16-04 مکارم الابرار المجلد السادس عشر ـ رسالة البينة ـ مقابله

 

 

رسالة البينة

 

من مصنفات العالم الرباني و الحكيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمدكريم خان الكرماني اعلي الله مقامه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 517 *»

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا للاسلام و اكرمنا بالايمان و عرفنا الحق الذي عنه ي‍ؤفكون و النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون و الصلوة علي محمد الدليل عليه و الهادي اليه و آله المستخلفين بعده المستحفظين لدينه و علي حملة اخبارهم و رواة آثارهم المتبعين اثرهم الناشرين امرهم و اللعن علي الناصبين لهم المنكرين لفضلهم و الساعين في اطفاء نورهم ابد الابدين و دهر الداهرين.

و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان لكل احد ذخيرة يذخرها لولده و اهله و اخوانه و هذا بعض ذخيرتي التي حصلتها بعد طول الزمان و مدي العيش في هذا الدهر الخوان و ممارسة الرسوم و مزاولة العلوم و التفكر الغزير في آيات الانفس و الافاق و التدبر الكثير في آثار الهداة و اصحاب الوفاق وضعتها لهم علي سبيل الايجاز و الاختصار مشيرا الي رؤس المسائل للتنبيه و الاعتبار لان ساير كتبي بالتفصيل مشحونة و ان كانت المسائل فيها متفرقة و جمعتها هنا ليتنبهوا بها و ليتمسكوا بوثقي عروتها و يهتدوا بضياء غرتها فعليكم يا احبائي بمدارستها و التفكر في مطاويها و ممارستها بعين الانصاف و ترك الاعتساف و اياكم و المخاطرة بالنفس و العداوة لها و السعي في اهلاكها فانه ليس لكم الا نفس واحدة ان انجيتموها نجوتم الي الابد و ان اهلكتموها هلكتم الي الابد و سميت كتابي هذا بالبينة و فصلته بفصول:

فصل: اعلم ايها الناظر في كتابي هذا ان اول ما يجب علي الانسان ان ينظر في هذا البنيان و في نفسه و يتفكر في نفسه ما انا و ما هذا البنيان و ما هذه الارض و هذه النجوم الدوارة كالحيران و هذا الليل و النهار المتعاقبان و ما هذه الحوادث التي تحدث في اثناء الزمان كالربيع و الصيف و الخريف و الشتاء و السحب و الامطار و الثلوج و الحيوة و الموت و الجمادات و المعادن و النباتات و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 518 *»

الحيوانات و الانسان و من انا و اين كنت و من اين جئت و الي اين صاير و يزيد في هذا التفكر و التحير حتي يشتاق كل الاشتياق الي فهم معاني هذه الامور و حقايق هذه الموجودات و الانسان مجبول الي فهم ما لايفهمه و درك ما لايدركه و ليفرغ نفسه لهذه الافكار لتحصيل الاعتبار و من البين ان الانسان ما لم‌يتفرغ لايتمكن من الصمت و ما لم‌يصمت لايتمكن من النظر و ما لم‌ينظر لايمكنه الفهم فالواجب الاول الاعراض عن جميع المشاغل لقلبه و التفرغ لهذا الامر الخطير و الخطب العظيم الكبير و الواجب الثاني النظر و التفكر حتي ينال مراده و مطلبه.

فصل: ثم ينبغي ان يتفكر في هذه الاختلافات الواقعة بين الاناسي في المذاهب و الاديان و ذكرهم ان لهذه الموجودات ربا قديما و من وراء هذه الدار دارا و من كان معتقدا للحق الواقع عاملا بمقتضاه ينجو و يثاب في الدار الاخرة و من انكر الحق و لم‌يعمل بمقتضاه يعاقب في تلك الدار و هي دار خلود لا انقضاء لامدها فيفهم في نفسه انه يجب الفحص و الطلب لدرك الحق و اعتقاده و العمل بمقتضاه حتي ينجو ان كان الامر كما يقولون و ليس يضره شيء ان لم‌يكن الامر كما يقولون و يكون العاقبة الفناء و اذا تفكر في انقضاء الدنيا و سرعة الفناء و بغتة الاجل يجد في نفسه انه لايجوز التهاون في هذا الامر و ليس العذاب الابدي بامر هين يجوز فيه المسامحة و الانسان مجبول علي حب السلامة و بغض الهلاك فاذا تفكر في ما ذكرنا يستوجب الطلب و الفحص استيجابا اعظم من استيجاب اكله و شربه و نومه و ساير ضرورياته فان ثمرة جميعها حيوته الفانية و ثمرة هذا النظر النجاة الابدية و الحيوة الدائمة في الراحة فاذا كان عاقلا اضطرب اضطرابا لا غاية له و جد و اجتهد ليلا و نهارا حتي يحصل اسباب النجاة.

فصل: اعلم انك اذا تفكرت في نفسك رأيت عيانا كما تري كفك انه كان الزمان و هذه النجوم و العناصر مددا مديدة و انت لم‌تكن شيئا مذكورا بوجه من الوجوه كما انه لا ذكر الان من الذين يأتون فيما بعد من الزمان و كنت معدوما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 519 *»

من اول الزمان الي ان وجد نطفتك في صلب ابيك و ترائب امك الي ان قاربا مقاربة و انعقد نطفتك ثم صرت علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسيت لحما ثم حييت ثم خرجت طفلا و كبرت الي ان بلغت ما بلغت و من البين انك حين لم‌تكن و كنت معدوما لم‌توجد بدنك و روحك و لم‌تؤلفهما بالبداهة و لم‌يوجدك ساير المعدومات التي لاذكر لها بالبداهة و حدثت في جزء من الزمان و وجدت بعد ان لم‌تكن فهل حدثت باهمال و من غير موجد و مؤلف لاجزاء بدنك و روحك او لك مؤلف كائنا ما كان؟ فاذا تفكرت وجدت علي نحو البداهة ان بالاهمال لايأتي مثل هذا الخلق المتقن و البنيان المحكم الذي قد تحيرت العقلاء في وجوه حكمته و عجزت الالباب في معرفة كيفية احداثه و ايجاده و عرفت بالبداهة ان ذلك من صنع صانع و تدبير مدبر و لا معني للصنع و التدبير الا احداث مثل هذا البنيان المحكم و الامر المتقن و كفي لمعرفة اتقان صنع هذا البدن و الروح مطالعة حديث المفضل و التفكر مع الفراغ و لو كان هذا معني الاهمال فما معني التدبير و كيف كان لو كان مدبرا مصنوعا بصنع صانع و الانسان مجبول بالاقرار بمصنوعية مقدار عن تدبير اذا رآه علي نظم موافق للحكمة و يري من المحال ان يوجد الف الف مقدار علي هيئة واحدة و نظم متقن موافق للحكمة و الصواب بحيث يتعجب منه اولوا الالباب من غير صانع حكيم ماهر فيضطر الانسان الي الاعتراف بان له صانعا ايا كان و كذلك لجميع ابناء نوعه و كذلك لجميع انواع الحيوانات و النباتات و المعادن و الجمادات و السحب و الامطار و ساير كائنات الجو و كذلك ساير الحوادث في هذه الموجودات من الامور الاضطرارية كالنوم و اليقظة و الصحة و المرض و الفرح و الحزن و الموت و الحيوة و غير ذلك فان جميعها حادثة و لم‌تكن و لابد لها من صانع و مدبر اي كان بالبداهة و هذا الصانع مستول علي العناصر حيث يحيلها عن صورها الي صور المواليد و يفنيها ثم يعيدها مرة اخري الي صورها الاولي كما تري من صيرورة التراب نطفة و حين يصير نطفة يفني صورة التراب و بها التراب تراب ثم يفني النطفة و يوجد صورة العلقة ثم يفني العلقة و يوجد صورة المضغة ثم يفني المضغة و يوجد صورة العظام ثم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 520 *»

يوجد صورة اللحم ثم يوجد الروح و هكذا ثم يوجد الطفل ثم يحلل منه في كل آن و يوجد بدله مثله الي ان يفني الانسان ثم يعيده ترابا و ماء و هواء كما كان اول مرة هذا و تري من احالة التراب ملحا و احالة الملح ماء و احالة الماء هواء و افناء كل واحد و اعادته ثانيا فعرفنا ان الصانع المدبر مستول قادر علي افناء هذه العناصر و ايجادها و ايضا اذا تفكرنا في اجزاء هذا العالم باسره من العلويات و السفليات رأينا كل واحد منها اذا اضيف اليه جسم مثله و الصق به زال عنه تلك الصورة التي كانت عليه و بها هو هو و اذا نقص عنه ما اضيف اليه يمكن ان يرد الي الصورة الاولية مثلا اذا كان اناء ماء بهيأة و مقدار و اضيف اليه مثله زال عنه تلك الصورة و حدث عليه صورة اخري و كذلك قطعة من الطين و من الهواء و النار و النجوم و الافلاك باسرها كل واحد منها اذا اضيف اليه مثله اي جسم آخر عدم صورته و حدث صورة اخري و سمي باسم شخصي آخر البتة و ان لم‌نقدر علي الاضافة بالفعل فانه يشهد عقولنا بالبداهة انه اذا اضيف اليه جسم كبر و اذا اخذ منه شيء‌ صغر البتة و كلما دخل في العقل و ادركه ليس بممتنع فانا نجد بالبداهة ان العقل لايمكنه درك الممتنع كما انك لاتقدر علي درك كون الحر بردا من حيث انه حر و كون الشيء موجودا حيث هو معدوم و بالعكس فكلما ادركه عقولنا هو جايز الوقوع و علي ذلك نحن نقدر علي تعقل عدم كل جسم و فنائه و وجوده و تغيره عما هو عليه و لو كان امرا ممتنعا ما قدرنا علي تعقله و القول بان فرض المحال ليس بمحال دعوي بلاحجة يكذبه الوجدان و انما فرضه محض تلفظ لا تصور فيه و تصور شريك للباري محض فرية و هو كتسمية زيد شريك الباري و ما دخل في عقلك و ذهنك و انت تقدر ان تتصوره اكبر و اصغر و حيا و ميتا و متحركا و ساكنا و هكذا و لم‌يكن في ذهنك و حدث فيه و سيفني من ذهنك كيف يكون قديما فهو امر حادث تسميه شريك الباري و ايضا كلما رأيت في هذا العالم بعينك او ميزته بوهمك فهو موصوف مقترن بصفته بالبداهة و يشهد العقل بانه مفعول به قابل ذلك الفعل علي نفسه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 521 *»

