رسالة الفوائد
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 187 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلوة علي محمد و آله الطاهرين.
و بعد فيقول العبد الاثيم الجاني كريم بن ابرهيم الكرماني ان هذه كلمات وجيزة و اشارات عزيزة كتبتها في بيان مسائل اصول الفقه و ان كان علي الاقتصار بادلة واضحة ظاهرة وافية و ان كانت علي الاختصار اذ ماكان لي اقبال بازيد من ذلك فاكتفيت بالميسور لانه لايترك بالمعسور و علي الله التكلان في جميع الامور و هي مشتملة علي مقدمة و اربع مطالب و خاتمة:
اما المقدمة ففي بيان ما يجب تقديمه قبل الشروع في العلم و هو امران امر يجب تقديمه قبل كل علم ليكون الطالب علي بصيرة باحوال العلم و امر يتوقف به التوغل في العلم لابتنائه عليه و تأخر رتبته عنه،
فالاول: بيان تعريف العلم و موضوعه و فائدته و مستنده و شروطه فنقول:
اما تعريفه فقالوا فيه انه هو العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية الفرعية.
اقول حقيقته هو العلم بمعاملة الله مع خلقه فان ذلك قول فصل في هذا المحل و ذلك ان من عرف ان الله سبحانه اذا اراد من احد من المكلفين شيئا هل يبين لهم ام لا؟ و اذا اراد شيئا خاصا دون ما يجانسه هل يكتفي بالعموم ام لا؟ و اذا اراد شيئا مقيدا هل يكتفي بالاطلاق ام لا؟ و اذا اراد منه امرا هل يبلغه اليه ام لا؟ و بعد الابلاغ هل يقويه في نظره و يظهره علي خلافه او يضعفه بحيث لايصلح في نظر المستنبط للاخذ؟ او اذا اراد خلاف ما عنده من ما بين قبل هل ينسخه ام لا؟ و هكذا من عرف ذلك علم علم الاصول بحذافيره فعلم الاصول كله معرفة هذه المعاملة و يجمعها كلها باطرافها قوله تعالي و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون.
و اما فائدته فقالوا استنباط الاحكام الشرعية الفرعية التي من العمل بها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 188 *»
يحصل الفوز في الاخرة.
اقول هي العلم بكيفية معاملة الخلق مع الله سبحانه من مقتضيات العبودية و يجمعها باطرافها قوله تعالي فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و قوله تعالي و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا و الطريقة هي تلك الفطرة.
و اما موضوعه فقالوا هي ادلة الفقه الاربع و هي الكتاب و السنة و الاجماع و دليل العقل.
اقول موضوعه هو تلك المعاملة اي معاملة الله مع خلقه و انما يبحث في العلم من احوال تلك المعاملة و انما عامل الله خلقه في تبيينه لهم بامور و هي اما تقرير مذهب الفرقة و اتفاقهم فهو الاجماع او بيان في ما انزل و هو الكتاب او بيان علي لسان الرسول الظاهر فهو السنة او علي لسان الرسول الباطن فهو العقل و الحقيقة الجامعة هي تلك المعاملة و تظهر في هذه الاصول الاربع و اما الاستصحاب فهو من السنة و ان كان للعقل فيه مدخل.
و اما مستنده فقالوا انه العقل الخالص فان علم الاصول موضوع لاستنباط النقل و لايمكن استناده الي ما هو متوقف به و مستند اليه لاستلزام ذلك الدور و لذلك لايستدلون علي شيء من مطالبهم بشيء من النقل و اما نحن فمستندنا فيه و في غيره العقل الموزون بالنقل الموزون بالكتاب التدويني الموزون بالكتاب التكويني الموزون باجماع العقلاء فانا نقول ان العقول هي تدرك الاشياء علي ما هي عليه اذا كانت صافية عن شوائب الاكدار فانها حينئذ من شعاع العقل الكلي و هو معصوم لايخطي و اما اذا انكدرت و اعوجت لايعبؤ بتمييزها و فهمها الا ان توزن بالقسطاس المستقيم كما امر الله سبحانه عباده و الامر حقيقة في الوجوب و الخطاب عام يشمل الكل و لميخصص ابدا و قال و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و احسن تأويلا و قال و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان و ذلك حين شهدت لك العقول السليمة باعتدالها و صحتها و كشف عن هذا الميزان قوله تعالي و ان تنازعتم في شيء فردوه الي الله و الي الرسول فيجب الرد اليهم في كل ما ينازع فيه فحق المستند هو الله سبحانه لكن لما لميؤد عنه الا الرسول وجب المصير الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 189 *»
الرسول و لماكان الكتاب التكويني بيان حالي للكتاب التدويني الذي هو بيان الله المقالي و كان البيان الحالي اوضح و اشرح استندنا اليه ايضا و ذلك بامر من الله سبحانه حيث قال سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال قل انظروا ماذا في السموات و الارض و لماكانت العقول باسرها شاملة لعقل المعصوم قلنا ان اجماع العقلاء ايضا حجة و تمييزها معتبر و لايلزم من هذا التوزين الدور فان بالعقل يستخرج غور الحكمة و بالحكمة يستخرج غور العقل شيئا فشيئا و كم من مقدمات ضرورية في الكتاب و السنة لاتحتاج معرفتها الي مزيد تدبر فانهما اتي بهما ظاهرا لاهل البدو و غيرهم و لاشك انهم اتوا بما يتمكنون من معرفته و من الاستناد اليه فيما يتنازعون نعم لهما مراتب متدرجة تظهر لمعالجها شيئا فشيئا.
و اما شروطه فهي الانصاف و عدم ابطال حق و عدم ابطال باطل بباطل و تحرير موضع النزاع اولا ان كان فيه التباس لئلاتكون منازعا في مجهول و تحرير ثمرة النزاع لئلاتكون عابثا ثم بيان الحق فيه موزونا بالموازين المستقيمة و الجري علي قوانين المناظرة و هي ان تأتي بالدليل اذا ادعيت و تذكر مستندك بعده و تمنع مقدمة دليل الخصم ان كانت باطلة بان تطلب منه الدليل فاذا اتي بدليل فتنقض دليله بحق او تعارضه بما يدل علي خلافه حقا و انت في كل هذه الاحوال تراعي الانصاف و تجري علي ما هو شأن العلم و رتبته مما يعرفون اهله حتي لايكون محتاجا الي معرفة علوم لادخل لها في العلم فلاتستدل علي المسألة الاصولية بادلة الهندسة او الحروف او الكيميا بل بالمجادلة بالتي هي احسن التي يتعاطونها اهل هذا الفن حتي لايحتاج الطالب الي تصفح علوم لاطائل له في غرضه منها و نحن ان شاء الله تعالي نبين في هذه الرسالة ما عندنا من الحق الذي لايشك فيه موزونا بالموازين التي اقامها الله لنا مراعيا فيه الشروط و ان لمنذكر جميع ادلتنا و مستنداتنا فان بذكرها يطول الكلام و هو خلاف غرضنا من وضع هذه الرسالة.
و الثاني بيان ما يحتاج المتوغل في هذا الفن اليه قبل توغله من المبادي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 190 *»
اللغوية اذ من جملة الادلة الكتاب و السنة و هما مبدؤهما و منشأوهما الالفاظ و قلما يتطرق اليهما احد بدون العلم باحوال الالفاظ و اوضاعها فوجب لاجل ذلك تقديم ما يجب من معرفة الالفاظ و احوال الالفاظ كثيرة و يجمع اطرافه ستة ابواب فان اللفظ اما يتكلم فيه من حيث الواضع او من حيث الوضع او من حيث الموضوعله او من حيث الدلالة او من حيث نفسه او من حيث الاقتران بالغير فهذه ستة ابواب نشرح كل واحد منها علي حدة ليكون واضح المسلك لايح المدرك و بالله المستعان.
الباب الاول
(في معرفة الواضع)
و هو مخصص الالفاظ بمعانيها و قد تنازعت العلماء في الواضع هل هو الله سبحانه ام غيره؟ و ثمرة هذا النزاع تظهر في الحقيقة الشرعية كما ستعرف و في معرفة الوضع فمنهم من ذهب الي ان الالفاظ توقيفية من الله سبحانه استدلالا بالآيتين و منهم من ذهب الي انها اصطلاحية استدلالا بالاية و الظاهر ان الكل مطبقين (مطبقون ظ) علي اصطلاحية الاسماء العلمية الا قليل منهم و الحق الذي يرجح في الميزان القويم انها توقيفية حتي الاعلام فانها كلها اشياء حادثة و الله خالق كل شيء و الذين من دونه لايخلقون شيئا و هم يخلقون اموات غير احياء و ما يشعرون ايان يبعثون مع انه تعالي صرح باوضح تصريح و قال و علم آدم الاسماء كلها و الاسماء جمع محلي بالالف و اللام الاستغراقي يفيد العموم و اكدها تأكيدا بكلها و قال و من آياته اختلاف السنتكم و الوانكم و لاشك ان المراد بالالسنة هي اللغة لا اللحم المسمي باللسان و هي الجمع المضاف و يفيد العموم فجميع اللغات من آياته و لاشك انها لو لمتكن من وضعه لمتكن من آياته بل من آيات واضعه فان الاثر يدل علي مؤثره.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 191 *»
و اما الاية التي استدلوا بها علي كون اللغات اصطلاحية و هي و ما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه فلادلالة فيها علي وضعهم للسان بل صريح مؤداه اختصاصه بهم و استعمالهم له و ذلك لاريب فيه فان الله اختص كل قوم بلسان ثم ارسل فيهم الرسول بلسانهم و هو سبحانه واضع ذلك اللسان و معلمه اياهم كمايستفاد من الاية الاخري و في الحديث الاسماء تنزل من السماء و احاديث اخر كثيرة تدل علي ان الله سبحانه هو خالق جميع الالسن و واضعها و لنا ادلة اخر يخالف ايرادها الغرض من وضع الرسالة ففصل القول ان كل اسم حق قد اذن الله باستعماله بتقريره لهم و عدم ردعه اياهم فهو من الله و هو واضعه علمته الناس او لمتعلمه استعملته او لمتستعمله فان الله سبحانه يخلق ما يشاء و يختار ماكان لهم الخيرة من امرهم فهو يختار لكل معني اسما خاصا به و يكتبه في اللوح المحفوظ فلايوجد معني بلالفظ و لا لفظا بلامعني لانهما متضايفان فليس ما ليس له لفظ معني و لا ما ليس له معني لفظ نهاية الامر انه لايعرفه الناس و لا ضير و ان كان قد ردعهم و منعهم فليس هو واضعه لذلك المعني و ليس المستعمل فيه معناه و انما معناه غيره و هو سبحانه قد وضع اللفظ بازاء معناه دون غيره كماقال سبحانه ام تنبؤنه بما لايعلم في السموات و الارض ام بظاهر من القول و قال ان هي الا اسماء سميتموها انتم و آباؤكم ما انزل الله بها من سلطان و يشهد علي ما قلنا كثير من الايات و الاحاديث مع انا نقول لهم انهم لو قالوا بذلك ما ضرهم ابدا فانهم نسبوا الكمال بذلك الي الله و الاستقلال في الخلق و الايجاد و لا ضير فيه و اما اذا لمينسبوا اليه فلعلهم يؤاخذون بذلك لاثبات الاستقلال في الخلق في امر ما و لزوم نقص فيه سبحانه بذلك فلايجوز ترك النجاة المقطوعة بما فيه ظن الهلاك و البوار كماعرفت.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 192 *»
الباب الثاني
(في معرفة الوضع و فيه فوائد)
فائدة: اعلم ان الوضع في الاصطلاح تخصيص لفظ بمعني فقالوا فيه انه علي قسمين عام و خاص و بضمهما الي الموضوع له يصيران اربعا فان الموضوع له ايضا علي قسمين عام و خاص فالوضع العام يمكن عقلا لكلا المعنيين و كذا الوضع الخاص و استمحلوا بعد ذلك من هذه الاربع ما اذا كان الوضع فيه خاصا و الموضوع له عاما استدلالا بان الوضع لايتحقق الا بالتخصيص و لايمكن خصوص الوضع الا بخصوص الموضوع له فكيف يعقل ان يكون الوضع خاصا و الموضوع له عاما و استمحل آخرون ما اذا كان الوضع عاما و الموضوع له خاصا و اثبتوا ما نفوه و استدلوا علي نفي ما اثبتوا بان الواضع هو الله سبحانه كما حققنا و هو محيط بجميع خلقه و الخلق متناهية عنده فلميعجز ان يضع لكل معني معني في جميع احواله و اطواره لفظا خاصا فلايحتاج الي عموم اللفظ و خصوص المعني و انما الجأكم الي هذا الاثبات عدم قولكم بكون الواضع هو الله سبحانه و اما نحن ففي راحة من هذا التكلف. و استدلوا علي اثبات ما نفوه فقالوا ان المعاني اذا كانت مترتبة بالاثرية و المؤثرية في الخارج فالواضع يضع اللفظ للمؤثر خاصة ثم يصدق علي كل فرد فرد من آثاره لحكايتها له و لايمكن ان تكون دلالته عليها و علي المؤثر بالتواطي و لا بالتشكيك و لا بالاشتراك المعنوي و ذلك كله لعدم جنس مشارك بينهما و لا بالاشتراك اللفظي فان الاستعمال لاجل المناسبة و لا بالحقيقة و المجاز لعدم صحة السلب فلذلك قلنا انه حقيقة بعد حقيقة و تحقيق ذلك علي وجه التلويح ان الواضع في رتبة الاثر اذا اراد ان يضع للمؤثر لفظا فيلاحظ المؤثر خاصة و لاتقع ملاحظته الا علي حقيقة الاثر من حيث الحكاية و الظاهرية للمؤثر فيلاحظ المؤثر في رتبة الاثر و يضع له اللفظ فالوضع خاص لان الواضع لاحظ المؤثر خاصة و وضع له اللفظ و اما الموضوعله عام لان الذي وضع له اللفظ حقيقة هو الاثر و ان كان من حيث الحكاية و الاثر عام متكثر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 193 *»
له افراد و كلها حاكية للمؤثر فيكون الموضوع له عاما هذا مجمل التحقيق فيه و لايناسب وضع الرسالة ازيد من ذلك فدلالة اللفظ علي المؤثر حقيقة و علي الاثر حقيقة بعد حقيقة فافهم و تبصر فانه نصيب اولي الافئدة و الالباب و لايذهب بك ان القوم اجمعوا علي الثلثة و هذا خارج عن الاجماع([1]) فان القوم قد اجمعوا علي اثبات الثلثة لا علي نفي الرابع مع انا نقول ان اجماعهم حجة اذا كان كاشفا عن قول المعصوم و هو ممنوع.
فائدة: قالوا معرفة الوضع مستفادة من النقل المتواتر او الاحاد او من المركب من النقلين([2]) فالاول يورث القطع و الثاني في نفسه يورث الظن و الثالث كذلك و اما القياس فقد انكره قوم و اثبته آخرون فالمنكرون احتجوا بانه اثبات بالمحتمل فيحتمل النفي فلايجدي شيئا و اما العقل فقد انكروه قولا و عملوا به فعلا و ثمرة هذا النزاع كثيرة ظاهرة. اقول اما المتواتر فلاشك في ايراثه اليقين و اما الاحاد فاذا عريت عن القرائن كلها و لميكن لها مخالف او كان و هو ضعيف فلاتفوتنها قرينة تسديد الواضع و تقريره كما سيجيء ان شاء الله فيورث القطع بانضمام تلك القرينة و لايفرض تعري الاحاد عن هذه القرينة و من غير ملاحظة هذه القرينة خبر يحتمل الصدق و الكذب فاذا اضعف الواضع خلافه او نفاه يورث القطع و اذا سوي بينه و بين خلافه فارجه حتي تلقي امامك فان ذلك محل التردد و السكوت عنه و قولنا بتسديد الواضع لان الواضع عندنا هو الله سبحانه و هو من وراء كل خلاف يسدد من يشاء الي ما يريد كما سيجيء زيادة بيان لك ان شاء الله تعالي. و اما المركب من النقلين فكالاحاد و قد عرفت و اما القياس فبه يثبت الموضوع له ثانيا اذا علم وجه الوضع الاول فان كان اللفظ وضع للمحل بسبب عروض عرض بحيث لولاه لميكن ذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 194 *»
الاسم له فهو يدور مع العرض اينما وجد يسمي محله بذلك الاسم و ذلك و ان عسر تنقيح مناطه الا انه بعد ما علم بتصريح الواضع ببيان او تقرير يعمل به و يثبت فانه يعلم ان الواضع لميلاحظ في التسمية الا هذا العرض و ان لميعلم ذلك فلا و ذلك مثل الخمر حيث وضع الواضع لماء العنب المختمر و سبب التسمية التخمير كما نقحنا دون خصوصية المحل فاينما وجد التخمير سمينا المحل به لوجود السبب و كيفية التنقيح ما ورد في سبب تحريم الخمر ان الله لميحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فماكان عاقبته خمرا فهو خمر فظهر ان كل ما عاقبته الخمر فهو خمر و ليس ذلك حقيقة و مجاز كما توهم فان اللفظ قد وضع بسبب هذا العرض من دون خصوصية من المحل فالاسم يدور مع العرض فكأنه وضع اللفظ لكل واحد واحد من العنب و التمر و الزبيب و كل مخمر.
فائدة: قد يثبت الوضع باجماع اهل اللغة لحصول العلم العادي بارادة الواضع بل العلم القطعي بانضمام قرينة التسديد كما ستعرف ان شاء الله تعالي و اما اذا نص واحد من اهل اللغة و سكت آخرون عن الاثبات و النفي و تيقنت بعد استفراغ الوسع بعدم كون احد قد تكلم في ذلك باثبات او نفي فذلك حجة ايضا لان هذه الادباء البلغاء و الشعراء الفصحاء السالفة الذين تدققوا في جزئيات اللغة و صرفوا عمرهم فيه لمينكروا عليه مع اطلاعهم عليه و لايمكن تواطي الكل غالبا علي الاغماض فانا ما عرفنا من سياقهم و علومهم ذلك فسكوتهم عنه دليل تلقيهم بالقبول فيرجع الي الاول مع ان تسديد الواضع من ورائهم و بقرينة ذلك يحصل القطع و اما اذا تفرقوا فقال بعضهم بخلاف الاخر فينظر حينئذ الي قرائن الاحوال بانهم ايهم اكثر تتبعا و اشد فصاحة و اكثر استقراء و اشهر في العرب و اعظم في اعين اهل اللغة فيرجح ذلك الجانب لامحالة للزوم حصول الاطمينان عندهم دون الاخرين. و اما اذا كان قولا مشهورا و آخر نادرا فلاشك ان النادر اولي بالطرح و المشهور اولي بالاخذ لركون النفس اليه و اطمينانها به و لحصول الظن به دون النادر فان الظن يتبع الغلبة و لعموم قوله7 خذ ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 195 *»
اشتهر بين اصحابك و اترك الشاذ النادر فان المجمع عليه لاريب فيه و بانضمام قرينة التسديد يحصل القطع السديد هذا اذا كانت الاقوال متعارضة و اما اذا امكن جمعها بحيث لايبقي تناف بين القولين علي الحقيقة فيجمع قبل الطرح و اما اذا اخبر اهل اللغة بشيء اجتهادا من عندهم لا استقراء من اللغة فذلك لايتلقي منهم بالقبول عندنا الا اذا كان دليلهم قويا في عين المستنبط يطمئن اليه قلبه فيأخذ به اجتهادا لا تقليدا.
فائدة: اذا ورد عن الائمة: في بيان معني لفظ اختلفوا فيه فمنهم من قال بحجيته اذ لافرق بينه و بين اخبار اهل اللغة و قالوا لايشترط فيه من عدالة الراوي و الايمان مثل ما يشترط في ساير الاحاديث. و منهم من قال بعدم حجيته كما عن بعض المحققين فان الظن الحاصل عن اخبار اهل اللغة قام الدليل علي حجيته و اما هذا الظن الخاص فلميقم دليل عليه فالاصل عدمه و تحقيق ذلك انه اذا ورد خبر عن الائمة: و لميعارضه من طريقهم ما هو اقوي منه و السند اليهم صحيح يؤخذ به و كذا اذا كان موثقا او حسنا و الا فان كانت الرواة من اهل اللغة و الادب و الشعر و من اهل الفن يؤخذ ايضا سواء كان موافقا لساير اهل اللغة او مخالفا و اما اذا لميكن ذا و لا ذا فيشكل حينئذ الاخذ به لانه لميصح الانتساب اليهم لا شرعا و لا لغة يعني لا علي قانون الشرع من عدالة الراوي و ثقته و مدحه و لا علي قانون اهل اللغة بكون الرواة من اهل الفن فلايسمع قول كل احد في اللغة فلايعمل بالرواية الا ان تعاضدها قرائن تدل علي صحتها فتؤخذ بها و علي هذا لو لميكن الحديث ايضا في كتبنا بل كان في كتبهم و نسب اليهم كذلك يؤخذ به لامحالة مطلقا فتدبر و لاتصغ الي الذين يصغرون قدر ائمتهم بان شأنهم تعليم الشرايع و الاحكام لا اللغة ليت شعري هل بصيرورتهم ائمة خرجوا عن فهم اللغة او نسوا او حرم عليهم التلفظ حتي اذا قالوا لاينبغي ان يسمع منهم و انهم هم امراء الكلام و فيهم تهدلت غصونه و تشعبت فروعه و تنشبت عروقه.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 196 *»
فائدة: اجماع الامامية او المسلمين علي كون معني خاص للفظ خاص حجة لكشف اجماعهم عن رأي المعصوم7 كما سيجيء في محله سواء خالف اهل اللغة او وافق و بقي شيء انه اذا اجمع المسلمون او الاماميون او ورد الحديث علي اثبات معني للفظ هل يحمل ذلك المعني علي الحقيقة الشرعية او علي المعني العرفي الشايع؟ فالتحقيق في ذلك علي مذهب من يقول بعدم ثبوته فظاهر و علي مذهب من يقول بثبوته و علي وجه النقل فيقول ما لميثبت نقله بما يمكن التعويل عليه فالاصل عدمه و اما علي مذهب من يقول بثبوته لا علي وجه النقل بل علي انه حقيقة اللغة في الواقع و انما حصل بيد الناس شطر من معاني اللغات دون الجميع فيحمل ذلك علي المعني الحقيقي للغة عرفه الناس ام لميعرفه و سنشير الي جميع ذلك في محالها فترقب.
فائدة: قالوا ليس المقصود من وضع الالفاظ افادة معانيها لاستلزام ذلك الدور بل المقصود التمكن من تركيب المعاني اقول كلامهم هذا جسد لاروح له كما ستعرف و الحق الحقيق بالتحقيق هو ان الله سبحانه خلق الكلام للتفهيم و التفهم فيما يحتاج اليه العباد فوضع لكل معني لفظ (لفظا ظ) يدل عليه و امكن في الالفاظ التركيب للتعبير عن المعاني المركبة فالمفرد يدل علي المفرد و المركب علي المركب ثم علم آدم الاسماء كلها و علمه طريق التركيب و هو قادر علي التعليم كيف يشاء اما بخلق علم ضروري كما يقولون او بالهام او وحي او تعليم بالتكرير و الترديد او بجبل او تغريز او غير ذلك مما شاء كيف شاء فافاد لادم7 اولا العلم بكون كل مفرد لمعناه المفرد و كل مركب لمعناه المركب من بعد تعلمه و لما اراد ان يخبر غيره بما اراد منه عبر عن مطلوبه بما ناسبه و اخبر غيره عن مطلوبه بذلك اللفظ و علمه ان هذا اللفظ لهذا المعني بالتكرير و الترديد فالمقصود من وضع الالفاظ افادة المقاصد و الاخبار بالارادات لا المعاني في نفس الامر الخارج فاذا اراد المتكلم تفهيم ما في نفسه للمخاطب و المخاطب لايدخل قلب المتكلم فيعرف قصده و قصده لايخرج بنفسه فيطلع عليه المخاطب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 197 *»
عما في قلبه بلفظ يشابه ضميره في المادة و الهيئة فان كان المخاطب حينئذ عرف معني هذا اللفظ من قبل عرف ان ضمير المتكلم هذا المعني و الا فيفهمه المتكلم بالترديد و التكرير و القرائن حتي يعرف فالمقصود من وضع الالفاظ هذا التفهيم و التفهم و لايستلزم من ذلك دور بوجه من الوجوه فتبين و ظهر ان كلامهم حشو رث لا وجه له.
