهنا احببنا ان‏نعنون فصلاً نذكر فيه شطراً من تصرف الحجة الغايب و لو علي سبيل الاشارة فان موضع تفصيله باب الامامة و سيأتي ان شاءالله.

فصل: اعلم اولاً انه ليس لاحد من الخلق ان‏يقول ان الحجة الغائب لايتصرف في العالم تصرف سياسة فانه ادعاء علم الغيب و مدعيه غير مصدق و ليس جميع انحاء التصرف هو ما يعرفون من انفسهم فان الملائكة و الجن و الشياطين يتصرفون في الدنيا تدبيراً سياسياً و ليس تصرفهم علي نحو تصرفنا في الظاهر و ليس من شرط هذا القسم من التصرف رؤية المتصرف‏فيه للمتصرف بل يكفي فيه رؤية المتصرف اياه و يقدر علي التصرف بالالهام و القذف و الصرف و الحجب و التزيين و التشويق و التقليل و التكثير و التخييل و امثال ذلك حتي يحصل مطلوبه من السياسة في الملك بواسطة او غير واسطة و من الذي يجسر او يقدر ان‏يقول انه لايصدر عنه مثل هذا التصرف ايضاً و هو لايعلم الغيب و لم‏ينزل به كتاب و لم‏يرد به سنة و لم‏يخبر به نفس الحجة فكل من يقول ذلك فانما يقوله من جهالة او سوء طوية يريد به اطفاء نور الحق و الا فالبت علي ذلك مما لايجوز للعاقل فاذ لم‏يقدر عاقل ان‏يبت علي ذلك فهو في شك منه و ليس لمن لايعلم حجة علي من يعلم و ليس الشك بناقض لليقين و نحن قد اثبتنا في رسالة منفردة تصرف الحجة في حال الغيبة بجميع الادلة العقلية و النقلية بما لاينكر و سنذكر ذلك ايضاً ان شاءالله بما يليق هذا الكتاب و اذ قد قام الدليل علي ان الدنيا لاتقوم الا بنبي متصرف بتصرفه يقوم الدنيا و من فيها و نري الدنيا قائمة عرفنا ان في الدنيا حجة متصرفاً و ان لم‏نشاهده كما نثبت كثيراً مما لم‏نشاهده فاذ تبين انه يمكن تصرف الحجة و قام الدليل علي وجوده عرفنا ان كلا الاثرين لوجود الحجة ثابتان و به يقوم الدنيا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 27 *»

و ما فيها و لا مانع من تصرفه الغيبي و لا دليل عليه فمن الذي يقدر ان‏يقول ليس في الارض الجديدة و لم‏يكن حجج ابداً فلعلهم كانوا مختفين فيها في تلك الايام التي انتم مطلعون عليها و مع خفائهم متصرفين في الملك و لهم عناية بمن امن بهم منهم و اختفوا من شدة التقية و تظاهر اهل الزمان علي الباطل و من الذي يقدر ان‏ينكر ما اقول علي الجزم و انا اقول علي الجزم انهم لم‏يخلو من حجة اما ظاهر مطاع او مختف للتقية عنهم متصرف فيهم من الغيب و بوجوده و تصرفه يعيشون حتي يبلغوا اجلهم و جزمي ذلك بما مر من الدليل علي لزوم وجود الحجة من الله سبحانه علي خلقه و لايكون الحكمة من الحكيم المطلق ناقصة و بما سيأتي ان شاءالله من الدليل في محله فتدبر.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر مما مر من الادلة ان الدنيا لاتخلو من حجة حاكم بالحق لانها لاتخلو من اختلاف و شقاق كما ان الدنيا لاتخلو من ماء لانها لاتخلو من عطشان و لاتخلو من هواء لانها لاتخلو من محتاج اليه و هكذا لاتخلو من شي‏ء يحتاج اليه شي‏ء فكذلك لاتخلو من عالم لانها لاتخلو من جاهل و لاتخلو من حاكم لانها لاتخلو من اختلاف و لاتخلو من حق لانها لاتخلو من باطل و لو خلص الضد في الدنيا لافني الكل لانه يصير بلا نهاية و لايطيقه شي‏ء متناه فما كان الله ليذر الجهل خالصاً و لم‏يجعل في مقابله علماً حقاً يعالجه و كل ماسوي العلم الحق باطل و لايعالج به الجهل و لا حق الا من عنده بلا واسطة او بواسطة و لايحفظ الحق بالحق الا الحق فماكان الله ليذر الدنيا بلا حجة و يجب ان‏يكون الحكمة من عنده كاملة ثم ان منع احد نفسه لاختياره من الانتفاع به لايضر بحكمة الحكيم فان عليه ان‏يخلق الخلق علي نهج الحكمة و الصواب و يخلق الماء لما خلق العطش ثم ان امتنع رجل باختياره منه حتي مات عطشاً لايضر ذلك بحكمة الحكيم و لايسأل عنه فانه قد اتقن الصنع بوضع الماء عند العطشان و بجعل الاختيار فيه و عدم الانتفاع من قبل العطشان المختار فيلزمه عاقبة سوء اختياره و لا حرج فالواجب في حكمة الحكيم خلقة الحكام عند اختلاف الانام ثم اذا تعاونوا علي دفعه و اختاروا العطب و النصب و الشقاء لانفسهم فلايسأل عنه الحكيم فاذا تعاونوا علي دفعه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 28 *»

قتله فهرب منهم و اختفي منهم تقية لايضر ذلك بحكمة الحكيم فان النبي كما يمكن ان‏يقتل يمكن ان‏يتقي و يهرب و يخفي عن اعينهم حفظاً علي نفسه التي في حفظها نظام العالم فهو في ايام خفائه يتصرف من الغيب في الرعية كما يري فيه صلاحهم و يدعو لهم و عليهم و يقرب و يبعد و يلهم و يخفي و يعلن و يقوي و يوهن و يقلل و يكثر حتي لايتخلخل بنيانهم و يفنوا عن اخرهم و هو مع ذلك ناظر فيهم و في صلاحهم و يعرفهم و يعرف الصالح و الطالح و يؤيد و يسدد الصالحين حتي يبلغهم منتهي مرادهم و يعرفهم نفسه و ما لهم و عليهم حتي يظهر منهم الغاية و يخذل الطالح و يدعو عليه و يتقيه فلايظهر امره له بسوء اختياره و لا باعث لانكار شي‏ء من ذلك و لا امتناع فيه فاذا امكن كل ذلك و قام الدليل علي لزومه و هو اكمل البتة و الله سبحانه الفاعل علي حسب قابلية القابل و قابلية الشي‏ء الاولي اسرع انفعالاً و اولي بالوجود و اقرب الي الفعلية من غيره([1]) فالله سبحانه لايترك الاولي فلا مانع من الاقرار بل يجب الايمان به و الاذعان و التسليم له البتة اللهم و نعوذ بالله الا ان‏يكون احد فيه سوء سريرة و شقاوة يفر من الحق بنفسه و لايسعه التصديق به و لا تطاوعه نفسه فذلك ربه اولي به و هو يعالجه كيف يشاء و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و فيما ذكرنا في اثبات مطلق نبي حاكم عادل عالم كفاية لمن كان له قلب او القي السمع و هو شهيد.

المطلب الثاني

في معرفة معني النبي و الرسول و الفرق بين المقامين و فيه فصول

فصـل: اعلم ان النبي اما مشتق من النبأ محركة و هو الخبر و النبي فعيل بمعني الفاعل فهو المخبر عن الله سبحانه او هو مشتق من النبوة و هي ما ارتفع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 29 *»

من الارض او النبأ او النُبوء و هو الارتفاع فالنبي بمعني المرتفع فانه قد ارتفع عن درجة ساير الخلق او بمعني الطلوع علي القوم فهو الطالع علي القوم من عند المبدء المشرف عليهم او بمعني الخروج من ارض الي ارض فهو الخارج من الغيب الي الشهادة و النازل من درجة عليا الي درجة دنيا او هو من النبي بمعني الطريق الواضح فانه الصراط المستقيم اللايح الي الله سبحانه او من النبي بمعني المكان المرتفع فهو مرتفع القدر و الانبياء هم درجات عند الله و اما الرسول فهو من الارسال و هو اما بمعني التسليط فالرسول هو بمعني المفعول اي المرسل المسلط علي قوم قد جعل سلطانا عليهم و اما بمعني التوجيه فالرسول هو الموجه من عند الله سبحانه الي قوم هذا بحسب اللغة.

و اما في الاخبار فقد فرق بين النبي و الرسول بجهات اخر كما روي في الكافي باسناده عن زرارة قال سالت اباجعفر7 عن قول الله عزوجل و كان رسولاً نبياً ما الرسول و ما النبي قال النبي الذي يري في منامه و يسمع الصوت و لايعاين الملك و الرسول الذي يسمع الصوت و يري في المنام و يعاين الملك قلت الامام ما منزلته قال يسمع الصوت و لايري و لايعاين الملك ثم تلا هذه الاية وماارسلنا من قبلك من رسول و لا نبي و لا محدث انتهي و الذي اعرف من معني الخبر ان النبي لايعاين الملك نازلا عليه بالوحي التاسيسي لانه تابع شرع الامام7 اي احد اولي العزم و الا فيمكن رؤيته للملك و كذا الامام فانه قد تضافرت الاخبار بانهم: يرون الملائكة و ياتونهم و يصدرون عن امرهم و نهيهم في صغير الامور و كبيرها و الذي يدل علي رؤية النبي الملك ما رواه في الكافي ايضاً باسناده عن اسمعيل بن مرّار قال كتب الحسن بن العباس المعروفي الي الرضا7جعلت فداك اخبرني ما الفرق بين الرسول و النبي و الامام قال فكتب او قال الفرق بين الرسول و النبي و الامام ان الرسول الذي ينزل عليه جبرئيل7 فيراه و يسمع كلامه و ينزل عليه الوحي و ربما راي في منامه نحو رؤيا ابرهيم و النبي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 30 *»

ربما سمع الكلام و ربما راي الشخص و لم‏يسمع و الامام هو الذي يسمع الكلام و لايري الشخص انتهي. فنص ان النبي يمكن ان‏يري الشخص ولكن لايسمع اي كالذي يسمعه الرسول فان الرسول يري الملك نازلاً عليه بالوحي ناطقاً به تاسيساً او تاكيداً و النبي ليس كذلك بل يقذف في قلبه قذفاً الهاماً و روي ايضاً فيه باسناده عن الاحول قال سالت اباجعفر7 عن الرسول و النبي و المحدث قال الرسول هو الذي ياتيه جبرئيل قبلاً فيراه فيكلمه فهذا الرسول و اما النبي فهو الذي يري في منامه نحو رؤيا ابرهيم و نحو ما كان راي رسول الله9 من اسباب النبوة قبل الوحي حتي اتاه جبرئيل7 من عند الله بالرسالة و كان محمد9حين جمع له النبوة و جاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل7 و يكلمه بها قبلاً و من الانبياء من جمع له النبوة و يري في منامه و ياتيه الروح و يكلمه و يحدثه من غير ان‏يكون يري في اليقظة فاما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع و لايعاين و لايري في منامه انتهي و في هذا الخبر ايضاً شاهد بين علي ان المراد برؤية الملك الرؤية بالوحي و الرسالة اليه فالرسول يراه هكذا و النبي لايراه هكذا كما بينا و يظهر من هذا الخبر انه يري النبي اذا جمع له النبوة و الرسالة الروح في المنام و يكلمه ولكن لايراه في اليقظة فذلك برزخ بين النبي الذي لايعاين بالوحي و الرسول الذي يعاين بالوحي و يدل ايضاً علي وجود البرزخ ما رواه في البحار عن زرارة عن ابي‏جعفر7 الانبياء علي خمسة انواع منهم من يسمع الصوت مثل صوت السلسلة فيعلم ما عني به و منهم من ينبأ في منامه مثل يوسف و ابرهيم8 و منهم من يعاين و منهم من ينكت في قلبه و ينقر في اذنه و عن درست بن ابي‏منصور الواسطي عنهما8 قال الانبياء و المرسلون علي اربع طبقات فنبي نبأ

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 31 *»

في نفسه لايعدو غيرها و نبي يري في النوم و يسمع الصوت و لايعاين في اليقظة فلم‏يبعث الي احد و عليه امام مثل ما كان ابرهيم علي لوط و نبي يري في منامه و يسمع الصوت و يعاين الملك و قد ارسل الي طائفة قلوا او كثروا كما قال الله فارسلناه الي مائة الف او يزيدون قال يزيدون ثلثين الفا و نبي يري في نومه و يسمع الصوت و يعاين في اليقظة و هو امام مثل اولي‏العزم الخبر.

بالجملة يتبين من هذه الاخبار ان النبي نوعاً ادني درجة من الرسول و ان لكل واحد منهما درجات و مراتب و لنبين الفرق بينهما و سر الدرجات و يقتضي ذلك رسم فصل خاص.

فصـل: اعلم ان الله سبحانه هو العليم الذي لايعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات و الارض و هو الشاهد المطلع ا لايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فيعلم جميع مقتضياتها بالكسر و مقتضياتها بالفتح فلما تجلي بالتجلي الاعظم و الظهور الاكرم الذي لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع الذي هو اول ما خلق الله اشهده خلق جميع مادونه من السموات و الارض اي الافاق و الانفس فاطلع علي جميع المقتضيات و المقتضيات بايقاف الله سبحانه اذ جعله اول خلقه و مخزن علمه و شاهده علي خلقه و منير ارضه و سمائه فلايخفي عليه خافية مما كان او يكون الي يوم القيمة بتعليم الله سبحانه اذ جعله عيبة علمه و صفة عالميته و شهيداً علي تمام ملكه و اية شهادته و هذا هو انبعاث الله سبحانه له و انباؤ الله سبحانه اياه عما كان و يكون الي يوم القيمة و علمه علم ذلك كله بتعليم واحد بكلمة واحدة في ان واحد كلمح البصر او هو اقرب ثم خلق بهذا التجلي الخلق الاول و هم الانبياء و المرسلون و هم من ذلك التجلي كالنور من المنير و الشعاع من الشمس و لهم من اول الصدور الي منتهي الظهور الذين بينهما مراتب كمالات ذلك التجلي الكامل الذي لايفقد كمالاً مراتب و درجات عديدة فكل من كان منهم اقرب الي المبدء و اشبه بذلك التجلي كان اكبر شهادة و اكثر علماً

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 32 *»

بالاشياء و كل من هو ابعد عنه و اقل شبهاً كان اقل شهادة و علماً فلذلك اختلفت درجاتهم و كان اقربهم الي المبدء اولواالعزم علي هذا الترتيب نوح و ابرهيم و موسي و عيسي لقوله سبحانه في ترتيبهم و منك و من نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و هو ترتيب الاشرف فالاشرف لتقديم الخاتم الافضل بالاجماع و النقل و العقل ثم ابرهيم هو شيعة نوح بنص الكتاب كما قال و ان من شيعته لابرهيم ثم موسي صاحب الشريعة البهية ثم عيسي الذي لم‏يغير شرع موسي الا قليلاً و حلل بعض الذي حرم المبعوث لتكميل التورية لا رفعها كما نص في الانجيل بالجملة هولاء اشرف المرسلين و اصحاب الشرايع كما ياتي.

ثم بعدهم المرسلون الي الطوايف علي حسب درجاتهم ثم الانبياء علي حسب سبق مراتبهم فكلما كان النور ابعد من المنير يكون اقل نوراً و كلما كان اقرب كان اكثر نوراً و كذلك هم يزدادون علماً و احاطة بالسبق الي ذلك التجلي و ينتقصون بالتاخر عنه و لنعم ما قال الشاعر:

و واقفون لديه عند حدهم من نقطة العلم او من شكلة الحكم

و قوله من نقطة بيان للحد. فادني الانبياء: و الله اعلم الذي يري في منامه بعد اعراضه عن هذه الدنيا بكله و توفي روحه الي الغيب فينبأ بما يراد منه في المنام و يقع جزء من ستة و اربعين جزءاً منه للمومن فيري في منامه احياناً ما هو خير له و يراد منه و ارفع منه الذي ينكت في قلبه علي نحو الالهام في اليقظة و لم‏يبلغ كماله مبلغاً ينزل العلم الي حواسه الظاهرة و يصعد حواسه الظاهرة اليه حتي تشاهده عياناً ثم ارفع من ذلك من ينقر في اذنه كصوت السلسلة ولكن هذا ينكت في قلبه مفصلاً مشروحاً و ان لم‏يفصل في اذنه لعدم خروج العلم في اذنه من القوة الي الفعل مشروحاً فيقع في اذنه ذلك الصوت حين ينكت في قلبه فيعرف معني ذلك الصوت المجموعي الاجمالي ثم ارفع من ذلك الذي يفصل في اذنه فيسمع باذنه الظاهرة حين يناجيه الملك بانزال ما شرح في نفسه لها الي عالم الاجسام و اصعاد اذنه الجسمانية و جذبها الي المبدء فيفصل العلم في اذنه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 33 *»

تفصيلاً و لايعاين بعينه ولكن يقع في قلبه ايضاً و يري في منامه ايضاً كما راي ابرهيم و ارفع من ذلك من يعاين مع ما مر بعينه الملك الذي ياتيه بالوحي من الله سبحانه قبلاً و يكلمه و انما ذلك باصعاد عينه الجسمانية و تجنيسها مع المثال حتي تصير كاعين الارواح المثالية فتشاهد الملك كما تشاهد و لهم المثل الاعلي عين المصاب بالجنة الجنة مع انهم في عالم المثال و لا شك انه لاينطبع في عينه شبح جسماني و انما يري الجنة بواسطة ميل عينه الي الحس المشترك الي المثال فينعكس من مشاعره الباطنة الي حسه المشترك و الي الروح الباصرة فيري.

بالجملة الذي يشاهد الملائكة اشد ارتباطاً بالعالم الاعلي من الذي يسمع اصواتهم كما ان المشاهد للجنة اشد ارتباطاً بهم من الذي يسمع اصواتهم و حاسة البصر الطف و مدركه اخفي المدركات و ادراكه يحتاج الي فضل لطافة من الروح و الحس و ما لم‏يبلغ البدن منتهي الاعتدال و الروح نهاية القوة و القدرة و التجرد و الجذب لايتحقق ذلك له هذا و الملك الطف من الجن و اكثر تروحاً فتفطن ما ذكرت لك فان فيه اشارات خفية.

فصـل: اعلم ان النفس الكلية الالهية مقام الفعلية فانها الذات لكل ذي نفس و كانت واجدة لما لها و جميع ما هي به هي بلا ترقب فلما نزلت الي عالم الاجسام انحلت و تلاشت فيها كالحبة في الارض فعادت بالقوة بعد ان كانت بالفعل فاحتيج في استخراجها الي الفعلية الي تدبير و تربية فربي الله سبحانه اول ناشئ من الاجسام و هو ادم علي نبينا و اله و عليه السلام بيد قدرته باسباب كاملة هيأها و هو مسبب الاسباب من غير سبب من اسباب السموات و الارض حتي ابدع فطرته و علمه من علمه ما شاء ثم جعله يد قدرته في اظهار ساير النفوس و ابداء ساير بريته و بث منه نسله و لما كان لتلك النفس الغيبية مقامان مقام تشريع و مقام تكوين جعله7 سبباً للامرين يظهر به النفوس الكونية بكينونته و طبيعته و النفوس الشرعية بهدايته و ايصاله فدعا ذريته الي الله سبحانه و الي الاستقامة علي الطريقة و لما كان الحدث يحدث بين فاعل و قابل اختلفت احوال ذريته في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 34 *»

القبول التشريعي كما اختلفت في القبول التكويني فمنهم من لم‏يتكمل به اصلاً ولم‏يستضئ و لم‏يستشرق و منهم من تكمل به بعد ان قد كان تكملاً استشراقياً استضائياً و لما يبلغ التكميل حقيقة كينونته فاستشرق و استضاء به كاستشراق الحائط بالسراج و منهم من تكمل به حتي ادرك مقام الاستضاءة الذاتية ولكن لعدم صفاء قابليته لم‏يبلغ مقام الاضاءة و الاشراق و الاستقلال و منهم من تكمل حتي استشرق و استضاء بالذات و بلغ حد الاضاءة لصفاء كينونته و اعتدال طبيعته و لهولاء في هذا المقام درجات من حدود الاضاءة و الاشراق و ربما يبلغ باحدهم الصفاء و اللطافة مبلغاً يتجاوز مقام المكمل الاول اذا كان اصفي منه و الطف فالاول مثل الذين لم‏يهتدوا بنوره و لم‏يؤمنوا به و الثاني مثل المومنين المتبعين من شيعته حيث استشرقوا به و اهتدوا بنوره ولكن ليس لهم استقلال و لما يبلغ التكميل بهم حد الاستغناء عن المكمل فهم في ذلك كالمفتاح في اليد فانه يتحرك ما تتحرك اليد و يسكن ما تسكن و كالميت بين يدي الغسال و كاستضاءة الحائط بنور الشمس فهم شيعة له و اتباع ليس لهم شي‏ء الا بحفظ المكمل و الثالث مثل الانبياء الذين لم‏يبعثوا الي احد و لم يتجاوز نبوتهم انفسهم فهم مستشرقون مستضيئون بالذات قدظهر فيهم ما ظهر في مكملهم الا ان كدورة طينتهم منعت نورهم عن النفوذ و الانتشار الي اهل الاستبصار فاهتدوا بانفسهم لانفسهم و لم‏يبعثوا الي هداية قوم و معني عدم بعثة هولاء الي قوم عدم بعثتهم بشريعة جديدة تاسيساً و لا بالشرع السابق تاكيداً بالوحي الخاص و الا فلايقصرون في بث التوحيد و صفات الله سبحانه و العلوم و الحكم و شرح الشرع السابق عن العلماء و كذلك للناس بهم و باحوالهم و صفاتهم اسوة حسنة كما يتاسون بالعلماء الصلحاء و ذلك لاينافي عدم البعثة و الرسالة الي قوم كما في العلماء حرفاً بحرف و لهولاء درجات في كدورة الانية و صفائها فكلما كانت انيتهم اصفي و الطف يكونون اقرب الي حد الرسالة علي نحو ما ذكرناه في الفصل السابق و كذلك الشيعة الاتباع لهم درجات في الاستشراق اذ ربما يقرب بهم التكميل الي ان‏يشفوا علي الاستضاءة الذاتية الا تري ان الحديد الذي يوضع في النار يتسخن شيئاً

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 35 *»

بعد شي‏ء الي ان‏يصير محمي كالجمرة و بين اول تسخنه الي ان‏يصير محمي درجات متدرجة فرب شيعي مشرف علي النبوة كلقمان و نظرائه و رب نبي مشرف علي الرسالة و الرابع مثل المرسلين الذين تكملوا حتي اشتعلوا بالهداية و العلم و الحكم فصاروا هداة لقوم اخرين و امروا بالاشراق و الاضاءة و الهداية و بعثوا الي طائفة قلوا او كثروا و لهم ايضاً في ذلك درجات الي حد اولي‏العزم و الخامس هو مقام اولي‏العزم الذين بلغ صفاؤهم مبلغاً صار كمالهم به اكثر من كمال المكمل و ليس بمتحتم ان‏يكون المتكمل ابداً  ادون من المكمل الا تري انك تشعل بجمرة سراجاً وهاجاً و مشعلة عظيمة و انما ذلك لاجل ان المكمل يد للعالي جل‏شانه و الفعل للعالي يجريه مما يشاء كيف يشاء.

فتبين و ظهر لك درجات الانبياء و المرسلين ببيان ظاهر خفي ان تفطنت و ذلك النور الذي في المكمل هو نور النبوة و الامانة و العهد و الميثاق و الروح و الصحيفة و العلم و الحكم و الاسم الاكبر الذي يودعه الانبياء الذين بعدهم من وصي او نبي و لايخلو زمان من مستشرق بذلك النور مشرق الي ساير القوابل و هو الحجة الذي لايخلو الارض منه و الحق الذي خلقت السماوات و الارض به و العبادة و المعرفة التي خلقت الجن و الانس لها و الغاية و الفايدة و غير ذلك مما سمعت في الاخبار.

فصـل: اعلم ان الله سبحانه هو القديم جل‏شانه و جميع ماسواه حادث كما قال الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و قد تضافرت الاخبار بان اول ما خلق الله العقل و هو القلم الذي به كتب الله سبحانه علي لوح الامكان ماكان و مايكون و القلم هو الة الكاتب في الكتابة و مظهر حركته و محل مشيته به يكتب ما يشاء فلا حركة مستقرة بلا قلم و لا قلم جار الا بالحركة و الحركة في القلم كالروح في الجسد ثم خلق به ارواح الانبياء فانهم اول خلق من الروحانيين كما رواه في العوالم عن ابي‏عبدالله7 قال ان الكروبيين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 36 *»

 قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم علي اهل الارض لكفاهم ثم قال ان موسي7 لما سال ربه ما سال امر واحداً من الكروبيين فتجلي للجبل فجعله دكاً انتهي و الكروبيون هم الانبياء اي حقايقهم صلوات‏الله عليهم و هم من شعاع ذلك العقل جعلهم الله خلف العرش و خلفه مما يلي الخلق لان امامه مما يلي الرب جل‏شانه و العرش هو ذلك العقل و القلم و الواحد المتجلي علي موسي7 هو حقيقته لان الادوات تحد انفسها و لايتجاوز شي‏ء ماوراء مبدئه و هم المقربون ليس خلق اقرب الي الله سبحانه منهم و هم القطرات المقطرة من رشح نور نبيك9 كما روي عنه9 فاول كلمة كتب الله سبحانه بالقلم هو الخلق الاول و هم ارواح الانبياء: جعلهم الله سبحانه سفراء بينه و بين خلقه و لهم جهتان جهة الي ربهم و هي ابسط مراتبهم و ارقها و الطفها و جهة الي الخلق و هي اغلظ مراتبهم و اشبهها بالخلق و لذلك شبه مرتبتهم بورقة الاس حيث ان اعليها دقيق مستطيل و اسفلها غليظ مستدير فهم الوسائط و الرسل و المبلغون عن الله سبحانه يتلقون بلغة التوحيد عن ربهم و يبلغون بلغة التكثير الي خلقه فكانوا كذلك في الملكوت خلف عرش الله سبحانه مويدين بروح‏القدس كما قال اذ ايدتك بروح‏القدس و نفخت فيه من روحي فكانوا يعبدونه و يوحدونه علي حسب ما ظهر الله سبحانه لهم بهم بذلك القلم فهم يوحدونه بفضل توحيد العقل و القلم و بتاييده و تسديده و تعليمه و ارشاده و ما ظهر لهم من فواضل انوار ذلك القلم و صفاته من الجهة الدنيا و في الجامعة من اراد الله بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم الزيارة.

و ان اردت مشاهدة ذلك فاعتبر من السراج حيث اشتعل دخانه بضوء النار فانصبغ ضوء النار في دخانه و استضاء الدخان به و حصل للنار الضياء فيه فانها قبله خفية عن درك الابصار فلا ضياء الا في الدخان فلما ظهرت النار بالدخان منصبغاً ظهورها بصبغه و استضاء الدخان بها اشرق السراج علي الحيطان و الجدران فلا ضياء للجدران الا بصبغ ذلك الدخان المستضي‏ء و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 37 *»

اضواء الحيطان راجعة الي صبغ الدخان المستضي‏ء و شكله اذ لا ضياء للنار الخفية و لا شكل فما عرفه الحيطان من الضياء فانما هو بشرح السراج و ترجمته و تفسيره و تعبيره و تجليه و ظهوره فهي مستضيئة منه و انوارها صادرة عنه راجعة اليه ناظرة اليه حاكية له فافهم فانه لايجوز ازيد من ذلك البيان و ليس وراءه الا العيان و للحيطان اذان.

فالانبياء سلام‏الله عليهم هم اول الخلق و هم السفراء بين الله و بين ساير خلقه يعبرون عنه فكانوا كذلك الي ان خلق الله هذا العالم و انزل انوارهم اليه كما قال و انزلنا اليكم ذكراً رسولا فانزلهم الله سبحانه الي غيب التراب و اودعهم اياه الي ان خلق ادم فاودعهم صلبه ايداع قوة لا ايداع فعلية فان الابن لا تعين له في صلب الاب قال سبحانه يصوركم في الارحام كيف يشاء فكانوا في صلب ادم و خرجوا كذلك من صلب الي صلب حتي بلغ كل واحد اجله و وقته فخرج الي هذه الدنيا كما بينا سابقاً و كلما تحقق في صلب و رحم مادة معتدلة صافية قابلة لروح من تلك الارواح المودعة في صلب ابينا ادم7 و تربت في رحم امها حتي تمكنت و تكملت اشتعلت فيها اي تلك الروح الكامنة فيها من غيبها و انصبغت بذلك الصبغ المعتدل و تصورت نبياً علي حسب استعدادها و قابليتها و درجتها في الصفاء و الكدورة فلم‏تحجب انيتها لطيفة روحانيتها السابقة فتكلم تلك الروح عنها و نطقت بها و اظهرت ما علمها الله سبحانه من العلم و الحكم في العالم الاول علي حسب درجتها تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض الاية فابتعثهم الله سبحانه لهداية النفوس الانسانية و تكميلها حتي يرقوها عن درجات الامارة و اللوامة و الملهمة و المطمئنة و الراضية و المرضية و الداخلة في عباد الله و الجنة الي القدسية و هي غير تلك المراتب المذكورة قال الله سبحانه فان تابوا و اقاموا الصلوة و اتوا الزكوة فاخوانكم في الدين و اما النفس القدسية فمقامها عظيم و امرها جسيم و هي روح الايمان و هي شعاع سرج الانبياء المشرق علي مرايا قوابل المومنين كما روي الناس كلهم بهائم الا المومن فتلك مسحة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 38 *»

من نور النبوة و سبحة من ضياء الرسالة اكرم الله بها المومنين من دون العالمين كما ياتي في محله ان شاءالله و لسنا بصدد بيانها الان.

فصـل: اختلف الناس في المومنين و الانبياء انه هل يمكن للمومنين الوصول الي درجة الانبياء ام لا و اختلافهم في ذلك ليس بهين بل هو عظيم عظيم فمنهم من زعم ان المومنين و الانبياء سلام‏الله عليهم من نور واحد و طينة واحدة فيمكنهم الوصول الي درجتهم و مقامهم و ان لم‏يبعثوا الي قوم لانه لا نبي بعد محمد9 و ربما يستدلون علي ذلك بالحديث المروي عن النبي9 علماء امتي كانبياء بني‏اسرائيل و اني لم‏ار هذا الخبر مسنداً في كتاب نعم قد روي في فقه الرضا7 في باب حق النفوس روي انه اي العالم قال منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الانبياء في بني‏اسرائيل و منهم من منع من ذلك و قال ان المومن و ان بلغ ما بلغ من الايمان فانه في مقام الرعية و الشعاع و لايبلغ حد الانبياء المنيرين و ظواهر الكتاب و السنة مع الاولين كقوله انا بشر مثلكم و رسول من انفسكم و رسولاً منكم و رسولاً منهم و امثال ذلك و كذلك اخبار الطين و اخبار عالم الذر و غير ذلك و هذا القول مشهور بين الناس حتي انه كانه مجمع عليه لايوجد قائل بغيره وذهب شيخنا الاوحد اعلي الله مقامه الي عدم امكان وصول المومنين الي درجة الانبياء و عدم مشاركتهم في الطينة و له قراين من الاخبار و لمح من الاثار و صحيح الاعتبار و دقق النظر السيد الاستاد اجل الله شانه فمنع وصول المومن الادني الي مقام المومن الاعلي فضلاً عن وصول المومن الي مقام الانبياء و قد افردنا في السلسلة الطولية كتاباً خاصاً طويل الذيل فمن شاء تفصيل المقال فعليه بذلك الكتاب و لنذكر هنا علي ما يقتضيه الحال.

اعلم ان الحدود الامكانية من حيث هي ليست الا هي و لايحتمل ان‏تكون غير هي فالبياض من حيث هو بياض لايكون سواداً و الطول من حيث هو طول لايكون عرضاً و الكثافة من حيث هي كثافة لاتكون لطافة و هكذا و تلك القوابل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 39 *»

لاتكون موجودة الا بوجود هي تعرض عليه فتقوم به لانها نهايات الوجود و اطرافه و اعراضه لاتظهر الا علي محل و جوهر و قد تبين في الحكمة ان الحدود الكثيفة هي نهايات وجود كثيف غليظ و الحدود اللطيفة هي نهايات وجود لطيف فالابعاد مثلاً نهايات الجسم و المادة العقلانية مثلاً لاتتناهي الي ابعاد من طول و عرض و عمق و كذا مادة الجسم لاتتناهي الي حدود المواد الملكوتية بالبداهة و لاتطيقها و انما ذلك لاجل ان الحدود كمالات ذي‏الحد و كانت فيه بالقوة فخرجت الي الفعلية و كمالات كل مادة تكون علي حسب المادة من كثافة و لطافة فكل قابلية من تلك القوابل التي هي لاتكون الا هي عارضة علي مادة مناسبة لها لازمة لرتبتها و درجتها من عرصة الايجاد لاتصعد عنها و لاتنزل عنها اذ لو صعدت لاتخلو اما ان تصعد بما هي عليه من الكثافة الي درجة عليا او تنزل بما هي عليه من اللطافة الي درجة دنيا و ذلك غيرممكن لان تلك الكثافة لازمة تلك الدرجة و لايصير القريب من المبدء اكثف مما ينبغي و لا البعيد عنه الطف مما ينبغي و اما ان تصعد بعد خلع ما لها من الكثافة او تنزل بعد خلع ما لها من اللطافة فاذا ليست هي هي فانها ليست الا هي و هي علي ما هي عليه هي مادة تلك الحدود فلو خلعت عنها ماديتها لم‏تكن بمادة لها هذا و اني يصعد شي‏ء او ينزل عن مقامه و ليس اعلاه و اسفله خلواً من وجود خاص به شاغل له و لايصير شي‏ء شيئاً غيره و ما يري من ترقي الخلق فانما هو لصعودهم عن مراتبهم العرضية التي نزلوا اليها فيصعدون الي مقامهم الذي جبلوا فيه كما بداكم تعودون و كل شي‏ء يصعد الي حيث نزل منه و الا ففي الذوات كل شي‏ء هو هو و لا صعود و لا نزول فاذا لايجوز ان‏يصير ناقص بالذات كاملاً و دان عالياً و ولي ادني ولياً اعلي و مومن نبياً و هكذا لكل منا مقام معلوم و انا لنحن الصافون.

فالمومن لايصير نبياً لان حدود المومن من حيث انه مومن حدود كثيفة بالنسبة الي حدود الانبياء البتة اذ هو المفروض و الوجود الذي عرضته تلك الحدود البتة اكثف من وجود الانبياء و الا لما عرضته تلك الحدود و لم‏تكن من نهاياته و لا من قواه و صلوحاته فالمومن وجوده و ماهيته كلاهما كثيفان دنيان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 40 *»

بالنسبة الي وجود الانبياء و ماهيتهم فرتبة المومن من حيث انه مومن ادني من رتبة الانبياء من حيث انهم انبياء فالمومن اذا ترقي كيف يترقي هل هو باق علي كونه مومناً فهو مومن نبي او يستحيل نبياً فلايكون بعد مومناً فاذا استحال نبياً هل كان مبدء وجوده في علم الله نبياً و كان نزل الي رتبة المومنين بالعرض ثم خلع الاعراض فعاد علي ما بدئ فلم‏يصر مومن نبياً او لم‏يكن في علم الله نبياً ثم صار نبياً نعوذ بالله فاختر لنفسك مايحلو و لاتخاطر بها فلايصعد الي النبوة من لم‏ينزل من النبوة و كل يعود الي ما بدئ منه فصح قول مشايخنا الفخام و لضالضنا العظام اعلي الله مقامهم و رفع في الخلد اعلامهم و اعداد الانبياء محصورة في علم الله و الكتب السماوية و الاخبار النبوية و في ملك الله سبحانه فهم الذين بدئوا من مقام النبوة و نزلوا ثم صعدوا و لم‏يبدء منه غيرهم من المومنين فلايصعدون اليه ابداً ابداً و لايمكن اليوم بلوغ احد مبلغ النبوة و عدم بعثته لوجود الخاتم فان من بلغ فقد صار نبياً كما ان من بلغ مقام النفس الناطقة فقد صار انساناً و لايحتاج الي ان‏يبعث فمن بلغ مبلغ النبوة فقد صار نبياً مبعوثاً او غيرمبعوث و قد قام الاجماع و دل الكتاب و السنة علي ان محمداً9خاتم الانبياء فلايبلغ احد بعده مبلغ النبوة و ال محمد صلي الله عليهم اجمعين نفسه و من روحه و من طينته و ليسوا بغيره قال كلنا محمد و قال انت مني بمنزلة هرون من موسي الا انه لا نبي بعدي هذا من باب نظر السيد الاستاد اجل الله شانه.

و اما وجه نظر الشيخ الاوحد اعلي الله مقامه فهو ان المومن من حيث هو مومن شعاع النبي من حيث انه نبي و نوره فلو كان من نوع النبي و كان الاختلاف في الشخصية لكانوا انبياء كساير الانبياء و المفروض خلافه فاذ لم‏يكن من ذات ما منه النبي فليكن من نوره و شعاعه اذ لا واسطة و مراتب التشكيك من مادة نوعية واحدة و يصدق علي الكل اسم واحد و التفاوت في الشدة و الضعف و المومن لايصدق عليه النبي اذ المفروض خلافه فكل من يصدق عليه النبي فهو نبي و الكلام فيمن لايصدق عليه و يصدق عليه المومن و قد قام الاجماع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 41 *»

علي مصاديق معينة محدودة فهم في عرض واحد و ماسويهم من نورهم لا من ذاتهم و اما الاتحاد في الجنس كالوجود و الحدوث و الامكان مثلاً فلا مانع منه و لا شك في اشتراكهم و الاتحاد في الجنس لايصير سبب امكان وصول نوع الي نوع اعلي اذ الفصول ذاتيات و لا استحالة في الذاتيات و بها عدمها و الحادث بعد موجود اخر غيرها و انما الاستحالة تجوز في الانواع و الاجناس من حيث تقلبها في الشخصيات مع بقاء المادة اي النوع او الجنس علي حالها فيغير الالف و تزال صورتها و تعاد الي قوة المداد ثم تخرج قوة الباء الي الفعلية فتكون باء و انما ذلك لان المداد هنا مادة و صورة الالف شخصيتها فتخلع عنها اياها و تلبس غيرها و هي هي و اما صورة الالف فلاتصير صورة الباء ابداً فان صورة الالف ذاتيتها ان‏تكون صورة الف فان عادت الي الامكان و خلقت صورة باء فانها خلق جديد و لانمنع من الخلق و حينئذ ليست الالف صارت باء و اما المداد فليس ذاتيته ان‏يكون مقترناً بصورة الالف فيمكن فيه زوال هذا الاقتران فاذا زال و كتب باء فليس ان الالف صارت باء بل المداد كان الفاً فصار باء و صورة الالف صورة الف ابداً و كذلك صورة فصلية لاتصير صورة اخري فصلية ابداً فانها ذاتيتها ان‏تكون هي هي فاذا ازيلت عن الجنس و صور باخري لم‏تصر تلك الصورة غيرها و انما حدث نوع اخر ابتداء و ليست الصورة الفصلية من ذاتيات الجنس بل كل شي‏ء ذاتيته في نفسه ففصل المومن لايصير فصل النبي و لايخرج فصل المومن من عرصة الوجود بعد ما دخل في ملك الله و المومن مومن بمادته و صورته و المادة غير الجنس كما حقق في محله فالمومن لايستحيل الي النبي ابداً و ان كانا مشتركين في جنس الوجود و الحدوث و الامكان مثلاً فاذ قد ظهر امتناع وصول المومن الي درجة الانبياء و ظهر عدم اشتراكهما في نوع النبوة و ظهر ان موادهما متفاوتة في اللطافة و الكثافة و ظهر علو الانبياء علي المومنين فالمومن ليس مادته من مادة الانبياء و لا صورته من صورتهم و هو ادني منهم درجة و هو معني كونهم من شعاعهم و نورهم اذ لم‏يصل فيض و مدد الي الابعد الا بواسطة الاقرب و ليس ادني من ذات شي‏ء الا صفاته و افعاله و اثاره و ما خلق به فالمومن من شعاع النبي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 42 *»

و نوره و هو اثره و شبحه و صفته قد احدثه الله سبحانه به و هذا غاية ما اردنا ايراده و ان اردت التفصيل فعليك بكتابنا المخصوص بالسلسلة الطولية ففيه كفاية لك و بلاغ و لعلنا نشير الي ذلك ايضاً فيما يأتي من هذا الكتاب و يشير الي تاخر مراتب المومنين عن الانبياء ما رواه في العوالم عن جابر عن النبي9في حديث طويل بعد ما ذكر ان اول شي‏ء خلقه الله نور نبيك يا جابر الي ان قال ثم نظر اليه بعين الهيبة فرشح ذلك النور و قطرت منه مائة الف و اربعة و عشرون الف قطرة فخلق من كل قطرة روح نبي و رسول ثم تنفست ارواح الانبياء فخلق الله من انفاسها ارواح الاولياء و الشهداء و الصالحين.

و معني الايات التي مرت انهم سلام الله عليهم قد ظهروا في اللباس البشري و هم من حيث اللباس من المومنين و بشر مثلهم و اما الاخبار الناصة علي ان المومنين و الانبياء من طينة واحدة اما يراد بها طينة الانبياء في مقام البشرية فانها حينئذ من نوع طينة المومنين بلا شك و اما يراد بها طينة الصفة فالمومنون من صفة طينة الانبياء و الانبياء في مقام الصفة مشاركون معهم في الطينة و اما قالوا كذلك تشريفاً و تعظيماً للمومنين و ترغيباً و هو الحق في مقامه و اما كون الفقيه في هذا الوقت كالانبياء في بني اسرائيل يعني في ايصال الشرايع و حفظ الكتاب و السنة و الهداية و امساك القلوب عن الزيغ و كونهم سبب الابقاء علي العباد و البلاد و في المقهورية في ايدي الاعداء و في الطرد و الشرد و السبي و المهانة و القتل و غير ذلك مما جري عليهم علي حسب اقتضاء هذا العالم.

بالجملة الحق ان الانبياء و المومنين ليسوا بمشاركين في المادة و النوع و مواد المومنين من نورهم و شعاعهم اذ مواد المومنين هي روح الايمان و هو يلقي الي الناس بالقائهم و من فضل صفاتهم و انوارهم و يحصل للناس بالتاسي بهم و الاقتداء باعمالهم و افعالهم و صفاتهم و عقايدهم فروح الايمان هو صفتهم و هدايتهم و تعليمهم يظهر في كل من قبل عنهم و طاوعهم و تاسي بهم و التاخر المذكور تشريعي كما حقق في محله.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 43 *»

المطلب الثالث

في جملة من صفات الانبياء التي يجب ان‏تكون فيهم و ما يتبع ذلك من البيان

و في هذا المطلب ايضاً فصول

فصـل: اعلم ان الصفات كمال الذات لانها فعليات القوي الكامنة في الذات و مرادي بفعليات القوة ليس انها كانت مستجنة في الذات فخرجت الي عرصة الظهور و انتقلت من الكمون الي البروز فليس بعد في الكمون شي‏ء بل الفعلية تجل من الذات و هي ابداً علي ماكانت من القدرة و القوة علي التجلي و لاينقص التجلي من قوة الذات شيئاً فان التجلي ليس ببعض الذات و لاينفصل عنها و انما هو نور منير به و قدرة قدير بها ظهور الذات المهيمنة به بلا اقتران و لا انفصال و لا تجز و لا تبعض و هي هي الذات وجوداً و اثباتاً و عياناً و صفة و تعبيراً و كمالاً و ليست هي هي كلاً و لا جمعاً و لا احاطة فهي ذات ظاهرة و تلك الذات الخفية و لولا هذه الظاهرة لكانت الخفية ناقصة اذ النقصان عدم الكمال بل لولا هذه الظاهرة لكانت الخفية معدومة اذ الموجود هو الممثل بالكمال و الكون و الوجود صفتان للكاين الموجود و ما ليس له كون و صفة معدوم.

بالجملة الصفات كمال الذات و تكون علي حسب قدرة الذات و قوتها و كمالها الذاتي و صفة كل ذي صفة كاشفة عن كماله دالة عليه اذ هي كماله و فعليته و تمام الفخر و الكمال لكل فاخر و كامل في الفعليات و الا فكل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء فيعتبر لكمال الاشياء بصفاتها و فعلياتها و هي مناط الحسن و القبح و الزيادة و النقصان و غير ذلك حتي الوجود و العدم و الا فالذوات كلها من الامكان و هو كل جزء منه صالح لكل شي‏ء و من ذلك يعلم ان تمام الانكار في رد فضائل الابرار و الا فذواتهم غيرمنكورة و عند المخالف ايضاً معروفة مشهورة فكل كامل كامل بصفاته و كل ناقص ناقص بصفاته و الصفات هي المعبرة عن الكمال و النقصان للذوات.

و الاثر الصادر من فعل موثره له مقامان مقام الذات و مقام الصفات كما عرفت فذاته متعلقة المشية الامكانية و بها تخلق و صفاتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 44 *»

متعلقة المشية الكونية و بها تخلق لان كونه كما عرفت في صفاته و الذات مقام الاطلاق اللهم الا ان‏يراد بالذات الذات الشخصية فهي حينئذ تلك الصفات من حيث الاعلي و هي حينئذ من مراتب الشخصية و مخلوقة بالمشية الكونية فالكون اي الصفة مخلوق بالمشية الكونية مادته من مادتها و صورته من صورتها لانه هو المخلوق بنفسه عند العالي و هو مشية من حيث الاضمحلال و مشاء من حيث الاستقلال كما حقق في محله فاذا هو مادته مخلوقة بمادة المشية المتعلقة به و صورته مخلوقة بصورة المشية فهو بمادته و صورته محبوب لله سبحانه مخلوق بمحبته الكونية و لا كلام في ذلك و لا فخر و انما الفخر و كل الفخر في متابعة الشي‏ء للمشية الشرعية فان الشي‏ء له وجودان وجود كوني و هو ما عرفت و وجود شرعي و الوجود الشرعي مقدم علي الكوني وجوداً و موخر عنه ظهوراً فيظهر في الظهور علي الكون علي نهج الصفة فنعبر عن الوجود الشرعي بالخلق الاول تارة و بالخلق الثاني اخري و هنا نعبر عنه بالخلق الثاني فالخلق الثاني له مادة و صورة مادته من نور العالي الكامل و صورته من صفة قبول الخلق الاول فالمادة كضوء النار و الخلق الاول كالدخان و الصورة كصفة الدخان المتصفة بها تلك المادة المنصبغة بها فذلك الضوء و تلك الصفة هما الوجود الشرعي العارض علي الدخان المتكمل بكمال النار فالعالي اية الرب جل‏شانه و القائم مقامه في الاداء في عرصات التشريع و ذلك الضوء اثره و نوره الصادر منه بنفسه فالخلق الثاني هو المشية الشرعية و المشاء الشرعي قد خلق بنفسه فمادته من مادة المشية التشريعية و صورته من صورتها فهذه هي المشية المحبوبة المرضية لله سبحانه في التشريع كما ان المشية الاولي هي المشية المحبوبة المرضية في التكوين الا ان ذلك لاجل التطبيق و التبصير و الا فلايقال في الاولي حب و بغض و حسن و قبح و سعادة و شقاوة فانها محض كون و ايجاد و هو للخلق الثاني بمنزلة الامكان و الصلوح و القوة و ليس فيه شي‏ء من ذلك حتي يخرج الي الفعلية و خروجه هو في الوجود الشرعي فالخلق الثاني ما لم‏يتغير و لم‏يتبدل و لم‏يخالف العالي القائم مقام الله سبحانه يكون علي حسب محبة الله سبحانه و يكون صورته صورة محبة الله و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 45 *»

الاقتداء بها اقتداء بمحبة الله سبحانه و الاتصاف بمثلها اتصافاً بمحبة الله فيكون الشخص به محبوباً لله سبحانه و لذا قال ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و اولئك الذين هدي الله فبهديهم اقتده و لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة الي غير ذلك و من خالف ذلك القائم مقام الله و اتبع اعداء الله يحصل عليه الخلق الثاني الوصفي و مادته من مادة فعل اعداء الله و صورته من صورة فعلهم اذ هما فعلهم كما مر و هذا الفعل هو المبغوض لله سبحانه فيكون مادة الشخص الشرعي من مادة بغض الله سبحانه و صورته من صورة بغض الله سبحانه فيصير في غضب الله سبحانه و من اتبعه و اقتدي باعماله و صفاته يكون مبغوضاً مصوراً ببغض الله سبحانه و هما في كلتي هاتين الحالين كائنان مشاءان بالمشية الكونية و هذا معني ما يقال يشاء الله و لايحب و لايشاء و يحب.

بالجملة ان النبي هو من كان مصوراً بصورة الله و متصفاً بصفات الله المحبوبة و بذلك يكون نبياً و كاملاً مفترض الطاعة فمن تنبأ و لم‏يكن متصفاً بصفات الله المحبوبة مصوراً بصورته علي طبق ما يروي خلق الله ادم علي صورته اي علي صفاته و ظهوراته و طبق وجهه علم انه ضل و غوي و كذب علي الله و افتري فان من لم‏يكن محبوباً لله سبحانه يكون مبغوضاً له محبوباً لاعدائه و كذلك الرجل لايكون نبياً و لايرسله الله سبحانه و انما هو رسول الشيطان و صفات الله سبحانه معروفة لاتنكر و ان الله سبحانه جبل الخلق علي نهج لو عرض عليه الحق و الباطل عرفهما فانهم كوناً علي طبق المشية الكونية المعتدلة الحاكمة بالحق و القسط الواقفة علي السواء فكل من عرض عليه الكذب و الصدق و لم‏يجر عرف ان الصدق هو الحسن و الكذب هو القبيح و حكم به و كذلك ساير الخصال و لذلك اطلق الله القول و قال ان الله يامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي‏القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي و قال اعدلوا هو اقرب للتقوي وقال و احسنوا و قال و اعملوا صالحاً الي غير ذلك فان كل احد يعرف الحسن من القبح و العدل من الجور نعم قد يخفي بعض الوجوه الدقيقة علي بعض دون بعض

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 46 *»

و يوضحه الادلة القويمة و العرض علي الطبايع المستقيمة ثم يبقي بعض خصال يختلف في تصاريف الايام فانه نسبي و لايوضحه الا حكمة الهية بتوقيف رباني فالنبي هو الموصوف بصفات الله سبحانه المحبوبة يعرف كل احد انه علي نهج محبة الله سبحانه و ان ظهر منه خصلة لايعرف وجهها الجاهل لايخفي علي العالم و علي اهل الطبايع المستقيمة و ان بقي وجه خفي يكشف عنه السؤال و استيضاحه الحال و الغرض من هذا الفصل ان المحبوب محبوب بصفاته و المبغوض مبغوض بصفاته و المبغوض لايكون مرسلاً و نبياً و لابد و ان‏يكون محبوباً لله سبحانه متصفاً بمحاب الله سبحانه حتي يليق بذلك المقام.

و لعمري من عرف هذا التحقيق الانيق لحري ان‏لايقول كاهل الاماني اني اعمل السوء و الله يحبني و يغفر لي و هو كريم فان محبته لك و مغفرته و كرمه هو عملك الحسن فان عملت فانت محبوب مغفور مكرم و الا فما تقول من تسويلات النفس الامارة و الشيطان و اعوذ بالله من الخسران سيجزيهم وصفهم و ماتجزون الا ما كنتم تعملون و ليس للانسان الا ما سعي اللهم اني استعينك علي ما به ترضي عني و تحبني و اعوذ بك مما به تسخط علي و تبغضني فاستجب لي انك سميع الدعاء و الدعاء هو الاجابة الا انه منك الي الله دعاء و منه اليك استجابة فافهم.

فصـل: اعلم انه لابد للنبي بل لكل كامل من نوعين من الصفات صفات من حيث القابلية و صفات من حيث المقبول و لنقدم الان صفاته من حيث القابلية فانها مقدمة من حيث و يجب تقديم مراعاتها في الاختبار و الاعتبار و هي كثيرة.

منها ان‏يكون طيب المولد معروف النسب و ذلك لاجل ان النطفة الخبيثة تقع من دواعي النفس الامارة بالسوء علي خلاف محبة الله سبحانه و الذي يهيجها في جسد الاب النفس الامارة بالسوء و الاخلاط اجساد ارواحها من شعلات النفس و اشعتها و هي الحافظة لها عن الفساد المجرية اياها مجاريها فاذا كانت النفس الامارة بالسوء كانت الاخلاط حية باشعتها جارية بها في مشتهياتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 47 *»

مطاوعة لها بها فتكون اجساداً خبيثة ارواحها خبيثة فاذا وقعت في الرحم و تربت و تكملت شيئاً بعد شي‏ء تقوت تلك الروح الخبيثة فيها حتي صارت حية بالفعل بالحيوة الحيوانية رجسة نجسة طفسة قذرة متوجهة الي سجين فتركبها النفس الامارة بالسوء و تستعملها في حوائجها علي خلاف محبة الله سبحانه التي هي عين النفس القدسية فيتعلق بها الجهل الذي هي من مظاهره فيجري المولود بذلك علي خلاف مرضاة الله ابداً و ان امن احياناً لايتقدس و لايصعد الي السموات و الجنان و انما يدخل في ادني مراتب الحظاير التي هي بين السماء و الارض و هو من شعاع الجنة الدنيا و مثل ذلك لايليق بان‏يصير مظهر صفات الله سبحانه الكاملة الحسني المحبوبة لله و لايليق بان‏يصير مكمل النفوس الطيبة التي خلقت من طينة السماوات افمن يهدي الي الحق احق ان‏يتبع امن لايهدي الا ان‏يهدي فالخبيث المولد لايدخل عرصة المومنين فضلاً عن الانبياء و المرسلين.

منها ان‏يكون سليم الاعضاء عن الزيادة و النقصان فان زيادة الاعضاء و نقصانها دليل كون الجسد و النفس مسخوطين معاقبين حتي ورد ان الزايد و الناقص بالخلقة ناصبان للحق و سر ذلك ان الهيئة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب الذي كتبه بيده و هي انموذج صور العالمين و هي الجسر الممدود بين الجنة و النار و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي مخلوقة علي صورته فهي ان كانت علي الوضع الالهي تجذب روحاً كاملة بالغة علي حسب محبة الله سبحانه و رضاه و تكون قابلة لتعلق اسماء الله سبحانه الثمانية و العشرين التي بها عمرت العوالم بحذافيرها فاذا زادت او نقصت خرجت عن الوضع الالهي الذي به كانت تتوجه الي عليين فتتوجه الي سجين ذلك بان الله لم‏يك مغيراً نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بانفسهم و لايكون ذلك كذلك الا ان‏يكون الداعي لسقوط النطفة النفس الامارة فلامرنهم فليغيرن خلق الله قال سبحانه لا تبديل لخلق الله اي لاتبدلوا باطاعة الشيطان فبعين الادلة السابقة لاينجب الزايد و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 48 *»

الناقص و يكون معيوب الجسد معيوب الروح كما روي كلما كان في اصل الخلقة فزاد او نقص فهو عيب و مثله الحلكوك و الاقرع و الكوسج و الاعور باليمين للولادة و الغربيب و المفصص بالخضرة و الابرص و المجذوم فقد روي ذم هولاء كلهم و روي فيما سوي الكوسج من هولاء انهم لايحبون ال‏محمد: و هم اعداؤهم حقا لهم نار جهنم و لهم عذاب الحريق و روي في الكوسج انك لاتجد في اربعين كوسجاً رجلاً صالحاً و علة كل ذلك تعرف مما بينا من البيان فلايجوز تلك الصفات في النفوس الكاملة و كلها عيوب يحرم بها صاحبها عن نيل السعادات فكيف بان‏تكون في الانبياء و المرسلين و هذه الامور في ظاهر الاعضاء.

و اما في باطنها فلايجوز ان‏يكون منحرف المزاج عن الاعتدال بحيث يوقعه في الامراض المذمومة كالصرع و الماليخوليا و المانيا و الامراض المنفرة للطباع و التي لها ارواح خبيثة حيوانية لها حركات غيرمنتظمة و اقوال غيرمتوافقة فانها كلها منافية للتوجه الي المبدأ و الاستمداد من عليين و الايصال الي الخلق و مايحكيه العامة من امراض ايوب و تولد الديدان في جسده و عفونته فذلك بهتان و افتراء كما روي عن اهل العصمة و الطهارة: و الله سبحانه اجل من ان‏يبعث رسولاً الي عباده للايصال و يامر العباد بالاقتراب منه و الاخذ عنه ثم يبتليه بما يتنفر منه الطباع و يشنع عليه العدو حاشا ثم حاشا و كذلك يجب براءته من امراض منافية لفهم الوحي و حفظه و الايصال كما استحفظ كالنسيان و السهو و البلادة و الحماقة و البلاهة و امثالها فانها منافية للغرض من وضعه.

و اما ساير الامراض الطارية التي لاتنافي التبليغ و الاداء و الفهم و الحفظ فذلك حظهم في الدنيا و هم اشد الناس بلاء و يعرضهم الافات كثيراً و لا نقص فيه و بذلك يعرف اضمحلالهم في جنب الله سبحانه و مقهوريتهم لامره و حكمه و كونهم عبيداً غير ارباب فلايستفزنكم الشيطان برؤيتكم امثال ذلك في الاولياء الكاملين فيوسوس لكم انه لو كان لهم مقام عند الله سبحانه لما كان يطرأهم هذه الامراض او لما كان تطول بهم او لو كانوا مستجابي الدعوة لكان يستجاب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 49 *»

دعاؤهم و يبرأون من امراضهم فانهم مسلمون لامر الله راضون بقضائه و لايفعل الله بهم الا الاصلح و لايقضي لهم الا ما هو خير لهم.

فصـل: و اما الصفات التي هي من حيث المقبول فهي علي قسمين قسم هو من حيث المقبول بالنسبة الي الرعية و هو بالنسبة اليهم من حيث القابلية ايضاً و قسم هو من حيث المقبول بالنسبة اليهم و لنذكر في هذا الفصل ما هو بالنسبة اليهم من حيث القابلية و بالنسبة الي الخلق من حيث المقبول و ذلك ان القابلية في الاشياء تختلف بحسب مراتبها ففي النبات حيث القابلية هو حيث الجمادية الذي هو المبدأ فما لم‏يعتدل جماديته و ترق و تحك ماوراءها و تثبته بنفي نفسها لم‏تظهر النفس النباتية عليها و لم‏تبرز عنها افعالها و اما حيث المقبول فهو المنتهي و الغاية منه و فيه و اما الحيوان فحيث القابلية فيه اثنان الجمادية و النباتية و ما لم‏تعتدلا و ترقا و تنفيا انفسهما لم‏تثبتا روح الحيوانية و لم‏يظهر عليهما و لم‏يبرز عنهما افعاله و اما الانسان فهو فيه الثلثة المذكورة فما لم‏تعتدل و ترق و تنف نفسها لم‏يظهر عليها النفس الناطقة و لم‏تبرز افعالها عنها فهي المقبولة و اما في الانبياء فهي من اركان القابلية فهي فيهم اربعة ما لم‏تعتدل بالاعتدال الكلي لم‏يظهر عليها روح النبوة و هو وجه من وجوه الروح الكلية الالهية و هو الروح من امر الله المشار اليه في قوله تعالي و نفخت فيه من روحي و قوله اولئك الذين كتب في قلوبهم الايمان و ايدهم بروح منه و يسمي بروح القدس لان وجوه روح القدس كلها تسمي باسمه و هو ما رواه في الكافي عن اميرالمومنين7 في حديث طويل قال في السابقين انهم انبياء مرسلون و غير مرسلين جعل الله فيهم خمسة ارواح روح القدس و روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن فبروح القدس بعثوا انبياء مرسلين و غيرمرسلين و بها علموا الاشياء و بروح الايمان عبدوا الله و لم‏يشركوا به شيئا و بروح القوة جاهدوا عدوهم و عالجوا معايشهم و بروح الشهوة اصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء و بروح البدن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 50 *»

دبوا و درجوا الي ان ذكر اصحاب الميمنة و هم المومنون حقا باعيانهم جعل الله فيهم اربعة ارواح روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن الي ان ذكر الجاحدين و ذكر ان فيهم ثلاثة ارواح روح القوة و روح الشهوة و روح البدن الخبر فروح البدن هي الحرارة الغريزية التي في البدن و بها قوامه و بقاؤه و بها يدب الانسان و يدرج و انما صارت الحرارة الغريزية دابة دارجة بفضل روح الحيوان الملقية عليها مثالها و روح الشهوة هي النفس النباتية الجاذبة الدافعة الهاضمة الماسكة المربية و خاصيتها الزيادة و النقصان و روح القوة هي روح الحيوان التي منها غضبه و رضاه و تدرك المحسوسات الظاهرة و روح الايمان هي النفس الناطقة القدسية التي تؤمن بالله و لاتكفر ابداً و هي روح الانسان و ليست في الكافر فانهم ان هم الا كالانعام و اما روح القدس فهي روح النبوة التي هي المعصومة المطهرة و هي المقبولة فيهم و الارواح الاربعة الاول هي القابلة فيهم فروح الايمان اي النفس الناطقة مقبولة في المومنين و قابلة فيهم.

و لهم من حيث روح الايمان اي الانسانية ايضاً خصال و صفات يعرفون بها ليست في غيرهم فان القوابل ما لم‏تستكمل لم‏تستحق الامداد من الله سبحانه بروح اعلي و اقرب الي المبدء فوجب ان‏تكون انسانيتهم اكمل من انسانية ساير الرعية و صفاتها اكمل و اتم من جميع صفات الاناسي فيكونون كاملين في العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و يعتدل بروح انسانيتهم الروح الحيوانية و يعتدل صفاتها التي تدور علي قطبي الشهوة و الغضب فلايكون شي‏ء منها في حد الافراط و التفريط فتكون شجاعة كاملة لا متهورة و لا جبانة و تكون سخية جوادة لا مسرفة مبذرة و لا قتوراً بخيلة و تكون عزيزة كريمة لا متكبرة و لا دنية لئيمة و هكذا بمقتضي عليك بالحسنة بين السيئتين تكون في جميع الصفات ناشئة القطب لا شرقية مفْرطة و لا غربية مفرّطة و كذا يعتدل بها روح نباتيتهم فلاتشتهي ما يخالف محبة الله بالطبع بل ما يوافق في جميع الاحوال و كذا جماديتهم فاذا كملت اركان قابليتهم كذلك استعدت للاصطفاء و الاجتباء و صلحت لتعلق روح

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 51 *»

النبوة بها و ركوبها عليها فانها مطاوعة ذلول لها تقدر ان‏تظهر عنها افعالها و تبلغ عليها رسالاتها و تحمل اثقالها الي بلد لاتكون بالغته الا بشق الانفس و حاصل الفصل ان روح الانبياء سلام‏الله عليهم معتدلة في الصفات كاملة و هم فيها اكمل من جميع الرعية قاطبة فان جميعهم منحرفة عن حد الاستواء و لذلك لم‏تحك الروح العليا و لايحكي احد الاَعْلي الا و يكون واقفاً علي القطب متوسطاً في محل القلب فالانبياء اقطاب دائرة الاناسي و قلوبهم و جهتهم الي بارئهم و محل نظر الرب منهم و حبل الله الممدود بينه و بينهم و ظاهره و معانيه لهم و كعبته و وجهته فيهم و لسان دعوتهم اليه و لسان دعوته اليهم و ترجمان الطرفين و السفير بينهما و البرزخ و السلم و الدرجات و امثال ذلك.

و ان قلت ان الانبياء و المرسلين كانوا متعددين في الاعصار و كذا ساير الحجج و كيف يجوز ان‏يكون لدائرة اقطاب قلت اما اولاً فانهم متعددون في الظهور متحدون في النور و اشهد ان ارواحهم و نورهم و طينتهم واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض ان الله اصطفي ادم و نوحاً و ال‏ابرهيم و ال‏عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض و الله سميع عليم و اما ثانياً فاية ذلك التي ارانا الله‌سبحانه اياها القلوب المتعددة الحاكية للروح الحيوانية في الابدان النباتية الجمادية فان كل قلب قطب في دائرة الجمادات و النباتات معتدل يحكي الروح الاعلي و مع‏ذلك في كل بدن قطب و قلب و في العصر الواحد قلوب و اقطاب و هو مثل للانبياء سلام‏الله عليهم فانهم قلوب الاناسي و قد اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فشاركت بها السبع الشداد و كما ان كل حصة من الجماد فيها قوة الاعتدال فاذا اعتدلت ظهر عليها روح النبات و كل حصة من النبات فيها قوة الاعتدال فاذا اعتدلت صلحت لظهور الروح الحيوانية عليها كذلك الحصص الانسانية كل حصة منها صالحة للاعتدال فاذا اعتدلت ظهر عليها روح النبوة و اذا اعتدلت كانت قلباً لغير المعتدلين كساير القلوب و تعدد القطب لايجوز اذا كان قطب كل الملك و كان الملك له دائرة واحدة تدور حوله و اما اذا كان القطب جزئياً فلا امتناع من تعدده كتعدد قلوب الاناسي و عند التحقيق لايكون كل قلب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 52 *»

من القلوب الجزئية معتدلاً حقيقياً من كل جهة كماً و كيفاً و جهة و رتبة و وقتاً و مكاناً و وضعاً و اجلاً و غير ذلك من الجهات و الحدود فهم اقطاب معتدلة نسبية و يجوز تعددها و الواحد الفرد الذي تريده هو قطب الانبياء و خاتم الاصفياء و فاتح الاولياء فذلك هو الفرد البري‏ء عن التشاكل و التماثل بساير اهل الدائرة و مع‏ذلك الغالب عليهم اي الانبياء: الوحدة.

بالجملة يجب ان‏يكون انسانية الانبياء: اكمل من جميع الرعية و اعدل و ان كانوا يتفاوتون فيما بينهم و يكون بعضهم اكمل من بعض و اي شي‏ء ادل علي ان انسانيتهم اكمل من ساير الرعية من انه قدتعلق بهم روح النبوة و لم‏يتعلق بساير الرعية كما انه لا شي‏ء ادل من كون نباتية الحيوان اكمل من ساير النباتات من ان الروح الحيواني تعلق بالحيوان دون ساير النباتات فلو كان نباتية النباتات بصفاء نباتية الحيوان لحكت الروح الحيواني كما حكته نباتية الحيوان و كذلك لو كان انسانية ساير الاناسي بصفاء انسانية الانبياء لحكت روح النبوة كما حكته انسانية الانبياء فتدبر و انصف فما روي ان منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الانبياء في بني‏اسرائيل فهو تشبيه في حفظ شريعة خاتم النبيين صلوات‏الله عليه و اله و ايصالها الي الخلق كما ان انبياء بني‏اسرائيل سلام‏الله عليهم كانوا حفظة شريعة موسي7 و موصليها الي الخلق كما قال الله سبحانه انا انزلنا التورية فيها هدي و نور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا و الربانيون و الاحبار بما استحفظوا من كتاب الله و كانوا عليه شهداء الاية و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ ان شاءالله.

فصـل: و اما الصفات التي في الانبياء سلام الله عليهم من حيث المقبول فيهم اي تخص بروح النبوة فهي امور عديدة يجمعها قول اميرالمومنين7 في صفات النفس الكلية الالهية ان لها خمس قوي و خاصيتين اما القوي فهي بقاء في فناء و نعيم في شقاء و عز في ذل و فقر في غناء و صبر في بلاء و اما الخاصيتان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 53 *»

فالرضا و التسليم و لنشيرن الي بعض تفاصيل هذه القوي.

اعلم ان المراد بالقوي افعال كلية صادرة عن كامل في معناه قدتعددت بحسب المتعلقات الكلية و هي من حيث الصدور من ذلك الكامل واحد فاذا فعله المطلق المتعلق بمحل مطلق بالنسبة الي مادونه مقيد بالنسبة الي مافوقه سمي قوة بالنسبة الي مادونه لانه يصلح ان‏يتعين بجزئيات شخصية و يصير في بطنها فعلاً شخصياً و انما مثل ذلك الادراك المطلق الصادر عن النفس قد تعلق بالعين فصار قوة باصرة يمكن ان‏تدرك بها جميع الاضواء و الالوان فاذا تعلقت بلون خاص ادركته فصارت ادراكاً لذلك اللون بالفعل و كان في البصر بالقوة فالادراك المطلق قوة القوي و هو كالجنس من النوع و الباصرة قوة ابصار الالوان فهي كالنوع من الشخص فالنفس لكمالها لها قوي فان كانت نباتية فقويها الجاذبة و الهاضمة و الدافعة و الماسكة و المربية و ان كانت حيوانية فقويها الباصرة و السامعة و الشامة و الذائقة و اللامسة و ان كانت ناطقة فقويها العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و هي امور مطلقة لا تعين لها بشي‏ء من الجزئيات الا في بطون متعلقاتها فهي قوة الافعال الجزئية فاذا تعلقت بالجزئيات تعينت و صارت جزئية.

و كذلك للنفس الكلية الالهية ظهور كلي و هو قوة القوي النوعية و ذلك الظهور هو الشبح المنفصل من الشبح المتصل بها المطابق لصورة مشية الله سبحانه المتعلقة بها المحبوبة له سبحانه فان مشيته سبحانه متهيأة علي هيئة محبته و اثرها مادته صفة مادتها و صورته صفة صورتها فصورة النفس علي حسب محبة الله سبحانه و رضاه لايخالف حد منها حداً لها قال الله سبحانه تعليماً لنبيه9  قل اان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و الشبح المنفصل منها الذي هو ظهورها الكلي ايضاً علي حسب محبة الله سبحانه و هو اطلاق جميع شــٔون المحبة و يتنوع في تلك القوي الخمس بحسب متعلقاته الكلية و هي البقاء و النعيم و العز و الفقر و الصبر علي نهج الكلية فمن كان فيه النفس الكلية الالهية حاصلة بالفعل لابد و ان‏يكون له هذه القوي موجودة كما اذا حصل لمركب روح الحيوان لابد و ان‏يكون له البصر و السمع و الشم و الذوق و اللمس موجودة ان لم‏يكن به علة.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 54 *»

فالبقاء لها قوة نوعية كلية لها متعلقات جزئية في الدنيا علي حسب مقتضاها في صاحب النفس من ثبات نوره بحيث لايستهلكه ظلمة باطل و قيام حجته بحيث لايدحضها مبطل و احقاق حقه بان‏يقرره الله سبحانه و يسدده و يصدقه و لايخرم امره و لايقبض عنه امداده و يجري علي يديه مايوافق تحديه و علي لسانه مايثبت به ادعاؤه فهو باق في نوره و حجته و حقيته بابقاء الله سبحانه لايفني ابداً اذ هو وجه الله الذي قال الله سبحانه فيه كل من عليها فان و يبقي وجه ربك ذوالجلال و الاكرام فهو باق بابقاء الله سبحانه في فنائه في جنب الله سبحانه علي حذو قول الشاعر * فكانما خمر و لا قدح *  فلما افني حيث نفسه اظهر ربه القديم الباقي و هو عند الله سبحانه لانه لايضاف الا اليه و قال الله سبحانه و ما عند الله خير و ابقي و قال ما عندكم ينفد و ما عند الله باق و هذا البقاء هو الذي يعرف منه في الدنيا و يمتحن به فكل فاني الامر غير ات من عند الله و ليس له نفس الهية باقية و هو من النوافد التي عند الخلق البتة و اما البقاء الذي له في البرزخ بين النفختين و في القيمة فهو خارج عن محل البحث و ظاهر لمن نظر ان شاء الله.

و النعيم لها اي للنفس الكلية قوة اخري كلية و لها ايضاً متعلقات جزئية في الدنيا علي حسب مقتضاها فصاحب النفس الكلية لايتعب و لايمل و لايكسل من طاعة ربه و ذكره و امتثال اوامره و اجتناب نواهيه و ليس اعماله من تكلف كما يقال انه ليس في الجنة تكليف و انما ذلك لاجل كونهم في النعيم و لا شقاء لهم اي لا تعب كما نزل علي النبي9 طه ماانزلنا عليك القران لتشقي فالنبي دائماً في النعيم يلتذ من طاعة ربه كما يلتذ النفس النامية من قويها و الحيوانية و الناطقة من قويهما كما قال الحسين7 في الدعاء غيرضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني و قال السجاد في مناجاته يا نعيمي و جنتي و يا دنياي و اخرتي و في القدسي يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فانكم تتنعمون بها في الاخرة و عن النبي9 افضل الناس من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 55 *»

عشق العبادة فعانقها و احبها بقلبه و باشرها بجسده و تفرغ لها فهو لايبالي علي ما اصبح من الدنيا علي عسر ام علي يسر بالجملة صاحب النفس الكلية ابداً في نعيم و دعة و خفض بعبادة ربه مسرور به و ان كان في شقاء و شدة و عسر من دنياه او تعب و عطب و محنة من طاعة ربه و شدة انقطاعه و تفرغه للعبادة و رياضة نفسه و جشوبة الملبس و خشونة المطعم فهو دائم التلذذ مسرور بالعبادة غير سئم و لا مال و لا كسل ابداً.

و العز لها قوة اخري اذ لله العزة و لرسوله و للمومنين و ان كان في ذل بحسب اسباب الدنيا فهو عزيز القدرة عزيز الحجة غالب علي كل من يجادله او يغالبه او يقابله لايقهر و لايغلب اذ كل عزيز غالب الله مغلوب فعلامة النبي المتصل بالله العزيز جل‏شانه ان لايغلب عليه عدو الله و لا الشيطان فلايستولي عليه عدو انسي بان‏يستفزه او يغره او يدحض حجته او يبطل امره او يخدعه او يشبه عليه امراً و لا شيطان جني بان‏يحمله علي خطيئة او يصيبه بغضاضة في دينه بسهو او نسيان او خطاء او عمد او غير ذلك فان العز في طاعة الله و الذل في معصية الله كما روي عن الصادق7 مانقل الله عزوجل عبداً من ذل المعاصي الي عز التقوي الا اغناه من غير مال و اعزه من غير عشيرة و انسه من غير بشر والنبي معصوم عن جميع الخطيئات و الدناءات و المكاره و النقائص فهو عزيز غالب علي جميع الرعية و ان كان ذليلاً في الدنيا او عند نفسه علي معني قول السجاد7 لاترفعني عند الناس درجة الا و حططتني عند نفسي مثلها و هو عزيز في تذلله عند ربه و تبصبصه لديه و خضوعه و خشوعه و تسليمه في ارتكابه جميع ما امر به و ان كان في الظاهر فيه ذلة و مهانة عند الناس كما روي في زيارة الحسين7 لا ذليل و الله معزك و لا مغلوب و الله ناصرك.

و الفقر لها قوة اخري و لها جزئيات بحسب المتعلقات فهو فقير الي الله سبحانه و ان كان غنياً في دنياه و بالله سبحانه لايري لنفسه استقلالاً و لايري فيه و لايسمع منه دعوي استقلال في شي‏ء من اقواله و اعماله و احواله و لايستند في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 56 *»

شي‏ء من ذلك الي نفسه و هو حاك جميع ذلك عن ربه لايطغي بما يري في نفسه من القوة و القدرة و الورع و التقوي و المال و العز و السلطنة و الرياسة العامة و يظهر منه اثار الفقر و الفاقة الي ربه في جميع ذلك و هو دائم المسئلة الي الله سبحانه يفتخر به كما روي الفقر فخري و به افتخر مستشعر في جميع الحالات لقوله سبحانه ياايها الناس انتم الفقراء الي الله و الله هو الغني و قد استغني بشدة فقره و سؤاله الي الله سبحانه امداده و فيوضه عن كل ما سوي الله سبحانه لايحتاج معه الي غيره و لايتكل الي سواه و لايستعين بغيره ابداً فذلك احدي علامات هذه النفس لاتوجد في احد الا و قد حدثت فيه.