منفعل لدي ما فعل به و لذلك تعبر عن كل شيء بالمفعول بالطبع فتقول السماء مرفوعة و الارض موضوعة و الشمس منورة و النجوم منضدة و هكذا و اذا تفكرت في كل موصوف وجدته يمكن زوال تلك الصفة عنه كما وجد عين ما به اشتراكه مع غيره بدون تلك الصفة فتلك الصفة اي ذلك الوجود الوصفي ممكن حادث مصنوع و اوضح من ذلك كله ان كل ما تدركه مركب من اجزاء و ذلك المسمي المدرك وجوده فرع اقتران الاجزاء بعضها ببعض بالبداهة و اقتران الاجزاء فرع وجود الاجزاء بالبداهة و قائم بها بالضرورة و يشهد الاقتران بالحدث الممتنع من الازل فالمسمي المركب قائم بامر حادث و فرع لوجود حادث فهو حادث غير قائم بنفسه غني عن غيره و انت لاتدرك شيئا الا و هو مركب مميز عن غيره فكل ما ميزته بادق اوهامك هو مخلوق مثلك فكل معروف بنفسه مصنوع و كل قائم بغيره معلول و ماكان وجوده فرع وجود غيره ان تحقق ذلك الغير تحقق و الا فلا فليس بواجب الوجود قائم بنفسه و بذلك جاز وجوده و جاز عدمه و لاجل ذلك انت تقدر علي تصور عدم جميع الموجودات و تغيرها فهو جايز في الخارج بالبداهة فليست هذه المخلوقات بواجبة الوجود اذ لايمتنع تغيرها و عدمها فهي جايزة الوجود غير قائمة بانفسها فهي قائمة بالغير و وجوداتها وجودات وصفية مجعولة و ذلك ان ما وجوده من نفسه لا يمكن تعقل عدمه و هو الوجود الذاتي الذي لا ضد له و العدم لايوجد نفسه فالموجود بالنفس واجب الوجود و لماكان لايفقد نفسه حال وجوده هو ممتنع العدم و التغير فما يجوز فيه التغير و الزوال هو قائم بالغير محتاج الي سواه فجميع هذا العالم بل جميع ما ميزه الانسان في ادق اوهامه حادث يمكن وجوده و يمكن عدمه فلجميعه صانع قديم لايمكن فرض عدمه و قد صنع هذا العالم علي اكمل وجوه الحكمة و الصواب بحيث قد تحير العقلاء في اتقان صنعه الا تري انه كبيت منجد واحد فيه جميع ما يحتاج البيت اليه فالسماء سقفه و الارض فرشه و النجوم قناديله و البحار حياضه و الانهار جداوله و المعادن خزائنه و الغياض حدائقه و قد اعد فيه جميع ما يحتاج اليه بحيث انه لا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 522 *»

يحتاج الي ان يؤتي له شيء من الخارج و لايخفي كمال هذا العالم و حكمة جميع اجزائه علي ذي مسكة الا يكفي ان جميع ما يحتاج اليه حاصل فيه علي اكمل وجه و يتأتي من كل شيء ما خلق لاجله فلاشك ان لهذه المحدثات محدثا حيا حكيما عليما لطيفا خبيرا قويا قاهرا قادرا سميعا بصيرا و هكذا متصفا في خلقه بساير الصفات التي لابد منها في مثل خلق هذا البناء المحكم الذي يعجز عن درك جميع حكمه جميع الالباب.

فصل: مثل هذا الحكيم ليس بلاغ و لا عابث و لا سفيه فلايخلق هذه الحوادث بالباطل و للباطل و انما يخلقه بالحق و للحق و لامر معتني به و لفائدة الا تري انه خلق العين للابصار و الاذن للسمع و اللسان للتكلم و الذوق و اليد للبطش و الرجل للمشي و هكذا فمجموع الانسان ايضا مخلوق لغاية و لايجوز ان يصدر من مثل هذا الحكيم لغو و عبث فجميع هذه الحوادث مخلوق لغاية و فائدة مهمة معتني بها و ينبغي ان يكون قد خلقه بحيث يتأتي منه تلك الفائدة كما انه خلق العين بحيث يتأتي منها الابصار و الاذن بحيث يتأتي منها السمع و هكذا و لو صنع الصانع شيئا لغاية و لا يتأتي منه تلك الغاية فهي من عجزه و يجري مجري اللغو و العبث اذا علم انه لايقدر علي صنعه بحيث يتأتي منه تلك الفائدة و الغاية فالواجب ان يكون في هذا الخلق جميع ما به يحصل تلك الفائدة علي نحو السهولة و يكون ميسرا لما خلق له كما تري من ان كل شيء ميسر لما خلق له علي نحو البداهة و من البين ان الفائدة تحصل من وجوده اذا بقي مدة يبلغ كماله و ان لم‌يبق الي مدة يحصل منها الفائدة لكان لغوا و عبثا الا تري ان النبات مثلا للاكل و الغذاء فلو لم‌يكمل و لم‌يبق الي ان يصير صالحا للاكل و التغذي لكان عبثا و الدابة مثلا للركوب فان لم‌تعش الي ان تصير صالحة للركوب لكانت لغوا و عبثا و هكذا فما لم‌يعش الانسان مدة لم‌يظهر منه الغاية و الفائدة بالبداهة و ما يري من موت بعض الاطفال و الناقصين قبل الاستكمال اما الناقصون فهو لسوء عملهم و عدم عملهم باسباب البقاء علي ما قرره الله و اما الاطفال فهو من سوء تدبير الاباء و عدم عملهم

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 523 *»

باسباب البقاء كقتل رجل رجلا و ليس موت المقتول من سوء تدبير الحكيم و كون خلقه لغير فائدة و انما هو لعدم عمل الناس باسباب البقاء و لاشك ان الناس اذا عملوا باسباب البقاء لطالت الاعمار و بلغوا فائدة الايجاد علي ما وضع الله ذلك بان الله لم‌يك مغيرا نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بانفسهم فلابد في عيشهم الي مدة من عملهم بما يوجب بقاءهم و اجتنابهم عما يؤدي الي بوارهم و هلاكهم بالبداهة و هم بانفسهم لايعلمون ما يوجب بقاءهم و هلاكهم بالضرورة فلابد من تهيئة الحكيم اسباب تعليمهم ممن يعلمهم الخير و الشر و يهديهم الي ما فيه صلاحهم و فسادهم و يزكيهم و يرشدهم هذا و قد خلقوا مدنيوا الطبع بالبداهة فخلقوا مختلفي الطبايع لان يتأتي من كل واحد منهم رفع حاجة من حوائجهم و صنعة من الصنايع بسهولة فلاكل طبع يقدر علي كل صنعة و باختلاف طبايعهم مع تمدنهم يقع التشاجر و النزاع فلابد بينهم من سايس يرفع النزاع و يحمل كل واحد علي ما خلق لاجله و يؤلفهم حتي يبلغوا منتهي اجلهم حتي يظهر منهم الغاية هذا و اقتضي الحكمة ان يخلقوا اطوارا و يكونوا من اول مرة صغارا جاهلين ضعافا و يتقووا شيئا بعد شيء و يتعلموا شيئا بعد شيء فيحتاجون الي معلم يعلمهم خيرهم و شرهم هذا و اقتضي الحكمة ان يكونوا مدنيي الطبع يحتاج بعضهم الي بعض فكما انه خلق كل واحد محتاجا الي غيره في سبب من اسباب البقاء كذلك كل نفس جاهلا يحتاج الي نفس اخري عالمة حتي تعلمه من جهله فلاجل هذه الوجوه و غيرها احتاج هذا الخلق الي عالم بالخير و الشر سايس لهم مستجمع لجميع ما يحتاج اليه العالم السائس من العقل الكامل و النفس الكاملة القوية و البصيرة الناقدة و العدل و الانصاف و العلم و الجود و القوة و القدرة و العصمة عن الحيف و الميل و الافساد في الملك و الحسد و الغل و الغش و البخل و السهو و النسيان و الخطاء كما ان كل شيء هكذا فيما خلق لاجله اذا لم‌يكن اصابه فساد عارضي و الحكمة تقتضي ان يصيب ساير الاشياء فساد اذ فساده يختص به و له بدل يقوم مقامه و يسد مسده و لايصيب ذلك العالم فساد فان بفساده يفسد العالم و لايبلغ غايته و هو خلاف الحكمة اللهم الا ما يصيبه من الموت فانه ايضا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 524 *»

من الحكمة كما يأتي و اذا لابد و ان يقوم مقامه غيره مثله بالجملة من البين انه يجب ان يكون في العالم ابدا سائس عالم معصوم يتأتي منه ما خلق لاجله بسهولة و الخالق الذي له تلك الحكمة و العلم و القدرة لايخل بهذا الامر العظيم هذا و قد جبل جميع الخلق علي احساس الحاجة في نفسه الي امير مطاع له حتي انه ربما يؤمر علي نفسه احدا اذا لم‌يجد علي نفسه اميرا و لماكان طاعة مثل هذا الامير من الزم شروط بقائهم جبلوا علي احساس الحاجة اليه كما يحسون الجوع و العطش و الشهوة فمثل هذا الحكيم لايخل بهذا الامر العظيم و قد خلق كما تري من العلماء الحكماء في كل عصر و يحتاج الناس اليهم و باتباعهم ينتظم امر معاشهم و بمخالفتهم ينفصم نظامهم و بها هلاكهم و فسادهم.