فائدة: الاستقراء في اللغة حجة اذا تتبع اكثر الافراد فيحكم علي ما لميره بما رأي و ذلك لحصول العلم العادي بكون الكل كذلك او الظن المتاخم بالعلم و لولا حجية هذا الظن لانسد باب اللغات و لميعلم شيء منه و هو خلاف ما تعاطته العلماء و الاكابر خلفا عن سلف بل هو من ضروريات جميع العلماء و الادباء و الشعراء و الفصحاء و الخطباء و كلهم كانوا يكتفون في اللغة بامثال هذه الظنون و العمل به عندهم شائع و اجماعهم حجة تكشف عن رضا المعصوم و ما حكي عن العلامة من عدم حصول الظن بالاستقراء عجيب و استدلاله بعدم تعلق ما رأيت بما لمتره اعجب فان ذلك من ابده البديهيات ان الانسان اذا تتبع اهل الزنج و رأي اغلبهم و رآهم سودا علم ان ذلك لاجل خاصية تلك البلاد و تيقن عادة ان كل من في تلك الصفحة اسود بل جميع امور الدنيا بهذه المثابة و الكل يعملون به من حيث لايلتفتون فهذا في اصل اللغة و معرفة الوضع و اما الاستعمال فلايمكن حمل البعض علي البعض بغلبته فان الاستعمالات تابعة لمقاصد المستعملين و مراداتهم و لا استقراء في مراداتهم لتغيرها و تجددها آنا فآنا بحسب الاحوال و الاوضاع و الازمان و الامكنة و القرانات و يتغير الاستعمال بحسبها فرب الفاظ نادرة و استعمالات شاذة يفتقر اليها عند تغاير الحالات و الاوضاع و هو اس علم البلاغة فاذا تتبعت اغلب الانواع و رأيتهم يستعملون لفظا في معني خاص بنهج خاص فلايمكن حمل ما لمتره عليه مثلا اذا استقريت اغلب الاشخاص فرأيت تأكيدات كلامهم اغلب من تأسيساتهم ثم رأيت لفظا يحتمل التأكيد و التأسيس فلايمكن حمله علي التأكيد بمحض ذلك الا بدليل خاص من المستعمل او قرائن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 198 *»
حالية او مقالية تدل علي ارادة التأكيد فيتبع و اما ساير الاحوال التي لا دخل لها بالمقاصد و لاتتغير بتغيرها كاعراب الالفاظ و حركاتها و سكناتها فكذلك يعمل فيها بالاستقراء لعدم تغيرها بتغير المقاصد فاذا تتبعت و رأيت العرب لايستعملون الفاعل الا مرفوعا اينما وقع تحكم علي ما لمتره و لمتسمعه بالرفع لعدم تغيره بتغير المقاصد و هكذا ساير الاحوال و الاوضاع التي لمتتغير بتغير المقاصد فافهم و تبصر فانه تحقيق انيق.
الباب الثالث
(في الموضوع له و فيه فوائد)
فائدة: اعلم ان الموضوعله هو معني تعلق به الوضع من الواضع قالوا ذلك ستة لفظي و معنوي او غيرهما فاللفظي مستقل و غير مستقل فالمستقل لفظ وضع له غيره كاسم و فعل و حرف للفظ زيد و ضرب و علي مثلا و كاسماء الافعال او غيره و نفسه كعلي مثلا فانه ليس لمادته و هيئته اسم غيره من حيث نفسه و له اسم غيره بواسطة ما يدل عليه بنفسه في نفسه او في غيره و هو حرف الجر و غير المستقل كالحروف فان كل واحد منها حرف لفظي غير مستقل في الكلام و لها اسم غيرها كاسمائها و المعنوي اما صورة لفظ او معني اما صورة اللفظ فكالمنطبعة في الذهن من اللفظ فان تلك الصورة لفظها ذلك اللفظ الخارجي لا غير فهذا اللفظ موضوع لتلك الصورة و هي غير معناه فان معناه هو الشخص الخارجي و اللفظ يدل عليه بمادته و صورته و اما غير اللفظي و المعنوي فكالاصوات.
اقول ذلك تقسيم قشري لا ينبيء عن الحقيقة بل هو جري علي محض الظاهر فالتحقيق ان الموضوع له هو المعني اي المقصود من اللفظ و هو اما مادة او صورة او هما معا فالمادة اما كلية و هي ما اذا لوحظت في نفسها او جزئية و هي ما اذا لوحظت مقترنة بالصورة و لها اقسام اخر من العنصرية الشهادية و الغيبية و لسنا بصدد ذلك و الصورة اما متصلة او منفصلة اما المتصلة فكالصور المتصلة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 199 *»
بموادها الخارجية و المنفصلة فكالامثال التي في المرايا و الاذهان و اما هما معا فكالاشخاص الخارجة و هو اما من عالم الاجسام او النفوس او العقول فهذا تقسيم كليات ما يعني من اللفظ علي طريق الحق و هو يجمع كثيرا مما تركوه و اما جزئياتها فلاتكاد تستقصي.
فائدة: قالوا كل معني تشتد اليه الحاجة وجب في الحكمة وضع لفظ بازائه و ما عداه لايجب للزوم ما لايتناهي في الالفاظ و هو خلف. اقول قولهم هذا خلاف الحق اما قولهم لايجب فلايناقض الجواز فاذا جاز في الحكمة وجب فانه اما يكون المقتضي لوجود الشيء موجودا و المانع مفقودا فلايخل بايجاده في الحكمة فيجب و اما يكون المانع موجودا و المقتضي مفقودا فيمتنع و لا وجه للجواز و لا قول بالامتناع و اما قولهم للزوم ما لايتناهي في الالفاظ و هو خلف فخلف لجواز الاشتراك في اللغة ظاهرا و جريا مجري لسان اهل اللغة و تناهيها عند من تناهي عنده معانيها في الحقيقة فيجب ان يكون لكل معني لفظ علم به الناس او لميعلم و عدم علم احد بها دعوي بلابينة بل لنا بينة علي وجود من يعلم جميع الفاظ جميع المعاني فلايخفي عليه شيء و هو ما صرح الله تعالي به و علم آدم الاسماء كلها فافهم فاذا عرفت وجوب تعدد الالفاظ بتعدد المعاني و عرفت وجود من يعلم ذلك فلايبقي للقول بقولهم مجال مع انا اسبقنا اليك ان لكل معني لفظا و لكل لفظ معني و ان الواضع هو الله سبحانه و هو متناه عنده جميع اللانهايات و لا امتناع لوضعه لجميع المعاني الفاظا بوجه من الوجوه بل يجوز و كلما جاز عليه وجب بل هو الاكمل و الاحسن و هناك اناس يعرفونها فاللازم الواجب في الحكمة ان يكون لكل معني لفظ عرفه الكل او لميعرفه الا البعض فافهم.
فائدة: هل الالفاظ المتداولة موضوعة علي المعاني الخفية ام المشهورة؟ و تظهر ثمرة ذلك في فهم التأويل و الباطن و باطن الباطن فمنهم من قال انها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 200 *»
موضوعة علي المعاني الخفية و تنقل الي المعاني المشتهرة و منهم من قال انها موضوعة للمعاني المشتهرة فانها المتداول المعروف و ربما تنقل في بعض الاحيان الي المعاني الخفية و هذا هو المشهور بينهم. اقول الحق ان المعاني الخفية و المشتهرة كلها واضحة عند من لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات و الارض و هو علي العرش استوي فيضع اللفظ لكل معني خفيا كان او جليا و كل شيء له ظاهر و باطن و باطن باطن فان لكل شيء خزائن لاتعد و هو هو في كل تلك الخزائن و يصدق عليه اسمه و ان كان مختلف الاحوال في تلك الخزائن بحسب اللطافة و الكثافة و الذوبان و الانجماد و التجرد و المادية و غيرها و يدل عليه اسمه في هذه الاحوال علي التشكيك كالحركة مثلا فانها الاستمداد في المخلوق مثلا و هو يتفاوت في كل مستمد في الجسم جسماني و في النفس نفساني و في العقل عقلاني و في الحقيقة حقيقي و هكذا و البحر هو السيال الذائب و هو في كل رتبة بحسبها ففي عالم الاجسام جسم سيال ذائب و في عالم المثال بحسبه و في عالم المواد و الطبايع و النفوس و العقول بحسبها فالسيال الذائب حقيقة نزلت من تلك الخزائن و هو البحر في كل رتبة و يصدق عليه اسمه في تلك المراتب علي التشكيك علي طبق ما ذكرنا.
فائدة: قالوا وضعت الالفاظ بازاء المعاني الذهنية و انما يطلق علي الحقايق الخارجية بواسطة مطابقتها للاشباح الذهنية و الالفاظ تدور علي الاذهان لا الخارج استدلالا بتغاير الاسماء عند تغاير التخيلات فلو كان الاسم لذلك الخارج لميتغير بتغاير التخيلات فالالفاظ موضوعة للمعاني الذهنية. اقول قولهم هذا مردود فان الذي رأي الشبح من بعد حسبه ذلك الذي سمي حجرا فقال حجر و اذا دنا منه حسبه ذلك الذي سمي انسانا فقال انسان و ليس ذلك انه وضع اللفظ للخارج و ان قلت كذا المثال تقريب لاختلاف ظهور الحقايق في الاذهان و الواضع لايضع اللفظ الا بازاء ما ظهر عنده و الظاهر عنده هو الذي في ذهنه و تخيله فنقول
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 201 *»
ان الواضع كما عرفت هو الله سبحانه و هو لايغلط و لايتوهم و لايدرك الاشياء بانطباع في الذهن و لاتصور في النفس و لاتخفي عليه خافية في السموات و الارض بل الاشياء ظاهرة عنده بجميع مراتبها و احوالها و اوضاعها فيضع لكل معني لفظ (لفظا ظ) و هو الحقيقة الخارجية و لادخل لتخيل المتخيلين فيه و علي فرض كون الواضع هو المتخيل لايستقيم قولهم ايضا فان المتخيل لما رأي الشبح علي هيئة مخصوصة وضع له اسم يناسبه و انما وضع الاسم للذي في الخارج و ان كان بواسطة تخيله فكان ذلك اللفظ لذلك الشبح علي تلك الهيئة اين ما وجد فاذا دنا و تغيرت الهيئة في عينه وضع له لفظ آخر فصار ذلك اللفظ لتلك الهيئة ابدا فاينما وجد شيء علي تلك الهيئة فذلك اللفظ اسمه و ذلك لان الاسماء توضع لمسمياتها بحسب ظهورها عند الواضع و الحقايق هي مرادات من تلك الاسماء و المعاني غير المرادات فافهم. فمرجع الاسماء الي معانيها و هي ظهورات الحقايق الخارجية و انما الاذهان تنتزع عنها صورا و لايصدق عليها الاسم الا من باب الحكاية كما لايصدق علي الشبح الذي في المرآة اسم زيد الا من باب الحكاية و الا هو اثره و شبحه لا هو.
فائدة: اختلفوا في الموضوعله ايضا هل هو الحقيقة الخارجية من حيث هي او من حيث المعلومية فاستنكر المشهور الثاني لاستلزام ذلك ان تكون الاسماء دائرة مدار العلم بالمسمي فلو لمتعلم بالزيد لايكون هو هو و كذلك لو لمتعلم بالنجس لايكون الشيء في الواقع نجسا و هذا باطل بالضرورة فالملزوم مثله و قال به قوم قليلون و استنكروا الاول و هو الحق كما لازال الحق مع القليلين و لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله و التحقيق في ذلك ان لكل شيء جهتان جهة من حيث نفسه فلايحتاج الي معلمة بنفيه هو نفسه و نفسه هو و انما المعلمة لنفي الخلاف و ليس هناك معه غيره حتي يحتاج الي نفيه فلايحتاج من هذا الحيث الي اسم و لا رسم فانه لايطلب نفسه و لايناديه و اما الشيء من حيث الاقتران بالغير يحتاج الي معلمة و تمييز و اسم و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 202 *»
رسم و نفي الخلاف حتي يميز عن غيره و هو حيث معلوميته لغيره فلو لميكن معلوما مشاهدا مرئيا لاحد لميحتج الي اسم و رسم فلما اقترن بغيره و احتاج الي تمييز و تعريف و علامة وضع له الاسم حتي يميز و يعين و بذلك قالوا العلم هو ما يعين المسمي و يميزه و الشيء من حيث نفسه لايحتاج الي تعيين و تمييز فتبين اذا انصفت ان الاشياء من حيث انفسها لاتحتاج الي اسم و رسم و انما الاسم عند الاقتران و المعلومية فلو لميكن الشيء معلوما عند الشخص لايمكن له تسميته و ارادته و طلبه و تمييزه و مرادنا من معلوميته عند العالم ظهوره عنده فالاسم لجهة الظهور لا عدم الظهور و ظهوره اعم من ان يظهر في عينه او خياله او مدرك من مداركه فاذا ظهرت عنده الاشياء و اراد ان يخص واحدا منها بشيء لابد له ان يعينه باحد وجوه التعيين و منها الاسم فافهم و تدبر.
فائدة: اعلم ان الشيء كما عرفت من حيث ذاته و نفسه ليس معه غيره حتي يحتاج الي معلمة و انما هي لجهة الظهور فمصداق الاسم هو ظهور حقيقة الشيء في الخارج و هو الموضوع له ولكن المراد و المطلوب و المقصود من الاسم هو تلك الحقيقة لا الظهور لانها هي التي تقصد و تطلب و يجري عليه الاحكام و انما الظهور هو وصلة للطالب اليها و ذلك لامتناعها عن الادراك و الطلب و الاشارة و القصد بدونه فهي المرادة من اللفظ و الظهور هو المصداق فلايصدق اللفظ علي الحقيقة حقيقة لانه ليس لها في نفسها جهة تمييز و تعيين و لايحتاج الي اسم و لايجري عليه الكثرات بوجه فمصداق الاسماء ظهوراتها و تختلف الاسماء باختلاف الظهورات فالظهور الكلي له اسم كلي كاسم زيد للظهور الكلي و الظهور الجزئي له اسم جزئي كالقائم و القاعد و ما وقع من هذا الظهور الخارجي في اللفظ من الشبح بسبب مقابلته له بالوضع هو المعني فلامعني قبل اللفظ و لا لفظ قبل المعني و هو الذي في اللفظ كالروح في الجسد و لو كان المصداق هو المعني لميكن كالروح في الجسد فكما ان الروح ليست قبل الجسد و لا الجسد قبلها كذلك المعني و اللفظ فمتي ما ركبت من الحروف ثلثة او اربعة او ازيد او
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 203 *»
اقل و قابلتها لظهور شيء في الخارج و وضعته له يقع عليه شبحه فيكون الشبح معني و ذلك لفظا له و تحقيق هذه الاحوال ليس له هيهنا مجال و الا كنا نذكر شطرا منه حتي يتبين لك الحال. و ما وقع من هذا المعني في ذهن المخاطب من الشبح هو المفهوم و هو اثر المعني و المعني من حيث دلالة اللفظ عليه و اراءته اياه و ارشاده اليه هو المدلول فالمراد هو حقيقة الشيء و المصداق هو الشبح المتصل مادامت الحقيقة متلبسة بها و المنفصل اذا نزعته و المعني هو الشبح المنفصل من الشبح المتصل او المنفصل و المفهوم هو الشبح المنفصل من الشبح المنفصل من الشبح المتصل او المنفصل فافهم.
فائدة: اذا شك في جزئية امر للموضوع له هل الاصل عدم جزئيته له و عدم تركبه ام لا؟ اختلفوا فيه فمنهم من قال بعدم الجزئية مستدلا باصل العدم و منهم من قال بالرجوع الي الامارات و المرجحات اقول الحق ان اللغات توقيفية ليست تعرف بالاصل و غيره لانها موقوفة بنظر الواضع و اختياره و ترجيحه و يجب الرجوع في حال الشك الي ما يعرف به الوضع مما ذكرنا آنفا فكلما تبين بعد الرجوع الي تلك الامارات يجب اتباعه و هو الاصل فيه و هو التكليف و الحد و لا معني للشك بعد ذلك لان الله سبحانه يقول ان علينا بيانه و يقولون: لاتكليف الا بالبيان فاذا تتبعت و لمتجد بيانا واضحا فلاعليك و لامجال للشك و لايجب عليك الاتيان بازيد منه كمايقول القائلون بكون الفاظ العبادات موضوعة للصحيحة و اشتغال الذمة اليقيني يستدعي العلم بكل ما يتوهم او يشك حتي تحصل البرائة اليقينية فانه قد ثبت اشتغال الذمة بما اتي له البيان و الاصل برائة الذمة من الزائد فلايجب الاتيان بالزائد المشكوك فافهم و تبصر.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 204 *»
الباب الرابع
(في الدلالة و فيه فوائد)
فائدة: اختلفوا في معني الدلالة فقال بعضهم هي كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر و قال آخرون الدلالة عبارة عن كون الشيء بحيث اذا علم او احس فهم منه شيء آخر و عن الشيخ في الشفا ان معني دلالة اللفظ هو ان يكون اذا ارتسم في النفس معناه عرف النفس ان هذا المسموع لهذا المفهوم و قال آخرون بانها عبارة عن فهم المعني من اللفظ عند اطلاقه بالنسبة الي من هو عالم بالوضع و آخرون ان حقيقة الدلالة ارشاد اللفظ بمناسبة مادته و صورته لفهم المخاطب العالم بالوضع الي المعني الموضوع له و هو احق ان يتبع من الكل اقول اما التعريفان الاولان فلايكشفان عن حقيقة الدلالة فانهما تعريف يزيد الابهام فان المطلوب من تعريفها معرفة ذلك الحيث و لميكشفا عنه و اما تعريف الشيخ فجعلها معرفة النفس و لا شبهة ان الدلالة صفة اللفظ و المعرفة صفة النفس و شتان بينهما و اما الرابع فكذلك عن الحق بعيد لان الفهم ليس هو الدلالة و اما الخامس فهو الحق الحقيق بالتحقيق فانه بين فيه ان الواضع اذا اراد ان يوضع لفظ لمعني اخذ من مواد الحروف ما لها مناسبة نوعية مع مادة المعني و يلبسهما صورة شخصية تناسب شخص المعني فاذا قرع اللفظ اذن المخاطب العالم بالوضع و انطبع مثال اللفظ في مرآة ذهنه ارشدته تلك المادة و الصورة اللفظية الي ذلك المعني فارشاد ذلك اللفظ المخاطب الي الموضوع له هو الدلالة فاذا هو احسن التعبيرات و اكملها.
و هيهنا اشارة لطيفة دق ماخذها و هو انه لاشك و لاريب انه ليس لرجل من قلبين في جوفه و انما هو ذو حقيقة واحدة و التفات واحد و قلب واحد فليس له دائما الا توجه واحد فمادام الانسان ملتفتا الي اللفظ لمير غيره و هو غافل عن ذكر ماسواه فاذا رفع النظر عنه و التفت الي غيره غفل عن الذكر الاول و لايراه بوجه فاذا متي الارشاد و كيف الارشاد و الي اي شيء الارشاد؟ و يتنبه علي ما اقول
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 205 *»
الذائق من شراب العقول و المطلع علي سر النفس و ما يعطي التعريف الخامس هذه الكيفية فاسدّ التعاريف و انسبها و اجمعها للاطراف ان تقول هو اراءة الدال حقيقة ما عنده من صفة المدلول و بيان ذلك ان اللفظ كما عرفت له مادة و صورة تناسب وتشابه مادته نوع المعني و صورته شخصه و هذه الشباهة و المناسبة هي شبح المعني و مثاله و تنزله في عالم الحروف و تجسده في عالم الحس الظاهر فان الالفاظ قوالب المعاني و المعني في اللفظ كالروح في الجسد فكما ان الجسد تنزل الروح و انجماده في عالم الشهادة و بينهما مناسبة ذاتية لايصلح ان تحل روح في جسد غيرها كذلك اللفظ و المعني ففي الحقيقة اللفظ معني ظاهر كما ان المعني لفظ باطن فاللفظ من حيث هو مرآة قد انطبع فيه شبح المعني مادته في مادته و صورته في صورته و مرادنا من المعني ما قد انطبع في اللفظ من اثر المصداق و ظله و ذلك الشبح اذا حضر عندك هو يري نفسه اياك و يهديك اليه و هو ادل شيء علي نفسه اذ لاادل من الشيء علي نفسه و حكمة الله محكمة و قدرته كاملة فلايجوز ان يكون شيء ادل مما وضع علي ما وضع له فاراءة اللفظ ما فيه بما فيه من شبح المعني هي الدلالة و تعرف هذه الدلالة حين التفاتك الي اللفظ و يرشدك عند ذلك فالشبح هو الدال و المرشد و الهادي و المعني من حيث ظهوره بهذا الشبح هو المدلول و اراءة الشبح نفسه اياك هي الدلالة فاذا دل اللفظ النفس الي ظهور المعني عرف المعني من حيث الظهور باللفظ من اللفظ فاذاالتفتت النفس من عندها الي المصداق الخارجي فذلك ابتداء منها و ليس بدلالة اللفظ بل هو امر خارج عن امر الدال و المدلول فافهم فقد اسقيتك ماء غدقا لو استقمت و لاقوة الا بالله.
فائدة: اختلفوا في دلالة اللفظ علي المعني هل هي بمناسبة ذاتية بين اللفظ و المعني او هي بسبب الوضع و لايحتاج في الدلالة الي مناسبة؟ ذهب جماعة من الاصوليين و علماء التكسير و النجوم و الهيميا و بعض المعتزلة و السابقون المتقدمون في الاعصار الاول الي ان دلالة الالفاظ علي معانيها بمناسبة ذاتية
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 206 *»
بينهما قد تعينت بالوضع و ذهب الاكثرون من اهل الاصول و العربية الي انها بوضع الواضع و لايحتاج الي مناسبة و تمنعوا من لزوم الترجيح بلامرجح بان المرجح ارادة الواضع او سبق المعني حال حضور اللفظ و لعمري ما يتعقل هذا الدليل بوجه كماستعرف مما نبين بحول الله و قوته ليت شعري هل يتصور تحقق الترجيح بلامرجح في غير ان يريد المختار شيئا من غير ترجح من نفس الشيء للاختيار فكيف تصير الارادة مرجحة من جهة الشيء و هو صفة المختار و فعله و علي هذا يجوز ان يرجح كل شيء اذ يجوز ان يريد كل شيء فارادته لذلك الشيء دون غيره بماذا؟ فان كان بنفسها فهو الترجيح بغير ترجح من الشيء فان كان المرجح غيرها وجب ان يكون من الشيء لا غير اذ لا ثالث فلامعني لكون الارادة مرجحة من جهة الشيء بوجه و ان كان مرادهم ان الارادة هي مرجحة بمعني ان الله سبحانه يرجح الشيء بارادته فلايصير حجة لهم و لاتنفعهم التمنع بها و ان كان مرادهم ان ترجح الشيء بارادته فذلك قول زور كما عرفت و اما تمنعهم بسبق المعني الي الذهن حال حضور اللفظ فممنوع بكون الله عزوجل هو الواضع و هو مستو علي عرشه ليس شيء منه اقرب من شيء آخر فلميسبق عنده شيء شيئا و ربك يخلق ما يشاء و يختار و لايختار بهوي منه و اقتضاء من ذاته و مناسبة من كينونته بل ربط بين الاشياء بحكمته بعد ما خلقها بقدرته و وضع كل شيء في موضعه بعدله و ما ربك بظلام للعبيد. و من جملة خلقه تخصيص الالفاظ بمعانيها فانه لميضع لفظا في موضع بشهوه منه و اقتضاء او هوي من نفسه بل وضع كل لفظ لمعناه بمناسبة بينهما و هي التي رجحت ارادة الله ان يتعلق بوضعهما علمها من علمها و جهلها من جهلها فمنها خفية عن افهام الاكثرين و منها واضحة جلية للناظرين و لايخفي عن ربك خافية في السموات و الارضين ذلك تقدير العزيز العليم و لاتستبعد ذلك عن الاسماء الموضوعة للاضداد فان اللفظ من عالم الكثرة و لها جهات شتي من المزاج و الهيئة و المادة و الصورة و الحركات و السكنات و الكثرة و القلة و التقديم و التأخير و القران و النسبة و النوراني و الظلماني و الذكورة و الانوثة و الفلكي و العنصري و المضموم و المفتوح و المكسور و المجزوم و القلقلة و الاطباق و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 207 *»
الاشباع و الهمس و الجهر و الرخو و الشدة و غير ذلك مما هو معلوم عند اهله فلعل الكلمة الواحدة تناسب اشياء كثيرة بجهات شتي و لربما كانت المناسبة جنسية او نوعية او شخصية بما عرفت من الجهات فاذا اقتضي في الحكمة ان يكون معني له لفظ صيغ له لفظ بان يؤخذ من مواد الحروف ما يناسب مادة ذلك المعني و يركب علي وضع و هيئة تناسب هيئة المعني و وضعه فيوضع له ذلك و اذا اقتضي معني اخر ان يكون له لفظ فكذلك يؤخذ من مواد الحروف ما يناسبه و تصاغ علي هيئة تناسبه فلعله وافق اللفظ الاول في المادة و الصورة معا كجون للابيض و الاسود فانه اخذ اولا من المواد ما يناسب الابيض و ركب علي هذه الهيئة فوضع للابيض و كذلك لوحظ الاسود فركب له من مواد الحروف ما ناسبه في تلك الملاحظة فوضع له ذلك فوافقا في المادة و الصورة و لعله وافق في المادة دون الصورة كضَرْبْ و ضَرَبَ و ضَرَبْ و لعله وافق في الصورة دون المادة كضرب و نصر مثلا و لعله خالف كزيد و خالد و هكذا و هذا نهج الاستدلال علي طريق يناسب وضع الرسالة و الا لنا ادلة لو اوردناها علي جبل لرأيته خاشعا متصدعا لانها من مكنون الحكمة و مخزونه من لدن حكيم خبير.