و الصبر لها قوة اخري كلية و لها شــٔون متعلقة بانواع المصائب و المحن فيكون كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف في الهزاهز وقور و في البلايا صبور مع انه قد روي عن الصادق7 ان في كتاب علي7 ان اشد الناس بلاء النبيون ثم الوصيون ثم الامثل فالامثل و انما يبتلي المومن علي قدر اعماله الحسنة الخبر فهم مع ذلك صابرون مع الرضا بقضاء الله و قدره و سرور بما اجري الله عليهم من المصائب و المحن عالمون بانها هدية الله اليهم و حمية لهم عن لذات الدنيا و محنة و ابتلاء حتي يبلغوا بالصبر عليها درجات الصابرين و يوجروا بغير حساب كما قال الله سبحانه انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب و قال وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون فلايري عليهم جزع و شكوي ابداً مع شدة ابتلائهم باذي قومهم و في ابدانهم و اموالهم و اهليهم و يرون في جميع الاحوال حامدين شاكرين مسرورين صابرين صبراً جميلاً بلا شكوي لاينطقون بما يوهم عدم الرضا بالقضاء و لايصبرون مع ذلك صبر من لايجد حيلة بل مع شدة قدرتهم و استيلائهم بالله علي دفع البليات عن انفسهم يسلمون لامر الله سبحانه و رضاه و يتلقون البلايا كتلقي الرجل محبوبه و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 57 *»

هدية محبوبه و ذلك امر عظيم و شان جليل لهم لايقدر عليه دائماً غيرهم صلوات الله عليهم و الصبر هو راس الجميع و الجامع لطبايع جميع القوي كما ان المربية حاصلة جميع القوي النباتية و المركبة من طبايعها و اللامسة مركبة من طبايع ساير القوي و ظاهرة في جميعها و النباهة حاصلة جميع القوي الانسانية و سارية في جميعها و لذلك روي عن الصادق7 الصبر من الايمان بمنزلة الراس من الجسد فاذا ذهب الراس ذهب الجسد كذلك اذا ذهب الصبر ذهب الايمان انتهي و ذلك ان الصبر له مراتب اوليها الصبر علي البقاء في الفناء تحت ظهور نور المحبوب و حصر النظر اليه دائماً و ثانيتها الصبر علي طاعة الله بادامتها و عدم حبطها بما ينافيها و الثبات عليها في السراء و الضراء و الشدة و الرخاء و ثالثتها الصبر علي التذلل و التبصبص و عدم الطغيان بما يري في نفسه من العزة و الغلبة و الاستيلاء و رابعتها الصبر علي الغني عن الخلق و الفقر الي الله سبحانه و الفقر في الدنيا و الاعراض عما سواه سبحانه و وجدان الفاقة منه الي امداده سبحانه و فيضه في كل حال و خامستها الصبر علي البلايا و المحن الطارية في نفسه و ماله و اهله و علي ما ابتلاه الله سبحانه به من اوامره و نواهيه.

بالجملة الصبر مقام جامع نافذ في جميع القوي و حاصله كون العبد عند ربه كالميت بين يدي الغسال يتقلب كيف يقلبه و يبقي علي الحال التي قضي عليه مسلماً حتي يقلبه الي حالة اخري و لايكون له ارادة و لا مشية مع ارادته و مشيته و لايستنكف و لايستكبر عما قضي عليه و لايكون في طبعه ما ينافي قضاء ربه و مشيته و محبته و ذلك ان الجزع من منافاة الطبع مع ما يرد عليه و النبي طبعه ملايم لمشية الله سبحانه مشتاق لما يشاء له فهو يقول كما قال الشيخ الاوحد شعراً:

فان صفا و ان وفي و ان جفا هو الحبيب اي حال ارتضي

فذلك خلاصة تفصيل قوي النفس الكلية الالهية علي سبيل الاختصار.

و اما الخاصيتان فهما الرضا و التسليم اما الرضا فهو اعلي درجات الايمان فانه لايتحقق في امرء الا اذا كان علي طبق مشية الله و محبته لايكون لقابليته صبغ

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 58 *»

و لا شكل ينافي صفة المشية فيكون مادة كينونته علي طبق مادة المشية و صورته علي طبق صورة المشية و لم‏يلحقه عرض ينافي الراس المتعلق به من المشية فهو مسرور متبهج ابدا بما يسر الله سبحانه و بما يحب و لايشاء الله له شيئاً  الا ما يحب و ذلك لايكون الا في اشبه الخلق بمشية الله سبحانه و اوفقهم لها و لذلك يكون الرضا خاصة النفس الكلية التي لا نفس فوقها و هي اول اثر صدر عن المشية و احكي شي‏ء لها و خاصة الشي‏ء ما لايوجد في غيره و كذلك لايوجد الرضا في غير هذه النفس لان كل ماسواها متنزل عن مقام اول الصدور مشوب بما ينافي المشية من لوازم درجات البعد البتة كما روي في القدسي يا ادم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فاذا كان هذا حال غير اولي‏العزم فما ظنك بساير الخلق و بتلك المخالفة قديصدر ترك الاولي عن بعض النبيين الا انها لاتبلغ بهم حد المعصية و بقدر تلك المخالفة يحدث في صاحبها عدم الرضا فمثل ادم7 بروحه و عقله يرضي لانه من روح الله الا انه بطبيعته ليس يرضي كل الرضا و انما يحملها عقله علي الرضا كرهاً كما يتركون المومنون المعاصي فالرضا المحض الخالص شأن اصحاب النفس الكلية و من خواصهم و لا درجة اعلي منه كما روي عن علي بن الحسين8 الزهد عشرة اجزاء اعلي درجة الزهد ادني درجة الورع و اعلي درجة الورع ادني درجة اليقين و اعلي درجة اليقين ادني درجة الرضا و عنه7الصبر و الرضا راس طاعة الله و عن ابي‏عبدالله7 اعلم الناس بالله ارضاهم بقضاء الله.

بالجملة الرضاء بالطبع شأن اول صادر عن المشية المطابق لها بطبيعته و هو من خواص النفس الكلية لايشاركها غيرها و كذا التسليم الا ان التسليم ادني من الرضا بدرجة و هو اخوه الاصغر و شقيقه الادني و هما بمنزلة الايمان و الاسلام و القلب و الصدر و النبوة و الولاية و كمال التسليم ان لايجد الانسان في نفسه حرجاً من قضاء الله سبحانه كما قال الله سبحانه فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً و قال علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 59 *»

7 في حديث نسبة الايمان الاسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين و اليقين هو التصديق و التصديق هو الاقرار و الاقرار هو العمل و العمل هو الاداء الخبر فالتسليم هو اليقين و اليقين ادني من الرضا بدرجة و قيل لابي‏عبدالله7 باي شي‏ء يعلم المومن بانه مومن قال بالتسليم لله و الرضاء فيما ورد عليه من امر سرور او سخط.

بالجملة التسليم و الانقياد الحقيقي من خواص اول صادر من المشية فانه اطوع الخلق له و اشدهم انقياداً لامره سبحانه فمن سلم و انقاد لامر الله سبحانه و انفعل عند فعله كما شاء و اراد وجد علي حسب ما اوجده ففاز بدرجة الرضاء و السرور و المحبة لما يحب الله سبحانه له فلايحب الله سبحانه الا ما يحب و لايحب الا ما يحب الله سبحانه علي حذو ما قال الشاعر:

لي حبيب حبه حشو الحشا ان يشا مشياً علي جفني مشي
روحه روحي و روحي روحه ان يشا شئت و ان شئت يشا

فالتسليم من خواص جهة النفس الكلية الالهية الي نفسها و الرضا من خواص جهتها الي ربها و ما يري من تلك القوي و الخاصيتين في ساير المومنين فانما هو اظلال و انوار وقعت منها في بعض قوابلهم المستعدة البرزخية كما يوجد صفة بعض خواص النما في المعادن البرزخية و صفة بعض خواص الحيوان في النباتات البرزخية و صفة بعض خواص الانسان في الحيوانات البرزخية و كذلك يوجد بعض صفات هذه القوي و الخاصيتين في بعض الاناسي البرزخية و وجودها علامة برزخية الانسان بين النبوة و الانسانية بالجملة لقد طال الكلام ازيد مما يليق بهذا الكتاب.

فالنبي يعرف من غير النبي بالبقاء و النعيم و العز و الفقر و الصبر و الرضا و التسليم كما يعرف الحيوان بالبصر و السمع و الذوق و الشم و اللمس و الرضا و الغضب بلاتفاوت فانها قوي كلية لها اثار جزئية في الموارد و الوقايع لاتشتبه بغيره كعدم اشتباه الظل بالحرور و الظلمات بالنور فالبقاء لايشتبه بالفناء و النعيم بالشقاء و العز بالذل و الفقر بالغنا و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 60 *»

الصبر بالجزع و الرضا بالسخط و التسليم بالرد و،

ثوب الرياء يشف عما تحته و ان التحفت به فانك عاري

فاني يشتبه امر المتنبي بالنبي و المدعي بالواقعي و من اين ياتي المتنبي بخصال النبوة و هل يقدر المعدن ان‏يظهر من نفسه قوي النبات و هل يقدر النبات ان‏يظهر من نفسه قوي الحيوان و هل يقدر الحيوان ان‏يظهر من نفسه قوي الانسان فالمدعون لاشتباه الامر و الاضطراب في معرفة الواقع كاذبون و تاركون للجهاد و النظر و لله الحجة البالغة قال الله سبحانه هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوا الالباب و قال لايستوي اصحاب النار و اصحاب الجنة اصحاب الجنة هم الفائزون و قال للذين لايؤمنون بالاخرة مثل السوء و لله المثل الاعلي و المثل هو الصفة و قال ضرب الله مثلاً رجلين احدهما ابكم لايقدر علي شي‏ء و هو كل علي مولاه اينما يوجهه لايات بخير هل يستوي هو و من يامر بالعدل و هو علي صراط مستقيم و قال افمن كان مومناً كمن كان فاسقاً لايستوون و قال مايستوي الاعمي و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و مايستوي الاحياء و لا الاموات الاية و قال هل يستوي الاعمي و البصير افلا تتفكرون و قال ام نجعل الذين امنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار الي غير ذلك من الشواهد الافاقية و الانفسية فلا اشتباه و الحمد لله.

فصـل: ان الخصال السبع التي ذكرناها في الفصل السابق هي الكليات التي لايقدر كل احد علي استخراج الجزئيات منها فلابد و ان‏نذكر بعض الجزئيات تنبيهاً.

فمنها العصمة و هي في اللغة المنع و المعصوم هو الممنوع و في الاصطلاح ملكة ربانية يمتنع بها صاحبها عما يكرهه الله مع القدرة علي فعله فمن خصال الانبياء سلام‏الله عليهم انهم معصومون بعصمة الله و لا شك ان الله سبحانه لايعصم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 61 *»

احداً بذاته و انما يعصمه بفعله و فعله هو عصمته التي بها يعصم من يشاء عما يشاء كيف يشاء هذا من جهة الفاعل و اما من جهة القابل فالمعصوم هو كل قابل كائن علي الفطرة التي فطر الله الناس عليها و هي اي تلك الفطرة فطرة الله و هي مطابقة الاثر مع صفة موثره و ذلك ان الله سبحانه لا من شي‏ء كان و لا من شي‏ء كون ما قد كان و كون ما كوّن بمشيته علي حسب ما شاء و اراد لا راد لحكمه و لا مانع من قضائه فكان جميع ما كوّنه علي حسب ارادته و صفة مشيته و طبق محبته لم‏يوجد ما لم‏يحب و لايحب الا ما اوجد لا شريك له في خلقه و لا ممتنع عن امره فكان جميع ما كان محبوباً له مطابقاً لمحبته و ذلك ما كان يقال ان الاثر علي حسب صفة موثره و هذا الخلق بهذا اللحاظ هو الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها و هي فطرة التوحيد و هيكل التفريد و ذلك قوله و لئن سألتهم من خلق السموات و الارض ليقولن الله و قوله كان الناس امة واحدة و بهذه الفطرة ثبتت الدعوة و قامت الحجة و قال لهم الست بربكم قالوا بلي و هذه الفطرة مادتها صفة المشية و صورتها صفة الارادة و تخطيطاتها صفة اطراف الارادة التي هي نهايات المحبة محفوظة بحفظ الله معصومة بعصمة الله قائمة بمشية الله ممسكة بارادة الله و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و لايــٔوده حفظهما و هو العلي العظيم ان الله يمسك السموات و الارض ان‏تزولا و هذا حين دوران فلك الخلق علي القطب و استواء الافاق فاذا دار علي المحور و جاءت الاضافات و النسب و القرانات تغيرت البلاد و من عليها و حصلت الافاق المائلة و جاء الواعدان و قام الداعيان و جري علي اقوام حكم التغيير و سر التبديل بمقتضي قوله لامرنّهم فليغيرن خلق الله و بقي اقوام علي الفطرة بمقتضي الا عبادك منهم المخلصين و اخذت العهود و اقيمت الشهود فحصل للخلق وجود ثان وصفي فعلي بعد ما كانوا موجودين بالوجود الكوني الوصفي و جاء حكم لايزالون مختلفين و حكم ولكن اختلفوا فمنهم من امن و منهم من كفر و لو شاءالله مااختلفوا و نسخ حكم ما خلقت الجن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 62 *»

و الانس الا ليعبدون فتغيرت ذوات في بطون اوصاف مخالفة و استحالت و بقيت ذوات علي حالها الاول في بطون اوصاف موافقة بل استكملت و تلطفت و رقت و صعدت لما كسرت و نعمت و خرجت قويها الي الفعلية و ظهرت بواطنها الكامنة و اسرارها الخافية المستجنة فهيهنا جاء الاختلاف في درجات الخلق فمنهم من اتبع داعي الرب الذي لم‏يدع الا الي جهة الفطرة المطابقة لمحبة الله سبحانه بجميع مراتبه و مقاماته و لم‏يخالف رضا الله سبحانه في حرف واحد و كسرت ذاته و نعمت و لطفت و خرج ما استجن فيها من القوة الي الفعلية و من الاجمال الي التفصيل و من الجمود الي الذوبان فلطف و صعد بحرارة الداعي بما لا نهاية له الي ما لا نهاية له باقدام الامتثالات فانبسط و سري و جري و حوي و نفذ و توحد و هذا هو الكمال المطلوب من الخلق اذ لا كمال في الاكوان العامة المشتركة و انما الكمال في الفعليات الخارجة من القوة و هي الوجود التشريعي و منهم من خالف الداعي بجميع مراتبه و مقاماته و غير و بدل بجميع انحاء التغيير و التبديل و تسربل بسرابيل بغض الله سبحانه و سخطه فاحال في صورته الشرعية مادته الكونية فتكثف و تغلظ و تثقل و هوي و هبط الي اسفل سافلين كما قال سبحانه خلقنا الانسان في احسن تقويم اي علي صورته المحبوبة له ثم رددناه اسفل سافلين فهبط بما لا نهاية له الي ما لانهاية له باقدام المخالفات فانقبض و انجمد و تيبس فتفرق و تقطع و تكثر نعوذ بالله و ما بين هذين بين بين كلما يقرب من ذلك العالي يكون اقل مخالفة و اكثر مطابقة و كلما يقرب من الداني يكون اكثر مخالفة و اقل مطابقة للفطرة التي هي هيكل التوحيد و سبب الدوام و الثبات و النعيم و التوافق و البقاء فاختلفت درجات العصمة هيهنا.

فالعالي المذكور اي الفاتح الخاتم هو المعصوم بحقيقة العصمة و حقها كما سنذكره ان شاءالله و اما من دونه من الانبياء و الاوصياء فعلي حسب درجاتهم و كل من يحفظ عما يخالف الفطرة المطابقة لمحبة الله من قول او فعل او صفة فبحفظ الله سبحانه و منعه و عصمته ما اصابك من حسنة فمن الله و ما اصابك من سيئة فمن نفسك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 63 *»

ذلك بان الله اولي بحسناتك منك و انت اولي بسيئاتك من الله سبحانه و انما ذلك ان الحسنة كل عمل يودي الي الاتحاد و التفرد و التوحد و الانتظام و الارتباط الذي هو من مظاهر الوحدة و الثبات و الدوام اللذين هما من مظاهر القدم و التنزه و التصفي عن شوائب الكثرة و الفقر و امثال ذلك و جميع ذلك من الواحد المنان و بارشاده و توفيقه و ذكره للعبد و نوره و هدايته و هو اولي به و اضداد ذلك سيئات و هي ليست من الواحد و لا اليه لكن منك و اليك فجميع حسنات الملك من الله و كل من لم‏يصدر منه ما يخالف الواحد فبعصمة الواحد القهار.

فالخلق في عالم التشريع علي درجات فاولها مقام الفاتح الخاتم و المبدا المنتهي و هو مقام محمد و آل‏محمد: كما ياتي مفصلاً ان شاءالله فهم لقوة سر الاحدية فيهم و كمال فطرتهم و كونهم اول الكاينات دفعوا عن انفسهم بالله شوائب الكثرات و لم‏ينفعلوا من تعاكس ساير الخلق و لم‏يميلوا الي غيره سبحانه في شي‏ء من مراتب وجودهم فلم‏يغيروا و لم‏يبدلوا فطرتهم التي هي فطرة التوحيد و اعظم اية من ايات التفريد فجروا في جميع اقوالهم و افعالهم و عقايدهم و صفاتهم و توجهاتهم علي مقتضي تلك الفطرة المطابقة لمحبة الله سبحانه فصاروا احباء الله و محبوبيه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله.

فهم: معصومون في افعالهم و اقوالهم لايفعلون شيئاً الا ما يوافق رضا الله سبحانه لايعصُون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون و لايقولون الا ما يطابق قول الله سبحانه و لو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ما قلت لهم الا ما امرتني به و يصدر عنهم ذلك بمقتضي سجيتهم و فطرتهم من غير كلفة كما يصدر الافعال النباتية عن النبات و الحيوانية عن الحيوان بمقتضي طبعهما الذي جبلا عليه فانهم اصحاب النفس الكلية التي مقتضاها مطابقة امر الله سبحانه و لاينافي ذلك اختيارهم فان فيهم ما يمكن ان‏يخالفوا ذلك به ولكنهم قهروه حتي اطمان تحت النفس الكلية الالهية قيل يا رسول الله الك شيطان قال نعم ولكنه اسلم فلايشاءون الا ان يشاء الله و لايعملون بمقتضي عادة و لا طبيعة و لا شهوة و لا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 64 *»

غضب الا ما يوافق منها رضا الله و محبته و امره لانقهار هذه المراتب منهم تحت تلك النفس الكلية الالهية.

و هم معصومون عن السهو و النسيان و الخطاء و الغفلة و الزلل فانهم مويدون بروح‏القدس و هو عقلهم و هو الغالب القاهر علي ما فيهم من الانسانية و الحيوانية و النباتية و الجمادية و الحكم حكمه و الامر امره و هو لايسهو و لايلهو و لاينسي و لايخطي و لايغفل و لايزل فانه امر الله سبحانه و حكمه و فعله و ارادته والله سبحانه منزه عن ذلك كله و لايصدر من امره ذلك فكيف يجوز ان‏يظهر منهم ذلك حاشاهم و ما روي مما يوهم ذلك فانها روايات عامية او صادرة عن تقية مخالفة للكتاب و الاخبار النافية مخالفة للعامة موافقة للعقل المستنير مؤيدة باخبار متواترة معني توجب ذلك و تلزمه و موافقة للكتاب فان الله سبحانه امر باتباعهم و التاسي بهم و فرض طاعتهم علي الاطلاق و نفي عنهم مشية تخالف مشية الله علي الاطلاق و العموم و القول بان سهوهم بالاسهاء قول صدر عن غير حكمة فان الله خلقكم و ما تعملون و كل فعل يصدر من فاعل باصحاب الله مشيته اياه و لا عمل الا بالله قال في القدسي خلقت الخير و الشر طوبي لمن اجريت علي يديه الخير و ويل لمن اجريت علي يديه الشر و كذلك القول بجواز السهو في الاعمال و نفيه في الامور التبليغية فان كليات الحكمة لاتقبل التخصيص فالذي يغلب عليه الانية و الشيطان في عمل لايؤمن عليه من ان‏يغلب عليه في كل شي‏ء و هذه البداوات نقص او كمال ظلمة او نور شر او خير مبغوضة لله او محبوبة لاسبيل الي الثواني فهي نقص و ظلمة و شر و مبغوضة فهي من الشيطان فالذي يصدر منه ذلك يستحوذ عليه الشيطان البتة و مبغوض لله و ليس بحبيب لله و حين صدورها منه معرض عن ربه مقبل الي الشيطان فالروح الساكن فيه العامل به روح الشيطان لا روح الله و لذلك روي انه لايزني الزاني و هو مؤمن لانه يفارقه روح الايمان حين ادباره عن الله و الذي يتعاقب عليه الروحان ليس بقابل للتلقي من الله و لافتراض الطاعة علي الاطلاق و قال الشيطان لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و هم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 65 *»

مخلصون اجماعاً فلا سبيل للشيطان عليهم فاني و اني فهولاء ادعوا علي حججهم ما لم‏يجسر علي ادعائه الشيطان.

و ما ورد في القران مما يوهم ذلك فهو من الايات المتشابهة و تاويلها عند الراسخين في العلم و قد روي ان القران نزل علي اياك اعني و اسمعي يا جاره والقران كتاب مصنف من الله سبحانه و كما يقع في ساير الكتب خطابات كاعلم و تدبر و ان قلت كذا و امثال ذلك و لايقصد به شخص معين و انما يقصد به ناظر علي الابهام و من يناسبه ذلك كذلك القران يقصد بكل اية منه من يناسبه و يليق به لا النبي9 بخصوصه فقوله و اذكر ربك اذا نسيت يعني به ايها الناظر المطلع علي كلامي الذي يقع منه مثل ذلك كقوله لئن اشركت ليحبطن عملك و قبيح ان‏يخاطب بذلك من لايحتمل فيه ذلك بالجملة هم سلام‏الله عليهم معصومون من هذه البداوات بالكتاب و السنة و دليل العقل المستنير و الاجماع الذي فيه المعصوم يقيناً و قد تقرر عليه مذهب الاثني عشرية في زماننا هذا و الحمد لله و المرتاب في ذلك خارج عن الاجماع قطعاً و مخالف للاخبار المتواترة بلا شك.

و كذلك هم معصومون سلام‏الله عليهم من الاتصاف بغير صفات الله في نفوسهم فانهم مرايا صفات الله و اسمائه المنزهة عن كل صبغ و شكل يخالف ذلك بل هم صفات الله و اسماؤه فلايوجد في نفوسهم صفة غير صفات الله و هو معني ما روي ان الله خلق ادم علي صورته يعني عليماً سميعاً بصيراً  قديراً حياً دائماً باقياً جواداً كريماً و امثال ذلك بل هم صورة الله و صفته و ادم خلق علي صفتهم فانه شعاعهم و نورهم و النور علي صفة المنير فهم معصومون من غير صفات الله فان نفوسهم من مشية الله سبحانه كالقيام المشتق من قام و القائم المشتق من القيام و هي اثرها المطابق لصفة موثره و ليس لحيث انيتهم حكم عند حيث اثريتهم علي حذو ما مثل به من قول الشاعر:

رق الزجاج و رقت الخمر فتشاكلا فتشابه الامر
فكانما خمر و لاقدح و كانما قدح و لا خمر

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 66 *»

بل انيتهم وصفية الصفة و اسمية الاسم فليسوا بشي‏ء الا نفس الصفة في الزيارة السلام علي اسم الله الرضي و قال7 نحن و الله الاسماء الحسني التي لايقبل الله (من) العباد (عملاً) الا بمعرفتنا و قال اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم و لان الصفة غير الذات و حادثة و هم اول الحوادث فهم الاسماء الحسني و الصفات النعمي.

و كذلك هم معصومون سلام‏الله عليهم في عقولهم من غير قصد الله سبحانه و التوجه اليه و العبادة له و الرجاء اليه و الطمع فيما عنده و من ان‏يكون لهم مشية و ارادة و رضاء و محبة غير مشية الله و ارادة الله و رضاء الله و من الريب و الشك و الظن و الوهم فهم اصحاب يقين بحيث لو كشف الغطاء لايزدادون يقيناً ابداً ابداً و ذلك لانهم في هذا المقام اوكار مشية الله و محالها ارادة الله في مقادير اموره تهبط اليهم و في بيوتهم الصادر عما فصل من احكام العباد و في دعاء للحسين7 اللهم منك البدء و لك المشية و لك الحول و لك القوة و انت الله الذي لا اله الا انت جعلت قلوب اوليائك مسكناً لمشيتك و ممكناً لارادتك و جعلت عقولهم مناصب اوامرك و نواهيك فانت اذا شئت ما تشاء حركت من سرايرهم كوامن ما ابطنت فيهم و ابدات من ارادتك علي السنتهم ما افهمتهم به عنك في عقودهم بعقول تدعوك و تدعو اليك بحقايق ما منحتهم الدعاء.

و كذلك هم سلام‏الله عليهم معصومون في حقايقهم من ان‏يكونوا شيئاً الا بالله و ان‏يروا شيئاً الا الله و لايرون انفسهم بوجه من الوجوه فلا اعتبار لهم من حيث انفسهم الا ما لهم من اعتبار الله سبحانه و هو معني ما روي من راني فقد راي الحق و بنا عرف الله و لولانا ما عرف الله و بنا عبد الله و لولانا ما عبد الله و ان معرفتي بالنورانية هي معرفة الله عزوجل و معرفة الله عزوجل معرفتي و من عرف نفسه فقد عرف ربه و هم انفس الخلق لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز سنريهم اياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق لاتقولوا علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 67 *»

الله الا الحق و يستنبــٔونك أحق هو قل اي و ربي انه لحق فهم معصومون مطهرون من حيث حقايقهم من ان‏يكونوا شيئاً الا بالله قال كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غيرمكونين موجودين ازليين فافهم ان‏كنت تفهم و الا فاسلم تسلم و الاحلام تترقي و الافهام تتزايد و العلم لايتوقف كلما وضعت لهم حلماً رفعت لهم علماً ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و فوق كل ذي‏علم عليم.

فالخلق الاول معصوم في جميع مراتب وجوده من كل ما يخالف ما قدمنا فانهم اقرب كائن الي المكون لم‏يغيرهم عما شاء لهم و بهم مغير و لم‏يبدلهم مبدل اذ لم‏يسبقهم سابق و لم‏يلحقهم لاحق و لايطمع في ادراك مقامهم طامع بهم تحركت المتحركات و سكنت السواكن و هم مقلبوا الاحوال و ايدي ذي‏الحول و القوة في كل حال لايجري عليهم ما هم اجروه و لايعود فيهم ما هم ابدأوه و سيأتي في ذلك مزيد بيان ان شاءالله و قد ذكر شي‏ء منه هنا استطراداً.

و اما الخلق الثاني فقد شابهم بقدر انحطاط مقامهم عن الدرجة الاولي شوب التعاكس قليلاً فانحطوا عن مقام العصمة الكلية درجة فلاجل ذلك قديصدر منهم هنات و فلتات يعبر عنها بترك الاولي و هي سيئات لمن دونهم هي حسنات ولكن هي سيئات بالنسبة الي الخلق الاول و قد يعبر عنها بالتامل في الولاية و تاخر الاجابة نظراً الي انهم بحقايقهم اثار الخلق الاول و اشعتهم و جميع ما لهم و بهم و منهم و اليهم كلها نوره و شــٔون ذلك النور و اطواره و كمالاته و فعلياته و ظهوراته و تفاصيله فاذا شاب شي‏ء من ذلك برايحة من مقتضيات البعد حصل لهم التاخر في الاجابة لولاية اميرالمومنين7قال7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة فجميع شوائب النقص و الظلمة التي تلزم ما يبعد عن المبدء هي سيئات بالنسبة الي مقام القرب و ان كانت حسنات بالنسبة الي من دونهم لتطبعها بطبع النور و استهلاكها فيه بالنسبة الي من دونهم فلاجل ذلك قديصدر منهم ترك الاولي و التامل في الولاية اي التاني في فعل خير هو شأن من شــٔون الولاية فهم معصومون مما سوي التاني في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 68 *»

خير لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون فلاجل ذلك قال سبحانه بهديهم اقتده وفرض طاعتهم و الاقتداء بهم و يبتليهم بما يخالفون من ذلك كما ياتي ان شاءالله.

و كذلك الخلق الثالث فهو اشد تاخراً في الاجابة و اكثر تاملاً و فيهم شوب الظلمة و النقص اكثر من الخلق الثاني البتة فلاجل ذلك قديصدر منهم الصغاير او و بعض الكباير مع حفظ اصل الولاية و كليتها فهم معصومون من تضييع اصل الولاية و يبتلون بما يقارفون من الذنوب الصغاير او الكباير و يقل العصمة و يكثر الاقتراف كلما ينزل الخلق نازلاً الي ان‏يصل الي ابعد الخلق الذي ما اطاع الله سبحانه في شي‏ء من مراتب وجوده و غير فطرته و صبغها بصبغ الانكار في جميع مراتبه و صدق عليه و جحدوا بها اي بفطرتهم المغيرة و استيقنتها انفسهم بفطرتهم الاولية حين غفلتهم عن عنادهم فهم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها فبذلك صاروا عليهم لعاين الله اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و سيأتي ان شاءالله لذلك مزيد بيان فترقب.

فصـل: اعلم ان المعصوم يجب ان‏يكون معصوماً من بدء عمره الي منتهاه قبل البعثة و بعد البعثة و ان كانت العصمة تتقوي و تتاكد فيهم و تزداد بعد البعثة و قد تاه في واد سحيق من قال بغير ذلك لان الارواح تسكن في ابدان مناسبة لها و الابدان السنة داعية من الله سبحانه ارواحها و الارواح اجابات من الله سبحانه و كل نعمه ابتداء و احسانه تفضل لان استعداد القابل لايوجب علي المجيب الاجابة فما لم‏يستعد العناصر و تصلح و تعتدل و تتلطف و تكن قابلة للمطاوعة للنفس النباتية لاتفاض عليها النفس النباتية و لاتلقي في هويتها مثالها و لاتظهر عنها افعالها و كذلك النفس النباتية ما لم‏تعتدل و تتلطف و تستعد لمطاوعة النفس الحيوانية و قبول امرها و نهيها في حركاتها و سكناتها و ادراكاتها و شهواتها و غضبها لم‏تفض عليها الروح الحيوانية و لم‏تلق فيها مثالها و لم‏تظهر عنها افعالها و كذلك النفس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 69 *»

الحيوانية ما لم‏تتلطف و تترقق و تعتدل و تستعد لمطاوعة النفس الناطقة القدسية لم‏تلق فيها مثالها و لم‏تظهر عنها افعالها و علمها و حلمها و ذكرها و فكرها و نباهتها و نزاهتها و حكمتها و كذلك النفس الناطقة ما لم‏تعتدل في ذاتها و صفاتها و افعالها و تتباين خصال الجمادية و النباتية و الحيوانية و تستعد لمطاوعة النفس الكلية الالهية لم‏تفض عليها النفس الكلية الالهية و هو معني قوله تعالي الله اعلم حيث يجعل رسالته فليس كل نفس ناطقة قابلاً لافاضة الكلية الالهية ما لم‏يعتدل و يتلطف و يستعد لمطاوعة الكلية الالهية فلابد و ان‏يكون نفس المعصوم قبل البعثة و بعدها صالحة لافاضة روح النبوة فلو كان يجوز عليه قبل البعثة و الامامة مايجوز علي ساير البشر لما كان اولي بافاضة روح النبوة و الامامة من غيره البتة خذها اليك يا طالباً للحق من دليل الحكمة الالهية النبوية الامامية و اعرف الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و لو كان بناء كتابنا علي ذكر الاقوال لسردت لك اقوال الناس حتي تعرف انها ترهات لم‏تحم حول الحق فضلاً عن الاصابة له و انهم لم‏يشموا حكمة حقايق الاشياء.

بالجملة المعصوم كامل النفس من بدء تولده الي اخر عمره بل هو علي خلاف ساير الناس من بدء سقوط نطفته الي نفخ الروح فيه فان الحكيم ياخذ لما يريد ان‏يصيغه مادة مناسبة له و لايصلح كل شي‏ء لكل شي‏ء بالقوة القريبة و ان كان صالحاً بالامكان بان‏يرد الي الامكان و يصاغ صيغة اخري و ما كان يقال ان كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء فانما هو بالامكان البعيد و الحكيم لايرجح شيئاً من غيرمرجح البتة فتدبر فقدجمعت لك كل شي‏ء تريد.

فصـل: ان ما روي في القران من ايات ظواهرها صدور الذنوب من الانبياء سلام‏الله عليهم فهي من متشابهات الايات لايجوز اتباعها بظواهرها فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تاويله و لايعلم تاويله الا الله و الراسخون في العلم فهم يردونه الي المحكمات و يعملون بها فمن تلك الايات ايات تدل علي عصيان آدم و غوايته و ظلمه و توبته منه و قد اشكلت علي القوم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 70 *»

اشكالاً عظيماً و وردت في تاويلها اخبار علي متفاهم الناس الغافلين عن الحقايق و هي مذكورة في كتب التفاسير و المقصود في هذا الكتاب رسم حقايق الاشياء.

فنقول فلينظر ناظر ان دار التكليف اين هي الدنيا او الاخرة و لا شك ان دار التكليف هي الدنيا و الاخرة هي دار الجزاء و التكاليف الواقعة في عالم الذر قبل الدنيا زماناً او رتبة و كون ادم قبل نزوله الي الدنيا في الجنة رتبي او زماني و ما لم‏يكن بدن ادم في الاجسام هل يكون روح ادم في الذر ام لا فمن عرف الحقايق و ذاق من رحيق حكمة ال‏محمد: عرف ان الذر مقدم علي الزمان رتبة و من لم‏يكن له بدن جسماني داع في الزمان لم‏يكن له روح اجابي في الدهر و ادم7 كان قبل نزوله الي الدنيا في الجنة رتبة يعني خلق روحه في الجنة و بدنه في الدنيا و لا شك انه في بدنه الدنياوي معصوم مطهر فانه بعد نزوله كان معصوماً فان الله سبحانه تاب عليه و اجتباه قبل هبوطه و لم‏يعص بعد نزوله في الدنيا فروحه في الجنة ايضاً معصوم فلو اذنب روحه في الجنة لاذنب بدنه في الدنيا لان الروح قائم فوق البدن و هو تقدمه في الذر فادم معصوم من بدء تكون روحه كما انه معصوم من بدء تكون جسده فعصيان آدم ليس بعصيان شرعي ظاهري بل هو عصيان كوني و هو ما صار سبب هبوطه في الدنيا و لو لم‏يعص كوناً لماهبط الي الدنيا و لم‏تعمر الدنيا به و بذريته و لم‏تتم مقادير الله عزوجل فمعني عصيانه و توبته و هبوطه ان ادم لما خلق جسده في الدنيا في الارض خلق روحه في الجنة في السماء قبله رتبة و نهي روحه في الجنة عن اكل شجرة الطبايع الدنياوية ذات الشعب و الاغصان و الاوراق و هي شجرة علم ال‏محمد: فان العلم عين المعلوم و النهي متعلقه الادبار عن المبدء و النزول الي كثرات الماهية كما ان الامر متعلقه الاقبال الي المبدء و الصعود الي جانب الوحدة و الوجود فالتوجه الي الماهية و الكثرة منهي عنه شرعاً و ان كان ماموراً به كوناً و هذا معني انه نهي ادم عن اكل الشجرة و شاء ان‏ياكل و الا لماغلب مشية ادم مشية الله فنهي شرعاً و شاء كوناً فبالمشية الكونية شاء فاكل و نزل ولكنه بالمشية الشرعية نهي و ابغض النزول فكان العصيان شرعياً في الكون فلما نزل و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 71 *»

اكل و عصي اهبطه الله من الجنة و ماتجزون الا ما كنتم تعملون ليس للانسان الا ما سعي و ان سعيه سوف يري فعصي ادم بميله و اكله من شجرة الكثرة فغوي البتة فكان جزاؤه و عقوبته هبوطه الي الدنيا فهبط و تلك الشجرة شجرة علم ال‏محمد: و هو قوله علمها عند ربي في كتاب و يحل اكل هذه الشجرة لمن هو محيط نافذ في جميع مراتب الوجود لايحتاج في شهوده لها الي هبوط و نزول الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و كل من هو دون الكلي يحتاج في الشهود الي الهبوط في عرصة الشهود فلما هبط من الجنة و تعلق روحه ببدنه قام منتدباً الي الله سبحانه باكياً مشتاقاً الي دار القرب و الصعود باجابة نداء اقبل فسارع الي الاخذ بكلمات الله سبحانه و الدعاء و التضرع و الطواف بالبيت غيرضنين بنفسه فيما يرضي ربه عنه اذ به قد رضيه و اصطفاه و اجتباه فلما اقبل الي الله اجتباه ربه فتاب عليه و هدي ان الله اصطفي ادم و نوحاً و ال ابرهيم و ال عمران علي العالمين ذرية بعضها من بعض فكل احد غير الكلي يعصي هذا العصيان و بتوبته و انابته و توجهه الي الله سبحانه ان فعل يتوب الله عليه و لذا روي عن ابي‏جعفر الباقر7 لولا ان ادم اذنب مااذنب مؤمن ابداً و لولا ان الله عزوجل تاب علي ادم ماتاب علي مذنب ابدا انتهي و ذلك معلوم انه لو لم‏ينزل ادم مانزلت ذريته و لولا جواز توبته بالصعود و الاقبال ماجازت التوبة علي احد ابداً فكل احد اكل من تلك الشجرة و يجب عليه التوبة منه و لذا قال النبي9 في علة الصوم ثلثين يوماً ان ادم لما اكل من الشجرة بقي في بطنه ثلثين يوماً و فرض الله علي ذريته ثلثين يوماً الجوع و العطش و الذي ياكلونه تفضل من الله عزوجل عليهم و كذلك علي ادم الي ان قرا كتب عليكم الصيام الاية و معلوم انه لاتزر وازرة وزر اخري و لايكفر احد عن ذنب الاخر فهم قد اكلوا ايضاً بنزولهم كما اكل ادم فلما تم خلقه في الدنيا و نزل اليه الروح في النزول قام عابداً تائباً مقبلاً الي ربه فتاب في جسده في الدنيا كما في بعض الاخبار و تاب بروحه في الجنة قبل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 72 *»

النزول فان شئت فقل انه تاب في الجنة ثم اهبط نبياً معصوماً و ان شئت قل تاب في الدنيا فان توبة روحه روح توبته و هي مقدمة علي الدنيا رتبة فتوبته وجوداً مقدمة علي الهبوط و ظهوراً بعد الهبوط.

فتبين و ظهر لمن نظر و اعتبر ان ادم حين خلق خلق معصوماً مطهراً بالعصمة التي تجب في الحجج و كان حجة علي حواء في الجنة و في الدنيا و الحجة المفترض الطاعة لايكون الا معصوماً و ان ما ورد في الكتاب تعبير عن كيفية الخلقة و هذا معني اقارير نبينا و ائمتنا سلام‏الله عليهم علي انفسهم بالذنوب بجميع اعضائهم في بشريتهم و كونهم ولد ادم لانهم في البشرية هبطوا الي الطبايع و هي غير محبوبة في الشرع الكوني و ان كانت محبوبة في الايجاد الكوني فمعصية ادم شرعية لكن لا في الشرع المعروف فانه معصوم فيه بل هي معصية في الشرع الكوني الذي لابد منه في كل موجود نازل و هو كوني بالنسبة الي الشرع المعروف فان عرفت حدود كلامي جمعت بين جميع الايات و الاخبار بلا غبار و لاينافي هذا العصيان و الغواية العصمة.

و اما كون هذا العصيان بسبب الشيطان و الطاوس و الحية ان ابليس الذي مقابل روح القدس في الاعلي و هو روح الجهل الكلي تعلق بطاوس العناصر ذي‏الالوان و هو حاجب الجنة من الخارج فصعد بها الي الحية التي هي الحاجب من الداخل في فلك الحيوة الذي هو باب الجنان التي في الافلاك فالتقمته الحية و جلس في فيها لان انية الجهل مترامية من غاية البعد الي دوين القرب و هو جنة الرضوان فسار معها في الجنة و تعلق بالمناسبة بالحواء المخلوقة من الحي و هي ظهور نفس ادم خلق لكم من انفسكم ازواجاً فتعلق به اي بادم فاغواه و زين في عينه شجرة الطبايع و اغصانها و اوراقها و ازهارها و سول له انه شجرة الخلد و ملك لايبلي مع ان ملك الطبايع بالٍ و كون تلك الشجرة في الجنة لان اصلها نابت في الجنة و الدنيا اغصانها و اوراقها متدلية الي اسفل و اشجار الجنة علي خلاف اشجار الدنيا قال الله سبحانه قطوفها دانية و كذا روي عن علي7. و قاسمهما اني لكما لمن الناصحين فبغوايته و تزيينه مال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 73 *»

روحهما الي شجرة كثرة الطبايع بالمناسبة لانيتهما التي هي ظل الجهل فاكلا منها فبدت لهما سوءاتهما التي كانت مستورة فان الحيوانية كانت مستورة في الانسانية فطفقا يخصفان عليهما من نباتية ورق الجنة فلبسا النباتية علي الحيوانية فهبطا و لبسا الجمادية الغاسقة علي النباتية فلما تابا بالاقبال ابيض بدنهما بعد السواد و سارا الي الجنة و صارا من اهلها و ان فهمت حدود كلامي لعرفت فرق ما بين ما اوضحت و بيّنت من سر الحقيقة و بين كلمات القوم و لاتزعم انه تاويل و يخالف الظاهر فان الايات و الاخبار قصة احوال الجنة و لايجب ان‏تكون علي متفاهم ظاهر اهل الدنيا فافهم.

فصـل: و مما تمسك به اهل الضلال المنكرون للعصمة حكاية اقارير ابرهيم للكواكب بالربوبية و نظره في النجوم و قوله بل فعله كبيرهم و ليس في قصصه ما عسي ان‏يتمسك به العاقل فان قوله هذا ربي يمكن ان‏يكون علي الانكار و التهكم و يمكن ان‏يكون من باب ترديد المحتج ليحتج في ابطاله فيمهد الباطل اولاً علي صورة الاثبات لئلايظن به الخصم انه لاينصف ثم يحتج علي ابطاله فكان قوله هذا ربي للتمهيد ليحتج بقوله لا احب الافلين فكان ذلك منه للاحتجاج و يؤمي اليه قوله تعالي و تلك حجتنا اتيناها ابرهيم و اما نظره في النجوم فليس فيه انه اعتقد انها موثرة منقطعة عن الله سبحانه بل راي المسبب و علم انها اسباب فاي باس فيه و قوله اني سقيم اي كذب و لم‏يقل اني سقيم البدن فلعله سقيم القلب حزناً من فعل جماعة حيث اتخذوها موثرة مستقلة و يعبدونها من دون الله او استدل بها علي حوادث تقع من فتن بعده و مصايب تجري علي ذريته لاجل انه عالم بالاسباب بالهام الله سبحانه فقال اني سقيم القلب حزين علي ما يقع او سقيم في ما ياتي كقوله سبحانه انك ميت و انهم ميتون و قوله بل فعله كبيرهم تهكم او جزاء مقدم لقوله ان كانوا ينطقون او معناه انهم سبب فعلي حيث رضوا بعبادتكم لهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 74 *»

وذلك ان الاصنام كساير الجمادات مكلفات و لها شعور لقوله سبحانه انكم و ما تعبدون من دون الله حصب جهنم و لولا شعورها لمااستحقت عذاباً و لاتزر وازرة وزر اخري و قد نص الكتاب بشعور كل كائن.

فصـل: و مما تمسك به اهل الضلال كتمان يوسف حريته عن السيارة و التقية دين الانبياء و لا عيب فيه و قوله تعالي هم بها و ليس فيه انه هم بالزنا فلعله هم بقتلها او هو جزاء مقدم لقوله لولا ان راي برهان ربه و لا شك ان كل احد لولا عصمة الله و تسديده يقع في المعاصي و لايتمسك بامثال هذه الشبهات الا من في قلبه مرض و كذا قوله ايتها العير انكم لسارقون و ليس فيه انكم سارقوا الصواع فلعله اراد سارقوا يوسف عن ابيه و ليس شي‏ء في امثال هذه الشبهات.

فصـل: و مما تمسكوا به قصة داود و اوريا و هي قصة اصلها افتراء علي الانبياء قد نقلتها القاصون المتخذون عن اليهود المحرفين للتورية و ليس عندهم التورية التي انزلت علي موسي كما اثبتناه في كتابنا نصرة الدين و ليس في القران الحق منه اثر و ليس في الكتاب الا ان الله سبحانه اراد فتنته بعد ما جعله خليفته و يعلمه ان علمه بتاييد الله سبحانه فاجاب المدعي عما سأل كما سأل فان سؤال ذي‏نعاج عديدة نعجة واحدة من اخيه استكثاراً ظلم و كان الاولي ان لايجيب عن ذلك ايضاً حتي يسأل المدعي‏عليه حتي يعلم الصدق من الكذب الا تري انه قال بعد تقرير المدعي لقد ظلمك بسؤال نعجتك الي نعاجه و ان كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض الا الذين امنوا و المراد لقد ظلمك السائل نعجتك الي نعاجه لا خصوص اخيك ثم قال ان المومن لايبغي علي اخيه و الباغي غيرمومن فكيف يحتمل ان‏يكون هو بنفسه باغياً علي اوريا و يخرج نفسه عن الايمان بنصه فتبين ان ما يروونه كذب و افتراء و لا اشكال في هذا.

و انما الاشكال في قول الملكين انهما صدقا في الدعوي و لا نعاج او كذبا و الملك لايكذب و الجواب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 75 *»

عن ذلك ان الصدق هو جري اللسان علي الوضع الالهي و هو مطابقة الكلام لما في الفؤاد و الكذب هو جري اللسان علي خلاف الوضع الالهي و هو مخالفته لما في الفؤاد كما روي عن اميرالمومنين7 و ليس لمطابقة الواقع و مخالفته مدخل في الصدق و الكذب و لذلك سمي الله شهادة المنافقين كذباً لان السنتهم جرت علي خلاف ما في فؤادهم مع انها كانت مطابقة للواقع و من الوضع الالهي الثانوي ان لايجري اللسان بما يكرهه الله و من خلاف الوضع الالهي الثانوي ان‏يجري بما يكرهه فلاجل ذلك سمي الرامي الذي لا شاهد له كاذباً عند الله و جعل الكلام الجاري في الاصلاح غير كذب و انما ذلك لان ما كرهه الشارع يكرهه العقل السليم و ما استحسنه الشارع يستحسنه العقل السليم و العقل السليم اذا كره شيئاً يمنع الجوارح عن الجري به و يعقلها و اذا استحسن شيئاً يامرها به و يجريها بمقتضاه فجري اللسان بمقتضي ما استحسنه العقل هو الوضع الالهي و خلافه خلافه و لذا روي ان الكلام ثلثة صدق و كذب و اصلاح و الاصلاح هو المستحسن لقوله سبحانه اصلحوا بين اخويكم و الافساد هو المكروه لقوله ان الله لايحب المفسدين فمهما جري اللسان علي الاصلاح و الوضع الالهي الثانوي ليس بكذب و من ذلك الامثال التي ياتي بها الحكماء لاصلاح النفوس و ارشادها و لايجب ان‏يكون ذلك المثل واقعاً او يكون الحكيم معتقداً بكونه واقعاً و انما يقصد الحكيم محض الاعتبار و تجسيم المسئلة الروحانية او الغيبية ليصير المستمع كالمشاهد و يستصلح نفسه و من هذا تمثيل الملكين لداود لاصلاح نفسه و تفتينه بامر الله بشي‏ء كان يعلم الله سبحانه انه يتعجل في جوابه لبداهة قبحه و ربما كان تمثيلهما لحال داود حيث ظن انه ماخلق الله خلقاً اعلم منه كما روي فمثلا له ان الله اعطاك من العلم كثيراً و اعطي غيرك ما لم‏يعطك و انت تظن انك كفلت جميع علم الخلق و تريد ان تكون عالماً بكلها فحكم علي نفسه من حيث لايعلم ان ذلك ظلم فتنبه بعد الحكم فظن داود انما فتنّاه فاستغفر ربه و خرّ راكعاً و اناب و كان ذلك منه ترك اولي فقال الله فغفرنا له ذلك و ان له عندنا لزلفي و حسن مــٔاب و قاتل النفس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 76 *»

المتهاون بالصلوة المتابع للشيطان ليس له عند الله زلفي و حسن مــٔاب فافهم.

فصـل: و كذلك قد تمسكوا بٰاي من القران قد وصل تاويلها عن الائمة: و لم‏يتركوا لذي‏حجة مقالا كقوله سبحانه فلما اتاهما صالحاً اي ادم و حواء جعلا له شركاء اي الذكران و الاناث الصالحين من الزمانة و العاهة و كذلك قوله بلي ولكن ليطمئن قلبي اي علي اني خليلك لان الله سبحانه عهد اليه اني متخذ خليلاً ان سالني احياء الموتي احييت و كذلك قول موسي بعد القتل هذا من عمل الشيطان اي اقتتال القبطي و الاسرائيلي و قوله رب بما انعمت علي فلن‏اكون ظهيراً للمجرمين شاهد علي انه لم‏يندم من فعله فقوله رب اني ظلمت نفسي فاغفر لي اي وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة فاسترني فستره و قوله فعلتها اذاً و انا من الضالين يعني من الطريق بوقوعي الي هذه المدينة و كذلك قوله تعالي و وجدك ضالاً فهدي اي ضالاً عند قومك فهداهم الي معرفتك و كذلك رب ارني انظر اليك انه سال بتمني القوم و اجازة الله له للسؤال علي حسب تمنيهم من غير مواخذة و كذلك ظن ان لن‏نقدر عليه اي استيقن ان لن‏نضيق عليه كما قال من قدر عليه رزقه و قوله لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين اي بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني له في بطن الحوت وكذلك قوله فلما استيأس الرسل فظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا اي استيأس الرسل من قومهم فظن قومهم ان الرسل كذبوا جاء الرسل نصرنا و كذلك قوله ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تاخر اي عند اهل مكه لانه لم‏يكن عند اهل مكه احد اعظم ذنباً من رسول الله9 حيث كسر الهتهم و جعل الالهة الهاً واحداً و كذلك المخاطبات الموهمة للنبي9 فانها من باب اياك اعني و اسمعي يا جاره.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 77 *»

بالجملة اذا عرفنا بالبرهان السديد من محكمات الكتاب و السنة و اجماع الشيعة و العقل المستنير ان الانبياء معصومون من كل ذنب صغير او كبير و من النسيان و الخطاء و السهو قبل البعثة و بعدها و راي ما يخالف ذلك من كتاب او سنة يجب تاويله اذا علم الواقع و الا يجب رده الي ال‏محمد: و الي محكمات اقوالهم بتة.

فصـل: اعلم ان الانبياء سلام‏الله عليهم كما عرفت جماديتهم و نباتيتهم و حيوانيتهم و انسانيتهم معتدلة مستقيمة بحيث تصلح لتعلق روح النبوة بها و هو قوله سبحانه الله اعلم حيث يجعل رسالته و معني كونهم بشراً مثلنا في نوع البشرية لا خصوصياتهم فهم بشر ولكن معتدلون مستقيمون صالحون لتعلق روح النبوة بهم فهم معصومون قبل التعلق ايضاً الا انهم اذا تعلق بهم روح النبوة صاروا اعدل و اكمل و اقوي في العصمة بحيث لولا ذلك الروح صدر منهم بعض ترك الاولي و ان الله سبحانه اذا اراد ترقية نبيه عن درجة دنيا الي درجة عليا و قدثبت في الفلسفة انه لايمكن الترقية من درجة الهيولي الي درجة الكمال الاكسيرية الا بحل و ترقيق و تصفية جديدة و اضافة روح حلهم و كسرهم فغيب عنهم طرفة عين روح النبوة و هذا معني ما روي ان الله يكلهم الي انفسهم فيصدر منهم ما يصدر فصدر منهم بمقتضي بشريتهم بعض ترك الاولي فحصل لهم اعتراف بانهم لو خذلوا و انفسهم لهووا فتابوا و خضعوا و خشعوا و رجعوا الي ربهم بالانابة و التوبة و صعدوا و ترقوا و ازدلفوا و استحقوا بذلك روحاً اعلي و الطف و وسعوه فامدهم بروح اعلي و الطف و اشرف و هذا سر القبض و البسط للانبياء و المومنين و سر وقوع المومنين في بعض المعاصي بغيبة روح الايمان عنهم ليعلموا ان ما بهم من نعمة فمن الله و سر غلبة النوم علي المومنين و حرمانهم صلوة الليل ليصبحوا و هم ساخطون علي انفسهم كما روي و لحفظهم عن الوقوع في العجب.

بالجملة لا ترقية الا بالتطهير و لا تطهير الا بالتفصيل فاذا فصل الروح عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 78 *»

الجسد صدر من الجسد ما يقتضيه فيعذب الجسد لازالة الاوساخ بنار الحزن و السخط و يصّعد بنار التوبة و الانابة و الندامة ثم يرد اليه الروح الطف و اصفي فيعتنقان اشد و هذا سر سار لايتخلف عادة و بذلك يصعد المومنون و الانبياء الي الدرجات و يتحقق معني حسنات الابرار سيئات المقربين اللهم الا الواصل الي درجة الكمال و المنعقد علي الاكسيرية الكاملة فانه لايحتاج الي تفصيل و لايوكل الي نفسه بسلخ الروح عنه فلايصدر منه ترك الاولي الا انه يضعف بالتساقي و محض الانحلال بالماء الالهي فيرق انيته في كل سقية و حل و يلطف من غير تفصيل روحه عن جسده فهو لايصدر منه ما يخالف الروح فانه لايخذل فهو في كل درجة عامل بما شاء الله له من فعل مناسب لتلك الدرجة و ترك الاولي ان‏يصدر منه ما يخالف تلك الدرجة و هو قبل الوصول الي الاكسيرية الكاملة فالولي المنعقد علي البياض و النبي المنعقد علي الحمرة يحلان بالتساقي بالماء الالهي اي الكلية الالهية سقية بعد سقية فينعمان و يعقدان عليه فيتضاعف قدرتهما الي ما لا نهاية له في كل سقية و لايخاف عليهما عجب علي ما هما عليه و هما تائبان ائبان خاضعان خاشعان عارفان بفنائهما ابداً من غير تفصيل و تكلان الي انفسهما و خذلان و مستغفران تائبان ابداً من غير ذنب كما في الدعاء غيرضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني و لو راجعت هذا الدعاء من اوله الي اخره و هو دعاء الحسين7 لعرفت صحة ما قلناه فراجع فهذا هو الفرق بين الكامل و الناقص فالناقص يحتاج الي التفصيل بخلاف الكامل فبذلك يجوز صدور ترك الاولي من ساير الانبياء و الاولياء و لايجوز صدوره من المويد بكلية روح القدس و هو الكلية الالهية و مع ذلك يترقون في كل ان الي ما لا نهاية له و ليس لمحبة الله غاية و لا نهاية فافهم راشداً موفقاً فقد اسمعتك ما لم‏تسمعه من خطاب و الحمد لله.

فصـل: هنا مسئلة مشكلة يعجز عن جوابها اهل الظاهر و لا جواب عنها الا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 79 *»

عندنا و هي انه لو كانت الادلة التي تقيمونها علي وجوب وجود حجة معصوم عن الكباير و الصغاير و السهو و الخطاء و النسيان و كل منقصة حقاً فما بال هذا الزمان الذي ليس فيه حجة معصوم ظاهر و الافلاك دايرة و الارض مستقرة و البلاد معمورة و العباد عايشون و نري الله قد اكتفي في اقامة دينه بالعلماء الذين ليسوا بمعصومين قطعاً فان كان يجوز الاكتفاء بهولاء فلايجب وجود معصوم في كل عصر و ان كان لايجوز فكيف اكتفي الله سبحانه بغير المعصوم.

فالجواب عن هذه المسئلة المشكلة العويصة علي سبيل الاختصار الكاشف عن الواقع ان الخلق ظواهرها و بواطنها و نسبها و قراناتها و حالاتها و اوضاعها و تقلباتها لا نهاية لها و لايحيط بها اولاً غير الله سبحانه و هي علمه الحادث المشاراليه بقوله سبحانه علمها عند ربي في كتاب فلايعلم صلاحهم و فسادهم علي ما هو عليه في الواقع غير الله سبحانه الله يعلم المفسد من المصلح  و قد كتب سبحانه علمه هذا في اللوح المحفوظ اي ام‏الكتاب الذي عنده بقلم ابداعه فتمام هذا العلم في القلم علي نحو الاجمال و الوحدة و لا اختلاف في صلب القلم و يصور مواليد الكاينات في رحم ام‏الكتاب هو الذي يصوركم في الارحام كيف يشاء و ذلك القلم هو الروح الموحي به المشار اليه بقوله سبحانه و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان فهذا الروح فيه جمل العلم و كليته و ماواه القلب و يفصل في الصدر بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و هذا الروح لايسكن كما بينا الا قلباً نقياً تقياً الله اعلم حيث يجعل رسالته و لايتفصل علي التفصيل الحق الذي لا عوج له الا في صدور نقية صافية خالية عمايكرهه الله سبحانه فيتفصل فيها علي ما شاءالله و اراد  وماتشاءون الا ان يشاء الله لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و لايحيطون بشي‏ء من علمه الا بما شاء لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فاذا كان صاحبها كذلك صلح لان‏يقال في شانه من يطع الرسول

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 80 *»

فقداطاع الله و ما اتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم فلايبلغ هذا المقام احد الا ان‏يكون معصوماً مطهراً عن كل مايكرهه الله حتي لايعوج الوحي و الروح في نفسه و صدره و لاينصبغ بصبغ علي خلاف الواقع فيخالف علمه الواقع و ما شاء الله و احب فالواسطة الاولي بين الله و بين خلقه الحامل للروح المؤدي الي العباد لايجوز الا ان‏يكون معصوماً مطهراً عن كل ما يخالف محبة الله و رضاه البتة و الا لانصبغ الوحي في بطن نفسه و انعكس عنه و برز علي خلاف رضاء الله سبحانه فيامر بالمنكر و ينهي عن المعروف و الله اجل من ان‏يصطفي من يغير ما اوحي اليه و يتقول عليه و يفتري فعن علي7 في صفة النبي9 اشهد ان محمداً9 عبده و رسوله استخلصه في القدم علي ساير الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التماثل من ابناء الجنس و انتجبه امراً و ناهياً اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا هو الملك الجبار قرن الاعتراف بنبوته بالاعتراف بلاهوتيته و اختصه من تكرمته بما لايلحقه احد من بريته فهو اهل ذلك بخاصته و خلته اذ لايختص من يشوبه التغيير و لايخالل من يلحقه التظنين الخطبة فهو كان اهل الاختصاص و المخاللة منفرداً عن التشاكل و التماثل من ابناء الجنس فلذلك اختصه الله بتكرمته و خالله و انتجبه امراً و ناهياً و اقامه مقامه كما قال في قوم يهديهم ربهم بايمانهم و قال في اخرين بكفرهم لعناهم فالله اعلم حيث يجعل رسالته فالمودي عن الله و الحافظ لامر الله يجب ان‏يكون معصوماً مطهراً فاذا قام الواسطة بين الله و بين خلقه و ادي عن الله سبحانه قام الحجة من الله علي خلقه و لايجب ان‏يكون الخلق الاخذون عن الحجة معصومين فانهم بعيدون عن الله سبحانه و هم المرضي المحتاجون الي الاطباء و انما مست الحاجة الي الاطباء لازالة الامراض عنهم فالطبيب الالهي هو الذي يجب ان‏يكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 81 *»

عالماً بالادواء و الادوية علي حسب ارادة الله و وضعه لا المرضي و من هذا الباب ما روي ما معناه انكم لو كنتم لاتذنبون لاذهبكم الله و اتي بخلق يذنبون فهذا الخلق لو كانوا معصومين قريبين من المبدء لخلق خلق في البعد فانه لابد و ان‏يكون الفيض مترامياً في جميع المراتب فاذ قدتبين ان الخلق الاخذين عن الحجة لايجب ان‏يكونوا معصومين فلا فرق بين الروات و المروي‌ اليهم و العلماء الحاملين للعلم و المحمول‌اليهم و مايخاف ان‏يتغير حكم الله في نفوس الحملة فيدفع بحفظ الحافظ الحي القيوم للدين ان زاد المومنون شيئاً ردهم و ان نقصوا اتمه لهم نعم لولا ذلك لالتبس علي المسلمين امورهم و لم‏يعرف الحق من الباطل و اما مع وجود الحافظ الشاهد العالم القادر علي الحفظ المامور بذلك من الله المعصوم فلايخاف للدين من عوج اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا فمع وجود الحافظ لايجب ان‏يكون الحملة معصومين و لو كان يجب ان‏يكون الحامل منه الي الرعية معصوماً لكان يجب ان‏يكون الرعية كلهم معصومين في كل عصر لان الحامل المعصوم اذا ادي الي غير المعصوم و مشاعره و مداركه مختلة يحتمل ان‏يفهم علي خلاف مراد الحامل و يجي‏ء المحذور فمن قال يجب ان‏يكون الحامل معصوماً يجب ان‏يستوجب عصمة التابعين ايضاً و كل دليل يدل علي جواز عدم عصمة الاخذ عن الحملة يدل علي جواز عدم عصمة الحملة ايضاً فان الحجج هم العلماء و شيعتهم المتعلمون غاية الامر انه يحمل بعضهم العلم الي بعض كما يحمل مشاعر الاخذ الي قلبه حرفاً بحرف فكما لايجب ان‏يكون المحمول اليه معصوماً لايجب ان‏يكون الحامل معصوماً.

و ان قلت ان الحامل يحفظ علي الاخذ عنه قلت ان الحجة يحفظ علي الحامل و الاخذ عنه بلا تفاوت فوجود الحافظ الاصل يدفع غايلة عدم عصمة الحملة و يقوم حجة الله بحفظه كالطبيب الواصف للمريض دواءه فان اخطأ في فهم الدواء فعلي الطبيب ان‏يحفظ عليه و يفهمه بالترديد و التكرير بل عليه ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 82 *»

لم‏يمكنه ذلك ان‏يطبخ دواءه و يسقيه حتي يبريه فالمريض لايجب ان‏يكون طبيباً صحيحاً حافظاً و لو كان صحيحاً لماكان يحتاج الي طبيب فوجود الطبيب دليل مرض المريض و مرض المريض دليل صحة الطبيب و طبه و الجاهل دليل العالم و العالم دليل الجاهل و المخطي دليل المعصوم و المعصوم دليل المخطي فوجود الحجة المعصوم اليوم كاف في حفظ الدين و لم‏يجب ان‏يكون العلماء معصومين نعم لو لم‏يكن واحد حافظ معصوم لكان يجب ان‏يكون العلماء معصومين ليقوم الحجة و من انكر وجود معصوم بالكلية فهو علي خطاء محض فان الدين بعدم معصوم يخترم و يبور البتة فلا دليل ادل علي بطلان مذهب اليهود و النصاري و المجوس و العامة و ساير فرق الشيعة من عدم اقرارهم بوجود حجة معصوم في كل عصر مع اتفاقهم علي عدم عصمة ساير العلماء فهم ضالون تائهون متحيرون بالبداهة و اما الواقفية القائلون بان الحجة الحي القائم هو موسي بن جعفر8فيأتي القول فيهم مع انهم انقرضوا و الحمد لله و كذا ياتي القول في وجود الحجة المعصوم و تصرفه اليوم ان شاءالله فترقب.

فصـل: و مما يتبع الخصال الكلية في الانبياء سلام‏الله عليهم المعجز و هو عمل يصدر من النبي9 متحدياً مقروناً بدعوي النبوة يعجز عنه ساير ابناء جنس البشر و هو علي ثلثة اقسام اما يعرف الحاضر عجز جميع البشر عنه و ان لم‏يتصفح كما اذا مشي علي الهواء او الماء فان كل احد يعرف ان ذلك ليس من ما يسع البشر المخلوق من التراب الثقيل و اما يعرف عجز نفسه عنه و لايدري هل يسع احداً ذلك او لايسع و يحتاج في معرفة عجز الكل الي تصفح و فحص و استقراء كان‏يبدي النبي نقشاً او صنعة مثلاً يعرف الحاضر عجز نفسه عنه و لايدري ا يسع احداً ذلك الا بالاستقراء الكثير و اما لايفهم منه شيئاً انه معجز ام لا حتي يتصفح و يستقرئ كان‏ياتي بكلام لايفهمه الحاضر حتي يعلم وجه الاعجاز فيه فلايدري ايسع احداً ذلك ام لا فلابد و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 83 *»

ان‏يستدل علي اعجازه و الحجة البالغة التي يثبت النبي نبوته بها ما لايحتاج الحاضر الي تصفح و استقراء فانه حين يدعوه الي الايمان و يقيم عليه الحجة يجب عليه الايمان و التصفح و الاستقراء الي حد اليقين عسر و حرج و الاستدلال علي عجز الباقي ينقص عن درجة كمال اليقين و بلوغ الحجة مع ما يحتمل فيه من النقض و الابرام و سعة مجال التنازع و التشاجر فيه فلاينقص الله سبحانه حجته و لايترك الاولي مع القدرة نعم بعد ظهور امره و حصول اليقين ربما يصدر منه القسمان الاخيران و لا ضير و من ذلك علم ان اثبات نبوة نبينا محمد9 ليس بمنحصر في القران حتي يتحير فيه العجم المحرم و يحتاج الي تصفح بل و يتحير فيه جهال العرب بل و اكثر علمائهم و يحتاجوا الي ازمان كثيرة حتي يعرفوا عجز الكل عن مثله و انما اعجاز القران فضل علي اثبات النبوة و لطف زايد مكمل فلايضر بثبوت نبوته جهلهم بوجه اعجازه كما نري العلماء المتبحرين من الاولين و الاخرين قد تحيروا في وجه اعجازه كما ياتيك القول فيه فلو لم‏يكن القران معجزاً لكان في ساير معجزاته كفاية و بلاغ كما انه لم‏يكن التورية و الانجيل و ساير صحف الانبياء من حيث اللفظ معجزة و ثبت نبوتهم بساير المعجزات بلا ارتياب بل و بعد ثبوت نبوته بساير المعجزات يكفيك اخباره بانه لايقدر احد ان‏ياتي بمثل هذا الكتاب كما انك تصدقه في اخباره عن السماء و الارض و الدنيا و الاخرة فتثبت.

فصـل: الفرق بين المعجز و الشعبذات و السحر و الكهانات يعرف من تصديق الله سبحانه الشاهد العالم القادر غيرالمغري بالباطل غيراللاعب بخلقه الحكيم المدبر و لنا في هذا المقام اصل اصيل قل من تنبه به و من لم‏يعرفه لايكاد يصل الي درجة اليقين بالاستدلال ابداً ابداً في شي‏ء من المسائل و من فاز به قل ما يفوته حق لايفوز به و ذلك من فضل الله علينا و علي الناس ولكن اكثر الناس لايعلمون و قدملأ الكتاب و السنة و كتبنا به و الحمد لله و خلا عنه ساير كتب العلماء الا من شي‏ء بعد شي‏ء و ذلك هو اصل التقرير فنستدل علي ذلك بالموعظة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 84 *»

الحسنة انه لا شك ان الله سبحانه حكيم لايلغو في صنعه و شاهد لايغيب عنه شي‏ء من خلقه و قادر لايعجز عن شي‏ء في ملكه و جواد قد خلق خلقه جوداً و كرماً و رحمن لايخلي احداً من الخلق من رحمته و خلق الخلق بالحق و للحق و لايكادون ينالون ما خلقوا لاجله الا بتعريفه و هدايته و قد ثبت ان اعظم اسباب التعريف الانبياء و قد خلق في خلقه اقواماً مبطلين ضالين مضلين بسوء اختيارهم و علم انهم يقومون بازاء اهل الحق و يدعون الي انفسهم حباً للرياسة و طمعاً في حطام الدنيا و لم‏يجعل هو سبحانه علامة للحق و الباطل في ظاهر الخلقة يميزون بها و اقدرهم من رحمته الواسعة علي اعمال و افعال تخالف عادة الطبايع البشرية بصرافتها ثم ارسل رسله الي عباده يدعونهم اليه و اظهر علي ايديهم من قوته و قدرته معجزات فخذل اولئك المبطلين حتي قاموا بازاء اولئك و نسبوا انفسهم اليه و اتوا بخوارق عادات فتحير العباد في المحق و المبطل و ليس في ظاهر خلقتهما ما يفرق به اهل الحق من الباطل فما تري حينئذ ايجب في الحكمة و اتمام الحجة ان‏يتكفل الله بايضاح الحق من الباطل و ما فيه رضاه و من عنده مما فيه سخطه و ليس من عنده او يدع العباد بجهلهم و تحيرهم ثم يؤاخذهم يوم القيمة بتركهم اياهما او الحق و يعذبهم او لايعذب احداً من العالمين فلماذا خلق الخلق و لماذا بعث اليهم الرسل احكم بعقلك يا من فاز بالحلم فتبين لكل ذي‏حجي انه يجب ان‏يتكفل الله اظهار الحق من الباطل بما يشاء كيف يشاء حتي لايدع لذي‏حجة حجة و لذي‏مقال مقالاً البتة و عليه ابطال الباطل و احقاق الحق لكل ناظر غير مخاطر بنفسه منصف خال عن الغرض مرتاد للحق مجاهد في سبيله و بذلك انزل في كتابه ايات يصدقها العقول السليمة فقال جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و قال ليحق الله الحق بكلماته و يبطل الباطل و قال بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و لكم الويل مما تصفون و قال ما جئتم به السحر ان الله سيبطله ان الله لايصلح عمل المفسدين و قال لايفلح الظالمون و الساحرون و الكافرون و الساحر حيث اتي الي غير ذلك من الايات و طال ما استدل به الانبياء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 85 *»

علي حقيتهم و وردت به اخبار.

و هل تجوز في عقلك ان‏يغلب داعي الشيطان داعي الحق او يعجز الله عن اظهار امره فلايكون ذلك ابداً و عليه ايضاح الحق و ابطال الباطل بما يشاء كيف يشاء فاما يظهر البطلان في عقائده او اعماله او اقواله او نسبه او خلقته او يبدي اسباب شعبذته او يمنعه عن اتيانه هذا و علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور و لاهل الحق نور و هداية و وقار و سمت و زهد و تقوي و اثر و توافق في الاقوال و الاعمال و صدق و صفاء و اخلاق كريمة و لاهل الباطل خرق و نزق و حرص و طمع و سخافة و فسوق و تخالف في الاقوال و الاعمال قل هل انبئكم علي من تنزل الشياطين تنزل علي كل افاك اثيم يلقون السمع و اكثرهم كاذبون ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان‏نجعلهم كالذين امنوا و عملوا الصالحات سواء محياهم و مماتهم ساء مايحكمون ام نجعل الذين امنوا و عملوا الصالحات كالمفسدين في الارض ام نجعل المتقين كالفجار هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون فمن زعم انه تحير بين الداعيين فقد كذب و افتري و ضل و غوي و خاطر بنفسه حيث لم‏ينصف ربه و الحق اوضح من نار علي علم.

علم المحجة واضح لمريده
  و اري القلوب عن المحجة في عمي
و لقد عجبت لهالك و نجاته
  موجودة و لقد عجبت لمن نجي

و اما الاستدلال علي ذلك من طريق الحكمة فاعلم ان الله سبحانه هو الحق الدائم الاحدي القديم الثابت الغالب العزيز القاهر الحكيم و لايكون من الخلق منه و اليه الا ما غلب فيه جهة الرب جل‏شانه فكل اهل الحق هم اهل الثبات و الدوام و الغلبة و العزة و القهر و التوافق في الاقوال و الافعال و الحكمة و النور و الخير و الشيطان هو الباطل المجتث الزايل الافاك الاثيم المختلف اللاغي و لايكون من الخلق منه و اليه الا و هو باطل مجتث زايل افاك اثيم مختلف الاقوال و الافعال لاغ ضال مضل ذونزق و خرق و فسوق و رذالة فلايمكن ان‏يشتبها لناظر في امره هذا و اهل الحق يستمدون من الله سبحانه و من عليين بمقتضي عقايدهم الحقة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 86 *»

و اعمالهم الصالحة و لابد و ان‏يمدهم الله سبحانه كما يستمدون من ثواب الدنيا و الاخرة و النعيم و البقاء و الثبات و اهل الباطل يستمدون من سجين بمقتضي عقايدهم الباطلة و اعمالهم الفاسدة و لابد و ان‏يمدهم الله سبحانه من حيث يستمدون و ينزل عليهم العذاب و القهر و الانقراض و الاخترام و يضربهم بالخزي و الافتضاح و بوار الامر و الزلل و غير ذلك كلا نمد هولاء و هولاء من عطاء ربك و ماكان عطاء ربك محظوراً و هذا العطاء هو العطاء من الرحمة الواسعة.

لايقال ان الله سبحانه غني يتركهم علي حالهم فانه خلق الجنة و النار و خلق في الدنيا نعيماً و شقاء و راحة و تعباً و صحة و مرضاً و خزياً و تعففاً و افتضاحاً و تستراً و يبتلي بكل كلاً و لابد و ان‏يكون ابتلاؤه لهم علي نهج الحكمة و الصواب في الدنيا و الاخرة و لايكون في ابتلائه ظلم و حيف و جور فالمستمد منه بجهته اليه لابد و ان‏يمد بما يليق بها و المستمد منه بجهته الي نفسه لابد و ان‏يمد بما يليق بها و ذلك حكم ليس يختلف في الدنيا و الاخرة خذه اليك اصلاً اصيلاً و صاحباً دليلاً تهتدي به في ظلمات البر و البحر و هذا الاصل جار في كل شخص و كل قول و كل عمل و كل خبر و كل اثر و كل شي‏ء فان كليات الحكمة ليست تتخصص ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فاذا ادعي مدعي النبوة و اتي بخارق عادة و عليه حقيقة و نور و تشابه بالمتقين و الانبياء و المرسلين فهو هو صدقه بلااكتراث فانه من الله و الي الله و هو مصدق مسدد موفق يقينا و ما رايته بخلاف ذلك فاعلم انه كذاب مفتر مشعبذ او ساحر او كاهن ضال مضل فتبصر و الحمد لله.