فصل: لماكانت الخلايق مختلفي الطبايع لحكمة و كان فيهم حذاق كل صنعة علي الحقيقة و مدعوها بغير حق فلابد في الحكمة ان يكون علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور حتي لايشتبه الحق بالباطل و لايكون الحكيم مغريا بالباطل فبذلك يفسد النظام و لايظهر فائدة كل ذي فائدة فلو كان لايعرف العالم الحكيم السائس بالحق الناظم للخلق عن الجاهل المدعي بالباطل المفسد المهلك للخلق لكان خلق ذلك العالم و حاجة الخلق اليه عبثا لغوا اذ لايعلم المصلح من المفسد فلابد و ان يكون للحق علامة و للباطل علامة بهما يمتازان و يعرفان و تلك العلامة هي صفات الربوبية و افعالها فكل من هو من عند الرب و مستعل علي الخلق مخلوق لتربية الخلق لما فيه من غلبة جهة الرب فعلامات الربوبية فيه بالفعل و هي تكشف عن غلبة جهة الربوبية عليه و صلوحه للتربية و السياسة و لماكان لاهل الباطل في باطلهم ايضا صفات و افعال شبيهة بصفات الربوبية لانهم ايضا خلقوا لتكميل اهل الباطل الي باطلهم و تربيتهم علي البطلان لاظهار سر الاختيار و استنطاق صوامت القوابل و لابد و ان يكونوا بحيث يستولون علي ما اريد منهم و ذلك لايكون منهم الا بظهور صفات و افعال شبيهة بصفات اهل الحق و افعالهم علي نحو الدك و الحيلة و السحر و الشعوذة و المعالجات و العلوم و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 525 *»

كان التمييز بين ذلك و بين صفات اهل الحق و افعالهم مما لايمكن للجهال بتلك العلوم و بحقايق الاشياء وجب في الحكمة ان يعينهم الله بتصديقه و اظهار حقيقة الحق و الباطل و لولا ذلك لالتبس الامر و لم‌يعرف الداعي الي الحق عن الداعي الي الباطل ابدا و لصار الخلقة لغوا و عبثا و لم‌يبلغوا الي فائدة خلقوا لاجلها و كم من عمل يزعمه الجهال مما هو خارج عن قدرة البشر و هو من ثمرات علوم غريبة لايزعم وجودها الجهال في الدنيا ابدا فيغتر بذلك و لايعلم حقيقة ذلك الا الله جل جلاله الخالق للخلق فلابد و ان يعين الله خلقه بتصديق اهل الحق و تكذيب اهل الباطل و تعريف الخلق اياهما حتي لايكون لاحد عذر في ترك الحق و هذا هو التسديد الذي قد كتبنا فيه كتبا عديدة و فصلناه في كثير من كتبنا لقلة ناصريه و اهمال العلماء اياه و بهذا التصديق يثبت كل حق يشتبه بنفسه بالباطل لولا التصديق و بذلك يعرف اهل الحق من اهل الباطل في كل مقام.

فصل: و نحن قد رأينا رأي العين و العلم القطعي انه قد قام في الخلق جماعة علماء حكماء و ادعوا انهم ربيون ربانيون قد بعثهم صانع الخلق الي الخلق و وضعهم لتربية الخلق و تعليمهم و سياسة مدنهم و نظم معاشهم و تزكية نفوسهم و ايصالهم الي فائدة الايجاد و الصنع و كانوا متصفين بصفات حسنة متخلقين باخلاق زكية و ظهر علي ايديهم بعض الغرائب و خوارق العادات باتفاق النقلة و صدقهم الصانع و لم‌يبطل امرهم و لم‌يكذبهم و لم‌يظهر بطلانهم و قام جماعة اخري و ادعوا النبوة و الربوبية للخلق و كذبهم الصانع و ابطل امرهم و فضحهم و كذب احدوثتهم فعرفنا ان اولئك كانوا صادقين دونهم و ان المصدقين من عند الصانع و اتباعهم و التسليم لهم رشد و بهم و باتباعهم نصل الي غاية الخلق و فائدته و هذا الدليل يرفع جميع الاحتمالات الظاهرية التي يذكرها الناس و لاتقدح في هذا الدليل و لاجل ذلك هو كاف من جميع الادلة و من اولئك نبينا محمد9 فانه9 قد جاء مدعيا للنبوة معروف النسب شريف الحسب زكي الاخلاق كريم الاعراق غريز

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 526 *»

العلم كامل الحلم دعا جميع الامم الي دينه و بين احوال كثير من الانبياء و بين معجزاتهم و انها آية صدقهم و بين اني لست ببدع منهم و سنة الله في السابق و اللاحق واحدة و اتي بخوارق عادات حكاها و رواها نوعا جميع من روي و حكي وجوده و اتيانه و قيامه و ادعاءه و حسبه و نسبه فعلمنا بوقوعها كما علمنا بوجوده و قد نقل عنه الوف معجز و لم‌يبطل الله امره و صدقه و انار برهانه مع ما اخبر بوجوده الانبياء السلف و ذكر في الكتب السماوية علاماته و صفاته و ما يظهر الي الان من قبور اولاده و المنسوبين اليه معجزات لاتخفي و ظهر علي يد اوصيائه معجزات لاتستقصي و من جملة معجزاته كتابه المهيمن علي كل الكتب اتي به و تحدي اهل العالم من الجن و الانس في غاية الفصاحة و البلاغة مشتملا علي ما يصدقه كل عقل سليم لاينكر منه شيئا و علي اخبارات بالغيب و بضماير القلوب و ما يبيتون به و ذكر بعض آياته و معجزاته و علي اخبار الانبياء و تصديقهم و قد اخبر ان فيه علوم الاولين و الاخرين و استخرج منه اوصياؤه علوما كثيرة و صدقه الله في ذلك و لم‌يقم احدا من الجن و الانس يكذبه و يأتي بمثله من اي جهة كان بالبداهة سواء عللت ذلك بخوفهم او مداراتهم او عدم اعتنائهم او عجزهم او غير ذلك اذ بجميع ذلك يثبت قوله لن تفعلوا فمحض عدم اتيان احد بمثله دليل صدقه و ان زعمت انه يمكن ان يؤتي بمثله فذلك ابلغ في المدعي فانه لو فعل نبي امرا معتادا مثلا صعود جبل ثم جعل من معجزته انه لن‌يقدر احد بعدي علي صعود هذا الجبل فهو ابلغ في معجزته البتة فان عدم قدرة الخلق علي صعود الجبل ادل علي الصدق من عدم قدرتهم علي انطاق الحصي مثلا الا تري ان من معجزات موسي انه حير قومه في التيه و منعهم من الدخول في اريحا اربعين سنة فلم‌يقدروا علي الدخول فكذلك لو دخل نبي بلدا و قال معجزتي انه لن‌يقدر احد بعدي علي دخول هذا البلد فلن يدخل فيه احد مع كثرة الدواعي بل ضرب السيف علي انوفهم علي ان آمنوا او ادخلوا و كذبوني بدخولكم فلم‌يدخله احد فانما هو معجزة خارقة للعادة اشد خرق فعدم اتيان الخلق بمثل القرآن علي اي حال و قبض الله علي القلوب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 527 *»

دليل علي انه من عند الله هذا و النبي المصدق بساير المعجزات يخبر بان الخلق لايقدرون علي الاتيان بمثله و فيه علوم الاولين و الاخرين و تبيان كل شيء و قال في كتابه ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق و في الحقيقة هذا من العجايب ان يعجز الخلق من الاتيان بكلام مثل كلامه و هو ادل آية علي نبوته فهو9 نبي مصدق من عند الصانع الحكيم و يجب متابعته و دليلنا هذا لايحتمل فيه شيء من الشبهات التي يذكرونها و لانحتاج في شيء من امره الي روات و اثبات تواتر و تصحيح آثار و تحصيل قرائن و كفي بالله شهيدا او لم‌يكف بربك انه علي كل شيء شهيد قل اي شيء اكبر شهادة قل الله شهيد بيني و بينكم و كذلك به عرفنا كل نبي جاء قبله و صدقناهم.

فصل: اعلم ان هذين الاصلين حقيقة كافيان في جميع امور الدين من التوحيد فمادونه الي ارش الخدش فما فوقه و لايجب علي المكلف اثبات شيء آخر بعقله و يكفي بعد الاخذ عن النبي الا انه يمكن لنا اثبات الحجج بعد النبي9 بعين تلك الادلة و بتصديق الله سبحانه فاذ قد علمنا انه لايجوز في الحكمة ترك هذا الخلق المختلفين المدنيين مهملا بلاراع و فيه بوار الخلق و لاجل ذلك جبل الخلق علي اتخاذ رئيس لهم و الرجوع اليه و الامتثال و الطاعة له فلابد و ان يكون في كل عصر حجة من الله عالم بصلاح الخلق و فسادهم و بنظم البلاد و العباد و سياستهم و الحكم بينهم بالحق و لايجوز في الحكمة الاخلال بهذا الامر اذ فيه فساد العباد و البلاد فما دام يجوز في الحكمة ان يكون نبي يجب ان يكون نبي و اذا لم‌يجز اتيان نبي وجب ان يكون امام بين الخلق و كل عقل سليم يشهد بعدم جواز ترك الخلق الي آخر الابد من غير حجة مع هذه النفوس المختلفة و الشقية الساعية في اطفاء نور الحق و تركهم بيد الجهلة مع العلم بغلبة الجهال و دول الضلال و مع العلم بعدم حفظ الجهلة جميع مسائل الحلال و الحرام كما شرحناه في ساير كتبنا فوجب في الحكمة نصب حجة في كل عصر معصوم مطهر لانه من وضع الله الكامل الذي لايعجزه شيء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 528 *»

و قد اجمع الامة علي جهل جميع الامة غير آل محمد: بجميع الشرايع و علي عدم عصمتهم و علي عدم كونهم من عند الله و بنصب رسول الله9 فهم ليسوا بحجج و لم‌يبق احد يكون حجة الا آل محمد: فهم الحجج المعصومون يقينا و قد ادعوا ذلك و ادعي الشيعة في حقهم ذلك و قد جدت الجبابرة و علماؤهم في كل عصر و جميع اعدائهم في غاية الجد علي ان يكذبوهم و يستظهروا فيهم وصمة فلم‌يقدروا الي ان رضوا بقتلهم و لو قدروا علي ابطال امرهم ما قتلوهم و ما اكتسبوا اللعن الابدي ابدا ولكن اعياهم امرهم فرضوا بالعار و دخول النار فقتلوهم و ذهبوا الي دار البوار جهنم يصلونها و بئس القرار و روي عنهم معجزات لاتحصي و يظهر من قبورهم في كل عصر فاي تصديق من الله اعظم من ذلك و اي امر اوضح مما هنالك؟ و روي في حق كل لاحق من السابق نصوص عديدة و لم‌يبطل الله امرهم بل صدقهم اعظم تصديق فهم الائمة الحجج الطاهرون المعصومون المطهرون علي القطع و اليقين و يجب الرجوع اليهم و التسليم لامرهم و توليهم و البراءة من اعدائهم علي ما شرحنا و بينا و مذهبهم و طريقتهم في جميع امور الدين معروف مشهور فآمنا بهم و صدقناهم و دنا بدينهم و ذهبنا مذهبهم و لايحتاج ساير امور الدين الي بسط مقال و نقول مجملا قولنا في جميع الاشياء قول آل محمد: في ما اسروا و في ما اظهروا و في ما بلغنا عنهم و في ما لم‌يبلغنا فما علمنا انه دينهم و منهم صدقناه و ما لم‌نعلم رددناه اليهم فان عرفنا حكمهم فيه عملنا به و صدقناه و ان لم‌نعلم وقفنا عنده حتي يأتينا البيان منهم.