فائدة: اختلفوا في اقسام الدلالة فمنهم من قال ان الدلالة علي ثلثة اقسام وضعية و طبعية و عقلية و كل منها علي قسمين لفظي و غير لفظي فالوضعي اللفظي كدلالة لفظ زيد و غير اللفظي منه كالدوال الاربع و الطبعي اللفظي كاح اح مثلا لوجع الصدر و غير اللفظي كسرعة النبض علي الحمي و العقلي اللفظي كدلالة «ديز» المسموع من وراء الجدار علي وجود لافظ و غير اللفظي منه کدلالة الدخان علي النار و منهم من قال الدلالة اما لفظية اولا الثانية عقلية و وضعية و الاولي وضعية و عقلية و طبعية و الوضعية اما مطابقة او تضمن او التزام و منهم من قال ان دلالة اللفظ اما وضعية او عقلية([3]) و الاولي المطابقة و الثانية علي الجزء
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 208 *»
تضمن و علي الخارج الالتزام و منهم من قال ان التضمني لفظية و الالتزامي عقلية([4]) و منهم من قال دلالة اللفظ علي معناه دلالة قصد و علي جزئه حيطة و علي لازمه تطفل([5]) و الاقرب الي الحق هو الاول كما هو ظاهر ولكنه تقسيم لا روح له فالاسد ان يقال ان الدلالة حقيقة علي ما بينا هي اراءة الدال ما عنده من ظهور المدلول فاذا هو شيء واحد لا تعدد له و لا اقسام و انما تتعدد الدوال فالاحري بالتقسيم الدوال لا الدلالة اللهم الا تتعدد الدلالة و تقسم من حيث الدوال فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الدوال تختلف باختلاف مراتب الخلق فكل شيء له مراتب و في كل مرتبة منه دال علي شيء و مدلول لشيء آخر فلاتضبط افرادها. فاذا كان و لابد فقسم بهذا التقسيم فتقول الشيء اما يدل علي مدلوله بكينونته خاصة او بكينونته و تخصيص مخصص فالاول طبعي علي اصطلاحهم او كينوني علي اصطلاحنا و الثاني وضعي و اما العقلي فهو من فروع الكينوني و كل من هذا الوضعي و الطبعي اما لفظي كزيد في الاول و اح اح في الثاني او غير لفظي كالدوال الاربع في الاول و حركة النبض في الثاني و اما الديز الممثل به للعقلي اللفظي فهو من الطبعي اللفظي فان الاثر يدل علي المؤثر بالطبع و ان كان مدرك ذلك العقل و تسمية الدلالة بالعقلية ايضا ليست بسديدة لانه ان كان مقصودهم ان العقل يدركها فالعقل مدرك الكل و لا خصوصية له بهذه و ان كان مقصودهم انه ليس لها منشأ من اللفظ و انما منشأوها من العقل فليست اذا لفظية و هو خلف و اما الدخان الممثل به في غير اللفظي العقلي فهو ايضا من الطبعي الغير اللفظي فانه يدل علي النار بما فيه من اثر النار و هو التكليس و هو دلالة بالكينونة و الطبع و ان كان مدركها العقل فلايتجه تقسيمهم الا ان نقول ان مرادهم بالعقلية التي مدركها العقل و هو خلاف السوغ اذ ليس المراد بالطبعية التي مدركها الطبع و مع ذلك ليست قسيما لاخويه في تقسيمهم و قد جعلوه قسيما و اذا اخذته كالطبعية فلايتجه اذ العقل ليس من الدوال و انما هو من المستدل بخلاف الطبع فلايتجه التقسيم بحال.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 209 *»
فائدة: قالوا دلالة اللفظ علي تمام ما وضع له من حيث انه موضوع له مطابقة و علي جزئه من ذلك الحيث تضمن و قالوا انها دلالة لفظية يدركها العقل و علي لازمه الخارج عن حقيقته التزام و قالوا انه دلالة عقلية لا لفظية ثم اختلفوا هل يكفي في اللازم اللزوم الذهني او العرفي الخاص او العام؟ و الجمهور علي الثاني و علي اي تقدير قالوا لايشترط اللزوم الخارجي اقول لاشك و لاريب في ان اللفظ بتمام مادته و صورته يدل علي تمام مادة المعني و صورته من حيث انه موضوع له فدلالته عليه مطابقة تطابق مادة اللفظ مادة المعني و صورته صورته و دلالته دلالة لفظية علي ما شرحنا و يدركها العقل و اما التضمن ففي اللفظ ايضا شبح للجزء حيث كان شبح الكل و ان لميكن تمام اللفظ و لا جزئه موضوعا لذلك الجزء اما التمام فظاهر و اما الجزء فلان اللفظ لميوضع للمعني بحيث يكون كل جزء منه اسماء لجزء من المعني بل الكل موضوع للكل و انما ظهرت فيه المعني باجزائه لانطباق الكل علي الكل فلاتضمن الا مع المطابقة و لا عكس فهو ايضا دلالة لفظية استدل بها العقل علي جزء المعني و اما الالتزام فاعلم ان لازم الشيء سواء كان ذهنيا بحيث لايخطر ببال الا و هو معه غالبا او عرفيا بحيث صار في ذلك العرف لازما للشيء فلايدركونه الا مع لازمه لاشك ان ادراك العقل له بسبب لزومه للموضوع له فلولا اللزوم لميلتفت اليه العقل بسبب التفاته الي ملزومه فاللازم هو ذلك الخارج و الموضوع له هو ملزومه و اللزوم صفة اللازم و محل ظهور هذا اللزوم هو الملزوم و الا لميكن ملزوما و الملزوم كالمرآة و اللزوم كالصورة و اللازم كالشاخص فاذا عرفت هذا المعني فاعرف ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد و الالفاظ قوالب المعاني فظهور المعاني في الالفاظ و الالفاظ تدل علي المعاني بمناسبة مخصصة بالوضع فاذا طرق اللفظ سمعك يدلك علي المعني كما عرفت فتلتفت اليه فحينئذ ان نظرت الي تمام المعني من حيث هو بتمامه تري نفس المعني لا غير كما اذا نظرت الي المرآة ملتفتا اليها من حيث نفسها و ان رأيته و الفتت الي ما انطبع فيه يدلك الي اللازم فتعرف اللازم بهذه الدلالة فالمعني ظاهر باللفظ مع ما فيه من
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 210 *»
اللزوم و ان كان اللزوم طاريا بعد ان صار موضوعا له و كان اللفظ اسما للمحل من قبل ولكن لماكان و لابد ان يكون اللفظ مطابقا للمعني و مناسبا له كان في اللفظ صلوح ظهور ما لازم المعني كما كان في المعني صلوح لظهور اللزوم للامور الخارجة فيه فان اللفظ مرآة للمعني و جسد له ينطبع فيه كلما قابله كيف ما قابله ولكن لايدرك ذلك اللزوم المنطبع الا العالم به فهي ايضا دلالة لفظية يدركها العقل كاختيها و ان قلت ان المراد بالدلالة اللفظية ماكان بوضع من الواضع و انت جوزت طريان اللزوم بعد الوضع و مع ذلك سميته لفظية اقول ليس المراد من اللفظية ذلك و الا لميكن التضمن ايضا لفظية و الحال خلافه بل المراد باللفظية ما كان ناشيا من اللفظ فاذا كان المراد به ذلك يدخل بهذا المعني الالتزام ايضا علي نهج ما قررنا فاذا سمعت اللفظ و دلك علي تمام المعني و هي بالوضع و بالمناسبة مطابقة او علي جزئه لاحاطة الكل بالجزء تضمن او علي لازم المعني فالتزام و الكل يدل عليه اللفظ اما بالوضع كالمطابقة او بلازم الوضع كالتضمن فان الوضع علي الكل يستلزم الحيطة علي الجزء او بالكينونة و الطبع كالالتزام فان طبع الاثر و كينونته الدلالة علي المؤثر و اثر اللازم قد ظهر في اللفظ فيدل علي مؤثره و هو ظهور اللازم فالاوليان لفظية وضعية و الثالثة لفظية طبعية كينونية و يدرك الجميع العقل فتقسيمهم بان دلالة اللفظ ثلثة ثم يجعلون الاخيرين عقليين و بعضهم كما هو المشهور الاخير وحده فلاينطبق مع الحق كما ذكرنا من ان الدلالة لا تصير عقلية و انما العقل هو المستدل و الدلالة صفة الدليل و العقل هو المستدل بكل الثلاثة من غير تخصيص و الدلالة من اللفظ اذ لا واسطة الا المعني و قد ذكرنا ان اللفظ يدل علي المعني بالوضع و علي بعضه بالحيطة و علي لازمه بالطبع الحاصل من لزوم اللازم للمعني فافهم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 211 *»
الباب الخامس
(في اقسام اللفظ و احكامه من حيث نفسه)
و الكلام في هذا الباب في مقامين الاول في اللفظ من حيث تصاريفه و اشتقاقاته و هو علم الصرف و لسنا بصدده هيهنا و الثاني من حيث اقسامه في اجناسه و انواعه بلاكلام في معانيها و ساير احوالها او معه فذلك يقتضي ان نورد فصلا لمحض اقسام اللفظ و فصلا لها من حيث معانيها و دلائلها.
فصل: في بيان اقسام اللفظ من غير ملاحظة المعانی و المفادات و هو يستدعي فوائد يذكر فيها تفاصيله.
فائدة: اللفظ الدال بالمطابقة التامة ينقسم اولا الي مفرد و مركب فانه اما ليس له جزء او له و لايقصد به الدلالة مطلقا او يقصد بالوضع الاول لا بالاستعمال فذلك مفرد فالاول كق علما و الثاني كزيد و الثالث كعبد الله او له جزء كذلك مقدرا كان كق امرا او محققا كعبد الله اضافة و اما قائم في زيد قائم و امثاله فهو مركب لاستتار الضمير الغائب فيه و هو الموصوف بها و كذلك الضمير الحاضر في قولك انت قائم و ما اختلفوا فيه من ان الصفة هل هي قائمة بذكر الموصوف فيها ام بنفس الموصوف ليس بشيء فان القائم لاشك انه ليس ذات الزيد و الا لكان يعدم بعدم القيام فالقائم ظهور الزيد بالقيام و هو جهة فاعليته للقيام و يفيدها الضمير فانه للاشارة اليها فهو اي القائم مركب من ظاهر اللفظ و من الضمير الذي هو ذكر الفاعل له فهو اي القيام قائم بذلك الذكر.
فائدة: قالوا اللفظ المفرد ان منع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه فهو جزئي و الا فهو كلي امتنعت افراده او امكنت و لمتوجد او وجد الواحد فقط مع امكان الغير او امتناعه فاللفظ الجزئي كزيد فان نفس تصور معناه يمنع من وقوع الشركة فيه و الكلي كانسان مثلا ثم الذي امتنعت افراده كشريك الباري و ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 212 *»
امكنت و لمتوجد كعنقا مثلا و ما وجد واحد من الافراد مع امكان الغير كالشمس و ما يمتنع باقي الافراد منه كواجب الوجود.
اقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام علي المرسلين و الحمد لله رب العالمين و تعالي عمايقولون علوا كبيرا.
اما قولهم ان منع نفس تصور معناه عن وقوع الشركة فيه فهو جزئي و الا فهو كلي فليس بصحيح لان كل ما خلق الله في الوجود خلقه اياه هو لا غير فلو خلقه غيره لكان ذلك الغير و لميكن هو هو و كذلك لميخلق شيئا مركبا من نفسه و من غيره بالضرورة فكل شيء هو هو و يمتنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه من حيث نفسه كما اذا قلت انسان و تصورت معناه من حيث انه هو هو يمنعك من تصور كثرات الافراد و شخصياتها و اذا التفتت الي الاشخاص من حيث هي لمتدرك حقيقة الانسان فبذلك التعريف كل شيء جزئي و لميبق للكلي حد يعرف.
و اما قولهم امتنعت افراده كشريك الباري فلايصح لان الممتنع لا حقيقة له في الخارج و لا في الذهن و لا في رتبة من المراتب بل ليس له اسم و لا رسم فان الاسم لابد له من مسمي و من مناسبة و اذ ليس فليس و انما هذا الاسم لماتخيلته الاوهام السخيفة الضعيفة و وهمته شريكا و هو ممكن مخلوق كما ورد كلما ميزتموه باوهامكم في ادق معانيه فهو مخلوق مثلكم مردود اليكم فشريك الباري لا حقيقة له في الخارج و لا في الذهن و لا في رتبة من المراتب و لا اسم له و لا رسم و لا عنوان فكيف يتصف بالكلية و كيف يمكن تصور معناه حتي لايمنع من وقوع الشركة و اذا تصور فهو ممكن لا ممتنع غاية ما في الباب انه ليس له ظهور في الخارج مع ان الذهن و الخارج سواء عند الله و كلها موجود خارجي ممكن فاذا كان شريك الباري كليا لايمنع نفس تصور معناه عن وقوع الشركة فهو ممكن موجود عند الله سبحانه في ملكه الا انه لميظهر في الاجسام و علي فرض قولهم انه ممتنع الافراد يناقض قولهم ان الكلي الطبيعي موجود بوجود افراده و اذا قالوا انه كلي منطقي فالكلي المنطقي لابد له من منتزع في الخارج كما ستعرف و ان قالوا انه كلي عقلي فكذلك فان كل ما في الذهن منتزع من الخارج.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 213 *»
و اما قولهم او امكنت و لمتوجد فممنوع لان الذي لميوجد في شيء من مراتب الكون الا انه ممكن كيف تعرف كليته و جزئيته و كيف يتصور و ان وجد في الذهن فهو علي ما تصور كما بينا في نفس الكلي و الجزئي فانك مادمت تتصور حقيقة كلية نفسها من حيث نفسها فلايذكر معها غيرها فيمنع من وقوع الشركة و اذا تصورته من حيث ظهوره في الافراد فلاتدركه الا بظهوره في الافراد و هو جزئي و قد وجدت افراده في الذهن فانا قلنا ان الذهن خارج موجود عند الله سبحانه و اما قولهم او وجد الواحد فقط مع امكان الغير مدخول بانه ان كان باقي الافراد معدوما لميوجد لا في الذهن و لا في الخارج و لا في شيء من مراتب الوجود و ليس الا فرد واحد من اين عرف كليته بل هو شخص خلقه الله تعالي و ان وجد باقي الافراد و لو في الذهن او رتبة من المراتب و ان لميكن في الاجسام الخارجة فهي موجودة و يجري ايضا في تصوره ما جري.
و اما قولهم او امتناعه فمنقوض بانه اذا وجدت حقيقة خاصة و تعالت عن جميع مراتب الامكان و امتنعت امثالها و اشباهها و اندادها ان تكون موجودة في جميع مراتب الوجود فكيف يتصور معناه حتي لايمنع من وقوع الشركة فيه و كيف يكون كليا؟ فاذا وجدت في الذهن فهي ممكنة لا واجبة فكيف تكون افرادا للواجب و هو لايتصور و لايعقل و لايدرك بمشعر من المشاعر؟ و ان قالوا الكلام في مفاهيم هذه الالفاظ لا مصداقاتها الخارجية اقول مفهوم الممتنع و الواجب ممكنة و كذلك باقي المفاهيم و الكل موجود في الذهن فكيف التقسيم فالاحري بالتسطير و الاولي بالتحبير و التعبير هو ما نقول اللفظ المفرد اذا لوحظ من حيث سريان معناه في افراده بظهوره فهو كلي و اذا لوحظ من حيث وقوعه تحت كلي آخر فهو جزئي فالكلية و الجزئية امران اضافيان فلاموجود الا و هو كلي بالنسبة الي ظهوراته و شئونه و اطواره و افعاله و اجزائه و جزئي بالنسبة الي ما هو فرد من افراده فتبصر امرك فان هذه الرسالة لاتحمل اكثر مما بينا.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 214 *»
فائدة: قالوا الكلي اذا اخذ من حيث تحققه في ضمن الافراد فهو الكلي الطبيعي و اذا اخذ من حيث الكلية فهو الكلي المنطقي و ليس هذا موجودا في الخارج و انما هو من المعقولات الثانية و هو يعرض المفهومات و الكلي العقلي هو مجموع العارض و المعروض و هو مقابل الكلي الطبيعي فان الكلي العقلي ذهني و الطبيعي الخارجي و هو اي الكلي ان كان نفس ماهية افراده بحيث لاتزيد عليه الا بالمشخصات فهو نوع او جزء تلك الماهية و مشتركا بينه و بين نوع آخر فهو جنس و ان لميكن فهو فصل و ان كان خارجا و عاما فهو العرض العام او خاصا فهو العرض الخاص ثم هذا الخارج اما لازما في الوجود و التصور او في الوجود فقط فمنه مفارق سريع الزوال و منه بطيء.
اقول انك قد عرفت ان الكلي هو حقيقة سارية في افرادها بظهورها لا بنفسها فتختلف مراتب الظهور بحسب مراتب الامكان و الكلي في كل رتبة واحد و انما تختلف ظهوراته بصفاته و آثاره فالاختلاف في الافراد لا في الكلي فمرة يكون جسمانيا و مرة ذهنيا نفسانيا و مرة عقلانيا و هو في كل حال هو هو لا يختلف و لايتعدد و لايعرض هذه المشخصات عليه من حيث هو بل من حيث ظهوره و ظهوره غيره فالتقسيم لايتجه فقولهم من حيث تحققه في الافراد لايصح فان المتحقق في ضمن الافراد متحصص متميز و ليس بكلي من هذا الحيث و انما هو كلي من حيث نفسه حيث لا ذكر للافراد فيه و ان كان مرادهم هذا الخارج المتحصص الموجود في الافراد لا من حيث التحصص فليس بموجود عندهم في الخارج فانه الكلي العقلي علي اصطلاحهم كالانسان الكلي من حيث نفسه فانه ليس في الخارج عندهم منعزلا عن الافراد و انما الموجود افراده و الانسان الكلي امر انتزاعي لاتحقق له في الخارج و ان قالوا له وجود في الخارج و لو بالحيث كذبوا انفسهم حيث يقولون انه ليس في الخارج انسان كلي لا فيه ذكر الافراد ذلك بان الحيوث و الجهات امور خارجية متحققة و الا لمتكن للنفس منتزع حتي ينتزع و لكان انتزاعه كذبا باطلا فظهر ان الموجود في الافراد متحصص من حيث ظهوره في الافراد و انما هو كلي من حيث نفسه.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 215 *»
و اما قولهم و اذا اخذ من حيث الكلية فلايستقيم فان الكلية اذا لميكن في الخارج فالخارج جزئي لانه ليس موصوفا بالكلية و اذا لميكن في الخارج فمن تنتزع الكلية و ليست في الخارج ابدا و الذهن ليس عنده شيء الا بالانتزاع من الخارج.
و اما قولهم و مجموع العارض و المعروض الخ فباطل فانهم قالوا ان ذلك ليس في الخارج و انما هو في الذهن و قد عرفت ان الذهن لميدرك شيئا الا ما انتزع من الخارج فان لميكن في الخارج عارض و معروض من اين اتي به الذهن؟ و اما تقسيم الكليات الخمس فليس هيهنا مقام بيانها مجمل القول انه الكلي بنفسه موجود في الخارج في مقامه و رتبته و تتحصص بظهوره المتصل او المنفصل بالحصص و الافراد و لايقع التحصيص عليه بل علي ظهوره فالكلي لايقبل التجزية بذاته ابدا و الجزئي حصص ظهوراته([6]) و تختلف مراتب الظهورات طولا و عرضا و هو واحد لايتجزي و لايتحصص و كل ذلك ظهوراته فلاتقسيم و لا اقسام.
فائدة: قالوا اللفظ اما ان يدل علي معني في نفسه او لا الثاني الحرف و الاول اما ان يقترن باحد الازمنة الثلثة او لا الثاني الاسم و الاول الفعل فيرد علي تعريفهم ان المعني المقترن هو الحدث الواقع في الزمان و ذلك اثر الفعل و ذلك معني الاسم اللهم الا ان يقال المعني المقترن حال صدوره لا مطلقا فان بعد صدوره اثر و اسم لا فعل فالفعل هو الاجراء لا المجري فالاقوم ان يقال الاسم ما دل علي المسمي و الفعل ما دل علي حركة المسمي و الحرف هو الرابط بين ماسواه من الالفاظ له مناسبة مع الاسم و مع الفعل فربما يربط بين اسمين او فعلين او اسم و فعل فهو حقيقة ما به التكون و هو حقيقة ما به التكون و هو معني برزخي رابطي.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 216 *»
فائدة: قالوا اللفظ و المعني اما ان يتحدا او يتكثرا او يتحد احدهما و يتعدد الاخر فهذه اقسام اربعة: الاول ان يتحد اللفظ و المعني فان تشخص المعني وضعا فهو علم و ان تشخص في الاستعمال بقيد خارج عن ذاته لا في الوضع فهو المضمر و ان لميتشخص مطلقا فان كانت افراده التي تحته متساوية فهو المتواطي و ان كانت متفاوتة فهو المشكك.
الثاني ان يتكثرا فمتباينة و هي اما بالمضادة او بالملكة او بالايجاب و السلب او بالتضايف او بالجزء و الكل او بالموصوف و الصفة و هي اما في المادة و الهيئة معا او في المادة وحدها او في الهيئة وحدها تحقيقا او تقديرا.
الثالث ان يتحد اللفظ و يتكثر المعني فان كان اللفظ موضوعا لكل واحد من المعاني وضعا اوليا اتحد الواضع ام اختلف كانت مناسبة و لمتلحظ او لمتكن فهو المشترك و ان لميكن موضوعا لكل واحد من المعاني وضعا اوليا بل لواحد ثم نقل الي غيره فان كان بلا مناسبة لا حال النقل و لا حال الاستعمال فهو المرتجل الاصم و ان كانت حال النقل وحده فهو المرتجل الغير الاصم و ان كانت حال الاستعمال ايضا و لميتوقف الي ملاحظتها سواء كانت بمجرد التفأل مع عدم ملاحظة وجود معني الاصل في المنقول اليه او مع وجوده فهو المنقول العلمي و ان توقف فان غلب في الثاني و لميهجر الاول فهو المنقول العام اللغوي في العرف العام و ان هجر فهو المنقول الخاص العرفي و ان لميغلب في الثاني فهو المجاز.
الرابع ان يتحد المعني و يتكثر اللفظ فتسمي الالفاظ مترادفة تساوت افراد المعني او تفاوتت و يعتبر التكثر في النوع لا في الشخص هذا اقسام كليات اللفظ في الجملة.
اقول قولهم و ان تشخص في الاستعمال بقيد خارج عن ذاته لا في الوضع فهو الضمير هو مبني علي مذهبهم من الوضع العام و الموضع (الموضوع ظ) له الخاص و قد عرفت بطلانه سابقا و اما قولهم و ان كانت متفاوتة فهو المشكك ليس علي عمومه فان اللفظ
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 217 *»
المستعمل في المؤثر متحد مع اللفظ المستعمل في الاثر و ليس علي التشكيك فانه يعتبر في التشكيك اتحاد المادة السارية في الافراد و لا مادة مشتركة بين الاثر و المؤثر فلاتشكيك و يقتضي تحقيق بعض هذه الافراد مما لميذكر سابقا اشارات:
اشارة: في العلم قالوا العلم ما وضع لشيء بعينه غير متناول غيره بوضع واحد و قال بعضهم العلم اسم يعين المسمي مطلقا اي من غير قيد بالامور اللفظية كالصلة و آلة التعريف و المضاف اليه او المعنوية كالاشارة و الضمير و غيره و هذا اسد من الاول اذا لايطرد الاول الاشارات و امثالها بخلاف الثاني و العلم علي قسمين علم شخص كزيد و علم جنس كاسامة و قالوا([7]) ان اعلام الاجناس وضعت للحقايق الذهنية و هو غير متناول غيرها وضعا فاذا اطلق علي فرد من الافراد الخارجية فليس ذلك بالوضع بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة الكلي العقلي لجزئياته الخارجية فاستعمال اسامة علي الافراد مجاز و ذلك مبني علي مذهبهم في الكلي العقلي و قد عرفت و قال بعضهم([8]) فلاتقول في اسد معين في الخارج اسامة و علي ما عنده لايقع اسامة علي الجنس المستغرق خارجا و الحق ان الكلي موجود في الخارج و قد ظهر في افراده بظهوره لا بنفسه و نفسه كلي لايتجزي او مطلق لايقيد و جنس لاينوع و نوع لايشخص و انما المتجزي و المقيد و المنوع و المشخص ظهوره و علم الجنس موضوع لظهور الجنسي الكلي المهيمن علي جميع الافراد من حيث الكلية لا من حيث التجزية فلايصح اطلاقه علي الشخص من حيث الشخصية فاذا سئل عن فرد خاص بما هو يقال اسامة و اما اذا سئل باي شيء هو في ذاته لايصح الجواب به فانه مركب من ذلك الظهور و من الهيئة الشخصية و قد يكون العلم بالغلبة في احد افراد المعني لا بوضع و يستعمل اما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 218 *»
بالاضافة([9]) او بالالف و اللام([10]) و هو منقول و مرتجل فالمنقول اما اسم عين([11]) او معني([12]) و الاسم اما صفة([13]) او غيرها او عن فعل ماض([14]) او مضارع([15]) او امر([16]) و المرتجل ما لامعني له([17]) او مشتق بزيادة([18]) او نقصان([19]) و العلم علي ثلثة اقسام اما يقصد به تعيين المسمي وحده و هو الاسم او مدح([20]) او ذم([21]) و هو اللقلب او مصدّر بأب([22]) او ام([23]) او ابن([24]) او بنت([25]) تعظيما و هو الكنية.