فصـل: اعلم ان الله سبحانه هو الذي لا من شي‏ء كان و لا من شي‏ء كون ما قدكان فاول ما خلق خلق مشيته بنفسها ثم خلق بالمشية ما شاء كيف شاء فاول ما خلق بمشيته الماء الذي منه حيوة كل شي‏ء و منه كل حي فاجراه بمشيته علي ارض قابليته التي خلقت منه و اخذ منه جزئين و منها جزءاً و ركب منهما جميع خلقه فاول ما خلق منهما القلم و هو اول شجرة نبتت في جنان الصاقورة و هي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 87 *»

التي ذاق منها روح القدس الباكورة فاخذه الله سبحانه بيمين مشيته و جعله  وكر ارادته و محل مشيته و مظهر حركته في ايجاد ما شاء كما شاء فكتب به ما كان و ما يكون في لوح نفسه اي نفس القلم و هو اللوح المحفوظ و ام الكتاب و ذلك القلم هو روح القدس كما حقق في محله و وردت به الاخبار و هو عقل الكل و في كل نبي و وصي منه راس خاص و تلك الرءوس هي عقولهم صلوات‏الله عليهم فعقولهم هي اوكار مشية الله و محال ارادة الله فاذا شاء ما شاء حرك من سرايرهم كوامن ما ابطن فيهم و اجراهم حيث يشاء و يجري بهم ما يشاء بالكلي علي حسبه و بالجزئي علي حسبه و هم لما كان المستولي علي مراتب قوابلهم الروح روح النبوة و كانت قوابلهم صافية لطيفة كما مر و لم‏تحجب شيئاً من صفات الروح و افعاله التي هي صفات الله و افعاله و كانت في عقولهم علي نهج الاجمال و الكلية بلا اختلاف فلما نزلت في الواح نفوسهم ظهرت مفصلة بتفاصيل مجردة دهرية فكانت صفاتهم النفسانية و افاعيلهم الدهرية تفاصيل اسماء الله و صفاته و افعاله علي حسب الدهر فلما برزت في عالم الشهود تفصلت بتفاصيل جزئية زمانية فظهرت من كل عضو من اعضائهم علي حسب قابليتهم فجرت علي حسب ارادة الله و محبته فنظرت اعينهم الي ما يحب الله و اصغت اذانهم الي ما يرضي الله و جرت السنتهم علي حسب مشية الله و تحركت ايديهم و ارجلهم علي هوي الله سبحانه فكانوا بذلك عاملين بمحاب الله لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون فاذا شاء الله سبحانه اظهار ابتعاثهم من عنده و كونهم سفراءه اجري جوارحهم بمشيته علي حسب قوابلهم و قوابل اهل الزمان و قوابل المكان و الزمان في امور كونية من احياء و اماتة و خلق و رزق او تغيير او تبديل فانه لايوجد الشي‏ء من العدم الا الله و لايغير الشي‏ء من جوهريته الي جوهر اخر الا الله و اذا لم‏يشأ ذلك و شاء اظهار كونهم عبيداً مطيعين معصومين اجري جوارحهم في امور شرعية علي طبق رضاه و محبته فهم في كل حال عاملون بالله في احداث كون او عمل بما يحب و اذا اراد ابتلاءهم و تعريفهم قدرته و ان كل ما بهم من نعمة فمن الله غيب عنهم ذلك الروح حتي يجروا بمقتضي انيتهم العادلة و سجيتهم المستقيمة فجروا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 88 *»

علي حسبه و بقدر كونها علي خلاف كينونة الله يحدث عنهم خلاف الاولي فيخضعون و يعترفون علي انفسهم بالقصور و لله سبحانه بالحول و القوة فيترقون كما مر و يستحقون بذلك تاييداً اعظم و اعلي فالمعجزات من ذلك هي افاعيل من الله سبحانه ظهرت بهم كحسناتهم الكاملة و ما يصدر منهم من خلاف الاولي هي افاعيلهم تظهر منهم بالله سبحانه فالمعجز هو فعل الله سبحانه ظهر بهم لانه اتخذ عقولهم محال مشيته فاذا شاء ما شاء حركها نحو ما شاء فتنزلت تلك الحركة حتي ظهرت علي جوارحهم بايجاد او اعدام او تغيير و يعجز عن ذلك ساير البشر لان عقولهم لاتجري علي وفق المشية كما هي اي كما عليه المشية و انما تجري بالمشية كما هي اي كما يكون العقول عليه فيخالف مايظهر منها ما يحب الله سبحانه اللهم الا عقول بعض الاولياء المشايعين للسادة في كل شي‏ء التاركين لما يريدون لما يريد الله سبحانه فانه يمكن ان‏يجري بعقولهم علي جوارحهم بعض ما يوافق المشية و يسمي بالكرامة لان الله سبحانه اكرمهم به و تكرم عليهم بذلك و لا مانع كما كان يظهر من سلمان و اضرابه و ذلك لان عقول هولاء محال مشية ساداتهم التابعة لمشية الله سبحانه فيظهر علي ايديهم ببركات سادتهم خوارق عادات و كرامات صلوات‏الله و سلامه علي ساداتهم و ذلك تكريم منهم لشيعتهم و ذلك لايكون الا من النقباء الغالب عليهم حكم العقل و خصاله و اما النجباء فهم مكرمون بالعلم و العمل و الصفات الحميدة و الخصال الكريمة لان الغالب عليهم سر النفس القدسية التي هي بنت العقل.

و اما اعداؤهم فالغالب عليهم الشيطان المقابل لروح القدس و الجهل فينصبغ مشية الله سبحانه فيهم بالكلية و يظهر عنهم ما يظهر بالله سبحانه و بمشيته لا منه فيتفصل في نفوسهم الامارة بالسوء التي هي مقام اللوح السجيني ثم يتنزل الي اعضائهم و جوارحهم فينظر اعينهم بالشيطان و يصغي اذانهم به و يتحرك السنتهم و جوارحهم به فيظهر عليها حركات سجينية متنافرة في الاثام و الخطيئات و الاباطيل و الاضاليل فعلي معجزات الانبياء نور و حقيقة و هي مستندة بالله الواحد و علي اباطيل هولاء ظلمة و اجتثاث و هي مستندة الي الات و ادوات و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 89 *»

استعانات بالكواكب و العقاقير و الارواح الخبيثة و الشياطين ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون و رجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً   فلايشتبهان ابداً و اني و اني و متي وجد باطل عابد زاهد ورع متق عامل بمحاب الله سبحانه متوافق الاقوال متطابق الاعمال يصدق الحق و اهله و يكذب الباطل و اهله يدعو الي العقايد الصحيحة و الاعمال الصالحة لم‏يظهر بطلانه و لم‏يخترم امره و الله يقول هل انبئكم علي من تنزل الشياطين تنزل علي كل افاك اثيم الايات و يقول ام نجعل المتقين كالفجار و يقول ان الله لايصلح عمل المفسدين الي غير ذلك من الايات التي هي حقيقة ادلة عقلية فان فرض فارض رجلاً كذلك فنقول هو الحق الذي لامرية فيه و هو محل مشية الله و وكر ارادة الله و لايريد الله من الانسان الا ان‏يكون هكذا و لا معني لبطلانه خذها اليك و كن من الشاكرين و الحمد لله رب العالمين.

فصـل: و مما يتبع تلك الخصال الكلية استجابة الدعاء و هي شرط صدق النبوة و ذلك ان النبي ما لم‏يكن مراة كاشفة عن التوحيد و فروعه للمتوجهين اليه المقبلين لم‏يكن نبياً و ان كان كاشفاً فيكون حاملاً و ان كان حاملاً كان واصلاً  الي المثال الملقي في هويته منه سبحانه الذي هو غاية الغايات و مبدؤ المبادي و ذلك المثال هو مطابق لصفة ذي‏المثال فهو مثله فاذا كان مثله يصدر منه افعاله فهو السائل بافعاله المنصبغة في لسان العبودية بصبغ السؤال الذي هو ما منه و هو المجيب بافعاله النازلة منه علي نهج الربوبية في القدسي اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشي‏ء كن فيكون و في الخبر القي في هويتها مثاله فاظهر منها افعاله فاذا كان هو صاحب مثال الواحد جل‏شأنه في ذاته و موضع مشيته الكلية في قلبه و معينها بعزيمات روحه و مقدرها بهندسات نفسه و مبرمها باحكام طبعه و مجريها باعضائه و جوارحه فلا مانع من استجابة دعائه البتة اذ هو السائل به و هو المجيب به و هو المستعلي بروح النبوة علي جميع ما دون الانبياء فيقدر علي التصرف في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 90 *»

جميعها باذن الله بان‏يدعو الله سبحانه لتغيير ما يشاء فيغير الله به ما يشاء كما يشاء نعم للانبياء مراتب في حكاية تلك الامثلة باختلاف هيئاتهم و الوانهم فتتخصص تلك الامثلة فيهم و تتناهي علي حسبهم فتتقدر تصرفاتهم علي حسب مراتبهم فلايدعون الله سبحانه ما لايحبه الله لهم و لم‏يامرهم به و اما ما دعوا الله سبحانه به فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله و قد قال ادعوني استجب لكم و اوفوا بعهدي اوف بعهدكم و قد وفوا لله بالاطاعة فوفي الله سبحانه لهم بان جعلهم مثله علي حسب خلوص وفائهم له سبحانه.

فتبين ان القابلية التي قد وفت لله سبحانه بالاقبال المعدم لنفسها بلا نهاية قد وفي الله سبحانه لها بلا نهاية فكان ما هو عليه ما هي عليه و ما له ما لها و ما منه ما منها و ما اليه ما اليها و ما به ما بها من كل جهة فمثل ذلك الموفي يوفي له بجميع شــٔون التوحيد و صفات الله سبحانه و اسمائه و افعاله و يتنزل الي جوارحه فتنصبغ بالعبودية كما مر فيعبد الله سبحانه حق عبادته و يتقيه حق تقاته و يشكره حق شكره لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون و ما بكم من نعمة فمن الله فمثله يستجاب دعاؤه في تقليب الدنيا و الاخرة و الجنة و النار و ما كان و ما يكون في عرصة الامكان فهو الشفيع المطاع صلوات‏الله عليه و اله و ياتي ان شاءالله فمن لايستجاب دعاؤه لم‏يكن دعاؤه بامر الله و مشيته و من لم‏يدع بامر الله و مشيته و محبته فهو عاص و ليس بنبي فتبين ان كل دعاء صدر من داع يحبه الله و يرتضيه فهو حسنة و ما اصابك من حسنة فمن الله فهو السائل به و موالوه الذين جرت تلك الحسنة بهم عليه و كانت من فروعهم فاذا كان الله سبحانه هو السائل من نفسه و احباؤه فيستجيب دعاءه و دعاءهم البتة فان الدعاء دعاء صاعداً و اجابة نازلاً فظهور الدعاء المحبوب علي العبد دليل وجود الاستجابة فوقه و قبله البتة فما لم‏يذكر الله العبد بالرحمة لايسأله العبد الرحمة اللهم اجعلنا كما تحب و ترضي بمن تحبه و ترضاه برحمتك يا ارحم الراحمين.

و لما وصل الكلام الي هنا احببت ان‏اترجم لك الاسم الاعظم الذي من دعا الله به لايخيب استطراداً و هو هذه الحروف اذكر انطواءك تحت الاحد و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 91 *»

امتناعك حيث هو ثم توجه الي الله الواحد الصمد جل‏شانه من بابه و ادعه باسمائه و صفاته فان استغرق حاجتك في بحر ثنائه فبها و نعمت و الا فاذكر حاجتك له و لاستكمال خدمته ثم دونك دونك فقد اجيبت دعوتك فاستقم و لاتتبعن سبيل المفسدين وصلي‏الله علي محمد و اله الطاهرين و ساير الشروط المذكورة في كتب الاصحاب تفاصيل هذا الاجمال و الله المتعال.

بالجملة لا شك ان استجابة الدعاء من لوازم النبوة و من لايستجاب دعاؤه ليس بنبي و لايجب علي النبي ان‏يقترح علي الله سبحانه كلما يقترح عليه الامة مما فيه الفساد بل لايجوز و اما اقتراح موسي سؤال الرؤية فان بني‏اسرائيل قالوا لن‏نؤمن لك حتي نري الله جهرة فاخذتهم الصاعقة و هم ينظرون ثم بعثهم من بعد موتهم لعلهم يشكرون حين دعا موسي و قال رب لو شئت اهلكتهم من قبل و اياي افتهلكنا بما فعل السفهاء منا فنسب ذلك القول الي السفهاء فلما احياهم الله تعالي كرروا القول و سالوا ان‏يساله موسي الرؤية فيخبرهم فابي موسي فاوحي الله اليه ان‏اسال ماسألوك و لااؤاخذك بجهلهم فقال موسي رب ارني انظر اليك قال لن‏تراني و تجلي له ملك من الكروبيين من الخلق الاول من شيعة اميرالمومنين7 و هو حقيقته المربية له و هي كنه عبوديته و كان دعاؤه ايضاً لذلك فقال لن‏تراني ببصرك و اشرق نور ربه علي جبل جبلته فاندك و تضعضع و خر موسي صعقاً فلما افاق قال سبحانك تبت اليك و انا اول المومنين بانك لاتري بالابصار و لاتحيط بك خواطر الافكار فلم‏يسال موسي اقتراحاً علي ربه و انما سأله ابتغاء قومه و قطعاً لحجته كذا عن الرضا7 ذكرنا معني كلامه.

و اما استغفار ابرهيم لابيه حيث قال و اغفر لابي انه كان من الضالين فانما ذلك كان عن موعدة وعدها اياه و الوعد كان من ابرهيم حيث قال ساستغفر لك ربي انه كان بي حفياً و هو كان بعد الوعد من ابي‏ابرهيم حيث وعده ان‏يسلم فاستغفر له ابرهيم و لايضر الاستغفار حين الضلالة و الشرك لان لازم طلب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 92 *»

المغفرة طلب التوفيق له بالاسلام فكانه طلب له من الله الاسلام و هو يجب ما سلف و يكفر الذنوب و يوجب المغفرة او لايفوز بالاسلام حتي يغفره الله و يقربه منه فان ما من الله مقدم علي ما من الخلق و نظير ذلك ما روي ان نصرانياً عطس بحضرة الصادق7 فقال له القوم هداك الله و قال له الصادق7 يرحمك الله فقالوا له انه نصراني فقال لايهديه الله حتي يرحمه انتهي  فلما تبين لابرهيم انه عدو لله لاتنفعه شفاعة الشافعين تبرأ منه و ترك الاستغفار فلا باس بمثل هذا الدعاء.

فصـل: في قانون كلي يثبت به نبوة الانبياء اعلم ان المطالب اربعة احدها معرفة الحقايق و الذوات و ثانيها معرفة المعاني الكلية المجردة عن الاعراض و ثالثها معرفة الصور الجزئية و هذا القسم ينقسم علي قسمين معرفة صورة المادة الخارجية و معرفة حكمها فانحصرت كليات المطالب في اربعة و هذه المطالب هي من حيث ظهورها للطالب ادلة و من حيث هي مدلولات و ذلك ان الدليل لايؤدي الا الي ما فيه من مثال المستدل‏عليه و ذلك المثال هو المدلول‏عليه حقيقة فمن اجل ذلك وجب ان‏يكون الدليل من جنس المدلول‏عليه و الا لبطل الدلالة و من ذلك عرف ان ما لا مثال له لا دليل عليه و هو ما كان يقال ما لاحد له لا برهان له و حاد كل شي‏ء مثاله و نهاياته التي بها يمتاز عما سواه.

فدليل الحقايق و الذوات حقيقي ذاتي و هو الحكمة المشار اليها في الكتاب بقوله ادع الي سبيل ربك بالحكمة و حاصله المعرفة الانكشافية و لا يقابله الا الانكار المحض كما قال يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها و لا ضد للوجود الا العدم و الواصل الي هذا المقام من اهل الكشف و دليل المعاني الكلية الموعظة الحسنة و هو المشار اليه في تلك الاية بقوله بـ الموعظة الحسنة و حاصله اليقين و هو البت و الجزم و عدم احتمال غيره كالبت علي ان الكمال خير من النقص و الخير احسن من الشر و القدرة احسن من العجز و امثال ذلك و منه قوله سبحانه هل يستوي الذين يعلمون و الذين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 93 *»

لايعلمون و قوله و ما يستوي  الاعمي و البصير و لا الظلمات و لا النور و لا الظل و لا الحرور و لا الاحياء و لا الاموات و قوله اذلك خير نزلاً ام شجرة الزقوم و امثال ذلك و يقابل ذلك الظن و الشك و الوهم و قديحصل اليقين و لمايحصل المعرفة بحقيقته و دليل المعاني الكلية معنوي كلي من جنسها البتة و الواصل الي هذا المقام فايز ببرد اليقين و السكون و الاطمينان و المدركون ذاك قليل.

و اما الصور الجزئية فدليلها المجادلة المشاراليها في تلك الاية بقوله وجادلهم بالتي هي احسن و هو صوري جزئي من جنس المدلول مستنبط من الالفاظ و مفاهيمها او من اقتران الصور الجزئية بعضها ببعض او من صورة واحدة و حاصله حضور المدلول في مشاعر الانسان النفسانية في مقاماتها العشرين المعبر عنه بالعلم و يقابله غياب المدلول عن المشاعر و عدم انطباعه فيها و قد يحصل ذلك في المشاعر و لمايحصل اليقين في القلب و المعرفة في الفؤاد فان عرصاتها مختلفة و لذلك يوجد عالم بشي‏ء غير متيقن بمعناه بدليل عقلي و متيقن غير عارف و هذا المعلوم اما نفس الموضوع او حكمه فنعبر عن الاول بالعادي و عن الثاني بالشرعي و دليل العادي عادي و دليل الشرعي شرعي و قد يحصل العلم الشرعي و لمايحصل العلم للانسان باصل الموضوع الخارجي و ذلك كثير.

فاذا عرفت هذه القاعدة الحكيمة السديدة فاعلم ان معرفة مطلق وجود نبي معصوم مطهر كامل بالغ من المطالب العقلية و معرفة حقيقته من المطالب الفؤادية و قدبيناها و اقمنا الدلايل عليها سابقاً من الحكمة و الموعظة الحسنة و اما معرفة خصوص شخص نبي نبي في البشرية الظاهرة فذلك مما يجب ان‏يكون الدليل عليه من المجادلة و الادلة الصورية اذ لاتقدر العقول الجزئية علي اقامة الدليل المعنوي علي الموضوعات الجزئية و من تحاولها في الاشخاص الجزئية يبقي في ريب التردد ابداً و لايفوز باليقين العقلي و اما اذا استدل عليه بدليله الصوري فاز بالعلم به و هو التكليف و لايكلف الله نفساً الا وسعها و لايكلف الله نفساً الا ما اتيها و لايسع الناس الا ذلك.

فاذا رمت الاستدلال علي الشخص فاعلم انك ان كنت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 94 *»

مشاهداً للمبعوث فلابد و ان تلاحظ الخصال المشهودة فيه مما ذكرنا من نسبه و حسبه و اخلاقه و صفاته و علمه و دعوته فان كان لا بأس بشي‏ء منه علي ما ذكرنا و ليس ببدع من الرسل فان كان منصوصاً عليه من النبي السابق بعينه فلايحتاج الي ازيد من ذلك بل و يكفي النص عليه من تتبع ما ذكرنا و ان لم‏تعلم بنص عليه فتتبع عما ذكرنا ثم سله المعجز و الحجة فان اتي بخارق عادة مقروناً بدعوته و ادعائه فاتبعه فهو البعيث الحق من عند الله سبحانه المقرر المسدد المصدق و ان لم‏تشهده فلابد من تتبع الاخبار و الانسان مجبول علي ان‏يحصل العلم له من الاخبار المتواترة و اخبار الثقات المرضيين ذوي‏الخبرة و التنبه و الذكاوة و حصول العلم له منها امر قهري كالعلم بوجود الهند و الافرنج و الارض الجديدة مع انا لم‏نرها و كالعلم بوجود السلاطين و الامم السالفة و لايقدر الانسان علي دفع هذا العلم عن نفسه مع انه لادليل له عقلياً علي وجودها كالعلم بوجود الشمس و لا دليل له عقلياً علي وجودها و لايعرف حقيقتها بدليل الحكمة و مثل هذا العلم كاف في وقوع التكليف و يحتج الله سبحانه به علي العباد البتة فاذا تتبعت الاخبار في موسي7 يحصل لك العلم العادي بان رجلاً من بني‏اسرائيل اسمه موسي و ابوه عمران قد جاء في سالف الزمان و ادعي النبوة و اتي بخوارق عادات و بالتورية و شريعة و هذا العلم كاف في لزوم الحجة عليك في الاقرار به البتة و كذلك ساير الانبياء و الحجج فمن توقف في الاقرار بهم بعد هذا العلم لعدم حصول دليل عقلي علي وجودهم او دليل حكمة فؤادية عليهم لايعذر عند الله سبحانه.

و ان قلت انا نشاهد في زماننا هذا اتفاقاً علي وقوع امر و ينكشف بعد زمان عدم وقوعه اصلاً و نشاهد اتفاق امة علي حسن الثناء في رجل و وقوع خوارق عادات منه ثم ينكشف لنا سوء حاله و عدم وقوع خارق عادة البتة و اتفاق جمع من النصاري علي بولس و جمع من المسلمين علي ابي‏بكر يزيد عددهم علي الاحصاء بحسن الثناء عليهما و كونهما علي الحق و نعلم قطعاً انهما كانا علي الباطل فاذا شاهدنا امثال ذلك عياناً كيف يحصل العلم الذي به يقع الحجة من تواتر خبر صدور خارق عادة من رجل متنبئ اقــول نعم ذلك كذلك لولا ضم التقرير به و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 95 *»

شبهتك ترد علي ما يكتفي به غيرنا حقيقة نعم والله لولا ضم التقرير بامور الاديان لزال الوثوق بجميع الشرايع و الاحكام و الاديان فانا نري هذا الخلق المنكوس الجهلة الذين هم اضل من البهايم و همج رعاع كيف يتبعون كل ناعق و يميلون مع كل ريح و كيف يقنعون بالتوهمات و الخيالات و كيف يصدقون كل داع و كيف يروون علي البت و اليقين كل مشكوك بل و مكذوب و مفترٰي و كيف ينقادون لكل حيال قلاب خداع و مشعبد و ملبس من غير حجة و لا بينة و لعمري اتعجب من الذين لايتمسكون بالتقرير كيف يدعون حصول الظن و يوجبون العمل به و لعمري لايحصل للنبيه غالباً الا الوهم المرجوح و ان تاكد فلايتجاوز الشك ابداً ابداً نعم لولا دليل التقرير الذي فيه شفاء الضرير و اطمينان الخبير لما بقي لشي‏ء من الاديان اعتبار و لا اخضر لشرع عود و لا قام لملة عمود و قد نبهنا سابقاً علي دليل التقرير هنا و في ساير كتبنا.

فاذا عرفنا ان الله العالم الحكيم القادر الغني الكامل الشاهد المطلع عالم بصحة امر كل متنبئ و بطلانه و بصدق كل خبر و كذبه و قدقام رجل بمحضره و ادعي عليه انه بعثه و اتي بخارق عادة في مشهده و محضره او انتشر خبر بمحضره و مشهده ان هذا الرب جل و علا قدبعث فلاناً بالنبوة و اجري علي يديه خارق عادة و هو يسمع و يري و لايكذبه و لايفسد امره و لايبطله بل يقويه و يؤيده و يدفع عنه حجة كل ذي‏حجة و يدحض نقض كل ناقض عليه عرفنا انه حق صدق من عنده فنتبعه و نتقرب به اليه و ما ذكرت من حصول العلم لك ببطلان كثير مما اتفقوا عليه فذلك ايضاً مويد لما ذكرنا فان الله سبحانه لما علم بطلان اولئك عرفك بطلانهم و كذب اخبارهم و فساد اجماعهم مع انهم اكثر اهل الدنيا عدداً فما ودعك تغتر بزخارف اقوالهم و تتيه في بوادي فريتهم و تغرق في لجج فتنتهم و كذلك يفعل الله بكل باطل و اما من لم‏يبطل امرهم و لم‏يظهر فسادهم و لم‏يدحض حجتهم مع انهم اقل عدداً من غيرهم فهم علي الحق و لو علم بطلانهم لابطل امرهم مثل ابطال غيرهم و كان اهون عليه فلايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله فان قوماً يكون الله معهم هم اكثر كثير و لنعم ما قال الشاعر:

ان الكرام كثير في البلاد و ان قلوا كما غيرهم قلوا و ان كثروا

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 96 *»

فاهل الحق قليل اذا عدوا كثير اذا شدوا بالحجج الواضحة و الادلة الباهرة فتوكل علي العزيز الرحيم الشاهد الحكيم غيراللاعب بالخلق غيرالمغري بالباطل هذا هو وجه اعتمادنا علي جميع الحق و الا و كما لا اعتبار باخبار هذه البهايم و الانعام لا اعتبار بادلة العقول السخيفة و الاحلام ايضاً و بذلك نستثبت نحن ساير الفروع الجزئية ايضاً التي لم‏تبلغ اخبارها حد التواتر.

و اعلم ان الامور امران امر يكون للعباد فيه صنع و امر ليس للعباد فيه صنع و قداقتضت حكمة الحكيم ان‏يتكفل بما ليس للعباد فيه صنع لقبح تكليف العباد بما لايسعونه و ان‏يمتحن خلقه بما لهم فيه صنع فيكلفهم به و يمتحنهم بالعمل بمقتضاه فالانسان مثلاً يكون من صنعه القاء الحب فكلف به و ليس من صنعه الانبات فكفل عنه و كفي امره و من صنعه الاكل و الشرب فكلف به و ليس من صنعه الهضم و تغذية البدن و التنمية فكفل عنه و كفي امره و هكذا لو تدبرت في جميع الامور لوجدته كذلك و مما لا صنع للعباد فيه معرفة الخبر الصدق و الكذب بعد الف سنة و اكثر و لا شي‏ء من القراين يفيد ذلك حقيقة فان جميعها قرائن خبرية و قد عرفت وهنها و لايخفي وهنها علي العاقل الخبير و الناقد البصير و من اجل ذلك ذهب علماؤنا الي الظن و بعد التدبر في اخبار العالم لايحصل في كثير منها الا الشك و الوهم فنحن نعتمد علي ربنا العالم الحكيم غيرالمغري بالباطل فاي خبر صدقه صدقناه و اي خبر كذبه كذبناه و نعلم تصديقه بعدم اظهار فساد فيه و كذب و ذلك يحتاج الي جهاد كما قال الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فاشترط في الهداية الجهاد الذي هو في وسعنا و هو الفحص و البحث عن حقيته و ذلك مقداره الوسع لقوله لايكلف الله نفساً الا وسعها فاذا جاهدنا بقدر الوسع فقدادينا ما علينا و ما يكون في صنعنا و بقي ما عليه و من صنعه و هو الهداية و التعريف و الايصال كما قال ان علينا بيانه و قال و ماكان الله ليضل قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال ان علينا للهدي و ليس هيهنا موضع بيان اكثر من ذلك و قد فصلناه في ساير كتبنا فبهذه القاعدة السديدة المحكمة نحن نعرف صدق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 97 *»

كل متنبئ صادق و حجة من الله سبحانه و صدق كل خبر و حكم صدر عنهم في الشرايع خذها اليك مصباحاً تهتدي به في ظلمات البر و البحر و تفوز بالعلم و البصيرة ما لو ضربت اباط الابل دهراً لم‏تفز باحكم منه.

فصـل: في عدد الانبياء و درجاتهم سلام‏الله عليهم اعلم انه قد جاءت الروايات الكثيرة بانهم مائة الف نبي و اربعة و عشرون الف نبي منهم ثلثمائة و ثلثة عشر مرسلون و منهم خمسة اولوا العزم و الشرايع و هم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمد صلي الله عليه و اله و عليهم و واحد ذو شريعة و لم‏يكن من اولي‏العزم و هو ادم7 ففي البحار عن الرضا7 عن ابائه: قال قال النبي9 خلق الله عزوجل مائة الف نبي و اربعة و عشرين الف نبي انا اكرمهم علي الله و لا فخر و خلق الله مائة الف وصي و اربعة و عشرين الف وصي فعلي اكرمهم علي الله و افضلهم و عن علي بن الحسين8 قال من احب ان‏يصافحه مائة الف نبي و اربعة و عشرون الف نبي فليزر قبر ابي‏عبدالله الحسين بن علي8في النصف من شعبان فان ارواح النبيين يستأذنون الله في زيارته فيؤذن لهم منهم خمسة اولوا العزم من الرسل قالوا من هم قال نوح و ابرهيم و موسي و عيسي و محمد صلوات‏الله عليهم قالوا ما معني اولوا العزم قال بعثوا الي مشرق الارض و غربها جنها و انسها و عن الرضا7 قال انما سمي اولوا العزم اولي العزم لانهم كانوا اصحاب العزايم و الشرايع و ذلك ان كل نبي كان بعد نوح7 كان علي شريعته و منهاجه و تابعاً لكتابه الي زمن ابرهيم7 و كل نبي كان في زمن ابرهيم و بعده كان علي شريعة ابرهيم و منهاجه و تابعاً لكتابه الي ايام موسي7 و كل نبي كان في زمن موسي7 و بعده كان علي شريعة موسي و منهاجه و تابعاً لكتابه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 98 *»

الي ايام عيسي7و كل نبي كان في ايام عيسي7 و بعده كان علي منهاج عيسي و شريعته و تابعاً لكتابه الي زمن نبينا محمد9 فهولاء الخمسة اولوا العزم و هم افضل الانبياء و الرسل:و شريعة محمد9لاتنسخ الي يوم القيمة و لا نبي بعده الي يوم القيمة فمن ادعي نبوة او اتي بعد القران بكتاب فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه و عن «فس»  في تلو قوله فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل و هم نوح و ابرهيم و موسي و عيسي بن مريم: و معني اولوا العزم انهم سبقوا الانبياء الي الاقرار بالله و اقروا بكل نبي كان قبلهم و بعدهم و عزموا علي الصبر مع التكذيب لهم و الاذي و عن ابي‏جعفر7 في قول الله عزوجل و لقد عهدنا الي ادم من قبل فنسي و لم‏نجد له عزماً قال عهد اليه في محمد و الائمة من بعده فترك و لم‏يكن له عزم فيهم انهم هكذا و انما سمي اولوا العزم لانهم عهد اليهم في محمد و الاوصياء من بعده و المهدي و سيرته فاجمع عزمهم ان ذلك كذلك و الاقرار به و روي عهد اليه ان لايقرب الشجرة فنسي فاكل منها و الاخبار بعددهم كذا و بعدد اولي العزم كما مر مستفيضة و عن عقايد الصدوق اعتقادنا في عدد الانبياء انهم مائة الف نبي و اربعة و عشرون الف نبي و مائة الف وصي و اربعة و عشرون الف وصي لكل نبي منهم وصي اوصي اليه بامر الله تعالي الي اخر كلامه موذناً بدعوي الاجماع و كذا قال ان سادة الانبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحا اصحاب الشرايع من اتي بشريعة مستانفة نسخت شريعة من تقدمه و هم خمسة و سماهم و ما روي عن طريق انس بن مالك قال قـال رسول الله9 بعثت علي اثر ثمانية الاف نبي منهم اربعة الاف من بني‏اسرائيل فلايعارض الاخبار المستفيضة و الشهرة بين الشيعة او يحمل علي افاضلهم هذا و ليس فيه ما يدل علي نفي الزايد و عن ابي‏ذر ره قال قلت يا رسول الله كم النبيون قال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 99 *»

مائة الف نبي و اربعة و عشرون الف نبي قلت كم المرسلون منهم قال ثلثمائة و ثلثة عشر رجلاً جماً غفيراً قلت من كان اول الانبياء قال ادم قلت و كان من الانبياء مرسلاً قال نعم خلقه الله بيده و نفخ فيه من روحه ثم قال يا باذر اربعة من الانبياء سريانيون ادم و شيث و اخنوخ و هو ادريس7 و هو اول من خط بالقلم و نوح و اربعة من العرب هود و صالح و شعيب و نبيك محمد9و اول نبي من بني‏اسرائيل موسي و اخرهم عيسي و ستمائة نبي قلت يا رسول الله كم انزل الله من كتاب قال مائة كتاب و اربعة كتب انزل الله تعالي علي شيث7 خمسين صحيفة و علي ادريس ثلثين صحيفة و علي ابرهيم عشرين صحيفة و انزل التورية و الانجيل و الزبور و الفرقان و عن علي7 في خمسة من الانبياء تكلموا بالعربية فقال هود و صالح و شعيب و اسمعيل و محمد صلوات‏الله عليه و اله و عليهم و به وردت رواية عن الصادق7 ايضاً و يمكن الجمع بان اسمعيل لم‏يكن من العرب لكنه تكلم بالعربية و يؤيده ما روي عنه7 ايضاً انه لم‏يبعث الله من العرب الا اربعة هوداً و صالحاً و شعيباً و محمداً صلوات‏الله عليهم.

بالجملة المستفاد من الاخبار و الشهرة بين الشيعة ان عددهم مائة الف و اربعة و عشرون الفاً و منهم ثلثمائة و ثلثة عشر نفساً مرسلون الي امة بوحي تاسيسي او تاكيدي منهم ستة مرسلون اوحي اليهم بتاسيس شرع و جعل لهم شرعة و منهاج منهم خمسة اولوا العزم بالمعاني المذكورة منهم واحد هو الفاتح الخاتم صلوات‏الله عليه و اله و لنا علي جميع ذلك ادلة حكمية عقلية ذكرناها في كتبنا و رسائلنا و مباحثاتنا و لااحب ان‏اذكرها هنا لان بناء هذا الكتاب علي ادلة لايشوبها ارتياب و تلك الادلة ان ذكرت بلا مقدماتها يحتمل الريب و ان ذكرت معها لطال بنا المقال فالاقتصار علي ما ذكرنا اولي و لايضر المسلم ان‏يعرف محض عددهم بعد معرفته بنبيه و امامه: و لايعرف الادلة العقلية عليه ان شاءالله.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 100 *»

المقصد الثاني

في اثبات نبوة سيد المرسلين و خاتم النبيين

محمد بن عبدالله عليه و اله افضل صلوات المصلين و ذكر بعض فضائله و مقاماته

و في هذا المقصد مقدمة و خمسة مقامات و خاتمة

المقدمـة

في اثبات نبوته9 و مايتعلق به و فيه فصول

فصـل: اعلم ان كل عاقل نشأ بين المسلمين او من حولهم من المليين او غيرهم و قد بلغهم صيت الاسلام يعلم علماً عادياً كعلمه بالشمس في رابعة النهار ان رجلاً اسمه الشريف محمد و ابوه عبدالله و امه امنة من ال‏هاشم نشأ  في العرب بمكة اربعين سنة معروف النسب شريف الحسب ادعي النبوة بعد اربعين سنة و دعا الناس الي الله الواحد القهار و الي نبوة نفسه و اتي بشريعة الاسلام المعروف و بهذا الكتاب المعروف المسمي بالقران و لبث في مكة زماناً طويلاً يدعو اهلها الي دينه ثم هاجر الي المدينة و دعا اهلها الي دينه فاجابه جم غفير و لباه قوم كثير من اليهود و المشركين و الكفار بلا شك و لا ارتياب و اتي مجملاً بخوارق عادات عجزوا عنها و اخبر بالغيوب و اتي بكتاب في غاية الفصاحة و البلاغة و تحدي العرب العرباء مع انهم افصح العرب و ابلغهم بكتابه و وضع سيفه علي خياشيمهم فعجزوا ان‏ياتوا بمثل كتابه بل بمثل سورة من سور كتابه و رضوا مع كثرة انفتهم و تعززهم و عصبيتهم بالقتل و الاسر و النهب و لم‏يقدروا علي معارضته حتي اذعنوا طوعاً و كرهاً بنبوته او انكروا مع العجز عن معارضته كبراً و استسلموا للقتل و الاسر و النهب و هذه الامور مما لايشك فيه عاقل بوجه من الوجوه لاسيما اذا كان ناشياً في الاسلام و كذلك كونه ذاسياسة و حكمة و تدبير و علم و حلم و زهادة و عبادة و نزاهة و نباهة و علو شان و سماحة و شجاعة و سخاوة و ذكر و فكر و امثال ذلك من المكارم ليس في شي‏ء منها مغمض لعاقل و جميعها من الامور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 101 *»

البديهية البينة الواضحة و قدعرفت مما تقدم انه لو قام رجل كذلك في محضر جبّار السماء و الارض و هو حكيم عليم قدير شاهد غيرلاعب بالخلق و غيرمغرٍ بالاباطيل و صدقه الله سبحانه و لم‏يفسد امره و لم‏يبطل دعوته و لم‏يدحض حجته هو نبي صدق حق من عند الله سبحانه و في مرءاك و مسمعك انه لم‏يبطل الله امره و لم‏يكذبه بل صدقه و قرره و قواه و لم‏يدع احد ادحاض حجته و ابطال امره الا انه انكره من انكره عناداً و لجاجاً و ذلك غيرضاير بحقية حجة و لم‏يوصل الله سبحانه الي احد طالب فاحص عن حقيقة الامر ان احداً ابطل دعواه و ادحض حجته او افسد امره او اطلع علي سريرة فاسدة منه ابداً ابداً فهو النبي المبعوث الحق من عند الله الحق و جميع ما يوردونه علي هذه الامور التي ذكرناها من الشبهات و الاحتمالات يرد مع عدم ضم التقرير من الله سبحانه و اما مع التقرير فلا و ربك فان الله سبحانه عالم لايجهل و حكيم لايعبث و قادر لايعجز و شاهد لايغيب و لايرد عليه شي‏ء منها فهو الرسول الحق حقاً حقاً امنا به صدقاً صدقاً و انقدنا له تعبداً و رقاً لا مستكبرين و لا مستنكفين صلي الله عليه و اله ابد الابدين و دهر الداهرين و لو ضممت الي ذلك الحكم المذكورة في مطلق النبوة لاتكاد تشك ولا قوة الا بالله.

فصـل: و مما يدل علي نبوته9 باوضح دلالة القران المجيد و الكتاب العزيز الذي لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و من عجايب امره اعتراف جميع المسلمين كافة بكونه معجزاً و لم‏يعرف احد وجه اعجازه و لم‏يبينه احد حق بيانه و قالوا فيه اقوالاً مجملة لم‏ينتفع بها انفسهم و لا غيرهم و لما كان كتابي هذا مبنياً علي بيان حقايق اصول المسائل الاسلامية احببت ان‏اشرح ذلك كما شاء الله و اراد و لا قوة الا به هذا و لا سيما انه قد ظهر في زماننا قوم من اشباه العلماء و اتباعهم ادعوا عدم اعجاز القران و امكان الاتيان بمثله و كفروا و ضلوا و اضلوا لعنهم الله و نحن قد كتبنا و الحمد لله في ردهم كتباً عديدة و فصلنا من امر الكتاب فيها تفصيلاً الا ان وضع هذا الكتاب لما كان علي بيان الحكم و الحقايق اردنا ان لايخلو كتابنا هذا منها و بيان هذا الامر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 102 *»

يستدعي رسم مطالب.

المطلب الاول

في ذكر الاقوال في وجه اعجاز القران فقد نقل عن قوم من المتكلمين انه معجز لانه قديم او حكاية عن الكلام القديم و هذا قول يضحك الثكلي و ما علم العرب بقدم الكلام و ما عرفهم حدوث كلامهم و قدم القران و كلاهما مولفان من الحروف و عن المفيد; انه معجز من حيث اختص برتبة في الفصاحة خارقة للعادة و ذلك ادعاء لا تعريف لاعجازه و تبيين و لايعرف الانسان بذلك حقيقة امره و عن المرتضي ان وجه الاعجاز ان الله صرف العرب عن معارضته و لولا الصرف كانوا قادرين علي المعارضة و لعمري هو اخراج للقران عن حد الاعجاز و اثبات اعجاز اخر و عن قوم ان اعجازه من حيث كان معانيه صحيحة مستمرة علي النظر و موافقة للعقل و ذلك كانه قول من لم‏يعض علي العلم اليس كتب جميع العلماء الكاملين معانيها صحيحة موافقة للعقل و اني شعورهم بصحة جميع معاني القران من غير سبيل التسليم و عن جماعة انه معجز حيث زال عنه الاختلال و التناقض علي وجه لم‏تجر العادة بمثله و هذا القول كسابقه و القران عند غير الراسخين اكثر الكتب تناقضاً كما اعترضوا بها مرات وعن اقوام انه معجز لاخباره عن الغيوب و انت تعلم ان الاخبار بالغيب غير معني القران و علي هذا فالقران ليس بمعجز و عن اخرين انه معجز لانه مخصوص بنظم مخصوص مخالف للمعهود فان اراد انه لايقدر احد الي يوم القيمة علي اتيان كلام علي هذا النظم و ان لم‏يكن في فصاحته و بلاغته معجزاً فهو خلاف البداهة و ان اراد ان سابقاً لم‏يات احد بنظمه فالقران مخبر بانهم لن‏ياتوا ابداً بمثله و عن اكثر المعتزلة ان تاليفه و نظمه معجزان و هو ايضاً مدخول فان سوق الكلام بنظمه ممكن بداهة و اذا الف عالم كلاماً علي سبكه لايفرق العرب و لا الادباء بينهما لاسيما تفريقاً يبلغ الاعجاز و قيل القران معجز لجميع هذه الوجوه و هو اذا كان جميع الوجوه مدخولة لايجدي نفعاً و منهم من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 103 *»

قال انه معجز بالفصاحة و النظم فلعمري انه و ان كان في الواقع كذلك الا انه ليس بمنحصر فيهما هذا و العرب الذين بعث اليهم النبي9 و يعتبرون هولاء تصديقهم لايعرفون من القران عجز البشر عن الاتيان بمثله كما يفهمونه من شق القمر و انطاق الحصي غاية الامر ان كل واحد واحد منهم يعرف انه بنفسه لايقدر علي الاتيان بمثله كما ان خط العماد مثلاً بلغ مرتبة لم‏يكتب احد من عصره الي الان مثله و لم‏يدل ذلك علي عجز جنس البشر عن الاتيان بمثله و لو جاهدوا جهدهم و كل من راي خطه يعرف عجز نفسه عن كتب مثله في الحال و لايعرف عجز البشر عن مثله.

و بالجملة ذكروا اعتراضات و ايرادات و جوابات ظنية و استحسانية و ادلة تخييلية شعرية لاتسمن و لاتغني من جوع و لاتصلح لان يبني عليها امر الدين و يثبت بها مثل هذا الكتاب المبين الذي خلفه النبي9 بين امته ليكون برهان التوحيد و النبوة و الامامة و الشرايع الي يوم القيمة و لولا خوف الاطالة لذكرت ادلتهم لتعرف سخافتها و وهنها و اعلم ان الدليل اذا كان مبناه علي الروايات غير البالغة حد التواتر اللفظي او المعنوي فلايخرج المدلول عليه من حد الظن اي‌والله و عن حد الوهم لما علم من سيرة الناس و العالم و اذا كان مبناه علي العقل القاطع او الروايات المتواترة يحصل القطع بالمدلول‌عليه و يصحح به ساير الروايات ثم يتاكد بتراكم القرائن و الظنون و ساير الادلة هذا و الا فلا في جميع امور الاديان.

المطلب الثاني

لنثبت اولاً اموراً يفهم منها معني الفصاحة و البلاغة علي ما هو الواقع و كيفية صيرورة الكلام معجزاً. اعلم انهم و ان خصوا الفصاحة باللفظ و البلاغة بالمعني و بينوا ذلك و شرحوا بنهاية الاتقان و الاحكام الا انهم لم‏ياتوا بما يمس الحاجة اليه هنا.

فاقول اعلم ان الكلام اثر يصدر عن الانسان بتحريك الات الكلام و ضغط الهواء من الجوف علي حسبها ليخرج اصوات مناسبة للمعني الذي في نفس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 104 *»

المتكلم و المعني الذي في نفس المتكلم هو شبح من مقصودها الذي توجهت اليه و ارادته انطبع فيها كالصورة في المرآة و لما كان جميع مميزات الاشياء ينتهي الي كيفياتها الاربع و يشيع فيها و النفس من حيث هي دراكة مطلقة و جميع اصناف المدركات يشيع فيها و في طبايعها و يتشاكل اذ اجتمع لديها فيها و ان كان فعلياتها مميزة خارجاً اذا انطبع فيها مدرك تميّز عن غيره في قواها و مشاعرها و شاع اذا بلغ حقيقتها و ماع في طبايعها فادركت في نفسها منه شيئاً مشاركاً مع خصلة اخري من ذلك الطبع كمشاركة الحمرة و السرعة في معني الحرارة و اليبوسة و البياض و اللين في البرودة و الرطوبة فاذا ادركت ذلك امكنها التعبير عن خصلة بمشاركها لاهل عرصة المشارك و صح التعبير ثم قدرته بساير تقاديره علي حسبه فصار دالاً عليه علي الحقيقة مطابقاً موافقاً معه علي نهج الحكمة و لولا ذلك الباب لربما كان يعبر عن مقتضي النار باحدي مقتضيات الماء و بالعكس و كان غيرموافق.

فلما عرفت ذلك فاعلم ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد فاذا كان هيئة الجسد مطابقة لهيئة الروح من كل جهة صلح لاستقراره فيه و صلح لان‏يظهر الروح منه جميع افعاله و صفاته و صلح للاستدلال به عليه من جميع جهاته و حدوده و ان لم‏يكن مطابقاً و كان فيه زيادة او نقيصة او تخالف او تضاد بالذات او بالعرض لم‏يصلح لاستقراره فيه و لان يظهر الروح منه جميع افعاله و صفاته و لم‏يمكن الاستدلال به عليه فالجسد الخاص المطابق لكل روح جسد واحد خاص في ملك الله لايوجد جسد اخر غيره يوافقه من كل جهة فان نسبة الشيئين الممتازين الي شي‏ء واحد لاتكون علي السواء فان كان احد الجسدين مطابقاً كان الاخر الممتاز عنه و هو غيره غيرمطابق فتبين ان جسد كل روح جسد خاص واحد معين من تجاوز عنه لم‏يجد غيره يوافقه من كل جهة و للروح جهات شتي لايحيط بجميعها الا الذي خلقه فانه حادث له مادة و صورة و لمادته حدود نوعية بها امتازت عن ساير الانواع و فيها اذكار لعللها و مباديها و اسبابها و له مادة نوعية و صورة نوعية و لصورته حدود شخصية من انواع الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و المكان و الوقت و الاجال و الاوضاع و النسب و القرانات و خواص و احكام

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 105 *»

من حيث نفسه و من حيث القرانات و اذكار لما هو اعلي منه و ما يساوقه و ما يتاخر عنه ما لايحيط بجميعها الا الله سبحانه و الجسد الموافق له من كل جهة هو المخصوص به و هو غير متعدد في ملك الله سبحانه و لايعلم بموقعه الا الله سبحانه و هو الذي من اتي به له لايقدر احد علي الاتيان بمثله ابداً  فكذلك المعني المراد هو بمنزلة الروح و اللفظ المعبر به عنه هو بمنزلة الجسد بل هما الروح و الجسد حقيقة فان المعني امر نفساني دهري و اللفظ امر جسماني زماني قد صيغ لظهوره و تمكنه فيه فكل معني ليس له لفظ حاك لجميع جهاته التي لا نهاية لها كما بينا الا واحد و هو اوفق التعبيرات عنه و اصدقها عليه و اقربها منه و انسبها به و اشدها مطابقة و ابينها له و افصحها و ابلغها و لايعرف ذلك اللفظ لذلك المعني الا الذي خلقهما فاذا عبر الله سبحانه عن ذلك المعني بذلك اللفظ كان كتعبيره عن روح زيد بجسد زيد فلايقدر احد من الخلق علي ان‏ياتي لذلك المعني لفظاً اخر مثله اذ كل لفظ سواه اما يزيد دلالته عليه او تنقص بالذات او بالعرض و اما تخالفه او تضاده و اما توافقه في بعض و تخالفه في بعض و هكذا ربما يخالفه في المادة او في الصورة كماً او كيفاً او جهة او رتبة او وقتاً او مكاناً او اجلاً او كتاباً او وضعاً او نسبة او قراناً او من جهة الطبع او من جهة الكواكب المربية او البروج او ساير المنسوبات فاللفظ المطابق مع المعني من كل جهة ليس في ملك الله الا واحداً  و لايعلم بموقعه الا الواحد جل‏شأنه و هو لامحه افصح الالفاظ و ابلغها و اكملها و لما كانت الكاينات جمال الله الجميل و كمال الله سبحانه الكامل فلايطرؤ علي ذرة منها من حيث كونها في نفسها او اقترانها و انتظامها مع غيرها نقص بوجه من الوجوه حتي قيل ليس في الامكان احسن مما كان كانت الالفاظ الحقة التي يعبر بها عنها ايضاً علي احسن نظم و ترتيب لايوجد احسن منها ابداً ابداً و يكون نظمه و ترتيبه دالاً علي كمال الله سبحانه و جماله و بهائه و حكمته و اتقانه صنعه فما ظنك حينئذ بنظم كلامه و حسن مواقع الفاظه و ترتيبها و ترصيعها و جزالتها و سلاستها و وقعها في القلوب و عظمتها و حلاوتها و طلاوتها و بداعتها و غضاضتها و رشاقتها.

و مما بينا تبين ان القران من جميع جهاته يجب ان‏يكون بحيث لايوجد في ملكه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 106 *»

غيره كاشفاً عن مرادات الله سبحانه فصاحة و بلاغة و نظماً و ترتيباً و جزالة و سلاسة و تيسيراً و وقعاً و اثراً و خاصة و شفاء و استيلاء علي الاشياء و هيمنة و قدرة و حكمة و هكذا هذا و لاسيما ان الله سبحانه عزم علي ان‏يجعله تعبيراً عن جميع شــٔون علمه و قدرته و حكمته و اسمائه و صفاته و بهائه و سنائه و مجده و جلاله و عظمته و كبريائه و كتبه و الواحه و عوالمه و قال مافرطنا في الكتاب من شي‏ء و قال تبياناً لكل شي‏ء و قال و لقد جئناهم بكتاب فصلناه علي علم و جعله دليل توحيده و قال هذا بلاغ للناس و لينذروا به و ليعلموا انما هو اله واحد و ليذكر اولوا الالباب و جعله برهان الرب الحق و قال يا ايها الناس قد جاءكم برهان من ربكم و انزلنا اليكم نوراً مبيناً و جعله برهان النبوة فقال ا و لم‏يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلي عليهم و جعل فيه صفة جميع ما خلق في ملكه و قال و لقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل.

فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و انصف و اعتبر ان القران واحد من عند الواحد ليس له في ملك الله نظير حتي يقدر احد علي ان‏ياتي بمثله و انه لعلم الله سبحانه كالجسد للروح و كما انه لايقدر احد ان‏يخلق انساناً كما بينا كذلك لايقدر احد علي ان‏يخلق قراناً اخر مثله و كما انه لايقدر ان‏يكون حكيماً عليماً قديراً كاملاً عظيماً جليلاً كبيراً سلطاناً ولياً مثله سبحانه كذلك لايقدر احد ان‏ياتي بكلام مثل كلامه و لذا روي عن النبي9فضل القران علي ساير الكلام كفضل الله علي خلقه  فلايقدر مخلوق علي ان‏يتكلم بمثله كما لايقدر مخلوق علي ان‏يكون كربه و هذا من المحالات و ليس في ملك الله تعبير موافق من كل جهة عن مرادات الله سبحانه و هي جميع الكاينات غيره فاني لهم ان‏ياتوا بكتاب مثله او بعشر سور او بسورة او بحديث مثله بل اقول بكلمة مثله في موقعها بل حرف مثله في موقعه بل حركة و سكون و فصل و وصل و خصلة من خصال حروفه من جهر او همس او قلقلة او اطباق او غيرها في موضعها و ان كانت

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 107 *»

الكلمات و الحروف قبله و بعده متداولة بين العرب الا تري ان العناصر مبذولة في العالم و لايقدر احد ان‏يخلق منها كزيد و لا كعضو منه و لا كلحمه و دمه و عظمه و لا كعرق من عروقه و وتر من اوتاره و لا كلون عظمه و لحمه مثلاً و لا كشي‏ء من خصال اجزائه في موقعه مع ان العناصر التي هي اصولها موجودة في الدنيا مبذولة و كذلك القران من الحروف و الكلمات المبذولة و مع‏ذلك لايسع احداً ان‏ياتي بتلك الحروف في مواقعها و بتلك الكلمات في مواضعها فتبين ان من زعم امكان مثل القران لانه من الحروف المبذولة خبط خبط عشواء فالقران علي ذلك عالم مستقل له جسم و روح و شهادة و غيب و امر و خلق و خزاين و مراتب اذ هو تبيان كل شي‏ء و كل من يقدر علي خلق العالم يقدر علي الاتيان بمثل القران و اني لهم ان‏يعرفوه او يعرفوا بعضه و لو حرفاً منه حتي ياتوا بمثله فاعرف قدر الرجال بالمقال لا المقال بالرجال و هذا وجه اعجاز كلام الحق المتعال علي سبيل الاجمال.

المطلب الثالث

هذا الذي ذكرنا وجه صيرورة الكلام معجزاً و كون القران بجميع جهاته معجزاً ولكن الباقي الذي لم‏يتعرض له العلماء و من تعرض منهم ايضاً اتي بامور لاتفيد علماً و لا عملاً بل لاتفيد الا وهماً انه هب هذا وجه الاعجاز فقل لنا من يعرف ذلك من الامة من القران انه ذلك اللفظ الذي ليس عديله في ملك الله سبحانه حتي يشعر بانه معجز و لايعرف ذلك احد الا الله و رسوله البتة فما سبيل الناس الي معرفة اعجازه فلربما يقع كلام بديع من احد و يشتبه علي من لايعرف حقيقة الامور و لايميز بين ذلك الواحد و غيره بل ربما يزعم غيره اوفق و ثمرة المعجز ان‏يعرف المكلف عجز جنس البشر عن الاتيان بمثله فيذعن  ان  ٰ اتيه من عند الله و الذي ذكرت لايعرفه غير الله و غير رسوله9و من هذا الباب اشتبه الامر علي المرتضي و من تبعه حتي زعم انه يمكن المعارضة و الله يصرف الناس عنها اقول لم‏اجد من اصحابنا بياناً لذلك يكشف عن الواقع و يعرّف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 108 *»

المكلَف اعجازه الا بعجز العرب عن الاتيان بمثله و ادلتهم معروفة و نواقضها اوضح و اقوي و لنا في ذلك بيانات.

احدها انه9 قام بحضرة الله الشهيد العليم الحكيم القدير الهادي غير اللاعب بالخلق خالق السموات و الارض بالحق غيرالمغري بالباطل و نسب الي الله سبحانه انه ارسله بالحق و اعطاه هذا الناموس و الكتاب لينذر و يبشر به عباده و يدعوهم اليه و تحدي به عباد الله سبحانه و قال لو تقولت علي الله لاخذني و اهلكني و ابطل امري و مع‏ذلك ان الله سبحانه لم‏يبطل امره و لم‏يبين ان قوله فرية و كتابه كذب و لم‏يقم احداً من الخلق من ملك او جن او انس يعارضه بمثل ما جاء به و لا اية تدل علي كذبه و فريته و هو قدير عليم حكيم و لو كان كذباً و فرية لاثار رجلاً مثله ياتي بكلام مثل كلامه حتي يبطل تحديه او يبطل امره من حيث شاء فاذ صدقه الله سبحانه و اشاع امره و اعلي كعبه و اظهر دينه و افلج حجته و شيد بنيانه و قوي ظهره و لم‏يعرف من في عصره و من اتي بعده بطلاناً له و هم طالبون باحثون مجاهدون عرفنا ان الجن و الانس لايقدرون علي ان‏ياتوا بمثل هذا القران و لا بمثل بعضه كما تحدي9 و لايقدح فيما ذكرنا شي‏ء من الشبهات التي اوردوها فان استدلالي سماوي لا ارضي و لا تصل اليها شبهات اهل الارض فاذا تدبر المكلف في ذلك تبين له اعجازه و عرف انه معجز يقيناً اذ لم‏يوجد مثله و لم‏يات احد بمايشاكله.

و اما الخزعبلات التي حدثت في هذه الايام و شهروها بين العوام من هذه البابية الطغام فكانت مما يضحك منها الثكلي و كذلك كل من اتي بشي‏ء اراد المعارضة فابطل الله امره و صرف عن اياته كما قال ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق الاية و اي صرف اعظم من ان الرجل منهم ربما هو فصيح في غير موضع المعارضة فاذا عزم علي المعارضة يسلب عنه فهمه و علمه و ينسي العربية حتي ياتي بما يظهر لكل احد خرافته و بطلانه و ليس معني كلامي هذا معني كلام المرتضي فاني اقول في الواقع معجز كخلقة العالم و يفضح الله سبحانه من يروم المعارضة بتفضل زايد كما يفضح كل من يروم بنقص في اوليائه و يخذله و يمنع عنه المدد فيفسد و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 109 *»

ينقطع و يخترم عن قريب فبذلك ينبغي ان‏يعرف كل مكلف من عربي و عجمي و عالم و جاهل ان القران معجز.

و ثانيها ان المعجز حادث ياتي به صاحب المعجز و هو من جنس احدي المدركات و يدرك بواحد من المدارك لا بغيره مثلاً شق  القمر معجز من جنس المبصرات يدركه كل من له عين و غير ذي‏العين ليس له حظ من هذا المعجز الا من جهة اخبار بصير و انطاق الحصي معجز من جنس المسموعات يدركه كل من له سمع و اما الاصم فلا حظ له منه الا من جهة الاعلام بوجه اخر من السامعين و هكذا و القران معجز ولكنه مما يسمع بالاذن و يفهم بالعقل و المفهومات منها بديهية لاتحتاج الي نظر لتكرر عروضه علي الشخص كقولي ان الواحد نصف الاثنين مثلاً و منها بديهية بعد نظرما كقولي ان الخمسة عشر له نسبة المثلية و الربعية بالنسبة الي اثني عشر و منها ما يصير بديهياً ولكن بعد نظر طويل كالمسائل النظرية التي تنتهي الي البديهيات ككون كل مركب حادثاً مثلاً  و يخص ذلك اولاً اهل النظر و العلم فاذا بينوا ادلته و براهينه لغيرهم يعرفها ذلك الغير بعد التنبيه و ربما يحتاج الي تعليم مقدمات كثيرة و ربما يفهمه ذلك الغير و ربما لايفهمه اذا لم‏يكن ذافهم كما قال الشاعر:

فمن كان ذافهم يشاهد ما قلنا و ان لم‏يكن فهم فياخذه عنا

و كما قال اخر:

علي نحت القوافي من مواقعها و ما علي اذا لم‏يفهم البقر

و * قدينكر العين ضوء الشمس من رمد*  و اعجاز المعجز اما بديهي يعرف بمحض الاطلاع انه فوق طاقة جنس البشر كالصعود الي السماء مثلاً و الطيران و انطاق الحصي فانها تعرف بمحض الاطلاع ان جنس البشر يعجزون عن مثلها و اما يحتاج الي امتحان و تتبع حتي يعرف المطلع ان نفسه و امثاله لايقدرون عليه فان اداه نظره و امتحانه و تتبعه الي انه اتي به من غير معالجة ظاهرية يعرف بعد ذلك انه يعجز عنه البشر و ان وجده بمعالجة فانه يعسر حصول العلم منه بعجز البشر عنه فان للصنايع العلاجية درجات لا غاية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 110 *»

لها و ان كانت يعسر الاطلاع علي حدها و القران من هذا القسم الاخير فانه من صناعة الكلام و يتدرج مراتبه بالتدرب و المجاهدة فلايمكن الاطلاع علي غايته التي ليس للبشر ان‏يتجاوزها و لذلك تحير الناس في عرفان عجز البشر عن مثله فلايمكن عرفان عجز البشر عن مثله منه بنفسه لولا قراين و ادلة اخر و لذلك تري اعلم العلماء اذا لم‏يحفظ القران لايميز اذا قرئ عنده اية محرفة او مغيرة او حذف منها كلمة او قدم او اخر فيها كلمة او قدمت علي اية او اخرت و لو كانوا يعرفون منها بنفسها لمااشتبه عليهم و القران واحد من عند واحد بل كما نقل كان جمعة القران يطلبون الشهود علي ان هذه الاية من القران فلو كان العرب يعرفون من نفسه وحدها عجز البشر عن مثله لماكانوا يطلبون الشهود كما لايحتاج شق القمر الي الشهود علي انه معجز اذ بنفسه بيّن فليس القران لولا دليل اخر بين الاعجاز لغير اهله من عرب و عجم فاعجاز القران من الامور النظرية بل و اعظم النظريات و ليس من البديهيات كنطق الحصي حتي يعرفه كل عالم و جاهل بل يحتاج الي نظر طويل فانا ذكرنا ان وجه اعجازه مطابقته التامة لمرادات الله سبحانه فاما غير العرب فليس حظهم معرفة اعجازه من حيث فهم انفسهم لانهم محرومون عن فهم العربية بقي العرب فعوامهم و جمالوهم و رواعيهم و امثالهم فمحرومون عن فهم محسنات الفاظ ساير الفصحاء و فهم مراداتهم فضلاً عن فهم كلمات العلماء فضلاً عن فهم كلام الله بقي خواصهم فمنهم الادباء و الخطباء و الفصحاء و الشعراء و امثالهم فهم محرومون عن فهم كلمات العلماء فضلاً عن فهم كلام الله جل‏شانه و انت تعلم ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد فحيوة اللفظ بالمعني و بلاغته في وقوعه موقعه و ما لم‏يعرف الانسان مواقع الكلام لم‏يعرف حسنه و بلاغته و حقيته و صدقه الا تري ان رجلاً لو اتي بكتاب في مسائل علمية غامضة و كان علمه باطلاً و استدلالاته غيرمرتبطة و بياناته مزخرفة يحكم ببطلانه و سخافة كلامه و ان كان الفاظه مفردة كلها من الفاظ الفصحاء فلايكفي في صحة دعواه كون مفردات الفاظه سليسة معروفة غيرمتنافرة و يحكم بان كتابه مزخرف و باطل فالعربي الاديب الشاعر الخطيب ما علمه بمواقع مطالب القران و حقايقه و دقايقه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 111 *»

و ادلته و براهينه حتي يحكم انه كلام حق لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد غاية الامر يعرفون بعض ظواهره و لربما يزعمه بعضهم انه كلام غيرمرتبط الايات و الفقرات بل يري الاية الواحدة اولها في شي‏ء و اخرها في شي‏ء فهم ايضاً محرومون عن فهم كون القران معجزاً نعم يعرفون ان كلماته سليسة فصيحة و ذلك لايجدي في فهم الاعجاز الا تري ان رجلاً لو نظم شعراً جميع كلماته مأنوسة بل و من الفاظ القران ولكن غيرمرتبطة و لاتفيد مضموناً يحكم جميع الشعراء بانه مزخرف و لايعد شعره في كلمات الفصحاء و لايعتني به و انما ذلك لانهم يعرفون زخرفته و سماجته فالقران كتاب علم و هم محرومون عن العلم فلايعرفون صحة مضامينه و صدق اخباره و مطابقته مع الحكم و العلوم الحقة فلايعلمون وجه اعجازه بقي اصحاب العلم منهم فالكهانون و السحرة و المنجمون و الاطباء و المورخون و النسابة و ساير فرق العلماء منهم ايضاً محرومون عن ذلك بعين ما ذكرنا في الادباء فهم ايضاً لايعرفون وجه اعجاز القران بصرف فهمهم و لربما يقع كلام يكون في نظرهم اوفق من القران اذ لايعلمون وجه الحكمة كما انه ربما يظن الظان انه لو كان في العالم شمسان او قمران او لم‏يكن ليل لكان اوفق بالحكمة بقي الفقهاء و علماء الاديان فاولئك يعرفون بعض وجوه الحكم العملية و اني لهم بجميع وجوه الحكمة كما تري ان الفقيه ربما لايعرف وجه خلق شي‏ء بل اشياء و اكثر الاشياء و لربما يظن انه لو كان علي غير ذلك الوجه لكان اوفق بل لايعرفون حكمة اكثر الاحكام الشرعية و لربما يظنون انه لو شرع ذلك كذلك لكان اوفق فهم ايضاً كسابقيهم لان القران مطابق مع جميع الكاينات و اني لهم بمعرفة ذلك فاولئك ايضاً محرومون عن فهم اعجاز القران كما يفهمون ساير المعجزات و ليس لاحد اولئك ان‏يعرف عجز جنس البشر عن معارضة القران بمحض سماع القران بل و بعد تفكر كما انا راينا كثيراً لايعرفون ذلك و هم ينتحلون العلم حتي ان السيد المرتضي مع عربيته و فصاحته و علمه زعم ان العجز منه بالصرفة لا من اجل امتناع اتيان البشر بمثل الفاظه و انما ذلك لان فهم عجز جنس البشر عن الاتيان بمثله نظري من اعظم النظريات لانه كتاب علمي ينطوي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 112 *»

علي جميع علم الله سبحانه فذلك حظ الخصيصين الابرار و الحكماء الربانيين الاطهار المطلعين علي الاسرار الذين يتلون مقام النبوة و الوصاية في الاقدار و ليس ذلك مشرعة كل خائض و منال كل ناهض.

فان قلت انك قلت ان احداً من الخلق غير الله و غير رسوله لايطلع علي ذلك الجسد المطابق من كل جهة مع الروح فكيف قلت ان الحكماء الربانيين يعرفون وجه اعجاز القران و يشعرون بعجز البشر عن مثله قلت اما اولاً فلان ساير الناس يعجزون عن الاتيان بكلام مثل كلام ذلك الحكيم فان كلام كل متكلم حاك عن علمه فاذ لم‏يكن علمه عند احد من الخلق عرف انهم لايقدرون علي الاتيان بمثل كلامه فاذا عرف عجز نفسه عن الاتيان بمثل القران عرف عجز الكل و اما ثانياً فلان الانسان و ان لم‏يكن بالغاً درجة فانه اذا كان تالياً لها يعرف اثارها و يستيقن كما ان من له قوة قريبة في الاجتهاد يعرف المجتهد و يستيقن و ان لم‏يكن بنفسه مجتهداً فكذلك اولئك الحكماء و ان لم‏يبلغوا مبلغ الرسالة و الوصاية حتي يحيطوا بالاشياء الا انهم لغاية علمهم بكثير من الحقايق يعرفون ان هذا الكلام هو الكلام الواحد الذي لا عديل له لما يلوح لهم من اثاره و يعرفون شيئاً بعد شي‏ء من اسراره كما يعرف غيرالبالغ مبلغ الحكمة التامة كلام الحكيم البالغ انه في غاية المتانة و الرزانة و انه عاجز عن الاتيان بمثله و امـا ثالثاً فانهم يرون من انوار القران و اثاره و عجايب تصاريفه في الملك مايعرفون به انه كلام الله الحق و غيره لايكون كذلك و لايري تلك الاثار غيرهم و امـا رابعاً فانهم يشاهدون من احتوائه علي العلوم و الحقايق و الحكم و اسرار الامر و الخلق و الجبروت و الملكوت و الملك و طيه علوماً جمة في حرف او حركة او صفة من صفات الحروف او كلمة او اية ما يعجز عن جمعه البشر في مثلها فيعرفون انه كلام الله و غيرهم لايشاهد ذلك و ليس حظه و امـا خامساً فانهم يرون فيه تجلي الله سبحانه لخلقه به و ظهور انوار عظمته و جلاله و كبريائه كما روي لقد تجلي الله سبحانه لعباده في كلامه ولكن لايبصرون فهم يبصرون كما قال7 مازلت اردد هذه الاية حتي سمعتها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 113 *»

من قائلها فيعرفون بذلك انه كلام الله العلي العظيم و غيرهم لايرون تلك الانوار و لايطلعون علي تلك الاسرار فلايفهمون عجز جنس البشر عنه.

بالجملة شعور عجز جنس البشر عن الاتيان بمثل القران ليس الا حظ الحكماء الربانيين الراسخين في العلم المستحفظين لعلم الله سبحانه و اما غيرهم فليس لهم الا التسليم لاولئك و تصديقهم و الاقتداء بهم و التاسي بهداهم كما يقتدي الاعمي بالبصير و الاصم بالسميع و الجاهل بالعالم و كما يحكمون باقتداء العجم بالعرب في الاعتراف باعجاز القران.

و ثالثها  ان النبي9 اعلم العلماء و احكم الحكماء بتصديق الموافق و المخالف كيف لا و جميع العلوم الاسلامية انتشر منه و عرف ببيانه و ناموسه و سنته و سياسته و اخباره و اثاره اشهد شاهد بذلك و هذا العالم الحكيم اتي بهذا الكتاب و قال فيه تبيان كل شي‏ء و ضربت فيه من كل مثل و احكمت اياته ثم فصلت و مافرطنا في الكتاب من شي‏ء و لا رطب و لا يابس الا فيه و نحن نعلم جملاً ان العجم يعجزون عن الاتيان بمثله لعدم علمهم بخصوصيات كلمات العرب و نكاتها التي لايذوقها الا من ولد فيهم و نشأ بينهم عن بصيرة عمراً و لو تعلم العربية و عرف اللغة و اما عوام العرب فيعجزون لعجزهم عن الاتيان بمثل خطبة خطيب فضلاً عن القران و اما الادباء فيعجزون فان حيوة الكلام بالمعني و المعني علي حسب علم المتكلم و هم ليس لهم علم الا بخيالات شعرية كاذبة كما تري انهم يعجزون عن الاتيان بمثل كتاب حكيم فضلاً عن القران و اما صنوف العلماء فانهم يعجزون عنه لان غاية علمهم تاريخ او انساب او نجوم او كهانة او رمل او تسخير او حروف او فلسفة و امثال ذلك و ليس لهم تلك الحكمة العلمية و العملية حتي يقدروا علي مثل كتاب حكيم فضلاً عن مثل القران بقي العلماء الراسخون و هم اشد شي‏ء اقراراً باعجازه و اكثر الناس اعترافاً بكونه معجزاً فهم ايضاً يعجزون و الانس افضل من الجن بسبعين مرة فالجن ايضاً لايقدرون و الملائكة و الشياطين ليس لهم الا جهة واحدة من الوجود فهم ايضاً عاجزون عن مثله و حال الحيوانات و النباتات و الجمادات و البسايط ايضاً واضحة فلايقدر علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 114 *»

معارضة القران احد من الخلق و نؤيد هذا البيان و نشيد هذا البنيان لرفع ما عسي ان‏يورده مورد علي كلامي بان الله سبحانه من ورائهم رقيب فلو علم كذب هذا المدعي المتحدي المسند نفسه اليه لبعث احداً من اصناف الخلق يبطل تحديه و ياتي بكتاب مثل كتابه او يبطل امره من غير هذا الوجه و لم‏يفعل فلو اجتمعت الانس و الجن علي ان‏ياتوا بمثل هذا القران لاياتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيراً و بعد ضمّ هذا البيان لايعترض لشي‏ء هذا البرهان.

و رابعها  ان الذي يكذب علي الله و يطلب الرياسة و يفتري و يخترع ديناً و لايبالي فاسق فاجر كافر بالله سبحانه و برسله و كتبه و اليوم الاخر و مثل هذا الكافر مخذول منقطع عن الله سبحانه مختلف الحالات فاسد التدابير مخزي مخترم باطل و عن حلية الكمال و السمت و الوقار و تشابه الامور عاطل و ذلك بديهي فاذا كان كذلك فامثاله في الفسقة و الكفرة وافرة فان المومن الكامل قليل كالكبريت الاحمر و اما الفاسق الفاجر المفتري الكذاب الطالب للدنيا فكثير فاولاً مثل ذلك الكافر لاياتي بمثل هذا القران الذي يهدي للتي هي اقوم و يامر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي‏القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي و يعظم الله و يعظم انبياءه و رسله و اوصياءهم و يعظم امر الدين و يدعو الي الحق و ينهي عن الباطل و ينطوي علي الحكم و العلوم و الامثال و اخبار الامم و الاخبار عن الغيوب و يقيم الناس بالقسط بل كلام كل احد يشاكل نفسه و طبعه و النزق لاياتي بمثل هذا القران الذي هو كالطود الاعظم وقراً و وقعاً و لايدعه الله ان‏ياتي لانه مخزي مخذول غيرموفق و لا مسدد محروم عن تشاكل الامور مضروب بالاختلاف في الاقوال و الاحوال و الافعال و ثانياً امثاله كثيرة فاذا اتي هو بشي‏ء ياتي بمثله امثاله لاسيما اذا تحدي و اَثار احسادهم و احقادهم و شبّبهم و قاتلهم و ارغم انوفهم و لاسيما اذا كان مخذولاً مخزياً من الله و كان اللازم في الحكمة ابطاله فانه يبعث الله البتة من ياتي بمثله و يبطل فريته فاذا رايناه في نفسه ذاخلق عظيم لاينكر و عبادة و زهادة و مكارم و سياسة و علم لايجهل و اتي بمثل هذا الكتاب الذي يدعو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 115 *»

الي الخير بالبداهة و ينهي عن الشر بالبداهة و يدعو الي الله و رسله و اوصيائهم و العدل و الاحسان و لم‏يأت احد بمثله مع بغضهم و حسدهم و وضع السيوف علي هاماتهم و ارغام انوفهم و هم من اهل اللسان و من اهل الفرية و الله مخزي الكافرين عرفنا انه من عند الله و لايقدر احد من البشر علي الاتيان بمثله و اما فهم كونه فوق قدرة جنس البشر كما يفهم من شق القمر و ذوق اعجازه فليس الا حظ الحكماء الربانيين و العلماء الصمدانيين بعد الائمة المعصومين كما مر.

و خامسها  ان النبي9 عاش بينهم اربعين سنة و كان محل الانظار معروف النسب مشهور الحسب و كانوا يعلمون انه امي لم‏يختلف الي العلماء و الحكماء و اهل الاديان و لم‏يكتب و لم‏يقرأ و كان في تلك المدة وقوراً حليماً زاهداً صدوقاً متيناً اميناً ليس في حال من حالاته مايكره فقام بعد اربعين سنة و نطق بعلم الاولين و الاخرين و اتي بكتاب يصدق ساير الكتب السماوية و تصدقه و يظهر ما اخفوه منها علي نظم غريب و فصاحة عجيبة غريبة و ترتيب ليس يشابه شيئاً من كلام العرب قديمهم و حديثهم و يخبر فيه عن الغيب و يدعو الي البر و العمل به و له وقع و عظم و هيبة في القلوب و نسبه الي الله و تحدي به العرب في بحبوحتهم في بلد هو مرجع جميع العرب و حوزتهم في قوم هم افصح العرب و ابلغهم في فن هم اسعي الناس في تكميله و تعديله و احرصهم علي المجاراة و الله من وراء الكل رقيب فلو علم انه مفترٍ عليه لاثار منهم رجلاً يبطل دعواه و يأتي بمثل ما اتي به او احسن و ذلك علي الله يسير فاذ صدقه الله باظهار عجز مثل اولئك الحسدة الحقدة الفصحاء البلغاء الدهاة علمنا انه معجز و فوق طاقة البشر و ليس لاحد ان‏ياتي بمثله و مع‏ذلك ذوق عجز جنس البشر عنه كما يذاق عجزه عن انطاق الحصي ليس الا لاوحدي الزمان فانه كتاب علم و انما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه و انما مثل علم ساير الناس في هذا المقام مثل علم العامي بفضل عالم من العلماء و انه لا عديل له و لا نظير او فلان الشاعر اشعر الناس و لايذوقون اصل مقام ذلك العالم و ذلك الشاعر و لايشعرون بعلو ينحط دونه مقام الباقين.

فمما ذكرنا يحصل العلم بان الكلام يمكن ان‏يصير معجزاً و ان القران

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 116 *»

معجز بجميع حدوده و يعجز عن مثله جميع اصناف الخلق كما يعجزون عن خلقة انسان او عالم حرفاً بحرف و ادراك نفس اعجازه شأن الحكماء الخصيصين بعد الائمة الطاهرين ليس شأن عربي و عجمي و كل احد يعرف من نفسه عجز نفسه في الحال لا ازيد من ذلك و ان عرفت ذلك عرفت ان القران ليس بذلك المعجز الذي يعرف اعجازه كل احد بمحض السماع و قبل التتبع و الامتحان و النظر فلايقام به حجة النبوة علي السامع بمحض السماع كما كانت تقام بمحض انطاق الحصي فان من الانطاق يعرف العجز بمحض السماع و لايعرف من القران العجز الا بعد التتبع و العرض علي الفصحاء و السعي في مجاراته و ظهور العجز و لذلك لم‏يقتصر النبي9 علي القران و لم‏يكتف العرب منه بمحض ذلك و كانوا يطلبون منه معجزات اخر و ياتيهم بها من غير انكار عليهم فانهم ماكانوا يفهمون القران حتي يعرفوا اعجازه كيف و هو يقول ثم ان علينا بيانه و اوردنا اخباراً عديدة تبلغ التواتر ان فهم القران حظ الائمة الطاهرين سلام‏الله عليهم اجمعين لا غيرهم و ان القران معمي لايعرفه غيرهم و الناس غيرمشاركين في فهمه و ذلك بيّن فان فيه علوم الاولين و الاخرين فلو كان الناس يفهمونه لكانوا عالمين بها و الحال كما تري.

و ان قلت ان العرب يعرفون ظاهره فانه بلسانهم قلت ذلك ايضاً امر خفي علي جل الناس و قد كتبنا ذلك و شرحنا و فصلنا في بعض اجوبتنا للمسائل و اجماله ان شرح‏الزيارة لشيخنا الشيخ احمد بن زين‏الدين اعلي‏الله مقامه مثلاً  هل هو عربي ام عجمي بل هو عربي و بلغة العرب فهل يعرفه العرب ام لا و كيف لايعرفونه و هو بلغتهم و الفاظهم و كيف يعرفونه و لايفهمون منه سطراً بل و لا نصف سطر بل و لا كلمة من ظواهر مراده دون بواطنه فانه كتاب علم و فهم الكلمات غير فهم المطلب و حيوة الكلمات و الالفاظ بالمطالب فالعرب اذا كانوا لايعرفون و لايفهمون ظاهر شرح الزيارة كيف يعرفون ظاهر القران و يفهمونه و فيه علوم ماكان و مايكون الي يوم القيمة فلايعرفون ظاهره ابداً ابداً نعم يعرفون ان قال بمعني نطق و عبر عما في قلبه و نزل بمعني هبط و هكذا فانه بلغتهم و ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 117 *»

اردت الزيادة فراجع ساير كتبنا يرفع عنك هذه الشبهة ايضاً و تستيقن ان العرب لايعرفون ظاهر القران و لا باطنه فاذ لم‏يعرفوا ظاهره و لا باطنه فاني لهم بمعرفة انه معجز بل و ماكانوا يعرفون كلهم جميع الفاظه ايضاً كما نقل عنهم و مع‏ذلك كل احد يجد في نفسه انه لايقدر علي الاتيان بمثله و لايعرفه و لايعرف سر نظمه و نوع بيانه و كفي به معجزة و كفي بما ذكرنا بياناً.