فصل: اعلم ان لنا اصلا اصيلا يتفرع عليه فروع كثيرة في مسائل الاصول و الفروع و قد كتبنا فيه رسائل عديدة و بسطنا القول فيه اينما مر ذكره في ساير كتبنا و هو مسألة اللطف و المراد منه ما يقرّب العبد من الطاعة و يبعده من المعصية بحيث لايؤدي الي الالجاء و هو ايضا فرع انه هل يجب علي الله شيء ام لا يجب؟ و اختلف الناس في ذلك و اطالوا التشاجر و البحث و الرد و الذي اراه عيانا ان ذلك

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 529 *»

ناشيء من عدم معرفتهم كما ينبغي بالصانع جل و علا و الغالب في الاختلاف الواقعة بين العلماء ان كل واحد منهم يري وجها من المسألة و يحكم بما رأي علي وجه كلي فينازعه الاخر بوجه منها رآه علي وجه كلي فبذلك يطول التشاجر بينهم و لو وضعوا كل شيء في محله لارتفع النزاع و مثلهم في القال و القيل كالعميان و الفيل فاقول و بالله التوفيق ان الله جل و علا ذات احدية يمتنع معها ذكر ماسواها عينا و كونا و امكانا و اثباتا و نفيا فلايعقل وجوب شيء عليها بوجه من الوجوه و هي غير متناهية بنهاية و غير محدودة بحد فلايعقل تقيده بشيء و لو كان يجب عليه شيء امتنع عليه خلافه فيكون عاجزا عن احداث غيره و العجز تحديد و التحديد من علائم الحدوث فلايجب عليه شيء و لايضطر الي شيء و هو قادر قدرة لا حد لها و لا نهاية و لا حد لقدرته كما لاحد له حتي في السؤال الشيطاني المعروف هل يقدر الله ان يدخل السماء في البيضة من غير ان يصغر السماء او يكبر البيضة فهو قادر قدرة لا حد لها و لا نهاية و انما النقص من القابل اذ ذلك لايكون و ان قلت ان الله خلق الاشياء لا من شيء و يخلق لا من شيء و لا قابل قبل خلقه فهل يقدر ان يخلق ذلك لا من شيء قلت ان القابل و ان لم‌يكن قبل خلقه ولكن لابد و ان يكون مع الخلق فان القابل هو الانوجاد و هو لايكون الا مع الايجاد و لايعقل ايجاد بلاانوجاد و لا انوجاد بلاايجاد و الانوجاد فعل الموجد بالفتح بالبداهة و الايجاد فعل الموجد بالكسر بلاشك و هما متلازمان و ان قلت هل الانوجاد من فعل الله ام لا؟ قلت نعم الانوجاد ايضا بالله اوجده بنفس الموجد بالفتح علي حسبه بالجملة لماكان الواجب في ظهور الايجاد و وقوعه الانوجاد فان كان لاينوجد شيء فلايظهر ايجاد و ان صدر من الموجد فعل لا نهاية له كما ان النور يصدر من الشمس و ما لم‌يكن كثيف لا ظهور و الصدور موجود فالقدرة غير المتناهية من القادر موجودة ولكن لاتظهر في ما لايكون و لاينوجد و دخول السماء في البيضة بلا تغيير مما لايكون و لاينوجد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 530 *»

و ان قلت هل يقدر الله علي رفع المانع منهما قلت المانع كبر السماء و صغر البيضة و هو قادر علي تكبير البيضة و تصغير السماء هذا و هو سبحانه مع تلك القدرة غير المحدودة غني و ليس فيه اقتضاء لشيء لاحديته و عدم ذكر شي‌ء علي معني الامتناع و انما منه القضاء علي حسب الاقتضاء في الخلق مع الخلق لا قبله و لا بعده و خلقه جل و علا في محله من حيث الرب كماله و صفة تعريفه و تعرفه فلاجل ذلك يكون بحيث يدل علي وحدة الرب لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا فلابد و ان يكون الخلق مرتبطا بعضه ببعض ارتباطا تاما لا فطور فيه و لا فساد فيكون مرتبطا مسبباته باسبابه و معلولاته بعلله و صفاته بذواته و افعاله بفواعله و شهادته بغيبه و ادانيه باعاليه بحيث لايستغني احدها عن غيره و يكون كله متصلا مرتبطا كبناء واحد حتي يدل علي رب واحد فاذا لابد و ان يكون علي نهج الحكمة و الصواب و الكمال و لابد و ان يكون علي نهج الاكمل و الاولي فانه كمال الاحد الذي لا نهاية له و لا غاية و دليله و تعريفه و تعرفه و الكمال بلا نهاية هو اكمل الكمال فالله سبحانه لايجب عليه شيء و انما الواجب في الخلق و للخلق يعني ان الخلق يجب ان يكون كذا و يجب ان يكون كذا فاذا كل ما هو من اسباب الارتباط و الانتظام و الاتصال و الصلاح هو واجب في الحكمة و كل ما هو من اسباب الاختلال و الانتثار و الافتراق و الفساد لايجوز في الخلق و العقول تدرك ذلك علي النحو الكلي و اما الجزئيات فلاتكاد العقول الناقصة تدرك ذلك فلرب شيء يحسبه العقل الناقص اكمل و ليس بواقع الا تري ان العقل الناقص ربما يزعم انه لو لم‌يغب الحجة لكان احسن او لو لم‌يغصب الخلافة لكان اكمل او لو كان كل احد معصوما او كان كل من اراد ان يعصي منع منه او لو كان شمسان او قمران او لو كان النبات شاعرا او الحيوان لايموت لكان احسن و هكذا و اكثر العقول الناقصة لها تعرضات في الخلق و تري غير الواقع اكمل من الواقع فلاعبرة برأيها و لرب شيء يقول فيه حكيم انه اكمل و لايري حكيم آخر فيه كمالا فلايمكن الاستدلال به في محل الشك ان الاكمل هو هكذا فلابد و ان يكون كذا اللهم الا ان يجمع العقول علي اكملية شيء او يكون عليه

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 531 *»

نص في الكتاب و السنة فعند ذلك يمكن الاستدلال به فعلي ذلك مناط الاستدلال الامور الكلية التي تدركها العقول الجزئية فمن ذلك قولنا في الاستدلال علي لزوم بعث الانبياء ان الخلق علي نهج الحكمة و الصواب و دال علي ان الصانع حكيم في خلقه و الحكيم لايلغي و لايعبث فخلق الخلق لفائدة و هي كمال و خير ينالونه لا النقص و الشر لانهما لايقعان مناط نظر الحكيم الجواد و فعله و هو كامل و خير و هو غني عنها فلابد و ان يكون الفائدة عائدة الي الخلق دون الخالق و لابد و ان يكونوا متمكنين من الوصول الي تلك الفائدة و هي في امكانهم و في قوتهم و لم‌تخلق فيهم بالفعل بالبداهة فانهم ينشؤون من التراب و يخرج من كمونه الكمالات شيئا بعد شيء بالبداهة فلابد من خلق اسباب تحصيل تلك الفائدة لهم و تلك الاسباب ما يخرج بها من كمونهم تلك الفائدة و لابد و ان تكون مشاكلة فبالنور يخرج منهم النور و بالخير يخرج منهم الخير و بالكمال يخرج منهم الكمال و بالعلم يخرج منهم العلم و بالقوة يخرج منهم القوة و هكذا فلابد و ان تكون تلك الاسباب ذات الفائدة واجدة لها بالفعل فلابد و ان يخلق في الخلق خلقا كاملا خيرا صالحا دائما ثابتا قويا قادرا ذا فضائل حتي يستخرج الله به من كمون اولئك تلك الفضائل التي هي فائدة الايجاد و الخلق و لابد و ان يكون انسانا للزوم مشاكلة الاسباب مع المسببات و ليس ساير الخلق كالجماد و النبات و الحيوان صالحا لفعلية الفائدة فيه و كذا لايصلح لذلك البسايط لنقصانها فانها وجودات ناقصة كل بسيط ذو جهة واحدة و ليس ذلك شأن مجموعها شيئا علي شيء بان يكمل جزء منه جزءا من الانسان و يستخرج منه الفائدة فانها تكميلاتها نوعية لا شخصية فلايتربي الانسان بالافلاك فيتعلم مسألة خاصة بها كما تري علانية و انما يحصل له بها مدارك نوعية و لابد في استخراج الكمالات الشخصية من اسباب شخصية فلابد من انسان جزئي يتكلم بلفظ خاص مثلا حتي يتعلم الانسان ذلك اللفظ الخاص و يهدي هداية خاصة حتي يهتدي بهداية خاصة و ينظم نظما خاصا حتي ينتظم امرهم بذلك الانتظام الخاص فذلك الانسان الخاص الذي صار فيه الفائدة بالفعل هو النبي المرسل الذي هو في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 532 *»

بدء بعثته واجد ما هو فائدة الخلقة و تحصل للخلق بعد التكمل ان تكمل فلاجل ذلك هو في الدنيا كالمؤمن في الجنة و لاشك ان من يهدي الي الحق احق ان يتبع ممن لايهدي الا ان يهدي فما ارسل الله رسولا الا ليطاع باذن الله و ذلك واجب في كل عصر اذ المحتاجون الي التكميل في كل عصر فلاجل ذلك يجب في كل عصر نبي و حجة كامل بالغ فائدة الخلقة مكمل للرعية ناظم لامورهم مصلح لمعاشهم و معادهم و من كمال الرسول ان يكون له علامة و هي آثار حصول الفائدة له فمن كان علي الحق او رسولا و حجة حقيقيا بالغا فائدة الخلقة لابد و ان يكون فيه آثار بلوغ الفائدة من الكمال و النور و الخير فيه بالفعل فيكون قادرا علي ما لايقدر عليه الناقصون و هي المسماة بخارقة العادة و لابد و ان تكون مقرونة بالتحدي و ادعاء الحجية و لماكان في الخلق علوم و حيل به يظهرون بعض اشباه المعجزات و يعجز الضعفاء عن التمييز بينها و بين المعجزات لابد و ان يعاون الله الخلق بتصديقه و تكذيبه فانه عالم بالصدق و الكذب و الخلق جهال لايميزون بينهما و الخلق لايرون الله و لايسمعونه و ليسوا بقابلين للوحي حتي يسمعوا من الله تصديق الصادق و تكذيب الكاذب فلابد و ان يظهر الله تصديقه بتنفيذ عمل الصادق و منع عمل الكاذب فمن ادعي بالباطل نبوة او امامة و اراد ان يظهر بالحيلة شبيه المعجزات يجب في الحكمة افتضاحه و اظهار انه حيلة او منعه منه و من جاء بالحق و اتي بخارق عادة ينفذه و يجريه علي يده و لا علاج في معرفة الحق غير ذلك و كررنا القول لتطلع علي نهج الاستدلال بعد العلم بالاصل المذكور و من علم ان الخلق لايقوم الا بناموس و ان الذين ينكرون لزوم بعث الانبياء هم احياء لاجل عمل اهل الناموس بالناموس عرف ان كلام البراهمة بالخرافة اشبه و كذلك يستدل علي لزوم وجود حجة من الله في كل عصر و كلام العامة بالاهمال اشبه.