اشارة: المشترك علي قسمين لفظي و معنوي فاللفظي([26]) ان يوضع لفظ واحد لمعان باوضاع متعددة اتحد الواضع او تكثر و يشترط فيه عدم ملاحظة النسبة بين المعاني لا عدمها و المعنوي ان يوضع اللفظ لحقيقة جامعة بين افراد و يستعمل في كل تلك الافراد سواء كانت علي التواطي([27]) او علي التشكيك([28]) و هيهنا مقامان:
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 219 *»
الاول: اختلفوا في وقوع المشترك في اللغة فذهب المعظم الي وقوعه للاستقراء و حكي عن بعض وجوبه للمصلحة و عن بعض استمحاله عقلا و لغة و لعله من باب المناسبة في نظره و عن بعض جوازه عقلا و استمحاله وقوعا و تحقيق الحق جوازه عقلا و وقوعا اما عقلا فان اللفظ الواحد له جهات متعددة من صفات الحروف و بكل صفة يناسب معني و وقوعا لتصريح اهل اللغة و استقراء كثير من المشتركات في الالفاظ.
الثاني: اختلفوا في استعمال اللفظ المشترك و ارادة اكثر من معني و مرادهم من هذا المشترك اللفظي فان المعنوي لا خلاف عندهم و لا عند غيرهم ان كل ما يحكم عليه يجري في الافراد فجوزه قوم لعدم المانع و نفاه آخرون مطلقا لاجتماع المنافيين ارادة الحقيقة و القرينة الصارفة اللازمة في المجاز و اختلف المجوزون فمنهم من جوزه في النفي و استحاله في الاثبات مطلقا([29]) لعموم المنفي و خصوص الاثبات و منهم من احاله في المفرد و جوزه في التثنية و الجمع مطلقا لوجود المانع في الاول و هو الدلالة علي الوحدة و فقده في الثانيين و منهم من جوزه في الجميع لعدم المانع في الكل ثم اختلفوا هل في الكل حقيقة للاصل ام مجاز لكون الوحدة جزء الموضوع و قد استعمل للكثير ام ظاهر لاصالة وجوب حمل اللفظ علي الحقيقة ام مجمل لان اللفظ لايصلح لكل معني ام في المفرد مجاز نظرا بان الوحدة جزء الموضوع له و استعمل في الجزء و في الباقي حقيقة لدلالتها علي التعدد حقيقة و وقع بينهم الايراد و الرد و الجواب.
اقول اذا عرفت ان الواضع هو الله سبحانه و الاشياء كلها حاضرة لديه حضورا واحدا لانه لميسبق له حال حالا و هو قد وضع اللفظ لتعيين نفس المعني و نفس المعني ليس فيه شرط ابدا لا بوحدة و لا بكثرة و انما هي ذات لا بشرط و هو سبحانه قد وضع اللفظ بازاء المعاني لتعيينها في انفسها من غير ملاحظة غيرها حتي اذا اراد المتكلم تعيين غرضه للمخاطب يعينه بهذه الالفاظ غير ملتفت الي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 220 *»
انه واحد او مع الغير و لذا اذا اراد ان يعين معني وحده يأتي بلفظ الوحدة او قرينة لفظية او غيرها فاذا وضع اللفظ لمعان لاينافي ارادة معني او ازيد منه عند استعماله فانه غير مناف مع تعيين المعني فلامحذور في استعماله فان غاية استدلالهم قيد الوحدة في الموضوع له و قد بينا انها ليست مأخوذة في تعيين الشيء فانهما شيئين حقيقة و الواضع غرضه تعيين الشيء نفسه من دون شرط خارج و كون الظاهر تبادر الوحدة كلام مجتث فان المتكلم اذا قال عين مثلا يتبادر نفس المعني منه الي الذهن من غير قيد الوحدة ابدا و الوحدة التي تفهم منه وحدة كل فرد فرد من المعاني لا وحدة فرد عن شركائه و كذلك التثنية اثنينية كل فرد فرد الحاصل المتبادر من اللفظ معني الموضوع له و هو نفس المعني من دون شيء خارج عنه فيجوز استعمال اللفظ المشترك في جميع معانيه مطلقا و في بعضه مع قرينة معينة و في كل ما استعمل فيه من معانيه حقيقة و يثبت الحكم لكل فرد فرد و من وراء ذلك قرينة احاطة المتكلم و بسطه فان كان المتكلم محيطا بجميع افراد معاني اللفظ عالما باحكامها و كمها و كيفها و موصولها و مفصولها و حكم بحكم و اطلق من غير قيد او قرينة يريد الكل و الحكم جار في الكل و حقيقة في الكل و لا محذور سواء في ذلك المفرد و التثنية و الجمع في النفي و الاثبات تبصر امرك و جاهد جهدك و احمد ربك و لاتكن من المنكرين فان ما ذكرنا من مصباح الهدي و مشكوة العلم و بذلك يظهر لك حكمة المعاني المختلفة في القرآن و الاحاديث للفظ واحد و يفتح لك ابواب الحكمة فلاتنجمد علي معني واحد فتقع في الاختلاف و تقول الاحاديث مختلفة و الايات متفاوتة و التفاسير متعارضة و القوم لما ضيقوا علي انفسهم وقعوا فيما وقعوا و حكموا بما حكموا و السلام علي من اتبع الهدي.
اشارة: في الحقيقة و المجاز قالوا الحقيقة هي اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة التي وقع التخاطب بها و المجاز اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لاجل مناسبة له مع ما وضع اللفظ بازائه و قالوا في حدهما غير هذا و لا طائل في
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 221 *»
التطويل بها و يقع تحقيق ذلك في مواضع:
الاول: ذكروا في علامات الحقيقة التبادر و التنصيص اما بسماع او برواية متواترة او خبر واحد محفوف بالقرائن القطعية و عدم صحة السلب و الاطراد و الاستعمال فاذا سلب واحد من هذه الامور علم انه مجاز و يعلم الحقيقة بشيئين آخرين العقل المنضم بالنقل و القياس عند تنقيح مناط الوضع و قد ذكرنا تحقيق ذلك في فائدة معرفة الوضع في الباب الثاني فراجع.
الثاني: التبادر هو اسراع المعني الي ذهن المتحاورين باللغة المعلومة و هو احد علامات الحقيقة لانه يدل علي وضع الواضع هذا اللفظ بازاء هذا المعني في هذه اللغة التي بها التخاطب و ذلك لان الواضع اذا وضع لفظا بازاء معني لايحتاج في دلالته علي معناه الي ضم ضميمة و الا لكانت جزء الموضوع له و كان الكلام فيه فالموضوع في دلالته علي معناه الموضوع له لايحتاج الي ضميمة و يدل علي معناه بنفسه و لانريد من التبادر الا دلالة اللفظ علي معناه من غير قرينة قبل ساير المعاني التي يحتاج في الدلالة عليها الي ضم ضميمة و اوردوا هنا ردود مردودة لا طائل فيها.
الثالث: الاطراد هو ان يكون المعني الذي جاز الاستعمال لاجله مجوزا في كل ما يشاركه في ذلك المعني علي الحقيقة مثل قعد زيد و قعد عمر(عمرو ظ) فان السبب الذي جوز نسبة قعد الي زيد سوغ نسبته الي عمرو هو هيئة جلوس الانسانية فان «قعد» موضوع للفعل الخاص الصادر من الانسان فاذا قيل قعد الابل لايطرد فان السبب المجوز ليس في الابل فلايجوز نسبته اليه من دون قرينة التشبيه او الاستعارة او قرينة اخري من مجوزات تجوز اللفظ فما قيل من ان الاطراد ليس من علامات الحقيقة استدلالا باطراد المجاز ايضا ممنوع لان ما في المجاز له قرينة و بدونها ينسب المتكلم الي اللحن كما تري من اهل الادب و قد ضبطوا اختصاص
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 222 *»
كل شيء بشيء و ما جوزوا استعماله في غيره الا مجازا فراجع.
الرابع: الاصل في الاستعمال الحقيقة و ان كان في المجاز ايضا ولكنه علي خلاف الاصل و اختلفوا في ذلك فذهب جماعة الي عدم اصليته في الحقيقة لوقوعه في المجاز ايضا و اخري الي ثبوته لنا علي ذلك ان الحقيقة لاتعلم الا باستعمال اهل اللغة لفظا في معني من غير قرينة و وضع الالفاظ للتفهيم و التفهم و الاصل ان يكون لكل لفظ معني خاص به و الاستعمال موافق للوضع و هو في غير الموضوع له يحتاج الي قرينة و الاصل عدمه([30]) فاذا استعمل لفظ في معني و لميعلم هل هو حقيقة او مجاز فمقتضي الاصل ان يكون قد استعمل فيما يستحق الاستعمال فيه اولا و هو الموضوع له و اما المجاز فهو فرع الموضوع له و الاستعمال فيه فرع الاستعمال في الموضوع له و لذا تري اهل اللغة يكتفون بمحض ما يسمعون من العرب انه استعمل لفظا في معني يحكمون بانه معناه الموضوع له و كيف لا و لا سبيل الي معرفته اولا الا هذا و انما التبادر و الاطراد و صحة السلب كل ذلك بعد الاستعمال و اما ما يري من الاستعمال انه يقع في المجاز ايضا فهو فرع للاستعمال الاول و لذا يحتاج الي القرينة و لا كذلك الاستعمال في الحقيقة.
الخامس: كلما استعمل اللفظ خاليا عن القرينة فالظاهر منه ارادة الحقيقة اذا علم بوضعه قولا واحدا و اما اذا لميعلم معناه الحقيقي و استعمل في معني او اكثر اختلفت الاراء فيه فعن بعض([31]) ان في الكل حقيقة لظهور الاستعمال فيها و عن بعض([32]) انه مجاز لانه الاغلب و الظن يلحق به و المشهور علي التوقف لعدم دلالة الاستعمال علي شيء منهما([33]) و ذكروا له شقوقا و توقفوا و الحق الحري بالتحقيق
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 223 *»
ان اللفظ اذا استعمل خاليا عن القرينة في لغة وقع التخاطب فيها مطلقا([34]) فهو حقيقة في الكل ان كانت متعددة و لا جامع بينهما علي وجه الاشتراك اللفظي و حقيقة في الجامع ان كان بينهما جامع و علي وجه الاشتراك المعنوي. لنا علي الاول ان الواضع هو الله سبحانه و هو حكيم قادر لايعبث و لايعجز و هو من حكمته و قدرته جعل لكل معني لفظا علمه الناس او لميعلمه ولكن له مستحفظون يحفظونه و يعلمونه بتعليم الله سبحانه و انما فتح باب المجازات و الاشتراكات و الكليات تسهيلا علي العباد الضعفاء فلولا هذه الابواب كان يعسر علي الخلق تعلم اللغة و هو حكمة ثانية في وضع الالفاظ جعلت علي خلاف الاصل و ذلك لان الاصل ان يكون لكل معني ممتاز لفظ ممتاز بحسبه يدل بمادته و هيئته علي مادة المعني و هيئته فاستعمال اللفظ لاجل مناسبة في جهة من الجهات و حيث من الحيوث مع وجود الحقيقة لاجل الضرورة و هو ادني من رتبة الحقيقة بسبعين رتبة فان ذلك المعني المناسب لاجل مماثلته لهيئة الحقيقة جاز له ذلك الاسم و لاشك انه فرع للاصل و الاستعمال فيه فرع للاستعمال في الحقيقة و لايجوز من غير قرينة صارفة عن الحقيقة و معينة من بين المعاني المناسبة معها فاذا لمتكن قرينة يدل علي ان الاستعمال في الثاني دون الاول يدل علي الاول دون الثاني و يراد منه ما يدل لا ما لايدل و يستعمل فيما يراد و يدل لا فيما لايراد و لايدل فاذا اتي بالقرينة يدل علي الثاني دون الاول فاذا دل يراد و اذا اريد يستعمل. و لنا علي الثاني ان الاشتراك كما بينا لاجل التيسير و هو الحكمة الثانية و خلاف الاصل الا انه حقيقة ثانية و يدل علي معانيها بالوضع فاللفظ يدل علي ما وضع بازائه و يراد منه ما يدل و اما المجاز فلايدل عليه اللفظ وحده بالوضع الشخصي بل بالوضع النوعي مع القرينة فمع عدم القرينة لا دلالة له عليه فلايمكن ان يراد منه ما لايدل عليه فاذا استعمل اللفظ في معان من غير قرينة يجب ان يحمل علي الحقيقة مطلقا([35]) و اما ما ذكرنا من ان الاصل في الاشتراك المعنوي فلان الاصل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 224 *»
في اللفظ ان يدل علي معني واحد كما ذكرنا فاذا كان بين المعاني المستعمل فيها حد مشترك هو المتعين بان يكون مرادا من اللفظ و غيره يحتاج الي دليل و قرينة فاذ لاقرينة يحمل علي ذلك و مع القرينة يدور معها مطلقا([36]) و الا فاللفظي متعين و بذلك ظهر ان الاشتراك خير من المجاز خلافا لقوم.
السادس: يشترط في استعمال اللفظ في المعني المجازي امور:
الاول: المعني الموضوع له ليكون له حقيقة يلاحظ في المجاز نسبته معه و اختلفوا في اشتراط استعماله فيه فمنهم من اثبته و منهم من نفاه و هو لعمري خلاف ركيك لان الواضع لمينزل كتابا في تفسير اللغات و لميطلع علي نفسه احد بل عرف جميعها باستعمال اهلها اياها في معانيها و لولا الاستعمال لمتك تعرف لغة من اللغات و فضلا عن ذلك كيف يمكن وضع من غير استعمال.
الثاني: وجود القرينة الصارفة عن الحقيقة لتمنع تبادرها الي الذهن.
الثالث: القرينة المعينة لافراد المجاز فانها غير محصورة و لايكفي محض الصارفة و لا المعينة وحدها لامكان ارادة الحقيقة و المجاز معا من اللفظ كما سيأتي ان شاء الله تعالي.
الرابع: وجود العلاقة و هي المناسبة مع الموضوع له من جهة لا يقال ان القرينة تكفي في الدلالة فانا نقول ان القرينة تدل علي تخصيص افراد المجاز باللفظ و عدم ارادة الحقيقة و لاتفيد ذلك المعني الذي اراد اثباته علي الشيء مثلا اذا قال رأيت الاسد ينطق دلت قرينة النطق علي انه غير السبع و دلت الحرفي العهد علي شخص معين ولكن لمتثبتا وصف الشجاعة التي هي العلاقة بين الشخص و بين السبع فبدون هذه العلاقة لميكن خصوصية في لفظ «اسد» و اختياره من بين الالفاظ ترجيح من غير مرجح و هو قبيح و وجوه العلاقة كثيرة منها علاقة السبب و المسبب و منها اطلاق اللفظ و ارادة
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 225 *»
وصف من المعني([37]) و منها اطلاق الكل علي الجزء([38]) و عكس ذلك([39]) و منها اطلاق الشيء علي ما يؤل اليه قطعا([40]) او ظنا([41]) و منها اطلاق ما كان عليه الشيء بعد ما خرج منه([42]) و منها اطلاق الشيء علي مجاوره و منها اطلاق الجنس او النوع علي افراده([43]) و منها اطلاق المصدر علي اسم الفاعل([44]) و المفعول([45]) و منها العكس([46]) و منها اطلاق الخاص علي العام([47]) و منها العكس([48]) و منها اطلاق المحل علي الحال([49]) و منها اطلاق المبدل علي البدل([50]) و امثال ذلك مما يعرف عند التتبع و في بعض الامثال التي ذكروها لهذه العلاقات تأمل و لاطائل في التعرض لها. الخامس: تجويز اهل اللغة جنسه او نوعه او شخصه خلافا لبعضهم حيث اوجبوا الاذن الخاص في كل لفظ لفظ و ذلك هو المراد بالوضع النوعي و لولا ذلك لميكن المستعمل متكلما بتلك اللغة فانه ليس منها و ذلك لان تجويز اهل اللغة كاشف عن تجويز الواضع و هو الله سبحانه و منعهم عن منعه فاذا لميجوزوا شيئا يكشف عن عدم تجويز
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 226 *»
الواضع فلايجوز استعماله ابدا و هو خارج عن تلك اللغة و يكفي في التجويز الجنسي و النوعي لحصول الاذن بهما ايضا و ايجاب الشخصي تكلف بلاموجب.
السابع: اذا قامت قرينة علي عدم ارادة المعني الحقيقي فلايخلو اما ان تقوم قرينة علي ارادة مجاز معين ام لا ففي الاول لا اشكال في تعيين ذلك الواحد و في الثاني اما ان تقوم قرينة علي واحد لا بعينه ام لا ففي الاول ايضا لا اشكال في اداء التكليف بالاخذ بواحد مخيرا لحصول الامتثال و في الثاني اختلفوا فمنهم من قال بالاجمال لعدم مرجح لواحد من المعاني دون الاخر و منهم من قال بالحمل علي الجميع لدلالة اللفظ عليها بوجود العلاقة و منهم من قال بتعين اقرب المجازات لان الحقيقة اذا تعذرت فالاقرب اليها اولي بالارادة و تحقيق المقام انه اذا تعذرت الحقيقة بصارف و تساوت المجازات في التبادر و الشهرة و شدة العلاقة و ضعفه فالكل مراد من اللفظ لكونه موضوعا للجميع بالوضع النوعي و لا مخصص في البين و لايمكن الترجيح من غير مرجح و لا اجمال فيه لدلالته علي الجميع بالوضع النوعي و الا فاقرب المجازات متعين لان القرب بنفسه يمنع من ارادة غيرها و لانه هو المتبادر المعروف بين اهل اللسان كما اذا نفيت الماهية مثلا و قامت القرينة او الدليل علي بقائه يجب الحمل علي اقرب المجازات ككمالها نحو لاصلوة لجار المسجد الا في المسجد و قد دل الدليل علي صحة صلوته في بيته فيحمل علي نفي الكمال و كما اذا امر بشيء او نهي عنه و قد دل الدليل علي عدم وجوب الاول و حرمة الثاني يحملان علي الاستحباب او الكراهة و كما يحمل العام علي باقي الافراد اذا تعذر الاستغراق بمخصص او غيره و في الحقيقة هذه الاقربية قرينة علي التعيين الا انها من نفس المدلول للاستحقاق لا من الدال.
الثامن: اذا كان للفظ معني حقيقي قارب الهجر و معني مجازي قارب النقل و وقع من غير قرينة اختلفوا فيه فمعظم القوم الي التوقف لتساوي الظنين و قال بعضهم الي ترجيح الحقيقة لوجوب المصير اليه و بعضهم الي ترجيح
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 227 *»
المجاز لتبادره في الجملة اقول لاشك ان اللفظ مادام يستعمل في المعني المجازي مع القرينة لمينقل فهو و ان قارب النقل لكنه اذا عري عن القرينة لايتبادر منه المعني المجازي فيتعين المعني الحقيقي و ان كان مهجورا و لانه الاصل و مقصود الواضع منه و لانه وضع اللفظ ليتعين ذلك المعني فيعينه ما لمينقل و تساوي الظنين لايوجب التوقف لانا قد علمنا بالوضع و علمنا انه للتفهيم و التفهم و علمنا استعماله فيه و لمنعلم بقرينة تدل علي نقله عن المعني الحقيقي الاولي فنحكم عند خلوه عن القرينة علي ان المراد منه هو المعني الحقيقي و لو كان المتكلم يريد غيره لنصب لنا قرينة تدل علي مراده.
التاسع: اختلفوا في استعمال اللفظ في المعني الحقيقي و المجازي فجوزه قوم و منعه آخرون ثم اختلفوا المجوزون فمنهم من قال بكون الكل مجازا و منهم من قال بكون اللفظ حقيقة في الحقيقة و مجازا في غيرها و استدلوا بما استدلوا و اجابوا بما اجابوا و لا طائل في ذكرها لانها لايغني من الحق شيئا و تحقيق الحق في هذا المقام ان موضع النزاع ما اذا كانت قرينة علي ارادة المجاز و اما عند عدم القرينة فلانزاع انه حقيقة فاذا نقول انا نحتاج في المجاز الي القرينة الصارفة اذا لمنرد الحقيقة و المعينة اذا نريد احد المعاني المجازية فاذا اردنا الحقيقة و المجاز معا لمنحتج الي الصارفة بل المعينة وحدها فيميز واحدا من المعاني المجازية فبالتبادر عرفنا غرضه الحقيقي و بالقرينة عرفنا غرضه المجازي و لا محظور في ذلك و لايرد علي ما ذكرنا ما اورد بعضهم علي بعض فراجع و لاجل ذلك تراهم يصرحون بان المجاز عند عدم ارادة الحقيقة يحتاج الي قرينة صارفة لان المعينة وحدها لاتنافي ارادة الحقيقة و ذلك قول اجري الله علي لسانهم من حيث لايشعرون فلما رأوا بالفطرة ان المعينة لاتنافي تبادر الحقيقة استلزموا وجود الصارفة حتي لاتجتمع الحقيقة مع المجاز فاذا يمكن اجتماع الحقيقة و المجاز و لا بأس فاللفظ حقيقة في الحقيقة و مجاز في المجاز و ليس الوحدة جزء الموضوع له حتي يصير في اجتماعه الكل مجازا.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 228 *»
العاشر: اذا ثبت النقل الي معني و شك في المنقول اليه فان تساوت المعاني الي الحقيقة في النسبة فيتوقف و الا فقيل يتعين الاقرب و التحقيق انه اذا كان منقولا بالغلبة يتعين الاقرب لان قبل النقل كان هذا المعني مجازا و كنا نصير اليه عند القرينة و عند عدمها و وجود صارفة كنا نصير الي اقرب المجازات فهيهنا قامت الصارفة للعلم بالنقل و لميقم قرينة التعيين فنصير الي الاقرب بمقتضي الاستصحاب و يكون حقيقة فيه لثبوت النقل و لكونه[51] قبل صيرورته حقيقة اولي بان يكون مرادا من اللفظ و كذلك بعدها و اما اذا كان منقولا بالوضع ثانيا فمحل توقف.
الحاديعشر: اختلفوا في الحقيقة الشرعية هل هي ثابتة ام لا؟ و ثمرة الخلاف فيما اذا وقع في كلام الشارع لفظ من غير قرينة هل يحمل علي المعني اللغوي ام علي المعني المعروف من الشرع عند المتشرعة و احتج كل قوم بادلة قدح فيها الاخرون و تشاجروا و تشتتوا كل التشتت حتي تحير قوم بين الادلة فتمسكوا باصل العدم في نقلها عن المعاني اللغوية و لاطائل في ذكر ادلتهم المتيهة و ردها لان الكتب ممتلية منها مشحونة بها و نحن نتكلم فيها علي قانوننا و نظهر في تلو كلماتنا عيوب كل واحد من ادلتهم اعلم ان الله سبحانه هو الشارع الحق و لميسبق له حال حالا حتي يكون اولا قبل ان يكون آخرا و هو الاول و الاخر و الظاهر و الباطن و هو بكل شيء عليم و الاشياء كلها حاضرة لديه كل في امكنتها و ازمنتها حضورا واحدا و هو الواضع الحق قد وضع لكل معني لفظ (لفظاً ظ) علي الحقيقة كما عرفت مكررا ثم اصطفي نبيه9 و علمه الشرايع و علمه اسماءها فتعلم النبي9 و هو معصوم لايخطي و لايسهو و لايلهو فبلغ هو9 ما امره الله تعالي و علمه الي المكلفين و علمهم اياه بالترديد و التكرير و الاشارة و القرينة كما يعلم الابوان الولد حتي تعلموا و صار عندهم بحيث يفهم من كل لفظ لفظ
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 229 *»
مراده9 من غير قرينة و اما هو9 لاجل كونه معصوما لايلهو و لايسهو تعلم بارادة الله في آن واحد و لميحتج بعد الي قرينة و لاينسي بعد ما قال له ربه سنقرئك فلاتنسي فعدم تبادره عند المكلفين ذلك اليوم لاينافي الحقيقة عنده9 لانه هو9 كان متبادرا عنده و اما ساير المتشرعة فما كانوا يعرفون الشرايع اولا حتي يتبادر اليهم الحقيقة و تبادر لهم شيئا فشيئا و لو قيل سلمنا ذلك ولكن لاينافي ذلك ان النبي9 ربما كان يستعمل بعض الالفاظ علي مفاهيم العوام من اهل اللغة فكان يحتاج الي قرينة عند ارادته المعني الشرعي اقول احتياجه الي القرينة عند المكلفين لايضر في كون اللفظ حقيقة عنده9 في الشرايع فالالفاظ الشرعية عنده حقيقة في معانيها و علم الناس اولا فاولا بل لو قال قائل انه كان ينصب القرينة عند ارادته منها المعاني اللغوية فله ذلك لان المطلوب المعروف منه ان يتكلم بما ارسل به فاذا اراد من لفظ غيره لوجب ان ينصب له قرينة لئلايغري بالجهل بمراده و خبط الناس في اطاعته و اما عدم تصريحه بالوضع او بالنقل علي زعمهم([52]) فلايقدح في كونه حقيقة و لايجب علي الابوين ان يقولوا لابنهما في كل شيء شيء هذا اسمه كذا بالوضع و هذا كذا بل بالترديد والتكرير يعلمونه حتي يتبادر الي ذهنه المعني فحينئذ يكون حقيقة عنده و قد كان عند ابويه حقيقة قبل ذلك و هو لميك يعرف من غير قرينة و لولا خوف ان يقولوا فلان يتكلم في العلم بغير لسان القوم لرأيت ما عندنا من البيان في المسائل مما يغتبط به العالمون و لاقوة الا بالله العلي العظيم.