المطلب الرابع

فاذ قد اتينا علي ما اردنا ايراده من بيان اعجاز القران علي حسب الظاهر نريد ان‏نبين شطراً من حقيقة امر القران لتكون فيه علي بصيرة.

اعلم ان الله سبحانه يقول و ان من شي‏ء الا عندنا خزائنه و ماننزله الا بقدر معلوم فالقران له خزائن نزل منها فاول خزائنه المداد اي النون اي الماء الاول الذي خلقه الله قبل كل شي‏ء فقال له اجمد فجمد فكتب منه بواسطة القلم ماكان و مايكون الي يوم القيمة كما روي ان النون نهر في الجنة قال الله عزوجل اجمد فجمد فصار مداداً ثم قال للقلم اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ماكان و ما هو كائن الي يوم القيمة الخبر فكان جميع ما كتب في اللوح المحفوظ مذكوراً في المداد علي نحو صلوح الظهور به فكان القران في هذه الخزانة مجملاً غير مفصل و كان نقطة واحدة و هي النقطة تحت الباء كما روي ظهرت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم فتلك النقطة هي ذلك الماء و هو ذلك المداد و هي التي فيها جميع ما في الباء و البسملة و الحمد و القران فالقران في هذا المقام هو الحقيقة المحمدية بعينها لا فرق بينهما و قد انطوت علي جميع ما جري به القلم علي اللوح ولكن علي نحو صلوح الظهور بتفاصيله في وقته و مكانه و لاتحسبن الصالح للظهور بالكثرات فاقداً للعلم بالكثرات في نفسه و تقيس ذلك بالمداد و الحروف فان المداد الممثل به لذلك احد الجزئيات الذي هو عدم غيره و لذا يفقد غيره و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 118 *»

اما المداد المطلق المستعلي عليها لايفقدها و لا شيئاً مما لها و بها و فيها و منها فانه قد طوي باحديته جميعها بحيث انه لايعزب عنه ذرة من ذواتها و صفاتها و افعالها و اثارها بوجه من الوجوه فالحقيقة المحمدية لاتفقد شيئاً من ماجري به القلم علي اللوح ابداً و لنعم ما قال الشاعر في وصفه:

ذات علم بكل شي‏ء كان الـ ـلوح مـا اثبتته الا يداها

و اما الخزانة الثانية له فهي القلم و في هذا المقام تميز المعلومات تميزاً كلياً معنوياً كما تفهم من اللباس معني الساتر و من السيف معني القاطع و تميز الساتر عن القاطع لا بصورة اللباس و السيف بل بامر معنوي و كذلك الاشياء في القلم كانت ممتازة لكن بتميزات معنوية كلية و ذلك القلم هو من شجرة في الجنة اي جنة الصاقورة تسمي تلك الشجرة بالخلد و هي التي اكل منها روح القدس الباكورة و هي المشاراليها بقوله تعالي هل ادلك علي شجرة الخلد و ملك لايبلي و هي اول متعين خلقه الله تعالي لما روي اول ما خلق الله القلم و هو العقل لقوله اول ما خلق الله العقل و هو نور النبي لقوله9اول ما خلق الله نور نبيك يا جابر فالقران في هذا المقام ايضاً متحد مع عقل النبي9و هو روح القدس و الروح من امر الله كما اشار اليه سبحانه و كذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ماكنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و هو الروح المســٔول عنه و يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي فقد علم النبي9 في هذا المقام ايضاً جميع ما جري به القلم علي اللوح و كتب لايفقد شيئاً من ذلك.

و اما الخزانة الثالثة له فاللوح و في هذا المقام تميز المعلومات بقضها و قضيضها و هو الامام المبين المشاراليه بقوله كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و لايغادر صغيرة و لا كبيرة الا احصيها و مقام بل هو قران مجيد في لوح محفوظ  وله ثلثة اوراق فكتب القران في ورقه الاعلي بصورة عالية عن المواد خالية عن القوة و الاستعداد و كان في لون الزبرجد و كتب في ورقه الاوسط بصورة رقيقة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 119 *»

برزخية و كان الورق علي هيئة ورقة الزيتونة اخضر علي لون السماء و الفيروزج و كتب في ورقه الاسفل بصورة غليظة مقترنة بالمواد و هذه الورقة سوداء كالليل الدامس و مداده ايضاً اسود لان اللوح نفس المكتوبات لا غير و هذا المقام مقام بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم و في هذا المقام ايضاً متحد مع النبي9 الا انه في مقام القلم كان متحداً مع عقله و في مقام اللوح متحد مع صدره.

و الكتاب في هذه المقامات كوني قد كتب بمداد كوني بقلم كوني علي لوح الامكنة كلمات كونية و من تلك المكاتيب قوله سبحانه بكلمة منه اسمه المسيح و جعلنا ابن مريم و امه اية و تلقي ادم من ربه كلمات لقد لبثتم في كتاب الله الي يوم البعث و امثال ذلك و لما اراد الله سبحانه التعبير عنه في عالم الالفاظ التي هي له كالصفة من الموصوف و الجسد من الروح اتي بالفاظ و عبارات عن تلك الحقايق تطابقها في جميع جهاتها كما بينا و لم‏يكن ذلك الا شأن من خلقها الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير فعبر عنها بحروف و الفاظ هي صفات منفصلة عن المعاني و لها في هذا المقام ثلث مراتب كتبية و لفظية و خيالية.

اما الكتبية فهي الحروف المسطورة بمداد جسماني علي مكان جسماني عرضي بخطوط مختلفة فهي صفات منفصلة عن الحقايق قد ظهرت في الكميات المتصلة القائمة بموادها و هي مرايا تواجه تلك الحقايق و تقع فيها اشباحها فاذا رءاها الناظر راي فيها تلك الاشباح و دلته علي ظهور شواخصها فعرف المعني المقصود منها.

و اما اللفظية فهي الحروف المنطوقة و هي اثار تصدر عن الانسان بواسطة الات الكلام و ضغط الهواء الذي في الجوف و صوغه في قوالب تلك الالات فذلك الهواء يحمل تلك الاثار و يوديها الي المسامع كما يحمل القرطاس الكتابة الي ان‏يوديها الي الناظر و الهواء مراة لتلك الاثار التي هي اشباح حركات المتكلم بلهواته و اسنانه و لسانه تقع فيها و تظهر فيها علي حسبها كما يحمل الماء اثر يدك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 120 *»

من التمويج و يذهب به الي البعيد حرفاً بحرف و الصورة الموجية اثر حركة يدك انطبع في مراة الماء فتصور بصورته فافهم و تدبر و هذه الحروف هي مرايا متوجهة الي الحقايق الكونية قد انطبع فيها اشباحها فاذا بلغت مسامع السامعين دلتهم عليها اي علي ظهورها فعرفوا بذلك المعني.

و اما الحروف الخيالية فهي الحروف المثالية و هي اشباح الحروف الخارجية علي الصحيح سواء كانت رقمية او لفظية فان الانسان ما لم‏يلتفت الي الشواخص الخارجية لم‏ينطبع في خياله صورة الا تري انه لو لم‏يجد مقام الشاخص الذي رءاه ينساه و كلما يتخيل لايجده في ذهنه الي ان‏يجده فيذكره و شواخص تلك الاشباح مكتوبة في الورقة الوسطي من اللوح المحفوظ لانها مصاقعته و تلك الصور الخيالية هي صفات منفصلة عن امثال الحقايق الخارجية و اشباح لها تدل المتخيل علي تلك الحقائق علي حسب مرءاتها فانها تظهر في الخيال علي حسب مرءاة الخيال.

و اما الحروف النفسية فهي حروف مجردة عن المواد ليست تحتاج الي مدادٍ و لا هواءٍ و لا مرءاة خيال بل هي حروف متذوتة قائمة بعللها التي هي منها و لها و بها و فيها و هي اوصاف دهرية قامت بانفسها في محل انفسها و هي بانفسها صور نفس من تحصلت له فانها علمه و الاشارة الي فهمه ان النفس الكلية القدسية لاتتخصص للاشخاص الا بحسب مراياها و مراياها بمزاياها التي تحصلت بالعلم و العمل و تكملت و تصورت بها فبقدر الصور العلمية و العملية و بحسبها تتخصص لهم نفوس و تتقدر ليس للانسان الا ما سعي و تلك المرايا هويات تلك الحصص فافهم و فيها تاويل قوله تعالي بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وهي التي يقال للمومن يوم القيمة اقرأ و ارق فان درجات الجنة بقدر ايات القران.

بالجملة القران في هذه المقامات حروف و صفات منفصلة عن تلك الحقائق و تعبير عنها و قد عرفت انه في عرصة الحقايق متحد مع حقايق محمد و ال‏محمد: و هم الكتاب المبين في كل مقام و هو باطن قوله تعالي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 121 *»

هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق و في عرصة الحروف صفات حقايقهم المنفصلة و انوارهم و هم القيمون عليه و الحافظون له و الناطقون به لن‏يفترقا حتي يردا الحوض و ليس انهما بعد ورود الحوض يفترقان بل هو مثل للدوام كما يقال مايكون الي يوم القيمة و ليس المراد خصوص القيمة.

و اما ما روي من كون القران الثقل الاكبر و كونهم الثقل الاصغر فانما ذلك بحسب الظاهر فان في الظاهر كل ما يكون اقل اختياراً يكون اعظم تخصصاً اذا خصص لعدم امكان ميله عنه فيه و كل ما يكون اعظم اختياراً يكون في الانظار اقل تخصصاً و في غيرالمعصوم هو كذلك لميله عنه غالباً و من هذا الباب استقبال النبي9 في الصلوة القبلة و انما ذلك حكم ظاهري حين ظهورهم في عرصة البشر غيرالمعصومين فكان القران هو اشد تخصصاً في الظاهر لقلة اختياره و هم ياتمون به و يتبعونه لاختيارهم ظاهراً فسمي القران بالثقل الاكبر و هم سموا بالثقل الاصغر او قال ذلك ملاحظة لباطن القران الذي هو عقلهم و ظاهرهم العرضي في عرصة الرعية او بملاحظة انه خطاب الله و كلام الله و امر الله قدنزل من عنده و هم عبيد موتمرون ممتثلون قد خلقوا في الدنيا و انشأوا منها و هو ايضاً يرجع الي سابقه.

بالجملة اكبرية القران ظاهرية و قد روي ان المومن افضل من القران فكيف بهم صلوات الله عليهم و يمكن ان‏يراد بالمومن هم سلام الله عليهم كما روي في القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المومن و المراد به هم او رسول الله9 و اما ما روي ان القران افضل كل شي‏ء دون الله فمن وقر القران فقدوقر الله و من لم‏يوقر القران فقد استخف بحرمة الله حرمة القران علي الله كحرمة الوالد علي ولده انتهي فانه متحد مع ال‏محمد: في الحقيقة و هم افضل كل شي‏ء و اما ظاهره فالمؤمن افضل منه بلا شك و لما كان حقيقته متحدة مع عقل محمد9 و هو اول ما خلق الله و محل المشية و وجهها الي الخلق و جميع الكاينات من شعاعه فالقران محل المشية و وجهها الي الخلق و جميع الكاينات من شعاعه و نوره و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 122 *»

هي اثره و صفته حاكية عنه شارحة له كاشفة عنه فجميع تفاصيل العوالم شروح مجملات القران و تفاصيلها قد شرحه بها العليم الحكيم و هي كتب فضائله و بيان كمالاته فهو افضل كل شي‏ء بعد الله سبحانه و به يوحد الله سبحانه في ذاته و في صفاته و في افعاله و في عبادته و به يعرف تفاصيل ذلك و به يعرف النبي9 في مقام البيان و المعاني و الابواب و الامامة و به يعرف تفاصيل هذه المقامات له و لآله صلوات‏الله عليه واله و به يعرف تفاصيل احوال الانبياء و اممهم و ساير الخلق و احكامها و تكاليفها الكونية و الشرعية فانه انزل بعلم الله الذي هو عقل محمد9 و نفسه فلا شي‏ء يعدله و يستخرج هذه المراتب كملاً منه من نطق به و من حفظه و استحفظه و اما غيره فماابعده عن عقولهم و هو ظاهره انيق و باطنه عميق يزعم الناظر انه سهل و فهمه و كلما يتعمق فيه يظهر فيه مشكلات تحير الالباب مثل ايات هذا العالم حيث يزعم كل ناظر و ان كان غبياً انه عالم باوضاع العالم و كلما يتفكر فيه يزداد اشكالاً علي اشكال و اما قوله7 في الحديث حرمة القران علي الله كحرمة الوالد علي ولده مع ان في الاخبار المشبه عين المشبه‌به فيمكن ان‏يكون معناه ان الحرمة التي للقران علي الخلق و علي الله ان‏يبرزها لخلقه و يدعوهم اليها حرمة الوالد علي ولده فان القران والد الخلق و الخلق ولده برز منه فله علي الخلق حرمة الوالد علي ولده و هذه علي الله ان‏يعرفها و يظهرها لخلقه حتي يحترموه بها و يمكن ان‏يراد بالله محذوف المضاف اي رسول الله او ولي الله فان القران الباطن كوالد رسول الله و ولي الله الظاهر فحرمة القران علي النبي الظاهر و الولي الظاهر كحرمة الوالد علي ولده بلا شك و ما عليهم فهو علي الله كما ان ما لهم فهو لله.

بالجملة كل ما ستسمع في النبي9 او سمعت يجري في القران لانه متحد معه فهو ايضاً معصوم لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و هو ايضاً صاحب معجزات و اثار و كرامات مثله9 و اليه الاشارة بقوله و لو ان قراناً سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتي و هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 123 *»

حبه حب الله و بغضه بغض الله و معرفته معرفة الله و انكاره انكار الله و الاعتصام به الاعتصام بالله و هكذا و لو شئنا ان‏نستقصي فضايل الكتاب لفني العمر قبل تمام الكتاب لان الله يقول لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان‏تنفد كلمات ربي و لو جئنا بمثله مدداً و قال و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمده من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات الله فلنكتف بما ذكرنا و قداحتوي بماتريد ان شاءالله.

فصـل: و مما يدل علي صدق دعواه9 ناموسه و شرعه الذي وضعه بين العباد حيث دعا الي البر و الخير و العدل و الاحسان كلية و نهي عن الاساءة و الشر و الظلم كلية و حمل العباد علي التوجه الي ما يقتضيه العقل و نهاهم عما يشتهيه النفس الامارة بالسوء و فيه نظام و حكم يتحير فيها العقول و يعجز عن دركها الحكماء فكان علي الحق و دعا الي الحق و مثل ذلك لايصدر عن رجل كافر ضال مضل يريد جلب الدنيا لنفسه هذا مشفوعاً باخلاقه و زهده و عبادته و استقامة حالاته و تشاكل اموره بحيث اذا سالت اعدي عدو و اجحد جاحد بان النبي الكامل كيف ينبغي ان‏يكون لايتعدي خصاله و احواله و اقواله و افعاله البتة و ذلك كله مشفوع بما تواتر النقل بمعجزاته و اياته الدالة و هي فرداً فرداً و ان كانت محل نظر لمن يجحد امره اما كلية فهي متواترة معني علي انه اتي بامور خارقة للعادة هذا و كثير منها مذكور في القران المتواتر و الحكيم ما لم‏يكن واقعاً و يزري عليه عدوه به و يكذبه عليه لايجعله في كتابه الذي هو اعظم اياته و خليفته في رعيته و قد ملأ القران باخباره عن الغيب و ضماير اصحابه و بامور لم‏تقع في وقت النزول و وقعت بعد و بامور لم‏تقع الي الآن و ماحان منها حينه فقدوقع و عرف و ظهر اضمار من اضمر كما اخبر ثم ذلك يشفع بما ظهر من خلفائه كما ياتي مما لايحصي من الايات و المعجزات حتي انه تظهر الايات و المعجزات من قبورهم و ذلك امر لاينكر و هو كالشمس في رابعة النهار عرفه الولي و العدو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 124 *»

حتي انه تظهر الاثار من قبور اولاد خلفائه لمحض النسبة اليهم فالامر في هذه الاوان و الحمد لله اوضح من نار علي علم.

و من اجلي المعجزات التي اخبر بها في القران شق القمر حيث يقول اقتربت الساعة و انشق القمر و هو من المتواترات و نزل به الكتاب و لو لم‏يكن واقعاً و قال انشق القمر لكان كافياً في تكذيبه نعوذ بالله و هو معجز بين لاينكر راه الولي و العدو و ما يقال في هذه الايام من اهل الافرنج و امثالهم انه عندنا تواريخ فيها حوادث ما قبله و ما بعده و ليس فيها حكاية شق قمر و لو حدث حادثة هكذا لكتبت في كتبنا و شككوا بذلك في قلوب الجهلة فجوابهم اولاً ان الارض باعتقادكم كريّة يحجب بعض سطوحها بعضاً فاولاً نصف الارض محروم عن رؤية شق القمر فان لم‏يكن في كتبهم منه ذكر فمن جهة حجب الارض اياهم عن رؤيته و اما النصف الاخر فان كان القمر قريباً من الافق فينحجب عن كثير من غير اهل جهته ان حدث به حادث بلا شك فالباقون الذين لاينحجب عنهم فان كان بلاد مغيمة تلك الليلة فيحرمون عن درك ذلك البتة فلايرون و لايطلعون و كذلك البلاد التي كان وقت شقه وقت منامهم فانهم ايضاً لايطلعون فبقي البلاد التي ماكانت مغيمة و كان الوقت اول الليل ففي تلك البلاد لايكاد يخفي و يطلعون عليه و بعد ذلك وجوب اثبات كل حادث وقع محل كلام و قدماؤهم ماكانوا يعتنون بجريدة الايام و الحوادث هذا الاعتناء و اشتد ولعهم يوماً فيوماً كما هو ظاهر و لم‏يكن دول النصاري ابداً بهذا القوام و هم تقووا بعد بخت نصر بزمان و لم‏يكن عند اوائل الاسلام لهم ذلك القوام و الضبط هذا و الذين حرفوا كتب الله و لم‏يحتشموا من الله سبحانه و لم‏يحترموا كتبه و حرفوا التورية و الانجيل و حذفوا منهما كثيراً كما يشهد به اختلاف نسخ التورية و الانجيل بل سلبت عنهم الكتب السماوية من كثرة التحريف و التبديل لايحتشمون من حذف عظيم اية له9 تدل علي نبوته و لزوم انقطاع دولتهم و خراب بنيانهم و فساد نظامهم و نسخ دينهم بل هم علي اخفاء ذلك احرص و اسعي كما ينكرون الان نبوته و نبوته واضحة جلية في كتبهم الموجودة المحرفة فقد ابقي الله فيها ما يدل علي نسخ شريعتهم و لزوم اتباعهم محمداً9 و قد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 125 *»

كتبنا كتاباً في ردهم استخرجنا من كتبهم ايات عديدة تدل علي بعثة خاتم النبيين9 باسمه و رسمه و مع‏ذلك ينكرونه فكيف لايكتمون ايته و معجزته التي تصير حجة عليهم.

فصـل: ان العلماء قد عجزت عقولهم عن اقامة الدليل العقلي علي نبوة محمد9 و ولاية عترته المعصومين صلوات‏الله عليهم اجمعين ظناً منهم انهم جزئيون شخصيون و العقل مدرك الكليات فلايمكن اقامة الدليل علي اشخاصهم و قدخصنا الله سبحانه بعلم امكن به لنا اقامة الدليل علي اعيانهم و اشخاصهم من طريق العقل و انما ذلك لانهم صلوات‏الله عليهم كليون كما ستعرف و ان ظهروا في مقامهم الخامس بلباس الجزئية و قامت الادلة علي كليتهم فامكننا و الحمد لله اقامة الدليل العقلي علي اشخاصهم بل و احوالهم و كثير من ما يتعلق بهم فانهم باقون علي صرافة ما يقتضيه المشية الكلية و الحكمة الكلية الالهية و لم‏يتلوثوا بالاعراض و لم‏يغيروا و لم‏يبدلوا خلق الله فكما يمكن لنا الدليل العقلي علي الله سبحانه و اسمائه و صفاته و افعاله يمكننا الدليل عليهم.

فنقول بقدر ما يتيسر لنا الان ان الاحد جل‏شأنه كان في ذاته بلا تعين و لا نهاية يمتنع معه ذكر ماسواه كايناً ماكان نفياً و اثباتاً كما عرفت سابقاً فاول ما تجلي به بلا كيف و لا اشارة كينونته الازلية الاولية المعبرعنها بقوله كنت كنزاً مخفياً وهي احديته جل‏شأنه التي هي نافذة في جميع الامكنة الوجودية الامكانية و ذاته الظاهرة التي ليس لغيرها من الظهور ما ليس لها و غيبه المطلق المستتر لعظم نوره المخفي لشدة ظهوره و قدوسيته و سبوحيته عن جميع شوائب الامكان و لا كلام عنها و لا تعبير كما لا كلام عنه و لا تعبير و هي غاية الغايات و نهاية النهايات و مبدؤ المبادي و هي الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شي‏ء عليم فاحب ان‏يعرف و يتعرف فتجلي بالتجلي الاعظم و الظهور الاكرم و سر الواحدية التي لاثاني لها و هو المعبرعنه برابع الثلثة و هي الجبروت و الملكوت و الملك و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 126 *»

سادس الخمسة و هي الثلثة مع برازخها و هي العقل و الروح و النفس و المثال و الجسم و لا ادني من ذلك الي الوحدة و لا اكثر الا هو معهم بمعية غيرمتناهية و هذه المعية هي شأن الواحد الخارج عن الاعداد و هو الاسم المكنون المخزون عنده الذي ليس لكيان الخلق فاقة اليه بالركنية و ان كان له فاقة اليه بالقيام الصدوري و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و هذا الواحد هو معني اسمائه سبحانه و جميع ما يدعوه به ولاة امره المامونون علي سره المستبشرون بامره وهو المراد من جميع الاسماء و الصفات لايتجاوزه ارادة مريد و لايصدق علي ما فوق صفته اسم و لا تعبير و هذا الواحد هو ذلك الاحد اذا وصف و عين بالتعين الاول و هو ثناوه العام الشامل الذي اثني به علي نفسه و هو كما اثني علي نفسه لايحصي غيره من ساير المتعينات المحدودات ثناء عليه و ذلك انه ثناء لا غاية له ولانهاية و ينبغي لكرم وجهه و عز جلاله فهو الحمد اللايق المخصوص‌به و سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين و هو مقام احببت ان اعرف و المعرفة المحبوبة و التعريف الذي عرف به نفسه و العلة الغائية الموجودة قبل الخلق الفاتح لما استقبل و الخاتم لما سبق فبه فتح الله بدءاً و به يختم عوداً فهو الفاتح الخاتم و الاول الاخر و المبدء المعاد الحبيب المحبوب لقوله احببت ان اعرف و له خلق الخلق كما قال خلقت الخلق لكي اعرف و به اشار في قوله ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون فروي ما معناه ليعرفون لان اول عبادة الله معرفته فخلق الخلق للمعرفة و هو المعرفة المحبوبة المتحدة بصفة الله سبحانه فهو الحبيب و هو المحبوب و هو المريد و هو المراد فافهم هذه الايات المحكمات و الدلالات الواضحات و الاسرار المكشوفات ان‌كنت تفهم و الا فاسلم تسلم.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 127 *»

فصـل: اعلم ان هذه المعرفة المحبوبة هي غاية الخلق المقدمة وجوداً بدءاً المؤخرة شهوداً عوداً و هي القائمة مقام الله في اداء اسرار التوحيد و صفاته و ظهوراته الكونية و الشرعية و هي ظاهره المشهود و تجليه الموجود المنادي في عرصة الحوادث و الخلق بقوله انا بشر مثلكم في الحدوث و الافتقار لا فرق بيني و بينكم الا انه يوحي الي بالاستمرار و الدوام و يلقي في روعي و هويتي مثال وحدته سبحانه الدال علي ان الهكم المقرون بكم الظاهر لكم بي اله واحد فمن كان منكم يخاف من لقاء ربه لعدم المناسبة بين كثرته و وحدته و تلاشيها عند سطوع نورها([2]) فليتوحد بالعمل الصالح الذي هو من صفات الواحد و لايشرك بعبادة ربه الذي بعبادته عبد الله و لولاه ما عبد الله احداً و لايميلن يميناً و شمالاً  و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون و كذا لا فرق بيني و بينه ظهوراً و عياناً و اتصافاً و شهوداً  الا ان لي هوية و انية هي عبده و خلقه فـمن راني فقد راي الحق و بي عرف الله و لولاي ما عرف الله و معرفتي بالنورانية هي معرفة الله عزوجل و معرفة الله عزوجل هي معرفتي فانا من الاعراف الذي لايعرف الله الا بسبيل معرفتي.

بالجملة تلك المعرفة المحبوبة هي ذات معبرة عن الله سبحانه و مترجمة له ما اراد من معرفته ليست بعرض لان الاحد جل‏شانه ليس بمعروض لخلقه و لايعقل كونها عرضاً لمادونها و ليس في عرضها غيرها فهي ذات مستقلة لله سبحانه و هي معرفته سبحانه و صفته و ثناوه الجميل و حمده النبيل فبه افتتح الكتاب و اليه الماب كما بينه في كتابه التدويني و افتتح بام الكتاب و قال و تري الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم و قضي بينهم بالحق و قيل الحمد لله رب العالمين و جهل القائل تعظيماً و هو الله سبحانه فهذه الذات المتاصلة الازلية الاولية التي انتجبها في القدم علي ساير الامم هي حمده سبحانه و هي الاحد في ذاتها و كينونتها و الحمد في ظهورها و صفتها حذفت عنه الالف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 128 *»

الدالة علي الاحدية و الذاتية المستقلة و زيدت فيه الميم الدالة علي التبعية و الوصفية و ذلك ان الالف لها ست صفات من صفات الله عزوجل الابتداء فان الله تعالي ابتداء جميع الخلق و الالف ابتداء جميع الحروف و الاستواء فهو عادل غير جاير و الالف مستوية في ذاتها و الانفراد فالله فرد و الالف فرد و اتصال الخلق بالله و الله لايتصل بالخلق و كلهم يحتاجون اليه و الله غني عنهم فكذلك الالف لاتتصل بالحروف و الحروف متصلة بها و هي منقطعة من غيرها و الله عزوجل باين بجميع صفاته من خلقه و معناها من الالفة فكما ان الله عزوجل سبب الفة الخلق فكذلك الالف عليها تالفت الحروف و هي سبب الفتها كما روي عن الصادق7 في تفسير الم فالالف لاجل ذلك في عرصة الحروف حرف التفريد و دليل التوحيد و كذلك الميم حرف المخلوق و المفعول و الملك و المجد كما روي في تفسير بسم و قواها اربعون الدالة علي تفاصيل مراتب القوابل و المقبولات و فيه تمام كل مدبر مصنوع و كمال كل ما اريد بلوغه غايته فزيدت الميم الدالة علي المخلوق و المفعول في الاحد و حذفت عنه الالف الدالة علي التوحيد فكان حمداً فهو احد في باطنه حمد في ظاهره خاص به سبحانه و لاينبغي لغيره سبحانه و هو الثناء الذي اثني الله به علي نفسه و هو كما اثني و لايحصي ثناءه غيره فعلم ان الحمد هو الفاتح الخاتم و المبدء و المعاد و لذلك صار الحمد احب الاعمال الي الله عزوجل فانه الحبيب و هو المحبوب و هو اول الخلق و اشرفه و اعظمه و اقربه من الله سبحانه و احكاه له و ادله عليه و احبه عنده و هو غاية الغايات و نهاية النهايات و علة العلل و الثابت الذي لم‏يزل و يعرف ذلك من باطن قول ابي‏جعفر7 لاوالله مااراد الله من الناس شيئاً الا خصلتين ان‏يقروا له بالنعم فيزيدهم و بالذنوب فيغفرها لهم فان الاقرار بالنعم هو الاقرار بهذه النعمة الكبري التي هي عين حمده الذي علمه عباده و عرفهم اياه و الاقرار بالذنوب هو البراءة من اعدائه و الاعراض عنهم و لم‏يرد الله من الخلق الا هذين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 129 *»

فلم‏يخلقهم الا لهما فهما حقيقة العبادة و المعرفة التي هي الغاية فافهم.

فصـل: اعلم ان هذه الذات المقدسة المحبوبة التي وصف الله بها نفسه كما عرفت هي اول تجليات الكينونة المجهولة لايسبقها سابق و لايلحقها لاحق و لايطمع في ادراكها طامع و هي معانيه سبحانه و ظاهره الذي اقامه مقامه في ساير عوالمه في اداء اسرار التوحيد و ابداء انوار التفريد في مقاماته الاربعة لانه لا ضد له و لا ند و لا  مشاكل و لا مماثل فانتجبه في القدم علي ساير الامم علي علم منه انفرد عن التشاكل و التماثل فانتجبه امراً و ناهياً عنه فالقي في هويته مثاله فاظهر عنه افعاله فبه امر ما امر بما امر و به نهي ما نهي عما نهي فجميع ما في عرصة الامكان بمشيته دون قوله موتمرة و بارادته دون نهيه منزجرة و به اجري الله سبحانه جميع نعم الايجادات و الامداد و الفيوض في الوجودات و شرعها و في الشرعيات و وجودها و به تحمد عند كل مخلوق و به الهمهم حمده حيث عرفهم اياه فحمدوه سبحانه به فهو سبحانه محمود عنده و به فهو محمّد ضرورة كون كل مشتق في عرصة المبدء كما حقق في محله فهذه الذات هي المحمود من حيث الرب و محمد من حيث نفسها و هي المقام المحمود لله سبحانه اذ هي المقام الذي لا تعطيل له في كل مكان و خص المحمود بالرب و محمد به لان المحمود من حمد و شكر فالرب محمود حيث حمد نفسه و لم‏يحمده احد حق حمده و ليس للرب جل‏شانه ذكر لغيره فيه و اما ذلك الظاهر فهو محمد اي حمد مرة بعد اخري و ذلك انه فيه ذكر الله سبحانه و مثاله فمرة يحمد بحمد الله سبحانه لانه سبحانه محمود به عنده لا في ذاته و مرة يحمد في نفسه لنفسه لانه مجري الايادي علي خلقه و هو معني قوله7 من لم‏يشكر العبد لم‏يشكر الرب فوجب حمده علي جميع الخلق قال علي7لم‏يحمد حامد الا ربه و لم‏يلم لائم الا نفسه او هو محمد مرة في الغيب و مرة في الشهادة او هو محمد في الدنيا و الاخرة او هو محمد في السماء و الارض او هو محمد في التكوين و التشريع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 130 *»

فلاجل هذه الوجوه و امثالها يكون تلك الذات المقدسة محمداً و هي في التكوين و الغيب و السموات و في الملأ الاعلي احمد لانها احمدت اي اتت بما يوجب الحمد و في التشريع و الشهادة و الارضين و عالم المواد محمد لانها حمدت مرة بعد اخري ففي احمد زيد في الحمد الالف الدالة علي المبدء لان ذكر المبدء في تلك العوالم اكثر و سره فيها اظهر فاتي بالالف الدالة علي المبدء و اما في العوالم الدنيا اتي فيه بالميم الدالة علي مراتب الظهور و الخلقية كما فصلنا و حذف عنه الالف الدالة علي الوحدة و شدد فيه الميم ليدل علي تكرار المحمودية.

و الحمد له معان يمكن ان‏يكون بجميع تلك المعاني تلك الذات المقدسة محمداً  فمن معانيه الشكر و هو الثناء الجميل بحسب اللغة فهي حمد الله لانه ثناؤه و ذكره الجميل في الخلق و صفة كماله سبحانه و في الحقيقة الشكر هو صرف نعمة المنعم في رضاه و لما كانت تلك الذات متمحضة في الله سبحانه و له بذاتها و صفاتها ليس لغيره فيها ذكر حتي لنفسها كانت حقيقة الشكر فهي محمد اي مشكور مرة بعد مرة لم‏يخالف رضاه شي‏ء من اشعته و اثاره اذ الاثر علي ما يشاء الموثر و يريد قد اطاعه الكافر بكفره كما اطاعه المومن بايمانه سجد له سواد الليل و ضياء النهار يسبح الله باسمائه جميع خلقه و مشكور قد شكر الله سعيه فيه و له و اثني عليه و ذكره بالجميل حيث جعله اصل كل خير و بر و من معانيه الرضا فهي محمد حيث رضيت عن الله و رضي عنها و ارتضاها لنفسه لتمحضها في ذاته سبحانه و رضي عنها جميع اثارها في كينوناتهم و من معانيه الجزاء فهي محمد حيث جازاها الله باعظم الجزاء حيث اصطنعها لنفسه و استخلصها له و اوصلها اليه بان كانت كما احب و اراد و من معانيه القضاء الحق فهي محمد لان الله سبحانه قضي لها بالحق و بما تستحقه منه حيث جعلها ايته و نوره و صفته و معانيه و ظاهره و يمكن ان‏يكون ماخوذاً من الحمادا و هو الغاية كما يقال حُماداك و حماداي اي غايتك و غايتي نظراً الي ان الحمد غاية الصنيع المعروف فهي محمد اي جعلت غاية الغايات و نهاية النهايات كما قال الله سبحانه و تري الملائكة حافين الي قوله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 131 *»

و قيل الحمد لله رب العالمين و هو([3]) العلة الغائية.

بالجملة بهذه الوجوه و امثالها تسمي تلك الذات المقدسة بمحمد و لما كانت هي القائمة مقام الله في الاداء لجميع شــٔون الربوبية في التكوين و التشريع وجب ان‏تكون هي النبي الكلي الاعظم و المسمي بمحمد و احمد الملقب بحبيب الله9 و تكون هي الذي به فتح الله ما استقبل من الايجاد و به ختم ما سبق و المهيمن علي ذلك كله و تكون هي المبعوث في المقام المحمود و صاحب لواء الحمد الذي تحته جميع ما خلق الله سبحانه فافهم و تثبت.

فصـل: و لما كان هو9 مخلوقاً مركباً من مادة هي اقوي ركني وجوده و اوحدهما و هي جهته الي ربه و كانت عالمة بالله لانها العلم بالله الذي افاده الله منه و عرف نفسه له بها باينة من الخلق ليس فيها ذكر لغيره سبحانه دانية من الخالق لانها واقفة في مقام او ادني كانت عبداً حقيقياً لله سبحانه الذي كنهه الرب اذ مربوب فهي عبدالله علي الحقيقة فمن اسمائه وجب ان‏يكون عبدالله و لما كانت المادة مقام الاب كما حقق في محله و الظاهر في الكليات علي طبق الباطن وجب ان‏يكون ابوه ايضاً عبدالله و كان له صورة و لما كانت منغمرة في لجة بحر الوحدة سابقة علي جميع انحاء الكثرة و لايجري عليها شي‏ء من الاحكام الجارية بها مصونة بصون الله عن التغير متحصنة بحصن الله عن عروض التبدل كانت امنة مطمئنة بحفظ الله سبحانه داخلة في دار السلام المشاراليها بقوله لهم دار السلام عند ربهم كما قال سبحانه ادخلوها بسلام امنين فهي امنة من كل تغير و تبدل و زوال و تكثر و لما كان الظاهر علي طبق الباطن كان الواجب ان‏يكون امه امنة و لما كان كل حادث مثلث الكيان و هي المادة و الصورة و الوحدة الظاهرة في تركيبهما كالخل و العسل و السكنجبين الحاصل من بينهما المتولد منهما و هو غيرهما و هو9 ايضاً حادث مركب له مادة هي منه الاب و صورة هي منه الام و قداعرض عنهما و انقطع عنهما الي ربه لا توجه له

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 132 *»

الي احد غير الله سبحانه و قدافناهما عند سطوع نور ربه فاخفي نفسه و اظهر ربه بكله و ليس لاحد نعمة عليه وجب ان‏يكون في الظاهر ايضاً يتيماً لم‏يكن لاحد عنده من نعمة تجزي الا الله سبحانه و يكون منقطعاً عما سواه هذا و لما كان هو اعظم الخلق طراً  و لاينبغي ان‏يتذلل لاحد دون الله سبحانه و كان الواجب في عالم الظاهر التذلل و التخشع للوالدين و الطاعة لهما و التصغر لهما و كان ذلك لايناسب تمحضه لله سبحانه و عظم شأنه و جلالة مكانه وجب ان‏يكون يتيماً لايكون لاحد عظمة عليه البتة و كذلك اليتم و الانقطاع ابلغ لحجته اذ خرج اعلم من الكل و احسن ادباً من الكل و اكثر حكمة و سياسة و رياسة و قوداً للجيوش و تدبيراً للامور و غلبة علي العالم و اقل ناصراً و امثال ذلك لايمكن حصولها للايتام الذين لا مربي لهم و لا عناية كاملة من احد تشملهم بالجملة كان الواجب ان‏يكون يتيماً و لما كان مكة قلب العالم و وسطه و دحيت الارض من تحت الكعبة و هي اول بيت وضع للناس و كان النبي الاعظم الذي به حيوة العالم هو المخبر عن عالم الغيب و الترجمان عنه لعالم الشهادة و هو الطف اجزاء العالم و خلاصته كان الواجب ان‏يكون مسقط رأسه و مولده الشريف هو مكة و يهاجر منها الي دماغ المدينة و ينتشر من هنالك نوره و ينبث منه في جميع بدن العالم امره و نهيه و حكمه و ظهوره و ان ساير الحجج بمنزلة الحواس الظاهرة و الباطنة و هو9 حيوة العالم و روحه و قدفصلنا هذا البيان في ساير كتبنا فتبين انه كما لايليق ساير الاعضاء ان‏يصير كرسي استواء الروح سوي القلب فانه اللايق به و في القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المومن لايليق بمولده و مبعثه غير مكة و لايليق بمهاجره غير المدينة التي هي شمالية مكة و جهة الشمال جهة المرة السوداء و مابعث الله نبياً الا و هو ذومرة سوداء صافية و هي اي المدينة بمنزلة الدماغ كما ان مكة بمنزلة القلب و مهاجر الروح من القلب الي الدماغ و منه ينتشر امره و حركته و شعوره في البدن فوجب ان‏يكون هذا النبي الكلي ابطحياً تهامياً بعث من مكة و هاجر الي المدينة و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 133 *»

منها انتشر امره و حكمه في العالم كماعرفت.

فصـل: و لما كان هو9 مظهر اسم الله الحي و به حيوة كل حي و هو عقل الكل المدبر لجميع ماسواه و به شعور الكل و عرفانهم بربهم و به يؤدون جميع ما كلفهم الله سبحانه و يعملون بمقتضي محبته و يتصفون بصفاته و يتخلقون باخلاقه و به يعبدون الرحمن و يكتسبون الجنان و به يصعدون من مهاوي الكثرة الي شامخ مقام الوحدة و كان هو9اوحد الاشياء و احكاها لصفة احديته سبحانه و اول سراج اشتعل زيت قابليته من نار مشية الله سبحانه كان بعد ان بعث الي ادني المراتب و ابعد العوالم بخطاب قول ادبر و استجن نوره فيه لم‏يكن يتحمل بنية العالم ان‏يصير فيه بالفعل في مبدء الصعود و كان يحترق من شدة حرارته و لم‏يكن يبلغ رتبة الكمال الذي اريد منه و لم‏يكن يظهر منه الغاية فوجب ان‏يظهر امره فيه شيئاً بعد شي‏ء من وراء حجب ساير المظاهر حتي ينتضج بنية العالم شيئاً بعد شي‏ء و يحصل له طاقة لظهوره و امتثال اوامره شيئاً بعد شي‏ء كما ان روح الولد بعد ما نزل الي نطفته و استجن فيها و امر بالاقبال لم‏يظهر اولاً بنفسه فيها و انما ظهر من وراء حجاب الجماد اولاً فكان نطفة ثم من وراء حجاب المعدن فكان علقة ثم من وراء حجاب البرزخ بين النبات و المعدن فكان مضغة ثم من وراء حجاب النبات فكان عظاماً ثم من وراء حجاب البرزخ بين الحيوان و النفس النباتية فكان لحماً ثم ظهر الروح في المرتبة السادسة بعد استكمال القابلية و انتضاجها و لذا عبر عنه سبحانه بقوله ثم انشأناه خلقاً اخر فتبارك الله احسن الخالقين و انما عبر عنه بالخلق الاخر فانه خلق المقبول و هو غير خلق القابل و كذلك بعد ان خرج و قدر الله سبحانه ظهور نور العقل و لم‏يكن قابلاً لظهوره و لايطيقه و كان يحترق و يذبل قبل ان‏يبلغ اجله و يصير بالفعل ما جعل فيه بالقوة من الكمالات التي هي مظاهر اسماء الله و صفاته حجب الله سبحانه انوار شمس عقله بسحايب مكفهرات رطوبات دماغه و ابخرتها حتي حالت بينه و بين العقل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 134 *»

كما يحجب الله سبحانه بين الشمس و بين نجوم النباتات الحدثة من الارض لئلاتحترق و تبلغ غايتها ثم بتسخين تلك الشمس من وراء الحجب يجفف شيئاً فشيئاً تلك الرطوبات حتي يتقشع السحاب و يصحو الفضاء و يظهر وجه البيضاء علي ما هو عليه فاوايل التولد مقامه مقام النطفة للعقل لايميز شيئاً فاذا بلغ حد تمييز الصور بعضها عن بعض يكون بمنزلة العلقة فاذا بلغ حد تمييز المعاني الجزئية من الكلمات و الاشارات يكون بمنزلة المضغة فاذا بلغ تمييز النسب و حسن بعض الاشياء و قبحها و نفعها من ضرها يكون بمنزلة العظام فاذا بلغ حد المراهقة و التمرين يكون بمنزلة اكساء اللحم فاذا بلغ الحلم ينشؤ خلقاً اخر و يظهر وجه العقل كما ينبغي و يكلف و يجري عليه الحدود و يؤخذ و يطلب بالواجبات و المندوبات و المحرمات و المكروهات و لولا انه خلق خلقاً اخر لما جري عليه القلم و لما كلف و لو ظهر هذا العقل في بدن الطفل من اول مرة لذبل و تلاشت بنيته و اضمحلت البتة فقدر الله العزيز الحكيم ان‏يكون عليه حجاب من اول مرة و يترقق ذلك الحجاب شيئاً بعد شي‏ء حتي تنتضج البنية و يتحلل ذلك الحجاب شيئاً بعد شي‏ء حتي يسفر العقل الخالص عن وجهه و يربيه بخالص ناره فلما نزل العقل الكل بامتثال امر ادبر عالماً فعالماً و وصل الي عالم الاجسام و الي العرش و نزل الي الكرسي ثم الي الافلاك ثم الي العناصر و استجن في التراب ثم نودي بخطاب اقبل كوناً صار يظهر امره شيئاً فشيئاً لان اقبال الخلق الكوني ماكان يمكن الا بمشيته سبحانه الكونية و هو مشية الله الكونية المتعلقة باقبال الخلايق و لما كان الخلق لعدم نضجه و تهيئه ماكان يمكنه امتثال ذلك الامر بصرافته قدر الله تعالي شأنه ان‏يظهر علي التدرج و الترتب الحكمي فاول ذلك ظهر من وراء حجب عديدة اخرها الحجاب الجمادية و هو اول قدمه في مراقي الصعود و دبر العالم من وراء تلك الحجب و جعله ذا افعال جمادية ثم اذا كمل في هذا المقام القي عنه قناع الجماد و ظهر من وراء حجاب البرزخ بين الجماد و المعدن ثم من وراء حجاب المعدن ثم من وراء حجاب النفس البرزخية بين المعدن و النبات ثم من وراء حجاب النفس النباتية ثم من وراء حجاب النفس

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 135 *»

البرزخية بين النبات و الحيوان ثم ظهر في العالم من وراء حجاب النفس الحيوانية و دبر العالم بتدبير النفس الحيوانية و تم خلقه و تعلق بالعالم نفس من النفوس الغيبية فان النفس الحيوانية من غيب هذا العالم اذ هي من عالم البرزخ بين الدهر و الزمان و هي الخلق الاخر للعالم و تم جنين العالم فلما تعلق تقدير العزيز الحكيم بتوليد العالم و بدا زمان تعلق النفس الناطقة بالعالم اظهر الله سبحانه آدم علي نبينا و آله و عليه‏السلام و ذلك ان صورة النفس الناطقة القدسية ليست الا الوجود التشريعي المفاض من المشية التشريعية كما ان الوجود السابق لم‏يكن يتحقق الا بالمشية الكونية و ذلك ان الصورة الانسانية في احسن تقويم و هي اكبر حجة الله علي خلقه و هي الكتاب المبين الذي كتبه بيده و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الجسر الممدود بين الجنة و النار و هي الحجة علي كل جاحد و هي هيكل التوحيد و مظهر التفريد فالناس كلهم بهايم الا المومن ان هم الا كالانعام بل هم اضل فالصورة الانسانية هي صورة الايمان المطابقة لمشية الله التشريعية المحبوبة الحبيبة لله سبحانه ان كنتم تحبون الله فاتبعوني و لكم في رسول الله اسوة حسنة فكان الواجب في احداث صورة النفس الناطقة القدسية تعليق المشية التشريعية بالعالم حتي يحدث من ظلها و شعاعها في العالم صورة النفس الانسانية الناطقة ولكن علي ترتيب الحكمة و الصواب و التدريج الحكمي كما بينا.

فاول ذلك اظهر تلك المشية التي هي الانسان الجامع من وراء حجاب ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام فكان حرارة مشيته اي تربيته للعالم كالحرارة المتعلقة بالنطفة فاذا انتضج العالم قليلاً اظهرها من وراء حجاب شريعة نوح علي نبينا و اله و عليه‏السلام فكانت بمنزلة الحرارة المتعلقة بالعلقة و هكذا كان شريعة ابرهيم علي نبينا و اله و عليه‏السلام بمنزلة الحرارة المتعلقة بالمضغة و شريعة موسي علي نبينا و اله و عليه‏السلام بمنزلة الحرارة المتعلقة بالعظام و شريعة عيسي علي نبينا و اله و عليه‏السلام بمنزلة اكساء اللحم و كل ذلك لعلل يطول بيانها فاذا تم مراتب قابليته و تم نضجه انشأه الله خلقاً اخر و اظهر الروح الغيبية التي هي فوق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 136 *»

عوالم القوابل و هي المقبولة بالنسبة اليها فكمل امر احداث صورة النفس الناطقة في العالم في هذه الاطوار الستة علي وفق احداث ساير الاطوار و كما ان حكم كل مرتبة من تلك المراتب يزول باتيان الرتبة اللاحقة و يرفع فاذا تعلق الروح يبقي حكمه الي الممات كذلك وجب في الحكمة ان‏ينسخ جميع تلك الشرايع و يزول احكامها و يبقي حكم الشريعة الروحانية الي ممات العالم.

و هنا حرف اخر احب ان‏اذكره استطراداً و ان لم‏يكن في محله و هو اذا قست الشرايع بما بعدها و عرفت ان الشريعة بالنسبة الي الطريقة بمنزلة الجسد و كما ان الولد بعد تمام صورته و روحه الحيوانية التي بها تمامه و قوامه يتعلق به النفس الناطقة بعد تولده و يتدرج في المراتب كما بينا عرفت ان الشريعة جاءت لاصلاح صورة العالم و الغاية تعلق روح الولاية بها و ان العالم تولد يوم غدير خم و تعلق به سر الولاية ولكن من وراء حجب عديدة علي حذو ما سمعت فكان الواجب ان‏يظهر سر الولاية اولاً بقدر ظهور شريعة ادم و بقدر حرارة النطفة كما بينا و يتدرج الامر شيئاً بعد شي‏ء الي ان‏يتجلي الولي من غير حجاب و كما ان النبي محل المشية التشريعية كذلك الولي محل المشية الطريقية و بها يحدث حقيقة النفس الناطقة القدسية و يصير العالم بها انساناً حقيقياً كما صار بالمشية التشريعية انساناً صورياً و لذلك تري اسرار الولاية تشتد ظهوراً و بروزاً يوماً بعد يوم الي ان‏يسفر الولي صلي الله عليه و علي ابائه عن وجهه و ينشأ العالم خلقاً اخر بالقاء شرع جديد و كتاب جديد هو علي العرب شديد فلما تعلق شمس الولاية ببدن طفل العالم اثارت ابخرة الاحقاد و الخصومات حتي انشأت سحائب مكفهرات حالت بين شعور النفس الناطقة اي الولاية و بين بدن الطفل و كانت كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج ذلك الشعور يده لم‏يكد يراها و كانت تلك الشمس ترقق تلك السحائب من ورائها بحرارتها شيئاً بعد شي‏ء و تلك السحائب دائمة مستمرة الي زمان صحو العالم و ظهور شمس الولاية قال7 و اما وجه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 137 *»

الانتفاع بي في غيبتي كانتفاع الناس بالشمس اذا جللها السحاب ولكنها ترق شيئاً بعد شي‏ء كما تترقق رطوبات دماغ الولد شيئاً بعد شي‏ء و هي الحجاب الذي علي وجه رأس من رءوس العقل المتعلق بذلك الولد فلم‏يكن ما ظهر في اعصار الاولياء سلام‏الله عليهم الا كنور شمس ظاهر من وراء سحاب مكفهر متراكم غليظ و كان العالم الي زمان الصادقين8بمنزلة النطفة و الطفل الذي لايعرف شيئاً فان الشيعة كانوا الي زمانهما لايعرفون شيئاً من شرايع دينهم و كانوا محتاجين الي العامة العمياء و في زمانهما تبصروا حتي احتاجت العامة اليهم فيها فصاروا في زمانهما بمنزلة العلقة و الطفل المميز للصور ثم ترقي شيئاً بعد شي‏ء فازداد تبصرهم في معالم دينهم الي منتهي زمان الغيبة الكبري و زمان المحمدين رضوان الله عليهم و اجتمعت الاخبار المتشتتة و حصل عند كل مختبر ما كان متشتتاً عند الكل فتبصروا و اطلعوا علي الاسرار المتفرقة و الفضائل المتشتتة التي كانت بايدي اشخاص متعددة فازداد تبصرهم و كان الزمان تغير حكمه و صار بمنزلة المضغة و الطفل المميز للمعاني الجزئية و كذلك ترقي شيئاً بعد شي‏ء الي ان احكم العلماء امر الولاية و صنفوا التصانيف في رد العامة العمياء و صرفوا هممهم ليلاً و نهاراً في ابطال امر خلفاء الجور و اثبات ولاية الائمة:و رفع الاستبعاد عن طول الغيبة و كأنه لم‏يكن للعلماء شكر الله مساعيهم الجميلة همّ الا ذلك و صنفوا في ذلك تصانيف لاتحصي و اثبتوا ابطال امر الخلفاء و حقية الائمة من كتب العامة و الادلة العقلية و احكموا امر الولاية في ازمنة فصار الزمان في تلك الاوقات بمنزلة العظام و الطفل الذي عرف حسن بعض الاشياء و قبحها و عرف بعض النسب و التصديقات كما مر و كان كذلك الي ان احكم العلماء بعد فراغهم عن ظواهر الاصول ظواهر الاحكام و تؤامروا في تصنيف الكتب المختصرة و المطولة و المهذبة و المفصلة في الفقه و احكموا امره بما لا فوق له و لم‏يدعوا نوعاً من الكتب الا و صنفوه و اجتمع عندهم شوارد الاخبار التي شذت عن الاولين و اقوال العلماء الخيرين و اطلعوا علي مواضع الشهرة و الاجماعات و صنفت الجوامع الثلثة بحارالانوار و العوالم و الوسائل بل و الوافي فهي اربعة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 138 *»

و انضبط امر ظاهر الدين بما لا فوق له فترقي الزمان الي ان كسي لحماً و بلغ المراهقة و التمييز فبدأ الله سبحانه بعد ذلك في تمكين قابلية الزمان و تمرينه علي حقايق الدين و انضاجه شيئاً بعد شي‏ء حتي يصلح لانشاء الخلق الاخر و بلوغ الحلم و لذلك تراه يكلف بامور باطن الولاية و انتشر و الحمد لله اسرار الولاية و بواطن الفضائل و المقامات و كتب فيها الكتب و الحمد لله رب العالمين حتي انه كتب من مبدء المائة الثالثة عشرة الي سنتنا هذه و هي التسع و الستون من المائة الثالثة‏عشرة من مشايخنا و منا قريب ثمانمائة كتاب في الفضائل و احكام امر الولاية و بواطن التوحيد و النبوة و الامامة ما لم‏يكن مكتوباً في شي‏ء من الازمنة السابقة و نادت علماؤنا رضوان الله عليهم علي رءوس المنابر و علي رءوس الاشهاد في المجالس و الانادي و المدارس و المكاتب بفضائل عجيبة و اسرار غريبة من بواطن اركان الدين و تبصر الناس و زال عنهم الجهالات و الضلالات التي كانت من لوازم موتهم في الاطوار السابقة و حدثت فيهم الحرارة الغريزية و ان ضاقت بذلك صدور قوم و ثارت ابخرة احقادهم و حسدهم و بغيهم كما ثارت يوم ظهر عليهم ظاهر الولاية يوم اول و حدثت من ابخرة احقادهم ثانياً سحايب مكفهرة قدحجبت بين اعين الناس و شمس الحقيقة و خفي في الجملة امرها و هم غافلون عن ان شمس الحقيقة تحلل شيئاً بعد شي‏ء تلك الابخرة و تفنيها و تمحوها و تظهر صاحية كما حللت شمس ظاهر الولاية تلك الابخرة الحادثة اولاً سنة الله التي قد خلت من قبل و لن‏تجد لسنة الله تبديلاً و لن تجد لسنة الله تحويلاً هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون ولقداحسن الشاعر و اجاد و لله دره حيث قال و نعم ما قال:

لزين الدين احمد نور فضل تضاء به القلوب المدلهمة
يريد الحاسدون ليطفـٔوه و يأبي اللّه الا ان يتمه

و لاتحسبن الله مخلف وعده رسله بالجملة،

الناس من حسب التمثال اكفاء ابوهم ادم و الام حواء

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 139 *»

و كم ترك الاول للاخر و ليست حرارة شمس الحقيقة باقل من الشمس الظاهرة و يثور الابخرة كما ثارت اعاذنا الله من شر الاشرار و كيد الفجار و الحقنا بالابرار ربنا افرغ علينا صبراً و ثبت اقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين وان شئت معرفة تفصيل احوال الايام فعليك بكتابنا الكبير ارشاد العوام فلنقبض العنان فان للحيطان اذاناً.

بالجملة اذا تمكن الزمان بنور ولي الملك المنان يستعد لنفخ الروح و بلوغ الحلم و ظهور شمس الحقيقة و وقوع التكليف و هو ما اشار اليه الصادق7 في حديث مفضل قال7 كأني انظر الي القائم علي منبر الكوفة و حوله اصحابه ثلثمائة و ثلاثة‏عشر رجلاً عدة اصحاب بدر و هم اصحاب الالوية و هم حكام الله في ارضه علي خلقه حتي يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب عهد معهود من رسول الله9فيجفلون عنه اجفال الغنم فلايبقي معه الا الوزير و احدعشر نقيباً كما بقوا مع موسي بن عمران فيجولون الارض فلايجدون عنه مذهباً فيرجعون فوالله اني لاعرف الكلام الذي يقوله لهم فيكفرون به انتهي و هو باطن ما ذكره اميرالمومنين7 لكميل بن زياد حين سأله عن الحقيقة و الحديث صعب مستصعب و لعلنا نشير الي باطنه هنا و في الباب الثالث و باطن باطنه في الباب الرابع اذ التصريح به حرام في هذه الازمان و بالله المستعان.

فصـل: اعلم ان الظاهر يوافق الباطن و الشهادة توافق الغيب لان الله سبحانه واحد و امره واحد و الصادر عنه واحد ماتري في خلق الرحمن من تفاوت والظاهر ظهور الباطن و كماله و الشهادة تنزل الغيب و تفصيله فالظهور تمام البطون والفعل تمام القوة فلايعلم الاستدلال علي الغيب الا بالشهادة و علي البطون الا بالظهور و الذين يزعمون الاختلاف بين البطون و الظهور هم بعيدون عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 140 *»

الصواب متوحلون في الارتياب و ليسوا من اولي‏الالباب فاذا نظرنا الي هذا العالم رأيناه ذامقامين مقام الافلاك الذي هو مقام المتحركات و الفواعل و الممدات و مقام العناصر الذي هو مقام السواكن و المفاعيل و المستمدات و لما كان كل اثر عند موثره مخلوقاً بنفسه يعني نفسه من حيث الاعلي فعل العالي في ايجاد نفسه من حيث الاسفل كانت الافلاك حيث تأثير الموثر و العناصر حيث اثريته مع ان الحيثين ساريان في الكل الا ان حيث الاثرية خفي في الاعالي و الغالب عليها الفعلية و حيث التأثير خفي في الاسافل و الغالب عليها الاثرية و المفعولية فالافلاك جهات الرب جل‏شأنه و مترجمات اراداته الملكوتية الغيبية في الملك و الشهادة و منبئات عن محابه تعالي شأنه و مشياته و مراضيه و مطالبه من عباده للعناصر و حججه علي العناصر الظاهرة لها بلباس الجسمانية القائلة لها انا بشر مثلكم يوحي الينا انما الهكم اله واحد فمن كان يرجو منكم مثلنا لقاء ربه بالقاء نفسه و النظر الي ايته الظاهرة فيه بنا فليعمل عملاً صالحاً و ليتخفف ليلحق بنا و لينتزع عن الميل الي الكثرات و الشركاء المتشاكسين و لايشرك بعبادة ربه باطاعتنا احداً لانه بعبادتنا عبد الله و لولانا ما عبد الله فان كنتم تحبون الله فاتبعونا يحببكم الله.

بالجملة الافلاك حجج الله علي العناصر بها احتج عليها و اتم و ابلغ و اكمل فاذا نظرنا الي الافلاك رأينا ان لها مقامين مقام كلية و غيب الذي به انفردت عن مشاكلة العناصر من ابناء جنسها و مقام جزئية و شهادة به ارتبطت بالعناصر و لبست لباسها فالمقام الاول منهما مقام العرش و الكرسي و هما اخوان بابان من ابواب الغيب لا فرق بينهما الا ان باب العرش اغيب من باب الكرسي و العرش مقام الاجمال و البساطة و الوساطة بين الغيب المعري عن التعينات و الحدود و الجبروت و الكرسي مقام التفصيل و التركيب و الارتباط بالشهادة و الملكوت و كما ان العرش هو المؤدي عن الغيب و مستودع سره و خزانة علمه كان الكرسي هو المؤدي عن العرش و مستودع سره و خزانة علمه فلم‏يستفد قلم العرش شيئاً من الغيب الا و قدرسمه في صدر لوح الكرسي و لا  فرق بينهما الا بالاجمال و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 141 *»

التفصيل فالكرسي نفس العرش و خليفته و المؤدي عنه الي كل ذي‏حق حقه و الي كل مخلوق رزقه و العرش هو المنبئ عن الغيب و نبيه و رسوله الي عالم الاجسام فالعرش مقام النبي و الكرسي مقام الولي و هما في عالم الغيب اخوان و ان كان الكرسي يستفيد كلما يعلمه من العرش و لما تجليا في عالم الجزئية و التعلق و الارتباط و ظهرا بالامامة ظهرا بالشمس و القمر فكان الشمس ظهور العرش و القمر ظهور الكرسي و لما كان مادة الشمس و القمر في الظاهر من تأييد العرش و الكرسي و المادة مقام الاب كما حققناه في محله كان الشمس و القمر في الظاهر بمنزلة الابن للعرش و الكرسي و هما بمنزلة الاب لهما فالعرش ابوالشمس و الكرسي ابوالقمر و قد عرفت ان العرش و الكرسي اخوان فالشمس و القمر في الظاهر ابنا عم و في الباطن اخوان و لما كان العرش مقام العقل و العقل ما عبد به الرحمن و هو العالم بالله البائن من الخلق الداني من الخالق كان عبدالله فوجب ان‏يكون ابوالنبي الظاهر عبدالله و لما كان القمر مقام نفس الشمس و مقام القابل و الطالب و الشمس هي مطلوبته و مقبولته و كان الكرسي اباه كان الكرسي اباطالب و باعتبار ان القمر نفس الشمس و الشمس مقام العقل له و العقل الغالب عليه المادة و النفس الغالب عليها الصورة فالعقل له ابوة بالنسبة الي النفس و هو مربيها و هي و ما لها لابيها و القمر هو مقسم فيوضات الشمس في السفليات و النير الاصغر المقارن لها المعطي كل ذي‏حق حقه و السايق الي كل مخلوق رزقه و هو قاسم الامداد كلاً يمد هولاء و هولاء من عطاء الشمس و به يسعد السعداء و يشقي الاشقياء فالشمس بهذا اللحاظ ابوالقاسم و قدعرفت وجه تسمية النبي الذي مقامه مقام العرش بمحمد و احمد و محمود كما مر فلنذكر استطراداً سمات الكرسي و القمر و ما ظهر فيهما من ايات الله سبحانه.

فاقول لما كان الكرسي مقام ارتباط العرش بالجزئيات و السفليات كان يده و وليه و خليفته و نفسه و تفصيله كما مر فلما كان الكرسي تفصيل العرش و جميع امداد العرش و فيوضه و علومه تتفصل في عالم الكرسي وجب ان‏يكون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 142 *»

جهات الولاية متفصلة متعددة فيه ليناسب([4]) السفليات و يعلم كل اناس منه مشربهم و يتوجه بكل وجه الي قوم و يناطقهم بلسانهم و يؤدي اليهم مايوافق حالهم و شأنهم و الواحد لايناسب المتكثرات فوجب ان‏يكون للولي و الخليفة جهات ليتوجه الي كل قوم بوجه مناسب و قد عرفت ان مقام الاثار كلياتها البسيطة اربعة النار و الهواء و الماء و التراب و كلياتها المركبة ثلثة الجماد و النبات و الحيوان و كل واحد من الانواع الثلثة اربعة اصناف منها الغالب عليها النار و منها الغالب عليها الهواء و منها الغالب عليها الماء و منها الغالب عليها التراب كما تري من اختلاف طبايع هذه الانواع و لايخفي امرها فالمواليد كلية اثناعشر صنفاً و لايخفي ذلك علي العالم بالطبايع كعلماء الطب و الفلسفة و لانطيل الكلام بذكرها و لاننكر ان‏يكون بين هذه الاصناف برازخ الا ان البرازخ من الجزئيات و كل برزخ يلحق بجانب و لا غاية للبرازخ و البرزخ بنفسه تابع للطرفين فالكليات اثنتاعشرة فوجب ان‏يكون ظهور الولي علي اثني‏عشر وجهاً يتوجه بكل وجه الي قوم و ينفجر من عين كل وجه ماء مدد و فيض مناسب لقوم و يتكلم بلغة كل قوم و يؤدي الي كل قوم عن العرش ما اودع من سره لهم فلاجل ذلك ظهر الكرسي في منطقته باثني‏عشر برجاً كليات دوراتها ثلثة و كل دورة له اربع طبايع علي وفق العالم الاسفل فدل ذلك علي ان اولياء النبي و خلفاءه يجب ان‏تكون اثني‏عشر كلهم من طينة واحدة و نور واحد و روح واحد و رتبة واحدة الا انهم اثناعشر شخصاً و كما ان البروج الاثني‏عشر لابد لها من حامل يحملها و هو فلك البروج علي الاصح و هو احد افلاك الكرسي الجزئية كذلك الواجب ان‏يكون للاثني‏عشر سلام‏الله عليهم حامل و هو فاطمة صلوات‏الله عليها الحجر الذي انبجست منه اثنتاعشرة عينا بواسطة العصا التي هي الكرسي و هي بيمين موسي العرش ليعلم كل اناس مشربهم و لولا ان مقام تفصيله ليس هنا لبسطت القول فيه و فيما ذكرت كفاية و بلاغ.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 143 *»

فصـل: اعلم ان الاشخاص الكلية الذين لم‏يلحقهم اعراض لقوة توحد ذواتهم يقع جميع ما لهم و بهم و عنهم و منهم علي نهج الحكمة و الصواب و مطابقة الواقع الاولي و كليات الحكمة فيمكن الاستدلال علي جميع ذلك بالعقل و يطابق الواقع و اما الاشخاص الجزئية الذين لحقهم الاعراض و مازجهم الامراض فلايمكن توافق ما ظهروا به مع كليات الحكمة التي يستدل عليها بالعقل فلاجل ذلك يمكن الاستدلال علي احوال الخاتم صلوات‏الله عليه و اله و اوصيائه بالعقل المستنير بانوارهم دون غيرهم.

فنقول اما وجه بعثته بعد اربعين و حين وصل الولي الي عشر سنين و طول ايام نبوته ثلثاً و عشرين و بقاء الولي بعده ثلثين و كون عمرهما ثلثاً و ستين فاعلم ان للنبي و كذا الولي مقامين مقام باطن و مقام ظاهر و للباطن مطلقا مقبولية بالنسبة الي الظاهر و للظاهر مطلقا قابلية بالنسبة الي الباطن فلظاهر النبي قابلية لباطن الولي كما ان الشمس قابلة لانوار الكرسي مستمدة منه و مما ثبت في محله ان حدود القابلية تدور علي ثلثة اقطاب الي ان‏ينشأ الشي‏ء خلقاً اخر جماد و معدن و نبات و كل واحد من هذه المراتب من باب ان كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء مركب من تسع قبضات فلكية و واحدة عنصرية ارضية فيكون تمام حدود القابل الكلية ثلثين فلما كان النبي الظاهر له قابلية عند الولي الباطن وجب ان‏يكون حصوله في عالم الظاهر قبل الولي لان القابل ظهوراً قبل المقبول و وجب ان‏يكون بثلثين سنة ليستكمل دورات القابلية حتي يستعد لاشراق نور الولاية عليه فتولد النبي9 قبل الولي بثلثين سنة فلما استكمل الثلثين تولد الولي و هو بمنزلة قوله سبحانه ثم انشأناه خلقاً اخر و لما كان المقبول ايضاً يستكمل في عشر مراتب و هي القبضات العشر بعث النبي9 تام المراتب كامل المقامات مقبولاً و قابلاً حين بلغ الولي عشراً و بلغ هو اربعين الذي فيه استكمال كل كامل ثم بقي الولي بعد رفع النبي ثلثين لبيان انه لما ظهر يكون ظهوراً قابلية بالنسبة الي النبي الظاهر فبقي ثلثين لاظهار تبعية ظاهره لظاهر النبي و باطنه لباطنه.

و اما سر لبثه بعد النبوة ثلثاً و عشرين الا شهراً او اقل فانه رسول الي جميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 144 *»

الناس كافة و هم نوعاً ثلثة اصناف اصحاب الافئدة و اصحاب القلوب و اصحاب الصدور كما امره الله سبحانه بثلثة انواع دعوة في قوله ادع الي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن و هولاء الانواع مراتبهم ثلث و عشرون اهل الافئدة طائفة واحدة متحدة و اهل القلوب طائفتان اصحاب العقول و اصحاب الارواح و اهل الصدور فلهم المراتب العشرون المعروفة فلبث في قومه لكل قوم سنة يدعوهم الي سبيل ربه و يربيهم حتي يهديهم الي ربهم و لبث في مكة ثلث عشرة فانها مقدمة ظهوراً علي المدينة فلها مقام الظاهر و المراتب الظاهرة من تلك العشرين و هي العناصر و السيارة و فلك المنازل و فلك البروج و لبث في المدينة عشراً فان العرش و الكرسي بابان من ابواب الغيب مضافان الي الملكوت و هما مع الثمانية العليا الدهرية الغيبية عشرة و ذلك ان المدينة موخرة ظهوراً و هو9 و من معه ترقوا بهجرته فانتشر امره و انبسط نوره و علت كلمته فلما بلغ الولي ثلثاً و ثلثين و كمل قابليته و طعن في مراتب المقبول و تحصل الكلية الجامعة من كل دورة من دوراته قبض النبي9 و انتقل الامر اليه فلبث بعده ثلثين لما مر انفا و كان عمره9 ثلثاً و ستين لان الدنيا دار تمحيص و افتتان و استخلاص و يعمر الشخص لاستخلاص الجوهر الذي كان فيه بالقوة و فعليته و الشخص له جسد و نفس و روح لما حقق في محله ان كل شي‏ء مثلث الكيان و استخلاص جوهر كل واحد في ثلثة اسابيع اذ فيها غاية الانحلال و التخليص لان كل شي‏ء من هذه الاركان له جمادية و معدنية و حيوانية و كل واحد من هذه الثلثة مثلث الكيان مربع الكيفية كما حقق في محله و صار كمال التعفين و الحل في ثلثة اسابيع و فيها تستكمل القابلية لاستخراج الاعراض و الغرايب و تمييز الجوهر المستجن فيها منها فعمر9 ثلثاً و ستين حتي يستكمل انحلاله بجميع مراتبه في محل حرارة الاقبال و رطوبة الامتثال و يسهل عليه مفارقة الاعراض و الامراض اذا دعي الي نحو ذي‏الجلال و اليه الاشارة بقول علي7 هتك الستر لغلبة السر و محو الموهوم و صحو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 145 *»

المعلوم و جذب الاحدية لصفة التوحيد فاذا كمل نعامته تحت فهر المشية علي صلاية القابلية و تم انحلاله جسداً و نفساً و روحاً في ثلثة و ستين انجذب الجوهر الخالص منه القديم الازلي منه الي اللاهوت و هو قوله7 في صفة النبي9 استخلصه في القدم علي ساير الامم الخطبة و لما كان الولي نفسه و علي حده كان عمره ايضاً ثلثاً و ستين فلبث مع النبي للاستكمال ثلثاً و ثلثين و هو عمر اهل الجنة في الجنة علي طبق عمر عيسي 7.

و اما حمله فكان عشرة اشهر لان الولد يخلق في خمسة اطوار طبيعية الي ان‏يخلق خلقاً اخر فلكياً فمتي تم اطواره الطبيعية ثم جاء علي المجموع مثل ايامها كان ابان الخلق الاخر ثم اذا جاء عليه مثل المدتين ضعفهما كان ابان تعلق النفس الناطقة و الخلق النفساني فخرج فايام خلق الطبيعية نصف خلق الحيوانية و ايام خلقهما نصف خلق النفسانية و الاعتدال العام في كون خلق الطبيعية في خمسة و اربعين كل طور في تسعة ايام يستكمل في كل يوم احدي مراتبه الثمان مبتدأة من جسده و في التاسع يستكمل حقيقته و النبي يستكمل المراتب التسع في تسعة ايام و في العاشر يبلغ مبلغ الائية و الخلافة لله سبحانه فان الله سبحانه اقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء فيستكمل طبيعيته في خمسين و ينشؤ خلقاً اخر في مائة و يخرج في ثلثمائة يوم و هو خليفة الله في ارضه و القائم مقامه في عوالمه و لو بنينا علي اظهار هذه الحكم مما يتعلق به صلوات‏الله عليه و اله لفني العمر قبل ان‏يفني الكتاب لاسيما و هذه الحكم لغير الحكيم قليلة الجدوي و ربما يزعمها استحسانات و تطبيقات لاحقيقة لها فلنبدء بالخوض في ساير فضائله9 و لاحول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

المقام الاول

في معرفتهعلي نحو البيان

و ذلك حظ اهل العيان لا العميان و لايعاين كل من له عينان بل يعاين من نظر بعين الله التي اعاره اياها و ينظر الله سبحانه اليه بها و ينظر اليه سبحانه بها و هي نور الله سبحانه المشار اليه في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 146 *»

قوله7 اتقوا فراسة المومن فانه ينظر بنور الله وقدعبر الله سبحانه عنه بالفؤاد في قوله ماكذب الفؤاد ما رأي فانت يا هذا ان كنت من اهل العيان فخض في بحار هذه الفصول و الا فلاتفسدنه و اعط القوس باريها و لكل بحر سباح و لنجعل لهذا المقام فصولاً.

فصـل: اعلم ان تسميتنا هذا المقام بالبيان ماخوذة من رواية جابر بن عبدالله عن ابي‏جعفر7 انه قال يا جابر عليك بالبيان و المعاني قال فقلت و ما البيان و المعاني قال7 اما البيان فهو ان‏تعرف ان الله سبحانه ليس كمثله شي‏ء فتعبده و لاتشرك به شيئا و اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه الخبر و قدعبر عنه بالتوحيد في حديث جابر حيث قال المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً ثم معرفة الامام رابعاً الي ان قال 7 يا جابر تدري ما اثبات التوحيد و معرفة المعاني اما اثبات التوحيد فمعرفة الله القديم العامة الذي لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير و هو غيب باطن لاتستدركه كما سنذكره كما وصف به نفسه و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده الخبر و قداشير اليه في بعض الاخبار بالسر المقنع بالسر و بالسر المستسر فلنرخ عنان القلم في هذا الميدان ليجول جولة و لا قوة الا بالله و لا اعتصام الا به.

اعلم انه مما منح الله علي المسلمين ظاهره و علينا و له الحمد باطنه ان الله سبحانه احد يعني انه لايجزي و لايثني و ليس بمركب من ذاتين و لا من صفتين و لا من ذات و صفة و ليس فيه ذكر شي‏ء سواه لا عيناً و لا كوناً بل و لا امكاناً و صلوحاً بل و لا فرضاً و اعتباراً بل و لا عدماً و نفياً بل علي معني الامتناع البحت فهو هو و لا اقول ليس الا هو الا بياناً و هو سبحانه لايتغير و لايتبدل و لايستحيل و لاينقلب و لايعرضه شي‏ء من العوارض علي معني امتناع العروض فانه لا قوة له يخرج من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 147 *»

قوته الي الفعلية حالات و بداوات بل هو فعلية محضة غيرمتناهية و الذي له قوة موصوف و كل موصوف مخلوق مفعول و الله سبحانه قدسبق الوصف وجوده فيستحيل عليه التنزل و الترقي و التغير و التبدل عما هو عليه و هو سبحانه لايتناهي فان المتناهي محدود قابل للزيادة و النقصان و هو ممكن حادث فاذا لايتناهي الي شي‏ء من ذات او صفة من جوهر او عرض من منير او نور او شبح و اثر او اثر اثر و هكذا و اني له التناهي و النهاية صفة و هو قدسبق الصفة و للمتناهي وراء اذا كان معه غيره و هو غيرمقترن بغيره ليس معه ذكر غيره فسبق النهايات كونه و الغايات وجوده تعالي شأنه فليس اذ هو ذاك الا هو و لا شي‏ء سواه تقدست ذاته و كم من مسلّم لهذا الاجمال اذا جاء التفصيل انكر لوازمه بالاحتمال و العصمة من الله المتعال فهذا معرفته سبحانه علي نحو الاجمال و قدمر التفصيل في مباحث التوحيد.

و اما قوله7 ليس كمثله شي‏ء فان ما له مماثل موصوف و الموصوف مثني و المثني غير الاحد و ما له مماثل معه غيره و هو سبحانه لا نهاية له و ليس معه ذكر سواه فاني يكون له مماثل و لايعقل ذاتان حقّان و اما قوله7 فتعبده و لاتشرك به شيئا فانه الرب القاهر فوق عباده و قدخضعت له رقاب كل حادث متكثر و لانه مستحق للعبادة بربوبيته لماسواه و تقليبهم من حال الي حال و مراقبته لهم بالاحسان مع عظمته و جلاله و هو الاحد الذي اذا توجه اليه العبد انقطع عن كل كثرة فتوحد و بقي البقاء الابدي فهو مستحق للعبادة و الدنو منه بعد المعرفة و البون عما سواه فمن عرف ربه كذلك فقدفاز بمعرفة البيان و مشاهدة ظهوره في كل شي‏ء بلا نهاية ثم من عرفه لم‏يعرفه من حيث ذاته فانها مما لاتناله اوهام الحوادث اذ لا ذكر لهم هناك و انما يعرفه من حيث ما وصف به نفسه كما مر في حديث علي بن الحسين8 فراجع و هذا مجمل القول في معرفة البيان و هو المستعان.