فصل: اعلم ان الحجة من الله لابد و ان يكون في كل عصر متيقنا به فان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 533 *»

الله قادر علي ذلك و كونه متيقنا به ادحض لحجة الخلق و انفي لعذرهم و اكمل و المظنون يحتمل الخلاف و لايثبت الهمم علي الاخذ به و يحكم العقل باولويته لا بوجوب الاخذ به و فيه من تزلزل القلب ما لايخفي و المتزلزل لايثبت توجهه الي الله سبحانه فلايستمد معه علي الجزم فلايمد علي الجزم و الشيء الذي من ذاته مظنون مورد الاختلاف فان الاذهان مختلفة فان اصابه ذهن اخطأه ذهن كما تري ان العلماء يعملون بالظن و يختلفون في المسألة الواحدة علي اقوال شتي بخلاف المتيقن به فانه لايسع احدا الاختلاف فيه كما انه لايختلف احد من الامة في الضروريات و المتواترات اللهم الا ان يكون لاحد شبهة تخرجه عن حد الاصحّاء الي حد الموسوسين و المرضي و لا كلام فيه و اما المظنون فيزل عنه الظن بادني شيء لايخلو عنه غير المعصوم و لاجل ذلك لايغني الظن من الحق شيئا علي نحو الاطلاق و الاكتفاء به فعل العاجز الناقص و الله سبحانه قادر كامل فلايرجح الحجة المظنونة علي المتيقن بها البتة هذا و نص علي عدم جواز الاكتفاء بالظن في سبعين آية من كتابه و تواتر النص بذلك في الاخبار مطابقة مع الكتاب و صحيح الاعتبار فمنها ما قال النبي9 البر ما اطمأنت اليه النفس و البر ما اطمأن اليه الصدر و الاثم ما تردد في الصدر و جال في القلب و ان افتاك الناس و افتوك فلايجوز ان يكون الحجة مظنونة فاذا بعث نبي او قام امام لايحصل اليقين بانه من عند الله لايجب طاعته و لم‌يقم لله حجة علي خلقه البتة هذا و اليقين اثر العلامات الدالة علي الحق و البراهين التامة المنتجة و الشك اثر العلامتين الدالتين علي الوجود و العدم و الظن من رجحان احدي العلامتين و حجج الله معصومون ليس فيهم علامة البطلان و دليل الكذب و ليس لاعدائهم علامة حق يشتبه امرهم علي الحق و لكل من اضغاث الحق و الباطل علامته و القلوب منها من طينة الحق و يميل اليه و منها من طينة الباطل و يميل اليه فامارات الحجة من الله في اصل الخلق دالة‌ علي الحق الواقع البتة اللهم الا ان يكون نفس المحجوج مشوبة باصباغ شبهات سجينية فلايحصل له اليقين بواسطة اصباغها فيظن او يشك و لا قصور في اصل الوضع الالهي

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 534 *»

كالذي لايحصل له اليقين بالمتواترات و الشياع لاجل كثرة الوساوس و الشبهات الباطلة فهو مقصر من ذات نفسه و لله الحجة عليه لا له علي الله فالذي من الله لا نقصان فيه بتة و يجب تعديل النفس و اصلاحها اذا كان فيها اعوجاج و كان الصادق7 كثيرا ما يقول:

علم المحجة واضح لمريده

و اري القلوب عن المحجة في عمي

و لقد عجبت لهالك و نجاته

موجودة و لقد عجبت لمن نجا

و لايجب في الحكمة منع النفوس عن غيها فانما نري انه ربما يعتاد النفس التشكيك حتي انها ربما لاتكاد تتيقن بدخول يدها تحت الماء اذا غمستها فيه و لاتكاد تتيقن بابتلال يدها من الماء و ذلك مرض عرضها و ليس علي الله منع النفوس عن اعراضها لزوال الاختيار حينئذ فاذا عرفت ذلك فاقول انه لاشك في عدم الفرق في حجج الله في زمان دون زمان فليس انه يجب ان تكون في زمان مقطوعا بها و في زمان مظنونا بها لان الرب واحد و قدرته ابدا كاملة و ما منه ابدا بريء من النقايص و ليس فيه علامة بطلان و فساد فاذا يجب ان يكون دينه ابدا من حيث الصدور منه مقطوعا به خاليا من علائم البطلان اللهم الا ان يكون اذهان الرعية مصبوغة معوجة لعدم عجزه سبحانه عن تكميل دينه و وجدناه يقول اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و وجدنا وليه يقول مطابقا للكتاب ام انزل الله دينا ناقصا فاستعان بهم علي اتمامه ام كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا و عليه ان يرضي ام انزل دينا تاما فقصر الرسول عن ابلاغه و ادائه و وجدناه يقول في الزيارة و جاهدتم في الله حق جهاده حتي اعلنتم دعوته و بينتم فرائضه و اقمتم حدوده و نشرتم شرايع احكامه و سننتم سنته و صرتم في ذلك منه الي الرضا فوجدنا الخبرين مطابقا للكتاب مع ما يقول لله الحجة البالغة و ينهي عن الظن بقول مطلق في آي عديدة و ما استدلوا به من قوله اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم انه يدل ان بعض الظن صواب و حق فليس في محله لانه مجمل و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 535 *»

لم‌يبين فيه الظن الصواب من الخطاء فلايعرف منه الظن المتبوع و المتروك و لعل الظن الذي ليس باثم هو الظن الحاصل بالموضوعات و له حكم من الشارع و لا حجية في مجملات القرآن الا علي نحو الاجمال و قد قام الاجماع من المذهب علي اصلية حرمة العمل بالظن و خالف الاجماع بعض المتأخرين و لايقدح في الاجماع بل تقدح المخالفة في المخالف و ما قيل من انه لاشك في اصلية حرمة العمل بالظن ولكن ما من شيء حرمه الله الا و قد احله لمن اضطر اليه و نحن مضطرون اليه لسد باب العلم نقول هل انسد باب العلم لشبهة دخلت في الاذهان او لنقص في الابلاغ و ضعف في حجة الله او لغلبة الجهال و دول الضلال؟ فان كان لشبهة دخلت في اذهانكم فلا حجة لكم و انما الواجب اصلاح اذهانكم و لو كان لكم عذر لكان عذر لاغلب الجاحدين للنبوة و الامامة بل الربوبية و ان كان ظنكم انه لنقص في الابلاغ فقد ادحضتم حجتكم فان حجة الله هي البالغة و روي من شك او ظن فاقام علي احدهما فقد حبط عمله ان حجة الله هي الحجة الواضحة و الله يقول لله الحجة البالغة فلو شاء لهديكم اجمعين و ان كان لغلبة الجهال و دول الضلال فلله في كل حادثة حكم و له في هذه الحادثه ايضا حكم و لايعجزه ايصال حكم حالة غلبة الجهال و دول الضلال الينا و حكم هذه الحالة هو دين الله فيد الله ابدا فوق ايديهم و اني لهم ان يستولوا علي دين الله و يزيلوا اعلامه عن مواقعها و نحن في كل حال طالبون حكم الله في تلك الحال و وجدنا الله يقول اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلاتخشوهم و اخشون اليوم اكملت لكم دينكم و اتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الاسلام دينا و يقول بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و قال جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا و يقول انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون و يقول ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض و روي ان لنا في كل خلف عدولا ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و روي لاتخلوا الارض من حجة كيما ان زاد المؤمنون شيئا ردهم و ان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 536 *»

 نقصوا اتمه لهم و انما يغلب دول الضلال في الظاهر و الملك الدنياوي و لاتغلب ابدا في الحجة و البرهان و وجدنا الاخبار مطابقة للكتاب و الاعتبار فهي المتبعة فلايقدر الجهال علي اللعب في الدين و ان قيل انما يغلب الضلال في الملك الظاهر علي الاولياء فيختفون او يسكتون او يتقون و بجميع ذلك يختفي ادلة الحق فيشتبه الامر علي الخلق و يرتفع اليقين و يجيء الظن و لربما يرتفع الظن و يجيء الشك و هذا مشهود لاينكر قلنا نحن متكلمون علي حجة الله نوعا لا شخصا و كلامنا في انه بالمخفي و المشكوك و المظنون لايحتج الله علي الخلق و انما يحتج بالمتيقن ففي كل عصر ما يحتج الله به علي العباد هو الحجة المتيقنة في ذلك العصر و ما غيبه الله و ستره بغيبوبة برهانه و استتاره لم‌يرد الاحتجاج به لما عرفت ما ننسخ من آية او ننسها نأت بخير منها او مثلها و ان قيل ان في الاخبار ان لكل من الحجج كذابا يفتري عليه قلنا لا منافاة بين افتراء المفتري و نفي الحجة اياه و اظهار الحق و ابطال كيده كما قال تعالي و ما ارسلنا من رسول و لا نبي الا اذا تمني القي الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و وجدنا اخبار وجود العدول النافين و وجود الحجة الراد للزايد و المتمم للناقص مطابقة للكتاب فلاتخشوهم و اخشوا الله فاذا لايبقي كيد المفترين في الدين و ينفيه حجة رب العالمين اما بنفي اصل المفتري او بتسديد الفقيه و اعثاره علي الباطل و تسديده بالحق و الهامه اياه و بم شاء و كيف شاء و لايجوز ان يبقي في جانب سجين شياطين مظنون و لايبقي في جانب الحق العادلون النافون المصلحون المسددون و ان قلت عدم حصول العلم من الاخبار بديهي مع كثرة الاحتمالات المذكورة في محلها قلت لعل تلك الاحتمالات من شبهات حصلت في اذهانكم اذ هناك فقهاء عدول يقولون يحصل لنا العلم بلا اكتراث و نهي الله عن العمل بالظن في آي عديدة و الحجج في اخبار متواترة و لو كان ما كان يمكن حصول العلم لشيعتهم لما نهوا عن العمل بالظن و انتم تقولون ان في اعصارهم ايضا ما كان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 537 *»