الثانيعشر: اختلفت الاصوليون في الفاظ العبادات هل وضعت للصحيحة التي اذا اتي بها المكلف خرج عن عهدة التكليف او للاعم منها و من الفاسدة علي نهج استعمال المشترك في معانيه. المحكي عن جماعة من الاكابر بل و اكثر
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 230 *»
المحققين ان الالفاظ موضوعة علي الصحيحة و عن بعض آخر من المتأخرين انها موضوعة للاعم و تمسكت الاولون بالتبادر و صحة السلب عن الفاسد و بكون العبادات توقيفية و الاخرون باستعمالها فيهما و اجمالها اذا اطلقت بلاقرينة و للاحتياج الي القرينة في كل واحدة منهما و الحق في المسألة انها تدل عليهما بالاشتراك اللفظي بحسب انفسها لاستعمالها فيهما و الاصل فيه الحقيقة و تتعين كل واحدة منهما بالقرينة علي حد المشترك و اذا اطلقت من غير قرينة يراد منها كلاهما ولكن ما وقع عليه التكليف عن الشارع و ما به مداره هي الصحيحة لان تكليفه سبحانه العباد الي طاعته و بعثه الرسل و انزاله الكتب و وضعه الشرايع دليل ارادته منها ما يوافق رضاه و ما هو مبريء للذمة في الواقع فما امر الا بالصحيحة و ما اراد الا اياها و هي موقوفة علي بيانه سبحانه و ان كان اللفظ من حيث نفسه مشترك بينهما.
لنا علي ذلك ما نري من استعماله فيهما و الاصل في الاستعمال الحقيقة و لذلك يؤتي بالقرينة عند ارادة واحدة منهما و اما عدم ذهابنا الي الاشتراك المعنوي مع انه عندنا اولي من اللفظي لاتحاد الموضوع له في الاول دون الثاني و هو الاصل فلان الله سبحانه قد امر بالصحيحة و لا حقيقة جامعة بينهما و بين الفاسدة فان الصحيحة نور و خير و الفاسدة ظلمة و شر و لا جامع بينهما و علي ارادته سبحانه الصحيحة انه لميأمر بالفحشاء و المنكر و البغي و يأمر بالعدل والاحسان بل لايمكن فرض الامر بالفاسد فان المأمور به هو مقتضي رضا الله سبحانه و ارادته فكيف يكون فاسدا و ليس هو الا ما يخالف رضاه و ارادته فالالفاظ الصادرة عن الشارع موضوعة للصحيحة علي الحقيقة و موضوعة علي الفاسدة بوضع آخر ولكنه لميرد منها الا الصحيحة و لاتعرف الا بالبيان فنقف علي ما بينه منها و نعمل به و ما لميبين فلاتكليف فيه فافهم و تبصر راشدا.
الثالثعشر: لافرق في الالفاظ التي استعملها الشارع في المعاملات و العبادات و غيرهما فله في الكل لحقيقة خاصة امر الناس بها و له من كل لفظ غرض خاص اذا اتي به علي وجهه عمل علي مقتضي محبته و رضاه و اذا لميؤت
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 231 *»
به خولف ذلك و لميعمل بالمأمور به. لنا علي ذلك ان الشارع جوز لنا البيع و حرم الربوا و فسر لنا البيع الذي يجوز بماهيته و شروطه و آدابه و فسر لنا الربوا الذي هو حرام بماهيته و شروطه و آدابه فعلمنا انه متي ما قال البيع حلال يريد البيع الذي سوغ لنا الاتيان به لا ما هو في الجاهلية او عند اهل اللغة و كذلك الربوا و الضابط في ذلك ان جميع الالفاظ التي استعملت في الشرع و لها معان فيه يخالف ما في اللغة بماهيتهما او شروطهما هي حقيقة شرعية ثابتة من الشارع و متي ما صدر منه لفظ يحمل علي ما عرف منه و يتوقف منه علي ما صدر منه في شروطه و آدابه و ما لميصل فلاتكليف له فيه لا بنفي و لا باثبات لان علي الرسول البلاغ فلو كان لك تكليف فيه لبينه لك و اذ ليس فليس و دعوي انه لعله لميصل الينا شرط شك في الابلاغ فانه لا ابلاغ الا في الايصال و الايصال تكليف المبلغ لا السامع منه فاذ لاايصال لاتكليف لا من جهة ما قالوا انا مأمورون بالماهية و هي اعم من الصحيحة و الفاسدة فكل شرط ثبت وجوبه نعمل به و ما لميثبت فلا لان العمل بالماهية المأمور بها محفوظ بل من جهة قاعدتنا المسلمة التي عرفت نوعها فمع انا نقول ان الالفاظ موضوعة للصحيحة نقول بالبرائة الاصلية في ما لميصل او لميثبت فتبصر.
الرابععشر: اذا ورد لفظ و في اللغة له حقيقة و في العرف العام له حقيقة و لميعلم له في العرف الخاص حقيقة و لا قرينة في البين فان علم بتقديم العرف علي الخطاب يجب المصير اليه و الا فيجب المصير الي اللغة لان الاصل عدم النقل و للاستصحاب و لتنزه الشارع عن اللغو و العبث و الخطاب بما لايعرف فلو كان له عرف خاص فيه لنصب له قرينة و اذ ليس فليس.
الخامسعشر: اذا وقع خطاب من الشارع بين جمع مختلفي الاصطلاح و لا قرينة في البين تدل علي اصطلاح خاص للمتكلم و لا للمخاطبين فعلي اي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 232 *»
شيء يحمل اختلفوا فيه فمنهم([53]) من ذهب الي حمله لكل طائفة علي اصطلاحهم للزوم الامر و النهي و هو باطل([54]) لان الحقيقة الشرعية موضوعة للصحيحة و هو مقتضي الامر فيجتمعان في موضوع واحد و هو باطل و منهم من وقف بينهما لان النبي9 يجوز ان يتكلم بلسان العرب و لغتهم فاذا لايدري هذا النهي هل هو مما تكلم علي لغتهم او لغته اقول ان النبي9 لاينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي علمه شديد القوي فكلما امر به او نهي عنه انما يأمر بما امره الله ان يأمر به و ينهي عما امره الله ان ينهي عنه و هو9 لغته لغة الله و كلام ذي لغة يحمل عليها عند عدم القرينة و معها يصار الي ما ادت اليه و لايجتمع الامر و النهي فان النبي9 لايأمر الا بالصحيح و لاينهي الا عن الفاسد لان الله يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي فكل ما امر الله به سبحانه فهو صحيح و كل ما نهي عنه فهو فاسد و اين ذلك من اجتماع الامر و النهي؟ فافهم.
فائدة: اختلفوا في دلالة النهي علي المنهي عنه فمنهم من قال بالفساد لاستدلال الاصحاب قديما و حديثا بفساد المنهي عنه بالنهي مطلقا و منهم من قال بعدم الدلالة مطلقا بانه لو دل لكان مناقضا للتصريح بالصحة و اللازم منتف و منهم من فصل فقال بها في العبادات دون المعاملات لان في العبادة يقتضي كون المنهي عنه غير مراد للمكلف و الاتي به ليس بمطيع ممتثل و هو الفساد و اما المعاملات فلايدل لانها لو دل لكان احدي الثلث ثم اختلف القائلون بالفساد فمنهم من قال ذلك بالشرع لا باللغة و آخرون بدلالة اللغة عليه ايضا.
اقول اعلم ان الله سبحانه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي فلا يأمر الا بما في فعله مصلحة للمكلف و في تركه مضرة و لاينهي الا عما في فعله مضرة و في تركه مصلحة ثم كان صلاح المكلفين و عدم فسادهم سببا لبقاء النظام فيهم الناشي من اثر الحكمة المطابقة لرضا الله سبحانه و محبته و فساد المكلفين سببا لاختلال النظام الناشي من اثر العبث لو لميبين لهم ذلك و هو تعالي عن ذلك علوا كبيرا فبين لهم ان ذلك مطابق لغضبي و كراهتي لانه خلاف حكمتي و رضاي فكل ما امر الله سبحانه به لايريد من المكلفين الا الائتمار بما يوافق امره و مشيته و اذا اتوا به كما امرهم يخرجون عن عهدة التكليف و يكونون ممتثلين بذلك الامر عاملين بمقتضي حكمة الله و بمقتضي صلاحهم فيصلح امرهم فاذا خالفوا ذلك الوجه الذي امرهم به لميكونوا ممتثلين بذلك الامر اذ فعل الضد لايستلزم ترك ضده لان الترك علي ما قررنا معني اضافي لا يتحقق الا بعد فعل او ميل و اما الذي لميفعل و لميمل ابدا لايقال له تارك و هو متمكن من فعل الضد و لايستلزم ترك شيء فتدبر فانه لميوضح في كتاب مثل ما اوضحنا و الحمد لله رب العالمين.
فائدة: اختلفوا في ما اذا امر الله باشياء علي سبيل التخيير فقال قوم ان الواجب الجميع تخييرا و قال قوم الواجب واحد منها لا بعينه و يتعين بفعل المكلف و قال قوم الواجب واحد بعينه و لايفعل المكلف الا اياه اقول لايصح كلام الاولين لعدم تطابق صدر الكلام مع عجزه و كلام المتوسطين ني للزوم عدم وجوب شيء قبل التعيين و كلام الاخيرين باطل للزوم اختلاف الواجب باختلاف المعنيين فالاحسن الاجمل ان الواجب كل واحد منها تخيير و فعل كل واحد منها يغني عن الاخر و يقوي ما يقويه او يجبر ما يجبره فاذا اتي بواحد منها حصل به المطلوب كما اذا خير الطبيب المريض بين الفلونيا و البرش فكل واحد منها دافع للمرض و كاف فيه فتدبر ترشد.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 233 *»
فائدة: اختلفوا في الواجب هل يجوز ان يكون موسعا ام لا؟ فمنهم من قال بجواز توسعه من اول الوقت الي آخره اذا قيد بوقت اذ لايمكن ان تكون اجزاء الواجب موزعا علي اجزاء الوقت وجب ان نقول يمكن اتيان كل جزء في كل وقت و منهم من قال انه مختص باول الوقت لانه لولا ذلك لادي الي جواز الترك وجه اللزوم انه في كل جزء من الوقت يجوز تركه فيؤدي الي جواز الترك في الكل فاللازم جواز صرفه الي جزء و هو اما الاول او الاخر لعدم القول بالواسطة فلو كان هو الاخير لماخرج عن العهدة اذا اداه في اول الوقت و هو باطل بالاجماع فاختص بالاول و منهم من قال انه مختص بآخر الوقت لانه لو كان واجبا في الاول لعصي بتأخيره لكن التالي باطل فالمقدم مثله فوجب ان يكون في الاخر و منهم من قال بتوسعته لكن اذا اخره عن اول الوقت يجب ان يفعل بدله و هو العزم علي ادائه في جزء آخر لانه لو جاز تأخيره من غير بدل لماكان بينه و بين المندوب فرق و لا بدل غير العزم.
اقول و الي الله المشتكي و المستعان اقول ان الواجب واجبان واجب اوجبه الله سبحانه للوقت لمصلحة في الوقت و واجب اوجبه الله في الوقت فهو اما ضرب له وقت لمصلحة ام لا فما للوقت ان كان الوقت موسعا له فضل عن مقدار اداء الفريضة فلك ان تأتي بالفريضة في كل جزء يمكن اداء الجميع فيه لانه لو لميكن في جزء منه مصلحة لميفرض له فريضة و المفروض الفرض في الكل و لايؤدي ذلك الي الترك لانه يجب الاتيان في ضمن الكل غاية ما في الباب اذا اتي به في اول الوقت سقط عنه في الباقي و اذا لميأت به حتي لميبق من الوقت الا مقدار ما يكفي فرضه تعين له و اما المفروض في الوقت فهو نفس الفعل الا انه ضرب لتكميله وقت فلو كان جزء منه لا دخل له في التكميل لا خرج عن الحد المحدود و كان الفرض فيه قضاء فاذا كان الكل للتكميل جاز ايقاع الفرض في كل جزء من اجزائه فاذا خرج ما ضرب له من الوقت بقي وجوب نفس الفعل علي حاله فيجوز اتيانه بعد في كل وقت و يسمي قضاء و اما ما لميضرب له وقت فلما لميكن للاوقات فيه دخل لميضرب له وقت معين و هو اداء في جميع
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 234 *»
الاوقات و مما ذكرنا عرف صحة قول الاولين و ان كان دليلهم ضعيفا و اما دليل من خصصه باول الوقت فممنوع لعدم ادائه الي الترك بالتأخير كما عرفت و اما دليل من خصصه بآخر الوقت فهو حجة علي من خصصه باول الوقت دوننا و ان كان لهؤلاء بعد قولهم بما اختاروا المنع عن بطلان التالي و اما قول من قال بوجوب العزم فنمنع عدم حصول الفرق بين الواجب و المندوب الا بالعزم لحصول الفرق لوجوب ادائه في غير هذا الوقت اذا لميؤت به فيه و هو الفرق حقيقة اذ لا كذلك المندوب تدبر ترشد.
فائدة: اختلفوا في الحكم المعلق بشرط هل يدل علي انتفائه بانتفاء الشرط ام لا؟ ذهب الاكثرون الي الاول و الاخرون الي الثاني محتجا بامكان نائب عن الشرط يقوم به الحكم و بقوله تعالي و لاتكرهوا فتياتكم علي البغاء ان اردن تحصنا لنا علي الاول ان الحكم اذا علق بالشرط يدل علي خصوصية بينهما في الوجود فاذا كان الشرط واحدا فهو و الا فعلي سبيل البدلية فاذا انتفي الجميع و كان التلازم وجوديا ينتفي وجود المعلق و بهذا علم الجواب عن اول الدليلين الذي استدلوا بهما و اما الاية فقد علقت كراهة الاكراه علي ارادة التحصن فتدور معها نفيا و اثباتا و لامحذور اذ المفهوم حجة ما لميعارضه ما هو اقوي و هيهنا له معارض.
فائدة: اختلفوا في الحكم المعلق بالوصف هل ينفي عند انتفائه ام لا فمنهم من ذهب الي الاول و آخرون الي الثاني محتجا بانه لو دل لكانت احدي الثلث و هي باسرها منتفية اما المطابقة و التضمن فلان نفي الحكم عن غير محل الوصف ليس عين اثباته فيه و لا جزء له و اما الالتزام فلانه لا ملازمة في الذهن و لا في العرف بين ثبوت الحكم عند صفة و انتفائه عند اخري و منهم من فصل فجوز في ثلثة مواضع و منعه في غيرها الاول الخطاب الوارد للبيان كما في قوله في السائمة زكاة الثاني ان يكون للتعليم الثالث ان يكون ما عدا الصفة داخلا تحتها كالحكم بوجوب الشاهدين يدل علي نفيه عن الشاهد الواحد و لميذكروا له حجة.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 235 *»
اقول و تحقيق الحق في هذا المقام ان المتكلم الحكيم اذا تكلم بكلام او امر بامر و علق بوصف يدل هذا التعليق منه علي خصوصية بين هذا الحكم و ذلك الوصف اذ لولا خصوصية بينهما لكان التعليق لغوا و مستهجنا كما اذا قال الحكيم الانسان الاسود ناطق و الابيض اذا نام لايسمع فذلك مستنكر منه بالبداهة و ان قيل ان التخصيص ربما هو اعتناء شأن او تنبيه او مصلحة او غير ذلك فلايجري ما ذكرت علي الوجه الكلي اقول هذه الامور انظار خارجة عارضة علي الكلام و الاصل فيه ما ذكرنا فان من حكمة الحكيم الاجتناب عن الزايد و الاكتفاء بالواجب و باقل ما يحصل به بيانه فاذا قال اكرم العلماء فمقتضي حكمته ان يدخل في الحكم جميع من يجب اكرامه لطلب القلة و الاجتناب عن الزايد في الكلام فلو كان غير العلماء ايضا يجب اكرامهم لكان الواجب ان يأتي بوصف اعم طلبا للاختصار الناشي عن الحكمة فاذا اكتفي بقوله اكرم العلماء علمنا ان وجوب الاكرام منحصر فيهم و لايجب في غيرهم فاذا كان غرضه من هذا التعليق ما ذكر وجب التنبيه عليه فانه علي خلاف الاصل و هو في الحكمة واجبة فاذا تحقق يتبع و الا فالاصل ثابت و انما اشتبه الامر علي القوم لانهم جعلوا محل النزاع في ما ليس فيه قرينة بوجه و يمثلون بامثلة قد قام علي عدم تخصصها القرائن فينكره الاخرون لعدم الافادة بعد قيام القرينة و لو فرضوا عدم القرائن و سمعوا ما ذكرنا سهل عليهم الامر فتدبر.
فائدة: اختلفوا في تقييد الحكم بالغاية هل يفيد مخالفة ما بعدها لما قبلها؟ فعن الاكثرون(الاکثرين ظ) الاول مستدلا بانه لو كان ما بعدها داخلا فيه لماكانت غاية و هو خلاف المنطوق و عن بعضهم الثاني محتجا بما احتجوا في مفهوم الوصف و الحق فيه الاول و الدليل ما سبق في مفهوم الوصف ففي قوله تعالي و اتموا الصيام الي الليل دلالة علي نفي الصيام في الليل و كون آخر وجوب الصيام اول ما يصدق عليه الليل و القول بوجود مخصص للذكر لايضر لانه علي خلاف الاصل و يحتاج الي البيان كما ذكرنا حرفا بحرف و يأتي ان شاء الله تحقيق ما ذكرنا هيهنا مفصلا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 236 *»
في المفاهيم و انما ذكرنا هيهنا استطرادا لاجل ما عنونوا في المقام فترقب.
فائدة: اختلفوا في الامر بالفعل المشروط مع علم الامر بانتفاء الشرط هل يجوز ذلك ام لا؟ فمنهم من قال بجوازه لحصول فائدة من توطين نفس المكلف و اقباله و امتحانه و منهم من قال بعدم جوازه لقبح ان يأمر الله العبد بصوم يوم الاربعاء و هو يعلم انه يموت فيه.
اقول ان الاوامر لها مصلحتان مصلحة في نفس الامر و مصلحة فيه مقرونا بالعمل اما المصلحة التي فيه اظهار تمكين المكلف و عدم تمكينه و اقباله و اعراضه و قبوله و انكاره فلربما يعلم الله ان المكلف يموت في يوم الاربعاء ولكن يريد ان يظهر كوامن طينته من التمكين و عدمه فان مكن منه نفسه كان بمنزلة من اتي به فان التمكين هو حقيقة الامتثال و انما العمل الظاهر آيته و ظهوره قل كل يعمل علي شاكلته و انما الاعمال بالنيات و نية المؤمن خير من عمله و من هذا القسم جميع ما امر به الكفار و من هو مثلهم فان شرط الامتثال والايمان عدم العناد و اللجاج مع الحق و كان الله يعلم انتفاء الشرط و مع ذلك امر النبي9 بدعوتهم حتي يعلم الله الذين يؤمنون و الذين لايؤمنون فهذا الامر فيه المصلحة من حيث نفسه و اما ما هو مقرون بالعمل فكالاوامر التي يتحقق فيها الشرط و يوجد في الخارج فلاوجه لانكار الامر الاول مع حصول الفائدة و لا قبح فيه و دعوي الاجماع في امثال هذا المقام دعوي اتفاق لايكشف عن قول المعصوم و ليس بشيء.
فائدة: اختلفوا في نسخ مدلول الامر هل يبقي معه الجواز ام يرجع الي الحكم الذي كان قبل الامر به؟ فمنهم من قال بالثاني محتجا بان الجواز جنس بين الاحكام الاربعة و لايتحقق الا في افراده و ليس بمحقق فرد من افراده و منهم من قال بالاول محتجا بان الوجوب مركب من جواز الفعل و منع الترك و يتحقق النسخ برفع منع الترك و يبقي الجواز.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 237 *»
اقول الوجوب عندنا مطلوبية الفعل و محذورية الترك فلاجنس بينه و بين المباح و المكروه علي ما قالوا فان فعلهما ليس بمطلوب بل و لايجمع معه المستحب في المطلوبية فان مطلوبيته ليست كمطلوبية الواجب بل انزل منه بسبعين مرة فاذا نسخ الوجوب نسخ برأسه و لايبقي حكم ابدا فيرجع الي ما كان قبل وقوع التكليف فالقول بان نسخ الوجوب نسخ للمنع ممنوع و الاستدلال بامكان حصوله به لايدل علي كونه هو.
فائدة: اذا امر الشارع بامر فاتي المأمور بفعل معتقدا انه المأمور به في الواقع ثم تبين انه لميأت بالمأمور به علي وجه يجب عليه الاعادة ان كان في وقته و القضاء ان كان المأمور به مما في الوقت بلا اشكال لان الامتثال ما يحصل الا بالاتيان علي وجهه و هو لميأت به غاية ما في الباب انه لميعد عاصيا مادام معتقدا صحة المأتي به فاذا استمر الاعتقاد الي ان مات كان مجزي عنه لان الاسماء عندنا موضوع للاشياء من حيث المعلومية و هو معتقد صحة المأتي و ان تبين فساده علم عدم صحة ما اتي به فيجب عليه اتيان ما يعتقد فيه انه صحيح هذا هو الاصل فكلما خرج عنه بدليل يخرج و لا ضير و يمكن ان يقول في بعضها انه اذا كان الحكم بسقوط القضاء اذا علم بعد الوقت انه كان فاقد شرط في الوقت عند الاتيان ان ذلك الشرط مما للوقت او لميكن شرطا للوجوب بل للكمال او وضع لارادة اليسر او غير ذلك مما يعرفه الحكيم عند خصوص كل مسألة مسألة و الشاهد يري ما لايري الغائب.
فائدة: اذا ورد من الشارع امران فان كانا متضادين لايجتمعان و لامحمل لاحدهما يحمل عليه من ايقاع خلاف او تقية او قرينة مجاز او شرط او غير ذلك من وصف و حال و قيد و امثالها فان كان التاريخ معينا فالمتأخر ناسخ و الا فاحدهما و يجب تحصيله و الا فان كانا متخالفين عمل بهما علي وجههما و ان كانا متماثلين بالعطف فالاصل فيه التعدد لان كلام الحكيم يحمل علي فائدة جديدة و تأسيس
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 238 *»
جديد الا ان يدل دليل علي التأكيد.
فائدة: قالوا اذا تعلق الامر بشيء و اتحد و اوقع المأمور الفعل بقصد الامتثال و الطاعة خرج عن عهدة التكليف و برءت ذمته و استحق الثواب سواء علم بصفاته ام لا؟ و اما اذا اوقعه بدون قصد الامتثال خرج عن عهدة التكليف و برءت ذمته و لميستحق الثواب اما الاول فصدره ظاهر و اما ذيله فلعدم ورود رواية علي لزومه و ادلة ضعيفة اخر و اما الثاني فلحصول الامتثال عند العقلاء و عدم ثوابه لعدم ايقاعه للامر.
اقول سقوط التكليف و براءة الذمة مع قصد الامتثال فموضع وفاق مع ما تشهد به العقول السليمة و اما مع قصد الصفات فلان الصفات امور خارجة عن ماهية العبادة و يحتاج في النية الي شيئين قصد الامتثال للامر و تعيين العمل بمشخص ما ان كان يشتبه بغيره و اما جميع الصفات فلا كما اذا امر بالاتيان بزيد يجب عليك تشخيصه بمشخص عن عمرو باي نحو كان و اما انه حبشي او رومي او كاتب او نجار او طويل او قصير او شجاع او جبان او عالم او جاهل فلا فان الامتثال و الاتيان به يحصل بغير ذلك و اقل منه و اما ما قالوا بحصول البراءة بدون قصد الامتثال فهو ساقط فان ذمة العبد مشغول بالعبودية لمولاه لا لغيره فاذا فعل الفعل لهوي نفسه و لميطع مولاه لميمتثل امره فان الامتثال مطاوعة التمثيل بمعني الاقامة فاذا قام العبد باقامة مولاه كان ممتثلا له او غيره فلغيره و ان الله يريد من العباد عبادته كما خلقهم لها و هي حاصل الايجاد و ليس الله سبحانه كزيد السيد اذا كان عطشانا و امر عبده باتيان الماء و اتاه به بهوي نفسه يحصل الغرض و هو ريه فان الغرض هنا طاعة العبد لمولاه و لمتحصل و ان الله لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه فليس الفاعل بغير قصد الامتثال سواء كان ممتثلا لغيره من نفسه و غيرها او لميكن بان كان ساهيا او لاهيا ممتثلا لله سبحانه و خارجا عن عهدة التكليف اما حال الامتثال لغيره سبحانه فلانه عبد غيره و هو خارج عن غرض التكليف و اما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 239 *»
حال السهو و اللهو فليس من هو كذلك بمكلف فما فعله قبل التكليف لايجزيه عن التكليف اذا تنبه به فالاصل في الامر اذا وقع مجردا عن القرائن من وجوب القصد و كونه من العبادات وجوب النية و هي قصد التقرب و الامتثال و تمييز المأمور به بوجه ما و لايذهبن بك ما لبسوا علي بعض الغافلين الذين ما ميزوا الغث من السمين و خذ ما آتيتك و كن من الشاكرين و اعبد ربك حتي يأتيك اليقين.