فصـل: من البين ان المعرفة تمييز المعروف عما سواه فلايعرف شي‏ء الا بميزه و ميزه وصفه فكل معروف بنفسه موصوف و كل موصوف مصنوع و هو

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 148 *»

قول اميرالمومنين7كل معروف بنفسه مصنوع و كل قائم في سواه معلول و قوله7 كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فاذا كان هذا حال المعرفة يمتنع ان‏يعرف الاحد جل‏شأنه و قدسبق الاوصاف كنهه فالسبيل مسدود و الطلب مردود فانحصرت المعرفة في ظهوره باوصافه و كذلك حال كل معروف و لا معني للمعرفة الا ذلك فلاتطلق و لاتتعلق المعرفة الا بظاهره سبحانه بوصفه اي الوصف الظاهر و هو الذات الظاهرة و لا  ارتباط لها بالذات القديمة بوجه فالذات الظاهرة هي التي تقع عليها المعرفة و هي التي اخبرنا عنها في كتابنا هذا و غيره و اخبر عنها المخبرون و هي الاحد الذي لايثني لانها خالق الوحدة و الكثرة فلايجري عليها ما هي اجرته و لايعود فيها ما هي ابدته و هي التي ليس كمثلها شي‏ء لانها ليس معها غيرها و لا صفة لها غير ذاتها و هي الذات و الذات في الذوات للذات و هي التي لا غاية لها و لا نهاية لانه ليس معها غيرها و لا صفة و لا حد لها و هي المشار اليها في قول اميرالمومنين7 في الخطبة ليس لصفته حد محدود و لا نعت موجود و لا اجل ممدود.

و ان قال قائل لي ان كنت تعرفه([5]) بالحدوث فكيف تصفه بصفة الواجب و ان كنت تعرفه بالقدم فكيف تثبت فوقه قديماً اخر قلت ان هذا سؤال لايوجد جوابه عند غيرنا و جوابه ان هذه الصفة هكذا وجداناً حين كشف سبحات الجلال من غير اشارة و محو الموهوم و هتك الستر لا وجوداً و ليس انها لا سبحة لها و لا موهوم و لا ستر وجوداً مثل ذلك انك تنظر الي سرير و تغفل عن هيئته و عرضه و طوله و سمكه بحيث لاتجد في نفسك ذكراً للسرير و انت ملتفت الي الخشب فيه غافلاً عنه فلاتري الا الخشب فتجده معري عن الطول و العرض و السمك و هيئات السرير و الباب و الصنم و الضريح و غيرها و تصفه بالتعري عن جميع ذلك و الحال في الوجود الخارجي ليس الا السرير المشخص المعين مع سبحات هيئاته و موهوماته و استاره فانا اذا التفتت الي السرير و صفته بالتركيب و المصنوعية للنجار و اذا التفتت الي الخشب كما وصفت انزهه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 149 *»

عن المصنوعية للنجار و عن التركيب البتة فكذلك سبحانه وصف نفسه لعباده بانفسهم و قال و في انفسكم افلاتبصرون و روي من عرف نفسه فقدعرف ربه و ليس نفوس العباد معراة عن حدودهم ولكنهم عند الغفلة عن تلك الحدود و النظر الي تلك النفس يجدونها ذاتاً مستقلة وحدانية ليس كمثلها شي‏ء و غير ذلك و امثل لك مثالاً انا اذا كتبت لك لفظة الذات القديمة فان انت نظرت الي ما كتبت من غير التفات الي غيره تقرؤه الذات القديمة لاتجد في نفسك غيره و اذا التفتت الي انه مداد قدطورته انا و احدثته علي القرطاس تقول هو حادث و تقرؤه حادثاً البتة فالنفس هي كتب الله سبحانه علي لوح الهوية الذات الاحدية القديمة التي لا نهاية لها و لا غاية و ليس معها غيرها و ليس كمثلها شي‏ء و هي السميعة البصيرة فانت اذا نظرت الي تلك الكتابة من غير توجه الي اللوح و الي انه من مادة و صورة و مكتوب كاتب و قصرت النظر الي نفس الكتابة كما اخبر عنه المخبر الحق7 كشف سبحات الجلال من غير اشارة فاخبر انه هناك سبحات ولكن تكشف فاذا فعلت ذلك وصلت الي وصفه سبحانه لا بل عرفت الذات الظاهرة اذ هي الذات الظاهرة و كما ان فيك نقشاً فحوانياً كذلك للعالم ايضاً نقش فحواني و هو نفس الكل و الذات الظاهرة الكلية المطلقة و هي الذات المذوتة للذوات فمن قطع النظر عن جميع سبحات الف الف عالم و محا موهوماتها و هتك استارها بلا اشارة و استدبر الكل و بان عنه و توجه الي تلك الذات بلا كيف و لا اشارة بحيث استدبر عن التوجه و المعرفة و كل شي‏ء سويها وحدها وجدها ذاتاً قائمة مستقلة وحدانية لاشبيه لها و لا مثيل و لا اقتران و لا  وصف و لا غاية و لا و لا لانها كتبت هكذا و لايقرأ ما كتب هكذا الا هكذا اذا لم‏يلتفت الي غيره الاتري انك اذا كتبت علي بياض القديم و اريته طفلاً  لايلتفت الي غير الكتابة و سألته عنه قال القديم و لو حلفت له بانه حادث لايعقل ما تقول و يحلف انه القديم كذلك من لايلتفت الي غير الكتابة لايجد الا الكتابة و تلك النفس المطلقة هي وصف الله الحق نفسه لخلقه فلا حظ لاحد منه سبحانه ازيد مما وصف نفسه و اخبر عن نفسه فاذا التفتت الي ذلك المعبرعنه بالوصف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 150 *»

متمحضاً تجد ذاتاً قديمة ليس فوقها شي‏ء البتة و اذا نظرت اليها باعتبار الوصفية او الائية او اليها من حيث هي تجدها حادثة و فوقها قديم ولكن لايتجاوز قولي فوقها قديم النظر الاول فانه الفوق الذي اعرفه و القديم الذي اشير اليه فكلما قلناه من تقديسه و تنزيهه سبحانه او قاله القائلون بل ما تكلم به الانبياء و المرسلون بل وصف الله به محمد و اله الطاهرون بل وصف الله به نفسه و اخبر عنها عباده كلها شأن هذا الوصف في ذاته او في انواره او انوار انواره و هكذا و لا بيان فوق ذلك و لا تعبير و لا تقرير و لا معرفة و لا معلمة رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة افهم ما اوضحته لك و بينته فانه كنز من كنوز الله مملو من العلم الالهي النبوي العلوي.

فصـل: مثل ذلك الوصف في الافاق و لله المثل الاعلي ما انطبع في المراة من عكس واقف وراءك فانك لاتجده من حيث ذاته و انما تجده من حيث شبحه في المراة و ظهوره لك به بل لاتجد الا الظاهر في المرآة و هو الشخص الظاهر و لاتحيط علماً الا به و لاتري الا اياه و لاتعرف سواه و الذي تعرفه من مطابقته مع الشاخص فانما هو من باب التجربة منه او من امثاله و الا فلم‏تك تعرف الا ما تجده في المراة اذ لم‏تك تري سواه و هو الكتابة التي كتبها الشاخص من اوصاف نفسه فيها فانت اذا قرأت تلك الكتابة مع غفلة عن جميع ماسوي ذلك اللون و تلك الهيئة لاتجد الا الشخص الظاهر علي ما ظهر غنياً عما سواه فاذا توجهت الي المراة و الي قوامها بها و انها شبح احد فتحس بافتقاره الي سواه و قيامه بغيره كما انك لو لم‏تر السراج ابدا و تري نوره فانك لست تري الا اياه و لاتجد غيره و تحسبه مستقلاً بنفسه فحينئذ انت تري النور الظاهر لا غير و لاتحيط علماً بالسراج و لاتعرف السراج بالنور بل لاتعرف الا النور و هو سراجك و مثل اخر فيه بيان لذلك و هو ان النار غيب بذاتها و لا لون لها و لا بريق و لا شعاع لانها فوق هذه المراتب فاذا تعلقت بالدهن سخنته بالمجانسة و جففته بتبديد رطوباته حتي كلسته و قوت ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 151 *»

فيه من النار لانه مركب من العناصر بكمالها و قوتها فاشتعل الدهن بنار كانت جزء تركيبه و تقوت بالنار الخارجية حتي غلبت اخواتها فاضاء و كان شعلة مضيئة فالمضيئة هي الشعلة لا غير و هي الدهن المشتعل بالنار لا النار المتعلقة بالدهن و لذا يقول الله سبحانه يكاد زيتها يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار اي لكنه لم‏يضئ الا بعد مس النار فالمضي‏ء هو الدهن لان الضوء شبحه و لا شبح للنار اللطيفة الغيبية فهي اعلي من ان‏تنسب الي الاضاءة و طرح الشبح و كذلك الامر في الانفس فان القائم هو القيام من حيث مبدئه و اعلي اذكاره الذي هو بمنزلة النار التي كانت جزء الدهن فتقوي بتوجهه الي ذات زيد لانه زيد في هذه الرتبة اي مثال زيد فاشتعل القيام بذلك المثال اي بزيد الادني فحصل القائم فالقائم هو القيام المشتعل لا زيد الظاهر بالقيام افهم فانه دقيق و ان كان الحكيم اذا قال هذه الكلمة عني بزيد اعلي القائم اي جهة فاعلية القيام التي هي بمنزلة نار الدهن.

فاذا عرفت هذه المقدمة السديدة اعلم ان المعروف منه تعالي شأنه وصفه الظاهر اي الذات الظاهرة التي هي ظاهر الذات و لايعقل المعروفية في غيره و لاجل ذلك قال7اعرفكم بنفسه اعرفكم بربه و قال من عرف نفسه فقدعرف ربه و من الانجيل اعرف نفسك تعرف ربك و معني هذه و اشباهها ان معرفة النفس بعينها هي معرفة الرب لا انها يستهدي بها الي معرفة الله فيعرف الله بعدها بل هي هي معرفة الله فان الذات المعروفة هي اذا كشفت السبحات و هتكت الاستار و تركت الاغيار و كذلك من تغلب عليه تلك النفس حتي قهرت ماسويها و اضمحل و تلاشي فيها حتي لم‏يبق له اقتضاء و لا اثر فانه الذي معرفته بعينها هي معرفة الله و معرفة الله معرفته و لايعقل في هولاء التعدد في هذا النظر فانك ان لاحظت فيهم الخصوصيات لم‏تنظر الي الحقيقة و اذا نظرت الي الحقيقة غفلت عن الخصوصية فلاتعدد و لذا روي عن اميرالمومنين7ان معرفتي بالنورانية معرفة الله عزوجل و معرفة الله عزوجل معرفتي و في الزيارة السلام علي الذين من عرفهم فقدعرف الله و من جهلهم فقدجهل الله و روي بنا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 152 *»

عرف الله و لولانا ما عرف الله و روي نحن الاعراف الذين لايعرف الله الا بسبيل معرفتنا الي غير ذلك من الاخبار فمن عرفهم فامامه يقين و من جهلهم فامامه سجين.

فصـل: اعلم ان من البين ان القديم هو الاحد الحق جل‏شأنه و ليس سواه قديم و جميع ماسواه حادث و الحادث هو غير القائم بنفسه فجميع ماسواه محتاج الي الغير حتي يقوم به الا ان الاشياء بحسب قربها من الغني الاحد جل‏شأنه و بعدها عنه تختلف فمنها ما يفتقر في قوامه الي اشياء غيرعديدة و منها ما يفتقر الي اشياء عديدة الي ان من الاشياء ما لايفتقر الا الي علله الاربع اي مشية الله سبحانه و مادة حدثت له منها و صورة حدثت له بها و غاية يــٔول اليها ثم هو غني عما سواها و ذلك كعقل الكل و من الاشياء ما تتحد فيه هذه الجهات فلايحتاج في قوامه الي غير نفسه لغيره المعرف به فيجتمع فيه العلل الاربع فذلك اغني مراتب الخلق و اوحدها و هو غني عن جميع الكثرات و عن جميع النسب و الاضافات فان الكل به و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه قدتعالي عن الجهات و الحدود و المميزات و النسب و الاشارات كلية فاذا ليس ذلك الخلق بكله الا لله سبحانه و جميع ما لله سبحانه له و جميع ما له لله ليس لله سبحانه شي‏ء ليس له اذ ليس له شي‏ء ليس لله فلايكون هو لنفسه و لايري بنفسه لنفسه و ليس له اعتبار من حيث نفسه اذ ليس له سبحات و لا موهومات و لا استار و لا حجب و لا هوية و لا انية ليس له سبحانه فمثل هذا الخلق غني عن كشف السبحات بري‏ء عن قطع الاشارات اذ ليس له ما ليس لله و ليس من المعرفة كشف السبحات عن الله سبحانه الا حين التوجه الي الذات فيغفل عن الصفات فبهذا المعني يمكن اجراء كشف السبحات و علي معني كمال التوحيد نفي الصفات و جذب الاحدية لصفة التوحيد.

بالجملة هو في كل مقام لاتحقق له الا بما هو له اذ لايسبقه علة يــٔول اليها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 153 *»

لا مضاف اليه يضاف اليه و لا تكثرات يتعدد الجهات فيها و هو نفس جهة الرب التي تقع للاشياء جهة اليها فتصير صاحب جهتين و هو نفس المثال الملقي في هوية جميع ما سوي الله سبحانه و هو نفس ما يضاف اليه الكل فلايعقل لذلك المثال جهات و كثرات و تعددات و اعتبارات فهو نفس لله كما افصح عنه في كتابه فقال الحمد لله اي مخصوص به لاينسب الي غيره و لايليق بغيره كما قال علي7لم‏يحمد حامد الا ربه فلواء الحمد له تعالي اعطاه الله محمداً9 و هو المحمد اي من حمده الخلق كثيراً و هو صاحب المقام المحمود فهو ذاته احد و صفته من حيث الاعلي احمد و من حيث الاسفل محمد9 و من حيث نفسه حمد و هذا الحيث بكله لله لم‏يتعلق و لم‏يقترن و لم‏يضف الي غيره حتي لم‏يبق له ما ليس لله و احدق بظهور الله به من كل جهة قال هو المحتجب و نحن حجبه فصار جميع ما لله ايضاً له.

و قولي لله تعبير عما في نفسي و البيان الذي اوضح منه ان ذات الاحد مضروب دونها الحجب و ليس لاحد من الخلق ان‏ينالها او يعرفها هذا و المنال و المعروف من كل ما ينال او يعرف وصف له و ذلك الخلق هو الوصف فهو المنال المعروف لله سبحانه فهو معروفه و محبوبه و معبوده و مقصوده و ظاهره و صفته بل و ذاته و كنهه و غيبه و شهوده و قدسه و نزهه و ما لايسمی و لايرسم منه و ما لا تعبير عنه منه قال7 ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك و قال انا المعني الذي لايقع عليه اسم و لا شبه و كل معروف بنفسه مصنوع من عرف مواقع الصفة بلغ قرار المعرفة انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها فافهم ما ذكرته لك فانه فوق معرفة الخواص و انما هو حظ الخصيص الغواص و لا اشكال في معرفة ذلك اذ ليس لمسلم عنه مناص و انما الاشكال في العمل بمقتضاه و الدوام عليه بالاخلاص و في ذلك تفاضل الخصيصون و بلغوا مبلغ الخلاص نسأل الله العون و الحفظ عن المعاصي و لا قوة الا بالله.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 154 *»

فصـل: هذه النفس المباركة لها مقامات و ليس جميع مقاماتها مقام التوحيد فادناها مقام المادة النوعية للشخص فانها اول اذكاره كوناً و هي مقام المفعول ثم مقام اسم الفاعل ثم مقام المصدر و تاكيد الفعل ثم مقام الفعل ثم مقام نفس الفعل و هي العلم الاول ثم مقام العنوانية و الائية و هي الاسمية و الوصفية ثم مقام المسمي و الموصوف ثم مقام الذات المعراة عن الصفات ثم مقام العماء المطلق و ما لا عبارة عنه و لا اشارة و الانسان لايتمحض في معرفة النفس ما لم‏يكشف جميع ما يمكن التعبير عنه و الاشارة اليه و من هتكها و محاها بالكلية فقدفاز بمعرفة نفسه فقدفاز بمعرفة ربه و كان حقيقاً بان‏يلج عرصة الموحدين فمنهم من يعتريه هذا الكشف تارات فهي حالات و منهم من يتوطن في ذلك المقام قاطناً مهاجراً الي ربه فذلك الذي من عرفه فقدعرف الله و من جهله فقدجهل الله و لاتزعمن من مقالتنا هذه ان النفس احدي مراتبها الذات القديمة و انها كانت قديمة ازلية ثم تنزلت الي هذه المقامات كما تقوله الصوفية لعنهم الله بجميع لعناته فان القديم لايتغير و لايتبدل و لايصعد و لاينزل لا وجداناً و لا وجوداً و هذه النفس علي ما نقول تصل الي ذلك المقام وجداناً و الا فهي وجوداً حادثة متغيرة مقترنة بالحوادث.

فان قلت ان الوجدان ان كان مخالفاً للواقع فلايفيد علماً و لا عملاً اذ هو كذب و ان كان موافقاً للواقع فهو هو قلت ان الوجدان موافق للواقع و يفيد علماً و عملاً و ليس هو هو كما اعلمناك سابقاً الا تري انك ربما تلتفت الي قاف  في كلمة قال و لاتلتفت الي تقدمها علي الف و لا انها من كلمة قال و لا انها جيدة الكتابة او رديتها مع انها في الوجود مقدمة علي الف و هي من كلمة قال و جيدة او ردية فاذا نظرت اليها وحدها معراة عن هذه الاوصاف فقدوجدتها هي هي مع انها في الوجود الخارجي مقترنة بغيرها كما عرفت فالوجدان مطابق للواقع نظراً الي حقيقة قاف فان لكل شي‏ء مقامين مقام ذاته في ذاته حيث لايذكر فيها غيرها و مقام اقترانه بالغير فاي شي‏ء من الاشياء نظرت اليه من حيث ذاته وجدتها وحدها و غفلت عما سويها حيث هي في ذواتها هكذا بل انت دائماً هكذا فتجد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 155 *»

ذات ما تنظر اليه من ذات او صفة او فعل او اثر او اقتران او غيرها و يفيد لك علماً بالاشياء و عملاً لها مع انها في الوجود الخارجي مقرونة بحدود و مشخصات و اعراض لاتوجد بغير ذلك فللاشياء مقام اخر و هو النفس و الاية التي من الله فيها فاذا قطعت النظر عن خصوصية ذاتيتها في نفسها و لم‏تنظر اليها من حيث هي بل من حيث الرب وجدتها صفة تعريفه سبحانه عرف نفسه بها فتكشف السبحات الي ان‏تغيب عن الكاشف و الكشف و المكشوف و المكشوف عنه و تجد حيث لا انت وجوداً غنياً ثابتاً بلا نهاية و لا اجل و لا نعت مع انه في الخارج مقرون بحدوده و مشخصاته ولكن له مقام هكذا و هو غيره سبحانه علماً لانه مقرون بالحوادث و اما في الوجدان فانت غافل عن الغير بالكلية و لاتجد مخلوقاً و غفلتك عن مخلوقيته لاتخرجه عن المخلوقية كما انك اذا نظرت الي الماهية غافلاً عن الوجود او الي الوجود غافلاً عن الماهية لايلزم من ذلك ان الله سبحانه خلق شيئاً فرداً قائماً بذاته فان الله سبحانه لم‏يخلق حيثاً منه في الخارج الا مع الحيث الاخر و انت تنظر الي احدهما غافلاً عن الاخر و لا شك ان احدهما غير الاخر و ليس لك قلبان تتوجه بواحد الي شي‏ء و بواحد الي الاخر فبالنظر الواحد لاتجد الا الواحد فاذا نظرت الي الحقيقة في الشي‏ء و قطعت النظر عن جميع سبحاتها تجدها كما وصفنا فهي حينئذ اية الله سبحانه و اسمه و صفته التي عرف بها نفسه و هي من هذا الحيث هكذا مطابقة للواقع بلا شك و مع ذلك هي غيره سبحانه و تعرف غيريتها اذا نظرت الي اقترانها مع الحوادث و المضاف اليه حينئذ هو الحيث الاول فان هذا الحيث غير ذلك الحيث و انما ذلك لاجل انك لاتتجاوز ذلك و لايختلج في خلدك غيره و لو بالفرض و الاشارة فافهم راشداً موفقا.

فصـل: اذا قلت ان الوصف علي ما نعرف يكون حقاً اذا كان مطابقاً للموصوف و الا فيكون باطلاً كما انك لو وصفت الماء بانه سيال قلت حقاً و نطقت صدقاً و ان قلت انه جامد كذبت و قلت باطلاً و كذا اذا نقشت لنا صفته مطابقة لما هو عليه يكون صدقاً و الا فكذباً و هذا الوصف الذي تقولون ان الله سبحانه وصف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 156 *»

نفسه لعباده به هل هو صدق مطابق مع ذات الله سبحانه او مخالف فان كان مطابقاً يلزم منه انه سبحانه يمكن معرفته و يقترن بالحوادث و هو حادث و ان كان كذباً فما الفائدة فيه و هو اغراء بباطل قلت ان الوصف يطابق صفة الموصوف ابداً  و لاشك في ذلك كما ان شبحك في المرآة يطابق صبغ وجهك و هيئته و اما انه مطابق لمادة وجهك فلا كما ان شبح السرير في المرآة يطابق صورة السرير المتصلة به و اما انه يطابق الخشب فلا فالوصف المنفصل يطابق ابداً  الوصف المتصل و ذلك مستمر ما يستمر الاوصاف المتصلة و المنفصلة حتي اذا انتهي الي الوصف الاول الذي لا وصف فوقه و لا شي‏ء فوقه الا الذات الاحدية فلايعقل حينئذ مطابقة الوصف للذات فان الذات لا صفة لها غير الصفة الاولي حتي تطابقها كما انك لو اخذت مراة مقابلة وجهك و اخري مقابلتها و اخري مقابلة هذه و هكذا فكل لاحقة تطابق سابقتها و الذي في الاولي يطابق شبح وجهك و اما شبح وجهك المتصل بك لايطابق مادة وجهك من لحمه و عظمه و دمه فهي اي الصفة الاولي مطابقة لها اي لنفس تلك الصفة فهي حق و صدق مطابقة للواقع و لايعقل مطابقتها للذات الاحدية و ليس انها اذا لم‏تطابق تخالف فان الذات احدية ليس لغيرها ذكر فيها فلايطابقها شي‏ء و لايخالفها شي‏ء فالصفة الاولي مطابقة للموصوف بها و هو نفسها كما حققناه في محله كما قال اميرالمومنين7 في خطبته و الذات غير موصوفة بها و انت لاتطالبنا بمطابقة الصفة لغير الموصوف بل للموصوف و الصفة و الموصوف مقترنان و هما في الصفة الاولي متحدان فافهم.

و ان قلت فان كان و لا نسبة بينها و بين الذات حتي انها ليست بصفتها و لاتضاف اليها فكيف نعرف الذات بها و نقر بها و نوحدها و نعبدها و لاننال الا هذه الصفة و هي علي ما تقول منقطعة عن الله قلت ان الذي يقترن بشي‏ء و يرتبط بشي‏ء و يتصل بشي‏ء او ينفصل عنه حادث و نحن اذا عرفنا الذات هكذا  وحدناها منتهي ما نقدر عليه و عبدناها غاية ما امكننا و الذي يقول بغير ذلك فهو الذي يشرك به من حيث لايعلم و ذلك ان الله سبحانه وصف نفسه لنا بهذا القدس الذي تلوناه عليك بذاته الظاهرة فليس لنا ان‏نتجاوز وصفه لنفسه بالحق فقدسناه كما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 157 *»

عرفنا من نفسه ثم وصف لنا هذه الذات المقدسة بوصف لايرتبط بها و لايقترن و لايتصل و لايذكر فيها و عرفنا ان الذات اذا اتصفت هكذا تتصف فوصفناها هكذا و عرفناها هكذا و معني قولنا تتصف اي تتجلي بصفة بلا كيف و لا اشارة.

و ان قلت اذا كان الوصف لم‏يرتبط بها و هي لم‏ترتبط به فمن اين عرفتم ان هذا الوصف وصفه و تجليه و لم نسبتموه اليه  قلنا لانطوائه تحت احديته و فنائه لديها فبذلك قلنا انه تجليه سبحانه لكن بلا كيف و لا اشارة و لا ارتباط و لا اقتران و لا اتصال و لا انفصال فان جميع ذلك حالات مايصدر من مركب موصوف ذي‏شبح و هو تعالي شأنه ذات احدية و لايصدر شي‏ء من الذات الا هكذا فالصفة صفة موصوف اذا كشفت عنه السبحات وجدت الذات العرية عن الصفات الظاهرة فهي موصوفة بالصفة ولكن موصوفيتها في رتبة الصفة و قلت ذلك لان هذا الموصوف اذا هتك استاره و محي موهوماته و كشف سبحاته كان ذاتاً  ظاهرة عرف الله سبحانه بها نفسه و هي كما وصف به نفسه و اذا نظرت اليهما علماً وجدتهما مرتبطين مقترنين تصف الاعلي بالادني لاقترانهما فبالعلم المكتسب عن الوجود تضيف الصفة اليه و بالوجدان تنفيها فانك لن‏تجد مع الذات غيرها بوجه و ما تجد لم‏تصل اليها فالتعريف و التوصيف امر وجداني لا وجودي فان الله سبحانه يقول و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و يقول الرضا7 ان الله سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي اراد من الدلالة عليه و قالت الحكماء كل ممكن زوج تركيبي و حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما وماسوي الواجب الغني ممكن فقير فالخلق الممكن الفقير الحادث المركب في الواقع كيف يكون صفة لله سبحانه و احديته الظاهرة و ذاته الظاهرة و قدسه الباهر و غناه و وجوبه و ازله الباهرة فالخلق في الوجود صفة استدلال عليه لا صفة تكشف عنه دليله اياته و وجوده اثباته و اما في الوجدان فهو كما ذكرنا فعالم الوجود هو عالم التكوين و الكون الوجودي و عالم الوجدان هو عالم التشريع و الكون الشرعي و العالمان و ان كانا واحداً منظراً الا انهما اثنان مخبراً فعالم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 158 *»

التكوين عالم الهياكل و عالم التشريع عالم نور الهياكل فالوجدان روح الوجود و حقيقته و غايته و سره فما لم‏تلطف هوية الوجود و تصعد و تستكمل لم‏يتحقق منه الوجدان و لم‏يصل رتبة العيان و ان كان له عينان فالوجدان وجود متروح و الوجود وجدان متجسد و هما مقرونان يقوم احدهما بالاخر فظهور الوجدان بالوجود كما ان تحقق الوجود بالوجدان و الوجدان هو العلة الغائية كما قال خلقكم و الذين من قبلكم لعلكم تتقون و قال ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون فتحقق الوجود بالوجدان و قداطلنا التبيان لانها مسائل معضلة و مطالب مشكلة و قداشرنا الي حلها و الحمدلله.

فصـل: اعلم ان هذا التجلي نور متالق منبسط في جميع اصقاع الامكان و طوي باحديته جميع ذواتها و صفاتها و افعالها و اثارها و نسبته الي الكل علي نهج سواء و لا نسبة الا ان الهياكل الوجودية تختلف في حكايته بحسب صفائها و كدورتها و لطافة موادها و كثافتها اختلافاً لايحصي و كلياتها قدتجتمع تحت ثلاث فمنها ما غلظت و كثفت حتي حجبت ذلك النور و اخفت ذلك الظهور فبقيت مرتمسة في الظلمات مرتبكة في الكثرات فلاتري و لاتُري ذلك الظهور و لاتحس و لايحس منها ذلك النور و منها ما توسطت في الرقة و الغلظة و اللطافة و الكثافة فتري لمحاً و تخفي الحقيقة و تحس بشي‏ء مبهم و لاتحس منه الحقيقة علي حد قول الشاعر * علمت شيئاً و غابت عنك اشياء*  فهي كالعين المرمودة تحس بشبح مبهم من المواجه و لاتحس بمعانيه و منها ما استعلت و لطفت و صعدت فرقت و دعيت فاجابت و امرت فاطاعت و نهيت فانزجرت و حرضت فحرصت و قومت فاعتدلت و صفيت فاضمحلت و تلاشت حتي عدمت من حيث نفسها و وجدت بذلك النور و اخفت هويتها و ابدت ذلك الظهور فرأت و اراءت بحيث اذا نظر اليها الناظر لم‏ير منها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 159 *»

غير ذلك النور و ان بقي فيها باقية فلاظهار ذلك النور لا لنفسها فمثلها هو الذي به يعرف الله و به يوحد الله و به يعبد الله و به يوصف الله و به يتقرب الي الله فمن عرفه فقدعرف الله و من جهله فقدجهل الله و من احبه فقداحب الله و من ابغضه فقدابغض الله و من اطاعه فقداطاع الله و من عصاه فقدعصي الله و من اقبل اليه فقداقبل الي الله و من ادبر عنه فقدادبر عن الله و من توجه اليه فقدتوجه الي الله و من تولي عنه فقدتولي عن الله و هكذا يضاف الي الله كلما يضاف اليه لانه جهة اضافته سبحانه و هو المضاف اليه في كل حال والله سبحانه الازل لايضاف اليه شي‏ء كما هو محقق في علمنا و لا سبيل للممكن غير ذلك فمن اراد الله بدء به و من وحده قبل عنه و من قصده توجه اليه و هكذا فهو الذي من ذاته يوحد في ذاته و من صفاته يوحد في صفاته و من افعاله يوحد في افعاله و من عبادته يوحد في عبادته من عرفه فامامه يقين و من جهله فامامه سجين و لايحسن اطلاق العنان في هذا الميدان و لايمكن الآن ابين مما بان فان للحيطان اذاناً و صلي‏الله علي محمد واله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

المقام الثاني

في  مقـام  المعانـي

و هو ثاني مقاماتهم صلوات‏الله عليهم بلحاظ و اول مقاماتهم بلحاظ و هو المشاراليه في الخبر بباطن الباطن و سر السر و سر علي سر و حق الحق و قدمر التصريح بهذا المقام في اخبار مرت و في دعاء شهر رجب عن الحجة7 اللهم اني اسالك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة امرك المامونون علي سرك الدعاء والمعاني جمع معني و هو الظاهر و هو مأخوذ من عنت الارض بالنبات اذا اظهرته و يقال للنبات معني الارض لظهوره منها و يقال للمقصود من اللفظ المعني لانه يظهر من اللفظ و الي ذلك يشير كلام علي بن الحسين7 و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم و كذا يقال لقيام زيد و قعوده و كلامه المعاني لانها ظواهر ذاته بها قدظهرت للناظرين و بها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 160 *»

امتازت حتي عرفوها فالمعاني ليست شيئاً الا بالذات و لا تذوت لها عندها لانها ظهورها قائمة بها نعم لها تذوت بالنسبة الي اعراضها الا تري ان حركة زيد معني من معانيه و ظهور من ظهوراته قائمة به قيام صدور عن امره و لها تذوت بالنسبة الي سرعتها و بطئها و استقامتها و استدارتها و هكذا و تلك الاعراض قائمة بها قيام المعني بالذات بالجملة كل اسم يعين الذات و تقصد به فهو اسم الذات و كل اسم يعين ظهورها و يقصد به صفة من صفاتها  فهو اسم المعني و هذا المقام هو مقام الدوات الاولي المشار اليها في قوله تعالي ن‌والقلم و مايسطرون و الماء الذي جعل منه كل شي‏ء حي و استوي عليه عرش مشيته سبحانه و العمق الاكبر الذي انزجر باسمه الاعظم الاعظم الاعظم و الكتاب الاول الذي كل شي‏ء مكتوب فيه بالصلوح و مفاتح الغيب لايعلمها الا هو و الارض الجرز التي انبت الله جميع الكائنات منها و الزيت الذي يكاد يضي‏ء و لو لم‏تمسسه نار و الرحمة التي وسعت كل شي‏ء و القوة التي قهرت كل شي‏ء و النور الذي اضاء له كل شي‏ء و العلم الذي احاط بكل شي‏ء و لايحيطون به الا بما شاء منه و السلطان الذي علا علي كل شي‏ء و العزة التي لايقوم لها شي‏ء و الحكم الذي انقاد له كل شي‏ء و النعمة التي عمت كل شي‏ء و الخير الذي من به علي كل شي‏ء و الامر الذي قام به كل شي‏ء و الجنب الذي لايضام من التجأ اليه و الذمام الذي لايطاول و الجوار الذي لايحاول و هكذا قال ابوجعفر7 اما المعاني فنحن معانيه و نحن جنبه و يده و لسانه و امره و حكمه و علمه و حقه اذا شئنا شاء الله و يريد الله ما نريده فنحن المثاني الذي اعطانا الله نبينا9 و نحن وجه الله الذي يتقلب في الارض بين اظهركم فمن عرفنا فامامه يقين و من جهلنا فامامه سجين و لو شئنا خرقنا الارض و صعدنا السماء و ان الينا اياب هذا الخلق ثم ان علينا حسابهم وفي حديث علي بن الحسين7 و اما المعاني فنحن معانيه و ظاهره فيكم اخترعنا من نور ذاته و فوض الينا امور عباده الحديث و في هذا المقام ايضاً فصول.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 161 *»

فصـل: اعلم ان القديم جل‏شأنه هو احد لايقبل التثنية و لا الشركة و لا التساوق و لا الاقتران و لا الارتباط و لا الانتساب كما ذكرناه مكرراً و جميع ما سواه كائناً ما كان و بالغاً ما بلغ خلقه كما قال الرضا7 حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فليكن ما سواه كلما كان و ليبلغ من الفضل ما يبلغ فهو خلقه سبحانه ان كل من في السموات و الارض الا اتي الرحمن عبداً  لقداحصيهم و عدهم عداً الا ان الخلق له مراتب فمنه ما هو مخلوق له سبحانه بغيره و منه ما هو مخلوق له سبحانه بنفسه و جميع ما سوي فعله و ايجاده سبحانه قائم بفعله و ايجاده بلا شك كما قال و من اياته ان تقوم السماء و الارض بامره و في الدعاء كل شي‏ء سواك قائم بامرك و قال الله سبحانه له الخلق و الامر و اما فعله و امره فلايصح ان‏يكون مخلوقاً بالغير لا من دونه فانه مخلوق به و لا من فوقه فانه لا شي‏ء فوقه و لايصح ارتباطه بالذات فهو مخلوق له سبحانه لكن بنفسه كما قال الصادق7 خلق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 162 *»

الله المشية بنفسها ثم خلق الاشياء بالمشية  فالامر ايضاً مخلوق الا انه مخلوق بنفسه و لايعقل ان‏يكون فوق الامر شي‏ء لانه ان كان قديماً تعددت القدماء و ان كان حادثاً كان يلزم ان‏يكون مخلوقاً بغير امره سبحانه و لا واسطة بين القديم و الحادث فكل شي‏ء سواه قائم بامره و امره قائم بنفسه فالامر اول مخلوق لله سبحانه لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع ولكن له مراتب في التزييل الفوادي و ان كان ابسط ما في الامكان و لايدرك المدارك المخلوقة به فيه تكثراً الا ان الذي يستنبط الفؤاد من اثاره يستدل به عليه من باب مطابقة الاثر لصفة موثره فاول مقاماته مقام الكينونة و الاحدية و الذات البريئة عن الحدود و الصفات و هذا المقام منه مقام البيان الذي به يعرف الله و به يوحد الله و به يعبد الله و قدمرت الاشارة اليه في المقام السابق و هو مقام نفس المشية التي بها تعرف ربها كما روي من عرف نفسه فقدعرف ربه و اليه يشير قوله7 خلق الله المشية بنفسها و نفسها هي نفس الله القائمة فيه بالسنن و انما اضيفت اليها لظهورها منها قال علي7 لاتحيط به الاوهام بل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها و قال7 تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر منها افعاله و لايقال لهذا المقام مخلوق في الوجدان و لايعتبر فيه المخلوقية علماً ايضاً و اليه الاشارة بقول علي7 في الخطبة الحمد لله مدهر الدهور و قاضي الامور و مالك نواصي حكم المقادير الذي كنا بكينونته قبل الخلق و التمكين و قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غيرمكونين موجودين ازليين منه بدئنا و اليه نعود لان الدهر فينا قسمت حدوده و لنا اخذت عهوده و الينا برزت شهوده الخطبة قال الله سبحانه و يحذركم الله نفسه ثم مقام الامرية و هو اول ظهور لتلك النفس و اول معني من معانيها و كل شي‏ء سويها قائم بها و ذلك هو مقام المعاني قال7 حق و خلق و الخلق هو معني الحق و ظهوره فالامر امر الحق و معناه و هو حكمه الذي انقاد له كل شي‏ء و رحمته التي وسعت كل شي‏ء و قدرته التي قهرت كل شي‏ء و وجهه الذي اضاء بنوره كل شي‏ء و جلاله و عظمته و كبريائه و اكرامه و رحمته و نعمته و رافته و غير ذلك من معانيه سبحانه و لا نهاية لها و لا غاية و الذي يختص بهذا المقام منها ما يعم كل شي‏ء و لايشذ من تحتها شاذ و تلك هي المعاني العليا له سبحانه فهذه المعاني هي حقيقة واحدة و امر واحد و يسمي باسماء مختلفة بحسب متعلقاته و الا فهو نور واحد بسيط ابسط الاشياء بعد الاحد جل‏شأنه و ليس فيه جهات و لا شــٔون و لا حيوث و لا اعتبارات و لا فروض فان جميعها خلقت به و لايجري عليه ما هو اجراه و لايعود فيه ما هو ابداه قال الله سبحانه و ما امرنا الا واحدة فذلك الامر البسيط الواحد هو جميع معاني الله سبحانه ولكن تختلف جهات ظهوراته في مرايا القوابل الامكانية و يسمي باسماء مختلفة علي حسب انصباغ ظهوره في تلك المرايا و هذا المقام اول مقامات المخلوق لانه مخلوق بنفسه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 163 *»

فصـل: ان هذا المقام مقام الواحدية لله سبحانه و له اقل مراتب الكثرة و هو الثلثة فله جهة الي ربه و جهة الي نفسه و الجهة الثالثة الوحدانية الحاصلة بالجهتين القائمة بهما قياماً ركنياً ولكن كل واحدة من هذه الجهات غيرمتناهية فهي متداخلة متمازجة متحدة لايعقل انفكاك احديها عن الاخري و لايمكن التوجه الي احديها بدون الاخري فان الكل هو المركب الاول و لو انفك بعض اجزائه عن الاخر لكان بسيطاً و ان الله سبحانه لم‏يخلق خلقاً بسيطاً فلم‏يخلق اجزاءه متفككة لا في الخارج و لا في الذهن و البسيط القائم ببساطته هو الله سبحانه و هو لايتركب مع غيره فالمركب الاول يجب ان لايكون له اول تكوين يسبقه اجزاؤه و بسايطه و لايكون له اخر يتفكك اجزاؤه و تتفرق بل كان منذ خلقه الله سبحانه و يكون ما يبقيه الله و لايسبقه وقت لانه مخلوق به و لايعقبه وقت لانه قائم به و ليس له وقت اذ لايجري عليه ما هو اجراه فهو ازلي ابدي باق بابقاء الله سبحانه اياه بنفسه و هو قوله سبحانه ما عندكم ينفد و ما عند الله باق و قوله و ما عند الله خير و ابقي فالمركب الاول لا بدء له و لا زوال و لا تحول و لا انتقال و لاجل ذلك سماه علي7 بالازلية الاولية في حديثه انا صاحب الازلية الاولية و بالقديم حيث قال في الخطبة استخلصه في القدم علي ساير الامم و في الزيارة الاصل القديم و الفرع الكريم فهو الملك القديم لله سبحانه باق بابقاء الله سبحانه اياه به بلا نهاية و هذا الواحد القديم اية تعريفه سبحانه و تعرفه به عرف نفسه و به تجلي له و لغيره و المقام الاول هو مقام ذي‏الاية و لايطلق عليه الاية و هيهنا موضع جميع معاني اسماء الله و صفاته و هو مقام الولاية المطلقة للعالي و الخلافة له و هو المشاراليه بقوله اني جاعل في الارض اي ارض القوابل خليفة و هو الذي اقامه العالي مقامه اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و هو صاحب اللواء و الرحمة و الآ‌لاء و هو الاسم الجامع الذي يحوي كل كمال اي اسم الله الرضي و وجهه المضي‏ء و لا فرق بين الواحد و الاحد الا الواو الدالة علي الحدود فهو واحد اذا وصف و احد اذا عرف و هو اسم الله سبحانه اذا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 164 *»

قصد به الذات اي المقام الاول و رؤيت منه و صفة الله اذا قصد به المثال الملقي فيه من العالي المقترن به و معاني الله اذا قصد به نفس الظهور و الثلثة تجتمع في ذلك المقام فان الربوبية فيه لاتثني و العبودية لاتمني و كلتاهما غيرمتناهيتين فيمكن ملاحظة الكل منه فافهم و هذا الواحد معني واحد لا غاية له و لا نهاية ليس فيه تعين و لا خصوصية و التعين الذي فيه هو نفي التعين فلايطلق علي نفسه من حيث نفسه اسماء و صفات و معان عديدة و انما تطلق الاسماء علي ظهوراته في القوابل في اوقاتها و امكنتها و مراتبها و علي امثلتها الملقاة في هويات الاشياء و اطلاق الاسماء عليه نفسه مع كثرتها حظ الخصيصين لايعرفه غيرهم و الجادة المسلوكة ما ذكرناه و يسمي ذلك بالحمل الاشراقي و انما ذلك لاجل ان مادة الداني من نور العالي و صورته من هيئة نوره و هو بمادته و صورته ليس بشي‏ء الا اذا لوحظ العالي فيه فان قطع النظر عن العالي يفني و يعدم كما تري من شبحك في المراة فانه شبح مادام هو لونك و هيئتك و انت مرئي ملحوظ منه فان قطع انتسابه اليك و كونه ظهورك عدم فالنور نور ما يري منه و فيه المنير و الا فهو ظلمة فالعالي قدطوي الداني بظهوره و الداني مقام من مقامات العالي فمايضاف الي الداني يضاف اليه و هذه هي الاضافة الاشراقية فعلي ذلك يطلق ساير المعاني و الاسماء و الصفات علي ذلك الواحد قال علي7 انا المعني الذي لايقع عليه اسم و لا شبه مع انه نسب الي نفسه جميع الاسماء و الصفات كما كان يقول انا ادم و انا نوح و انا ابرهيم و انا موسي و انا عيسي و انا محمد انتقل في الصور كيف اشاء من راني فقدراهم و لو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس الي ان قال انا نظهر في كل زمان و وقت و اوان في اي صورة شئنا باذن الله الخبر واعلم ان الاصل في الاستعمال الحقيقة و انما يصار الي المجاز الاقرب اذا تعذرت الحقيقة اما اهل الظاهر فقدحزن عليهم المسلك حتي اخذوا بالمجاز و اقربه ما ذكرنا حقيقة و اما الخصيصون فلايعييهم الاخذ بالحقيقة فيحملون الكلام عليها من غير لزوم تناف و لما كان بناء كتابنا علي التحقيق بقدر الامكان فلنشر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 165 *»

اليه اشارة.

اعلم ان هذا المعني الاعظم هو الوجود المطلق و محله الامكان الراجح و هما غيرمتناهيين لا في نفسهما و لا بالوجودات المقيدة و لا بالامكان الجايز يعني لا شي‏ء ابداً غير الوجود الراجح حين اذ هو و لا شي‏ء غير الوجودات الجايزة حين اذ هي كما انك اذا نظرت الي الاجسام المقيدة من حيث الجسم المطلق لم‏تر الا الجسم المطلق ابداً ابداً و اذا نظرت اليها من حيث هي لم‏تر الا اياها و كذلك اذا نظرت الي الوجود المطلق لم‏تر الا اياه و ليس شي‏ء في الحقيقة سواه و كلما يكون فهو مما به الوجود وجود فلا شي‏ء سوي الوجود و هو مطلق لانه قدانحل فيه القيود و ما قيد بها فلا مقيد فهو مطلق فلا شي‏ء سوي ذلك المعني و ذلك الظهور

ما في الديار سواه لابس مغفر و هو الحمي و الحي و الفلوات

قال الحسين7 في دعاء عرفة ا يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتي يكون هو المظهر لك متي غبت حتي تحتاج الي دليل يدل عليك و متي بعدت حتي تكون الاثار هي التي توصلني اليك عميت عين لاتراك و لاتزال عليها رقيباً الدعاء و في الدعاء لايري فيه نور الا نورك و لايسمع فيه صوت الا صوتك و عن علي7 مارايت شيئاً الا و رايت الله قبله او معه.

بالجملة لا شي‏ء سوي ذلك المعني اي ذلك الظهور الواحدي حين اذ هو فلاظاهر الا هو و لا شي‏ء سواه حتي يظهر فطوي كل موضوع و محمول و نسبة تحت وحدته فاذا نظرت الي كل اثر من حيث ذلك المعني لاسيما اذا كان ممن لايحجبه في التشريع و كان لطيفاً شفافاً كاشفاً عما وراءه رايت منه ذلك المعني فتنسب اليه جميع ما فيه و منه و له و به و اليه نسبة حقيقية لا مجاز فيها ارايت لو رايت شجراً و قلت رايت جسماً كذبت او قلعته و قلت قلعت جسماً او دنوت منه و قلت دنوت من جسم لم‏تكذب في شي‏ء من ذلك و ان كان يصدق عليك اضداد ذلك ايضاً و لايلزم من صدق شي‏ء هنا كذب ضده اذ كان الضدان تحت امر واحد و ذلك باب من العلم لو فتحه الله عليك انفتح عليك ابواب فاتقنه ان خلقت له و ليس ينبغي فوق ذلك بيان اذ للحيطان اذان.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 166 *»

بالجملة فعلي ذلك قلنا ان ذلك المقام مقام علمه الواسع و قدرته المستطيلة و مشيته النافذة و رحمته الواسعة و سلطانه العالي و ملكه الباقي و ولايته الجامعة و يده العلية و جنبه الذي لايضام و وجهه الذي لايهلك و نوره الذي لاينقطع و امره الذي لايخترم و حكمه الذي لايرد و قوله الذي لاينقض و حجته التي لاتدحض و هكذا و كل ذلك مقام محمد و ال محمد: و بذلك وردت اخبار لاتحصي و اثار لاتستقصي و نطقت به بواطن ايات الكتاب بمعونة فصل الخطاب اي اخبار الائمة الاطياب سلام‏الله عليهم و في الحقيقة هو اليوم محل اجماع الشيعة مجملاً و ان كانوا لايحيطون بتفاصيله فانهم مجمعون علي انهم اشرف خلق الله و ماسوي الله خلق الله ثم يعرف المتدرب ان هذه المعاني غير الله فهي خلق الله و هم اشرف خلق الله و لا خلق اشرف من هذه المعاني فهم هذه المعاني صلوات‏الله و سلامه عليهم كما هو اهله.

فصـل: اعلم انه لما كان كل اثر يشابه صفة موثره و يحكيها لما عبر له الموثر عن نفسه و عن العالي و عرفه منهما وجب ان‏يكون في ساير الخلق ايضاً بيان و معان اي مقام ذات و مقام معني و هو كذلك لان كل شي‏ء عند العالي القريب منه مخلوق بنفسه لا واسطة بينهما فهو له عند العالي مقام نفس بها يخلق هو من حيث انه مخلوق له و مقام امرية و آئية للعالي و كونه ظهوراً له و صفة في هذه الرتبة فمقام نفسه مقام بيان قدعرفه العالي من اعلي منه علي ما فيه و مقام كونه تجلياً للعالي و ظهوراً له مقام معان و ظواهر للعالي الا ان هذين يختلفان في الاشياء علي حسب سعة حدود قابليتها و ضيقها و لطافتها و كثافتها و عمومها و خصوصها و قربها و بعدها و صفائها و كدورتها و تقدمها و تاخرها و في كل حال بيانه البيان الاسفل و معانيه المعاني السفلي.

و هنا كلام احب الاشارة اليه فلعله يقف عليه من كان من اهله و هو ان الشيئين ان كانا علي نسبة الجوهر و العرض و الذات و الصفة فلا اشكال فيهما فان جميع ما للداني شعاع و ظل للعالي قائم به قيام صدور و ليس للداني مشعر من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 167 *»

جنس العالي فلايكلف بما للعالي و انما هو مكلف بما اتاه الله و عرفه من العالي بالعالي و هو قوله سبحانه معاذ الله ان‏ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده و المتاع ما كان من جنس العالي فمن كان له متاع اي مشعر من جنس العالي يؤخذ به و يكلف بما كلف به العالي و الا فـلايكلف الله نفساً الا ما اتاها اي عرفها و هذا لا اشكال فيه و انما الاشكال في الشيئين المتصاقعين اذا كان احدهما اعلي من الاخر فنقول لا شك ان الشيئين اذا كان احدهما الطف و اصفي و ارق و اوسع من الاخر كان الاكمل اقرب الي المبدء من الاخر لا شك في ذلك فما ظهر فيه من البيان و من المعاني اكمل و اشرف و اعلي البتة و لربما كانا في العالي برقة هويته و غلبتهما منشأ اثار لايطيقها الداني و لاتصدر منه فهل الداني جميع ما له من العالي المبدء كالاقرب و نسبتهما اليه علي حد سواء او جميع ما له من الاقرب و انما الامداد كلها تصل الي ذلك الاقرب ثم ذلك الاقرب يمد الابعد بفواضل امداده اقول لا شك و لا ريب في ان الاقرب و الابعد ليس بينهما نسبة الجوهر و العرض و الذات و الصفة و الاثرية و الموثرية فليسا واقعين في الطول و هما بالنسبة الي الذات العليا ايضاً علي السواء فان الرحمن علي العرش استوي و ليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء اخر فالعالي نسبته اليهما علي حد سواء نعم بينهما في انفسهما ترتب فان احدهما احكي للعالي من حيث الظهور و احدهما استر له و قلنا من حيث الظهور فانهما في حكاية ذات العالي و الدلالة عليها علي حد سواء فالمثال الذي للعالي في هوية الاداني يختلف ظهوره بحسب اختلاف هويات الاداني فالاقرب يحكي ذلك المثال و هو العالي الظاهر و الابعد لايحكيه او يحكيه اقل و يمكن تصفية الداني الابعد حتي يصير كالاقرب في الحكاية و يمكن ان‏يتكثف الاقرب حتي يستر المثال كالابعد فليس بينهما ترتب الاثرية و الموثرية لامكان الاستحالة و لكل واحد ما لكل واحد و يختلف في القوة و الفعلية فلاجل ما ذكرنا من ان كل شي‏ء عند العالي القريب مخلوق بنفسه هذه الاداني ايضاً مخلوقة بنفسها عند العالي اذا نسبت الكل الي العالي فللكل من حيث الاطلاق حيث نفس و هو بيانه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 168 *»

و حيث امر و هو معانيه و حيث مأمورية و هو حيث نفسه فلما تفصلت الاداني و ظهرت بالتكثر و اختلاف الهويات اختلفت افرادها في حكاية تلك المراتب فمنها ما حكت حيث النفس لشدة رقتها و لطافتها و صار فيها بالفعل و صار باقي الجهات و الحيوث فيها بالقوة يعني يصلح ان‏تتنزل فتستر ذلك الحيث فظهرت بالنفس و سميت بها و منها ما حكت حيث الامر لتوسط رقتها و واحديتها النسبية و صار النفس و المامورية فيها بالقوة فتصلح للترقي ان وفقت و للتنزل ان خذلت و منها ما حكي حيث المامورية لغلظة انيته و صار البواقي فيه بالقوة و يصلح ان وفق للترقي ولكن النقص و الكمال من الامور الفعلية و المدح و الذم و الثواب و العقاب و القرب و البعد و الحسن و القبح منوطة بها و لا عبرة بما بالقوة ابداً ابداً فلاجل ذلك تري في عالم الاجسام مع تساوي نسبتها الي الجسم المطلق منها عرش يصدر منه اثار عرشية و منها كرسي و منها افلاك و منها عناصر و رزقكم في السماء و ما توعدون و جميع الافاعيل الجارية في الارض من التمكينات و التكميلات بواسطة الافلاك نعم لاتوجد الافلاك عنصراً لا من شي‏ء ولكن جميع الحوادث التكميلية في الابعد بواسطة الاقرب فهو يصح و يمرض و يعلي و يسفل و يعطي و يمنع و يعمر و يخرب و يؤلف و يفرق و يعز و يذل و يفعل و يفعل و هكذا جميع التغيرات الوصفية تجري في الداني بواسطة العالي اي في الابعد بواسطة الاقرب فانه النفس العرضية و الامر العرضي اي الوصفي فيفعل الافعال الوصفية في الابعد اي المامور العرضي اي الوصفي فالاقرب نفس تشريعي او امر تشريعي و الابعد مامور تشريعي و ذلك معني قوله تعالي في التاويل او باطن التاويل و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع الاية فالاقرب مفزع وصفي كما ان العالي مفزع ذاتي كوني فهذه الاعالي اي الاقارب هي اعال نازلة في صقع الاداني و قائمون مقامهم في عوالمهم في الاداء بشر مثلهم يوحي اليهم و ياتي تفصيله في الباب الرابع و انما الكلام في البيان و المعاني الاسفلين و هما غير الامامة كما يأتيك فلا طريق للابعد الي ذلك المثال الذي يحكيه الاقرب من النفس و الامر الا الاقرب فانه فيه بالقوة فهو معدوم و كذا في من هو مثله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 169 *»

فانحصر الامر في الاقرب الذي هو فيه ظاهر و هو مأمور بالتقرب اليه و التداني منه فلا طريق له اليه الا بالاقرب اذ لولا نفس الاقرب كان في ممكن الخفاء بالكلية و لاتناله الايدي و لاتدركه الاعين و انما ظهر في الاقرب و اشتعل في زيته حتي رايناه فمن اين يصطلي النار الا من مظهرها لايكلف الله نفسا الا ما اتيها ثم هل ذلك في الارض و السماء و السماء و العرش او يجري في الهواء و النار بل في اجزاء الهواء ايضاً و لايكاد يخفي مما ذكرنا حقيقة المسئلة فيه و نزيد ذلك ايضاحاً ان الاداني ان كانوا بحيث ان احدهم اقرب الي المبدء من جهة و الاخر من جهة لايصح الاستفادة الجامعة للابعد من الاقرب لانه كما ان الابعد محتاج الي الاقرب في شي‏ء كذلك الاقرب محتاج الي الابعد في شي‏ء نعم يصح الاستفادة في جهة الفعلية حسب و له حقه بقدره و ليس احدهما الجامع لجميع جهات الافادة و ان كان احدهما في كل جهة محتاجاً الي الاخر و الاخر غنياً من كل جهة كالسماء و الارض مثلاً فهنالك يقع الاستفادة الجامعة بينهما و الافادة الجامعة.

و اعلم ان الاعراض الدنياوية للابدان الدنياوية و اجسامها و ليس ذلك محل عناية الحكيم و لا عبرة به فبالافادات الجسمانية لايعزل العالي من علوه و لا الاقرب من دار قربه و انما المناط النفوس و مايخصها و ما يظهر منها و حاجتها و غناؤها فلايستفزنك الذين لايعقلون و لكل منا مقام معلوم و لكل حق موسوم و لاتغلوا في دينكم و لاتقولوا علي الله الا الحق و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين و الحمد لله رب العالمين.

فصـل: ان الادنيين المتحاوجين اذا كان احدهما اوضح حكاية او اكثر رواية عن العالي من الاخر فكما مر في الفصل السابق لايصح الاستفادة الجامعة منه لانه ليس بجامع و قيمة كل امرء ما يحسنه و مطلب كل دان هو العالي فاينما يجده بجمعه و كله يستفيد منه بجمعه و كله و اينما يجده ببعضه يستفيد منه ببعضه و لايمكن الاستفادة الجامعة عن مظهر البعض و لو بكشف السبحات و الا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 170 *»

لصلح كل دان لذلك و هنالك ينقلب التشريع الي التكوين و نحن قدبينا ان المنير هو الدهن المستضي‏ء المشتعل بالنار لا النار المتعلقة بالدخان و لو كان المنير النار المتعلقة بالدخان لكنت بكشف الدخان تجدها ولكن الامر ليس كذلك و المنير هو الدخان المشتعل و بكشف السبحات لاتتجاوز اعلي اذكار الدخان و لاياتي منه فوق ما هو عليه فالجزئي الشرعي بكشف السبحات لايتجاوز الجزئية و لاياتي منه الا الجزئية و لولا ذلك لصارت الرءوس اسفل و الارجل اعلي و انقلبت الامور و لم‏يعرف الساجد من المسجود و العابد من المعبود و الصغير من الكبير و تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً.

و اعلم ان للاشياء ثلث مراتب كما نبه الله سبحانه عليه في كتابه السابقون و اصحاب اليمين و اصحاب الشمال اما السابقون فاولئك المقربون اي الذين هم اقرب الي المبدء و احكي له و اشبه به و اما اصحاب اليمين فاولئك اصحاب النفوس القدسية اهل التسليم فيعبدون الرحمن و يكتسبون الجنان و اما اصحاب الشمال فاولئك اصحاب النفوس الامارة في سموم و حميم فالمقربون و ان عرفناهم بانهم من هم اقرب الي المبدء منك ولكن معرفة الاقرب و المراد منه لايخلو من اشكال فنقول ليس المراد بالاقرب و السابق الاكثر اجتهاداً او الاكثر اكتساباً و علماً او الاورع او الاتقي او الاعدل و امثال ذلك و ان كان لهولاء كرامة و اكرمكم عند الله اتقيكم فان ذلك حدود مميزة للافراد المتماثلة و لابد في كل متعدد ان‏يكون لهم حدود مميزة و لابد للحدود من الاختلاف و ليس نسبة شيئين الي شي‏ء واحد علي السواء فلابد و ان‏يكون احدهما اشبه بالمبدء الواحد و ذلك لايفيد سبقاً كلياً فان هذا الفرد اشبه الي المبدء من جهة و الاخر اشبه من جهة اخري فيتعادلان فلاتغتر بمحض الشباهة في امر بل السابق من يتقدم علي اللاحق برتبة كأن‏يكون احدهما من عالم الاجسام و الاخر من عالم المثال و كذا احدهما من عالم الطبايع مثلاً و الاخر من عالم النفوس و هكذا فان الجسم بكله متنزل عن المثال لايعادله في شي‏ء من حدوده و المثال اقرب الي المبدء بمادته و بجميع حدوده لايتحمل مادة الجسم حدود المثال و لا مادة المثال حدود الجسم كما حققناه في محله من الفلسفة و غيرها فالمثال سابق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 171 *»

علي الجسم و مقرب و اقرب الي المبدء منه و كذا العرش و الكرسي مثلاً و اما البروج مثلاً فحدودها حدود مميزة يمكن عود كل واحد الي الاخر و استحالته اليه و ليس السابق من يلحقه المسبوق و يتجاوزه و انما السابق سابق دائماً و هو اسرع سيراً من اللاحق دائماً فلايلحقه اللاحق و المتسارعون متصاقعون كما قال علي7 و ليسبقن سابقون كانوا قصروا و ليقصرن سبّاقون كانوا سبقوا و هو قوله7 ايضاً و لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة و لتساطن سوط القدر حتي يصير اعلاكم اسفلكم و اسفلكم اعلاكم و اما الجسم فلايصير مثالاً ابداً و المثال لايستحيل مادة ابداً و الحدود التي تحتملها المادة لايحتملها المثال ابداً و الحدود التي يحتملها المثال لايحتملها الجسم ابداً و كذا لايتحمل الكرسي حدود العرش مادامت مادته بتلك الكثافة و الغلظة و لايصل الي العرش و العرش بكله و جمعه متقدم علي الكرسي و ليس شي‏ء من حدود الكرسي اشرف و لا افضل و لا اكمل من حدود العرش فمادام العرش عرشاً بالفعل و الكرسي كرسياً بالفعل يكون العرش اسبق من الكرسي فذلك هو السابق المصور بالسبق بكله و بجمعه و ذلك هو المتحمل لعلم لايتحمله من دونه قال7 لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفره او لقتله فالمثال هو الواسطة بين المبدء و الجسم لايصل الي الجسم مدد الا بواسطته فاذا نزل المدد الي المثال اخذ لنفسه لبابه و انزل القشور الي عالم الاجسام مدد مادته من قشور مدد مادته و مدد صورته من قشور مدد صورته و كذلك العرش و الكرسي فان مادة الكرسي من قشور مادة العرش و صورته من قشور صورة العرش ماداما علي ما هما عليه و لذلك‏تري ان العرش يقهر الكرسي بما فيه و جميع ما في الكرسي من العلوم ينزل من العرش و نور الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش و اما اصحاب اليمين فهم اخوة متصاقعون متسارعون فمنهم مثلاً اتقي و منهم اعلم و منهم ازكي و منهم اوفي و منهم اعمل و منهم افضل و هكذا فلا عبرة بهذه الحدود و المميزات فان ذلك اسباب التعارف و لاجل انهم مدنيون يحتاجون الي فعليات كثيرة و لاتتاتي من واحد فكل واحد منهم قدصيغ

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 172 *»

علي فعلية حتي يتالف المدينة فتعالي العزيز الحكيم و ياتي ان شاءالله تمام الكلام في محله و لا قوة الا بالله.

المقام الثالث

فــي الابـــواب

و هو المقام الثالث من مقامات محمد و ال‏محمد: و قداشير اليه في اخبار كثيرة منها ما تقدم من حديث علي بن الحسين8 و قدمر و منها حديث علي7 ان الله تعالي لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا ابوابه و صراطه و سبيله و الوجه الذي يؤتي منه فمن عدل عن ولايتنا او فضل علينا غيرنا فانهم عن الصراط لناكبون الخبر و غير ذلك كثير في كتب الاخبار و هذا مقام باطن الظاهر و سر لايفيده الا سر و الوساطة العامة و السفارة الشاملة و مقام الترجمان و مقام البرزخية الكبري فينزل ما ينزل من الله سبحانه الي خلقه بواسطته بعد ان نزل اليه بمقتضي الربوبية فيغيره هذه الواسطة و تجعله مناسباً للعبودية فتؤديه اليهم و يصعد ما يصعد من العباد من الاعمال الصالحة و الكلمات الطيبة و الدعوات اليها فتغيرها و تجعلها قابلة للصعود الي عرصة الربوبية و العرض عليها و لولا ذلك الباب لم‏ينتفع احد من الخلق من العالي جل‏علاه و لم‏يتنبه بمراده و لم‏يتفهم امره و نهيه في الشرايع الكونية و الاكوان الشرعية فلم‏يلبس احد حلة الوجود و لم‏يتميز احد في عرصة الشهود و لابد من ان‏نشرح هذا المقام لتذكر الاعلام و لا قوة الا بالله ففي هذا المقام ايضاً فصول.

فصـل: اعلم ان الله جل‏شأنه بعد ما خلق المشية بنفسها خلقها كاملة يعني انيتها فانية مضمحلة في جنب مثال الله الملقي في هويتها بحيث لم‏يبق لها اثر و لا مقتضي و انما تمام الاثر و كمال المقتضي لذلك المثال و ليس منها شي‏ء الا محض امساك المثال للمثال حتي يظهر لانها لم‏تكن لنفسها و انما كانت بكلها لذلك المثال فلاجل ذلك لم‏تمنع نفوذ احدية ذلك المثال و انبساطه في جميع الامكنة الامكانية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 173 *»

و طيه لما سواه فلما كانت كذلك انبسط منها نور و شعاع و اثر فاول ما صدر منها من الشعاع هو المخلوق الاول بالمشية و اول موجود بها و هو قديعبر عنه بالعقل اذا اعتبر انه اشبه شي‏ء بمشية الله فهو اعمل شي‏ء بمحبة الله فهو اعبد شي‏ء لله سبحانه و يعقل علي العبودية كل شي‏ء دونه غلب عليه و قديعبر عنه بالروح لان به حيوة كل شي‏ء كوناً و شرعاً و اليه الاشارة بقوله سبحانه و جعلنا من الماء كل شي‏ء حي و قديعبر عنه بالقلم لانه اول سبب اخذه الله بيده و به سطر ما سواه في لوح القوابل و النفوس و قديعبر عنه بالماء لانه مادة جميع الكاينات و نطفتها و مبداها و هو اطوع جزء من اجزاء المفعول و جعل ماء ليطاوع امر الفاعل الي ان‏يبلغ به غاية تدبيره و تقديره و هو نور محمد9 لانه اول ما خلق الله سبحانه بالاجماع و الكتاب و السنة و هو السراج المنير الذي اسرج في بيت الامكان كما قال سبحانه انا ارسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً الي الله باذنه و سراجاً منيراً و هو الشمس المنيرة لما لوح الله سبحانه به و جعلنا الشمس سراجاً وهو اول شجرة نبتت في ارض جرز الامكان لانه القلم الذي به كتب ماسواه و هو اول باكورة اكل منها روح القدس كما يشير اليه حديث العسكري7 ان روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدايقنا الباكورة و لما كان هذا الجوهر النفيس اول صادر من امر الله و اقرب اثر اليه و اشبه الاشياء به و انسب الاشياء اليه و احكي الاشياء عنه و ادل الاشياء عليه وجب ان‏يكون ظهوره و ايته و دليله في عالم الوجود المقيد و خليفته و القائم مقامه و وجهه و لسانه و يده و بابه و كعبته و قبلته و يكون هو الامر الثاني اي الامر المفعولي من حيث الاعلي و الحكاية و الخلافة للعالي و لايكون بينه و بين الامر فرق الا ان هذا من الوجود المقيد و ذلك من الوجود المطلق و الفرق بينهما كالفرق بين ضَرَبَ الفعلي و الضرب المصدري التاكيدي من حيث التاكيد الا تري انه بشكله و يعمل عمله و يظهر عنه اثاره لما القي فيه من مثاله لا فرق بينه و بينه الا ان الضرب مفعول له صادر عنه فالضرب في عالم الاسماء اي المفاعيل من حيث الائية و التاكيدية خليفة ضرب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 174 *»

و القائم مقامه و هو تاكيده و معناه الظاهر في عالم الاسماء و الصفات و قدظهر بالاسمية ليعرفوه بها و هو اول ما خلق من ضرب ثم جميع الاسماء من تنزلاته و فعلياته فالعقل عقل محمد9 من حيث الائية لمشيته سبحانه و هو الامر الثاني و المشية الثانية فهو مشية ثانية بمادته النوعية و ارادة ثانية بصورته النوعية و قدر بمادته الشخصية و قضاء بصورته الشخصية و امضاء بتمام علله و تبين اسبابه و هو الاختراع الثاني لظهور المواد منه و الابداع الثاني لظهور الصور عنه و كما ان الامر الاول كان صلوح احداث كل شي‏ء و احداث كل شي‏ء في قوته و لما يخرج الي الفعلية هذا الامر ايضاً فيه صلوح الظهور بجميع الكاينات و كلها فيه بالقوة و هذا معني ان صورة جميع الاشياء في العرش فهي فيه بالقوة و الاندماج و ساير الكاينات جميعاً تنزلاته و ظهوراته و فعلياته و اشعته و انواره.

فصـل: اعلم ان الواجب هو الاحد جل‏شأنه و جميع ماسواه ممكن و الامكان له مقامان مقام اطلاق و مقام تقييد و ذلك انك اذا لاحظت الجميع يعني من الذوات و الصفات و الاعراض و الاشباح و جميع ما دخل عرصة الوجود بنظر واحدي تجدها جميعاً تجتمع تحت معني واحد من الامكان و عدم الاستقلال و الحدوث و تنحل و تذوب في ذلك البحر بحيث لاتجد لها تمايزاً فيه كما ينحل و يذوب جميع الاجسام من السموات و الارض في الجسم المطلق فلايبقي لها فصول و مشخصات تميز بعضها عن بعض و لو وجدتها متميزة فلم‏تكسرها و لم‏تحلها و لم‏تبلغ ذلك المقام و ذلك مما لاينكر في جميع الاشخاص المجتمعة تحت نوعها و الانواع المجتمعة تحت جنسها و هكذا فذلك المطلق الذي يعم الجميع و يعطي الكل اسمه و حده فذلك هو الامكان المطلق الراجح غيرالمقيد بشي‏ء دون نفسه و هو الوجود الراجح و هو الامر و المشية و له مادة محققة و صورة مقومة بما يكون هو هو و لما كان الظهور تمام البطون و الفعل تمام القوة و القادر الكامل لا انتظار له ظهر بما في قوته مما يكون الكمال فعليته بحيث لم‏يغادر صغيرة و لا كبيرة من الكمالات التي لا نهاية لها الا و قدتجلي بها و ظهر و عمر الديار و اظهر بها الجبار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 175 *»

و ما تجلي به هو كمالاته و فعلياته و اشعته و انواره و لاتجامعه في وقت و لا مكان و لا مادة و لا صورة و انما هي صفة محدثة له لا من شي‏ء و لم‏يؤخذ لها مادة من الامكان الراجح و لا صورة و انما مادتها صفة مادته و صورتها صفة صورته و لولا ذلك لم‏يعط الكل اسمه و حده و لكان مميزاً عنها بفصل و قائماً في صقعها غير محيط بها و اول ما تجلي به من تلك الكمالات هو الكلية و الجمعية و هي معني غير معني الاطلاق بل هي كما ذكرنا تاكيده وآيته و اول اثاره و خليفته و بابه و ظله و جنابه و هي بمنزلة العرش لعالم الاجسام لكن من حيث ائيته للجسم المطلق فانه من ذلك الحيث باب الاطلاق المفتوح في عالم التقييد و اما من حيث كونه فلكاً من الافلاك فهو بمنزلة قلب العالم و هو مقام الامامة فالابواب مقامها مقام المصدر من حيث التاكيد و القلب من حيث الائية للروح و اما الامامة فهي مقامها المصدر من حيث المفعولية و مبدء الاشتقاق للاسماء و القلب من حيث المركزية فالتجلي الاول للاطلاق هو العرش لعالم الجزئيات و هو كلي لانه بمنزلة القلب للعالم المختبر عن الغيب المنبَأ عنه المودي الي ساير الاجزاء التي هي بمنزلة الاعضاء له فان من شي‏ء في عالم الاجسام الا و علمه الشرعي الاجمالي الكلي عند العرش من حيث الاعلي لانه لم‏يصل الي جزء من الاجزاء مدد الا بواسطته و ادائه و اما من حيث نسبة الكل الي الجسم المطلق فليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء اخر و ليس شي‏ء عنده واسطة شي‏ء فظهوره بالفرش في ذلك النظر كظهوره بالعرش و هو قوله الرحمن علي العرش استوي و انما يكون العرش في الفصل واسطة في الوجودات التكميلية التشريعية لا التكوينية الوجودية كما ياتي و عبرنا عنه بما عبرنا للملاحظات المختلفة في جهاته و خواصه و اثاره و اقرب تمثيل له لافادة معني البابية التمثيل بالشعلة فلنمثل بها و نقول ان الحرارة و اليبوسة الجوهريتين الدهريتين هنا مثل و آية للاحد المتعالي عن رتبة الحوادث و له المثل الاعلي ولكن ذلك لتقريب البعيد و تيسير العسير و تلك الجوهرية قدتجلت في القابل الزماني و هو الجسم الرقيق و القت في هويته باستعداده و مواجهته مثالها فاظهرت عنه افعالها فظهرت بالحرارة و اليبوسة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 176 *»

الزمانيتين المحسوستين الملموستين و هذه الملموسة هي صفة الجوهرية الدهرية و فعلها و هذه هي اية للمشية الظاهرة في قابلية الامكان الراجح و لذلك عبر الله سبحانه عنها بالنار في قوله و لو لم‏تمسسه نار و نسمي هذه النار بالعرضية في مقابلة الجوهرية و لقيامها بها دون نفسها فالنار العرضية تقع علي الزيت فتبدد رطوباته و تشيط ناره و تكلس ارضه فيستحيل دخاناً و تشيط فيه النار فيشتعل و معني الاشتعال ان النار التي هي كانت جزءه تقوت و تغلظت و انصبغت بالدخان و تلطف الدخان و ترقق و تشاكل تلك النار الحائلة فاتحدا علي حذو ما قال الشاعر:

رق الزجاج و رقت الخمر فتشاكلا فتشابه الامر
فكانما خمر و لا قدح و كانما قدح و لا خمر

فان شئت سمه ناراً مغلظة او دخاناً ملطفاً مشتعلاً فهذه الشعلة صارت فينا خليفة النار الجوهرية و خليفة النار العرضية اللطيفة غيرالمرئية و صارت وجههما و بابهما و ظهورهما و سبيلهما بها تفيض النار جميع الاشعة و الانوار لاهل الدار و بها تنطق عن مرادها و هي ترجمان لها بلغة الاجسام المرئية و شارحة لمرادها و معبرة عنها و ناشرة لحمدها و ثنائها و واصفة لها و داعية اليها و دليل عليها و برهان لها و يد منها و وسيلة اليها و اية لها و ذمام منها و حصن و درع و ملاذ و ملجأ منسوب اليها فمن ارادها فلياتها من بابها فالسراج هو الذي من توجه اليه فقدتوجه الي النار و من ادبر عنه فقدادبر عنها و من اطاعه اطاعها و من عصاه عصاها و من احبه احبها و من ابغضه ابغضها بالجملة هو الحبل الممدود بين النار و بين الديار و الباب المفتوح منها اليها فمن اراد الدخول عليها فليدخله و كلما ارادت اخراجه عنها اخرجته عنه فهو باب النار الاعظم و سبيلها الاقوم و وجهها الاكرم و هذه الشعلة هي بمنزلة العقل و نور محمد9 السراج المنير و الشمس المضيئة كما بينا و اول شجرة نبتت في عرصة الظهور و القلم الذي كتب به اسطر النور علي لوح حيطان الدور و الماء الذي به حيوة الانوار و النذير البشير و السفير الخبير عن النار للانوار و روح القدس و مبدء الانوار و فوارتها فان جميعها تفور منه و تنتشر في الفضاء.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 177 *»

و اما تطبيقها مع العرش و ساير الاجسام الجزئية فاعلم انا قدحققنا في علم المناظر و المرايا و اوضحنا و شرحنا بما لا مزيد عليه ان السراج هو الشعلة و الانوار معاً و انهما نور واحد و الاختلاف بواسطة المحل و لما كان الدخان اكثف من الهواء و اشد صقالة صار اضوء و لما كان ارق و اخفي صار اقل حكاية و ليس هيهنا موضع تفصيله فالضوء الذي في الشعلة و في الهواء كلها من نوع واحد و مادتها واحدة و انما الاختلاف في الصور المكتسبة من القوابل نعم الفرق بينها و بين الشعلة ان الشعلة هي الفوارة التي تفور من منبع النار الغيبية و تجري منها الانوار الي ساحة الدار و جميع الانوار فائضة منها ناشئة عنها دحيت ارضها من تحتها و حييت بما جري اليها منها الحيوة و هي دائمة الحاجة الي المدد و لا مدد الا ما يفيض منها و كذلك العرش فما دونه الي الارض كلها من مادة واحدة و الاختلاف في القوابل كما رأيت و العرش هو فوارة نور الوجود الشرعي تفور من منبع المشية اي الجسم المطلق او محلها و هو الباب الذي منه جري جميع ما له و ما لمن دونه من الفيوض و الامداد و معلوم انه كلما يكون القابلية اصفي و الطف يكون النور اقوي و قابلية تلك الفوارة التي هي بمنزلة القلب الفوار بالحيوة اقوي فاثر نور الوجود فيه اشد و منه ابين كذلك العقل الذي هو اول ما خلق و اصفيها و الطفها و انورها و فوارتها و قلبها و هو وسط الكل و جميع ما سواه فائض منه مع انها ادون قابلية و اخس استعداداً  فتبين و ظهر ان العقل هو باب الغيب المفتوح الي الشهادة و هو السفير و الخبير و النذير و البشير و منه يجري جميع الامداد التكميلية الي جميع الكاينات من رب البريات و اليه يصعد جميع الحاجات من الكاينات و هو الذي به فتح الله و به يختم و هو كعبة الطاعات و قبلة الصلوات و جاه العابدين و مراد المريدين و لايتجاوزه مدرك تشريعي ابداً ابداً كما هو بين واما باب الوجودات الكونية و هي الحادثة لا من شي‏ء ففي كل كاين هو جهة مصدريته الحادثة بنفسه من حيث الفعلية من مبدئه و تلك الجهة كما بينا هي خليفة الفعل في عالم المفاعيل و الاسماء و هي الماء الذي منه حيوة كل مفعول و هي اول ما خلق من المفاعيل و مادتها و المعبر عن الفعل لها و المترجم لغته للمفاعيل فهي عرش عالم الاسماء

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 178 *»

و مبدؤه الذي به فتح الله و به ختم و ذلك ايضاً مقامهم صلوات‏الله عليهم لانهم هم الاصل الذي ينصرف الي الصيغ المختلفة لاداء معان مختلفة و ليثنوا بكل لسان علي الله سبحانه و يحمدوه بكل لغة و يعبدوه في كل صورة قال علي7 في حديث انتقل في الصور كيف اشاء من راني فقدراهم و من راهم فقدراني و لو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس و قالوا هو لايزول و لايتغير و انما انا عبد من عباد الله و من هذا الباب نسب الجميع الي نفسه و لنعم ما قيل:

ما في الديار سواه لابس مغفر و هو الحمي و الحي و الفلوات

و احسن منه قول الشاعر:

لو جئته لرايت الناس في رجل و الدهر في ساعة و الارض في دار

و الاشارة الي ذلك انه حق و خلق اما الحق فهو الذات الاحدية التي لا كلام عنها و لاتؤدي عبارة اليها و اما الخلق اي ما سوي الذات كائناً ما كان بالغاً ما بلغ فهم اوله لانهم اول ما خلق الله كما تدل عليه الاخبار و صحيح الاعتبار ثم في عبارات اخر جاء ان اول ما خلق الله الماء و هو الماء الذي قال الله سبحانه و جعلنا من الماء كل شي‏ء حي فهم العلة المادية لكل شي‏ء بذواتهم و صفاتهم فان لوحظ الرجحان حيث لا شي‏ء سواهم فهم نفس ذلك الماء و هم الحي لا حي سواهم و ان لوحظ الجواز فهم مبدؤه و اوله و جميع ما سواهم صفتهم و من نور وجودهم يعني ان مادة ما سواهم من شعاع مادتهم و صورة ما سواهم من شعاع صورتهم و الشعاع شعاع ما يلاحظ المنير فيه و يري منه و هو صفته و هيئته لا غير و الذات غيبت الصفات فهم ملأوا صقع الرجحان بذواتهم و صقع الجواز بصفاتهم و هو قوله في الدعاء بهم ملأت سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت بل جميع ما يحكم عليهم و ينسب اليهم و يضاف فانما هو باعتبار الاوصاف قال علي7 انا المعني الذي لايقع عليه اسم و لا شبه و قال ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك فلا كلام عنهم من حيث ذواتهم فان ذواتهم اية ان لا كلام في الله و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 179 *»

منها عرفنا انه لا كلام في الله سبحانه فجميع ما يضاف اليهم و يحكم او يشار و يعقل منهم يضاف و يحكم و يشار و يعقل من صفاتهم فهم العلة المادية لجميع الكاينات و العلة الصورية لجميع البريات لان الكل صفتهم و شعاعهم و علي هيئة مثلهم و مثلهم من نفسهم او هم العلة المادية من حيث مادتهم و الصورية من حيث صورتهم و العلة الغائية لجميع الغايات لان الكل خلقوا لاجل التعريف و هم اية التعريف و العلة الفاعلية في جميع البدايات لان الكل من شعاعهم فاذاً  مقام المصدر و الاصل المتصرف الي الوجوه مقامهم لا غير و هم الذين تقلبوا في الصور كيف شاءوا قال الله سبحانه و تقلبك في الساجدين و لله يسجد ما في السموات و ما في الارض من دابة و الملائكة و هم لايستكبرون فهو العابد بكل عابد و بكل عبادة و المثني علي الله بكل ثناء و بكل لسان قال7 انا الامل و المامول و انا العابد و المعبود فهم ابواب الله في التشريع و في التكوين و كعبة المراد و قبلة العباد و الجاه الذي يتوجه اليه الاولياء و المقصد الذي يقصده الانبياء اذ لايتجاوز شي‏ء وراء مبدئه و لايدرك شي‏ء ما ليس من جنسه و لاينتهي احد الا الي شكله.