يمكن تحصيل العلم فما بالهم لم‌يأذنوا لشيعتهم في العمل بالظن ابدا فتبين ان الظن ليس من قصور الحجة و انما هو من قصور اذهانكم و هناك قوم آخرون يحصل لهم العلم لخلو اذهانهم عن الشبهات و ان قلت قد اشتبه عليهم و سموا الظن علما قلت ان ذلك اخبار عن الباطن و ليس من باب المباحثات العلمية حتي نجيب عنه و اني انشدك بالله ان كنت عالما بالسياسة التشريعية ان تنصفني في ما اقول لك هل يمكن في العادة او في سياسة الدين ان يبعث نبي و يأتي بكتاب و ينهي فيه امته في سبعين موضعا من كتابه عن الظن ثم يصدر منه اخبار متكاثرة في حرمة العمل بالظن ثم يصدر من خلفائه في الاعصار العديدة اخبار متوافرة في حرمة العمل بالظن و هم يرون ما جري علي العامة بعد فقدان النبي من انسداد باب العلم و حاجتهم الي الظن و يخبرون بوقوع الغيبة الي ما شاء الله و لايصدر عنهم مع ذلك خبر واحد يخبرون باحتياج شيعتهم الي العمل بالظن و لايسألهم احد منه حتي يحوجوا شيعتهم الي الاستدلال بادلة عقلية ناقصة و شبهات و براهين غير اجماعية يذكرها بعضهم و يقدح فيها بعضهم و لا مستند لها في شرعهم حتي يذكر مدعوه انا نعمل بالظن من باب اكل الميتة و من باب علية ما اضطررنا اليه هل يجوز ذلك عقلك في سياسة الدين من العالم المتين فضلا من رب العالمين؟ و اعجب من ذلك ان منهم من يدعي ان الناس في عصر النبي9 و اعصار الائمة: كانوا يعملون بالظن و علي الظن مدار العالم و اساس عيش بني آدم مع انهم يرون انه لم‌يصدر منهم خبر واحد في تجويز العمل بالظن و صدر منهم اخبار متواترة و نزلت آيات متكاثرة في حرمته و يأولونه جميعها و يعملون بظنونهم و يستدلون بالظنون علي الظنون و ايم الله قسما ان ذلك لا يظن بمن يعلم سياسة المدن و سياسة الشرايع و الاحكام بل هو من المحال و هم صلوات الله عليهم يعلمون غيبتهم و طولها و احتياج الخلق الي معرفة الدين و ما كان يضرهم ان يخبروا شيعتهم انكم سوف تحتاجون الي الظن و ابحناه لكم فخلو الاخبار من الاذن ادل دليل علي ان جميع ادلتهم نفخ في غير ضرام

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 538 *»

و القول بانا نعمل بالظن بدليل قطعي ساقنا اليه فنحن عاملون بالقطع قول عجيب فان الدليل القطعي كتاب الله و سنة نبيه فان كان لهم دليل فليأتونا به و الا فادلتهم العقلية ليست بقطعية و ليس عقولهم معصومة و ليست بحجة من الله علي الخلق و لايجوز العمل بالعقول و قد بسطنا القول في هذه المسائل في كتبنا الاصولية لاسيما علم اليقين فراجع و ان رأيت من مشايخي تجويز العمل بالظنون في كتبهم و التسجيل عليه فالله اعلم بمرادهم و الذي اعرف منهم غير ما كتبوه و انما ساقهم الي ذلك مصالح ليس هنا موضع ذكرها.

فصل: ان قلت ان ما ذكرت من حيث الالزام ملزم ولكن اخبرنا عن صفة حصول العلم و وجهه لعله يحصل لنا كما حصل لكم قلت ان ذلك يحتاج الي مقدمات ثلث:

الاولي ان تعلم ان العلم علي ثلثة اقسام علم عقلي و هو حالة في العقل و ثبات و جزم يحصل له من ملاحظة آثار كلية لمؤثر كلي بلا معارض او ملاحظة لازم لملزوم او ترتب شيء علي شيء و امثالها فيستدل العقل من تلك الادلة علي ذلك المدلول انه كذا نحو كل مركب جايز الوجود فان الاجزاء ما لم‌تقترن لم‌تتركب و لم‌يحصل منها شيء واحد فذلك الشيء الواحد فرع التركيب و التركيب فرع الاقتران و الاقتران فرع وجود الاجزاء و الذي وجوده فرع وجود شيء آخر ليس بقائم بنفسه فهو قائم بغيره و كل قائم بغيره محتاج الي غيره فان حصل ذلك الغير حصل ذلك الفرع و الا فلا فهو غير واجب بنفسه لنفسه فهو جايز الوجود فذلك علم عقلي لايحتمل عند العقل غيره و اما اذا قام له دليلان و لم‌يقدر علي معرفة ترتب كل مدلول علي دليله و اشتبه الامر عليه يحصل له تردد فاذا نظر الي دليل يري ان مقتضاه ان يكون كذا و اذا نظر الي الدليل الاخر يري ان مقتضاه كذا او يري الدليلين و لايدري اقتضاهما فعلي اي حال لايجزم علي وجود النتيجة كان يتفكر مثلا هل ما له اجزاء

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 539 *»

متناه ام لا؟ فمرة ينظر في ان ذا الاجزاء اجزاؤه معدودة و كل معدود متنقص و مرة ينظر و يقول ما ضر ان يكون الاجزاء غير متناهية و يكون المركب من ذلك مركبا من اجزاء غير متناهية فان لم‌يقدر علي فهم لازم كل واحد علي الحقيقة او علي اثره او ما يترتب و يتفرع عليه هو شاك في تناهيه و عدم تناهيه و ان رجح احد الدليلين يظن ثبوت مقتضاه و يوهم الاخر و لايجتمع اليقين مع الظن و الشك فان جاء احدهما فسد الاخر و ذهب فاليقين ثبات العقل و الظن و الشك تردده و هذا العلم العقلي مقصور علي الكليات و لايحصل لشخص جزئي في الجزئيات ولكن العقل الكلي يحيط بجميع الجزئيات و له ان يستدل بدليل عقلي علي كل جزئي جزئي و اما نحن فلانقدر علي استعماله في الجزئيات و الادلة العقلية الاصطلاحية في علم الاصول ادلة نفسية جزئية صورية لا معنوية كلية و تسميتها بالعقلية في مقابلة النقلية و ليست من العقل بمراح و لا مغدي و علم عادي ليس من لوازم دليله بحسب العقل و انما تلازمهما عادي و مشعره النفس و مشاعرها الباطنة و الظاهرة و موضوعه الجزئيات كالعلم الذي يحصل للانسان بوجود مكة بسبب تضافر السماع و تواتر الخبر و الشياع و ليس وجودها من لوازم التواتر و يمكن في العقل تخلفهما ولكن العادة قاضية بان المخبرين بهذه الكثرة لايتواطؤن علي الكذب و كذلك وجود الشخص مع رؤيتك و ليسا بمتلازمين عقلا اذ يمكن ان يكون خيل لك ولكن يحصل لك العلم بسبب العادة و علي هذه فقس ماسواها و هيهنا قد يكون الدليل بلامعارض فيحصل القطع العادي و ان كان له معارض عقلي و يمكن في العقل خلافه كما انك اذا جلست تحت سقف محكم تعلم عادة انه لايسقط و ان كان يجوز سقوطه عقلا فمن لم‌يثبت عند امارة العلم العادي يعد مجنونا في الناس و اكتفي بذلك الرب عن عباده في الجزئيات و الانبياء و الحجج عن رعيتهم و تكتفي به السجية الانسانية في جميع امورها الكونية و علي ذلك بناء العالم و اساس عيش بني آدم و هو العلم الحقيقي المعروف في العرف و اللغة و لايشترط في الركون اليه العلم العقلي و لا ظنه بل يركن اليه و لو كان عقلا موهوما و لاينبغي للانسان ان يعود

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 540 *»

ذهنه بالاضطراب اذا لم‌يكن له دليل عقلي قطعي او ظني و من هنا اتي القوم و مثلهما كرجلين مرا بساباط فجاز احدهما علي العادة و مضي و جلس الاخر دونه و قال فلننظر هل سقوط هذا السقف واجب او جايز او ممتنع و اخذ في اقامة الادلة علي كل واحد و الرد و البحث و صنف كتبا و ذكر لها مبادي و مسائل و جميع ما يتفرع عليها و اختلافات الناس فيها و بقي علي ذلك اياما علي حذو قول الشاعر:

ظفر الطالبون و اتصل الوصــ

ــل و فاز الاحباب بالاحباب

و بقينا مذبذبين حياري

بين حد الوصال و الاجتناب

و لاشك ان مثل هذا الرجل يعد في العرف مجنونا و يقابل هذا العلم الظن العادي و شكه و وهمه و ذلك اذا قام علي شيء امارتان تدل احداهما علي ثبوت الشيء و الاخري علي نفيه فان تساوتا يحصل الشك و ان رجح احداهما يحصل الظن و المرجوح موهوم عادي فالنفس حينئذ متزلزلة لاتثبت علي طرف و علم شرعي و هو ما قام عليه دليل شرعي بالمعارض و هذا يقابله الظن الشرعي و شكه و وهمه عند قيام دليلين شرعيين و لايعارضه الظن العادي و لا شكه و لا وهمه و لا تضر به كما انك اذا كان ثوبك طاهرا و حصل لك ظن بوقوع نجاسة عليه او شك او وهم فهو طاهر شرعي يقينا اذ لاينقض اليقين الا بيقين مثله فانت عالم بعلم شرعي بطهارة ثوبك و ان كنت تظن عادة انه لاقي النجاسة و كذا و ان لم‌يكن لك دليل عقلي بتي علي طهارة ثوبك و لاينبغي للمؤمن التزلزل في طهارة ثوبه بواسطة ظنه العادي بالنجاسة او عدم دليل عقلي علي طهارته و انت لو اتقنت هذا الاصل استرحت من كثير من شبهات القوم.