فائدة: قالوا اذا تعددت الاوامر المتماثلة ان كانت مما يجوز فيه التداخل كالامر بغسل الثوب باعتبار ملاقاة النجاسات العديدة فلايجب القصد الي اصل الفعل و لا قصد التقرب و ساير الصفات بل يحصل الخروج عن عهدة التكليف بوقوع الفعل و لو سهوا نعم استحقاق الثواب يتوقف علي قصد القربة و ان كان لايجوز فيه التداخل فلايخلو اما ان يتساوي في جميع الصفات او لا فان كان الاول فالكلام فيه كما سبق و ان كان الثاني اختلفوا فمنهم من اوجب التمييز و منهم من تردد في وجوبه.
اقول الاصل في الاوامر مطلقا التعدد كما مر فلايجوز الاكتفاء بواحد عن الجميع الا ان يدل دليل علي جواز التداخل فاذا دل الدليل فامره كما سبق منا من وجوب قصد القربة لحصول الامتثال به دون غيره و اشراك الاسباب و الغايات بالقصد حتي يحصل الامتثال في الكل فلو كان ذاكرا لبعض و غافلا عن آخر و قصد القربة و اتي بالمأمور به لميخرج عن عهدة التكليف بما كان غافلا عنه لانه لميأت به لا متداخلا و لا منفردا و لايصدق عليه الامتثال بها اللهم ان يدل دليل علي الاكتفاء بمحض صدور الفعل و لو غفلة فيتبع و ذلك خارج عن محل النزاع و ما نذكره انما هو مقتضي الائتمار باوامر الله اذا كانت خالية عن القرائن و اذا كانت الاوامر مما لايجوز فيها التداخل كما اذا ورد اوامر عديدة بصلوة ركعتين فيجب فيها قصد القربة و التعيين بالترتيب ان كانت الاوامر بالعطف لانا قدمنا في ما سبق ان الواو للترتيب و يجب ان يبدء المكلف بما بدء الله فيقصد القربة و الترتيب فيجعل اول صلوته بازاء الامر الاول و ثانيه بازاء الثاني و هكذا و ان لمتكن
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 240 *»
بالعطف فيجب قصد القربة وحدها و ان لمتتساو في الصفات فهيهنا تتفاوت الحكم فان كانت متشاركة في بعض و متفاوتة في آخر يجب تعيين ذلك الاخر مع قصد القربة و لايخرج عن عهدة التكليف بغير ذلك و لنا علي ذلك ان النية روح العمل و العمل بلا نية جسد بلا روح ميت رجس لاينتفع به و انت ما لمتعرف ان هذا العمل الذي تأتي به لمن و كيف و انت غافل ساه لاه لست بمكلف به و حينئذ اذا عملت يكون عملك هباء اذ اوقعته بلاتكليف فلاتعد طاعة و امتثالا لله سبحانه فان الامتثال مطاوعة التمثيل و اذا عرفت العمل و لمتقصد الله او قصدت غيره فانك تنادي بلسان حالك يا رب اني لااطيعك و اطيع غيرك و لا اريك في عملي فتكون ممتثلا لتمثيل غيره سبحانه و هذا القول من اعجب العجاب لاسيما من الذين يعدون انفسهم من اولي الالباب الميصغوا الي قوله ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لاتعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين و ان اعبدوني هذا صراط مستقيم و جعلوا لله مما ذرأ من الحرث و الانعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم و هذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلايصل الي الله و ماكان لله فهو يصل الي شركائهم ساء ما يحكمون.
فائدة: اختلفوا في حقيقة النية فمنهم من قال انها الداعي الي الفعل حسب و منهم من اوجب مع ذلك احضار الحروف و الكلمات مفصلة بالبال.
اقول و المشتكي الي الله المتعال ان النية هي اقبال النفس و توجهها الي الشيء و هي العزم علي اتيان الشيء علي الوجه الذي يريده و ذلك هو الذي يجده كل عاقل من نفسه عند الحركات و الاعمال و الافعال علي انه لو اراد ان يفعل فعلا بلا عزم ما كان يتمكن منه ابدا و لذلك لمتجر(لاتجد ظ) في الاخبار شيئا في النية علي ما يقولون و لو كان ذلك امرا معتنا به هذا الاعتناء العظيم لكان يرد به الاخبار و الاحاديث بل كانت متواترة لشدة الحاجة اليها بل كانت تصير من الضروريات كاركان الصلوة و خلوها عنها ادل دليل علي ان النية امر جبلي فطري لايحتاج الي التنبيه و التكليف
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 241 *»
و التعليم و الاخبار الواردة في الباب كخبر انما الاعمال بالنيات و لاعمل الا بنية و آية قل كل يعمل علي شاكلته تجري مجري الثواب و العقاب و الخلوص و الشوب و الرياء و القربة و صيرها القوم في مقاصدهم المشتبهة عليهم و لذلك قد خلت كتب قدماء اصحابنا رضوان الله عليهم عن الاعتناء بها ففي الحقيقة هي العمل النفسي كما ان العمل نية ظاهرية فبالنفس يميل الي العمل و بالاركان يأتي به فالقصد عمل باطني كما ان العمل قصد ظاهري و النية روح العمل و العمل جسدها و يجب ان يكونا متساويين في الصفات و الاحوال فلو خلا العمل عن النية كانت ميتة لا حكم له و لا اثر و اما النية اذا خلت عن العمل يتفرع عليها حكم من الثواب و العقاب و لها اصل و اثر و ان لمتظهر في عالم الشهادة و لذلك ورد نية المؤمن خير من عمله اي وحده بلا نية فافهم و تنبه.
فائدة: اختلفوا في وجوب استدامة النية فمنهم من اوجبها محتجا بان دليل الكل سار في الجزء و اتفقوا علي صحة عبادة الذاهل و الواجب حينئذ عندهم الاستدامة الحكمية بدلا عنها و اختلفوا في تفسيرها فمنهم من فسرها بعدم نية ما يخالفها و منهم من فسرها بالعزم علي مقتضاها اقول انك بعد ما عرفت ان النية في العبادات و غيرها هي توجه النفس الي الله من الوجه الخاص بان يتوجه الي الله وحده عازما علي اتيان ما به رضاه ليتقرب اليه بذلك و هي امر واحد نفساني و هي توجه واحد لاينافي شيئا من الاعمال بل هي اصله و سناده و بها قوامه و بقاؤه فلو ذهل عن العمل بحيث لايكون ملتفتا اليه و لو التفاتا ضعيفا لميصدر عنه و لماتحرك الاعضاء والجوارح الي جهة خاصة و ان الله سبحانه اكتفي من العباد الضعفاء بتلك النية الضعيفة و التوجه القليل الذي به قوام العمل و هذا التوجه هو شعاع ذلك التوجه الاصلي كما يبقي من الروح في البدن عند النوم ما به حيوته و بذلك يجري فيه حكم الاحياء فلو قطعت العلاقة بكلها عن البدن لبات ميتا لا حراك له و كذلك حال النية في الصلوة فالنية الاصلية هي التوجه الكامل الي الله سبحانه بحيث ينسي عن غيره و لايلتفت الي شيء
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 242 *»
دونه و لو نفسه و ذلك موضوع عن هذا الخلق المنكوس و لهذا التوجه شعاع و ظل في بدن الاعمال به تكون حية متحركة و به يذهب المكلف و يجيء و يتحرك و يسكن و يدخل و يخرج و هو الطبيعة و هي خادمة للعقل فاذا اقامها القلب بخدمة تقوم بها و فيها فضل حيوة العقل و لما كان الناس اكثرهم في عالم الطبايع اكتفي بها منهم فاذا غفل عن هذا الفضل ايضا يخر عمله ميتا لا حراك له الا تري انه اذا غفل بكله لميدر كم صلي و ما ذا قرء و يشك في اعماله و هذا ليس صلوته مقبولة الا ان يبني علي قدر ما كان متوجها و يتدارك ما غفل عنه بالمعالجات الواردة و تأثير مثل هذه النية لاتزيد عن عالمها فيطهر الجسد و يجري عليه حكم الاسلام و اما القلب فلايجري عليه حكم الاسلام الا بالتوجه بنفسه و لسنا بصدد بيان ذلك هيهنا وفقنا الله علي النية الصالحة الخالصة بحق من توجه اليه مخلصا.
فائدة: اختلفوا في مدلول الامر هل يفيد وجوب الشيء لنفسه او لغيره فمنهم من قال بالاول للظاهر و منهم….
(الثانی: فی النهی ظ)
(فائدة- فی استحالة اجتماع الامر و النهی ظ)… الامر و النهی و هو باطل لان الحقیقة الشرعیة موضوعة للصحیحة و هو مقتضی الامر فیجتمعان فی موضوع واحد و هو باطل و منهم من وقف بینهما لان النبی صلی الله علیه و آله یجوز ان یتکلم بلسان العرب و لغتهم فاذا لا یدری هذا النهی هل هو مما تکلم علی لغتهم او لغته.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 243 *»
اقول ان النبی صلی الله علیه و اله لا ینطق عن الهوی ان هو الا وحی یوحی علمه شدید القوی فکلما امر به او نهی عنه انما یأمر بما امره الله ان یأمر به و ینهی عما امره الله ان ینهی عنه و هو صلی الله علیه و آله لغته لغة الله و کلام ذی لغة یحمل علیها عند عدم القرینة و معها یصار الی ما ادت الیه و لا یجتمع الامر و النهی فان النبی صلی الله علیه و آله لا یأمر الا بالصحیح و لا ینهی الا عن الفاسد لان الله یأمر بالعدل و الاحسان و ایتاء ذی القربی و ینهی عن الفحشاء و المنکر و البغی فکل ما امر الله به سبحانه فهو صحیح و کل ما نهی عنه فهو فاسد و این ذلک من اجتماع الامر و النهی فافهم.
فائدة – اختلفوا فی دلالة النهی علی المنهی عنه فمنهم من قال بالفساد لاستدلال الاصحاب قدیماً و حدیثاً بفساد المنهی عنه بالنهی مطلقاً و منهم من قال بعدم الدلالة مطلقاً بانه لو دل لکان مناقضاً للتصریح بالصحة و اللازم منتف و منهم من فصل فقال بها فی العبادات دون المعاملات لان فی العبادة یقتضی کون المنهی عنه غیر مراد للمکلف و الآتی به لیس بمطیع ممتثل و هو الفساد و اما المعاملات فلا یدل لانها لو دل لکان احدی الثلث ثم اختلف القائلون بالفساد فمنهم من قال ذلک بالشرع لا باللغة و آخرون بدلالة اللغة علیه ایضاً.
اقول اعلم ان الله سبحانه یأمر بالعدل و الاحسان و ایتاء ذی القربی و ینهی عن الفحشاء و المنکر و البغی فلا یأمر الا بما فی فعله مصلحة للمکلف و فی ترکه مضرة و لا ینهی الا عما فی فعله مضرة و فی ترکه مصلحة ثم کان صلاح المکلفین و عدم فسادهم سبباً لبقاء النظام فیهم الناشی من اثر الحکمة المطابقة لرضا الله سبحانه و محبته و فساد المکلفین سبباً لاختلال النظام الناشی من اثر العبث لو لم یبین لهم ذلک و هو تعالی عن ذلک علواً کبیراً فبین لهم ان ذلک مطابق لغضبی و کراهتی لانه خلاف حکمتی و رضای فکل ما امر الله سبحانه به لا یرید من المکلفین الا الائتمار بما یوافق امره و مشیته و اذا اتوا به کما امرهم یخرجون عن عهدة التکلیف و یکونون ممتثلین بذلک الامر عاملین بمقتضی حکمة الله و بمقتضی صلاحهم فیصلح امرهم فاذا خالفوا ذلک الوجه الذی امرهم به لم یکونوا ممتثلین بذلک الامر و كل ما نهي الله سبحانه عنه لايريد من المكلفين الا الانزجار عما نهي عنه و اذا انزجروا عنه كما نهاهم يخرجون به عن عهدة التكليف و يكونون ممتثلين لذلك النهي عاملين بمقتضي حكمة الله و
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 244 *»
بمقتضي صلاحهم فيصلح امرهم فاذا خالفوا ذلك النهي عملوا بخلاف مقتضي الحكمة و بمقتضي ما يفسدهم فيفسد عليهم امرهم فاذا امر الله سبحانه بشيء يدل هذا الامر بقرينة صدوره عن الله سبحانه علي صحة المأمور به و مرادنا بالصحة موافقته لرضا الله سبحانه و للحكمة و ما به صلاح النظام و بتركه فساده و اذا نهي عن شيء يدل هذا النهي بقرينة صدوره عن الله سبحانه علي فساد المنهي عنه لو اتي به و مرادنا بالفساد عدم موافقته لرضا الله سبحانه و كراهته عن العبد بسبب العمل به فاذا لا اختصاص له بالعبادات او المعاملات بل يعم الكل و دلالتهما علي ما ذكر دلالة شرعية و كراهته سبحانه للعمل مع الصحة علي ما قيل غير معقول فان الصحة في ما رضي الله ايقاعه و الفساد في ما كره الله سبحانه ايقاعه و كيف يجتمع كراهته لعمل مع صحته و ما يعني حينئذ بالصحة؟ فتدبر حتي تعرف الحق الحقيق بالتحقيق و اجب عن جميع ايراداتهم و كن من الشاكرين و قل الحمد لله رب العالمين.
الباب السادس
(في العموم و فيه فوائد)
فائدة: اعلم ان القوم اختلفت عبائرهم في تعريف العام و لا طائل كثيرا في ذكرها و تزييفها فنكتفي بما عندنا من حده فنقول هو اللفظ الدال علي ماهية كلية من حيث ظهورها في افرادها استغراقا من غير تخصيص بفرد خاص و قد وضع له لفظ بل الفاظ و ان اختلف القوم فيه لانه معني تشتد اليه الحاجة و يجب في الحكمة وضع لفظ بازائه كما قدمنا فضلا عما تري الفاظا تدل عليه و تستعمل فيه و يتبادر منها العموم و هو من علائم الحقيقة.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 245 *»
فائدة: لفظة «ما» و «من» الاستفهامية للعموم كما هو عن جماعة فاذا قيل من دخل المسجد مستفهما او ما ذا قال يقع السؤال عن كل عاقل دخل المسجد و عن كل قول قال و ذلك يستدعي الجواب بكل من دخل فلو ابقيت واحدا في الجواب لمتخبر تاما.
فائدة: الجمع المعرف بالاداة غير العهد يفيد العموم كما اذا قال اكرم العلماء يفيد اكرام جميع من اتصف بالعلم و الظاهر انه لا خلاف في ذلك و ذلك لدلالته علي تلك الماهية الكلية.
فائدة: المفرد المعرف بالالة الجنسية يفيد العموم لدلالته علي الماهية و وقوع الاستثناء منه في الكتاب كقوله تعالي ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا و دعوي انه مجاز ممنوع و تبادر العموم من قوله اهلك الناس حب الدينار مثلا و ذلك من علائم الحقيقة و لاريب في ذلك و ان خالف من خالف و يظهر مما بينا مجملا الجواب مما اوردوا.
فائدة: اذا وقع معرف بآلته هل يحمل علي العهد او الجنس او الاستغراق او غيرها؟ لمار لاصحابنا في ذلك قولا فصلا و لا بابا و لا فصلا اعلم ان الاصل الالف و اللام للتعريف و تمييز ما دخل عليه عن غيره فان دخل علي جنس او جمع او مفرد يفيد تمييزه و تحديده و تعريفه و الاصل فيه ان يكون للجنس اي لتعريف الكلي فان تعذر فللاستغراق و الا فللعهد و الا فلغيرها و ذلك لان كل شيء له اعتباران اعتبار من نفسه من حيث هو هو و هو مقدم علي جميع الاعتبارات و هو الاصل الثابت المقطوع به و اعتبار من غيره و علي ما سمعت الكلي له اعتباران اعتبار من حيث نفسه ليس فيه ذكر الافراد و اعتبار له من حيث ظهوره في الافراد فيحكي كل فرد فرد ظهوره و له حده و رسمه و اسمه لحكايته تمامه فاذا دخل الالف و اللام علي ذلك الاسم فالاصل فيه اعتبار المسمي من حيث نفسه فانه الاصل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 246 *»
فلاينصرف الي غيره من دون قرينة فان غيره اعراض غير ثابتة و هي توجد ثانيا و بالعرض بخلاف الاعتبار الاول فانه ثابت موجود اولا و بالذات فدلالة الاسم عليه اصل و علي غيره فرع فاذا صدر بالالف و اللام يحمل علي ذلك الكلي اولا فان دل دليل علي ان المراد به ذلك الكلي من حيث ظهوره و لا قرينة علي انه من حيث ظهوره في جميع الافراد او واحد منها فيحمل علي الجميع المعبر عنه بالظهور الكلي فانه آية الاول و الحاكي له و هو فيه ذكر جميع الافراد بتفاصيلها فيدل علي الافراد بالاستغراق فان تعذر ذلك يحمل علي ان المراد منه فرد من الافراد علي العهد او غيره سواء فيما ذكرنا الجنس و الجمع فان الجمع المعرف عندنا ايضا كلي كالجنس و له افراد اعطاها حده و رسمه و اسمه مثلا الرجال كلي له افراد تحكيها و افراده كل متعدد يصدق عليه رجال فكل رجال فرد من افراده كما كان كل رجل فرد للرجل الجنسي فتدبر و لايستوحشنك في طريق الحق قلة اهله و قليل ما هم فان قليل من عباده الشكور.
فائدة: اختلفوا في الجمع المنكر فمنهم من قال بدلالته علي العموم فان الحكيم لو اراد منه القلة لبين و اذ لميبين وجب حمله علي الكل و الحق انه لا دلالة له علي ازيد مما يحصل به الجمع فلو قال جئني برجال و جاء بثلثة من الافراد عد ممتثلا لصدق رجال عليهم و لان الجمع يتبع المفرد و مفرده لايدل الا علي واحد لا علي التعيين فجمعه ايضا لايدل الا علي ثلثة او ما يحويه لا علي التعيين.
فائدة: اختلفوا في ترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال هل يفيد العموم في المقال ام لا؟ مثلا اذا سئل الامام7 عن البيع هل يفيد الانتقال ام لا؟ فقال نعم و لميستفصل هل يفيد العموم في جميع الافراد ام لا؟ فمنهم من قال انه يفيد العموم و استدلوا بان الاصل عدم علم الامام7 لكونه مسبوقا بالعدم الازلي اليقيني فلاينقض الا بيقين مثله فالاصل عدم علمه بخصوص المحل فالعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل و منهم من قال انه لايفيد لاحتمال
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 247 *»
كون ترك الاستفصال لعلم بخصوص المحل و اجاب الاولون عنه بان الاصل عدم علمه فلاينقض بالاحتمال و منهم من فصل فقال ان علم او ظن انه7 لميعلم خصوص المحل وجب القول بالعموم و الا لميحكم به.
اقول و الي الله المشتكي و المستعان ان الاصل علم الامام7 بجميع الاشياء لان الله اعز و اجل من ان يحتج باحد علي خلقه ثم يزوي عنهم علمه ما لهم؟ ما بالهم يصغرون عظمة الله في حججه مع ان الله يقول و كل شيء احصيناه في امام مبين و يقول و لا رطب و لا يابس الا في كتاب مبين و فيه تبيان كل شيء ما فرطنا في الكتاب من شيء و قال قل كفي بالله شهيدا بيني و بينكم و من عنده علم الكتاب و من الذي اولي منهم حتي يكون عنده علم الكتاب؟ و يقول ملة ابيكم ابرهيم هو سميكم المسلمين من قبل و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء علي الناس افلايتدبرون القرآن ام علي قلوب اقفالها ثم اقض العجب من اناس حاولوا امرا و ليسوا باهله الميؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا علي الله ما لايعلمون افلايتدبرون الاخبار حتي يذهب عن قلوبهم الغي و الغبار؟ الحاصل فان كنت من اهل ما ذكرنا و عرفت الامر تعرف ان الاصل علم الامام و العدم ليس بشيء يسبق شيئا فهم اوجدوا عالمين من اول ما اوجدوا فترك استفصالهم في جواب السؤال المحتمل لاقسام يفيد العموم في تلك الاقسام فان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المحل لكن لا من حيث ما قالوا بل من جهة ان السائل سأل مطلقا بحيث يحتمل اقساما و افرادا و اجاب الامام7 علي ذلك الاطلاق فلو كان الحكم مخصوصا بمحل السؤال لوجب علي الامام الحكيم الغير المغري بالباطل ان يبين خصوصه فاذ لميفعل علم عمومه لتنزه الحكيم عن الاغراء بالباطل و كذلك الامر اذا لميكن في جواب السؤال و كان ابتداء منه في مقام اظهار الحكم الشرعي الا انه تحت المطلقات و العمومات.
فائدة: اختلفوا في النكرة الواقعة في سياق النفي فمنهم من قال بافادته
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 248 *»
العموم و منهم من انكر اقول لنا علي الاول ادلة لاتقبل المناقشة منها ان لفظة احد مثلا يدل علي كل فرد فرد علي البدلية فاذا نفيته نفيت كل من يصدق عليه لفظة احد و لانريد من العموم الا ذلك و منها صحة الاستثناء منه و هو دليل شموله جميع الافراد و المناقشة بقول ما رأيت رجلا بل رجلان ليس بشيء لعدم التبادر منه لولا القرينة و لذلك لو قيل ما رأيت رجلا من دون قرينة و اريد منه واحدا تدليس و تعمية لاحتياجه في افادة الوحدة الي القرينة.
فائدة: اختلفوا في الجمع المذكر الواقع في خطابات الشارع هل يفيد العموم في الرجال و النساء او يختص بالرجال فمنهم من قال بالعموم لانه الظاهر من اهل اللغة و منهم من قال بالثاني لاجماع اهل اللغة علي ان الصيغة للجمع المذكور اقول اما كون الصيغة للمذكر فمحل اجماع و كذلك عدم دلالتها باحدي الثلث فلايصار الي الاشتراك في التكليف الا بقرينة من اجماع او غيره فبعد دخولهن يصير الحكم من باب التغليب و هو مجاز و الظاهر من اهل اللغة هو التغليب لا الدلالة لانها تابعة للوضع و هو مجمع عليه انه للجمع المذكر لا غير.
فائدة: اختلفوا في خطابات الشارع هل تعم بصيغتها من تأخر عن زمن الخطاب ام لا؟ فمنهم من قال بالثاني لان المتأخر معدوم و لايخاطب بلفظة الناس مثلا و منهم من قال بالاول اقول لاشك و لا ريب ان الخطاب يختص بالمخاطب و المخاطب من واجهه المكلف المخاطب بالكسر فيختلف مراتب شمول الخطاب باختلاف مراتب المتكلمين فاذا كان المتكلم من احاط بجميع ماكان و ما هو كائن و ليس شيء عنده بمعدوم و يري كل شيء في زمانه و مكانه و حده و ليس له ماض و مستقبل و كل شيء عنده حال فيعم خطابه الكل يعني كل من اتصف بالصفة التي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 249 *»
خاطب بها و اذا كان ادني من ذلك فادني و هكذا الي ان ينتهي الامر الي احد منا اما سمعت ان ابرهيم علي نبينا و آله و عليه و علي جميع الانبياء السلام بعد ان امره الله سبحانه و قال و اذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و علي كل ضامر يأتون من كل فج عميق فاذن و لباه من في اصلاب الرجال و ارحام النساء و لايحج الا من لبي و غير ذلك من الاخبار التي تمرون عليها و انتم عنها معرضون و كيف يكون الرسول و الائمة شهداء علي خلق الله و لميروها و ما اراك الا تقول انها شهادة علمية و هو قول يضحك منه الثكلي و امثل لك مثالا يقرب لك البعيد انت اذا كنت جالسا في مجلس في زاوية من المسجد و قلت يا ايها الناس تريد جلساءك و اذا صعدت المنبر و قلت يا ايها الناس تريد كل من هو في المسجد و اذا صعدت المنارة و قلت يا ايها الناس تريد اهل البلد فلو كان احد صعد بحيث رأي الارض كله و قال يا ايها الناس يريد كل اهل الارض و لو صعد علي السموات العلي و قال يا ايها الذين آمنوا يريد جميع الملائكة و الاناسي بل و الجن بل و جميع من آمن و اذا كان احد يري ما يكون مثل ما هو كائن و قال يا ايها الذين آمنوا يريد الكل و يسمع اهل كل زمان خطابه و هم عن غيرهم غافلون او لا سمعت الخبر ان النبي9 بلغ الشريعة بنفسه الشريفة الي كل احد احد و الشارع للتكاليف هو الله تعالي شأنه و المخاطب هو النبي9 و الحملة يحكون ذلك الخطاب و الناس يسمعون الخطاب و هم عن خطابهم غافلون،
قد يطرب القمري اسماعنا
و نحن لا نعرف الحانه
فمن كان ذا فهم يشاهد ما قلنا
و ان لميكن فهم فيأخذه عنا
و كم من مسألة حاولتها الافهام و ليست منها بمراح و لا مغدي.
فائدة: اختلفوا في لفظة «لايستوون» اذا قيل لشيئين هل يفيد العموم في كل صفاتهما ام لا؟ فمنهم من قال بالاول فانه لولا افادته للعموم لكان مجملا و الاصل عدمه و لان اكثر الافعال المنفية يفيد العموم فيجب القول به عند الشك و منهم من قال بالثاني.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 250 *»
اقول اما لفظة «لايستوون» لفظة لاتستعمل في غير وصف ابدا فان الذوات لايطلق عليها الاستواء و الاختلاف فاذا كان الاستواء في الاوصاف يكون مطلقا فان قيده المتكلم بجميع الصفات يدل عليه و الا فعلي ما ذكر و ان لميقيده بشيء فهو مطلق يدل علي ماهية جميع افراد الاستواء دلالة المطلق علي ماهية الافراد فانه اذا لميقيده بشيء يدل علي عدم تساوي ظهور الكلي من الطرفين الذي هو مسمي الاسم كما اذا قال لايستوي الجماد و النبات يراد منه جميع الصفات فافهم ان كنت تفهم.