فصـل: اعلم ان هذا المقام هو نفس المقام الثاني اي انيته و حيث مخلوقيته كما ان المقام الثاني نفس المقام الاول و انيته و درك ذلك عسير عسير و علي من لم‏يصل الي مقام الفؤاد غيريسير و لابد من التلويح اليه لئلايخلو كتابنا هذا من اسرار ال‏محمد:.

اعلم ان ذات الاحد جل‏شأنه غيب ممتنع عن الادراك و مقدس عن التعبير فلا كلام عنها و سبحان الله عما يصفون فـ

منتهي الحظ ما تزود منه الـ ــلحظ و المدركون ذاك قليل

و هو سواه و هو خلقه و كل ما سواه حادث و كل حادث غير احد فهو مثني كايناً ما كان بالغاً ما بلغ قولاً فصلاً و اول ما خلق الله سبحانه هو الحقيقة المحمدية9 و ليس بينها و بين الله شي‏ء فاصل لانه لو كان لكان هو الاول و الثابت المعلوم غيره كما روي عن النبي9 علي لايحجبه عن الله حجاب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 180 *»

و هو السر و الحجاب و روي ان الله احتجب بنا عن خلقه و روي هو المحتجب و نحن حجبه فليس بين الحجاب و المحتجب به حجاب اخر و قال النبي9 انا من الله و الكل مني فتلك الحقيقة الالهية لها مقامات اولها مقام الذات كما قال علي7 انا ذات الذوات انا الذات في الذوات للذات و هذه هي الذات الواحدة لا الاحدية و هذه اعلي مقامات الخلق ليس له مقام اعلي منه و هي فيه اية الذات الاحد جل‏شأنه و لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع و الافعال افعالها و الصفات صفاتها و الاسماء اسماؤها و هي السبوح القدوس قال ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك و قال انا المعني الذي لايقع عليه اسم و لا شبه ولكن ذلك في الوجدان حين التوجه الي الاحد السبحان و اما في الوجود العلمي فهي حادثة لها جهة اخري تقترن بها و تقوم بها وجوداً اذ هو خلق كلما كان فالمقام الثاني له مقام الفعل و الامر لان ما سوي الله سبحانه مخلوق و المخلوق مخلوق بالفعل فالفعل مقدم علي كل مخلوق فهو يلي الذات لايتقدمه شي‏ء كما قال الصادق 7 خلقت المشية بنفسها ثم خلقت الاشياء بالمشية فالفعل هو اول خلق الله سبحانه خلق بنفسه و هو اول مقام للحادث لايتقدمه حادث فهو اول مقام الواحدية و ليس فوقه الا الاحدية المعروفة ثم لتلك الحقيقة مقام ثالث و هو حيث اثريته لنفسه حيث هي مخلوقة بنفسها و حيث تاكيديتها لها من حيث فعليتها و هو مقام الابواب و الحضرة و الجناب و ما سواه كلها اثاره و شعاعه له اخذت عهودها و اليه برزت شهودها و بمرءاه قسمت حدودها و منه نزلت امدادها و اليه صعدت حاجاتها و هذا المخلوق و ان كان مخلوقاً الا انه خلق له سبحانه بكله لا لنفسه و لا لغيره حتي اسمه و صفته في القدسي خلقت الاشياء لاجلك و خلقتك لاجلي قال علي7 نحن صنايع الله و الخلق بعد صنايع لنا و قال رسول الله9 انا من الله و الكل مني قال و اصطنعتك لنفسي و موسي الاول اولي به اذ هو النفس فهو9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 181 *»

له بكله لا لغيره فكل ما له له لايري غيره و لايشير الي سواه فذاته ذاته و روحه روحه و نفسه نفسه و الصادر منه صادر منه و الوارد عليه وارد عليه سبحانه و لايعقل له سبحانه و لا منه و لا اليه و لا عليه الا هكذا لانها راجعة الي جهة الاضافة و لاتعقل في الاحد فهي هو اذ لا سابق عليه فهذه الحقيقة من حيث الاحدية احديته و من حيث الواحدية المستعلية واحديته و من حيث الواحدية التاكيدية بابه و صراطه و وجهه و من حيث الواحدية المقترنة واحديته المقترنة.

فتبين و ظهر ان مقام الامامة نفس مقام البابية و مقام البابية نفس مقام المعاني و حيث كونه اول مخلوق و مقام المعاني نفس مقام البيان و حيث ظهوره في العيان فان في الوجود العلمي هم الخلق و ان لم‏يكونوا في الوجدان قال7 لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن هو و هو هو و نحن نحن فافهم فان ما ذكرناه هو النمرقة الوسطي التي اليها يدل الكتاب و السنة و اليها يرجع الغالي و بها يلحق التالي قال7 نزلونا عن الربوبية و قولوا في فضلنا ما شئتم و لن‏تبلغوا و هي الربوبية اذ لا مربوب علي سبيل الامتناع الوجودي و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

فصـل: اريد ان‏انبه علي معني نزول الامداد من ذلك الباب و صعود الحاجات الي ذلك الجناب و لا قوة الا بالله علي سبيل الايجاز فانا لو بنينا علي تفصيل المسائل لفني العمر قبل ان‏يفني الكتاب.

فاقول ان الله سبحانه هو احد لايتناهي و لايحد فلايخلو منه مكان مع انه لايحويه مكان فاذا هو ممكن المكان و لاجل عدم تناهيه و تحديده ليس غيره حيث هو و هو فوق النهاية بما ليس له نهاية ففاق الجلال و الجمال و علا علي الكمال فعمي القلب عن الفهم و الفهم عن الادراك و الادراك عن الاستنباط فلم‏نقدر الا علي نفي ما ليس له بحق اذ كمال التوحيد نفي الصفات عنه فان قطعت النظر عنه تعالي قدره من حيث هو  هو تجد مرتبة الكمال و مقام الجمال و عرصة الجلال و هي عرصة لا غاية لها و لا نهاية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 182 *»

ليس لها حد محدود و لا نعت موجود و لا اجل ممدود فنقول عند ذلك لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك و نقول ا يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك و ذلك هو مقام الحقيقة المحمدية التي ليست بشي‏ء الا له و لها مقامات كما ذكرنا فمرة تنظر اليها من حيث البيان و مرة تنظر اليها من حيث المعاني و مرة تنظر اليها من حيث الابواب و لا غرو بالحيوث هنا اذ هذه العرصة عرصة ما سوي الذات و لا منع من الصفات اذ هي الصفات ثم اذا نظرت الي جزئيات الصفات و شعبها و شـٔونها و نسبها و قراناتها و خواصها تجدها كلها اشعة و انواراً للصفات الكلية و فعليات لما فيها بالقوة و تفاصيل لما فيها علي الجملة و تلك الصفات الجزئية التي هي فعليات تلك الصفات الكلية و وجوداتها و شهوداتها و شـٔونها و اطوارها و شخصياتها و مكملاتها و متمماتها كلها فائضة من تلك الكليات ظاهرة منها خارجة عنها كما تخرج الشخصيات من موادها الي الفعلية الخارجية و تقوم بها و هو قول اميرالمومنين7 في خطبة منه بدئنا و اليه نعود الا ان الدهر فينا قسمت حدوده و لنا اخذت عهوده و الينا برزت شهوده فنسبة تلك الصفات الجزئية الي تلك الصفات الكلية كنسبة جزئيات الاجسام بالنسبة الي الجسم المطلق او القيام و القعود و الاكل و الشرب الي فعل زيد حرفاً بحرف فلايخرج شي‏ء منها الي الفعلية الا من مكمن قوة المطلق العالي و الكل فعله و ظهوره و اثره و شعاعه و نوره اعطي الكل اسمه و حده و اسعد لكل بتجليه به جده فلا شي‏ء الا هو ان نظرت اليه من حيث الاطلاق فان الذات غيبت الصفات و تري كثرات الكمالات اذا نظرت اليها من حيث كثرتها ولكن جميعها قائم به صادر عنه راجع اليه خارج عن قوته الي الفعلية فهي كلها بقوته و قدرته و هي كلها انوار جلاله و جماله لا قوام لها الا به فكذلك لاينزل مدد الي شي‏ء من الاشياء الا بواسطتهم و بهم و منهم فكل ما لها و منها و اليها و فيها و بها و عنها و لديها و بينها منهم صلوات‏الله عليهم و كلها فعلياتهم قائمة بهم مستمدة عنهم و كلها كمالاتهم و فضائلهم و اشعتهم و انوارهم و تفاصيل مجملات كليات قواهم قدخلعوا علي الكل اسمهم

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 183 *»

و حدهم فصح قول علي7 الاو انا نحن النذر الاولي و نحن نذر الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان فعن‌النبي9 ليلة اسري بي الي السماء لم‏اجد باباً و لا حجاباً و لا شجرة و لا ورقة و لا نمرقة الا و عليها مكتوب علي علي و ان اسم علي مكتوب علي كل شي‏ء فكذلك اعطوا كل شي‏ء اسمهم و رسمهم يجده من يجده و يفقده من يفقده.

و اما رجوع الكل اليهم فان المبدء هو المعاد كما بدأكم تعودون و كما ان الاشياء بدئت من شعاعهم و نورهم و منهم و نزلت نازلة الي غاية البعد فاذا صعدت صاعدة صعدت الي ذلك المبدء و دنت منه و حضرت في حضرته و برزت في مرءاه و مسمعه في دار القرب و ذلك ان الاشياء لما نزلت الي غاية البعد لعمارة جميع منازل الامكان و مناقل الاكوان بمقتضي ظهور كمال الكامل الي ما لا نهاية له ثم دعيت صعدت متمسكة بحبل تلك الدعوة ملقية عنها لوازم مراتبها متخلصة عن شوائبها صادقة مع ربها مخلصة نصيحتها و سرها فلما صعد كل واحد منها كذلك و صفت هويته بالتمسك بذلك الحبل اصطفاه الله علي حسب صفائه و افاض اليه من انور ما كان له و اصفي و الطف و اقرب اليه وهكذا كلما رفع قدماً اليه سبحانه دنا منه و صار انور و اقرب و الطف و الدنو من الله هو الدنو منهم و الدعاء دعاؤهم و الاجابة اجابتهم و السير سير اليهم فهم يتوجهون اليهم و يتقربون منهم و يصعدون اليهم بالتهيؤ بهيئتهم و التلطف بلطافتهم و التكيف بكيفيتهم و التحيز الي حيزهم فجميع الاعمال و الحاجات هكذا تصعد اليهم و الذوات تسير اليهم و لما كان اولئك الصاعدون اشعتهم و انوارهم و افعالهم و اعمالهم و هم سلام‏الله عليهم بتلك الاعمال يعملون و يعبدون و يسيرون الي الله سبحانه و يمتثلون امره و يجتنبون نهيه و يتقربون اليه و باشراقهم بتلك الذوات و الصفات و الاعمال و الاقوال و الاشباح و اشباح الاشباح يعبدون الله تعالي قدره فيصعد حقايقهم بتلك الاقدام و تتقرب الي الله سبحانه فان كل عامل بعمله يتقرب فتلك الحاجات بهم صعدت الي الله سبحانه و من بابهم دخلت و بواسطتهم عرضت الا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 184 *»

ان اعمالهم صلوات‏الله عليهم نوعان اعمال كونية فهي علي وفق رضاء الله سبحانه و سيرهم بتلك الاقدام حثيث لايحد سرعته و اعمال شرعية و هو اعمال شيعتهم و هو قوله اعينونا بورع و اجتهاد و لذلك يستغفرون من سيئاتهم و يضيفونها اليهم.

المقام الرابع

في مقام الامـامـــة

و هو رابع مقاماتهم و قيامهم مقام الله في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و هو مقام انا بشر مثلكم يوحي الي انما الهكم اله واحد و مقام القطبية بين دائرة الرعية المشار اليها بقوله و هو يعلم ان محلي منها محل القطب من الرحي ينحدر عني السيل و لايرقي الي الطير و المشار اليها في حديث طارق هم راس دائرة الايمان و قطب الوجود و شرف الموجود و فيه هل يعرف او يوصف او يعلم او يفهم او يدرك او يملك شان من هو نقطة الكائنات و قطب الدايرات و سر الممكنات و اليه الاشارة في حديث جابر المعرفة اثبات التوحيد اولاً ثم معرفة المعاني ثانياً ثم معرفة الابواب ثالثاً ثم معرفة الامام رابعاً الخبر و هو الحق و هو الظاهر و هو السر كما في بعض الاخبار و هو مقام خلافة الله الكبري بين اهل الارض و السماء و مفزع العباد في الدواهي و مقام الامر و الناهي و مقام جاه العباد و كعبة الوفاد و مقام يكتسب به الجنان و يعبد به الرحمن و عنده عرف العابد و المعبود و ميز الساجد و المسجود و مقام القلب بالنسبة الي الاعضاء و العرش بالنسبة الي العالم و القطب بالنسبة الي الرحا و هكذا ساير الامور الاقترانية مما يقاس علي ذلك.

فصـل: هذا المقام هو الذي يعرف بعض ظواهره العلماء الظاهريون و يزعمون انهم عرفوهم و عرفوا فضلهم و مقامهم و هيهات ليست المعرفة الاطلاع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 185 *»

علي بعض الخصال المكتوبة في الكتب فان ذلك هو مما يتاتي من اعدائهم ايضاً بل تاتي علي اكمل وجه ما لو برز الي هولاء لزعموهم غلاة مع انهم انصب النواصب ولكن اعترفوا به لان الامر بلغ مبلغاً لايمكنهم الانكار و انما المعرفة الاستنارة بانوارهم و الاطلاع علي مظاهر تلك الفضائل راي العين و محبتهم لان ذاالفطرة المستقيمة اذا صدق في اخباره من اطلاعه علي جمال الجميل فقد اخبر بحبه فان جمال الجميل مقناطيس القلوب المنصوبة فان صدق الاقتران حصل الانجذاب لامحالة و لات حين مناص له فالمعرفة هي العلم بمحاسن خصالهم و مظاهرها راي العين و الولاية لهم و للولاية و المحبة ايضاً علامات و قدشرح الكل الامام الصادق7 اذا اشرق نور المعرفة في الفؤاد هاج ريح المحبة و استانس في ظلال المحبوب و اثر المحبوب علي ما سواه و باشر اوامره و اجتنب نواهيه فمعرفة ال‏محمد:بالبيان و بواطن المعاني هي حظهم لايسع غيرهم ان يعرفهم به قال رسول الله9يا علي ماعرف الله الا انا و انت و ماعرفني الا الله و انت و ماعرفك الا الله و انا و قال علي7 ظاهري امامة و وصية و باطني غيب ممتنع لايدرك فذلك حظهم لا غير و اما ظواهر المقام الثاني و بواطن المقام الثالث فيعرفها الخصيصون و هي المشار اليها بقوله لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفره و المشار اليها بقوله اذ قيل له7 فمن يحتمله قال من شئنا و اما ظواهر المقام الثالث و بواطن الرابع فمعرفتها شأن الخواص من شيعتهم و شان العارفين منهم و يحرم عنها اعداؤهم و لايصدقون بها و انما يعرف ذلك من عرف بواطن الكتاب و السنة و اخلص في محبتهم و هو المؤمن الممتحن و اذا لم‏يكن ممتحناً لم‏يحتمله كما روي و اما بعض ظواهر المقام الرابع و المقام الخامس فهو شأن العلماء الظاهريين من الشيعة و يشاركون اعداءهم في هذه المعرفة و الفرق ان الاعداء جحدوا بها و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 186 *»

استيقنتها انفسهم ظلماً و عتواً و قدينطقون بحكم الفطرة الاولية و يعترفون بتلك الفضائل و العلماء الظاهريون عرفوا و اعترفوا و احبوا و امتثلوا و سلموا لها و لو لم‏ينكروا مافوقها و لما ياتهم تاويله كان سبيلهم سبيل نجاة لقوله سبحانه لايكلف الله نفساً الا ما اتيها و قوله معاذ الله ان‏ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده ولكن انكار بعض الجهلة يفسد عليهم امرهم لما روي لو ان الناس اذا جهلوا وقفوا و لم‏يجحدوا لم‏يكفروا و في رواية اخري الانكار لفضائلهم هو الكفر.

بالجملة هذا المقام مقام ظاهر امرهم بين العباد بعبودية ليس اكمل منها و لابد و ان‏نشرح ذلك المقام ايضاً في فصول.

فصـل: اعلم ان العالي مبرأ عن حدود الداني خارج عن اقطاره منزه عن صفاته مستعل علي اعلي اذكاره فالداني لايدركه باحد مشاعره اذ الالات الي مثلها تشير و الادوات انفسها تحد فلاينتفع الداني المحدود بحدوده من العالي بمراي و لا مسمع و لايمكن تعقل انفعال الداني بالعالي و الانفعال من نفس الفعل و ليس ذات العالي بفعل و لا الداني نفسه اللهم الا ان‏ينفعل بفعل العالي الذي هو في رتبة الداني و هو البغية فمحال للداني ان‏يصل الي شي‏ء من العالي و ان الله سبحانه من بديع حكمته خلق في كل دايرة من دواير الوجود قطباً و مركزاً هو مبرأ عن جميع حدود تلك الدائرة و اقطارها و جهتها و نسبته الي الكل علي السواء فهو اشبه اجزاء الدايرة بالمبدء العالي حيث تقدس عن حدودها و اقطارها و جهتها كالعالي فليس بشرقي و لا غربي و لا جنوبي و لا شمالي و لا حار و لا بارد و لا رطب و لا يابس و لا عال و لا دان و نسبته الي جميع الدائرة علي السواء فهو اشبه الاشياء بالعالي و ابعدها عن خصال اجزاء الدايرة فصلح لان‏يصطفيه العالي و يرتضيه و يجتبيه و يصطنعه لنفسه و يجعله مستودع سره و مخزن علمه و مهبط امره و نهيه و عرش استوائه و كرسي ولايته و مظهر صفاته و مرآة جماله و حجاب جلاله و باب نواله و يد عطائه و وجه بهائه و لسان ادائه فبه يتوجه الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 187 *»

اهل الدايرة و به يناطقهم و به يباشرهم و به يساورهم و به يعطيهم و يمنعهم و به يحييهم و به يميتهم و به يامرهم و به ينهاهم و به يؤاخذهم و يعدل بينهم كما اتخذ الروح الملكوتي الروح البخاري الذي في القلب عرش استوائه و قال ماوسعني ارضي و لا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المومن و اتخذه كرسي ولايته فاستقر عليه للحكومة بين الاعضاء و به امرهم و نهاهم و اخذ عنهم و اعطاهم و به ناطقهم و ادّي اليهم و اصطفاه من بينهم و اجتباه فهو يكلم الاعضاء بقوله انا جسم مثلكم يوحي الي من الروح الملكوتي كذا و كذا و لم‏ينزله قوله انا جسم مثلكم الي ان‏يجعله كالعظم و بصلابته و كثافته و احتجابه عن المبدء بل هو جسم ولكن اشرف الاجسام و ارقها و الطفها و اعدلها و اكملها بحيث يكون قائماً مقام الروح قدخلع عليه الروح خلعة اسمه و شرفه بان جعله خليفته في بلاده و القائم مقامه في الاداء فلاينقص عن مقامه اعترافه بانه جسم مثل ساير الاجسام كما اتخذ ذلك بعض المتنقصين في ال‏محمد:و ارادوا سلب فضائلهم: بذلك فالسماء جسم كالارض يعني في الجنس لا في الشخصية والا لكانت مثلها في الكثافة و لما كانت تليق بان‏تكون محل الاقدار كالارض.

بالجملة فذلك المركز و القطب يكون خليفة العالي من رآه فقد رآه و من عمي عنه فقد عمي عنه قدجعله اماماً و قلباً و قطباً و كعبة و قبلة للاعضاء و وجهاً له يتوجه اليه الاولياء و الفرق بين هذا المقام و مقام الابواب ان الابواب مقام المصدر من حيث التاكيد و الامام مقام المصدر من حيث انه مبدء الاشتقاق و من حيث انه مفعول و الابواب كاعلي اذكار القلب و المركز و الامام كادني اذكاره و اسفل مقاماته فالامام في مبدء سفره من الحق الي الخلق ابواب و في منتهي سفره ذلك حين سيره في الخلق امام.

و صفة اتخاذه اياه خليفة و تجليه فيه ان العالي نسبته الي جميع اجزاء الدائرة علي السواء قدتجلي لها بها و بها احتجب عنها و جميعها كماله و فعليته و نوره و شعاعه و صفته قائمة به موجودة له حاكية عنه بلا تفاوت اللطيف في لطافته و بها و الكثيف في كثافته و بها اذ له كمال في الكثافة و تعمير حدها كماله و كمال في اللطافة و تعمير حدها كماله لايري فيها نور الا نوره و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 188 *»

لايسمع فيها صوت الا صوته و ذلك هو الفطرة الاولية التي فطر الله الخلق عليها و اتم عليهم الحجة بها و قال لهم الست بربكم قالوا بلي باجمعهم فكان الناس امة واحدة و لما نظرت الي انفسهم و اختلاف صفاتهم و نسبهم بان منهم اللطيف و منهم الكثيف و منهم العالي و منهم الداني و منهم الغالب و منهم المغلوب و منهم المسخر بالكسر و منهم المسخر بالفتح و منهم المحرك و منهم المتحرك و منهم المالك و منهم المملوك و منهم الحاكم و منهم المحكوم و هكذا علي ان جميع ذلك من انتظام الخلق و كون الاثر اثراً و النور نوراً و تعمير نور الكمال جميع اقطار القوابل علي نهج الحكمة و النظم الطبيعي والا لم‏يكن الاثر اثر الواحد جل‏شأنه و لما دل عليه كما هو معلوم عند اهل الافئدة وجدت بعضها الطف و اشرف و اجمع و اكمل و اوحد و ادوم و انور و اقوم و اقوي و اشد و بعضها بخلاف ذلك كما هو بين فهولاء الافضلون يحكون من صفات العالي اكثر و اجمع فهم انسب بالعالي و اشبه به بل اعلي الاعالي منها هو الحاكي لجميع خصال العالي و صفاته الكاملة و له جمعيته و كليته لا فرق بينه و بينه الا انه عبده و خلقه فتقه و رتقه بيده بدؤه منه و عوده اليه ففي عالم النسب اوجب الله سبحانه طاعة الاداني للاعالي لقهارية صفات يحكيها الاعالي و جامعيتها علي النظم الطبيعي و جعلهم حجة عليهم كما هو الواقع فان اسم الله حجة علي الرحمن و اسم الرحمن حجة علي الرحيم و النور الاقرب الاشبه حجة علي النور الابعد و العشرة اجمع من التسعة و هكذا العالم حجة علي الجاهل و القوي علي الضعيف و الحكيم علي السفيه و الرجل علي المراة و امثال ذلك ففرض الله طاعة اعاليهم علي ادانيهم و اتخذ الاعالي خلفاءه اذ كانوا حاكين لصفته الكلية العامة الجامعة و كذلك كل واحد ممن دونه خليفة بالنسبة الي من دونه قال7كلكم راع و كلكم مسـٔول عن رعيته ولكن علي حسب حكايته العالي و بقدرها و الحجة المطلقة الكلية علي الجميع هو اعلي الاعالي الذي هو جمع العالي و كله فيجري من ذلك العالي بقوة لطيفته نور علي الاداني فمن توجه اليه استنار من ذلك النور و من تولي عنه حرم و اظطلم فهيهنا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 189 *»

جاءت الاحكام المتضادة السعادة و الشقاوة و الحسن و القبح و المومن و الكافر و الجنة و النار و عليون و سجين و امثال ذلك فمن توجه اليه صار مومناً و حسناً و سعيداً و من اهل الجنة و من عليين و من ادبر عنه صار بخلاف ذلك و هذه العرصة عرصة التشريع و هي عرصة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب و الحكمة ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و عرصة فمنهم من امن و منهم من كفر ولو شاء الله مااقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد و عرصة و لايزالون مختلفين الا من رحم ربك و لذلك خلقهم فهذا العالي الذي في رتبة هذه الدائرة هو الامام و هو الحجة و هو الغاية و المفزع و وجهه المتقلب بين ظهراني العباد و خليفته و القائم مقامه في الاداء فافهم.

فصـل: ان القلب و القطب مما يجب وجوده في كل دائرة و تكثر حتي يمكن صدورها عن موثرها فان الطفرة في الوجود باطلة و صدور الكثرة من الوحدة بدون ترتب حكمي محال كما تري من انه محال ان‏يوجد الاثنان قبل الواحد و الثلثة قبل الاثنين و الاكثر قبل الاقل و يستنير الابعد من السراج قبل الاقرب منه و ينفعل الاكثف قبل الالطف و هكذا و ذلك ان الله سبحانه احد غير متخصص بخصوصية و قدرته غيرمحدودة و غيرمخصوصة فخلق امكاناً فيه صلوح جميع مراتب الكثرة من القرب الاقرب الي البعد الابعد لانه محل قدرته و مظهر مشيته و ممكن ارادته و استوي علي عرش ذلك الامكان فلم‏يكن اقرب الي شي‏ء من شي‏ء اخر و لم‏يكن بالتجلي في حد اقوي من تجليه في حد اخر و هو احد نافذ باحديته في جميع تلك الحدود فتجلي بجميع ما كان قادراً علي التجلي به و كان من الحكمة التجلي به فانه كمال له و جمال و لاينتظر لنفسه حدوث كمال و لا طروء جمال فتجلي في جميع تلك الحدود المستجنة في ذلك الامكان و اظهر قدرته علي جميعها و لم‏يكن لاحدها رجحان علي الاخر من حيث انفسها لتساويها و لم‏يكن هو باقدر علي احدها و لا اقرب من احدها فتجلي بكلها فوقع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 190 *»

علي نهج الحكمة و الصواب و صدر التجلي منه بالكل دفعة و ظهر في الكل علي الترتب الحكمي و امثل لك في ذلك مثالاً و هو ان الشمس خلق من خلق الله و كذا نورها و كذا نور نورها و كذا نور نور نورها و هكذا و جميعها كانت ممكنة في الامكان مقدورة لله سبحانه و ليس الله سبحانه اقدر علي نور الشمس من قدرته علي الشمس او علي العكس و انما نسبته و لا نسبة مع الكل علي السواء و قدرته علي الكل سواء و الامكان الذي هو محل تلك القدرة و مظهرها ايضاً صالح لكلها علي السواء كما ان جميع الحروف في المداد علي السواء و مرادي بالامكان الامكان الراجح الذي نسبة المنير و النور اليه علي السواء لا الامكان الجايز الذي ان كان للمنير لايصلح للنور و ان كان للنور لايصلح للمنير فتجلي الله سبحانه بما كان في الامكان مستجناً و بالقوة مرة واحدة لانه لا انتظار مما عنده و منه و نسبته الي امكان الشمس و امكان انوارها علي السواء فتجلي بكلها بلا ترقب ولكن ظهر التجلي في القوي اي انفعلت القوي علي تدرجها و ترتبها فانفعلت الشمس اول ثم انفعل نورها ثم نور نورها ثم نور نور نورها و هكذا فان الله سبحانه يخلق كل شي‏ء علي ما هو عليه و الا لم‏يكن هو هو و كان غيره فنور الشمس هويته الترتب علي الشمس و الصدور عنها و افتقاره اليها و استفاضته منها و استمداده منها و الاستدارة علي قطبها ولو كان غير ذلك لم‏يكن نور الشمس و كان شيئاً براسه فلما كان الواجب خلق كل شي‏ء علي ما يقتضيه و لايقتضي الا علي ما هو عليه خلق نور الشمس بالشمس و نور نور الشمس بنور الشمس و هكذا.

فتبين من هذا البيان الشافي الكافي الوافي ان الطفرة في الخلق باطلة لترتب الابعد علي الاقرب و توقفه عليه و ظهور الخلق علي الترتب الحكمي من الكمال و لا مانع منه في قدرة المتعال فلابد في كل دائرة متكثرة الاجزاء من قطب متوحد في تلك الدائرة معتدل كامل نسبته الي جميع الجهات و الحدود و الاقطار علي نهج سواء و يكون اشبه الاشياء بالمبدء فيكون هو في تلك الدايرة الفاتح الخاتم و اول من يحيي بفيض العالي و اخر من ينتهي اليه الحيوة كالقلب في البدن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 191 *»

و يكون هو المترجم عن مرادات المبدء للذين لايعرفون لحنه و لايطلعون علي امره لعدم المناسبة و لايشعرون بحكمه ليتلقي هو امر العالي و يغلظه في حجاب نفسه بحيث يشعر به حواس ساير الاعضاء فيترجم لهم بلغتهم و قدمر انه بنفسه امر العالي و كماله في هذه الرتبة و صفته فراجع و تنبه و لولا هذا القلب لم‏يشعر احد امر العالي و لا حكمه و لم‏يحي بحيوته و لم‏يتحرك بتحريكه و لم‏ينفعل بفعله لترتب كينونتهم علي ذلك القلب فلم‏يعرف احد منهم ربه و لم‏يقدر علي شكره و لا علي الاعتذار اليه و لا علي التوجه اليه فالقلب هو ظاهر العالي في دائرة الداني و هو جاهه لديه و كعبته في عرصته و قبلته و خليفته في بلاده و القائم مقامه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا الله الملك الجبار و هو الذي يجب استدارة الاعضاء عليه و استمدادها منه و استفاضتها عنه و توجهها اليه و الرجوع الي امره و حكمه و تسليمها له و اخذها عنه و افتراضها طاعته و يجب عليها التوسل اليه و به و التفويض اليه و التوكل عليه و الاتصال به و الانقطاع اليه والا فتصير ميتة رجسة نجسة منقطعة عن المبدء و هذا القطب مما لابد منه في الشرع الكوني و الكون الشرعي معاً كما رايت في المثال و فهمت من نظم المقال و هو غير مقام الابواب الذي تقدم في الخطاب فان مقام الابواب مقامه مقام الرحمن المستوي علي عرش القطب و القلب قال ماوسعني ارضي و لا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المومن و مقام الابواب مقام المنير و مقام القطب اقرب اجزاء النور من المنير و اول صادر من اجزاء النور من المنير.

فاقول متمثلاً ان الحرارة و اليبوسة الجوهريتين المعبر عنهما بالنار هما مثل الذات البريئة عن مشعر البريات و الحرارة و اليبوسة العرضيتان هما المعبر عنهما بفعل النار و هما اول تجل للنار الغيبية و اول وصف به وصفت نفسها فهو اي ذلك الفعل اي تلك الحرارة الظاهرة التي هي ظاهر النار او النار الظاهرة هو من حيث المثال الملقي في هويته المعبر عنه بنفس الفعل مقام البيان و الحقيقة الباقية بعد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 192 *»

كشف سبحات الجلال من غير اشارة و هو من حيث كونه ظهور النار الغيبية و تجليها مقام المعاني و من حيث انه مخلوق بنفسه و انه اول مخلوق و اول حادث ولو كان بنفسه و هو المعبر عنه بمحل المشية و اول متعلقها مقام الابواب فلما مس الدهن الذي هو في عرصة المقيدات و احاله دخاناً حتي اشتعل به و استضاء البيت حدث القلب الذي هو الشعلة و البدن الذي هو الانوار فالشعلة قلب الانوار و اول ما استضاء منها و اخر ما تنتهي اليه الانوار و هو فوارة النور و الحيوة و المترجم عن الغيب للشهادة و السفير نعم هو الباب الادني و يمثل به للباب الاعلي و انما ذلك لاجل ان الامكان الراجح الذي هو انية الفعل هو له دهن يحيله حيث فعليته دخاناً حتي يشتعل بالفعل و يحدث الشعلة التي هي الوجود الراجح فيضي‏ء عرصات الامكان فاذا مثلنا سابقاً للابواب بالشعلة فانما هو للتفهيم و كل شي‏ء فيه معني كل شي‏ء ولكن الان اذا شئنا ان‏نريك المراتب الاربع في شي‏ء واحد اريناك ان الشعلة مقام القلب فدخانها كالروح البخاري و زيتها كالعلقة الصفراء المتصاعد عنها البخار و الحرارة المشتعلة فيها كالحيوة المشتعلة في البخار و النور المنبث منها كالحيوة المنبثة من القلب في البدن الا ان القلب هو فوارة الحيوة يخرج من غيبه الي ظاهره الحيوة دائماً و يرشح علي الاعضاء ما يطفح منه فلو قبض علي القلب طرفة عين انقلص الحيوة الي القلب من جميع الاطراف بل انطفأ ضوؤها و بقيت في ظلمات الموت فالشعلة هي وجه النار و كعبتها و قبلتها و لسانها و يدها و ترجمانها و خليفتها و حجابها و نقابها و ظاهرها و غمامها و قبتها و امثال ذلك و الشاهد علي ذلك قوله تعالي انا ارسلناك شاهداً و مبشراً و نذيراً و داعياً  الي الله باذنه و سراجاً منيراً و هو في مقام الرسالة شاهد و مبشر و نذير و  داع  فهو في مقام الرسالة سراج منير فافهم و لما كان السراج خليفة النار الغيبية خلعت عليه باسمها و حدها و اقامته مقامها في الاداء و امرت ساير الانوار بالاستدارة عليه في الاهتداء و ذلك سر سار في الاكوان كما تري من الامثال و في الشرايع كما تري من عدم امكان اهتداء احد من الخلق الي خيره و شره الا بنبي و امام يتاسي به و يهتدي بهداه و يقتدي به و يأخذ عنه.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 193 *»

فصـل: اعلم ان الانوار مشاعرهم نورية لايدركون الا ما هو من جنسهم و لايفهمون الا ما هو من شكلهم و لايكلفون الا بما اوتوا و ذلك حكم العدل الربوبي فليس لهم التجاوز عن الشعلة التي هي كعبتهم التي دحيت ارض وجودهم من تحتها و انبثت منها فهم منها بدئوا و اليها يعودون و هي اول ما خلق من مراتبهم فهي عقلهم و هو وسط الكل و به يعبدون الرحمن و يكتسبون الجنان و اليه يتوجهون و اليه الايدي يمدون و اليه يشيرون و اياه يخاطبون لكن لا من حيث الدخان بل من حيث الحرارة الفعلية الظاهرة فيه و قدكشفوا سبحات الدخان بلا اشارة فلايشعرون به و ان توجهوا اليه و لا من حيث الحرارة الفعلية بل من حيث المثال الملقي في هويته من النار الغيبية لا من حيث المثالية بل من حيث النار الغيبية و ذلك منتهي سير الانوار و معاذ الله ان‏ناخذ الا من وجدنا متاعنا عنده و لما لم‏يوجد النار حيث لاتظهر و لاتخفي حيث تظهر و جعلت الشعلة لها بكلها و ان كان لها دخان ظلماني ولكن استهلك و لم‏يبق الا لخدمة النار و اظهار امرها و ترجمة سرها و ايصال امرها لم‏يبق مجال لطالب النار الا من طريق هذه الشعلة فمن بايعها بايعها و من توجه اليها توجه اليها و من اعرض عنها اعرض عنها و من اطاعها اطاعها و من عصاها عصاها و من عامل معها بمعاملة خيراً او شراً فقد عامل معها و كذلك جميع ما عاملت الشعلة مع الانوار فهو معاملة النار فاحراقها احراقها و تكليسها تكليسها و تجفيفها تجفيفها و اضاءتها اضاءتها و جميع ما يصدر منها هو ما يصدر منها لان كل شي‏ء يوجد علي ما هو عليه و ما هو عليه اول الخلق ان‏يكون للمبدء لا لغيره حتي نفسه فهو له فهو له فجميع ما له له و جميع ما له له فانه ليس لنفسه و انما هو له بحيث تري ان الشعلة افنت المملوكية عن نفسها حتي صدقتها النار لصدقها في دعويها فكستها اسمها و حدها و فوضت اليها امرها و فعلها فلاتشاء الا ما تشاء آه آه لولا خوفي ان‏يقولوا رحم الله قاتله لابديت اسراراً من مقام الامامة حتي يعلموا انهم لم‏يعرفوا امامهم الا كما يعرفه عدوه اسماً و رسماً و حسباً و نسباً و انما الفرق في الجحود و التسليم ان لم‏ينكروا فضائله فلنقبض العنان فللحيطان اذان و لولا خوفي من الاطالة لذكرت اخباراً عديدة و ساير كتبنا و كتب الاخبار

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 194 *»

بها مشحونة و حديث طارق بن شهاب مشتمل علي كثير من وصف مقام الامامة فان شئت فراجع و في ما ذكرت كفاية و بلاغ.

فصـل: لاتزعم مما كتبنا ان مقام الامامة هو مقامهم المشهود الذي كان يري منهم فان ذلك هو مقامهم الخامس كما ياتي بل هو كما لوحنا عليه مقام قطبيتهم و مركزيتهم لدائرة الرعية و هم في ذلك كالقلب في البدن و القلب هو اعدل اجزاء البدن و الطفها و انعمها و اشبهها بالمبدء و هو غير اللحم الصنوبري الذي هو اغلظ اللحوم و لا علقة الدم التي فيه بل اللحم الصنوبري بمنزلة المسرجة للسراج و علقة الدم التي فيه بمنزلة الدهن الذي في المسرجة و البخار المتصاعد منها بمنزلة الدخان المتصاعد بالنار و الحيوة التي في ذلك البخار بمنزلة النار المشتعلة في الدخان فالشعلة اي الروح البخاري هو قلب البدن و اعدل اجزائه و الطف و هو جسم عنصري الا انه في غاية النعومة مركب من العناصر كساير المركبات و انما اللحم الصنوبري وعاؤه و هو اغلظ اللحوم صوناً علي الروح الذي في جوفه و انما يسمي باسم القلب تسمية باسم الحال كما يسمي الروح بالقلب تسمية باسم العقل الذي استوي عليه فان العقل هو القلب حقيقة ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب فقلب دائرة البدن و قطبها الذي ليس بشرقي و لا غربي و لا جنوبي و لا شمالي و مبعد عنه الحدود منزه عن الاقطار هو الروح البخاري و هو من شدة لطافته لايري فالامام الذي هو بمنزلة قطب العالم ينبغي ان‏يكون الطف من جميع اجزاء العالم و اعدل و انسب و اشبه بالمبدء ليطلع علي مراده فيكون مقام امامتهم بلطافة محدب العرش الم تسمع قوله قلب المومن عرش الرحمن فالامام الطف من جميع اجزاء العالم و يساوي في لطافته محدب العرش و في اعتداله اعدل منه بمرات و هذا هو الذي روي في حديث طارق الامام يا طارق بشر ملكي و جسد سماوي و امر الهي و روح قدسي و مقام علي و نور جلي و سر خفي الخبر و عن النبي9 في حديث ما معناه ان جسد النبي في الدنيا بلطافة اجساد اهل الجنة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 195 *»

في الجنة و لذلك تري انه لا ظل لهم و لايري لهم فضلة و يسيرون جميع العالم في طرفة عين باجسادهم فعن بصايرالدرجات ان رجلاً من علماء اليمن حضر مجلس ابي‏عبدالله7 فقال له يا يمني افي يمنكم علماء قال نعم قال فما بلغ عالمكم قال يسير في ليلة واحدة مسيرة شهرين و يزجر الطير فقال له ابوعبدالله7 ان عالم المدينة افضل فقال اليمني و ما يفعل قال يسير في ساعة من النهار مسيرة الف سنة حتي يقطع الف عالم مثل عالمكم هذا انتهي و روي عن علي7 ان من وراء قاف عالم لايصل اليه احد غيري و انا المحيط بما وراءه و علمي به كعلمي بدنياكم هذه و انا الحفيظ الشهيد عليها و لو اردت ان‏اجوب الدنيا باسرها و السموات السبع و الارضين في اقل من طرفة عين لفعلت لما عندي من الاسم الاعظم و انا الاية العظمي و المعجز الباهر و من هذه الجهة عروجهم بجسمهم الشريف في الحيوة و بعد الممات الي السماء فهم في مقام الامامة و القطبية و القلب لاينالهم الايدي و الابصار الا بوسائط و حجب و رواة و نقلة عنهم فان الطفرة كما علمت باطلة و كل شي‏ء يدرك ما هو من جنسه فهم في ذلك المقام اعلي من ادراك اهل الارض و هذا هو معني ما روي انه لو نبش قبر الامام لايري في قبره و انه في العرش ينظر الي زواره فهم في هذا المقام من جنس الرعية لا من نوعهم و لا من صنفهم و لا كاشخاصهم فهم ايضاً مثلاً من جنس الاجسام و ليسوا من نوع العرش و لا من نوع الكرسي و لا من نوع الافلاك و لا من نوع العناصر و قوله انا بشر مثلكم يعني في الجنس لا في النوع و الصنف و لو كان يراد من المماثلة العموم لكان نعوذبالله مثل كل واحد واحد فيجتمع فيه جميع النقايص و المذام فلا عموم فيها البتة و انما المراد هو الجنس من النوع فالامام بشر كما ان ساير البشر بشر ثم هل هو اعدل البشر و الطفهم و اقويهم و اقربهم من المبدء و هو معصوم مطهر مصفي حتي صار لايقاً لان يوحي اليه انما الهكم اله واحد ام لا فان قلت لا كفرت و ان قلت نعم فلا عموم في

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 196 *»

المماثلة فهو اشرف الرعية و اصفيهم و من رعيته السموات و الارض فهو اصفي من الكل فهو اصفي من محدب العرش و اسرع حركة و اجلي انطباعاً و احكي للمبدء منه بحيث انه حجة عليه و امام و هو متعلم منه و مكتسب للحيوة و العلم و الايمان منه فليس مقام قطبيتهم منال كل يد و بصر و ان السموات السبع و الارض و ما فيهما في يده في هذا المقام ككرة في يد احدكم يديرها كيف يشاء كما في حديث قنبر و كما تري من استيلاء قلبك علي بدنك و تقليبه و جعل اعلاه اسفله و اسفله اعلاه و تحريك اي عضو شاء و تسكين اي عضو شاء و هو المدرك بالعين السامع بالاذن الذايق باللسان الشام بالانف الناطق باللسان الباسط باليد الماشي بالرجل المتخيل بالخيال المتفكر بالفكر المتوهم بالوهم العالم بالعلم المتعقل بالتعقل بالجملة * ما في الديار سواه لابس مغفر * في الزيارة بهم سكنت السواكن و تحركت المتحركات و ايضاً في الزيارة السلام علي مقلب الاحوال و كما لايغيب شي‏ء من الاعضاء عن القلب و لايتحرك و لايسكن الا باشارته و لا حيوة لشي‏ء منها الا ما فاض عليه منه كذلك الامام فهو الواقف علي الطتنجين و الناظر في المشرقين و المغربين و مطلع و شاهد علي السماوات و الارضين و لولا ذلك لم‏يكن لشهادته معني و هو رجل نائم بالمدينة كساير الناس و فيما ذكرت لك و نبهت كفاية و اصل يفتح منه ابواب لو تفكرت فيه ولو بنينا علي التفصيل لطال بنا المقال و لم‏يتم الكتاب في المـٔال و الله هو المستعان في كل حال.

و لو عرفت ما ذكرت لعرفت ان القوم لم‏يعرفوا من مقام الامامة الا بعض الظواهر التي يعرفها كل من كان له عين من عدو و ولي و ليس فيه كمال و اعجب من ذلك ان عدوهم يري ما لايرون و يعترف بما ينكرون فان عدوهم يقول في علي7:

تقيلت افعال الربوبية التي عذرت بها من شك انك مربوب
و يا علة الدنيا و من بدؤ خلقها اليـ ـه سيتلو البدأ في الحشر تعقيب

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 197 *»

و هم ينكرون ذلك اشد الانكار و يقول عدوهم:

و الله لولا حيدر ما كانت الـ ـدنيا و لا جمع البرية مجمع
و اليه في يوم المعاد حسابنا و هو الملاذ لنا غداً و المفزع

و هم ينكرون ذلك و عدوهم يقول:

علام اسرار الغيوب و من له خلق الزمان و دارت الافلاك

و يقول:

و ذو المعجزات الباهرات اقلها الـ ـظهور علي مستودعات السراير

و هم لايقولون بذلك و يقول عدوهم:

صفاتك اسماء و ذاتك جوهر بري‏ء المعاني من صفات الجواهر
تجل عن الاعراض و الكيف و المتي و تكبر عن تشبيهها بالعناصر

و هم لايقولون بذلك بل ينكرونه اشد الانكار الي غير ذلك مما لايحصي و انا اقول:

اذا لم‏تكن للمرء عين صحيحة فلا غرو ان‏يرتاب و الصبح مسفر

و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

المقام الخامس

في مقامهم الخامس و هو مقامهم العرضي العنصري الذي ظهروا فيه بمشاركة الرعية و هذا المقام منهم هو الذي تفاضل في معرفته المداحون و الوعاظ و عامة الموالين و علماؤهم المنصفون غيرالكاتمين و لم‏يتجاوزه الي ظواهر المقام الرابع الا قليل منهم و منتهي معرفتهم ان علياً7 هو الضارب بسيفين و الطاعن برمحين قالع باب خيبر و قاتل عمرو و مرحب هازم الصفوف و لايكترث بالالوف هو مصلي القبلتين و بايع البيعتين و اول الناس اسلاماً و اخرهم خروجاً من عند النبي9 و هو زوج البتول و سيف الله المسلول و ابوشبير و شبر و النور الانور و هكذا من امور لاتنكر و قد شهد بها كل ناصب ابتر و قداحتج باكثرها و ازيد منها علي7 علي المنافقين فاقروا له و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 198 *»

لم‏يقدروا علي انكارها و كتب العامة و الخاصة بها مشحونة و كأنهم لايزعمون فضيلة فوق ذلك و قداخذ خلفهم بعد تماديهم في التشيع عن سلفهم الذين كانوا جديدي التشيع و لايتحملون ازيد من ذلك و قالوا انا وجدنا اباءنا علي امة و انا علي اثارهم مقتدون و لعل بعد ما بينا من هذا المقام ايضاً بعض خفاياه تعرف انهم لم‏يحوزوا علم هذا المقام ايضاً و لا قوة الا بالله و في هذا المقام ايضاً فصول.

فصـل: اعلم انه لما خلق الله العقل خلقه وحده لايساويه غيره و لايصاقعه سواه و لم‏يكن في ديار الامكان غيره فامره بالادبار و الانتشار في مراتب الامكان و اصقاعه فنزل رتبة بعد رتبة و هو في كل رتبة بالفعل بما هي عليه مما يخصها و بالقوة مما كان عليه فوقها فكان حياً في كل عليا و مات في كل دنيا الي ان وصل الي التراب و هو غاية بعده من رب الارباب و نهاية موته و اضمحلاله و تلاشيه و ضعفه فنودي بالاقبال و الصعود الي الله المتعال فصعد شيئاً بعد شي‏ء و ترقي جماداً ثم معدناً ثم نباتاً ثم حيواناً ثم انساناً ثم ولياً ثم نبياً و هو الفاتح لما استقبل بدءاً و الخاتم لما سبق عوداً و هو اول ما خلق الله و اخر ما خلق الله سمي في البدء بالعقل و في العود بالنبي و من البين انه كلما بعد عن المبدء نزولاً ضعف قوته و رَخُوَتْ بنيته و كان اقل دفعاً للاعراض عن نفسه و كلما كان اقرب كان اقوي و اشد و كان اكثر دفعاً للاعراض فكان حيث كان في غاية القرب خالياً عن الاعراض خالص الاغراض و كلما نزل درجة لحقه اعراض و صارت اكثر الي ان بلغ غاية البعد فكان اكثر اعراضاً و اقل اغراضاً من كل مرتبة حتي انه تحقق في غاية البعد عالم مستقل يسمي بعالم الاعراض له سموات عرضية و ارضون عرضية و مواليد منها عرضية ليس واحد منها علي صرافته الاولية و ذلك ما تري من عالمك المشهود فانه ليس سماؤه بسماء اصلية و لا ارضه بارض اصلية و لا مواليده بمواليد اصلية و لا عبرة بها في انظار الحكماء و لا في كتاب الله و سنة النبي و اخبار الاولياء فانها كسراب بقيعة يحسبه الظمـٔان ماء حتي اذا جاءه لم‏يجده شيئا و وجد الله عنده

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 199 *»

فوفيه حسابه و الله سريع الحساب و هذه الاعراض زبد يذهب جفاء و اما ما ينفع الناس و هو الاغراض فيمكث في الارض و هي مراد الحكماء من الفاظهم اذا اطلقوا.

فلما نزل العباد جميعاً الي دار الاعراض هذه و اراد الله سبحانه اعلاء كلمته و اظهار امره و اتمام حجته و ابلاغ دعوته اظهر الحجج سلام‏الله عليهم في هذه الدار ايضاً و اصطفي لهم قوابل عرضية من هذه الاعراض لكن من اعدلها و اصفيها و اكرمها و اقويها و الطفها و انعمها و اظهر انوارهم فيها حتي نطقت بهم و تحركت و سكنت و نظرت و سمعت و فعلت ما فعلت بهم و قامت مقامهم في الاداء اذ كان لاتدركهم الابصار العرضية و لاتحويهم خواطر الافكار و لاتمثلهم غوامض الظنون في الاسرار فقامت بين ظهراني العباد تدعو الي مبدئها و تشير الي مولاها فهم في هذا المقام جزئيون و بشر من ولد ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام ياكلون الطعام و يمشون في الاسواق كباقي افراد نوعهم و يجري عليهم ما يجري علي السايرين و مع ذلك هم في هذا المقام اعلم الكل و احلم الكل و اشجع و اقوي و اسخي و اعبد و ازهد معصومين مطهرين عن كل رجس و لوث و نقص و عيب ائمة دعاة هداة قادة سادة ذادة يجري علي ايديهم ارادة الله و علي السنتهم مشية الله لايعصون الله ما امرهم و يفعلون ما يؤمرون و هم مفزع الخائفين و ملجأ الهاربين و ملاذ المستجيرين و مقيلوا العاثرين اسوة المتاسين مقتدوا المقتدين و فتنة المفتونين و هم في هذا المقام يشاركون الرعية في ما لايخص بالامام اذ كل كبير له خواص في امارته لايشاركه فيها المامورون و اما في عبادته سبحانه و التشرع بشرايعه فالكل عبيد له سبحانه مشاركون في العبادات و الطاعات فهم في هذا المقام يتاسي بهم في اعمالهم و اقوالهم و احوالهم و يتعلمون منهم و يقتدون بهم و لكم في رسول الله اسوة حسنة اولئك الذين هدي الله فبهديهم اقتده و اما قول الصادق7 لاتنظروا الي ما اصنع انا افعلوا ما تؤمرون فيعني ما يخصه من تقية فانه مطرح الانظار و يلزمه من السلوك ما ليس يلزم غيره فهو حكم ثانوي و اما  في الحكم الاولي فهم اسوة و مقتدون يجب التاسي بهم كما يدل عليه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 200 *»

اخبارهم صلوات‏الله عليهم و في هذا المقام يجري عليهم ظواهر جميع ما ابرزوه من فضائلهم صلوات‏الله عليهم اجمعين و عوام الشيعة و اكثر الخواص لايعرفون منهم الا هذا المقام و يظنون انه ليس لهم مقام الا هذا المقام فيصدقون ما ينطبق عليه من اخبارهم و ياولون ما لاينطبق و كثير منهم ينكرون الباقي و يكفرون من حيث لايعلمون و لعمري هذا المقام ليس لهم الا كثوب لبسوه للضرورة و خلعوه اذا رفعت الحاجة عنه و عادوا الي ما كانوا.

فصـل: و هذا البدن منهم لا خصوصية له بهم بوجه من الوجوه فانه يمكن ان‏يتصل بغيرهم كما شرب ابوطيبة الحجام دم النبي9 و صار جزء بدنه و شرب ام‏ايمن بوله و صار جزء بدنها و اكل ريقه مع اللقمة تلك العجوز و صار جزء بدنها فانه تالف من عناصر يمكن ان‏تصير بدنهم او بدن غيرهم اليس انهم ياكلون من النباتات و الحيوانات و يستحيل الي بدنهم و يصير جزء له و انما هو بدن ياتمر بامرهم و يتشرف بشرفهم مادام متصلاً بهم فاذا خلعوه رد كل جزء منه الي اصله من العناصر و جري عليه حكم اصله و اذ لم‏يكن له خصوصية بهم اي لم‏يكن تنزل عقلهم و نفسهم او ساير مراتبهم لايجب ان‏يكون واحداً و شخصاً خاصاً بل ان صاغوا مثله الف مرءاة يتجلون في كلها فتري الف علي7 في الف مكان و هو من حيث الذات واحد ولكنه اتخذ الف بدن كلها في الاعتدال و الاستقامة و الطهارة سواء و كلها يحكي علياً معصوماً طاهراً مطهراً ابن‏عم للنبي و اخاً له و زوجاً للبتول و اباً للحسنين و والداً للائمة: و ان شاء خلعها و ان شاء ظهر بصورة الحسن او بصورة الحسين او غيرهما من صور الائمة: او غير صور الائمة كانسان او اسد او غير ذلك فان هذا اللباس ليس الا كعباءة لبسوها و خلعوها و الموت و القتل يجري علي هذا اللباس منهم و لذا قالوا ان ميتنا اذا مات لم‏يمت و ان قتيلنا اذا قتل لم‏يقتل فاذا قتل قتيلهم و دفن خلع الاعراض عن نفسه لعدم الحاجة اليها و تعلق باعلي عرش ربه فانه مقامهم الرابع و هو لايصيبه حد سيوف هذه الدنيا و لا حر نارها و لا شي‏ء من الاتها و هذا معني

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 201 *»

ما روي انهم لايبقون في قبرهم اكثر من ثلثة ايام و انهم في العرش ينظرون الي زوارهم و مواضع قبورهم.

بالجملة هذا البدن منهم عرضي يتوحد لهم و يتكثر و يظهرون في كل عصر باي عرض و اي لباس شاءوا و في حديث المعرفة بالنورانية تفصيل لهذا المقام و اجمله في قوله انتقل في الصور كيف اشاء من راني فقد راهم و من راهم فقد راني ولو ظهرت للناس في صورة واحدة لهلك في الناس و قالوا هو لايزول و لايتغير و انما انا عبد من عباد الله لاتسمونا ارباباً و قولوا في فضلنا ما شئتم فانكم لن‏تبلغوا كنه ما جعله الله لنا و لا معشار العشر الي ان قال فانا نظهر في كل زمان و وقت و اوان في اي صورة شئنا باذن الله عزوجل الخبر.

فصـل: ظهورهم في كل زمان باي صورة شاءوا له معنيان مرادان احدهما اسهل تحملاً من الاخر احدهما انهم يظهرون في زمان محمد9بصورة محمد و هي مرءاة مستقيمة معتدلة من كل جهة و لها توجه تام بهم فيظهر منها اثارهم و هي شاعرة بانها صورتهم و هم ينطقون بها و يسمعون و يبصرون و يعملون ما يعملون و كذلك في زمان علي7بصورة علي و زمان الحسن بصورة الحسن7 و هكذا الان هم بصورة القائم7 فهم كلهم نور واحد و روح واحد و طينة واحدة معصومون مطهرون عالمون قادرون حكام امرون و هذا يحتمل و اما  الذي يصعب حمله ظهورهم بغير هذه الصور الكاملة و قداخبروا بظهورهم بها في احاديث عديدة كحديث النورانية و غيره من الخطب حتي انه صلي الله عليه قال في الطتنجية انا الامل و المامول و هو يعم الكل و قال الا و انا نحن النذر الاولي و نحن نذر الاخرة و الاولي و نذر كل زمان و اوان و هو يعم الكل و هكذا ولكن يزول الاشكال اذا عرفت ان العالي اذا نزل الي الداني لاينزل بذاته و انما ينزل بظهوره له فاما ان‏ينزل بظهوره الكلي الحاكي لجميع شــٔون ذاته المهيمنة علي جميع صفاتها كالظهور الكلي المسمي بزيد المهيمن علي جميع صفاته من كاتب و نجار و صايغ و غيرها و هو الذي في جميع الحالات

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 202 *»

هو هو لايتغير و لايزول و له مقام الرجحان بالنسبة الي ذاته العليا و صفاته الدنيا المعبر عنه بالاصل القديم و الازلية الاولي و شمس الازل و غير ذلك و اما ان‏ينزل بظهوره الجزئي كالقائم و القاعد و الكاتب و الصايغ و غيرها فان هذه الصفات ايضاً لو ظهرت لذي عينين لرؤيت علي هيئة زيد الا ان القائم زيد قائم و القاعد زيد قاعد و علي اي حال هو زيد و الزيد المطلق اعطي كل واحد اسمه و حده و لاينافي القيام الزيدية و لا القعود بل كلها من جملة ما به زيد زيد فالزيد الكلي تجلي مرة في القائم و مرة في القاعد و لو رايتهما لرايتهما علي هيئة زيد بدون تفاوت و رايت الاسم دالاً عليهما بالمطابقة فانهما ليسا بشي‏ء غير زيد و ليس لهما شي‏ء اخر مع زيد و انما هما زيد محض فصدق علي كل واحد انه زيد بالمطابقة فلو قال زيد انا القائم و انا القاعد و انا الكاتب و انا الصائغ لم‏يكذب و لم‏يحتج الي تاويل بوجه من الوجوه بل لو قال غير ذلك لاحتاج الي تاويل قطعاً ولكن اكثر الناس لايعلمون.

و ان عرفت مما قدمنا و من ساير كتبنا ان جميع ماسوي حقيقتهم انما هو من شعاع نورهم و هو وصفهم نسبته اليهم نسبة القائم الي زيد فيزول الاشكال في قوله انا ادم انا نوح انا فلان انا فلان و لايحتاج الي تاويل ابداً فانهم بالنسبة اليه كالقاعد و القائم بالنسبة الي زيد قال علي7 يا سلمان و يا جندب قالا لبيك يا اميرالمومنين قال7 انا الذي حملت نوحاً في السفينة بامر ربي و انا الذي اخرجت يونس من بطن الحوت باذن ربي و انا الذي جاوزت موسي بن عمران البحر بامر ربي و انا الذي اخرجت ابرهيم من النار باذن ربي الي ان قال انا تكلمت علي لسان عيسي بن مريم في المهد و انا ادم و انا نوح و انا ابرهيم و انا موسي و انا عيسي و انا محمد الي ان قال من امن بما قلت و صدق بما بينت و فسرت و شرحت و اوضحت و نورت و برهنت فهو مومن امتحن الله قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و هو عارف مستبصر قدانتهي و بلغ و كمل و من شك و عند و جحد و وقف و تحير و ارتاب فهو مقصر ناصب الخبر فتبين و ظهر

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 203 *»

لمن نظر و ابصر ان هذه الاضافات كلها حقيقة كحمل القائم علي زيد بلا تفاوت و هو حمل شايع حقيقي لانكير عليه هذا.

بقي شي‏ء و هو ان هذا الحمل في المحسنين ظاهر و يتحمل فانهم صفاتهم و شعاعهم و نورهم و هل يجوز حمل غير المحسن عليهم ام لا و الجواب انه لا شك في عدم جواز حمل غير المحسن الخبيث علي المحسن الطيب فان الله يقول الخبيثات للخبيثين و الطيبات للطيبين اي الصفات الخبيثة للاشخاص الخبيثة و الصفات الطيبة للاشخاص الطيبة الا انه للخبث و الطيب مقامان مقام شرعي و مقام كوني اما الخبيث الشرعي فلايجوز حمله عليهم في الشرع فانه ليس منهم و لا اليهم بل من اعدائهم قال7 نحن اصل كل خير و من فروعنا كل بر و اعداؤنا اصل كل شر و من فروعهم كل فاحشة و اما في الكون فلا خبث لشي‏ء و انما الكل قداطاعت امر الله و امنت به و اسلمت له لايوجد شي‏ء غير مومن مسلم و لذا قيل بالنظر الاعلي ليس الا الله و صفاته و اسماؤه و اخبر الله بايمان الكل فقال كل قدعلم صلوته و تسبيحه و قال و ان من شي‏ء الا يسبح بحمده و في الزيارة يسبح الله باسمائه جميع خلقه فاذا كل الخلق كوناً طيبون و اذا كانوا طيبين كانوا من صفات الطيب الظاهر بهم فاذا هم صفاته و اسماؤه قال الله سبحانه زين لهم الشيطان اعمالهم و قال في اخري مبهماً زين لهم سوء اعمالهم و في اخري واضحاً زينا لهم اعمالهم و علي هذه فقس ماسويها.

فما في الديار سواه لابس مغفر و هو الحمي و الحي و الفلوات

و لنقبض العنان فللحيطان اذان و هذه الحمول ليست لهذا البدن الشخصي العرضي حتي يتحير المقصرون و ياول المبطلون و انما هذا الشخص احد تلك المحمولات و هو اجمعها و احكاها لجهات الموضوع و هو بمنزلة زيد الجامع و ظهوره و القائم مقامه و اما ساير المحمولات فهي كالقائم و القاعد و الكاتب و الصايغ تحمل علي حقيقة هذا الناطق و هي غير مقيدة بشي‏ء من هذه‏المحمولات و كلها بالنسبة اليه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 204 *»

اعراض و لنعم ما قال الشاعر:

يا جوهراً قام الوجود به و الناس بعدك كلهم عرض

و انما موضوع هذه المحمولات هو المطلق الظاهر بالجزئيات ففي الاجسام الجسم المطلق و في النفوس النفس المطلقة و في العقول العقل المطلق و في الحقايق الحقيقة المطلقة و جميع المطلقات كونهم و شرعاً مراتبهم و مقاماتهم و مقامات بابيتهم للامداد و الفيوض فان حيث ظهور المطلق في المقيدات هو حيث بابيته و اضافته الي من دونه و اما من حيث نفسه فهو مقام المعاني و اما من حيث ربه فهو مقام البيان و ظهوره الكلي مقام الامامة و القطبية و القلبية و ساير الظهورات الجزئية فهي اعضاء و جوارح و يصدق علي الكل اسم العالي فانه اعطي دونه اسمه و حده ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك و مارايت شيئاً الا و رايت الله قبله او معه لايري فيها نور الا نورك و لايسمع فيها صوت الا صوتك فارفع المصباح فقد لاح الصباح فتبين مما بينا ان العوام لم‏يعرفوا ايضاً مقام ظاهرهم كخواصهم يعلمون ظاهراً من الحيوة الدنيا و هم عن الاخرة هم غافلون.

فصـل: قدعرفت ان مقام قطبيتهم التي عليها يدور رحي العوالم و بها تقوم و تتماسك هو مقام كونهم اول ما خلق الله في كل رتبة بحسبه اذ اول كل رتبة عقله و العقل هو القلب كما قال الله سبحانه ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب و هو وسط الكل كما قال وليه7 و العقل وسط الكل و هو الطف الاعضاء و اشرفها و مبدؤها و اول ما يحيي منها بالعالي و اخر ما يرجع اليه الحيوة من الكل و هو الكعبة التي دحيت ارض الاعضاء من تحتها و هو اول بيت وضع للعالي و ظهوره لمنفعة الناس فمقام قطبيتهم التي عليها يدور الرحي هو مقام خفي عن الابصار اذ جسدهم في ذلك المقام الطف من محدب العرش و اعدل و اصفي و احكي للمبدء فهو لايري و لايدرك بهذه الاعين العرضية و ذلك المقام منهم مستمر علي مر الدهور و الاعوام ثابت دائم لم‏يزل و لايزول فان به تقوم السموات و الارض

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 205 *»

و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره و هو الامر المفعولي و في الزيارة بكم يمسك السماء ان‏تقع علي الارض و لولا ذلك المقام لمااستقر العالم طرفة عين و هو سواء كونه قبل ابينا ادم و معه و بعده فالعالم لو خلي منهم لساخ و تفتت و فسد و هو الذي يقول انا كذا انا كذا و لمايخلق هذا البدن العرضي و هو الذي كان في كل عصر و اوان يتحرك به كل عضو و يسكن به كل عضو و يفعل الافاعيل و اما هذا البدن العرضي فلا شك في تولده في وقت معين و لم‏يتالف قبل ذلك الوقت و ليس ذلك بالذي لولاه لساخت الارض باهلها والا لما بقي عالم قبل تولدهم و من هنا يؤتي الجهال بالاشكال فيتوقفون و يتحيرون.

بالجملة هذا البدن ليس عليه المدار و لايجب كونه متوحداً او متعدداً في عصر و ليس بقطب العالم و لايزيد في تمكنهم وجوده و لاينقص من تمكنهم عدمه الا تري انهم اذا ارادوا ان‏يغيبوا يخلعونه و اذا ارادوا ان‏يظهروا يلبسونه او يلبسون غيره و اذا ارادوا ان‏يتوحدوا لبسوا واحداً و اذا ارادوا ان‏يتعددوا اتخذوا البسة كثيرة و ليس هذا العرضي لهم الا كصورة دحية و الاعرابي لجبرئيل7 و هذه الالبسة بالنسبة الي جسدهم كمرايا تضعها علي الارض فيظهر فيها قرص الشمس و ترفعها و يغيب و مدار العالم علي القرص السماوي لا القرص الذي في المراة نعم وجود القرص من كمال الحجة و تمام النعمة و غاية الرأفة و منتهي الرحمة و يتمكن من النظر اليه من في عينه ضعف عن ابصار القرص السماوي و يقدر علي مساورته و معاشرته و الاستماع منه و النظر اليه و الاهتداء به و هذه المرايا تختلف في الاعصار علي حسب قوابل الجزئيات في الاوقات ففي زمان ظهر بالجمادات الكاملة المعتدلة و في زمان ظهر بالنباتات الكاملة المعتدلة و في زمان ظهر بالحيوانات الكاملة المعتدلة و في زمان ظهر بالملائكة الكاملة المعتدلة و في زمان ظهر بجني كامل معتدل و في زمان ظهر بالادمية و في زمان بالنوحية و في زمان بالابراهيمية و في زمان بالموسوية و في زمان بالعيسوية و في زمان بالمحمدية و في زمان بالعلوية و هكذا و انما ذلك كزيد يظهر لقوم انه نجار و لقوم انه نجار و صايغ و لقوم انه نجار و صايغ و كاتب و لقوم انه نجار و صايغ و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 206 *»

كاتب و عالم علي حسب المصلحة و الضرورة و التحمل فافهم و تبصر و ظهورهم بتمام ما لهم من المقامات و العلامات و المعاني و الابواب و الامامة انما يتحقق في الرجعة علي ما يتحمله قوابل هذه الدنيا و كماله بلا مانع في الاخرة رزقنا الله الفوز بولايتهم و التسليم و الاخبات لهم في الدنيا و الاخرة بحقهم و حرمتهم صلوات‏الله عليهم.

و هذه المقامات الخمسة اصول مقاماتهم و مراتبهم علي ما وصل الينا و عرفونا من انفسهم و اما ما لهم مما يعلمون من انفسهم فذلك فوق مشاعرنا و مداركنا كيف و لم‏يظهر لنا من كتب فضايلهم الا الف غيرمعطوفة و لنعم ما قال الشاعر:

ما عسي ان اقول في ذي‏معال علة الدهر كله احديها

فاذا كان لهم معالٍ احديها علة جميع الدهر فجميع الدهر يرجع الي تلك الواحدة و يحكي شــٔونها و اطوارها و لا علم له بما لم‏يتعلق به منها و لم‏يعرف من نفسه له و صلي‏الله علي محمد و اله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين وفيما ذكرنا كفاية لمن كان من اهل التسليم و اما غيرهم فلايكتفون ولو جئتهم بجميع ايات الله و براهينه

فهذه من علاه احدي المعالي فعلي هذه فقس ماسويها

 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 207 *»

خـاتـمـة

في بعض اسرار المعراج

و لما كان هذه المسئلة من المسائل المشكلة التي لم‏يعرف الي عصر مشايخنا حقيقتها كما ينبغي و لم‏ياذن الله سبحانه لظهور اسرارها الي ان جاءوا فشرحوا الكتاب و السنة و كشفوا الاستار و اوضحوا مقدمات الاسرار علي حسب قابلية اهل الاعصار فاراد الله سبحانه ظهور بعض اسراره علي السنتهم فانطقهم بحوله و قوته و بفضل انوار ساداتهم بذكر بعض اسراره فجزع كثير منهم لعدم تحمله و خضع كثير فتحملوه بقلب سليم و لما راوا اعلي الله مقامهم اختلاف اهل الزمان في تحمله و عدم تحمله اتوا ببيانات يعرفها الولي المسلم و يحرم عنها العدو الجاحد المعاند و مضي علي ذلك برهة من الزمان الي ان اراد الله سبحانه تصنيفي لكتاب ارشاد العوام لعوام العجم و بينت المطلب فيه ولكن مستوراً بالحجب العديدة لعدم تحمل العوام معرفة ذلك كيف و لم‏يتحمل علماؤهم ما بينه المشايخ اعلي الله مقامهم و لما قدر الله سبحانه تصنيفي هذا الكتاب المستطاب في فضايل ال‏الله الاطياب احببت و لا قوة الا بالله ان لايخلو ايضاً من هذه الفضيلة العظيمة و ارجو الله سبحانه ان اتي فيها ببيان يفوز منه الولي المسلم بمعرفة فضايل منهم جمة هي بالكتمان حقيق و يحرم العدو الجاحد من فهمه و يقع كما اختار في واد سحيق فهي اي هذه الخاتمة تحتاج الي رسم فصول.

فصـل: اعلم اولاً ان العلوم لها درجات مترتبة بعضها علي بعض و ليس يدرك القصوي منها الا بعد فهم الدنيا و ذلك امر مسلم قدعرفه اصحاب العلوم فاذلم‏يعرف القصوي منها الا بعد معرفة الدنيا لايجوز لمن لم‏ينل حظاً من الدنيا ان‏يتعرض علي اهل القصوي و ذلك معلوم عند كل من انصف من المتحصلين و ذلك ديدنهم في ساير العلوم و معلوم ان ترتب العلوم علي حسب ترتب موضوعاتها و الموضوع الاعلي علمه اعلي من علم الموضوع الادني بالبداهة لان كل علم حضور اعراض الموضوع عند العالم به و الاعراض تابعة للجوهر بالبداهة و من البين الذي لايحتاج الي ازيد من تنبيه ان اعلي الموضوعات التي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 208 *»

يبحث عن اعراضها و صفاتها في ملك الله سبحانه هو الموضوع الاول اي الجوهر الاول الذي به تجهر كل جوهر اي بفضل جوهريته تجهر كل جوهر لما دونه والا فالكل بالقياس اليه اعراض قائمة فمعرفة الكل هي العلم بذلك الجوهر و من لم‏يعرف جميع ما خلق الله سبحانه مما هو دون ذلك الجوهر لم‏يحط علماً بصفاته البتة كما ان من لم‏يعرف جميع عوارض اواخر الكلمات لم‏يحط علماً بالنحو و لم‏يظهر له الموضوع بظهوره الكلي و اسمه الاعظم الاعظم الاعظم و من عرف تمام اعراض الموضوع و لم‏يفته ذرة منها فهو العارف الكامل بذلك الموضوع فلايعرف الموضوع الاول كما هو الا هو انت كما اثنيت علي نفسك لااحصي ثناء عليك فاذا كان جميع ما خلق الله سبحانه في ملكه من صفات ذلك الموضوع الاول و اعراضه فجميع الموضوعات و اعراضها مبادي العلم بذلك الموضوع الاول و ما لم‏يحصل الانسان تلك المبادي لايجوز له التعرض لاهل ذلك العلم و الرد عليهم و جحود قولهم و القدح فيهم و من البين ان الجوهر الاول و الموضوع الاول هو اول ما خلق الله سبحانه اذ لايصح ان‏يكون الذات الاحدية موضوع العلوم اذ بتجهيره الجواهر علم ان لا جوهر له و كمال توحيده نفي الصفات عنه و ليس بمعرض للعوارض التي هي البتة غيرها و حادثة فليس الذات البحت الاحدية موضوع علم و لا تعلم و لا تعرف سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين فمبدء العلوم و اعلاها و اسناها و اشرفها هو العلم المتعلق بالجوهر الاول و هو بالاجماع و الكتاب و السنة محمد9 و اهل بيته الذين هم من جنسه و نوره و روحه و طينته و اعراضهم صفاتهم و فضائلهم فالعلم المتعلق بذلك الجوهر المقدس هو علم فضائلهم فعلم فضائلهم هو اشرف العلوم و اعلاها و اسناها و اقصاها و جميع العلوم مبادي ذلك العلم و مقدماته و يحتاج اليها للوصول الي هذا العلم و ليس شي‏ء منها مقصوداً بالذات فان تحصيل المبادي لحصول الغايات و انت تعلم لو انصفت ان العلوم لاغاية لها و لا نهاية فان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 209 *»

الموضوعات في الدنيا لا غاية لها و لا نهاية و قدسردنا بعض كلياتها في بعض كتبنا فما لم‏يعلم الانسان المبادي و لم‏يحصل تلك العلوم كيف يجوز ان‏ينطق في هذا العلم فضلاً عن ان‏يتعرض علي اهله او يرد فضلاً عن ان‏يجحد و ينكر فضلاً عن ان‏يكذب و يكفر نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين بل كذبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و لماياتهم تاويله و اراهم لايجسرون علي التنطق في علم الاصول عند المعلمين ما لم‏يحصلوا مباديه و لايتعرضون لهم به و لايردون عليهم و يقولون نحن لم‏نبلغ هذا العلم و ليس لنا ان‏نتعرض لاهله بل اذا قراوا عليهم يقراون عليهم اول المتون تسليماً من دون برهان ثم يعودون علي الشروح او القراءة عليهم بالاستدلال و اذا ذكر شي‏ء عندهم من علم الفضائل الذي هو اقصي العلوم يخرج من كل ناحية منهم من لم‏يعرف الهر من البر و يتعرض علي علمائه بالقدح و التكذيب و التكفير و قدبدت البغضاء من افواههم و ما تخفي صدورهم اكبر و ليس ذلك الا ان الولاية كبيرة الا علي الخاشعين و الا فما الباعث علي سكوتهم عن كل شي‏ء في كل علم و خروجهم علي اوليائهم مجمعين علي قدحهم و ردهم مع انهم بمعزل عن هذا العلم بالكلية و قدعرفت بالبرهان ان هذا العلم اقصي العلوم و تري بالعيان انهم ماملكوا عشراً من معشار مباديه فكيف جاز لهم هذا الرد و القدح و هم لايعرفون ما يقولون و لا ما يردون و لعله شي‏ء مما اجمعت العامة و الخاصة عليه و يريدون ان‏يعرفوا ذلك العلم باصولهم و فقههم لا بل بنحوهم و صرفهم لا بل بمخيطهم و مقصهم لما جسرهم اشباه العلماء علي رد الازكياء و حرضوهم علي تكفير الاولياء و الي الله المشتكي و هو المستعان.