الثانية: ان تعلم ان الله سبحانه مختار و خلق الخلق مختارين ثم اختبرهم بالامر و النهي و خلي سربهم و اقدرهم علي الامتثال و المخالفة فمن آمن فبقوته و من كفر فبنعمته و لم‌يمنع احدا منهم عما اراده قال تعالي فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر و قال انا هديناه السبيل اما شاكرا و اما كفورا فلما خلقهم مختارين و اقدرهم علي ما يختارون تغيرت الفطر عن الوضع الالهي بسوء اختيارهم و تفاوته

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 541 *»

كما قال آدم علي نبينا و آله و عليه السلام

تغيرت البلاد و من عليها

و وجه الارض مغبر قبيح

و ذلك من حين قتل قابيل هابيل و لماكان و لايجوز ان يخلي الله العباد عن الامر و النهي اذ فيه بوارهم و هلاكهم عن رأس جعل لكل حالة منهم منه حكما و لاجل ذلك صار لله تعالي حكمان حكم اصلي اولي و هو حكم الفطرة الاصلية المشار اليها فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله و حكم ثانوي و هو حكم الخلق في الحالة الثانية و الاعراض الحاصلة بسوء اختيارهم اما الحكم الاولي فهو حكم واحد لا يتغير و لايتبدل و هو الان عند الله و عند حججه مخزون لم‌يؤمر الخلق بعد التغير بطلبه و الفحص عنه و تحصيل اليقين او الظن به فانه ليس صلاحهم الان كما ان الغذاء الذي يناسب الصحيح لايناسب حال المرض و لاينبغي للمريض تمنيه و لا طلبه فانه ضار به و اما الحكم الثانوي فهو حكم حال المرض و ذلك يختلف بحسب اختلاف الامراض و كلما يتغير مرض و يحدث مرض يحدث له حكم من الله سبحانه و جميع ما يذكره الاصوليون من العلل و الامراض الطارية المانعة من الوصول الي الحكم الاولي لها حكم ثانوي و ينبغي لنا طلب حكم ذلك المرض لا حكم الصحة المحجوب بالمرض و حكم المرض لايخفي اعلامه و لايخبؤ ضوؤه و ان حدث مرض علي مرض يحدث حكم من الله لذلك المرض الثاني فهب نسلم انه حدث في الاثار دس الداسين و تحريف المحرفين و سهو الساهين و كذب الكاذبين و اختلاف اللغة و انطماس القرائن و جهل بالرجال و غير ذلك اليس لله حكم لكل علة و يجب علينا طلب حكمنا بعد حدوث تلك العلة و حكم كل علة لايخفي و ليس الله عزوجل بعاجز عن ايصال حكم العلة علي اليقين اذ لا مانع منه و كل مانع فرضوه فله حكم خاص به و جميع الاحكام دين الله فلا مانع من ايصال الله دينه علي نحو البت و اليقين و اذا اتقنت هذه المقدمة تستريح من جميع التعب الذي يجرونه الاصوليون الي انفسهم و انت في كل حال تطلب حكم حالتك و علتك التي عليك و لاتحتاج

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 542 *»

الي تحصيل الظن و انما حمل الاصوليين علي الظن ما زعموه من ان الحكم الاصلي هو ما صدر عن الحجج و انما عاقنا عن الوصول اليه علي اليقين موانع فنطلب الظن به لبقاء التكليف به بالاجماع و ذلك خبط في خبط فان الحجج بعثوا بعد تغير الخلق عن الفطرة الاصلية و ليس ما صدر عنهم بالحكم الاولي بل هو حكم حالة العلل و قد ذكروا في اخبارهم حكم كل علة و جعلوها قطعية فان كنت جاهلا فقد ذكروا حكم الجاهل و ان كنت علي شبهة فقد ذكروا حكم المشتبه عليه و ان كنت تفهم الحكم من اخبارهم فقد ذكروا حكم من يفهم و ان كنت لا تفهم فقد ذكروا حكم من لايفهم و ان كنت تعرف الجمع بين اخبارهم فقد ذكروا حكم من يعرف و ان عجزت عن الجمع فقد ذكروا حكم العاجز و هكذا و لم‌يبقوا عذرا لذي عذر ابدا و بذلك اوضحوا الدين و بينوا احكام الشرع المبين و الا فلا شك ان الحكم الاولي لم‌يصل الي الخلق علي اليقين بل ما صدر عنهم لم‌يصل الينا كماصدر فافهم ذلك و اتقنه.

و الثالثة: ان تعلم مقدمة التسديد و التقرير و العلم بان الحجة7 حي شاهد ناظر مطلع قادر علي تقريب البعيد و تبعيد القريب حافظ للدين معط كل ذي حق حقه و سائق الي كل مكلف تكليفه لا مانع من تصرفه الباطني و ان كان مانع من تصرفه الظاهري و هو مأمور من عند الله سبحانه بحفظ الدين و اصلاحه و نفي دس الداسين و تحريف المحرفين و تأويل الجاهلين و تعريف الاحكام كما شرحنا و بيننا فمن كان محدثا مفهما مستنبطا قابلا لمعرفة الاحكام و راجع آثارهم و طلب احكامهم يسددونه و يعرفونه دينهم و حكمهم في كل مسألة علي ما هو صلاحه و صلاح من يأخذ عنه و ليس باعجز من الشيطان المغوي اولياءه فهو7 مظهر قدرة الله و هادي خلق الله انما انت منذر و لكل قوم هاد فهو هادينا اليوم و يهدينا الي الحق و الي صراط مستقيم و لولا حفظه لباد جميع الدين كما باد ساير الاديان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 543 *»

فاذا اتقنت هذه المقدمات المحكمات اقول يجب عليك اولا الاستدلال بالدليل العقلي علي وجود الصانع جل و علا ثم علي لزوم وجود نبي لك و وجوب متابعته فيما ثبت عنه بالعلم العادي و الشرعي ثم تستعرف شخصه بالعلم العادي انه قد قام رجل في بلد كذا اسمه فلان و ادعي النبوة و اتي بخوارق عادات و صدقه الله و لم‌يكذبه و لم‌يبطل امره و هكذا ساير مشخصاته فجميع ذلك يعرف بالعلم العادي كما تعرف وجود السلاطين و سيرتهم و خواصهم بلا تزلزل و ان كان بينك و بينهم الوف سنة فانه يحصل لك العلم من الاخبار والاثار والتواريخ و التواتر بين الناس انه قد جاء في سنة كذا رجل كذا و قال كذا و فعل كذا و ليس لك عليه دليل عقلي قاطع منفرد حتي يحدث لك اليقين و لا دليلان يورثان الشك او الظن او الوهم و مع ذلك انت موقن بوجوده و بعض سيرته و اقواله و افعاله فكذلك العلم بوجود النبي9 و بخوارق عاداته و ادعائه النبوة و عدم ابطال الله امره و لايحتاج الي دليل عقلي و لايقدر عليه الا اوحدي الزمان و ليس حد ساير المكلفين و يكفيهم العلم العادي فاذا حصل العلم بوجود النبي علم بدليل العقل وجوب متابعته فيجب علينا الفحص عن امره و نهيه حتي يحصل لنا العلم بان هذا امره و حكمه سواء كان كليا يتفرع عليه فروع او جزئيا فان ثبت من شرعه بالعلم العادي انه يجوز الاكتفاء بالظن في ثبوت اوامره و نواهيه استرحنا و اكتفينا في ساير الجزئيات بالظن و ان ثبت وجوب العلم بها وجب علينا طلب العلم فنحن نطالب اولا القائلين بجواز الظن بدليل شرعي يعلم عادة ثبوته عن النبي9 و هم يقولون ان الكتاب و السنة ظنيا الدلالة فلايسعهم ان يحتجوا بهما فيبقي التواتر المعنوي فليأتوا بدليل متواتر معنوي عن النبي9 ان الظن متبع في ديني و دونه خرط القتاد و نحن اقتنعنا عنه بدليل ظني من الكتاب و السنة و لم‌يك لهم و هم معترفون بعدم دلالة آية علي ذلك و لا حديث و لو كان لملأوا به الاصقاع و خرقوا الاسماع و اجتمع جميع القائلين بالظن و اتوا بحديث المرء متعبد بظنه و الي الان لم‌يعرف موضع روايته و لا راويه و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 544 *»

الكتاب الذي ينسبونه اليه غير مصحح و صاحبه ضعيف الرواية يروي كثيرا عن العامه و مع ذلك يحتمل احتمالا اقوي ان المعني ان العبد متنسك بظنه اي بسبب ظنه تقبل الله او مجازاته بالخير كما امر الناس باحسان الظن بالله و الدعاء مع ظن الاجابة و العبادة مع ظن القبول لان الله عند ظن عبده ان خيرا فخيرا و ان شرا فشرا او معناه ان المرء متعبد بظنه اي في موضوعات عبادته مثلا ان ظن وصول الماء الي جميع بشرته صح الغسل او الي جميع مواضع الوضوء صح الوضوء او بتمام صلاته صح صلوته و هكذا فهو متعبد بظنه في عباداته و علي اي حال الخبر غير ثابت لا بالتواتر و لا بالاستفاضة و لا بصحة السند و لا بالقرائن و لا شاهد له من الكتاب بل يخالف سبعين آية من الكتاب و اخبارا متواترة فهو عن درجة الاعتبار ساقط و ربما يستدلون بان العمل بالظن محرم اصلا ولكن يومنا هذا باب العلم مسدود فنكتفي بالظن من باب اكل الميتة و بآية فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا اثم عليه و رفع عن الامة ما اضطروا اليه و ما من شيء حرمه الله الا و قد احله لمن اضطر اليه و هذا اوثق الادلة و نحن نمنع الاضطرار مع وجود جماعة من الاتقياء يدّعون حصول العلم و انتم لو اصلحتم انفسكم برفع الشبهات و الاستقامة لحصل لكم حجة الله علي ما صدرت و من البين ان حجة الله واضحة بالغة و ليس فيها من حيث الصدور نقصان و انما النقصان للاذهان الا تري ان من عود نفسه بالشبهات حتي شك في الله ليس بمعذور و كذا اذا ظن و ذلك ان ما من الله واضح الدلالة و انشدك بالله ان تنصفني ان مقتضي ادلة الظنية ان باب العلم كان مسدودا ايضا في زمان الحجج لغير الحاضرين مجلس الخطاب بل صريح بعضهم ان الحاضرين ايضا كانوا يعملون بالظن و كل من هو غير المخاطب بالكسر لايطلع علي ما في قلب المخاطب بالكسر و يحتمل في كلامه احتمالات كثيرة كما كان يحتمل للبعيد و علي الظن بناء العالم و اساس عيش بني آدم فانشدك بالله و برسول الله هل يمكن ان يكون باب العلم مسدودا منذ نزل آدم الي الدنيا الي يومنا هذا و يحرم الله العمل بالظن في سبعين آية و حججه في اخبار متواترة و لايكون لها ثمرة لانسداد باب العلم من اول الدنيا الي آخرها و هل يحكم طبيب عليم بما في البلاد