فائدة: اختلفوا في اقل مراتب صيغة الجمع فمنهم من قال انه الثلثة للتبادر و منهم من قال انه الاثنان لقوله تعالي فان كانوا اخوة و لحديث الاثنان و ما فوقهما جماعة. اقول لاشك ان مقام الجمع مقام الكثرة و التعدد و هي المتبادرة منها و هي لاتحصل الا بالثلثة فما فوقها و ذلك امر مجبول في الفطر معروف بغير نظر و لنا عليه ادلة اخر ليس هيهنا مقام بيانها و قد يجاب عن الاية انه ليس كلما استعمل لفظ في معني يكون حقيقة فيه و ان كان الاصل فيه الحقيقة فبعد قيام الدليل علي تعيين معناه الحقيقي امثال هذه الاستعمالات مجاز و عن الحديث انه حكم جماعة الصلوة او السفر لا حكم مدلول صيغة الجمع.
الباب السابع
(في التخصيص و فيه فوائد)
فائدة: اعلم ان التخصيص في اصطلاح القوم جعل المراد من العام بعض الافراد مطلقا([55]) باخراج بعض معين مطلقا([56]) و بذلك يجعل العام مجازا لانه حقيقة في جميع الافراد علي الوجه الاستغراق فدلالته علي البعض مجاز و لذا لميذهب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 251 *»
الي كونه مجازا الا بدليل اقوي منه فبمحض وجود المخصص لايمكن تخصيص العام كما سيأتي مشروحا ان شاء الله.
فائدة: اختلفوا في منتهي التخصيص الي كم هو؟ فمنهم من قال بجوازه الي ان يبقي واحد لكون العام في غير الاستغراق مجاز و ليس بعض الافراد اولي من بعض و قيل ثلثة و قيل اثنان بناء علي اختلافهم في مدلول الجمع و قيل لابد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام لقبح قول من يقول اكلت كل رمانة في البستان و فيه آلاف و قد اكل واحدة و امثال ذلك.
اقول قد خصص الله العام الي ان بقي واحد و هو قوله تعالي و حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم فلميبق لمدلول الشحوم الا شحم الكلية و هو اقل من المستثني بكثير و لايقرب من مدلول العام و اما قول الاولين فباطل مطلقا بلاشبهة لاستهجانه و قبحه و خروجه عن حد الفصاحة و البلاغة و يمحل صدوره عن امراء الكلام و ان لميكن لبعض الافراد اولوية علي بعض كما قالوا و اما قول القائلين بثلثة او اثنان لمراعاة اقل الجمع فذلك ليس بعمومه فانه رب تخصيص يبقي لمدلول العام عشرة و هو مستهجن و ربما يبقي واحد او اثنان و ليس به مثلا اذا قال اكلت كل رمانة في البستان و فيها الوف ثم قال الا هذا و هذا حتي ما بقي الا عشرة يصير مستهجنا بلاشبهة و اذا كان جميع ما في البستان خمسة ثم قال الا هذا و هذا حتي بقي ثلثة لا يعد مستهجنا و كذلك اذا كانت ثلثة و قال الا هذا و بقي اثنان فظهر ان الامر ليس محدودا بحد يعرف فيدور علي شمول العام و حد التخصيص فان وصل الي حد يستهجن معه فينزه الناطق عنه و لايخصص و الا فلا خذه قاعدة كلية صحيحة لاشك فيها و لاعيب يعتريها.
فائدة: اختلفوا في دلالة العام علي باقي الافراد هل هي علي الحقيقة ام علي المجاز؟ فمنهم من قال انها مجاز مطلقا لانه لو كان حقيقة في الباقي كما في الكل
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 252 *»
لكان مشتركا بينهما و الفرض في ما لايكون مشتركا و منهم من قال انه حقيقة مطلقا لان اللفظ كان متناولا له حقيقة و الان علي ما كان و لتبادره الي الذهن و منهم من قال انه حقيقة ان كان الباقي غير منحصر لان العموم حقيقة تناول اللفظ امورا غير منحصرة فاذا كان الباقي غير منحصر كان عاما و منهم من قال بانه حقيقة ان خص بغير منفصل فانه حينئذ بمنزلة اللفظ الواحد و لايخرج اللفظ بالتركيب عن الحقيقة و الا فمجاز.
اقول الحق الاول لان اللفظ وضع لافراد معلومة او غير معلومة كالجمع و دلالته علي بعض ذلك غير المعني الموضوع له و لايدل عليه خاصة الا بقرينة و لميوضع اللفظ لكل واحد واحد من هذه الافراد بل للكل مجموعا فاذا كان الافراد الباقية متبادرة ليس من جهة دلالة اللفظ عليها بخصوصها بل من جهة كونها في ضمن الكل و من جهة دلالة اللفظ علي الكل فلميتبادر البعض خاصا و قولهم ان العام موضوع لامور غير منحصرة ليس بشيء فان العام ما يشمل افراده معدودة كانت او غير معدودة و اما قول الاخيرين فخارج عن محل النزاع فان النزاع في دلالة العام المخصص علي معناه لا لمجموع المركب من العام و الخاص و لاشك في كون الكلام حقيقة في ما يستفاد منه بالوضع مطلقا و لا نزاع فيه.
فائدة: اختلفوا في العام المخصص هل هو حجة ام لا؟ فمنهم من قال بحجيته مطلقا للعرف و منهم من قال بعدمها مطلقا لاجماله و منهم من قال بها في المتصل و عدمها في المنفصل لما مر في القول الاخير من الفائدة السابقة و منهم من قال بها في اقل الجمع لانه اليقين.
اقول لاشك في حجيته لدلالته علي باقي الافراد باصل اللغة و دعوي الاجمال باطل لان اللفظ كان حقيقة في الكل و دالا علي الكل و قد خرج منه ما خرج بالدليل و الباقي علي حاله فلو اراد الشارع اقل من الباقي لبين و هو الحكيم العليم فتركه الباقي علامة ارادته اياه و بهذا يظهر جواب الاخيرين.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 253 *»
فائدة: اختلفوا في جواز الاخذ بالعام قبل الفحص عن المخصص فجوزه قوم لانه لو وجب الفحص في المخصص لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة و منعه آخرون لان المجتهد يجب عليه الفحص عن الادلة و كيفية الدلالة و طلب المخصص لمعرفة كيفية الدلالة مع انه قد شاع و ذاع حتي ملأ الاسماع و الاصقاع ما من عام الا و قد خص فصار احتمال كونه غالبا علي احتمال عدمه فيجب الفحص عنه و زيف هذا النزاع قوم آخرون و جعلوا النزاع في مبلغ الفحص فمنهم من اكتفي بالفحص حتي يغلب معه الظن علي عدمه لانه لاسبيل اليه غالبا و غاية الامر عدم الوجدان و لايدل علي عدم الوجود و منهم من قال لابد من القطع.
اقول اما في النزاع الاول فلااشكال في جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص لورود الاخبار الكثيرة بالامر بالعمل بخبر الثقة من دون تفصيل و عدم ورود امر بذلك عن الشارع و ورود صريح الخبر بالاخذ بالعام من دون فحص عن المخصص كما في باب زكوة اجناس الحبوب و استدلال الصحابة و اصحاب الاصول بما عندهم من العمومات من دون فحص نعم ان كان في العام اشارة الي التخصيص يجب الفحص عنه و لايجوز العمل به قبله فان الشارع9 لكلامه سبعين وجها له من كلها المخرج و لماكان فهم مقصوده الخاص فوق اوهام المكلفين جعل قرائن حالية و مقالية لتفهيم المخاطبين مراده و مقصوده من اللفظ فوجب في فهم كل حديث و العمل بمقتضاه الرجوع الي تلك القرائن و الاحوال و منها ما يدل علي وجود المخصص و عدم ارادة العموم فيجب الفحص عنه لارادته7 هذا المقدار من العام و اما اذا لمتكن قرينة في نفس الخبر و لا من قيام اجماع و لا قرينة اخري من ساير الاخبار فلايجب الفحص عنه بوجه بل مع عدم القرينة و وجود الخاص لايجوز التخصيص لامكان صدوره تقية او لايقاع الخلاف او غير ذلك و يجب فيهما العمل بالمرجحات الواردة لعدم صدور خبر بالتخصيص و ورود جواز العمل بالعام مع الخاص و ورود الامر بالترجيح في الخبرين المختلفين مطلقا و لاشك في اختلاف مدلوليهما فافهم.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 254 *»
فائدة: اختلفوا في الاستثناء المتعقب للجمل و في حكمه الوصف و الشرط و القيد فمنهم من قال انه يرجع الي الجميع و لهم ادلة احسنها ان الاستثناء صالح للرجوع الي كل واحدة و الحكم باولوية البعض تحكم فيجب عوده الي الجميع و منهم من قال انه يرجع الي الاخيرة و لهم ادلة احسنها ان الاستثناء خلاف الاصل لاستعماله علي مخالفة الحكم الاول فتعمل به في الجملة الواردة لدفع الهذر عن المتكلم و خصصنا بالاخيرة لعدم القائل بغيرها و منهم من توقف و لميدر انه حقيقة في ايهما و منهم من قال باشتراكه بينهما فيتوقف في التبيين الي القرينة لانه يستعمل فيهما جميعا و الاصل في الاستعمال الحقيقة و منهم من قال لانه محتمل للامرين لايتعين لاحدهما الا بالقرينة من باب الوضع العام.
اقول و من الله الاستعانة و التسديد ان الاستثناء موضوع في اصل اللغة علي ما هو المتفق عليه بين الاصحاب للاخراج من الجمع و لا اختصاص لهذا الجمع بان يكون قريبا او بعيدا واحدا او متعددا و ذلك مقدمة ثانية فتخصيصه بالجميع او بالاخيرة تخصيص بلامخصص و لا وجه للتوقف و لا الاشتراك فانه لمينقل له وضعين ولا باعث للقول به و يحصل كونه حقيقة بدون القول بالاشتراك فيحسن علي ما قلنا قول الاخير و يصلح للجميع و للاخيرة و لايتعين الا بالقرينة و بعد التعين حقيقة في اي واحد كان و عند عدم القرينة فلاشك ان الحد المتيقن الرجوع الي الاخيرة فافهم و تبصر و كذلك الشرط و الوصف و القيد باي نحو كان.
فائدة: اختلفوا في الضمير المتعقب للعام الراجع الي بعض افراده فمنهم من قال انه يخصص العام لان تخصيص الضمير مع بقاء المرجع يقتضي المخالفة بينهما و هو باطل و منهم من انكر ذلك لان اللفظ عام و يجب اجراؤه علي عمومه ما لميدل علي تخصيصه دليل و مجرد اختصاص الضمير لا يصلح لذلك لان كل منهما لفظ مستقل برأسه و لايلزم من خروج احدهما عن ظاهره خروج الاخر و منهم من توقف للزوم المجاز في التخصيص و عدمه اما في صورة التخصيص فظاهر و اما في عدمه لصيرورته نوعا من الاستخدام.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 255 *»
اقول اذا كان اللفظ حقيقة في العموم و مرجع الضمير بعض افراده يقينا ثابتا من الشرع لايجب تخصيص العام به و ارتكاب المجازين مع امكان الاضمار او ارتكاب مجاز فان الاضمار خير من المجاز في هذه الصورة لما قد بينه الشارع من الحكم الثابت فيكون حينئذ الاضمار و المجاز بحكم الشارع و بيانه بخلاف المجازين فان جعل اللفظ العام خاصا لا مستند له من الشارع ففي مثل قوله و المطلقات يتربصن الي قوله و بعولتهن احق بردهن نضمر الحكم الثابت في غير هذا المحل فيكون و بعولتهن احق بردهن ان كن رجعيات فيبقي عموم و المطلقات يتربصن علي حاله و تخصيص الضمير وحده من غير نكير و عدم كون الاضمار ثابتا بالشرع خارج عن محل النزاع فظهر الجواب عن الاول بعدم اقتضاء تخصيص الضمير مخالفة المرجع و عوضه بما بينا القول الثاني و ان لميدخلوا فيه من بابه و لميبق وجه للتوقف اذ لايستلزم الاستخدام في صورة العدم.
فائدة: جميع المفاهيم عندنا حجة و هي في حكم المنطوق بل في بعض الاحيان اقوي منه لان المفهوم هو ثمرة سكوت الحكيم عما سكت عنه و ليس سكوته عنها غفلة فلو لميكن المسكوت عنه حكما لادخله في المنطوق و لميأت بالقيد المخرج له اذ هو لايفعل العبث و لانه هو طريق تكلم العرف و هو معتبر في المحاورات بل هو من انواع البلاغة و من حسن الاداء فيخصص العام بها بجميع انواعها اينما وقعت اذا كانت قرينة للتخصيص و لاعبرة بمخالفة البعض في مفهوم المخالفة اذ مناط استدلالهم ضعف دلالة المفهوم و قد عرفت ضعفه.
فائدة: لاخلاف في جواز تخصيص الكتاب بالخبر المتواتر ولكن اختلفوا في الخبر الوارد عن طرق الاحاد علي تقدير العمل به فاستقرب بعضهم جوازه مطلقا لكونها دليلان تعارضا فاعمالهما من وجه اولي و انكره بعضهم مطلقا لان الكتاب قطعي و الخبر الواحد ظني و الظن لايعارض القطع و فصل بعض فاجازه ان كان العام قد خصص قبل مطلقا لان الكتاب يضعف دلالته بسبب
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 256 *»
التخصيص المتقدم فيجوز تخصيصه حينئذ بالظني و توقف بعض لان الكتاب قطعي الصدور ظني الدلالة و الخبر ظني الصدور قطعي الدلالة و لكل قوة و ضعف و يقع التعارض فيجب التوقف.
اقول الخبر الواحد الذي لا معارض له من الكتاب المستجمع علي تأويله او سنة جامعة او اجماع قائم يخصص به الكتاب لان الائمة: هم مبينوا الكتاب و العالمون به دون غيرهم كما سيأتي و هذا الخبر مما وقع التسديد عليه كما يأتيك بيانه ان شاء الله فيخصص به اللهم الا ان يكون الكتاب مما وقع الاجماع علي ارادة عمومه فحينئذ يرد الخبر و لايعمل به.
فائدة: لايصح الاستثناء المستغرق اجماعا و عقلا و لغة و لا خلاف فيه و انما الخلاف في استثناء اكثر الافراد كان يقول: له علي عشرة الا ثمانية و منهم من جوزه لذهاب الاكثر اليه و منهم من انكره لظنه انه مستهجن.
اقول يجوز ذلك لا لاجل ذهاب الاكثر اليه بل لوقوعه في الكتاب في كثير من المواضع منها قوله تعالي ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين و الظاهر من العباد الاناسي و لاشك ان الغاوين اكثر لقوله تعالي و ما اكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين و قوله و ما يؤمن اكثرهم بالله الا و هم مشركون و منها قوله تعالي و حرمنا عليهم شحومهما الا ما حملت ظهورهما او الحوايا او ما اختلط بعظم الاية و لميبق الا شحم الكلية فاذا ورد في الكتاب المجيد الذي لايأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه لا مجال للريبة فيه و لا شك يعتريه و بحكم الاستثناء في جميع حالاته سائر المخصصات.
فائدة: اذا ورد عامان من وجه كما اذا ورد اكرم السادة ورد لاتكرم البخلاء توقف القوم فيه و لمينقل منهم ترجيح لاحدهما علي الاخر ولكن الخطب عندنا سهل اذ الواجب عندنا الرجوع الي المرجحات فتتبع القرائن المنصوبة من جانب الشارع.
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 257 *»
فائدة: قالوا اذا كان عام مطلق و خاص مطلق فلايخلو اما ان يعلم تاريخهما ام لا؟ فعلي الاول اما ان يقترنا او يتقدم احدهما و علي الثاني اما ان يكون العام هو المتقدم او الخاص و كل واحد منهما اما صدر بعد العمل بالسابق او قبله فذلك ست صور و لكل حكم:
الاول ان يعلم تاريخهما و يقترنا فبناء العمل علي الخاص لانه بيان العام كما هو المتعارف المتبادر و لان من العمل به يحصل العمل بهما و لا بالعام يحصل بالخاص و الاول ارجح بالضرورة و لان الخاص بيان ارادة المتكلم من العام فتكون حينئذ عاملا بارادته و لميخالف هذا القول احد من القوم الا من شذ.
اقول لا شك في هذا الحكم اذا كان الخاص متصلا و اما اذا كان منفصلا فلايكتفي فيه الاقتران بالزمان لانه ربما يخاطب الامام احدا بشيء و يخاطب غيره في ذلك الزمان بخلافه و ذلك من حكمتهم: و تدبيرهم فيحفظ الرقاب و بذلك وردت اخبار كثيرة كقولهم سلام الله عليهم نحن اوقعنا الخلاف بينكم و قولهم راعيكم الذي استرعاه الله امر غنمه هو اعلم بمصالح غنمه ان شاء فرق بينها لتسلم و ان شاء جمع بينها لتسلم و كذا المكان فلعلما يخاطب الامام7 في زمان واحد و مجلس واحد رجلين بخطابين متخالفين لاجل ما ذكرنا فلايمكن العمل بالخاص بمحض اقترانه بالعام بل و ربما يخاطب الامام7 رجلا واحدا في زمان واحد بخطابين مختلفين كما خاطب ابا بصير في مجلس واحد و قد غص باهله بحكمين مختلفين في قنوت الجمعة فليس الحكم كما ذكروا علي اطلاقه فلابد فيهما من تتبع القرائن فاذا فقدت قرائن ايقاع الخلاف و التقية و وجدت القرينة علي ارتباطهما و توافقهما في الحال يرجح الخاص لانه مع ذلك بيان ارادة المتكلم من العام و الا فالحكم فيه التوقف و الارجاء.
الثاني: ان يتقدم العام و يصدر الخاص قبل العمل فمن جوز وقوع النسخ قبل العمل و منع تأخير البيان عن وقت الحاجة حكم بكونه نسخا و من جوز تأخير البيان ما لميخل بالعمل دون الاول حكم بكونه مبينا.
اقول الحق في المسألة ان الاخذ باحدهما يحتاج الي نصب القرينة من
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 258 *»
الشارع و لا ضابط لشيء من ذلك كلي يدرك بالعقول الجزئية اذ علي ما هو الحق ان النسخ يجوز قبل العمل كما وقع في ذبح اسمعيل علي نبينا و اله و عليه و علي ابيه السلام و ثمرته توطين نفس المكلف علي المأمور به و سيجيء تفصيله في ما بعد ان شاء الله و ان البيان يجوز تأخيره عن العام مالميخل بالعمل و ثمرته توطين النفس علي العام و كمايحتمل هذين الامرين يحتمل وقوع كل واحد منهما موقع التقية و ايقاع الخلاف فليس لهذا قاعدة كلية تعرفها العقول الجزئية اذ هذا و امثاله من الامور الجزئية التي لايعرفها الا العقل الكلي ولكن القوم لما ارادوا محاولة هذه الامور بالعقول و غفلوا عن مصادر الاصول جعلوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون و ليسوا عن حق المسألة بمراح و لا مغدي.
فدع عنك قول الشافعي و مالك
و احمد و المروي عن كعب الاحبار
و خذ عن اناس قولهم و حديثهم
روي جدنا عن جبرئيل عن الباري
فالواجب الرجوع الي القرائن و لا معها اللازم التوقف كما ذكرنا آنفا فخذ ما ذكرت لك فانه مقتبس من مشكوة النبوة و مصباح الولاية و ليس وراء عبادان قرية فماذا بعد الحق الا الضلال فاني تصرفون.
الثالث: ان يتقدم العام و يصدر الخاص بعد العمل قالوا ذلك نسخ لحكم ذلك الفرد الخاص ان كان في الاخبار النبوية لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة و الا فالترجيح للخاص.
اقول قولهم ذلك نسخ ان كان في الاخبار النبوية لا بأس به و اما قولهم فالترجيح للخاص ليس بلازم اذ مناط الترجيح ليس من نفسهما و انما المناط المرجحات المنصوبة من قبل الامام7 فان رجح الخاص فهو و ان رجح العام فذاك و ان قلت ان الكلام في انفسهما ان لمتكن قرينة قلت قولك هذا فرض عدم حكمة الامام و اجماله ما امر بتبيينه و تركه ما امر بتبليغه و ذلك فرض محال عندنا و فرض المحال محال فقولك ذا ظاهر من القول و ليس له حقيقة علي طبق قوله تعالي ام تنبئونه بما لايعلم في الارض ام بظاهر من القول فلايمكن ان يكون عام و خاص و لا قرينة اذا اراد اخذك باحدهما علي التعيين و ان ترك القرينة حين (حينا ظ) ما
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 259 *»
فهو علامة انه يريد توقفك في المسألة كما امر به في اخبار التراجيح و ليس فيها ذكر الاخذ بالخاص ابدا فافهم و تبصر.
الرابع: ان يتقدم الخاص و يصدر العام قبل العمل قالوا ان العمل علي الخاص لعدم جواز كون العام نسخا اذا صدر قبل العمل و جواز كون الخاص بيانا متقدما و هما دليلان شرعيان تعارضا و بالعمل بالعام يحصل العمل بالخاص و لا العكس و من جوز منهم وقوع النسخ قبل العمل ذهب الي ان التخصيص اولي من النسخ لان النسخ ابطال الحكم السابق دون التخصيص فهو البيان الكاشف عن مراد المتكلم فالاخذ بالخاص مقدم.
اقول لايرضي الحكيم ببناء الدين علي هذه التعليلات العليلة و الترجيحات السخيفة و كون شيء في النظر اولي من شيء لايكشف عن حقيقة شيء و الاحتمال لاينبيء عن الواقع و انما سبب ذهابهم الي هذه المذاهب الزيفة ما زعموا من ان الدين قد خول امره الي آراء المجتهدين و ليس له مسدد امين فلو زعموا ان من ورائهم رقيب لماكان احد منهم يشك في ما نقول و يستريد فان كنت ممن ليس علي عينه غطاء و لست مأنوسا بالاهواء جامدا علي الاراء اعتبرت مما ذكرنا سابقا و اغناك عن التكرار لاحقا فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير.
الخامس: ان يتقدم الخاص و يصدر العام بعد العمل فمنهم من ذهب الي كون العام نسخا للخاص كما اذا قال اهن زيدا العالم و قال بعد اهانته اياه اكرم العلماء فيكون نسخا اجماليا لكون زيد في ضمن الافراد و منهم من قال انهما دليلان تعارضا فيخصص العام بالخاص و لادخل للعمل هيهنا فان في تقدم العام كان يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة و لا كذلك هيهنا.
اقول الحق في المسألة انه كما يحتمل كونه نسخا يحتمل ما ذكرنا سابقا فلايمكن التعويل علي هذه الوجوه البعيدة و الدلائل السخيفة و المرجع الي القرائن المنصوبة من قبل مصادرها سلام الله عليهم كما حققنا آنفا.
السادس: ان لايعلم التاريخ بوجه اختلفوا فيه فمنهم من رجح التخصيص
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 260 *»
لانه اخذ في جميع صور العلم بالتاريخ بالخاص و منهم من توقف لاحتمال تأخر العام و كونه نسخا.
اقول الحق في المسألة ما رددناه في العبارة و كررناه في الاشارة فارجع و تفطن.
فائدة: استشكلوا في الخاص المجمل المتعقب عاما مبينا هل يوجب تخصيصه ام لا؟ اقول الحق الحقيق بالتحقيق انه لايخصص فان الله لميحتج علي عباده بالمجمل كما قال في كتابه و ما كان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و قال ان علينا بيانه فلميكلف الشارع بالمجمل احدا فليست العباد مكلفين بهذا الخاص المجمل فاذ لاتكليف لا تخصيص.
فائدة: اذا ادعي بعض الاصحاب الاجماع علي امر كلي تحته افراد و كان بعض الافراد مختلفا فيه في كونه من جزئيات ذلك و كان رأي المدعي للاجماع انه ليس من جزئياته و علي رأي المستنبط انه من جزئياته استشكلوا في ذلك و الحق انه يحكم المستنبط بتسري الاجماع اليه ايضا لان الاجماع قد قام علي الامر الكلي و انما اخطأ مدعي الاجماع في معرفة افراد ذلك الامر الكلي و لا ضير فيه و لان الاجماع ليس امرا اجتهاديا صدر من آرائهم و انما ذلك بقرائن حالية قطعية قد قامت حتي علموا بدخول المعصوم7 و هو علي طريق الكلية لاسيما اذا لميكن الجماعة المتفقين(المتفقون ظ) علي الحكم متفقين علي خروج الفرد الخاص فانه(فان ظ) ذلك قرينة خطاء المحصل الا ان يدعي الاجماع ايضا علي خروج ذلك الفرد فيتبع الحاصل لايفهم من الاجماع علي الامر الكلي الاجماع علي خروج فرد ثابت دخوله و بمحض ادعاء احد اصحاب الاجماع لايثبت المدعي و ان لميطلع المستنبط علي رأي اصحاب الاجماع فكذلك فان دخوله عنده قطعي و قيام الاجماع علي خروجه مشكوك و قيام الاجماع علي الكلي كما هو صريح
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 261 *»
المدعي قطعي فلايقدح هذا الاحتمال في القطعيين فافهم.