فمن فضائلهم العظيمة علم المعراج و هو من مشكلات العلوم و معضلات الرسوم و مبهمات المسائل في علم الفضائل و لم‏يفز بحقيقته الا كل من له في هذا العلم قدم راسخة و ضرس قاطع و لا كل ما حاز الجمال بيوسف و لا كل حمال بذي‏مال فمع ذلك ليس من الانصاف ان‏يتعرض كل علاف و يقوم بالخلاف علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 210 *»

اصحاب ذلك المصاف فليتقوا الله و لينظروا لانفسهم فان يريدوا فهم هذه المسئلة فليقوموا بحقها والا فليذروها في سنبلها و لا قوة الا بالله.

فصـل: اعلم ان هذه المسئلة بخصوصها مما ينطق فيها عن كيفية صعود النبي9بجسمه الشريف من الارض في ليلة الي السموات حتي بلغ عرش رب العالمين و نزوله الي الارض في تلك الليلة فالذي يتعلق بهذه المسئلة من كليات العلوم و جوامعها علوم اذ من حيث انه9 مقامات الله جل‏جلاله و صعد اليها و بلغ منتهاها يتوقف علي علم البيان و من حيث ما ظهر له به و تجلي له به و دنا منه فتدلي يتوقف علي علم المعاني و من حيث انه نظر من مثل سم الابرة الي نور العظمة و ان لم‏يتجاوز حجاب الزبرجدة الخضراء الذي كان يتلألأ بخفقان يتوقف علي علم الابواب و من حيث انه بقي وراء الحجاب يتوقف علي علم الامامة و الغوث و من حيث صعوده الي الله سبحانه يتوقف علي العلم الالهي بالمعني الاخص و من حيث صعوده الي مباديه بجذب النفوس التي هي وراء هذا العالم يتوقف علي العلم الالهي بالمعني الاعم و من حيث ان الكلام في جسمه ايضاً يتوقف علي العلم الطبيعي و من حيث انه صعد الي السماء يتوقف علي علم الهيئة و علم الهندسة و علم الحساب و من حيث انه كان له جسم مركب من العناصر يحتاج الي علم الضم و الاستنتاج و من حيث انه روّحه و صعده يتوقف علي علم الصناعة الفلسفية و من حيث انه صعد مسافة خمسين الف سنة في السموات يتوقف علي علم ابعاد الاجرام و من حيث انه فارق مقام العناصر و كل فلك فلك يتوقف علي علم صناعة التحليل و من حيث انه عاد الي مبدئه يتوقف علي علم المعاد و قوس الصعود و من حيث انه لايصل احد الي كنه العود الا بمعرفة البدء فانه كما بداكم تعودون يتوقف علي علم البدء و قوس النزول و من حيث تعلق اشراق مباديه علي منتهاه و سلب الاشراق عند التوجه الي المبدء يتوقف علي العلوم الانطباعية و من حيث ان هذه المسائل لاتعرف بصرافة العقل فانه مشوب و لايحصل القطع بالاصابة الا بالوزن بالموازين و اعظمها كتاب الله سبحانه يتوقف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 211 *»

علي علم التفسير ثم اخبار الائمة : لانهم الميزان القسط فيتوقف علي علم الاخبار و علم الاصول و علم الرجال و علم الكلام و علم المعاني و البيان و علم النحو و علم الصرف و علم اللغة و ساير مايتوقف عليه علم الاخبار و لما كان هذه العلوم لاتعرف الا بمباديها بالبداهة يحتاج الانسان الي العلم بمبادي هذه العلوم اولاً ثم الي تحصيل هذه العلوم بحقيقتها فاذا نال منها الحظ امكنه الخوض في هذه المسئلة ثم يجب عليه تحصيل الحكمة فيها بعد ذلك حتي يبلغ منتهاها و يعرف ساير المسائل الحكمية التي عليها مدار هذه المسئلة حتي يعرفها ان كتبت له و قدرت والا فلا و ربك و انه محروم عن نيلها فانصف ايها المطلع علي كتابي هذا هل يجوز علي العلماء الظاهريين الذين منتهي حظهم الاصول و الفقه ان‏يتعرضوا لعلماء الحكمة في هذه المسائل او يزلقوهم بالسنة حداد فضلاً ان‏يردوا عليهم و يكذبوهم او يلعنوهم و يكفروهم و يغروا العوام الذين هم كالانعام علي قدحهم و لما يشموا رايحة هذا العلم و لم‏يعرفوا مدخله و مخرجه فيا ايها الناظر ان حصلت هذه العلوم فخض في لجج تيارها والا فلاتفسدنها و اعط القوس باريها ففي الحديث لو ان الناس اذا جهلوا وقفوا و لم‏يجحدوا لم‏يكفروا.

فصـل: احب ان اذكر في هذا المقام امر السلسلة العرضية التي هي اس من الاساس و اصل من الاصول في هذه المسئلة و غيرها و هي معرفتها من المهمات و ليس في هذا الكتاب موضع اليق بها من هذا الموضع فاقول اعلم ان الله سبحانه لا من شي‏ء كان و لا من شي‏ء كون ما قدكان و لم‏يخلق ما خلق من اصول ازلية و مواد قديمة بل اخترعها لا من شي‏ء اختراعاً و ابتدعها لا لشي‏ء ابتداعاً و لم‏يتحرك في خلقها بعد سكون و لم‏ينطق بعد سكوت بل هي نور منه تعالي قدره مستطير و ظهور منه اثير لم‏يترقب حدوث شي‏ء منها عن عدم و لم‏ينتظر وجود شي‏ء بعد فقد و كل خلق من اجزاء خلقه دائر علي نفسه له عند ظهوره سبحانه به و قائم بنفسه له تعالي قدره عند تجليه به امسك الاشياء باظلتها و اقامها بها في حدها و ان كان كل عال منها علة من حيث الظهور للداني فكل شي‏ء في حده و مقامه مخلوق

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 212 *»

بنفسه عند موثره القريب و ان كان بواسطة ذلك الموثر عند الموثر الاعلي فاذا كل شي‏ء له جهتان جهة فعلية للعالي و جهة مفعولية فالاولي هي ارق مراتبه و الطفها و احكاها لمثال الموثر الملقي فيه الذي هو حقيقته لا غير اذ حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما و الثانية هي اغلظ مراتبه و اكثفها و احجبها لذلك المثال فلاتري الا نفسها كما لاتري الاولي الا مثال موثرها فتسمي الاولي بالغيب لغيبوبتها من حيث نفسها عند ظهور ربها كما قيل الذات غيبت الصفات و تسمي الثانية بالشهادة لظهورها بنفسها و اليهما الاشارة بقوله سبحانه عالم الغيب و الشهادة فبذلك تحقق لكل اثر غيب و شهادة ثم مقام شهادته لبعده عن ربه و برده اللازم للبعد تكثر و تباين اجزاؤه فكان مقام تعدده و تفرقه و مقام غيبه لقربه من ربه و تشاكل اجزائه و شدة رقته كان مقام تفرده و توحده فبذلك صار مقام غيبه مقام تجرده عن كثرات الشهادة و مقتضياتها و اعراضها و صار ربوبية مقام شهادته و مقام شهادته صار مقام تكثره و عبوديته لتلك الربوبية الا انهما من مادة واحدة نوعية و صورة واحدة و انما الاختلاف بينهما في الشخصية فما خفي في الربوبية اصيب في العبودية و ما فقد في العبودية وجد في الربوبية و لذلك قال الرضا7 قدعلم اولواالالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا ثم مقام الغيب و التجرد و الربوبية لابد و ان‏يوجد في مراتب فادناها مقام الاقتران بالعبودية و التعلق بها فلابد و ان‏يكون مصوراً بصورة هي اصل العبودية كما ان حركة يدك مصورة بصورة من حيث الاسفل هي اصل الحرف المكتوب فان الحرف المكتوب اثر تلك الصورة صادر منها و قدعرفت ان مقام الغيب مقام الفعلية التي بها خلق حيث العبودية فاسفل مقام الفعلية مصور بصورة مجردة عن المواد المفعولية و مددها و هو مقام الكلمة التي ينزجر بها عمق المفعول و هو صورة كلية جامعة تجمع جميع صور الكثرات المفعولية من حيث نفسها ولكن لها رءوس و وجوه في عرصة المفعول بعدد صوره المتكثرة و كلها فعليات تلك الصورة و كمالاتها فافهم و اعلاها مقام الفعل من حيث نفسه مجردة عن شوائب

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 213 *»

التعلق فليس في ذلك المقام الا نفس الفعل التي خلق بها فان الله سبحانه في كل مقام خلق المشية بنفسها ثم خلق بها الشي‏ء اي المفعول فاعلي مقام الفعل مقام نفسه و هو مقام النقطة و الرحمة و مثله في الكتابة الحركة المطلقة و هي الانتقال المحض من غير خصوصية ثم لما كانت مراتب الوجود تدريجية لابد و ان‏يكون بين تلك الحركة المطلقة البسيطة بالنسبة و بين تصورها متعينة بالفعل برزخ لئلايلزم الطفرة و عدم تناسب المراتب و من شأن البرزخ ان‏يناسب الاسفل من حيث الاسفل و الاعلي من حيث الاعلي فهذا البرزخ ادناه مصور بصورة رقيقة تكاد ان‏تخفي و تستهلك في مادتها و يمثل لها بالحروف و اعلاه مصور بصورة مستهلكة في مادتها و يعبر عنها بالمعني و هي صورة غيبية كلية لاستهلاكها في المادة المتوحدة و يمثل لها بالالف اللينية فبذلك حصل لمقام فعليته اربعة مقامات الاول الاعلي مقام الحقيقة و هناك قداتحدت الصورة بالمادة بعد التشاكل و التمازج و التفاعل فكانتا شيئاً واحداً و انما ذلك لاجل ان جميع ما هو بالفعل في الادني بالقوة في الاعلي و كذا العكس فليست الحقيقة مجردة واحدة حقيقة فان الله سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته و هذا المقام يسمي بالفواد و نور الله و النفس و امثال ذلك و الثاني مقام المعني الكلي و هناك قدتلاشت الصورة في المادة و اضمحلت ولكن لم‏تتحد بالمادة و هذا المقام يسمي بالعقل و الجوهر الدراك و القلم و امثال ذلك الثالث مقام الصورة الرقيقة و هناك كادت الصورة ان‏تتلاشي في المادة و ان لم‏تتلاش بالكلية فهي صورة برزخية بين المعني و الصورة و تسمي بالروح الملكوتية و الروح من امر الله و غير ذلك و هي كالمداد في راس القلم و الفؤاد كالمداد في الدواة و مقام النون في قوله تعالي ن و القلم ومايسطرون الرابع مقام الصورة بالفعل المجردة الجامعة السارية في جميع صور

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 214 *»

مقامات المفعول و يسمي بالنفس و هو مقام مايسطرون و اللوح الذي يستنسخ صور اعمال المفعول منه انا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون اي من اللوح فكان يوافقه اعمالكم فاذا تم الفعل من مبدئه الي منتهاه خلق الله سبحانه به المفعول مقام العبودية و له ايضاً اربع مراتب الاولي مقام الرحمة اي الرطوبة و اليبوسة اللتان هما مقام المادة النوعية للمفعول و مقام عبودية حقيقة ربوبية الفعل و ان كانت بواسطة الكلمة التامة و هو حقيقة المفعول التي فيها اتحدت صورتها بمادتها بحسب رتبتها و هي مع ذلك اكثف و اشد تكثراً من النفس بسبعين مرة و اشد تعيناً الا انها بالنسبة الي الادني و تكثراته متوحدة متفردة الثانية مقام الالف اللينية و الرياح و يسمي بالهباء و المادة ايضاً و هو عبودية ربوبية مقام العقل و ايته في المفعول و فيه يكون الصور الشخصية متلاشية مضمحلة فهي موجودة فيه بالمعنوية الظاهرية الثالثة مقام الحروف و السحائب المزجاة و يسمي بالاظلة و المثال و هي صور رقيقة لطيفة كادت ان‏تستهلك في المادة و يغلب عليها حكم المادة و هي عبودية ربوبية الروح الملكوتية الرابعة مقام الكلمة و يسمي بالجسم و هي صورة غليظة بالفعل متكثرة منجمدة و هي عبودية مقام النفس و الاصل في الجميع ان الموثر لما اراد صنع الاثر صنعه حيث يمكن لا حيث يمتنع و من الامكان لا من الامتناع و الامكان لابد و ان‏يكون صلوح الكون و قوته و صلوح الكون صورة لابد لها من مادة فهو مركب من مادة نوعية و صورة نوعية ثم اخذ منه الصانع حصة و كساها صورة الكون و تلك الحصة هي المادة الشخصية و تلك الصورة هي الصورة الشخصية فبذلك وجب في كل اثر من مادتين نوعية و شخصية و صورتين لهما و لما كان مخلوقاً بنفسه كان لتلك المراتب حيث فعلية و حيث مفعولية و الحيوث الفعلية هي المسماة بالمشية و الارادة و القدر و القضاء كما اشار اليه الرضا7 في حديث يونس حيث قال يا يونس تعلم ما المشية قال لا قال هي الذكر الاول فتعلم ما الارادة قال لا قال

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 215 *»

هي العزيمة علي ما يشاء فتعلم ما القدر قال لا قال هي الهندسة و وضع الحدود من البقاء و الفناء قال ثم قال و القضاء هو الابرام و اقامة العين الخبر و هي المشار اليها في حديث زكريا بن عمران عن موسي بن جعفر7 قال لايكون شي‏ء في السموات و لا في الارض الا بسبع بقضاء و قدر و ارادة و مشية و كتاب و اجل و اذن فمن زعم غير هذا فقد كذب علي الله او رد علي الله عزوجل فهذه السبعة اصولها تلك الاربعة اذ الكتاب تمام القضاء و الاجل من القدر و يجري ايضاً في الكل و الاذن في الكل و قداشار الي هذه المقامات الفعلية و المفعولية الصادق7 في حديث مفضل نسبحه و نمجده و نقدسه في ستة اكوان كل كون منها ما شاء الله من المدا قال المفضل يا سيدي فمتي هذه الاكوان قال يا مفضل اما الكون الاول فنوراني لا غير و اما الكون الثاني فجوهري لا غير و اما الكون الثالث فهوائي لا غير و اما الكون الرابع فمائي لا غير و اما الكون الخامس فناري لا غير و اما الكون السادس فاظلة و ذر لا سماء مبنية و لا ارض مدحية فيه الذي قال الله تعالي خلق الجان من مارج من نار انتهي فالكون النوراني هو المشية المسماة بالفؤاد المشاراليه بقوله تعالي ما كذب الفؤاد ما راي و النفس المشاراليها بقوله و في انفسكم افلاتبصرون و نور الله المشاراليه بقوله9اتقوا فراسة المومن فانه ينظر بنور الله و قال الصادق7 اي النور الذي خلق منه و اما الكون الجوهري فهو المشاراليه بقول علي7العقل جوهر دراك محيط بالشي‏ء قبل كونه و اما الكون الهوائي فهو الروح المشتقة من الريح كما روي و الريح هو الهواء المتحرك و اما الكون المائي فهو النفس سميت به لكثرة امواجها و كثراتها و هذه الاربعة مراتب الفعل بالنسبة الي مراتب المفعول و تسمي بالاسماء الفعلية بالنسبة الي المفعول و بالفؤاد و العقل و الروح و النفس بالنسبة الي انفسها و كونها حقايق مستقلة و اما الكون الناري فهو الطبيعة الياقوتة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 216 *»

الحمراء نار الجحيم و النار المخلوقة من الشجر الاخضر و نار السموم التي خلق منها الجان فاخذ لهم حصة منها في الاظلة و صوروا بصورة الذر كما اشار اليه7 و اما الكون السادس فاظلة و ذر يمكن ان‏يؤخذ الاظلة  المادة و هي الكون الهبائي كما روي ان الله يمسك الاشياء باظلتها اي بموادها فانها المستقلة و الصورة عارضة عليها محفوظة بها و يؤخذ الذر المثال و يمكن ان‏يؤخذا عبارتين عن المثال لان الاظلة وصفت في الاخبار بالخضراء و هي صفة المثال كما روي و يدخل المادة في الكون الناري فانها حصة منه و الاول اولي و الكون السابع او الثامن هو الكون الجسماني فانه7 اثبت الاكوان الستة قبل السماء و الارض فهذه ثمانية اكوان ثابتة لكل شي‏ء و ان كان مورد الخبر خاصاً اذ ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و هذه الاكوان هي كلها من مادة نوعية واحدة و هي الوجود و الماء الذي منه كل شي‏ء حي و كل واحد منها كامن في كل واحد و بالقوة و كل دان منها غليظ العالي و جموده بمادته و صورته و ليس انها كلها من مادة واحدة و الاختلاف في الصورة المحضة فان الصورة الكثيفة لاتكسي علي المادة اللطيفة و اللطيفة لاتكسي علي الكثيفة فان الصورة نهايات المادة و فعلياتها التي هي صالحة لها بالصلوح القريب المستعد الي الفعلية اذ القوي القريبة هي التي تترجح قبل كل شي‏ء عند تاييد المويد فتدبر فيما اشرت اليه فانه دقيق فلابد من المناسبة بين المواد و الصور فلايكون مادة النفس الملبسة بالصورة هي من مادة العقل الملبسة بالمعني بل النفس بمادتها و صورتها تحت مرتبة العقل بمادته و صورته فمرادي من كونهما من مادة واحدة كونهما من مادة واحدة نوعية لا شخصية فالمادة النوعية في الكل الماء الاول و الوجود الذي يخلق منه الشي‏ء و لذلك الماء درجات في الرقة و الغلظة فيؤخذ من رقيقه حصة فتكسي صورة العقل و لاتقبل غيرها و من دوينه حصة تكسي صورة الروح و من دونها حصة فتكسي صورة النفس و هكذا و تفاوت مراتبها بالتشكيك لانها كلها فعليات الوجود المطلق و قداعطي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 217 *»

كل مرتبة اسمه و حده علي السواء و ايتها الاجسام الظاهرة تحت الجسم المطلق مع تفاوت مراتبها في الرقة و الغلظة مادةً و صورةً.

ولكن هيهنا تفصيل لايعرفه الا من عرفه الله سبحانه اياه و هو ان كل مرتبة دنيا و ان كانت من نوع مادة العليا كما نبهناك عليه لكنها من حيث الشخصية مدبرة بتدبير صاحب المرتبة العليا مويدة بتاييده قائمة بحفظه قيام حركة المفتاح بحركة اليد و يشير الي ذلك ما روي ان الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي و الكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش و العرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب و الحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر و ما روي في حديث الاعرابي في النفس الناطقة القدسية مقرها العلوم الحقيقية الدينية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية الخبر و ما روي في امر القلم انه كتب ما كان و ما يكون في اللوح و بيان ذلك علي ما يليق بهذا المقام ان العقل هو اول ما خلقه الله كما روي في اخبار متضافرة و الاول ما لا سابق قبله فهو في كل مرتبة مخلوق بنفسه غيرمتوقف علي غيره و العرش الكائن علي الماء من قبل ان‏يكون ارض او سماء و الماء هو الماء الذي منه كل شي‏ء حي فخلق من صوافيه نفس العرش و دار علي البواقي فكان العرش هو الذكر الفاعل و الماء هو الانثي المفعول قال علي7العقل جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشي‏ء قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب انتهي فلما دار علي الماء و هو بحر الصاد الذي توضأ منه رسول الله9ليلة المعراج حين راي جميع ما سواه ميتاً فاراد العروج المعنوي بالصلوة كما عرج بالصورة فلما دار علي ذلك الماء و طرح عليه انواره التي هي نطفته الملقاة في رحم ذلك الماء و تحرك قواه القريبة الي الفعلية التي هي نطفته فامتزجتا و اختلطتا و كملت نطفة العقل التي هي اشد روحانية و فعلية نطفة ذلك الماء و بلغتها مبلغ الفعلية فخرج من امكانه كون و لما كان اقوي القوي اقرب الي الفعلية و القوة المناسبة لفعل الفاعل اسرع انفعالاً منه من غيرها حدث من اشراق العقل و دورانه علي الماء بعد ما شاء الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 218 *»

من المدا الروح الملكوتية فخرجت من القوة الي الفعلية و من الامكان الي الكون فكانت روحاً مكونة موجودة بالفعل حية بالذات قائمة بتأييد العقل متولدة عن نطفته فهي جزؤه و ولده ثم دارت الروح علي الباقي من الماء فطرحت عليه شعاعها و استخرج منه قوة اخري فكانت النفس كما شرحنا و بينا و هكذا و اية ذلك ادم7 خلق من الارض التي هي امكان كل المواليد و كذا زوجته فلما خلقا من الارض و قاما اكلا مما علي الارض و دبراه و اصلحاه فاستخرجا ما في قوته الي الفعلية فاخرجا منه ولداً ثم قام ذلك الولد فاكل مما علي الارض و استخرج منه ولداً اخر.

و ان قلت ان هيهنا قديكون الولد مثل الوالد او اكمل منه و هنالك الروح ادني من العقل و النفس ادني من الروح و هكذا قلت ان هذا النكاح جزئي و ذلك النكاح كلي فالعقل اذا دبر الماء بتدبيره يدبر جميع ما فيه من صلوح الروحية فلايدع قوة صالحة لها قريبة من الفعلية الا اخرجها الي الفعلية ثم اذا  قامت الروح و دبر الماء بتدبير انقص و اضعف من تدبير العقل استخرج جميع ما في الماء من قوة صالحة قريبة من الفعلية للنفسانية و هكذا و اما القوي البعيدة عن الفعلية فتتوقف الي وقت وجود اسباب خروجها الا تري تولد ارواح بني‏ادم بعد خلقة السموات و الارض و ليست حصصاً مأخوذة من نفسها بل امثالها مكملة مستخرجة فمن هنالك اعتبر عن ما هنالك و افهمه بالجملة فكل مرتبة دنيا قدخرجت الي الفعلية بتاييد الرتبة العليا و اشراقها فشخصيتها قائمة بشخصية العليا قيام حركة المفتاح بحركة اليد توجد بوجودها و تعدم بعدمها لان الطفرة في الوجود باطلة و كل عليا علة كل دنيا و سبب وجودها و كل دنيا قائمة بشعاع العليا قيام الشعلة باشراق النار و اضاءتها و قيام استنارة الجدار بشعاع الشمس و نسبة كل دنيا الي العليا نسبة الواحد الي السبعين فهي صنعها و خلقها اي من حيث الشخصية و اما من حيث النوع فكلها اثر مشية الله سبحانه المطلقة قدخلقت بنفسها فكل صانع شي‏ء فمن شي‏ء صنع و الله سبحانه لا من شي‏ء صنع فلايسأل عما يفعل و هم يسألون فهذا مجمل ما اردنا ايراده هنا من امر السلسلة العرضية و التفصيل موكول الي ساير كتبنا.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 219 *»

فصـل: اعلم انك بعد ما عرفت ان الموجودات الشخصية التي هي تحت مطلق واحد كلها من مادة واحدة نوعاً و ان لدرجاتها تفاوتاً و ان الدنيا منها من نوع العليا الا انها غلايظها و العليا منها من نوع الدنيا الا انها من لطايفها و يجتمع كلها تحت مطلق واحد يعطي كلها اسمه و حده علي شِرع سواء اذ كلها تمثله و ظهوره في الخارج و هو في مقامه احدي ثم من كل عالية بعد الاستكمال وقع الشعاع علي الدانية لاحداث الوجودات الشرعية و اخراج القوي المستجنة لعلك تعرف ان الداني لاينفعل من مثال العالي الا بعد ان‏يتطور الداني اطواراً و هو قوله سبحانه مالكم لاترجون لله وقاراً و قدخلقكم اطواراً و هي طور النطفة و العلقة و المضغة و العظام و كسوة اللحم و انشاء خلق اخر و هي المشاراليها بقوله خلق السموات و الارض و ما بينهما في ستة ايام و ذلك ان سبيل الاستخلاص و التكوين ان‏ياخذ المكون اولاً مادة المكوَّن فان كان لها رطوبة فاضلة مطاوعة تطاوع بها تدبير المدبر حتي يبلغ بها منتهي ارادته يخرج من قوتها الي الفعلية اكمل قوة استجنت فيها والا فيقعد بها قصورها في اثناء الطريق فيظهر مبادي تلك القوة و معداتها دونها فاذا اخذ المكون المادة شرع اولاً في خلط لطيفها بكثيفها و عاليها بدانيها لان غرضه المولود الجامع لجميع الاطوار و هو مقام الجمادية فان قصر بها الرطوبة تجمد علي الجمادية ثم لاتطاوع فتسقط نطفة و ان كان رطوبتها ازيد من ذلك شرع في تصفيتها و تنقيتها عن الاعراض فان قصر بها الرطوبة و جمدت تبقي معدناً فتسقط علقة و ان كان لها رطوبة ازيد من ذلك ينقيها عن الاعراض و يصفيها ثم يعدلها فان قعد بها نقصان رطوبتها المطاوعة في اثناء التعديل تجمد برزخاً بين المعادن و النبات من قبيل المرجان و الصدف و ما يشاكلهما و تسقط مضغة فان وفت رطوبتها حتي عدّلها كمال التعديل النسبي في الكيف و الكم ظهر عليها اثر الطبيعة المطلقة الجامعة فيها فنمت و ربت من جميع اقطارها بفضل روحانية الفاعل و جذبه من كل جهة علي السواء و مشاكلتها له في استوائها علي عرش الاضداد في الجملة فظهر منها قواها و خواصها ثم جمدت فلم‏تطاوع انعقدت نباتاً

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 220 *»

و سقطت عظاماً و ان وفت الرطوبة حتي عدلها و سما بها الي ما ترتقيه فجمدت في اثناء الطريق انعقدت برزخاً بين النبات و الحيوان كبورايخ و ما يشاكله و سقطت مصورة مكسية لحماً تامة الاعضاء فان بقيت فيها الرطوبة حتي انتهي بها السمو و الترقي و حدث فيها الدخان الفلكي الذي هو الطبيعة الخامسة و جمدت عليها انعقدت حيواناً و سقط الجنين بعد اربعة اشهر فان كان رطوبتها بحيث سما بها الي ما ترتقيه علي نهج الكمال و تجاوزت الموج المكفوف و البخار المالوف الي ان صارت دخاناً فلكياً و جرماً سماوياً تخلقت باخلاق العالي اي النفس الغيبية فصارت موجودة بما هي انسان دون ان‏تكون موجودة بما هي حيوان و دخلت في الباب الملكي الصوري و تولدت انساناً ثم ان وفت رطوبته المطاوعة الي ان‏ترقي في المدارج الانسانية الي ان ظهر عليه اثار غيب الكرسي بلغ النبوة او غيب العرش بلغ مقام الخاتمية المبدئية ثم يتدرج في مدارج رب زدني علماً و رب زدني فيك تحيراً و يرتقي في مراقي ليس لمحبتي غاية و لا نهاية و هو اقصي غاية مراد المريد من تدبيرها و اكمل استعداد يمكن في المواد الخلقية و لا كل ما يتمني المرء يبلغه و من البين ان رطوبتها و رقتها ما لم‏تكن بلانهاية لم‏تدم تحت حرارة نار تدبير المدبر الي ما لا نهاية له فلابد و ان‏تكون درجات المادة الماخوذة متفاوتة في الرقة و الغلظة و تكون احيازها مختلفة علي حسب اختلاف مراتب الخلق فان كلاً منها قدوقف في حد و لم‏يقف الا بجفاف الرطوبة و لم‏تجف الا علي حسب مقدار الرطوبة فثبت بذلك ان درجات المادة الماخوذة لها متفاوتة فالمطاوع الي ما لانهاية له عوداً كان رطباً رقيقاً بلانهاية بدءاً و ليس هو الا الماء الاول كما بدأكم تعودون و لولا ان مراد المكون احداث هذه الغاية لما عطف عنايته الي تدبير هذه المدبرات كما ان مراد الابوين من النكاح توليد الولد الكامل فان عرض عارض سقط قبل بلوغ الكمال والا يتولد المولود علي حسب غاية المراد فتدبر و لابد في كل من المراتب العرضية المذكورة في الفصل السابق من هذه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 221 *»

الاطوار ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و لكل مرتبة وقوف علي حسب رقتها و غلظتها و مطاوعتها و عدم مطاوعتها و يجري هذه الاحكام في بسائط كل مرتبة و مواليده الا ان البسائط وجودات ملكية ناقصة و المواليد موجودات تامة مستكملة بالنسبة فعلم من ذلك ان الانسان و الجامع منه اكمل منها و اجمع و اشرف منها و اسناها و اعليها و اسبقها في الوجود و احكاها للغيب و اسماء الله و صفاته و ان كان في الجثة اصغر منها فان الصغر و الكبر ليس لهما مدخلية في حكاية الغيب و لا عبرة بهما و انما العبرة بالرقة و الغلظة و الصفاء و الكدورة و الاستقامة و الاعوجاج فالجامع صلوات‏الله عليه هو مهبط مشية الله و مورد ارادته و المودي عنه توحيده في المراتب الاربع كما عرفت فيما سبق فتدبر.

فصـل: و اذ قدانتهي بنا الكلام الي هيهنا فناسب ان‏نذكر قليلاً من امر السلسلة الطولية ايضاً التي هي عماد جل مسائلنا و سناد كثير من مطالبنا و معرفتها من خواصنا و قد غفل عنها العلماء الكاملون و الاحبار الفاضلون و لايعرف هذه المسئلة اي مسئلة المعراج الا بمعرفتها و كتبنا هذه المسئلة مفصلة في رسالة اخري خاصة و في ساير رسائلنا و نكتفي هيهنا بعبارات جامعة قصيرة و اشارات لطيفة بحيث تناسب هذا الكتاب.

فاقول اعلم ان الله سبحانه كما عرفت مكرراً احدي الذات طاوٍ باحديته جميع الكثرات و معني ذلك انه لايتناهي بشي‏ء سواه اي ليس اذ ذاك هو شي‏ء سواه علي معني الامتناع البحت فلايتجزي بجزئين جوهريين و لا عرضيين و لا جوهر و عرض و ليس يدرك شي‏ء معه الا بعد رفع النظر عنه و ليس انه انقسم قسمين جوهراً و عرضاً فاذا قستهما كان خلقاً و لا انه صالح للظهور بخلقه و التجلي بكثراته نعوذ بالله فانه لاينقسم و لايكون صالحاً لامر الا ذوقوة يكون قوته صورته غير مادته فان القوة معني وصفي يوصف به صاحبه كالبحر المنقسم الي الامواج و الكلي الظاهر بالافراد و من هنا خبط القوم خبط عشواء فمثلوا له سبحانه بامثال سوأي من تطور المداد بالحروف و البحر في الامواج و الشمس في المرايا و الروح في الحواس و الواحد في الاعداد تعالي ربنا الاحد

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 222 *»

عما يقول الظالمون علواً كبيراً بل هو بحيث اذا نظرت اليه هو اذ ذاك هو ليس شي‏ء غيره و لا عرصة سواه معه لا في الادراك و الوجدان و لا في الوجود علي معني الامتناع و اذا نظرت الي الخلق وجدت الخلق المتكثر و لم‏يكن من اصول ازلية بل رجع من الوصف الي الوصف و دام الملك في الملك انتهي المخلوق الي مثله و الجأه الطلب الي شكله اخترعه الله اختراعاً و ابدعه ابداعاً و ليس رتبة الخلق تحت الازل و الازل اعلاها او اعلي منها نعوذ بالله فيكون الحدث خلواً منه و يكون متناهياً اليه و لايكون لامتناع ماسواه معه معني في الواقع الخارج فان الذي يمكن في الدنيا الممتازة عن العليا لايمتنع وجوده في العليا الممتازة و كذا العكس لامكان تصور كل في الكل فالاحد هو الممتنع معه ما سواه في الوجدان و الوجود و لست تبلغ ادراك هذا المقام الا بعد ان‏يوجد فيك عينه التي يعيرها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين و كلما وجدت شيئاً مميزاً جزته و نظرت الي ما طوي طرفيه حتي تري احداً يفوق معرفتك و تمييزك و تحديدك و اشارتك و ادراكك و مدركك حتي تغرق في بحر التحير و الفناء المحض و يضمحل منك المعرفة و العارف و المعروف فاذا وصلت الي هذا المقام وصلت الي المراد بلا كيف و لا اشارة و لا غاية لهذا السير و لا نهاية و هو معني قوله9 رب زدني فيك تحيراً  و قوله تدلج بين يدي المدلج من خلقك فان فزت بنظر كذلك لعلك تدرك معني امتناع الخلق معه و هذا الوجود بهذا القدس محال ان‏يكون فيه اعيان ثابتة او يكون كل الاشياء كما ان الحر من حيث هو حر يمتنع ان‏يكون برداً و لله المثل الاعلي.

بالجملة اذا رفعت النظر عنه رايت خلقاً متكثراً غيرمرتبط به و غيرمنسوب اليه و غير ناشئ منه و غير صادر منه و غير متولد و لا خارج عنه فهذا الخلق حينئذ له مراتب عديدة فاولها مقام الوجود المطلق و اعني به ما يشاهد عند كسر جميع الكثرات الشهودية و الغيبية و العرضية و الجوهرية و الشخصية و النوعية و عند ابطال حدودها و محدوداتها بقضها و قضيضها في الوجدان المنتزع من الوجود فما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 223 *»

لم‏يكن في الوجود لم‏يكن في الوجدان فهو جنس الاجناس و نوع الانواع المعطي كل ما دخل في عرصة الايجاد اسمه و حده الصادق علي الكل بقول مطلق فهو مقام اللاتعين بمعني النفي و الوجود بشرط لا كما ان الوجود الحق هو اللاتعين و اللابشرط بمعني الامتناع فهو اشد الاشياء ابهاماً و ليس فيه في رتبته تعين من تعينات اثاره بالفعل و هو اظهر الاشياء و ابينها غني عن الدليل و ليس شي‏ء في عرصة الخلق اظهر منه فيكون هو المظهر له كيف لا و كل ما يصدق عليه الوجود فعلية منه و كمال له فهو موجود به يصدق عليه الوجود بانطوائه تحته و لاجل كونه ظهوره كما ان كل جسم جسم لاجل كونه ظهور الجسم المطلق و بانطوائه تحته و كونه فعليته و هذا معني قوله7 كل شي‏ء سواك قائم بامرك و من اياته ان‏تقوم السماء و الارض بامره فافهم فمادمت ناظراً اليه لم‏تر سواه بل ليس سواه في الخارج معه بل هو بحر متلاطم لايساحل و يم زخار لايساجل مركب من مادة هي عين صورته و من صورة هي عين مادته لانك تراه صالحاً للظهور قابلاً للتجلي بجميع ما يكون مذكوراً فيه مما سواه بالذكر الصلوحي الا ان هذا الصلوح هو عين مادته و نعبر عنه بالامكان الراجح و الوجود الراجح و لم‏ينقطع هذا الامكان بنفسه و لم‏يتحصص اذ ما يكون مادته عين صورته و صورته عين مادته لايكون قابلاً للتحصص الا من حيث الظهور اي ظهوره الذي اعطاه اسمه و حده يصلح لان‏يتحصص كما ان الماء من حيث انه ماء لم‏يتحصص بالبحر و النهر و المطر و البئر فيكون كل واحد بعضه و لايصدق عليه الاسم بكله بل الماء يتحصص من حيث الظهور و هو الكل فالكل له بعض تفهم عني فانه مشكل.

فاذا رفعت النظر عن هذا الوجود العام و الحرف المخفي و دخلت عرصة الشهود رأيت خلقاً مقيداً بقيود ممتازة بمادة ممتازة عن صورتها و صورة ممتازة عن مادتها بالنسبة الي ذلك الوجود المطلق مركباً منهما تركيباً دهرياً غير مسبوق باجزاء موجودة في الخارج قبله و ان كان يمكن التوجه الي كل جزء من دون الاخر في الوجدان بخلاف تركيب الوجود المطلق فانه غيرمسبوق باجزاء موجودة في الخارج قبله و لايمكن التوجه الي جزء منه من دون جزء اخر فانه مركب من بسيطين غير

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 224 *»

مستقلين في الخارج و في الذهن و اما هذا الموجود المقيد فهو مركب من جزئين بسيطين بالنسبة في الخارج دون الذهن فان الذهن يتوجه الي جزء فيأخذ مادة تصوره منه و يكسوها صورة من نفسه فيدركه وحده من دون حاجة الي الاخر و اما ما ينتزع من الوجود المطلق فهو مجموع الجزئين فان كل جزء منه عين الاخر و بذلك صار لا بدء لاوله و لا منتهي لاخره فافهم فانه دقيق فهذا الوجود المقيد مقيد بالنسبة الي ذلك المطلق و اما بالنسبة الي ما دونه فهو مطلق عن جميع قيوده اي قيود ما دونه و له مراتب هي شروط كونه اثراً تاماً للموثر علي ما شرحنا و بينا في السلسلة العرضية ما فذلكته انه فعلية للوجود المطلق احدثها بنفسها فلها حيث فعلية لنفسها و حيث مفعولية و حيث فعليتها له مراتب ثلث مقام اجمال محض و مقام تعلق بحيث المفعولية و مقام بين بين هو منتهي الاجمال و مبدء التفصيل و حيث مفعوليتها له اربع مراتب جهة دائرة علي الفعل علي التوالي و هي التي تحوم حول ربها و جهة دائرة علي نفسها تحوم علي نفسها و جهة دوران الجهة الاولي علي الثانية علي خلاف التوالي و جهة دوران الجهة الدنيا علي العليا علي التوالي و هي تاويل قوله سبحانه بلحاظ و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و هما في الحقيقة اربعة و تاويل قوله سبحانه و ان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من اهله و حكماً من اهلها ان يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما فهذه المراتب السبع هي المراتب التي لابد لكل اثر منها في تحقق كونه اثراً و هذه المراتب ليست بالاثرية و الموثرية و انما هي بالتنزل و التشكيك بطريق اللب و القشر و اللطيف و الكثيف يجتمع كلها تحت صدق الوجود المطلق عليها علي حد سواء كمراتب السموات و الارض و اجتماعها تحت صدق اسم الجسم عليها بالسوية فمقام اجمال حيث الفعلية يسمي بالعقل و مقام مبدء التفصيل يسمي بالروح و مقام منتهي التفصيل يسمي بالنفس و مقام جهة الرب من حيث المفعولية يسمي بالطبع و مقام جهة النفس منه يسمي بالجسم و مقام دوران العليا علي السفلي يسمي بالمادة و مقام دوران السفلي علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 225 *»

العليا يسمي بالمثال فهذه السبعة هي مراتب الاثر في كونه اثراً لايتحقق الا بها البتة في كل مقام و اما هذه السبعة في الوجود المطلق فهي موجودة ولكن غير ممتاز بعضها عن بعض متحد بعضها مع بعض و قدتفصل تلك الجهات منه في اثره الذي هو كماله و فعلية ما هو فيه بالقوة و تفصيل اجماله و عبودية ربوبيته فهذه المراتب لكونها مراتب الصادر الاول من الوجود المطلق و لشدة تشاكلها معه و قربها منه لها اطلاق بالنسبة الي مادونها و لها كمالات و فعليات نسبتها اليها كنسبتها الي الوجود المطلق فلكل مرتبة منها اثر له مراتب سبع علي حذو ما سمعت بها يتحقق عالم مستقل.

فالعقل المطلق له اثر له مراتب سبع هي بسايط عالم العقول فيسمي مقام اجمال حيث فعليته بالعرش و مقام مبدء تفصيله بالكرسي و منتهي تفصيله و تعلقه بالافلاك و حيوث مفعوليته بالنار و الهواء و الماء و التراب بها قامت بسائط عالم العقول الا ان هذه المراتب فيه عقلانية معنوية كلية و الروح المطلق له اثر و له مراتب كما سمعت هي بسائط عالم الارواح و هكذا الي ان الجسم المطلق له اثر و هو هذا العالم و له مراتب من عرش و كرسي و افلاك و عناصر هي بسايط هذا العالم علي ما تري و هذه المراتب كلها بالتنزل يجتمع كلها تحت اطلاق الجسم المطلق عليها فهي بالنسبة الي الجسم بالاثرية لانطوائها تحته و بعضها بالنسبة الي بعض بالتنزل لعدم الانطواء كما ان مراتب الاثر الاول المطلقة بعضها بالنسبة الي بعض بالتنزل لعدم الانطواء و بالنسبة الي الوجود المطلق بالاثرية لوجود الانطواء و كذلك مراتب الوجود المطلق بالتنزل بعضها بالنسبة الي بعض و ليست منطوية تحت الازل بذلك المعني الذي مضي فيكون للمطوي ذكر صلوحي في الطاوي بل هي ممتنعة في الازل جل‏شأنه فهو اي الوجود المطلق نفسه منطوية تحت نفسها دائرة عليها فافهم ان كنت تفهم فالاثرية و الموثرية محققة في العالم بين كل مقيد و مطلق لا في مراتب كل مقيد ثم لكل من هذه العوالم السبعة مواليد توجد من دوران سموات كل مرتبة علي ارضيها و تلك المواليد هي غايات تلك البسائط في القوس الصعودية و مظاهر الحقيقة الجامعة لها و اية الاحد جل‏شأنه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 226 *»

فيها الا ان بعض المواليد يسقط قبل كمال تكونه و بعضها يبقي الي منتهي التدبير و غاية التقدير فيظهر فيه سر الاحد جل‏شأنه الذي هو غاية الايجاد و هو الواحد و مركز الدائرة و قطب العالم و قلبه الذي به حيوة الكل فتلك المواليد تختلف في العوالم علي حسب استعداد موادها و الارحام الحاملة ففي بعض العوالم يكثر السقوط و في بعضها يقل و في بعضها لايكون بل يبلغ ولده منتهي التدبير و يظهر فيه سر الاحد القدير ففي عالم العقول لم‏يسقط ولد و لم‏يبق في البسايط ما لم‏يستعد للتركيب و التوحد و ظهور سر الاحد عليه فصار جميع مواليده كاملة بالغة واصلة مظهرة للواحد الاحد جل‏شأنه فصاروا كلهم حجج الجبار لان موادهم كلها من الحجية و هي صفة العقل و لم‏يتجاوز مواليدها الاربعة عشر و هم كلهم بالنسبة الي من دونهم كاملون في اظهار سر الاحدية الا ان لهم في نفسهم تفاوتاً فكان واحد منهم القطب و القلب لذلك العالم الواصل منتهي الكمال و غاية الاعتدال فكان بمنزلة عرش ذلك العالم اي صار جميع اجزاء تركيبه في اللطافة مع الجامعية بصفاء عرشه و واحد ادني من الجميع فبقي مع الجامعية في مقام تراب ذلك العالم و واحد قدبلغ من الصفاء مع الجامعية مقام كرسي ذلك العالم و البواقي تدرجوا في درجات ساير مراتب ذلك العالم و انتهي تكثرهم الي اربعة‏عشر لان اصول ذلك العالم كما سمعت سبعة و قدغلب في بعضهم سر مادة كل مرتبة و في بعضهم سر صورته و لذلك ترددوا في المحمدية و العلوية فهم السبع المثاني التي اتاها الله نبيه9و هي فاتحة كتاب الايجاد صلوات‏الله عليهم اجمعين.

و اما عالم الروح فله ايضاً بسايط كما عرفت و مواليد و تكثر مواليده الي مائة الف و اربعة و عشرين الفاً و اختلف مراتبهم في النبوة و الرسالة و اولي‏العزمية و مظهر الخاتمية و هم اثار حقيقة المواليد الاولي لا اثار اشخاصهم و لم‏يكونوا اثار نفس الحقيقة فان اثار نفس الحقيقة منحصرة في الاربعة‏عشر لم‏يجعل الله لاحد في مثل الذي خلقهم منه نصيباً بل هم اثار تنزلها في الرتبة الثانية.

و اما عالم النفس فله بسايط كما عرفت و مواليد متكثرة لايحصيهم الا الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 227 *»

سبحانه و اختلف مراتبهم غاية لايحصيها الا الله سبحانه و هم الاناسي و هم اثار حقيقة الانبياء بعد تنزلها في الرتبة النفسانية و ليست اثار نفس الحقيقة الا اشخاص الانبياء لم‏يجعل الله في مثل الذي خلقهم منه نصيباً فهم اثار الحقيقة المحمدية بواسطة حقيقة الانبياء بعد تنزلها و ليسوا باثار اشخاصهم و انما اثار اشخاص كل رتبة حركتهم و سكونهم و اعمالهم و اقوالهم و ساير اثارهم فتدبر.

و اما عالم الطبايع فله بسايط كما عرفت و مواليده لايحصيها الا الله سبحانه و هم الجن المخلوقة من نار شجرة النفس و هم اثار حقيقة الاناسي بعد تنزلها الي الطبع لا اشخاصهم و اثار حقيقتهم بلا واسطة اشخاصهم اي اشخاص الاناسي.

و اما عالم المواد فله بسايط كما عرفت و مواليد لايحصيهم الا الله و هم الملائكة و هم اثار حقيقة الجن علي ما عرفت.

و اما عالم الامثلة فله بسايط كما عرفت و مواليد هي الحيوانات لايحصيها الا الله سبحانه كثرة و هي اثار حقيقة الملائكة كما عرفت.

و اما عالم الاجسام فله بسايط كما تري و هي اصول هذه البسايط العرضية المشهودة و له مواليد هي النباتات و هي اثار حقيقة الحيوانات و لعالم الاجسام اعراض قد حدث عنها بسايط عرضية و لها مواليد عرضية و هي الجمادات و هي اثار حقيقة النباتات بعد تنزلها في الاعراض و كل واحدة من هذه المواليد و الاشخاص اثار حقيقة العالين المطلقة بعد تنزلها كما عرفت و اثار الاشخاص اعمالهم و افعالهم و حركاتهم و سكناتهم فافهم راشداً موفقاً.

ثم في عرض اشخاص كل رتبة اشخاص اعتدالهم اكثر من البواقي يظهر فيهم ما استجن في حقيقتهم من مثال الحقيقة العليا فينطقون عن لسان الاشخاص العالين فان الاشخاص العالين فعليات شــٔون حقيقتهم و اثارها فلما نزلت تلك الحقيقة الي الحقيقة الدنيا نزلت شــٔونها ايضاً ففعليات تلك الشــٔون في العالم الادني مظاهر حقائق تلك الاشخاص العالين فالاناسي مثلاً اثار الانسان المطلق و الانسان المطلق تنزل حقيقة الانبياء و الانبياء اثار شــٔون تلك الحقيقة الذاتية و تلك الشــٔون الذاتية نزلت في حقايق الاناسي اي الانسان المطلق فللانسان المطلق شــٔون هي تنزلات شــٔون حقيقة الانبياء و شــٔون

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 228 *»

لها من خاصة رتبتها و هويتها فلما ظهرت حقيقة الاناسي باشخاصهم فمنهم من هو فعلية تلك الشــٔون النازلة و منهم من هو فعلية شــٔون هوية الانسان المطلق فالذين هم فعلية الشــٔون النازلة في حقيقة الانسان هم مظاهر حقايق الانبياء فينطقون بالنبوة لكن الانبياء في عالمهم ينطقون بحقيقة النبوة و في عالم الاناسي ينطقون بظواهر ما ينطقون في عالمهم و قشوره لا بلبه نحن معاشر الانبياء نكلم الناس علي قدر عقولهم وهذا الامر جار في جميع المراتب فيجتمع في كل عالم ادني ظواهر العوالم العليا فلذلك اجتمعوا كلهم في هذا العالم و كلهم ينطقون بمقتضي هذا العالم لا بمقتضي ما لهم في عالمهم فلو تكلموا بمقتضي ما لهم بالذات لم‏يحتمله احد من اهل هذا العالم.

بالجملة كذلك عمرت الديار و ظهر الجبار و لكل نوع من المواليد في عالمه فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم لانه مركب من اجزاء عالمه و بسايطه و هو اثر تام له مراتب و لكل حقيقة في رتبة اصول تلك المراتب فانها شــٔونها فكل حقيقة دنيا تنزل ادني مرتبة الحقيقة العليا فاثار الحقيقة الدنيا حقيقة اثار تنزل ادني مرتبة الحقيقة العليا و هي بالنسبة اليها جسمها فاشخاص المرتبة الدنيا حقايقهم اثر جسم حقيقة اشخاص العليا او حقيقة جسم اشخاص العليا فافهم فانه منتهي تحرير المسئلة.

فصـل: و لنا سلسلة اخري طولية لكنها شرعية فيها يقال ان مومني كل رتبة شعاع مومني الرتبة العليا و كفار كل رتبة ظل كفار الرتبة العليا و يعبر عنها في مراتب سجين بالدنيا و هذه السلسلة سلسلة وصفية شرعية لا ذاتية كونية فانها في ترتب الارواح الايمانية و هي ارواح شرعية تصدر من الاوامر الشرعية كما ان الارواح الكونية تصدر من الاوامر الكونية فالشخص الشرعي الذي يسمي بالمومن و الكافر شخص وصفي يعرض الاشخاص الكونية له مادة هي تاكيد الامر الشرعي و شبحه المنفصل و صورة من قبول الشخص الكوني و مراة قابليته و ذلك ان الله سبحانه خلق الاكوان بالاوامر الكونية لهم مادة هي شبح امر الله

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 229 *»

سبحانه و صورة هي من مقتضي القوابل الامكانية العلمية لله سبحانه فلما اقامهم اقامهم مميزين زيداً و عمراً و بكراً و هكذا ثم هولاء صاروا امكاناً للاشخاص الشرعية فوجه الله سبحانه اليهم الاوامر الشرعية فامرهم و نهاهم فصدر من صبح امره سبحانه الشرعي نور اشرق علي تلك القوابل الامكانية لها التي هي هياكل ذلك النور و انطبع في مرءاتها و انصبغ فيها فمن المرايا ما لم‏يغير ذلك النور شيئاً  و اظهره علي ما هو عليه من مقتضي ارادة الله سبحانه الشرعية و منها ما غيرته قليلاً  و منها ما غيرته بحيث انكره الشارع و لم‏ينسبه الي نفسه و تبرأ منه فتلك المثل الظاهرة هي الاشخاص الشرعية المركبة من مادة و صورة و هي المومن و الكافر فهما وصفان ملبسان علي زيد و عمرو كما ان الزيدية و العمروية وصفان ملبسان علي الامكان فهذه الاشخاص الوصفية في المراتب الخلقية ايضاً بينها ترتبات و تسمي هذه السلسلة بالطولية الشرعية و هي مراد مشايخنا حيث يذكرون السلسلة الطولية الا تريهم يقولون ان الانبياء خلقوا من شعاع الحقيقة المحمدية و مومني الانس خلقوا من شعاع الانبياء و مومني الجن خلقوا من شعاع مومني الانس و خلق من شعاعهم الملائكة و من شعاعهم الحيوانات الطيبة و من شعاعها النباتات الطيبة و من شعاعها الجمادات الطيبة و يقولون في مقابلة ذلك ان الجمادات الخبيثة من شعاع النباتات المرة البشعة و هي من شعاع الحيوانات السامة و النجسة و المحرمة و هي من شعاع الشياطين و هم من شعاع كفرة الجن و هم من شعاع كفرة الانس و هم من شعاع المنافقين و هم من شعاع رؤساء الكفر و الضلالة اعداء محمد وال‏محمد:و ليس في الكون كفر و لا ايمان.

و كيفية حصول هذه السلسلة ان الله سبحانه لما عمر العالم بالاكوان في اختلاف مراتبها و جعل في كل واحد بالفعل ما كان في الاخر بالقوة جعل اصحاب الفعليات يده في استخراج قوي اصحاب القوي و بابه في الافاضة عليهم و ابي ان‏يجري الاشياء الا باسبابها و اسبابها منها لا من ذاته سبحانه الا ان في مقام التشريع منها ما هو سبب استخراج قوي محبوبة لما فيه من فعلية محبوبة و منها ما هو سبب استخراج قوي مبغوضة لما فيه من فعلية مبغوضة و في كل نوع قوي و ضعيف و كلي و جزئي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 230 *»

ففي جانب النور و الخير كان الكون الاول بمقتضي كينونته و خاصة رتبته الطف الاكوان و ارقها و احكاها لمبدئه قدغلب عليه جهة الوجود الذي هو اثر مشية الله سبحانه المحبوبة مطابق لها في جميع الامور حتي اضمحل فيه جهة الانية و النفس و صار فعلياته بحذافيرها علي طبق مشية الله المتعلقة بوجوده و صفاته علي حذو صفاتها و صار جميع ما يخالف تلك المشية فيه بالقوة فصار جميع ما له و به و منه و اليه مطابقاً لتلك المشية و ماتشاءون الا ان يشاء الله لايسبقونه بالقول و هم بامره يعملون ماينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي و ما رميت اذ رميت ولكن الله رمي فلما صار كذلك صار محل المشية التشريعية الاضافية لله سبحانه و صار امره امره و نهيه نهيه فاقامه مقامه في ساير عوالمه في الاداء و لما كان هو الكون الاول كان مهدياً بنفسه كما ان الكون الاول الكوني مخلوق بنفسه و كما انه خلقت الاشياء الكونية بذلك الكون كذلك هنا خلقت الاشياء الوصفية بهذا الوصف اي وصف الكاين الاول و كما ان لذلك الكون الذي هو المشية الكونية رءوساً و وجوهاً تتعلق بالاشياء و بقوة كونها الفعلي تخرج الاكوان من القوة الي الفعلية كذلك لهذا الوصف الذي هو المشية الشرعية رءوس و وجوه تتعلق بالاكوان و بقوة وصفها الفعلي تخرج الاوصاف الشرعية من عدم اكوانها و قوتها الي الفعلية و كما ان جميع تلك الرءوس ترجع الي تلك المشية الكلية كذلك جميع هذه الرءوس ترجع الي هذه المشية و كما ان هنالك مواد الاكوان من مثال المشية و صورها من القوابل الامكانية كذلك هنا مواد الاشخاص الشرعية من مثال هذه المشية و نورها و صورها من القوابل الامكانية التي هي الاكوان حرفاً بحرف و كما ان الامر هنالك كان كن كان هنا امن و صل و صم و امثالها و كما ان الامكان كان هناك عدم الكون و لم‏يكن له تخصص بشي‏ء من الاشياء و كان صالحاً لكل واحد واحد كذلك امكان هذا المقام و هو وجود زيد و عمرو و بكر اي اكوانهم الخارجية صالح لان‏يصير مومناً و كافراً و طيباً و خبيثاً و شقياً و سعيداً  الي ان توجه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 231 *»

اليها الامر التشريعي فمن سبق الي الاجابة علي حذو الامر و مطابقته التامة الكاملة فهو سعيد سابق و من تاخر و اجاب بعد حين مع تفاوت لايؤدي الي المضادة و المحادة فهو سعيد لاحق و هو من اصحاب اليمين و من لم‏يجب و ضاد تلك المشية و الامر التشريعي فهو شقي و هلك و هو قوله سبحانه كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه الاية و قال ولكن اختلفوا فمنهم من امن و منهم من كفر الاية و كانوا قبل الامر و النهي امكان المومن و الكافر و ان المومن و الكافر وصفان عارضان علي زيد و عمرو فهما قبل الايمان و الكفر ليسا من السلسلة النورانية و لا الظلمانية و انما هما كونان صالحان لان‏يصيرا من هولاء و ان يصيرا من هولاء و انما يخرج من امكانهما الايمان اذا وقع عليهما شعاع الكامل بالفعل في الايمان فيقوي ذلك الشعاع ما استجن في زيت كونهما من جنس هذا الشعاع فيلطفه و يرققه و يقوي مجانسه الكامن فيه شيئاً فشيئاً الي ان‏يخرج وصف المومن من كمون كونهما الذي هو امكان الايمان و الكفر الي عرصة الشهود فيتصف بصفة الايمان و يصدق عليه المومن فالمومن وصف تشريعي عارض علي الكاين و هو شعاع المومن القوي الكامل بالفعل من حيث المادة النوعية و الصورة النوعية و المادة الشخصية و صورته الشخصية من قبول مرءاة كينونة الكائن التي هي امكان الايمان و الكفر و كما ان الكاين الاول المطابق وصفه للمشية المتعلقة بوجوده هو السبب الاول الاعظم في الانوار كذلك الكائن الاول المطابقة صفته للماهية المضادة لجهة الوجود الموصوفة بجميع الصفات المبغوضة الكاملة فيها بالفعل هو السبب الاعظم في الظلمات و استخراج مستجنات الاكوان من الكفر و الشقاوة و العصيان و له رءوس و وجوه بها يستخرج الصفات الجزئية من امكان القوابل و كلها راجعة اليها صادرة عن امره و نهيه فعلهم فعله و عملهم عمله و قولهم قوله اليه يدعون و عليه يدلون فهذا السبب في سجين هو مقابل ذلك السبب في عليين قدقاما علي الاكوان لاظهار سر الاختيار و ابطال الاجبار ليهلك من هلك عن بينة و يحيي من

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 232 *»

حي عن بينة  فمن اتبع هذا الداعي كان من شيعته راجعاً اليه فكذلك يصدر من هذا الداعي ظلمة هي مادة الكفار و لها صورة من قبول القوابل فمنهم من لم‏يغير و لم‏يبدل كلمة الكفر و وافق ارادة هذا الداعي من كل جهة فهو السابق الشقي و منهم من غير في الجملة و خالف فهو من اصحاب الشمال و اما من ضاده من كل جهة و خالفه فهو مومن فهذا الداعي هو مشية الله الخذلانية المبغوضة فمن هذين المبدئين الداعيين تحقق سلسلتان نورانية و ظلمانية.

فاول السلسلة النورانية هو محمد و اله صلوات الله عليهم اجمعين و هم مشية الله التشريعية في احداث جميع المومنين في عرصات الاكوان فصدر منهم الاوامر الشرعية و صدر منها انوار هي مواد المومنين و تلك الانوار اشعة محمد و ال‏محمد:و اشباحهم المنفصلة و اثارهم انتشرت في عرصات الاكوان فاول من استنار بتلك الانوار الانبياء سلام‏الله عليهم علي اختلاف مراتبهم في الاجابة و اختلاف قوابلهم في الصفاء و الكدورة و الاستقامة و الانحراف في الجملة فخرج من كمون اكوانهم و من قويهم الي الفعلية اوصاف النبوة و الرسالة فاتصفوا بهما و صاروا انبياء و مرسلين و ذلك بعد نزول محمد و ال‏محمد: في رتبتهم و قيامهم بين ظهرانيهم و دعوتهم اياهم الي الله سبحانه بصفاتهم فصدر منهم نور الدعوة و صار مادة الانبياء و تصور ذلك النور بصورهم فكان مادة الانبياء من شعاع اشباحهم و صفاتهم المتصلة فلما خرج من كمون اكوان الانبياء الي الفعلية صفة النبوة و صاروا بها انبياء اشرق نورهم بعد اشتعالهم في عرصات الاكوان و صار مادة المومنين فاستخرج من كمون اكوان المومنين صور الايمان علي حسب اختلافهم فصاروا بذلك مومنين فلما اشتعل زيت وجود المومنين اشرق علي الاكوان بنور هو مادة مومني الجن و هكذا في كل طبقة فبذلك عمرت السلسلة الطولية النورية الي الجمادات الطيبة و كل داع الي الخير في هذه السلسلة في اية طبقة كان هو راس من رءوس تلك المشية التشريعية و وجه من وجوهها و لسان من السنتها و من اصغي الي ناطق فقد عبده ان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و ان كان الناطق ينطق عن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 233 *»

الشيطان فقد عبد الشيطان فكل مدعو هو من شيعة الداعي الا ان جميع المشايعين يرجعون الي الداعي الاول النوراني و كذلك الامر يعني بعكس ذلك في السلسلة الظلمانية فاولها اعداء ال‏محمد:رؤساء الضلالة و الكفر ثم بعدهم رؤساء المنافقين ثم بعدهم الاتباع و الكفرة و المشركون من الانس ثم مثل هولاء من الجن ثم الشياطين و هكذا الي ان‏ينتهي الامر الي الجماد الخبيث فكلهم من شيعة تلك الرؤساء و كل داع الي الشر من رءوسهم و وجوههم و السنتهم و كل مدعو تابع لداع الي الشر من شيعته الي انه يرجع الي المبادي الظلمانية اخيراً و لجميع ذلك شواهد من الاخبار و الاثار ليس هيهنا موضع بيانها لانا لم‏نذكر هذه المسائل هنا الا بالعرض لغرض اخر و هذه الصور التشريعية هي العلة الغائية من خلق الاكوان فهي و ان تاخرت ظهوراً عن الاكوان لكنها مقدمة وجوداً عليها الا تري انها تصل اليها في القوس الصعودية و انها صور تحققت في عالم الذر و ستظهر في الاخرة و الدهر و ذلك انها فعليات و هي مقدمة علي القوة و الاستعداد فهذا مجمل ما اردنا ايراده علي الاختصار.

فصـل: اعلم ان الموجود في كل مرتبة ذاتيته ما له في تلك الرتبة و ما هو به هو في تلك الرتبة فاذا اتخذ في الرتبة الدنيا مظهراً يكون ذلك المظهر بالنسبة الي ما هو به هو في العليا عرضياً لبسه نزولاً و يخلعه صعوداً اذا عاد الي مبدئه و ليس يصعد ذلك المظهر من رتبته الي الرتبة العليا بل ليس منه و لا اليه فالفاتح9 ذاتيته ما له في عرصة العقل الكلي له فيها فؤاد و عقل و روح و نفس و طبع و مادة و مثال و جسم ففؤاده من العقل المطلق و عقله من عرش ذلك العالم و روحه من كرسيه و نفسه من فلك بروجه و طبعه من فلك منازله و مادته من شمسه و مثاله من افلاكه و جسمه من ارضه و هذه المراتب هي ذاتياته و لما خلق الله عرصة الانبياء اتخذ له اعدل قالب في عرصتهم هو قطب تلك العرصة و قلبها فالقي في هوية ذلك القالب مثاله فاظهر عنه افعاله و ذلك القالب بالنسبة اليه9 عرضي و بالنسبة الي مرتبته و مقامه له تذوت و توحد و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 234 *»

ليس اذا عاد9 علي بدئه يتفكك و يعود الي البسايط عود ممازجة فان هذا القالب من عرصة الروح الملكوتية و من دار الخلد و البقاء لم‏يسبقه عدم دهري فاذ لا بدء له دهراً لا تفكك له كما مر في المعاد و ياتي في الفصل الاتي ثم ان للانبياء سلام‏الله عليهم حقايق ذاتية في عالم الروح الملكوتية و لهم قوالب عرضية في عالم النفوس قدالقوا في هويتها مثالهم فاظهروا عنها افعالهم و هي في عالمها لها تذوت و توحد لايسبقها عدم ملكوتي فليس لها تفكك و فناء ملكوتي و ليسوا يخلعونها في عودهم كما ان الفاتح ليس يخلع عرضيته في رتبة الانبياء اذا عاد نعم له9و لهم مقام مع الله تعالي في رتبتهم و درجات و نعيم و جنات يتنعمون فيها لايزاحمهم فيها غيرهم و ليس لغيرهم فيها نصيب انظر الي ما روي عن ابي‏عبدالله7 قال اول من سبق الي بلي رسول الله9 و ذلك انه كان اقرب الخلق الي الله و كان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما اسري به الي السماء تقدم يا محمد فقد وطئت موطئاً لم‏يطأه ملك مقرب و لا نبي مرسل و لولا ان روحه و نفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان‏يبلغه و كان من الله كما قال الله قاب قوسين او ادني اي بل ادني تدبر في هذا الحديث الشريف فان فيه اصولاً علمية و المراد بالسبق فيه هو السبق الرتبي و اسراؤه هو عوده علي بدئه و الي مبدئه فروحه و نفسه كانتا من ذلك المكان و لذا بلغه عوداً فافهم و عنه9 في حديث بعد ما وصل السدرة المنتهي قال ثم صعد بي الي تحت العرش فدلي الي رفرف اخضر مااحسن اصفه فرفعني الرفرف باذن الله ربي فصرت عنده و انقطع عني اصوات الملائكة و دويهم و ذهبت المخاوف و الروعات و هدات نفسي و استبشرت و جعلت امتد و انقبض و وقع علي السرور و الاستبشار و ظننت ان جميع الخلق قدماتوا و لم‏ار غيري احداً من خلقه فتركني ما شاء الله ثم رد علي روحي فافقت و كان توفيقاً من ربي ان

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 235 *»

غطت عيني فكل بصري و غشي من النظر فجعلت ابصر بقلبي كما ابصر بعيني بل ابعد و ابلغ فذلك قوله مازاغ البصر و ما طغي لقد راي من ايات ربه الكبري و انما كنت و ابصر مثل خط الابر نوراً بيني و بين ربي لاتطيقه الابصار فناداني ربي فقال يا محمد قلت لبيك ربي و سيدي و الهي لبيك قال هل عرفت قدرك و موضعك و منزلتك قلت نعم يا سيدي الخبر تدبر في قوله9 انقطع عني اصوات الملائكة و دويهم و قوله ظننت ان جميع الخلق قدماتوا و لم‏ار غيري احداً من خلقه فان هذا في عوده علي بدئه و هو كان قبل خلق الخلق بالف الف دهر و هناك كان مقام قاب قوسين او ادني كما ياتي ان شاءالله و كان هناك بذاتيته و جسمانيته فان معراجه9جسماني و في حديث عبدالله بن سنان عن ابي‏عبدالله7 في كيفية الذر و دخول النار قال فكان اول من دخلها محمد9 ثم اتبعه اولواالعزم من الرسل و اوصياؤهم و اتباعهم الخبر فالنبي9 له سبق رتبي علي الانبياء و لهم سبق رتبي علي المومنين و للمومنين سبق رتبي علي ساير الخلق و لابد لكل طائفة ان‏يعود كما بدئ فللمومنين ايضاً قوالب عرضية في رتبة الحيوان و لهم مراتب ذاتية في مقام النفوس الناطقة فاذا عادوا عادوا الي ما بدئوا منه و خلعوا تلك القوالب الحيوانية فتفككت و عادت الي ما بدئت منه فانها مسبوقة بعدم برزخي يسبقها بسايطها و كذلك لها اي للحيوانات حقايق ذاتية في عرصة المثال و قوالب عرضية في عالم النبات تلبسها نزولاً و تخلعها عوداً و تعود تلك القوالب الي ما بدئت منه عود ممازجة لانها مسبوقة بالبسايط سبقاً زمانياً و كذلك النباتات لها حقايق ذاتية في رتبتها و قوالب عرضية في رتبة الجمادات تلبسها نزولاً و تخلعها عوداً فاذا عادت عادت الي ما بدئت منه عود ممازجة لا عود مجاورة و قد مر تحقيقات لهذه المطالب في المعاد فراجع و لي هنا تحقيق احب الاشارة اليه في فصل.

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 236 *»

فصـل: اعلم ان مرءاة الانطباع ما لم‏تكن من عرض الشبح لايتحقق الانطباع و التفاعل بينهما و لايتولد بينهما ولد الظهور فلايظهر الشاخص فيها كما انه لاينطبع العقل في المرآة الجسمانية فلايطاوع المراة الظاهرة تاثير الشاخص الباطن و لاتتنبه بامره و لا تحريكه فلاتمتثل امره و لاتتحرك بتحريكه البتة فلاجل ذلك لايطلع دان علي امر عال و ارادته و مشيته ابداً الا ان‏يتجلي العالي بتجل مصاقع للداني فيشعر به الداني و لما كان التجلي من العالي علي حسبه في القدس و النزاهة و الطهارة عن حدود الداني و كثراته و ان كان انزل منه بدرجة و كان الداني مقيداً بحدوده متكثراً بكثراته و لم‏يكن لجميع مراتبه تناسب مع ذلك التجلي امتنع اطلاعه علي ذلك التجلي و مطاوعته له بجميع مراتبه اللهم الا قطب كرته و مركز دائرته و اعدل اجزائه و اوحدها و الطفها الذي ليس بشرقي و لا غربي بري‏ء عن الاقطار مبعد عن الحدود فان ذلك في رتبة الداني اشبه جزء بتجلي العالي القدوس و الصقه به و اطوعه له و اشفه عنه و احكاه و اما ماسوي ذلك الجزء فمحجوب بكثافته عنه حاجب له غيرمطاوع له و متنبه به و مطلع عليه لان الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظائرها و سر ذلك ان تجلي العالي لو كان في رتبة العالي و لايكون امتنع اطلاع الداني عليه بجميع اجزائه كثيفه و لطيفه بل التجلي انزل من المتجلي لانه فعله و الرتبة النازلة هي بعينها رتبة الداني فالتجلي من رتبة الداني لامحه ولكنه اعلي درجات الداني و اشرفها و الطفها و مبدأها و اغيبها الذي هو حيث اثريته للعالي لا غير و الاثر يشابه صفة موثره لامحه  فذلك التجلي الذي هو مبدأ الداني الغيبي محجوب بكثرات انيته و حدوده و ظواهره و كثايفه مستجن في قوته و لايستخرج تلك اللطيفة الغيبية الي الفعلية الا بعد التصفية و التعديل التام و طرح الارمدة و الاوساخ و القشور فاذا صفي الداني و عدل و فصل عنه الارمدة و القشور الحاجبة لذلك التجلي المستجن فيه ظهر عليه اثاره قال اميرالمومنين7 في جواب اليهودي الذي اجتاز به7 و هو يتكلم مع جماعة فقال يابن ابيطالب لو انك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شان من الشان قال7 و ماتعني بالفلسفة اليس من اعتدل طباعه صفا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 237 *»

مزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي مايرتقيه و من سما الي مايرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجوداً بما هو انسان دون ان‏يكون موجوداً بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له عن هذه الغاية مغير فقال الله اكبر يابن ابيطالب لقد نطقت بالفلسفة جميعها في هذه الكلمات صلوات‏الله عليك انتهي.

تدبر في مطاوي هذه الكلمات الشريفة التي قدجمع جميع طروس الحكماء و علومهم و رسومهم و اعلم ان الداني ما لم‏يعتدل و لم‏يتصف لم‏يحك تجلي النفس و لم‏يظهر عليه اثرها و اما القشور و الارمدة فهي كثيفة غيرشافة و لا مطاوعة بل و لا مطلعة و ذلك التجلي بعد فيها بالقوة و الامكان و معدوم و اما الصوافي المعتدلة فتلك هي الشافة الحاكية المطلعة المطاوعة السامية الي ماترتقيه المتخلقة باخلاق ذلك التجلي فان ذلك التجلي حينئذ هو تلك الصافية الصايرة صافية رقيقة بالفعل الا انه هي من حيث الرب لا من حيث نفسه فهو هي وجوداً في الخارج و ليس هو هي في النسبة فذلك الموجود الخارجي هو بنفسه تجلي العالي صدوراً عن المبدأ و هو المرآة ظهوراً  فصح  ان الادوات تحد انفسها و الالات تشير الي نظايرها و الاشياء لاتتجاوز رتبتها و لاينطبع شبح في مرآة الا ان‏يكونا متصاقعين كما عرفت فذلك الصافي في الرتبة الدنيا هو اعلي مراتب الشي‏ء و اصفاها و مبدأها و اول اذكارها فهو قلبها و عرشها و مستوي رحمانها و قطبها الذي هو محل عناية العالي من الداني و غوثها فلما اشرق ذلك القلب بنور العالي كما عرفت و اشتعل و حيي انار في اصقاع تلك الارمدة و القشور التي هي فضول ذلك الصافي و اعضاء ذلك القلب و فتيلة تلك الشعلة و قيده و وقايته فاستنارت منه الاقرب فالاقرب فبذلك انتشرت الانوار و عمرت الديار و ظهر الجبار و اشتهر الاخبار و ظهرت الاثار و بلغت الشرايع و الاوامر في الاقطار و ذلك حكمة الحكيم العليم القهار فامتنع ظهور الاحكام و الاوامر التشريعية من العالي في الداني الا من ذلك الباب قال ابوعبدالله7 ابي الله ان‏يجري الاشياء الا باسباب فجعل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 238 *»

لكل شي‏ء سبباً و جعل لكل سبب شرحاً و جعل لكل شرح علماً و جعل لكل علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه و جهله من جهله ذاك رسول الله و نحن انتهي و قوله ذاك في الباطن المصرح به في الظاهر اشارة الي السبب فانهم سبب خلق الخلق كما روي و شرح السبب هو الاركان فانهم مقام تفصيل الغوث و شرح اجماله و علم الشرح هم النقباء الذين هم ظهور الاركان و باب العلم هم النجباء العلماء الذين يبعثهم الحجة الي الاطراف ليبثوا العلم في العباد و البلاد و اما في التاويل فالسبب هو التجلي الذي هو حيوة القلب و الشرح هو القلب من حيث الظاهر و العلم هو الصدر و الباب هو الالات و الادوات الباثة لمرادات ذلك التجلي بما وصل اليها بواسطة الشرح و العلم فافهم.

بالجملة لايطلع في رتبة الداني علي مراد العالي الا القلب و القطب و لابد في الوجود التشريعي منه فلابد في كل رتبة من قلب حاك لساير الاعضاء عن الروح الباطن و لايدور رحاها الا علي ذلك القطب ابداً فلذا روي عن ابي‏جعفر7 لو ان الامام رفع عن الارض ساعة لماجت باهلها كما يموج البحر باهله و عن ابي‏عبدالله7 قال مازالت الارض الا و لله فيها حجة يعرف الحلال و الحرام و يدعو الناس الي سبيل الله و عنه7 لو بقيت الارض بغير امام لساخت.