فائدة: قالوا المطلق هو ما دل علي شايع في جنسه بمعني كونه حصة محتملة لحصص كثيرة كالرقبة فانها حصة من الماهية من حيث هي هي تحتمل لحصص كثيرة من المؤمنة و الكافرة و المقيد ما لميدل علي شايع في جنسه او ما اخرج من شياع.
اقول هذا التعريف و ان كان صحيحا ولكن الاحسن ان يقال المطلق هو اللفظ الدال علي ماهية كلية من حيث ظهورها في افرادها لا من حيث الاستغراق من غير قيد بفرد من الافراد و المقيد ما دل ظهورها مقيدا بفرد من الافراد.
فائدة: اذا ورد الامر بشيء مطلقا يجب الاتيان بالفرد الشايع الذي تنصرف الاذهان اليه غالبا دون الذي لايتوجه اليه الخاطر الا بتدبر و تكلف فان الاوامر تقع علي نهج الشايع المتعارف و المتعارف حين اطلاق المطلق انصراف الذهن الي المتعارف فاذا ورد الامر بغسل الثوب مثلا لايجوز غسله بماء الرمان و ان كان يحصل الغسل لغة و حقيقة الا ان غرض الشارع ما هو المعروف المتبادر و لو كان مطلوبه اعم من المعروف لكان يؤدي بما يدل علي العموم الاستغراقي فكان يقول اغسل الثوب بكل ما يكون و ذلك امر عرفي ظاهر اللهم الا ان ينضم اليه قرينة فيعم كأن يستثني بعض الافراد النادرة او يأتي بصفة او شرط او غاية او تعليل فيجوز الاتيان بالنوادر حينئذ.
فائدة: اذا ورد مطلق و مقيد و اختلفا حكما كقوله اطعم يتيما و اكس يتيما عالما فلاتقييد بالضرورة و اذا وردا و اتفقا فاما ان يتحد موجبهما او يتعدد فعلي الاول اما ان يكونا مثبتين او منفيين فهذه ثلثة اقسام: الاول: ان يرد مطلق و مقيد و يتحد موجبهما و يكونا مثبتين كقوله «ان ظاهرت فاعتق رقبة» و الاخري «ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة» فقالوا انه لا اشكال
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 262 *»
في حمل المطلق علي المقيد لان في الاخذ به اخذ بالمطلق و كذلك العكس و هو بيان للمطلق مقدما و مؤخرا الا ان يكون مؤخرا بعد العمل فيكون نسخا كالتخصيص حرفا بحرف و التحقيق فيه بحيث لاريب يعتريه الاخذ بالتراجيح لان الاخبار لايجوز ان تقاس بالعرف الخالي عن الموانع و الخوف بل لابد و ان يعرف حالها بعرف في التقية و الخوف فلعل مطلق صدر عن تقية رفعت في هذه الازمان و مقيد صدر لا عن تقية يناسب هذه الايام و كذا العكس و الامام العالم المطلع كان يعلم جميع ذلك و لابد في الحكمة ان ينصب لكل واحد قراين يعلم كل اناس مشربهم فلابد للمستنبط من النظر في القرائن المرجحة و يعمل لما يرجح في نظره والله من ورائه رقيب يعلم الزيادة و النقصان و يعرفه ما هو تكليفه و ان فقدت القرائن فاللازم التوقف و الارجاء كما قد امر به الامام7 في اخبار التراجيح فافهم.
الثاني ان يرد مطلق و مقيد و يتحد موجبهما و يكونا منفيين كقوله ان لميجئك زيد فلاتعطه ثوبا ثم يقول ان لميجئك زيد فلاتعطه ثوبا ابيض فلاشك انه يؤخذ بهما جميعا لانه لاتعارض بينهما و هما دليلان شرعيان قد وردا و يجب العمل بهما.
الثالث ان يختلف موجبهما فلايحمل المطلق علي المقيد ابدا لانه قياس و لايجوز عندنا.
فائدة: في المجمل اختلف عبائر الاصوليين في المجمل و اسدها ما لميتضح منه المراد مفصلا مشروحا و يكون دلالته دلالة اجمالية مبهمة و المبين بعكس ذلك و اختلفوا في وقوع المجمل من غير مبين في كلام الله سبحانه فمنهم من جوزه لوقوعه و بامكان المصلحة من توطين نفس المكلف و منهم من انكره لان المقصود من خطابات الله سبحانه افهام المكلفين فالكلام بما لايفهمون عبث و هو اجل من ذلك كله.
اقول مراتب الاشخاص متفاوت(متفاوتة ظ) فلرب شيء مجمل لاحد مبين لغيره
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 263 *»
متشابه لاحد محكم لغيره و قد اشار الله سبحانه اليه بقوله منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله و مايعلم تأويله الا الله و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا الاية فكلام الله سبحانه لايقدر بقدر هذه العقول الناقصة فلرب شيء مجمل عندك مبين عند اهله كيف لا و قد قال سبحانه و فيه تبيان كل شيء و كذلك السنة و هي علي طبق الكتاب فكل شيء مبين فيه فان السنة تفصيل الكتاب الا انه يعلمه الذين يستنبطونه منهم و الضابط في هذا المقام ان كل ما اراد الله سبحانه من خلقه مفصلا بينه لهم و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم حتي يبين لهم ما يتقون و ما اراد منهم التسليم الاجمالي او لميرد علمهم به مفصلا لاجل مسمي فزوي بيانه عنهم لا لانه لميبين مطلقا بل حجب عنهم هناك من يعرفه و عنده علم الكتاب و سيعلمون نبأه بعد حين مع ان للكتاب تأويل و باطن و باطن باطن الي سبعة ابطن و ليس معاني الكتاب مخصوصة بما تفهمه العامة فلاكل مجمل عند العامة لا منفعة فيه و انما يستنبط منها اهلها ما لاعين رأت و لا اذن سمعت و اذا اردت القول الفصل و حقيقة الاصل اعلم انه لايقع (من ظ) الحكيم علي القول المطلق مجمل لانه لا فايدة فيه لانه لايخلو اما ان يريد العمل به او العلم فينافي الاجمال و اما لايريد فينافي التكلم فلايقع في كلام الله سبحانه اجمال مطلق في كلام يقام بالنسبة الي كل احد مما لا فائدة فيه و وضع الخطاب للتفهيم و التفهم و هو هنا ممنوع.
فائدة: عدوا من المجمل المشترك اللفظي لعدم صراحته في احد معانيه و عدم جواز استعماله و ارادة الكل و الحق انه لا اجمال فيه بوجه لصراحته في جميع معانيه اذا استعمله الحكيم من دون القرينة بعينه لاحد المعاني و كان السامع عالما بالوضع و عدم محذورية ارادة الكل منه و احكام جميع الافراد متفقة و لميذكروا لمحذوريته وجها بوجه.
فائدة: عدوا من المجمل العام المخصص بمجمل متصلا كان او منفصلا
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 264 *»
و تعليق الحكم بموصوف غير معين كما في قوله او يعفو الذي بيده عقدة النكاح و ما كان الضمير مترددا بين مرجعين و ما كان مرجع الصفة مجهول كما في قوله زيد طبيب ماهر و لايعلم انه ماهر في الطب او في غيره و يناقش بظهور فيه و لا بأس بالباقي الافعال الشرعية اذا كانت موضوعة للصحيحة و لميعلم وجهها و الافعال الواقعة لعدم العلم بايقاعها وجوبا ام ندبا.
فائدة: اختلفوا في الحقيقة الظاهرة باجزاء اذ وقع امر باحداث شيء فيه كاليد الظاهرة في الاجزاء من الساعد و المرفق و الكف و الاصابع و الرأس الظاهر بالوجه و القفا و القحف و الجبينين و الصدغين و امثالهما فمنهم من عده من المجمل لاستعماله في المتعدد كاليد فانه يستعمل في الكف الي الزند و الي المرفق و الي الكتف و الاصل في الاستعمال الحقيقة فيكون مشتركا و دلالته علي احد المعاني مجمل و منهم من عده من المبين لان اليد ظاهرة في جميع العضو و لا اجمال فيه و فهم ما عدا الكل يحتاج الي القرينة و هو علامة المجاز.
اقول هذا منتهي تحقيقهم و لميكشفوا عن حقيقة الحال و التحقيق ان اليد مثلا او كل عضو حقيقة كلية قد ظهرت في هذه الاعضاء من المنكب و المرفق و الساعد و الزند و الكف و الاصابع ولكن هذه الاعضاء تختلف فمنها ما هي اصول تحكي تلك الحقيقة و منها ما هي متممات قد خلقت لحفظ تلك الاصول و ساير مصالحها و لاتحكي تلك الحقيقة بانفسها كالانسان مثلا فانه حقيقة كلية قد ظهرت بهذه الاعضاء فمن الاعضاء ما تحكيها كالاعضاء الرئيسة و لاسيما القلب و منها ما هي متممات لحملها و اصلاحها كساير الاعضاء و لاتحكي هذه المتممات وحدها تلك الحقيقة كما اذا رأيت رجلا ملقي لاتقول انه انسان بخلاف ما لو رأيت من رأسه الي وركيه من دون الرجلين تقول انه انسان و ميزان صحة الاستعمال كل عضو به قوام حيوة الانسان يحكي تلك الحقيقة و كل عضو ليس كذلك فلا و كذلك اليد الا ان اليد ليس لها حيوة مستقلة خاصة تتبين مثل ما تتبين في الانسان ولكن الفطرة السليمة تدركها فنقول ان حقيقة اليد مثلا القدرة علي
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 265 *»
القبض و البسط و الاخذ و الترك و هي تظهر بالاصابع و الكف جميعا الي الزند دون الاصابع وحدها فيصح اطلاق اليد و ارادة ما دون الزند الي الاصابع و كذلك من اوسط الساعد اليها لشموله عليها و من المرفق اليها و من اوسط المنكب اليها و اما الكل فظاهر ولكن لايصدق اليد علي اصبع واحد فلو رأيت كفا واقعة تقول يد انسان و لا كذلك الاصبع فان الكف تحفظ الحقيقة دون الاصبع فتبين و ظهر ان اليد يصح اطلاقها علي الزند و ما دونه و علي المرفق و ما دونه و علي الكتف و ما دونه و في الكل حقيقة فان الاسم لتلك الحقيقة و هذه الاعضاء حاكية لها و لذا تسمي باسمها و ساير الاعضاء التي لاتحكي وحدها اعضاء و اجزاء متممة لتلك الحاكية و لاتسمي باسم الكل و لو سمي حينا ما مجاز و يحتاج الي القرينة فاذا وقع الامر بقطع اليد فالمراد منه من الزند فانه الذي يصدق عليه اليد و يحصل بقطعه الامتثال و الزايد يحتاج الي دليل و كذلك الرجل و امثالها فلااجمال فيه اذا وقع بلا قرينة فانه يؤخذ بما يسمي بذلك الاسم و يحصل به الامتثال و لايحتاج فيه الي الازيد لان ما يشتمل عليه و علي الازيد يسمي بذلك الاسم لاشتمال المجموع علي المسمي بذلك الاسم فالزايد عليه مشتمل عليه و علي غيره و لا دليل علي ادخال الغير فافهم فانه بيان حسن لميسبق عليه.
فائدة: اختلفوا في ما اذا اضيف التحريم او التحليل الي الاعيان هل هو مجمل ام لا؟ فمنهم من قال انه مجمل لانه لايعقل تحليل العين و تحريمه فيجب اضمار فعل و هي كثيرة و لا رجحان لواحد دون آخر و منهم من قال بعدمه لان الشيء ان كان من باب المآكل يضمر فيه الاكل او من باب المشارب فيضمر فيه الشرب او من باب المناكح فالنكاح و هذا شيء ظاهر عرفا فاذا قال حرم عليك الميتة يعني اكله او الخمر يعني شربه او امك يعني نكاحه.
اقول اذا تعلق التحليل او التحريم بجهة من جهات الاقتران يختص بتلك الجهة و اذا تعلق بالذات فذلك يعم جميع الجهات فان الذات محيطة بجميع جهات الاقتران و لما لميكن التحريم او التحليل مختصا بجهة دون اخري و كان
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 266 *»
من جميع الجهات عبر عنها بالذات المستجمعة لها فصارت العين محرمة و محللة من جميع الجهات و لو كانت علي الاول لميكن يمكن تحريم العين علي الاطلاق فانها محللة من جهة اخري و لا تحليله علي الاطلاق فانها محرمة من جهة اخري فالتعبير عن هذه الشقوق اضافة التحريم و التحليل الي الجهة و اما اذا كان جميع الجهات متصفة بالحرمة او الحل تتصف الذات بها لانها الظاهر بجميع الجهات فاذا تعلق التحليل او التحريم في الشرع بعين يحرم او يحل جميع انحاء القرانات و التمتعات و التصرفات حتي النظر الا ما اخرجه الدليل و ما خصصته القرائن فافهم ان كنت تفهم فتبين مما بينا امكان تعقل تحريم العين و اما قول الاخيرين فذلك عند القرينة لا بأس به و اما عند عدم القرينة فتخصيص من غير مخصص فان قوله تعالي حرمت عليكم امهاتكم بم خصص نكاحهن دون النظر اليهن فان قال بالقرائن كان ما قلت و ان قال من هذه اللفظة فهو اعرف بما جاء و هكذا ساير ما يمكن اضماره.
فائدة: اختلفوا في الجمع المنكّر ايضا فمنهم من قال باجماله لصدقه علي الثلثة و ما زاد و منهم من قال انه مبين و هو الحق اذ اقل مراتبه الثلثة و يحصل به الامتثال.
فائدة: في المبين و هو خلاف المجمل و لايجب تأخيره عن وقت الحاجة اتفاقا و نصا و عقلا و اما تأخيره عن وقت الخطاب الي وقت الحاجة ففيه خلاف فمنهم من جوزه مطلقا لعدم حاجة اليه و منهم من منعه لانه لو جاز لجاز مخاطبة العربي بالزنجي و منهم من فصل فجوز في المجمل و منع في العام الذي يفهم منه الاستغراق اما في تجويز المجمل فلما ذكروا و اما في منع العام فلانه يقبح الخطاب بما يفهم منه الاستغراق و هو يريد البعض و لايدل عليه في حال الخطاب.
اقول اما قول الاولين انه جايز علي الله ان يؤخر البيان فيدل علي وجوبه لان
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 267 *»
ما جاز علي الله يجب فلايجوز تقديمه حال الخطاب فيلزمهم ان لايقولوا بجواز التأخير او يقولوا بوجوبه و اما قول الوسط فلا ملازمة بينه و بين خطاب المكلف العربي بالزنجي لان بالخطاب المجمل لو كان يحصل توطين لنفس المكلف بخلاف اللغة التي لميفهمه فالتحقيق فيه ان نقول انه لاتكلف الا بالبيان و البيان علي الله و ان الله لايخاف الفوت حتي يبين قبل وقت الحاجة احتياطا فلميكلف الا بالبيان و لميبين الا وقت الحاجة فاذا قدم البيان علم ان وقت الحاجة ذلك الوقت و اذا اخر علم ذلك فتأخيره عن وقت الخطاب لا دخل له فمتي ما احتاج المكلف الي القول المجمل يقول له و متي ما احتاج الي المبين يقول له ففائدة المجمل توطينه و اقباله و تمكينه و ترغيبه و تحريصه و فائدة المبين اتيانه و عمله و اداؤه و كل واحد منهما لايتقدم عن وقت الحاجة بمقدار طرفة عين و لا يتأخر فسبحانه من مدرك لايخاف الفوت و قادر لايعجله العجز فافهم ان كنت تفهم و لاتصغ الي الذين حاولوا امرا و ليسوا من اهله و انما يقدرون عظمة الله بقدر عقولهم و يحكمون عليه و تعالي الله منه علوا كبيرا.
فائدة: في المفاهيم و هي ما يفهم من طرف المسكوت عنه كما اذا قال ان جاءك زيد فاكرمه فالمسكوت عنه ان لميجيء فالحكم الذي يستنبط من هذا القول للمسكوت عنه هو المفهوم و هو يقابل المنطوق و هي علي اقسام و نبينها في فوائد:
فائدة: مفهوم الشرط و هو ما يفهم من خلاف طرف الشرط سواء كان المنطوق موافقا للاصل كأن يقول ان لمتستطع فلايجب عليك الحج او كان مخالفا كأن يقول اكرم العلماء ان كانوا اتقياء اختلفوا فيه فمنهم من قال انه يدل علي انتفاء الحكم بانتفاء الشرط لانه يفهم منها عرفا و ينتقل اليه الذهن بعد الانتقال الي المنطوق و منهم من قال انه لايدل لان دلالة التعليق علي انتفاء الحكم بانتفاء المعلق عليه لابد و ان يكون باحدي الدلالات الثلث و ليس في المقام شيء منها
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 268 *»
و استشهدوا بكثير من الايات ليس مفهوم الشرط فيها معمولا و لا ملحوظا و منهم من قال انه يدل عليه في الشرع لغلبة ارادة النفي عن غير المذكور في التعليقات الشرعية و منهم من قال انه يدل في الخبر لا غير و لمنجد له دليلا.
اقول مفهوم الشرط حجة و التعليق به يدل علي نفي الحكم عند نفي المعلق عليه لان المتكلم الحكيم العالم لايعلق الحكم علي شيء لا اختصاص لذلك الحكم بذلك الشيء و هو ابلغ البلغاء لايعبث في الكلام و لا يزيد عبثا و لاينقص حيفا فاذا قال اكرم الزيد ان كان عالما يظهر انه يجب الاكرام اذا كان عالما فلو كان حين كونه نساجا ايضا ممن يجب اكرامه لعلقه بصفة اعم من العلم و النسج و كذا لو كان حين كونه زارعا ممن يجب اكرامه ايضا لعلقه بصفة اعم من العلم و النسج و الزرع لانه لايلغي في الكلام فتعليقه بصفة دون غيرها يشعر بربط بين الحكم و المشروط به و يدل علي ذلك احاديث وردت كقول الصادق7 في قوله تعالي بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم ان كانوا ينطقون والله ما فعله كبيرهم و ما كذب ابرهيم انما فعله كبيرهم هذا ان نطقوا و ان لمينطقوا لميفعل كبيرهم هذا شيئا و امثاله كثيرة و ايضا الكلام الذي يصدر من الحكيم يجب ان يكون كل كلمة كلمة مؤسسة لحكم لميفهمه غيرها فتعليقه الحكم بشرط يجب ان يكون تأسيسا فلو كان هذا الحكم مما يمکن اجتماعه مع شرط آخر لکان هذا الحکم تكرارا فانه كان حينئذ بمنزلة ان يقول اكرم زيدا ان كان قاعدا اكرم زيدا ان كان نائما فلميفهم الحكمين(الحکمان ظ) غير وجوب اكرام زيد بخلاف ما لو قال اكرم زيدا ان كان قاعدا و لميتكرر اللفظ و لاتكرم زيدا في غير هذه الحالة فانه تأسيس حينئذ و الحكيم يجري كلامه علي احسن التعبيرات و اخصرها و ابلغها فلايزيد حرفا عن مقدار الحاجة و لاينقص و التكرار زائد و خلاف شأن الحكيم و انما يحتاج الي بعض التكرارات اذا كان السامع غافلا او لاهيا حتي ينبهه و هو خارج عما نحن فيه كما هو ظاهر فالاصل في كلامه التأسيس و الاصل في تعليق الحكم بالشرط اختصاصه به و انتفاؤه حين انتفائه كماعرفت و اما قول القائل انه لايدل باحدي الثلث . . . .
«* مکارم الابرار عربي جلد 19 صفحه 269 *»
الي هنا كتبه المصنف اعلي الله مقامه و الظاهر ان كثيرا من صفحات النسخة الموجودة من الكتاب في مجموعة كتبه ليس بخطه الشريف.
([1]) ما احسن ما قاله القمي; حيث نفي تحقق الاجماع في المسائل الاصولية و قال ان هذه المسائل مستحدثة لمتكن في الصدر الاول و زمن الائمة: و انما حدث القول فيها في المتأخرين فكيف يمكن دعوي الاجماع في هذه المسائل مع خلو اعصار عنها. منه اعلي الله مقامه
([2]) المركب كأنيكون النقل في بعض الطبقات مما يورث العلم و في بعضها مما يورث الظن. منه اعلي الله مقامه
([3]) هو المنقول عن اكثر اهل العربية.
([4]) و هو المنقول عن بعض اهل الاصول.
([5]) و هو المنقول عن الاشراقيين. منه اعلي الله مقامه
([6]) قوله الكلي لايقبل التجزية ابدا اي تجزية حصص ظهوره لايجري عليه و الا هو في نفس ربما له اجزاء بالنسبة الي فوقه كما قال الكلي و الجزئي اضافيان فكل شيء كلي بالنسبة الي ظهوراته و جزئي بالنسبة الي ما فوقه. منه اعلي الله مقامه
[7] القائل ابن حاجب.
[8] القائل الاندلسي.
[9] كابن عباس.
[10] كالعقبة.
[11] كاسد.
[12] كفضل.
[13] كخاتم.
[14] كشمر.
[15] كتغلب.
[16] كاصمت اسم برية.
[17] كموسي.
[18] كغطفان من غطف العيش اي سعته.
[19] كعمر.
[20] كفخر الدين.
[21] كعابد الشيطان.
[22] كابوتراب.
[23] كام عمر.
[24] كابن عباس.
[25] كبنت وردان.
[26] كالعين.
[27] كانسان.
[28] كبياض.
[29] سواء كان مفردا او غيره.
[30] اي الاصل عدم الحاجة الي القرينة في افادة اللفظ معناه لان الالفاظ موضوعة لمعانيها الخاصة و تفهم معانيها من دون قرينة فاذا استعمل لفظ و فهم منه معني و لا قرينة علي كونه مجازا هو علامة الحقيقة فانه لو كان مجازا لماكان يفهم من دون قرينة فالاصل في الاستعمال الحقيقة. منه اعلي الله مقامه
[31] هو المرتضي.
[32] هو ابن جني.
[33] اي الحقيقة و المجاز.
[34] قولي مطلقا اي سواء علم بوضعه ام لميعلم و سواء كان في معني واحد او متعدد سواء لمتعلم بحقيقته او علم و لميعلم دخولهما او علم. منه اعلي الله مقامه
[35] سواء علم له بحقيقة ام لميعلم. منه اعلي الله مقامه
[36] اي سواء كان له حد مشترك ام لا. منه اعلي الله مقامه
[37] كاطلاق لفظ الاسد و ارادة الشجاع.
[38] نحو يجعلون اصابعهم في آذانهم. قد ذكروا لاطلاق الكل علي الجزء امثلة ليس منها في شيء و تعرف ما اقول ان امعنت النظر و دققت الفكر و هو ان لكل شيء حقيقة و لها ظهور في الخارج كحقيقة زيد و ظهوره ببدنه و حقيقة اليد و ظهورها بالجارحة و الرجل و ظهورها بالعضو المخصوص و امثال ذلك و لهذا الظهور اجزاء كلية رئيسة هي حامل اصل تلك الحقيقة و اجزاء جزئية هي من متممات تلك الاجزاء الكلية كما ان الزيد لظهوره اجزاء رئيسة حاكية للحقيقة ببقائها يقوم الظهور و بفنائها يفني كالقلب و الدماغ و الكبد و اجزاء تابعة هي مكملات تلك الاجزاء فلايفني الظهور بفنائه كاليد و الرجل و امثالهما فاطلاق الزيد مثلا علي ما ببقائه يبقي الظهور حقيقة لانها اصل الظهور و علي التوابع وحدها مجاز و كذلك الاصبع له اجزاء رئيسة بها يقوم ظهور الاصبع كالانملة بتمامها و اجزاء مكملة كباقي الاعضاء و العقود فما يحفظ الانملة اطلاق الاصبع عليه حقيقة و علي المكملات وحدها مجاز و هذا نوع معرفة ذلك فتدبر. منه اعلي الله مقامه.
[39] نحو فلان يملك رقبة.
[40] نحو انك ميت و انهم ميتون.
[41] نحو يعصر خمرا.
[42] نحو و آتوا اليتامي اموالهم.
[43] نحو حيوان او انسان اذا اطلق علي زيد.
[44] كزيد عدل.
[45] كزيد خلق.
[46] كقم قائما.
[47] نحو حسن اولئك رفيقا.
[48] كاطلاق النبيين علي النبي.
[49] نحو اسئل القرية.
[50] كفلان شرب الدم اي الدية.
[51] اي المعني الذي هو اقرب المجازات.
[52] جواب عن بعض ما اوردوا علي المثبتين.
[53] كما حكي عن «يب» و شارحيه.
[54] انظر ايدك الله بتأييداته الي نهج الاستدلال و تعجب من قوم حاولوا امرا و ليسوا من اهله و اقض حظ العجب من استدلاله باجتماع الامر و النهي و اي دخل له بالمقام؟ ثم يبنون علي هذا الاستدلال احكام الملك العلام و انظر الي قوله لان الحقيقة الشرعية موضوعة للصحيحة ما المراد و اي حقيقة شرعية موضوعة للصحيحة؟ و اي صحيح مقتضي الامر؟ و لعمري ذلك اوهن من بيت العنكبوت مع انه من اوهن البيوت.
[55] معينة كانت او مبهمة.
[56] اي باي شيء كان.