و ان قلت فما بال العالم كان قائماً قبل خلق ادم7 من غير حجة و مابال الاعصار السابقة علي ظهور النبي9 كانت دائرة من غير وجود النبي9 و الائمة:و هم المبدء الاول الاقرب الي الله سبحانه و الطفرة باطلة و مابال عصر ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام كانت الدنيا قائمة و لم‏يكن اركان اربعة و لا نقباء و لا نجباء و الطفرة في الايجاد كما تقول غيرممكنة قلت ان لي هيهنا تحقيقاً غامضاً لايفهمه الا الحكيم الرباني و هو ان للداني وجودين وجوداً كونياً و وجوداً شرعياً اما الوجود الكوني للاثر فهو كون الشي‏ء كمال العالي و فعليته فهو بهذا اللحاظ ازلي لا بمعني القائم بنفسه

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 239 *»

لنفسه بل بمعني القائم بنفسه لغيره لان العالي لم‏يكن الا كاملاً و هذا كماله و لم‏يكن الا عالماً و هذا علمه و لذلك هو سبحانه لم‏يزل عالماً بالاشياء قبل كونها كما حقق في مسئلة العلم في التوحيد فراجع فالاشياء بهذا اللحاظ كلها ثابتة لديه سبحانه حاضرة في محضر واحد ليس فيها تجدد و حدوث فماضيها و غابرها كلها حاضرة لديه في حال واحدة ففي هذا اللحاظ لم‏يكن العالم بغير قطب طرفة عين و هو اسبق اجزائه و الطفها و اولها و جميع الامداد يصل اليه و منه ينتشر في العالم ماضيه و غابره علي حد سواء و ان عرفت معني ذلك عرفت انهم سبب خلق الخلق كما روي و قال علي7 في صفة الامام هم راس دائرة الايمان و قطب الوجود و قال ايضاً و هل يعرف او يوصف او يعلم او يفهم او يدرك او يملك شأن من هو نقطة الكاينات و قطب الدايرات و سر الممكنات و شعاع جلال الكبرياء و شرف الارض و السماء الي غير ذلك من الاخبار التي لاتحصي كثرة و اما اذا لوحظ العوالم في رتبتها و بعض اجزائها بالنسبة الي بعض بالنظر التشريعي فللعالم درجات في اوقاته و حالات في نسبة بعض اجزائه الي بعض فانه بعد ما نزل الي غاية البعد عن المبدء و خمدت فيه الانوار و صارت فيه بالقوة بعد ما كانت بالفعل و اخذ في الصعود و التلطف و التصفي و الاعتدال فاخذ يعتدل شيئاً بعد شي‏ء و يتصفي شيئاً بعد شي‏ء و في كل درجة يظهر عليه اثار الغيب شيئاً بعد شي‏ء علي مقدار تصفيه و اعتداله الي ان‏يبلغ الكمال و يظهر عليه اثار الجلال فكما ان المولود في اول الدرجات كيلوس في المعدة متباين الاجزاء ثم يترقي كيموساً في الكبد يحصل لاجزائه تشاكل‏ما فيحدث فيه المزاج اي الطبيعة الخارجة ثم يصعد روحانيته بعد صيرورته دماً  الي الدماغ فيحدث فيه روحانية جسمانية زايدة لانقلابه فيه بخميرته ثم تنزل الي الكلية و الي اوعية المني فتستحيل منياً بالانقلاب فيها بخميرتها ثم تدفق في الرحم فتكون منياً مستعداً للتدبير و التعديل و التصفية ثم يترقي شيئاً بعد شي‏ء و يغذي بالدم الي ان‏يصير علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم يكسي لحماً فيتم خلقة بدنه مفتوح المسالك مرتبط

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 240 *»

الاجزاء فيجري الدم الغذائي في معدته من سرته فيصير كيلوساً ثم يذهب صوافيه الي الكبد فتصير كيموساً ثم يفصل عنه طراطيره و يستخلص الجوهر الخالص الدموي فيذهب الي القلب فيعمل فيه الحرارة الغريزية فيتبخر فيكون بخاراً لطيفاً صاعداً فهنالك يشف عما وراءه من الحرارة الفلكية الحيوانية فيشتعل به فيأخذ في الحركة بالانقباض و الانبساط فينبسط بمقتضي الحرارة الفلكية و ينقبض بمقتضي طبيعته فينشأ خلقاً اخر و تبارك الله احسن الخالقين فهيهنا يحدث القلب و القطب و السفير بين الظاهر و الباطن و الشهادة و الغيب المتلقي عن الغيب المبلغ الي الشهادة القائم مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار فهذا البخار الذي هو القطب و القلب هو اشرف من جميع الاعضاء و اقربها الي المبدء و اعليها و اولها وجوداً و اخرها شهوداً و فاتحها الذي منه البدء و خاتمها الذي اليه العود و جميع الامداد يصل اليه اول ثم ينزل منه و ينتشر في الاعضاء الكثيفة فهذا القطب كان باللحاظ التشريعي الزماني قبل في الاطوار السابقة بالقوة ثم صار بالفعل بعدها فهي سابقة عليه زماناً ولكن في اللحاظ الدهري هو مقدم عليها لانه اقرب الي المبدء و هي ابعد فلايصل فيض دهري اليها الا بعد وصوله اليه و خروجه عنه فينتشر فيها به و هو الواسطة و المؤدي عن المبدء اليها الا انه كان مع تلك الاطوار في الغيب و الخفاء و كان بعدها في الشهادة و العلانية و اما في اللحاظ الزماني و الامداد التشريعي فلم‏يكن ذكر له معها و لا مدد يصل اليها به فان المدد الواصل في الشرع هو الروح و لم‏تكن الاطوار السابقة حية بالحيوة التشريعية فافهم هذا المثل ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل‏تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئاً و هو حسير.

فكذلك امر الانسان الكبير في اطواره فقبل خلقة ادم علي نبينا و اله و عليه‏السلام كان العالم علي حد الكيلوس و الكيموس ليس فيه ذكر للاطوار فصار في عصر ادم7 علي حد طور النطفة و في عصر نوح7 علي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 241 *»

حد العلقة و في عصر ابرهيم7 علي حد المضغة و في عصر موسي7 علي حد العظام و في عصر عيسي7 علي حد اكساء اللحم فلما تم جسد العالم و صلح لطور انشاء الخلق الاخر نفخ فيه الروح اي روح شرع محمد9 لحصول الروح البخاري الذي هو وجود محمد9 فلما اقتضي الاسباب الفاعلة و القابلة ظهوره9 و ظهر شف وجوده بروح الوحي و الشرع المستدام عمر الدنيا فاشتعل بروح من الله سبحانه فسري منه في جميع اعضاء العالم و حيي ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون و ينتشر دينه و شرعه في جميع الاقطار فهذا القطب الاكرم و الغوث الاعظم زماناً متاخر عن جميع الاطوار السابقة الا انه الطف من الكل و اشرف و اكرم علي الله تعالي قدره و اقدم بحيث لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق و لايطمع في ادراكه طامع به فتح الله و به يختم فهو الخاتم لما سبق و الفاتح لما استقبل فلما كان اسبق الخلق دهراً و اقدمهم وجوداً و اسرعهم اجابة كان هو واسطة جميع الفيوض النازلة دهراً علي الامم السابقة و اللاحقة لحضورهم جميعاً في الدهر في محضر واحد و كونهم دونه في الرتبة و تقدمه عليهم فهو القائم مقام الله سبحانه فيهم في اداء جميع ما اراد الله سبحانه منهم و اما في الامداد التشريعية الزمانية فلم‏ينتشر منه الا امداد ظهرت منه في الزمان الي اهل زمانه و مابعده و كذلك امر خلفائه بعده و الاركان و النقباء و النجباء بعدهم فان النبي9اول انسان اجاب سؤاله سبحانه الست بربكم بالبداهة ثم اوصياؤه:ثم اولواالعزم من الرسل ثم الرسل ثم الانبياء ثم الاوصياء ثم النقباء ثم النجباء ثم الاكرم علي الله فالاكرم فكل واحدة من هذه الطوايف واقف في درجة اجابته البتة و لكل درجات مما عملوا فاذا لاحظت في العالم باللحاظ الدهري الذي يجمع الكل فكل في درجة سبقه لايضر متاخراً زماناً تاخره اذا كان سابقاً في الايمان اقرب الي الله سبحانه و لاينفع سابقاً سبقه اذا كان اقل ايماناً و ابعد عن الله سبحانه فكل من هو اقرب الي الله سبحانه اعلي درجة و كل من هو ابعد بدرجة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 242 *»

ادني درجة و لا طفرة في درجات القرب الي الله سبحانه و لا شك ان الفيوض و الامداد الكونية الدهرية تصل اليه قبل ان‏تصل الي من هو ابعد منه البتة و ان كان الابعد اسبق زماناً و الاقرب متاخراً زماناً نعم لم‏يكن المتاخر زماناً في الازمنة السابقة و الفيوض الزمانية التشريعية لم‏تكن تصل الي السابقين بواسطة اللاحقين و انما تصل بهم الي معاصريهم و من بعدهم فاذاً لم‏يكن الاعصار السابقة باللحاظ الدهري خالية من وجود الغوث الاعظم و خلفائه و اركانه و نقبائه و نجبائه و لم‏يلزم طفرة و اي شي‏ء ادل علي ذلك من دوران رحاهم و لايدور رحي بلا قطب ابداً.

و اما القطب الشرعي في الاعصار السابقة فهو الذي يصل منه روح شرعي يناسب اهل ذلك العصر و يكفيهم ذلك و يحيون به حيوة تليق بهم الا تري ان الجماد مثلاً يحتاج الي حيوة تمسك تركيبه لا غير فلايحتاج الي قطب يؤدي اليه اكثر من ذلك و النبات يحتاج الي قطب يؤدي اليه حيوة تمسك عليه قواه و نماه و الحيوان يحتاج الي قطب يؤدي اليه حيوة دراكة مريدة متحركة و الانسان يحتاج الي قطب يؤدي اليه روح‏الايمان فكذلك كل عصر يحتاج الي قطب يؤدي اليه ما به قوامه و حيوته التي هو بها حي و تناسبه فان لم‏يكن قطب عصر لاحق في العصر السابق لم‏يكن دليلاً علي عدم الحاجة الي القطب اللاحق في العصر اللاحق.

و ان قلت ان قطب الجماد مثلاً بعيد عن المبدء يقيناً و واقع في ادني مراتب الاقطاب فماباله لا واسطة شرعية بينه و بين المبدء في العصر السابق و الطفرة في كل مقام باطلة قلت انا قدقدمنا ان الاقطاب مترتبة في اللحاظ الدهري لا طفرة بينها و يمد كل مقدم من تاخر عنه فالقطب الاعلي اللاحق زماناً منتشر حيوته في سوالف الزمان و خوالفه من اول الزمان الي اخره الا ان اهل الزمان السابق لم‏يكونوا قابلين للاستفادة منه لكثافة قوابلهم و اهل الزمان اللاحق كانوا قابلين فاستفادوا منه الحيوة الشرعية فلو فرض ان وجد في الزمان السابق واحد قابل للاستفادة من القطب لاستفاد و حيي بحيوته و استنار بنوره البتة و لذلك كان يؤخذ العهود بالايمان بخاتم النبيين و اوصيائه الطاهرين صلوات‏الله عليهم اجمعين فان قوابلهم كانت صالحة للاستفادة من القطب اللاحق و الاستحياء به فبهذا المعني

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 243 *»

كانوا معلمين للانبياء السالفين و معهم في الخفية قال العسكري7 ان روح‏القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدايقنا الباكورة و ان الكليم لما عهدنا منه الوفاء البسناه حلة الاصطفاء و في كتاب اخر له7 الانبياء كانوا يقتبسون من انوارنا و يقتفون اثارنا الكتاب و بذلك قدتواترت اثارهم معني و اما اممهم فلكثافة قابليتهم و عدم استعدادهم لم‏يكونوا قابلين لذلك اللهم الا بالايمان الاجمالي الذي يخبرهم به حججهم فلو فرض فيهم واحد كان قابلاً لذلك لكان يستفيد من الاقطاب الاتية البتة فافهم ذلك فانه دقيق و بالتوجه اليه بكلك حقيق.

فصـل: اعلم ان الله سبحانه غني عماسواه و ليس في ذاته مناسبة بشي‏ء و ميل الي شي‏ء و مقتضٍ لشي‏ء فبذلك لم‏يجر مشيته الا علي حسب القوابل الامكانية و الاستعدادات الخلقية و لم‏يعط احداً الا علي حسب سؤاله و علي مقدار استعداده في حدود قابليته فلاجل ذلك اعطي كل شي‏ء ما سأله بلسان قابليته في حد انيته فبذلك لايتجاوز شي‏ء مبدء كينونته و حيث لا ذكر له و لا قابلية هناك قريبة الي الفعلية مستعدة لها والا فكل شي‏ء بالقابلية المطلقة الامكانية صالح لكل شي‏ء و لا رجحان فيها لشي‏ء دون شي‏ء و الله سبحانه ليس ذاته رجحان شي‏ء و لا فعله و ارادته فان الارادة من غير مرجح من نفس الشي‏ء هو الترجيح بلا مرجح لاغير فلابد و ان‏يكون للقوابل رجحان من نفسها لشي‏ء خاص دون اخر و ان كانت مساوقة لوجودها كما حققناه في محله فعلي ذلك ليس يمكن في العادة الخلقية الجارية علي ترجح نفس الاشياء ان‏يترقي الجسم عن جسمانيته فوق عرصة الاجسام و يلحق عالم المثال فيكون جسماً في عالم المثال او مثالاً و لايترقي المثال الي المادة و هكذا فـ لكل منا مقام معلوم و انا لنحن الصافون و كذلك لم‏يجر عادة الايجاد الاختياري بصعود التراب الي عرصة الافلاك و هو تراب اللهم الا ان‏يستحيل فلكاً و يصفي و يعدل و يلقي عنه قشوره و ارمدته غير اللايقة فيكون بلطافة الفلك ثم يصعد الي عرصة الافلاك و الا فمادام التراب تراباً ليس يصعد الي الافلاك بل و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 244 *»

الي كرة النار فانه يذاب و يحترق و لايبقي كينونته و كذلك لايصعد الماء و هو ماء الي كرة النار فانه يجف و يستحيل ناراً فكيف بالصعود الي الافلاك فقد روي عن ابي‏عبدالله7 رفع عيسي بن مريم بمدرعة صوف من غزل مريم و من نسج مريم و خياطة مريم فلما انتهي الي السماء نودي يا عيسي الق عنك زينة الدنيا انتهي فتبصر و اعتبر نعم لما كان الاجسام كلها في رتبة واحدة يمكن استحالة كل الي كل بالقوة القريبة و يستحيل كما حقق في الفلسفة و اما الداني علي ما هو عليه فلايصعد الي رتبة العالي الا قسراً كالحجر المحلق مثلاً و اما بالطبع فلا فان له حيزاً مضروباً له بحكمة الحكيم المدبر المجري حكمته علي الاختيار ولكن الجسم لو لطف مدي الدهور ليس يستحيل مثالاً و لايتجاوز رتبته ابداً اللهم الا ان‏يرد الي الامكان ثم يصاغ مثالاً و الله قادر علي ذلك ولكن لم‏يجر عادة الله سبحانه علي رد الاكوان الي الامكان و اعدامها و كذا المثال لو لطف مدي الاعصار لايستحيل مادة و كذا المادة لاتستحيل طبيعة و لا الطبيعة نفساً و لا النفس روحاً و لا الروح عقلاً و لا العقل فؤاداً و لا الخلق امراً نعم كل واحد يترقي و يتلطف و يتصفي الي ما لا نهاية له و هو هو و يزداد شفافته و حكايته لماوراءه و تناسبه له و ذلك سير لا غاية له و لا نهاية.

فصـل: اعلم انه لايتركب شي‏ء واحد حقيقي من شيئين مستقلين قبل التركيب فوحدة المركب من شيئين مستقلين وحدة شخصية ايتلافية ظاهرية و التركيب من شيئين مستقلين قبل التركيب تركيب عرضي يعود الي الفناء البتة فان الاجزاء قبل التركيب عباد لله سبحانه و امم امثالكم لهم شرع و دين و ثواب و عقاب مخصوصة بهم مجزيون باعمالهم عائدون الي مباديهم واقفون في محشر لهم خاص بهم و ان هم الا كجماعة من الاناسي التموا في مجلس و تجاوروا ثم تفرقوا و ذهبوا الي بيوتهم فالوحدة الايتلافية الحاصلة من اجتماعهم المسماة باللمة و الجماعة و الثلة وحدة عرضية لهم حكم الوحدة العرضية ماداموا مجتمعين و اذا تفرقوا عادوا الي ما كانوا فيه قبل الاقتران فالجمادات المستقلة قبل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 245 *»

التركيب و النباتات الملتمة المستقلة قبل الالتيام و الحيوانات المستقلة اذا التمت لها احكام مستقلة خاصة بهم و اذا التمت و تركبت لها حكم الوحدة العرضية و الاسم الواحد العرضي مادامت موتلفة فاذا تفككت عادت الي ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة كما نص عليه علي7 في حديث الاعرابي فان هي الا كبيت من مدر بنيته او اعواد و اخشاب ركبتها ثم سكنته برهة من الدهر ثم خرجت عنه و تركته حتي خرب و عاد الي الاتربة و بلي او كمدرعة لبستها ثم نزعتها و تركتها حتي بليت و عادت الي التراب فلم‏تكن منك و لا اليك و اما انت فواحد حقيقي خلقت للبقاء لا للفناء و انما تنتقل من دار الي دار و تعود عود مجاورة لا عود ممازجة فالانسان الذي هو رب البيت و المدرعة وحدته وحدة حقيقية مجزي بعمله جزاء واحداً بمقتضي عمله الصادر عنه بوحدته العائد اليه بوحدته و اما الاتربة و الاحجار و الاعواد و الاصواف فانما هي ايضاً عباد مجزيون باعمالهم الصادرة عن كل واحد فجزاء كل واحد لازم عمله اللازم له بخصوصه و لاتزر وازرة وزر اخري و هذا ما اردنا ايراده في هذا الفصل و نحن نذكر الحكمة متفرقة و عليك بالجمع و التاليف و استخراج النتايج عنها ان كتب لك.

فصـل: اعلم ان الذي اصل كينونته الذاتية في عالم العقول هو في جميع العوالم لايسكن الا في ابدان تكون في اللطافة كعقول تلك العوالم فان تلك الابدان هي المناسبة لحكايته و الشافة عنه و المستعدة لتحمل اعبائه و الذي اصل كينونته الذاتية في عالم الارواح هو في جميع العوالم يتخذ ابداناً من رتبة ارواح تلك العوالم و كذلك التي ذاتيته من عالم النفوس يتخذ ابداناً نفسانية و هكذا و انما ذلك للزوم المناسبة بين الظاهر و الباطن و العبودية و الربوبية فالنبي الذي كينونته الذاتية اول ماخلق الله سبحانه بتواتر الاخبار و اجماع المسلمين اذا نزل في المراتب الدانية يتخذ لنفسه فيها ابداناً هي في اللطافة و الشرافة كعقول تلك المراتب و هي الابدان الاصلية له فيها فالبدن الاصلي له في كل مرتبة مايساوق عرشه فان العرش في كل عالم عقل ذلك العالم و اول ماخلق الله من ذلك

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 246 *»

العالم و مستوي الرحمن منه فالبدن الذي ينبغي له هو بدن يكون في اللطافة و الرقة و الشفافة و الاستعلاء كعرش تلك الرتبة كما روي قلب المومن عرش الرحمن فالعرش الاعظم هو قلب المومن الاعظم و العرش الكلي هو قلب المومن الكلي و المومن الكلي الاعظم في كل رتبة هو رسول الله9 بالضرورة و هو القلب الذي روي فيه في القدسي ماوسعني ارضي و لا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المومن ثم لما اقتضي الحكمة ان‏ينزل من مقام العرش الي رتبة العناصر للايصال اليهم اتخذ لنفسه ثانياً و بالعرض بدناً عنصرياً تاليفياً عرضياً يلبسه اذا شاء و يخلعه اذا شاء ليظهر للناس الترابيين علي حسبهم كما كان يظهر جبرئيل بصورة دحية الكلبي في عصر النبي9 و بصورة الاعرابي في عصر علي7 و قدقال علي7 الامام يا طارق بشر ملكي و جسد سماوي و امر الهي و روح قدسي و مقام علي و نور جلي و سر خفي فهو ملكي الذات الهي الصفات زايد الحسنات عالم بالمغيبات الخبر فهم: في مقام القطبية في كل عالم مساوقون لعرش ذلك العالم في الدرجة و الرتبة ولكن العرش طرف من اطراف الوجود و هم مظهر جميع صفات المعبود و لذا روي ان الامام يعطي التصرف علي الاطلاق و انه النور الاول و الكلمة العلياء و التسمية البيضاء و الوحدانية الكبري و امره بين الكاف و النون لا بل هم الكاف و النون الخبر فهم في الاصل سماويون بل عرشيون و في الجامعة فجعلكم بعرشه محدقين حتي من علينا بكم و جعلكم في بيوت اذن الله ان‏ترفع و يذكر فيها اسمه و تلك البيوت تلك الابدان العنصرية و كانوا قبل ان‏ينزلوا الي هذه العناصر محدقين بعرش الله جل‏جلاله يطوفون حوله و سيعودون اليه بعد ما خلعوا عنهم اقمصة الابدان كما روي ما معناه ان الامام يبقي في قبره ثلثة ايام ثم يصعد الي العرش و لولا انهم في الرقة و اللطافة و الروحانية كانوا مساوقين للعرش لم‏يكونوا

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 247 *»

محدقين به في سوالف الزمان عائدين اليه في خوالفه ففي البصاير بسنده عن عبدالرحمن بن كثير عن ابي‏عبدالله7 ان الله عزوجل خلق محمداً و عترته عليه و عليهم‏السلام و شيعته من طينة العرش فلاينقص منهم واحد و لايزيد فيهم واحد انتهي و اما الشيعة و ان كانوا من طينة العرش ولكنهم من نضحها فهم العرش الاسفل و يدل علي ذلك ما رواه عن بشر بن ابي‏عقبة عن ابي‏جعفر و ابي‏عبدالله8 قال ان الله خلق محمداً من طينة من جوهرة تحت العرش و انه كان لطينته نضح فجبل طينة اميرالمومنين7من نضح طينة رسول الله9 و كان لطينة اميرالمومنين7نضح فجبل طينتنا من فضل (نضح خ‏ل) طينة اميرالمومنين7و كان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا فقلوبهم تحن الينا و قلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد علي الولد و نحن خير لهم و هم خير لنا و رسول الله9 لنا خير و نحن له خير الي غير ذلك من الاخبار.

هم بالجملة اصل ابدانهم من طينة العرش بحيث لولا الباعث علي النزول لكان حيز ابدانهم حيز العرش و انما نزلوا لباعث الابلاغ و الايصال فاذا زال الباعث او حصل مانع لم‏يكن لهم حاجة الي هذه الاعراض كما لم‏يكن يستقر جبرئيل في الارض في بدن كالاعرابي اذا زال الباعث من اظهار علم علي7 بل اذا تكرر البواعث للظهور و الموانع عنه يتكرر ظهورهم في الدنيا كما ظهر علي7 بعد موته و ظهر الائمة: في اطراف الارض عند اظهار المعجزات و قال علي7 انا الذي اقتل مرتين و احيي مرتين و لي الكرة بعد الكرة بل اذا حصل الباعث يظهر في آن واحد في امكنة متعددة بصور متعددة فان اصل ابدانهم عرشي و هذه الصور البشرية لهم كمرايا موضوعة تحت الشمس و العجب ممن يقر ان اصل الملك جسم لطيف و يقدر ان‏يتشكل باشكال مختلفة و الجن جسم لطيف و يتشكل باشكال مختلفة و اجسام غليظة فيرون و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 248 *»

هم هم لايمنع تغلظهم عن صدق الاسم و لايسلم لهم انهم اصل ابدانهم سماوي عرشي و انما ظهروا بصورة البشر للايصال و الابلاغ و ظهروا للحكمة بصورة الوليد و الرضيع و الطفل و البالغ و الشاب و الكهل و غير ذلك قال الله سبحانه ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً و للبسنا عليهم ما يلبسون.

بالجملة اذا اقتضت الحكمة يوماًما ترك الايصال او الظهور او ارادوا التوجه الي مبدئهم و خلعوا الاعراض و نفروا عن دار الامراض تخلصوا الي ما لهم بالاصالة و مع ذلك لم‏يخرجوا عن الجسمانية و لم‏يخلعوا عنهم اللباس الجسمانية و صعدوا به الي حيزه و هو الطف من جميع الاجسام و ارق و اشف الم‏تسمع ان النبي9لم‏يكن له ظل و كان يري من خلفه كما كان يري من امامه و انه ليس يري له مدفوع و سئل عن ذلك فقال9ان ابداننا في الدنيا كابدان اهل الجنة في الجنة و كانوا يسيرون المشرق و المغرب في آن واحد و لايبقون في قبورهم اكثر من ثلثة ايام و ان سيدالشهداء في العرش ينظر الي زواره الي غير ذلك من الاخبار المتواترة معني الدالة علي ان ابدانهم سماوية لاينكرها الا جاحد لفضلهم و مقامهم و ان كل ذلك الا ان اصل ابدانهم عرشي و لحقهم اعراض لا عبرة بها كلون و غلظة و كثافة يمكن رؤيتهم بسببها و احساسهم بالحواس الظاهرة ارادة الايصال و الابلاغ فاذا زال الباعث عادوا الي حيزهم بلا كلفة و قسر بل القسر في نزولهم و ترائيهم لاجل الباعث قال الله سبحانه و انزلنا اليكم ذكراً رسولاً  فافهم ان كنت تفهم والا فاسلم تسلم.

فصـل: اعلم ان الجسم كلما كان اقرب الي المبدء يكون ارق و الطف و اوسع و كلما كان ابعد عن المبدء كان اغلظ و اكثف و اضيق و لذا تري كرة الهواء اوسع من الارض و الطف و النار اوسع و الطف منها و هكذا كل فلك اوسع و الطف من الذي دونه الي فلك الافلاك الذي هو اوسع و الطف من الكل و انت لو وضعت كرة صغيرة صيقلية علي الارض تري جميع الافلاك و الكواكب فيها

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 249 *»

مع سعتها و صغر الكرة و ذلك لاجل المواجهة التامة فلاينافي صغر الشبح في الكرة الصيقلية كبر الشاخص كما انه لاينافي صغر صورة الدحية و الاعرابي كبر جبرئيل و هو بجسمه يملاؤ فضاء الارض و السماوات و كذلك اجسام الائمة الاصلية لكونها بلطافة العرش يكون ارق الاجسام و الطفها و اوسعها و ان ظهروا في هياكل صغيرة بشرية لحكمة الم‏تسمع قول الحجة7 في دعاء رجب وبمقاماتك و علاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لافرق بينك و بينها الا انهم عبادك و خلقك الي ان قال بهم ملات سماءك و ارضك حتي ظهر ان لا اله الا انت فهم في كل مكان باصل جسمانيتهم يسمعون نداء كل مستغيث و يجيرون كل مستجير و يستجيبون كل داع و يظهرون اين ما يشاءون من شرق الارض و غربها الم‏تسمع علياً7 يقول انا الواقف علي الطتنجين انا الناظر الي المغربين و المشرقين و الاخبار الدالة علي ذلك متواترة معني ثم ان الارض هي الاسفل و السماء هي الاعلي من كل جهة فاذا نزع الواسع الذي هو اوسع من السماوات عن نفسه صورة الدحية او الاعرابي الضيقة الصغيرة و عاد الي اصليته ليس يختص صعوده بجهة دون جهة فليس يصعد جبرئيل اذا صعد الي جهة واحدة و ليس ينزل اذا نزل من جهة واحدة و انما ياتي النبي9 من كل جهة و يخاطبه من كل جهة مادام هو بصورته فان تصور بصورة الدحية التي هي في جهة خاصة و مكان خاص ظهر شبحه فيها في جهة خاصة و تكلم من فم تلك الصورة من جهة واحدة فلما نزعها عاد الي سعته الكبري و صعد الي السماء من كل جهة كانصاف اقطار خارجة من المركز الي المحيط فافهم ان كنت تفهم فاني كـذلك الابكم الذي يري الرؤيا فلايقدر هو علي قصها و لايقدر الناس علي فهمها فان فهمت بالاشارة فقد نلت الحظ من كلامي والا فلاتفسدنها و اعط القوس باريها والله خليفتي عليك.

فصـل: اعلم انه قدقام الاجماع الضروري من المسلمين ان النبي9

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 250 *»

عرج بجسمه الشريف الي المعراج و لم‏يكن معراجه روحانياً و منكر ذلك ملحد و عن الدين خارج و قدقال العلامة المجلسي ان الاخبار الدالة علي ذلك الوف و لاتحصي فمن حاد عنها و تمسك بشبهات المتكلمين و الحكماء و انكر المعراج الجسماني لشبهات هي اوهن من بيت العنكبوت من امتناع الخرق و الالتيام في السماوات فهو راد علي الله و رسوله و حده حد الشرك بالله انتهي نعم الذي دلت عليه الضرورة و الاجماع انه9عرج بجسمه الشريف في اليقظة و اما كيفية صعوده و حكمه و دقايقه فليس معرفتها من شان العوام و ليس افهام الجهلة مما يجب اتباعها و انما المدار في ذلك علي فهم الحكيم من الكتاب و السنة و الايات الافاقية و الانفسية و شاهد الصدق علي ذلك ان‏يطابق استنطاق فهم الحكيم ما في ايدي المسلمين فان خالفه فهو باطل مخالف للضرورة البتة فالحكيم يوافق الناس في الرواية و النطق و ربما يخالفهم في الدراية و الفهم و لا ضير و قدقال النبي9 رب حامل فقه الي من هو افقه منه و رب حامل فقه و ليس بفقيه فالقطعي من ذلك ما نطق به القران في قوله سبحان الذي اسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير و ما ورد في اخبار الائمة الاطهار صلوات‏الله عليهم ما اختلف الليل و النهار و نحن لايسعنا في هذا الكتاب ان‏نذكر جميع ما روي في الباب و نشرحها فان ذلك يقتضي رسم كتاب كبير مستقل بل نكتفي هنا ببعض الاخبار و مواضع الحاجة و الاشكال منها و الاشارة اليها لئلايخلو كتابنا هذا من ذلك بالكلية.

فقد روي عن ابي‏عبدالله7 ان المسجد الاقصي في السماء اقول هو البيت المعمور الذي في السماء الرابعة و في بعض الاخبار انه في السماء السابعة و لاتنافي بينهما فان فلك الشمس هو قطب الافلاك السبعة و اصلها و حيوة الافلاك منه فهو اشرف من ساير الافلاك ففي الشرف هو السابع و الستة دونه و ان كان في المكان في وسط الافلاك كما ان القلب هو اشرف الاعضاء و اول عضو يحيي و اخر عضو يموت مع انه في الوسط و عنه9 

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 251 *»

حملت علي جناح جبرئيل7 حتي انتهيت الي السماء السابعة فجاوزت سدرة المنتهي عندها جنة الماوي حتي تعلقت بساق العرش الخبر اعلم ان سدرة المنتهي هي الشجرة التي في الكرسي اليها تنتهي اعمال الخلايق و الصور و الكثرات و هي الشجر الاخضر المذكور في القران لانها مقام النفس ذات الكثرات الصورية المجردة المتشعبة المتكثرة و خضرتها من صفرة الروح و زرقة كثرات الصور الملتفة و ما تجاوزها جبرئيل و وقف دوينها فان مقامه الطبيعة و هو حاملها و هي الركن الاسفل الايسر ركن الخلق فعن ابي‏جعفر7 قال لقد رءاه نزلة اخري عند سدرة المنتهي عندها جنة الماوي يعني عندها وافي به جبرئيل حين صعد الي السماء فلما انتهي الي محل السدرة وقف جبرئيل دونها و قال يا محمد انها موقفي الذي وضعني الله فيه و ان اقدر علي ان‏اتقدمه ولكن امض انت امامك الي السدرة فقف عندها قال فتقدم رسول الله الي السدرة و تخلف جبرئيل قال ابوجعفر7 انما سميت سدرة المنتهي لان اعمال اهل الارض تصعد بها للحفظة البررة دون السدرة يكتبون مايرفع اليهم من اعمال العباد في الارض فينتهون بها الي محل السدرة قال فنظر رسول الله9 فرأي اغصانها تحت العرش و حوله قال فتجلي لمحمد نور الجبار فلما غشي محمداً شخص ببصره و ارتعدت فرايصه قال فشد الله لمحمد قلبه و قوي له بصره حتي راي من ايات ربه ماراي و ذلك قول الله و لقدرءاه نزلة اخري عند سدرة المنتهي عندها جنة الماوي يعني الموافات قال فراي محمد ما راي ببصره من ايات ربه الكبري يعني اكبر الايات الخبر فسر وقوف جبرئيل دونها ما ذكرنا ان حده الطبيعة لايتجاوزها و تجاوزها النبي9 بنفسه حتي وصل السدرة و هي مقام النفس الكلية و لم‏يقف هناك ملك مقرب و لا نبي مرسل و لذا قال له جبرئيل فوالله لقد بلغت مبلغاً لم‏يبلغه خلق من خلق الله لان النفس الكلية

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 252 *»

حده خاصة و هي بعبارة اخري الحجاب الزبرجدة الخضراء المروي في حديث اخر كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق و لا اعلمه الا و قدقال زبرجد فنظر في سم الابرة الي ما شاء الله من نور العظمة فقال الله يا محمد قال لبيك قال من لامتك من بعدك قال الله اعلم قال علي بن ابي‏طالب الخبر و هي مقام نفس النبي التي هي الولي بنص الكتاب فراي هناك من ايات ربه الكبري فقال7 اي اية لله اكبر مني و هناك تعين الوصي كما سمعت و اليها ينتهي اعمال الخلايق اذ كل شي‏ء احصيناه في امام مبين و هو الكتاب الذي ينطق عليكم بالحق و نور العظمة هو نور الله الظاهر في الولي اذ مقامه مقام حجاب العظمة التي عندها خلق علي7كما في حديث اخر و عندها جنة الماوي اذ هي مقام النفس الكلية سقفها عرش الرحمن كما روي و لذا كان اغصان الشجرة تحت العرش و حولها ثم جاوزها النبي9حتي وافي العرش و هو حجاب جلال القدرة الذي كان يطوف حولها ثمانين الف سنة في اول بدئه و لولا انه9 كان جسمه و نفسه و روحه من ذلك المكان لما وصل اليه فقد روي عن ابي‏عبدالله7 في حديث مر و لولا ان روحه و نفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان‏يبلغه و كان من الله كما قال الله قاب قوسين او ادني اي بل ادني انتهي و مقام العرش هو مقام قاب قوسين و القاب كما في معياراللغة من القوس بين المقبض و ما عطف من طرفها و لكل قوس قابان و القاب ايضاً مابين سية القوس الي راسها عن الشرع و سيتها حيث يعطف من طرفها و يشد عليه الوتر و المقدار انتهي و عن ابي‏الحسن7 كان من الله كما بين مقبض القوس الي راس السية او ادني اي من نعمته و رحمته قال بل ادني و روي في دني فتدلي انه نزلت فتداني و عن القمي كان بين لفظه و بين سماع محمد كما بين وتر القوس و عودها و روي عن علي بن الحسين7 دنا من حجب النور فراي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 253 *»

ملكوت السموات ثم تدلي فنظر من تحته الي ملكوت الارض حتي ظن انه في القرب من الارض كقاب قوسين او ادني و عن ابي‏الحسن موسي7 فلما اسري بالنبي9 و كان من ربه كقاب قوسين او ادني رفع له حجاب من حجبه و عن النبي9لما عرج بي الي السماء دنوت من ربي تعالي حتي كان بيني و بينه قاب قوسين او ادني فقال لي يا محمد من تحب من الخلق قلت يا رب علياً قال التفت يا محمد فالتفت عن يساري فاذا علي بن ابي‏طالب و سئل ابوعبدالله7 جعلت فداك ما قاب قوسين او ادني قال مابين سيتها الي راسها فقال كان بينهما حجاب يتلألأ بخفق و لا اعلمه الا و قدقال زبرجد فنظر في مثل سم الابرة الي ما شاء الله من نور العظمة و عن النبي9 قال قدر ذراعين او ادني من ذراعين و عن ابي‏ابرهيم موسي7 في التدلي انه لغة في قريش اذا اراد الرجل منهم ان‏يقول سمعت يقول تدليت و انما التدلي الفهم و عن علي7 فدنا بالعلم فتدلي له فدلي من الجنة رفرف اخضر و غشي النور بصره فراي عظمة ربه بفؤاده و لم‏يرها بعينه فكان كقاب قوسين بينهما او ادني و عن ابي‏جعفر7 ادني الله محمداً منه فلم‏يكن بينه و بينه الا قفص لؤلؤ فيه فراش من ذهب يتلألأ فاري صورة فقيل له يا محمد اتعرف هذه الصورة قال نعم هذه صورة علي بن ابي‏طالب الي غير ذلك من الاخبار.

و الاشارة الي شرحها و جمعها ان القاب بمعني المقدار و القوس قطعة من الدايرة و لا تحديد لطولها و ان الله سبحانه لما خلق العقل قال له ادبر فادبر الي ان وصل غاية البعد و هي الارض الجسمانية ثم قال له اقبل فقام مقبلاً الي ربه يعود صاعداً كما نزل و لم‏يعد علي طريق نزل منه بالبداهة و انما صعد الي تلك المقامات و المراتب التي نزل منها نوعاً فلاجل ذلك عبر الحكماء عن الطريقين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 254 *»

بالقوس و عبروا عن القوسين بدايرة الوجود فالقوس العظمي النزولية فيها قسي صغار بعدد مراتب الخلق و كلياتها سبع قوس العقل و قوس الروح و قوس النفس و قوس الطبع و قوس المادة و قوس المثال و قوس الجسم و كل واحدة قطعة من الدايرة و ان كانت كلها ابعاض نصف الدايرة و كذلك قوس الصعود فان الانسان يصير في محاذاة تلك القسي في تلك العوالم و قديقسم قوس النزول بثمان و عشرين و هي قسي العقل و الروح و النفس و الطبع و المادة و المثال و الجسم و العرش و الكرسي و فلك البروج و فلك المنازل و الافلاك السبعة و العناصر الاربعة و الجماد و المعدن و النبات و الحيوان و الجن و الملك ثم الانسان الجامع مقام لام الف او يترك المعدن في الذكر لجماديته حقيقة فيتم الثمان و العشرون بالجملة هذه المراتب قسي الدايرة نزولاً و صعوداً و النبي9 صعد ليلة المعراج بكل مرتبة عرضية له في المراتب التي هي بالنسبة اليه عرضية حتي جاز الاعراض فوقف موقفاً لم‏يقف فيه احد من الخلق و لم‏ير الا نفسه و ظن ان جميع الخلق قدماتوا و هو مقام تفرده في ذاتيته و هو مقام العقل فصعد عن هذه‏القسي جميعاً الي ان دنا في مقام سدرة المنتهي و النفس و هو الدنو بالعلم لانها مقام فتدلي اي تواضع و تذلل بافناء نفسه و رفع النظر عنها و التصغر عند عظمة الله فدلي له رفرف اخضر و الرفرف بساط و عبر به عن اعلي النفس لانه دلي اليه فتعلق به و صعد او فتدلي بعده و علي قراءة فتداني اي الي الروح و معناهما واحد لان التدلي هو الدنو بالفهم ايضاً كدنا فكان من ربه و هو الرب المضاف فهو الرب اذ مربوب و هو فؤاده7 مقدار قوسين و هما قوس الروح و قوس العقل او ادني اي بل ادني و هو مقام العقل و هو المقام الخاص فنظر من يساره اي الي النفس فرأي علياً7 لانه نفسه و هو دونه بدرجة فنظر من مثل سم الابرة الي ما شاء الله من نور عظمة ربه و رفعة ممر النظر لانه توجه الي الاحد جل‏شأنه و هذا النظر ليس له عرض اذ ليس المنظوراليه مثني فافهم و

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 255 *»

روي لم‏يره بالبصر ولكن رءاه بالفؤاد كما قال الشاعر:

اذا رام عاشقها نظرة و لم‏يستطعها فمن لطفها
اعارته طرفاً راها به فكان البصير بها طرفها

و ذلك قوله تعالي ماكذب الفؤاد ما راي و قال لقد راي من ايات ربه الكبري ولم‏يقل راي الله و عن النبي9 انتهيت الي سدرة المنتهي و اذا  الورقة منها تظل امة من الامم فكنت من ربي كقاب قوسين او ادني انتهي فمقام قاب قوسين عند السدرة و بينه و بين الفؤاد قوس الروح و العقل و اما او ادني فهو مقام العقل واما ما روي كان من الله كما بين مقبض القوس الي راس السية فلاينافي ما ذكرنا فان من المقبض الي اسفل السية قوس و من اسفل السية الي راسها قوس الا ان هذه اصغر و انعطافها لاينافي القوسية و هي منعطفة الي خارج القوس الي جهة الفؤاد فتدبر و اما تفسيرالقمي كما بين وتر القوس و عودها لعله تفسير او ادني فان الوتر متصل بعود السية و اما ما روي انه في القرب من الارض كقاب قوسين فهو تفسير اخر و الكلمة من القران تنصرف الي معان فمن مقام العقل الي الارض قوسان قوس الغيب و قوس الشهادة او قوس الملكوت و قوس الملك و اما ما روي ما بين سيتها الي راسها فيمكن ان‏يراد بالراس المقبض فانه لم‏يقل ما بين اسفل السية الي راسها و انما قال ما بين سيتها و اراد الكل فلم‏يبق راس الا علي معني ان لكل قوس راسين فان لكل خط راسين و لذا يقال رسمت دائرة و وصلت بين راسي الخط مثلاً فالقوس لها راسان احدهما اعلي السية و اخرهما عند المقبض فضمير راسها راجع الي القوس لا السية و يمكن انه اجاب من مقام او ادني فانه قال ما قاب قوسين او ادني و سال عنهما معاً فكما انه يحتمل انه اجاب عن قاب قوسين يحتمل انه اجاب عن او ادني بل يرجح ذلك لان الاستدراك ينفي المستدرك‏عنه فلم‏يبق الا الاستدراك فان او ادني يعني بل ادني و لم‏يبق بينهما قاب قوسين و اما تفسيرها بالذراعين فالمراد من الذراع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 256 *»

هو القوس ان صحت الرواية فانها عامية و روي عن طرقنا ايضاً و يحتمل التقية و يمكن ان‏يقال ان الذراع من الكوع الي البوع و هي عظمان و هما الزندان فعبر عن كل مرتبة بالذراع لتركبها من وجود و ماهية و لان كل مرتبة يد للعالي في خلق الاسفل و الله اعلم و اما قوله تعالي و لقدراه نزلة اخري يحتمل الرؤية حال الرجوع الي سدرة المنتهي في نزوله و لذا عبر بالنزلة و روي في تفسير لقدراي من ايات ربه الكبري، انها جبرئيل راه في صورته مرتين هذه المرة و مرة اخري و ذلك ان خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لايدرك خلقهم و صفتهم الا الله رب العالمين وعن علي7 ما لله اية اكبر مني و لاتنافي بينهما فان جبرئيل احد اشعته و هو الذي يتقلب في الصور كيف‏ما شاء الله من راهم فقدراه كماروي و عن ابي‏جعفر7 قال اتي جبرئيل رسول‏الله9بالبراق اصغر من البغل و اكبر من الحمار مضطرب الاذنين عينه في حافره و خطاؤه مد بصره فاذا انتهي الي جبل قصرت يداه و طالت رجلاه فاذا هبط طالت يداه و قصرت رجلاه اهدب العرف الايمن له جناحان من خلفه و روي هي دابة من دواب الجنة ليست بالقصير و لا بالطويل ولو ان الله تعالي اذن لها لجالت الدنيا و الاخرة في جرية واحدة و هي احسن الدواب لونا و روي انها لماركبها النبي9 تضعضعت فلطمها جبرئيل7فقال لها قري يا براق فماركبك احد قبله مثله و لايركبك احد بعده وروي انه اركبه جبرئيل البراق و اسري الي بيت‏المقدس و روي لمااسري بي الي السماء حملني جبرئيل علي كتفه الايمن انتهي.

و اعلم ان البراق هو فرس الحيوة و اصله من اعلي الملكوت و له مظاهر في كل رتبة و حيزوم فرس جبرئيل من شيعته و قداحيي بذر تراب تحت حافره

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 257 *»

العجل و قدركبه النبي9 ليلة المعراج ليصعد الي عالم الارواح و الورد الاصفر من عرق البراق لان الصفرة لون الهواء و الهواء اذا تحرك هو الريح و انما سمي الروح روحاً لانه كالريح متعلق به فالبراق له حقيقة و هو الروح الكلية لم‏يركبها احد قبل محمد9 و له تنزلات الي عالم الاجسام فمظهره الروح البخاري في الاجسام و صعد جسم النبي9 بتعلقه بها و حملها اياه و هي جناحها من خلفها و هو في ذوات الاجنحة مقام اليدين فكان جناحاها من خلفها علي الرجلين فان طيرانها بالسعي باقدام الطاعة و الامتثال و عينها في حافرها لان‏تمشي سوياً علي صراط مستقيم و تكون بصيرة بالطريق لاتضله و يمكن ان‏يكون كناية عن نظرها الي حافرها دائماً و يعبر عن النظر بالعين كثيراً و اذناها تتحركان دائماً لتلقي مايجري اليها من روح‏القدس من الامر و النهي فهو ابداً يجري و هي ابداً تدري و خطاؤها مد بصرها و هو جميع الملك و اليه الاشارة بقوله7 لو اذن لها لجالت الدنيا و الاخرة في جرية واحدة فالان تجول بجريتين جرية في الملك و هو مد نظرها و جرية في الاخرة لاختلاف الجريتين في العرض و الطول الان ولو اذن الله لها لطوتهما طياً لانها المنيرة لهما.

و اما تضعضعها بركوب النبي9 فاضطرابها عند اشراق العقل الكلي عليها فلم‏تطقها و استقرها جبرئيل ملك الطبيعة بلطمه اياها و تنبيهها و اما ماروي انه حمله جبرئيل علي كتفه الايمن و هو يكون الي دوين السدرة فلاينافي ركوبه علي البراق فان لها ظهوراً في عالم الطبيعة ايضاً و حاملها جبرئيل و اركبه علي كتفه الايمن جهته الي ربه.

و اما ماروي انه خوطب9 ادن من صاد فاغسل مساجدك و طهرها و صل لربك و كان اول صلوة صلاها رسول‏الله9 في السماء بين يدي الله تبارك و تعالي قدام عرشه جل‏جلاله و كان صلوته صلوة الظهر فاعلم انه9 موثر جميع الخلق بجسمه الشريف و خلق من شعاعه حقايق الانبياء فمادونها و قدملأ عرصة الاكوان بجسمه الشريف كما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 258 *»

روي بهم ملات سماءك و ارضك حتي ظهر ان لااله الاانت و ذلك هو جسمه الاصلي الذاتي له فاذا صعد صعد من المركز الي المحيط من كل جانب و صعد في عالم الاجسام هذا بجسمه العرضي الزماني و في عالم الامثلة بظله العرضي و في عالم المواد بمادته العرضية وهكذا في كل عالم بما له من ذلك العالم بالعرض الي ان انتهي الي عالمه فصعد من ارض عالمه الي سموات عالمه في كل رتبة منها الي ان انتهي الي مقام او ادني و هو العقل المرتفع بين يدي الله سبحانه فهناك دنا من صاد و هو بحر دون العرش في مقام روحه الشريفة لانه سئل موسي بن جعفر7 عن الصاد فقال عين تنفجر من ركن من اركان العرش يقال لها ماء الحيوة و هو ما قال الله عزوجل ص والقران انما امره ان‏يتوضأ و يقرء و يصلي انتهي فماء الحيوة هو الحيوة الكلية الخاصة به و هو قوله ص و القران ذي‏الذكر فامره ان‏يتوضأ من صاد ليتطهر من الواث مراتب البعد الميتة بالنسبة الي حيوة القرب و يقرا من القران مقام العقل و يصلي و يصل الي مقام الذكر اقم الصلوة لذكري و هو الفؤاد.

و اما انه كان اول صلوة صلاها مع ان المعراج بعد البعثة بمدة  فلانه9 عرج في الزمان بجسمه الزماني و في ساير المراتب بجسمه الدهري فجاز الافاق المائلة و ليل عالم الاجسام حتي دخل فجر عالم المثال فجازه حتي طلع الشمس في عالم النفوس و سار حتي وصل الي الظهر في عالم العقول و شمس المشية علي قمة راسه حين كان طالع الدنيا السرطان البرج المائي و كواكب جهات المشية في الاشراف و شمس المشية في التاسعة‏عشرة من برج الحمل في وسط السماء فهنالك صلي الظهر و جميع صلوات العالم مظاهر تلك الصلوة فهي اول صلوة صليها مخلوق صليها قدام العرش بين يدي الله سبحانه علي ما نشير اليه فافهم ان كنت تفهم.

و اما ماروي عن ابي‏عبدالله7 انه سئل كم عرج برسول‏الله9 فقال مرتين فاوقفه جبرئيل7 موقفاً فقال مكانك يامحمد فلقدوقفت موقفاً ماوقفه ملك قط و لا نبي ان ربك يصلي فقال يا جبرئيل و كيف

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 259 *»

يصلي قال يقول سبوح قدوس انا رب الملائكة و الروح سبقت رحمتي غضبي فقال اللهم عفوك عفوك قال و كان كما قال الله قاب قوسين او ادني الخبر فالرب المصلي هو الرب المضاف فهو صاحب الربوبية اذ مربوب و مربوبه محمد9 فهو فؤاده و هو رب الملائكة الذين هم شــٔون عقله9 و الروح اي روح‏القدس المسدد له و هو عقله9 فيصلي و الصلوة معراج المومن فهو يصلي لله و يصل اليه بقوله سبوح قدوس قولاً كونياً فيقدس الله عن مشابهة الانداد و الاضداد بكينونته فانه ثناؤ الله الذي لايحصيه الا الله جل‏شأنه فقال اللهم عفوك عفوك بنفسانيته و اطلاع جبرئيل علي هذه الصلوة لانه ملك الطبيعة الكلية و هي اية الفؤاد في الشهادة فاطلع علي ظاهره فاخبر النبي9 دوين سدرة المنتهي عند بدء جبرئيل و منتهي حده و ان كان المراد بالرب هنا المشية فصلوتها وصل النبوة بالولاية فمقام النبوة هو المشاراليه بقوله سبوح قدوس و مقام الولاية هو المشاراليه بقوله سبقت رحمتي غضبي فان الولي هو صاحب الرحمة الرحيمية كتب علي نفسه الرحمة و في هذا الخبر انه عرج به مرتين و عن ابي‏عبدالله7 عرج بالنبي9 مائة و عشرين مرة ما من مرة الا و قداوصي الله تعالي فيها النبي9 بالولاية (لعلي) و الائمة من ولده:اكثر ممااوصاه بالفرايض انتهي و لايحضرني جمع بينهما ينبي عن الواقع والا فالاحتمالات كثيرة و لم‏اجد خبراً مخبراً عن الواقع فالله يعلم حقيقة الحال و اعلم اني لو اردت ان‏استقصي اسرار المعراج او اسرار خبر من اخبارهم لاقتضي ذلك رسم كتاب مستقل و اني لمبتلي و مبتلي‏بي و لايسعني الاستقصاء و مع‏ذلك فتحت الباب و لا قوة الا بالله لمن اراد الدخول فلنكتف بما ذكرنا من بعض اسرار بعض اثارهم صلوات الله عليهم و فك رموزها و الحمدلله.

فصـل: اعلم انه9 لما كان في كل مرتبة موثر جميع ما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 260 *»

دونه و جميع الكاينات من شعاع نوره كما تواتر به الاخبار معني و صعد9 الي مقام اعلي اذكار نفسه اطلع في نزوله علي جميع ذرات الكائنات عند اول تكونها و بدء ايجادها و تصرف فيها بقوة اسماء الله العظمي التي علمها9 علماً اتحادياً لقولهم: نحن والله الاسماء الحسني التي امر الله ان‏تدعوه بها فاطلع علي حقيقة جميع الكاينات و اشرف عليها حين صدرت من موثراتها قال سبحانه سبحان الذي اسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا و اتي بمن الدالة علي التبعيض مع انه راي جميع ما خلق الله سبحانه فان جميع ما خلق الله سبحانه جزء من سبعين جزءاً من نور نفسه9 و نفسه9 هي اية الله الكبري و هي كل الايات لقوله تعالي ولقداريناه اياتنا كلها فكذب و ابي و المراد علي7 حيث ظهر علي فرعون حين جحد حق موسي7 فجميع الخلق بعض الايات و اراه الله اياها اراءة اشراف و اطلاع و احاطة و اما قوله سبحانه لقدراي من ايات ربه الكبري و هي نفسه الشريفة فهذه الرؤية رؤية اتحاد لانها كانت بالفؤاد ماكذب الفؤاد ما رأي.

بالجملة انه9 في عروجه سافر الاسفار الاربعة التي هي السفر من الخلق الي الحق و هو صعوده من حضيض الارض الي اوج العرش من جميع الاقطار راكباً علي براق روحه الكلية الشريفة مدبراً عن الخلق مقبلاً الي الله سبحانه ممتثلاً امر اقبل خالعاً للاعراض صاعداً مصاحباً للاغراض معرضاً عن الكثرات متوجهاً الي الذات جل‏ثناؤها و لم‏يكن صعوده ذلك صعوداً علمياً بل كينونياً و لا روحانياً بل جسمانياً فمر علي عالم الاظلة بكينونته و شاهده شهود من يموت كوناً و مر علي جميع اوقات البرزخ حتي سمع صوت الصور و شاهد موت جميع اهل الارض و السماء و طي السموات كطي السجل للكتب و تفكك كل مركب و تبديل الارض غير الارض و السموات و مر علي اربعمائة سنة بين

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 261 *»

النفختين لانه لايصعق بنفخ الصور لانه المستثني في قوله تعالي فصعق من في السموات و الارض الا من شاء الله و نادي بنداء الله سبحانه لمن الملك اليوم فانه لسان الله الناطق و اجاب بقوله لله الواحد القهار ثم سمع نفخة الدفع و شاهد ولوج الارواح في الابدان بعد تركيبها و نشر الاموات و حشرها الي خالق البريات و نصب الموازين و تطاير الكتب و مد الصراط و سير الناس عليه و الجنة و النار و من ينعم في الجنة من المومنين و عددهم و عرفهم باسمائهم و اسماء ابائهم و قبايلهم و اهل النار و عددهم و عرفهم باسمائهم و اسماء ابائهم و ذلك قول الصادق7 في شرح قوله فاوحي الي عبده ما اوحي، فدفع اليه كتاب اصحاب اليمين و اصحاب الشمال فاخذ كتاب اصحاب اليمين بيمينه و فتحه فنظر اليه فاذا فيه اسماء اهل الجنة و اسماء ابائهم ثم طوي الصحيفة فامسكها بيمينه ثم فتح صحيفة اصحاب الشمال فاذا فيها اسماء اهل النار و اسماء ابائهم وقبايلهم ثم نزل و معه الصحيفتان فدفعهما الي علي بن ابي‏طالب انتهي و من عرف معني كتاب الاسماء عرف سر مشاهدته7لما قلت ثم مر علي جنة الماوي و جنة عدن ثم علي الرضوان ثم صعد الي عرصة الذكر ثم عرصة الاسماء و الصفات و الانوار حتي غرق في بحر التحير بلا كيف و هو قوله9رب زدني فيك تحيراً و وصل الي مقام لنا مع الله حالات هو فيها نحن و نحن هو و هو هو و نحن نحن و وصل الي مقام اشار اليه علي7 كنا بكينونته قبل مواقع صفات تمكين التكوين كائنين غيرمكونين موجودين ازليين و هو قوله7 و ظننت ان جميع الخلق قدماتوا و لم‏ار غيري احداً من خلقه فافهم ولماكان9 حيوة الكل و قداعرض عن الكل كان الواجب ان‏يسيخ الارض باهلها ولكنه خلف علياً7 في الارض و دار الرحا عليه و استمد الخلق منه كماروي انه قال الله سبحانه حين المناجاة يا محمد قلت لبيك ربي و سعديك سيدي و الهي قال اسالك عما انا اعلم به منك من خلفت في الارض

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 262 *»

بعدك قلت خير اهلها لها اخي و ابن‏عمي و ناصر دينك و الغاضب لمحارمك اذا استحلت و لنبيك غضب النمر اذا غضب علي بن ابي‏طالب قال صدقت يا محمد اني اصطفيتك بالنبوة و بعثتك بالرسالة و امتحنت علياً بالبلاغ و الشهادة علي امتك و جعلته حجة في الارض معك و بعدك الخبر فصار خليفة النبي9 في امساك تركيب الاكوان لاعراضه عنها فلمابلغ هذا المبلغ انقطع سيره الصعودي و دار علي نفسه بلا كيف و لا جهة و لا حركة فطوي جميع الكاينات طي الاحد للاعداد و نفذ في جميع الامكنة الوجودية فهنالك سار في السفر الثاني و هو السفر في الحق بالحق و ذلك سفر لا غاية له و لا نهاية و لا بيان عنه و لا عبارة و لا كيف و لا اشارة فلما استكمل السفرين امر بالسفر الثالث و هو السفر من الحق الي الخلق و هو قوله9 ثم هوي بي الرفرف فاذا انا بجبرئيل فتناولني حتي صرت الي سدرة المنتهي فوقف بي تحتها ثم ادخلني جنة الماوي فرايت مسكني و مسكنك يا علي فيها فبينا جبرئيل يكلمني اذ علاني نور من نوره فنظرت الي مثل مخيط الابرة الي ماكنت نظرت اليه في المرة الاولي الخبر وفي خبر اخر بعد ذكر توحده هناك فتركني ما شاء الله ثم رد علي روحي فافقت الخبر و ذلك حين نزوله فلما اشرف من ذلك المكان الارفع الاعلي الي الخلق و اراد الهبوط اطلع علي مقام نقطة الامر و الفه و حروفه و كلمته التي انزجر لها العمق الاكبر و علي العمق الاكبر و علي العقل حين بدء ايجاده و ساير العوالم عرضاً و طولاً و اجمالاً و تفصيلاً و سمع صرير القلم و شاهد جريانه بما كان و مايكون فقرأ الالواح و الكتب حرفاً حرفاً و كيف لا و يقول وصيه و خليفته لقدعلمت ما فوق الفردوس الاعلي و ما تحت السابعة السفلي و ما في السموات العلي و ما بينهما و ما تحت الثري كل ذلك علم احاطة لا علم اخبار الخبر فماظنك بمن هو سيده و سنده و كان9 كلما ينزل من مقام الي مقام يلبس ماخلع من الاعراض لاراءة الاغراض الي

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 263 *»

ان نزل الي عرش هذا العالم ثم الي كرسيه ثم افلاكه ثم ارضه فشوهد كماكان يشاهد فسافر رابعاً في الخلق بالحق و اقامه الله مقامه في ساير عوالمه في الاداء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحيط به خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار لا اله الا الله الملك الجبار.

فصـل: مااوهن شبهات الطبيعيين و المتكلمين و الحكماء المتفلسفين حيث زعموا ان الافلاك يمتنع عليها الخرق و الالتيام زعماً منهم انها بسايط يمتنع عليها صدور حركتين مختلفتين منها فلايمكن ان‏يكون صعد9 بجسمه الشريف و انما عروجه عروج روحاني و خلع جسمه بالكلية فانها اوهن من بيت العنكبوت مع انه اوهن البيوت و هل‏يمكن ان‏يعارض الوف من الاخبار الصادرة من الاطهار بهذه الظنون الواهية و التوهمات البالية و هل هي الا تكذيب المعصومين بالظن و التخمين و الخروج عن دين المسلمين فنحن نبين لك بحول الله و قوته مايكشف لك الامر وضوح الشمس في رابعة النهار.

اعلم اولاً ان القول بان الافلاك بسيطة قول باطل و عن حلية الاعتبار عاطل فانه لا بسيط الا الاحد الحق جل‏شأنه و قدروي عن الرضا7 ان الله سبحانه لم‏يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده و قدقال الله سبحانه و من كل شي‏ء خلقنا زوجين و قدثبت في الحكمة ان كل حادث مثلث‏الكيان مربع‏الكيفية فالافلاك اجسام مركبة من طبايع اربع غاية‏الامر انها جوهرية دهرية لا عنصرية فهي من اجزاء حارة و باردة و رطبة و يابسة و لذلك صارت الكواكب اصحاب طبايع مختلفة فكل واحد غلب عليه طبع من تلك الطبايع ظهر به فزحل غلب عليه البرودة و اليبوسة و المشتري الحرارة و الرطوبة و المريخ الحرارة و اليبوسة وهكذا فان لكل واحد منها طبيعة خاصة بالاتفاق و يظهر منه اثار طبيعته فاذا صارت الافلاك مركبة ذات طبايع مختلفة لم لايمكن ان‏يصدر منها حركات مختلفة غاية‏الامر ان الغالب علي كل

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 264 *»

واحد طبع خاص و الافعال الصادرة منه علي حسب تلك الطبيعة الغالبة اما اذا جاء مكمل و قوي فيه طبعاً اخر يصدر منه فعل مناسب لذلك الطبع كما ان الحجر من شأنه النزول مادام الغالب عليه طبع التراب اما اذا كمل الرامي الي الفوق حرارته و ناريته صعد بقدر تكميله فاذا انقطع عنه اثر التكميل عاد نازلاً فكذلك ان الطبيعة الفلكية تقتضي الحركة الي جهة خاصة لاجل الطبع الغالب بالعرض او بالذات فاذا صعد النبي9 بجسمه و الفلك رخو كالهواء و الدخان بنص القران ثم استوي الي السماء و هي دخان زاحم اجزاء جسم النبي9 جسم الفلك فينفرج و يدخله جسم النبي و الحركة الانفراجية له علي خلاف جهة مقتضي طبعه الغالب بتكميل جسم النبي9 اياه فاذا جاوزها و ذهب عنه اثر التكميل عاد الي ماكان فلا فرق بين خرقه الهواء و التيام اجزائه بعد المفارقة و بين خرقه السموات ابداً و لايقدر علي القول بامتناع الحركة الخارجة مسلم يجب عليه القول برد الشمس لسليمان و يوشع و علي7 فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين و بطل ماكانوا يعملون هذا اذا فرض انه صعد من جهة و اما اذا كان صعوده من كل جهة كماهو الواقع فلما وصل الي الفلك من كل جهة افني سطحاً منه و قام بسطح جسمه مقامه كما افني عصا موسي حبال القوم و افني صورة السبع جسد الساحر الخبيث و لم‏يلزم تداخل اجسام في مكان واحد فان النبي9 هو المبدئ المعيد ففكك تركيب الافلاك و فرقها و قام مقامها كل ماوصل اليها فلماجاوزها اعادها سطحاً بعد سطح و لم‏يلزم من ذلك محال و الله قادر علي جميع ذلك و قدوقع مثال هذا و مايقولون علي فرض صحته هو مجري الطبيعة العادي و عروجه9 خارق للعادة فالخارق للعادة يقدر علي خرق ما عادته عدم الخرق كمايمسك الحجر في الهواء من غير دعامة هذا و نحن نقول ان جسمه الشريف الطف من جميع الاجسام فان قلوب المومنين خلقت من فاضل جسمه الشريف و شعاعه فاذا كان جسمه الشريف الطف من جسم الافلاك بحيث ينفذ في جميع الاجسام كماينفذ النار العنصرية في الياقوت من غير خرق له فما المانع من نفوذه9 من ثخن جميع

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 265 *»

الافلاك بلا خرق لها و لا التيام فاصل جسمه الشريف الطف من جميع الاجسام و هو بلطافة محدب العرش فصعد من كل جهة و نفذ من ثخن جميع الاجسام من غير خرق و لا التيام.

و ان قيل ان الاجسام السفلية لها مسامات و النار تخرج من مساماتها و هي منخرقة بنفسها قلنـا ان القول بالمسامات قول عن محض حدس و تخمين فلوكان للياقوت الشفاف مثلاً مسامات لكان له مسامات من كل جهة و المسامات من كل جهة تؤدي الي عدم الجسم و ان لايحتمي الياقوت من النار لان النار لاتدخل الا في المسامات و تخرج منها و باقي الجسم المتصل الاجزاء لايدخله النار فماكان يجوز ان‏يحتمي و الحال انه يحتمي حتي يصير ناراً و علي فرض تسليم المسامات في السفليات لا مانع من تصديقها في السماويات و اثباتها فيها ايضاً بالجملة اذا كان النار تخرج من ثخن الياقوت بلا خرق و لا التيام لا مانع من نفوذه9 بجسمه الشريف عن السموات و اصل جسمه في اللطافة كمحدب العرش و انما تراءي للبشر في صورة مشاكلة لهم حتي يروه و ينتفعوا به و ياخذوا عنه فاذا امر بالرجوع الي حيزه و مركزه ذهب بالطبع و صعد صعود النار الي حيزها و من ذلك كان الدنيا سجن المومن و جنة الكافر فالخرق و الالتيام علي ما ذكرناه لا امتناع فيه و هو امر قداشتهر بين الناس من غير قياس بل كذبوا بما لم‏يحيطوا بعلمه و اما الواقع في الخارج فهو ذلك الاخير الذي نبهنا عليه.

و اما ما روي في اخبار عديدة من فتح ابواب السماء له فاعلم ان السماء جسم رقيق كريّ كالهواء له مقعر و محدب و ثخن غاية‏الامر انه جسم فوق الطبايع العنصرية و هو بمنزلة سر الواحدية الظاهرة في المركب و بعبارة اخري هو بمنزلة الطبيعة الخامسة و المزاج الحاصل في المركب و هو الطف من الاجسام العنصرية و لغاية شفوفها صارت قابلة لاراءة الروح الغيبية و التحرك بحركتها و الكوكب في الفلك بمنزلة القلب في البدن يتعلق به الروح الغيبية فانه ذو مرة حافظة فيحيي الكوكب بحيوة الروح و حكايتها ثم ينتشر منه في فلكه و بواسطة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 266 *»

اشعته تختلط بجماد الارض و نباتها و حيوانها و ساير ما فيها ثم تصير بالفعل بعد دوران الافلاك عليها بالجملة السماء كرة دخانية حية و حيوة كل فلك من شان من شــٔون النفس من فكرها و خيالها و وهمها و علمها و عقلها و غير ذلك اي الغالب علي كل فلك بحسب طبعه شأن من شــٔون النفس الكلية فلما صعد النبي9 و القي عنه الاعراض التي ليست منه و لا اليه كمايلقي الاعراض في الحمام عن جسده و تخلص فيه ما يناسب فلك القمر بلا حاجب و لا مانع انفتح له باب فلك القمر و امكنه الدخول فيه و اذا القي عن نفسه اعراض فلك القمر و تخلص فيه ما له من فلك الفكر انفتح له باب فلك الدبير عطارد وهكذا كلما كان يتطهر عن شوب الادني يرتفع درجة و يصعد مرتبة و يصير من جنس ما في العرصة العليا فينفتح عليه بابه اذ بذلك يمكنه الدخول في حيز كل سماء فافهم راشداً موفقاً.

فصـل: عن اميرالمومنين7 انه اسري بالنبي9 من المسجدالحرام الي المسجدالاقصي مسيرة شهر و عرج به في ملكوت السموات مسيرة خمسين الف عام اقل من ثلث ليلة حتي انتهي الي ساق العرش.

اعلم انا قدكتبنا رسالة مفصلة في مسئلة خمسين الف عام مقدار يوم القيمة و الجمع بينه و بين قوله في يوم كان مقداره الف سنة مماتعدون فلا ضير ان‏نكتفي هنا بالاجمال فاقول ان الاحد جل‏شأنه قدتجلي اولاً بمشيته التي خلق بها كل شي‏ء بان خلقها بنفسها و جعل لها جهة وجود و جهة ماهية للذي اراد من الدلالة علي نفسه و اثبات وجوده فوجودها جهة وحدتها و لطافتها و قوتها و غناها في فقرها و حكايتها للمبدء و رحمته سبحانه عليه و ماهيتها جهتها لاضداد ذلك و ما من الله مقدم علي ما من الخلق لانه المحدث المبدئ جل‏شأنه فسبقت رحمته غضبه و هاتان الجهتان فيها مبدء جميع الكثرات في العالم و اليهما ينتهي جميع الاضداد و الازواج و هو قوله سبحانه و من كل شي‏ء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون و لما

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 267 *»

كان الوجود هو جهة ظهور شمس الازل و الماهية جهة خفائها و كان تمام دور كينونة المشية بهما كان ذلك الوجود هو النهار الاول السابق و تلك الماهية هي الليل الاول غير السابق علي النهار ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان‏يسبقونا ساء ما يحكمون و لا الليل سابق النهار و كذلك كان الامر في سبق النهار علي الليل في جميع العوالم الي ان وصل الخلق غاية البعد في النزول و لما اخذوا في الصعود وقع الليل قبل النهار و لذلك تري ليلة الجمعة قبلها و الكثيف قبل اللطيف و الدني قبل العلي و الجهل قبل العلم و العدم قبل الوجود و الباطل قبل الحق و لماكان الخلق كلمايقرب من المبدء يقوي فيه جهة الوجود و يضعف فيه جهة الماهية كان العوالم التي بين الدنيا و الاولي فيها انوار الوجود علي حسبها و قربها و كان وقتها نهاراً البتة و اول هذا النهار العام الكلي في العوالم عالم العقول لانه اول ما خلق الله و لما كان شمس الازل مشرفة من فوق العقل كما قال و هو القاهر فوق عباده و قال الرحمن علي العرش استوي يعني ليس شي‏ء اقرب اليه من شي‏ء اخر كان اول ذلك اليوم وقت الزوال و الشمس علي قمة الرءوس في غاية القوة و الشرف فكانت في التاسعة‏عشرة من برج الحمل و لماكان مبدء الخلق الماء لانه اول ما خلق الله ثم خلق كل شي‏ء منه و نسب اليه كان الطالع برج السرطان فلما اخذ الخلق في النزول و انحدرت الشمس الي الاحتجاب شيئاً بعد شي‏ء نزلت عن خط نصف‏النهار الي ان غربت حين وصلت الي عالم الاجسام و جن الليل و وقب الغاسق و كان عالم المثال البرزخي مقام الشفق فلما ان انتهي الي التراب غسق الليل و انتصف و انطبق علي النهار فغشيه اخيراً كما غشيه النهار اولاً فلما امر الخلق بالصعود صعد من نصف الليل عارجاً الي المبدء الي ان تجاوز الليل فلما وصل الي عالم المثال طلع الفجر و اتضح اثار الشمس الي ان وصل الي عالم المادة فطلع الشمس الي ان وصل الي عالم النفس وقت الضحي فلما وصل الي عالم العقل كان وقت الزوال من اليوم الاخر فاليوم الاول هو يوم عالم الذر و النشر الاول لاخذ الميثاق و اليوم الثاني يوم القيمة و مطالبة العمل بالميثاق الاول

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 268 *»

فاليوم الاول من الزوال الي الغروب خمسون الف سنة و اليوم الثاني من الفجر الي الزوال خمسون الف سنة فذلك مائة الف سنة فتمام الليل المساوي لهما مائة الف سنة و هو عمر الدنيا و هو دهر واحد و سر كون نصف نهاره خمسين ان من حين طلوع الشمس في عالم المادة الي ان‏ينتصف النهار في عالم العقول خمسة مقامات و كل واحد منها مركب من قبضة ارضية و تسع فلكية كماحقق في محله فذلك خمسون مقاماً في يوم الذر و يوم القيمة و طول كل مقام مسيرة الف سنة و وجه الالف سنة لان السنة دورة واحدة للشمس و شمس المشية ما لم‏تدر علي الاثر دورة تامة لم‏تكمل اركانه الثلثة في كيفياته الاربع التي بها قوامها و تمامها و هي شهور حوله و كل شهر منه ثلثون يوماً في كل يوم يستكمل مرتبة من مراتب القابلية حتي ينتهي الي الاستعداد التام لاراءة المقبول و كان كل مرتبة يوماً لتركبه من ضوء الوجود و ظلمة الماهية فبذلك تحقق السنة و لما كان القوس من الدائرة الصغري اصغر من الدائرة الكبري الموازية لها كانت قسي دواير الغيب اعظم من قسي دواير الشهادة و ان يوماً عند ربك كالف سنة مما تعدون يعني ان يوماً من قسيكم في الدائرة التي عند ربكم كالف سنة مما تعدون لان عالم الاعراض بمنزلة الاحاد و الناسوت بمنزلة العشرات و الملكوت بمنزلة المات  و الجبروت الذي هو عند الرب بمنزلة الالوف بلحاظ و بلحاظ اخر الملك و الملكوت و الجبروت بمنزلة الدورة الاولي من العدد و السرمد بمنزلة الالف و لماكان يوم القيمة يوم حضور المراتب في الوقت الجبروتي بلحاظ و في الوقت السرمدي بلحاظ كان يوم منه كالف سنة من سني الدنيا و ان شئت ان‏تلاحظ في كل مقام من المقامات الخمسين المراتب العشر العرضية و ان لكل مرتبة كيفيات اربع و مزاجاً خامساً و ظهور اسرار التوحيد الخمسة في باطنها و بطونها و ظاهرها و ظهورها وجدت الالف فتبين و ظهر ان للنزول خمسين مقاماً و طول كل مقام الف سنة فذلك خمسون الف سنة و للصعود ايضاً خمسون الف سنة فانكم كمابدأكم تعودون و انه9 لما عرج صاعداً الي مبدئه صعد ببدنه الشريف مسيرة

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 269 *»

خمسين الف سنة في عالم الاجسام و صعد بمثاله خمسين الف سنة في عالم المثال و بنفسه الشريفة خمسين الف سنة في عالم النفوس و بعقله العظيم خمسين الف سنة في عالم العقول و اختلاف سعة السنين بحسب سعة العوالم فصعد بكل مرتبة مرتبة منه في كل عالم خمسين الف سنة في اقل من ثلث و لا عجب اماتري ان الشمس تطلع في السماء الرابعة و منها الي الارض اربعة الاف سنة و ياتيك ضوؤها في طرفة عين و بدنه الشريف9 الطف من ضوء الشمس فانه من شعاعه و اكثف منه سبعين مرة فما ظنك بلطافة بدنه الشريف و صعوده فصعد9 في كل مقام الي محدب عرش ذلك العالم و استوي عليه بل عرج بالنباتية خمسين الف سنة و بما له من الحيوة في عالم الحيوة خمسين الف سنة و بما له من اللباس في عالم الارواح خمسين الف سنة و بالانسانية في عالم الاناسي خمسين الف سنة و في عالم الانبياء بالنبوة خمسين الف سنة الي ان انتهي الي عالم لم‏يشاركه فيه احد و راي الخلق كلهم موتي و لم‏ير الا نفسه النفيسة فسار هنالك من ارضه الي محدب عرشه خمسين الف سنة و تلك السنون لااحسن ان‏اصفها و ليس في حدي و وسعي لان سنة كل عرصة بقدر سعة عالمها.

بالجملة لا غاية لذلك السير و لا نهاية فعرج9 في المراتب النباتية و الحيوانية و الروحانية و الانسانية و النبوة كلها بجسمه الشريف الي ان‏تجاوز افئدة الانبياء و سار في عالمه بجسمه الي عرش عالم جسمه و بمثاله الي عرش مثاله وهكذا الي ان سار بعقله الي عرش عالم عقله و سار بفؤاده ما لا غاية له و لانهاية و نزل ثانياً كذلك في جميع تلك العوالم و المراتب فيا اخي لاتقدر ربك و نبيك و امامك بقدر عقلك فان امرهم عظيم و خطبهم جسيم فـسبحان ربك رب العزة عمايصفون و سلام علي المرسلين و الحمدلله رب العالمين و صلي الله علي محمد و اله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.

و فيماذكرنا في هذه الخاتمة كفاية و بلاغ لو تدبرت فيه استغنيت عن ساير الكتب و الحمدلله فلنختم هذا المجلد الي هنا.

فتم علي يد مصنفه كريم بن

 

«* مکارم الابرار عربی جلد 7 صفحه 270 *»

ابرهيم في يوم الاحد الثالث‏عشر من شهر رجب

من شهور سنة احدي و سبعين بعد الماتين و الالف

حامداً مصلياً مستغفراً

 

([1]) اعلم ان الله الواجب سبحانه قائم بنفسه لنفسه و الحوادث قائمة بغيرها او بنفسها لغيرها و كلما كان قابلية الحادث اقرب الي الاستقلال تكون اقرب من المبدء و اشبه به و كلما كان ابعد تكون ابعد و اقل شبهاً فالشي‏ء الذي هو اولي في الحكمة اولي بالوجود من غير الاولي البتة لانه اشبه بالمبدء الذي بلغت اولويته الوجوب في الوجود و الامتناع في العدم و الاولي هو الراجح الوجود المرجوح العدم فهو اولي بان يوجده الغني الفاعل علي حسب قابلية القوابل فافهم. منـه­

([2]) اي نور الوحدة.

([3]) اي الحمد.

([4]) الكرسـي.

([5]) الوصـف.