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 545 *»

من الادوية بدواء يعلم انه لايوجد ابدا و ما وجد من اول الدنيا الي يومه حتي يؤخذ بدله و هل هذا من طريق العقلاء و من قانون السياسة و يجعلون مناط الحكم آية رفع الاضطرار و حديثه هلا احلوا الظن من اول مرة نظرا الي ان بناء هذا العالم كلية علي الظن و هل يمكن ان يمر ثلث مأة سنة و العامة ينادون بالعمل بالظن و لايتفوه بجوازه احد من الحجج و لايسأ‌لهم احد من الاصحاب مع كثرة معاشرتهم مع العامة و مباحثاتهم و يكتفوا بآية الاضطرار و حديثه و يكون المسألة من الامور العامة البلوي حتي انه يحتاج اليها بنات التسع في خدورهن و ابناء خمسة عشر سنة في الكتاتيب و لايصدر عن الحجج فيها قليل و لا كثير و هم فصلوا و شرحوا و بينوا آداب المائدة و آداب التخلي و الجماع و امثالها و من كان فقيها عرف ان عادتهم في الامور العامة البلوي ان لايكتفوا بالعمومات و المطلقات حتي ان محققي الفقهاء يقولون بعدم الحاجة الي غسل الدلو و الرشاء و اطراف البئر اذا نزحوها عن نجاسة و كان الماء متغيرا و لايعملون بالمطلقات لان المسألة عامة البلوي و كثر السؤال عنها و الجواب و ليس في اخبارها غسل هذه الالات فلو كان يجب غسلها لامروا بها في خبر واحد اقلا و كذلك قد تواتر الاخبار بالنهي عن العمل بالظن و نزل فيه سبعون آية و جميع المكلفين محتاجون الي هذه المسألة في كل ساعة و في كل شيء و مع ذلك لم‌يرد نص واحد انه اذا لم‌تعلموا فاعملوا بالظن بل قالوا و ما لم‌تعلموا فها و اهوي بيده الي فيه و امروا بالسكوت عند عدم العلم فلا اظنك بعد الانصاف و العلم بالسياسة و النظر الي تربيتهم لرعيتهم ان تظن ذلك فلم‌يك الا ان كان تحصيل العلم واجبا و لذلك نزل فيه سبعون آية و صدر اخبار متواترة فتبين انه لايجوز العمل بالظن بوجه من الوجوه بالجملة ان كان لكم بينة شرعية و برهان شرعي فهاتوا برهانكم ان كنتم صادقين و الا فالانصاف يقتضي ان تقولوا ان دليلنا علي الظن ظني و انشدك بالله هل يمكن ان يكون برهان المجادلة مع كل هذا الاختلاف بين اهل الفن قطعيا و لو انصفت لحلفت يمينا انه لايمكن ان يكون برهاننا علي جواز اتباع الظن قطعيا فهو اثبات ظن بالظن و هو غير معقول و ان شئت ان تعرف انفتاح باب العلم فاصغ لما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 546 *»

اقول علي سبيل الاجمال و الله هو المأمول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و ان شئت التفصيل فراجع كتابنا علم اليقين و القواعد و السوانح و غيرها.

فصل: اعلم ان الناس قبل ان يجيء محمد9 كانوا علي اديان مختلفة و نحل متشتتة فمنهم من كان مجوسيا و منهم من كان يهوديا و منهم من كان نصرانيا و منهم من كان علي مذهب البراهمة و منهم من كان دهريا و منهم من كان وثنيا علي اختلاف في الاراء و المذاهب و كان لهم معايش و مكاسب و معاملات و محاورات و مكاتبات و مراسلات و مكالمات يعيشون بها فجاء9 اليهم برسالة من الله سبحانه و دعاهم الي توحيد الله و رسالته و الي مذهب و دين ناسخ لجميع الاديان فغير مما في ايديهم ما امر بتغييره من عند الله سبحانه و قررهم علي ما هم عليه اذا كان موافقا لرضا الله جل جلاله الا ان الفرق انهم كانوا يعملون بما يعملون بآرائهم و اهوائهم و وجب عليهم بعد ما جاء ان يعملوا بما غير لانه غير و بما قرر لانه قرر لا بانهم بريئون من الشرع و الاصل براءة ذمتهم كما ظن الظانون بل الاصل في العبد اشتغال ذمته بالعبادة و ان لايغير من ملك ربه شيئا الا باذنه فالاصل تحريم التصرف في ملك المالك الا باذنه الا ان اذنه يعلم بقوله مرة و بتقريره اخري و بسكوته عن التغيير فبعد ما جاء و نطق في اشياء و سكت عن اشياء فالاصل في ما نطق فيه مدلول نطقه و الاصل في ما سكت عنه تخلية الناس و شأنهم اعتبر ذلك مما رواه في الوسائل عن اميرالمؤمنين7 قال روي انه ذكر عند عمر في ايامه حلي الكعبة و كثرته فقال قوم لو اخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان اعظم للاجر و ما تصنع الكعبة بالحلي فهمّ عمر بذلك و سأل عنه اميرالمؤمنين7 فقال ان القرآن انزل علي رسول الله9 و الاموال اربعة اموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض و الفيء فقسمه علي مستحقيه و الخمس فوضعه الله حيث وضعه و الصدقات فجعلها الله حيث جعلها و كان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله علي حاله و لم‌يتركه نسيانا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 547 *»

 و لم‌يخف عليه مكانا فاقره حيث اقره الله و رسوله فقال عمر لولاك لافتضحنا و ترك الحلي بحاله انتهي. و هذا اصل و دستور في جميع الشرايع فانه9 ترك الناس علي بعض ما هم عليه عن عمد و علم لا عن خطاء و جهل او نسيان فسكوته عنه دليل رضاه و يكشف عن ذلك ايضا قول علي7 ان الله تعالي حد لكم حدودا فلاتعتدوها و فرض عليكم فرائض فلاتضيعوها و سن لكم سننا فاتبعوها و حرم عليكم حرمات فلاتنتهكوها و عفا لكم عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتتكلفوها انتهي فلم‌يبق شيء من الاشياء كبيرا و صغيرا الا و من الله و رسوله9 فيه حكم بالنطق او بالسكوت فلايحتاج الي اجتهاد رأي و تظن و هوي في شيء كبير او صغير و لذلك كان يقول علي7 ابهموا ما ابهمه الله و اما ما نطق فيه فان كان حلالا بينا او حراما بينا فيؤخذ به و ان كان مشتبها يتوقف لديه كما قال علي7 ان الله حد حدودا فلاتعتدوها و فرض فرائض فلاتنقصوها و سكت عن اشياء لم‌يسكت عنها نسيانا فلاتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها ثم قال7 حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه فهو لما استبان له اترك و المعاصي حمي الله فمن يرتع حولها يوشك ان يدخلها و عن الصادق7 انما الامور ثلثة امر بين رشده فيتبع و امر بين غيه فيجتنب و امر مشكل يرد علمه الي الله و رسوله قال رسول الله9 حلال بين و حرام بين و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات و من اخذ بالشبهات ارتكب المحرمات و هلك من حيث لا يعلم ثم قال في آخر الحديث فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات و عن ابي‌عبدالله7 عن آبائه عن رسول الله9 الامور ثلثة امر تبين لك رشده فاتبعه و امر تبين لك غيه فاجتنبه و امر اختلف فرده الي الله عزوجل و عن علي بن الحسين7 ان وضح لك امر فاقبله و الا فاسكت تسلم و رد علمه الي الله فانك في

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 548 *»

 اوسع مما بين السماء و الارض بالجملة انه9 لم‌يترك شيئا قل او جل الا و بين حكم الله فيه بقوله او بتقريره فلم‌يترك لذي مقال مقالا و لا لذي رأي مجالا و لايسع احدا ان يحدث في شيء من امر العالم رأيا و لم‌يكل احدا الي رأيه و لم‌يستعن باحد في دينه و لم‌يقصر عن اداء دينه و شرعه فاذا الواجب علي جميع الامة في كل شيء التمسك بحكمه و تقريره لا غير ذلك فقام بين ظهراني العباد و خاطبهم بلسان كان معروفا بينهم بلسان عربي مبين و امر و نهي و ان وضع اصطلاحا علي شيء من دينه عرفهم اياه بالتكرير و القرائن حتي صار معروفا بينهم و لم‌يترك القرائن ما لم‌يصر معروفا متبادرا و ان استعمل ذلك اللفظ المصطلح في المعني الاصلي الذي كان معروفا بينهم استعمله ايضا بالقرينة لئلا يشتبه عليهم اذ مراده وضع اصطلاح و معروفيته بينهم فامرهم علي ذلك و نهاهم و لم‌يضع اصولا و قواعد لتفهم شرعه و دينه ابدا و لم‌يكن للعرب اصول في مخاطباتهم بالضرورة فعلم من ذلك انه رضي منهم التفهم الذي كانوا عليه و علم من ذلك انه كان يكلم الناس علي قدر عقولهم و ان تفهمهم المعروف بينهم هو مرضي الله و دينه فلاينبغي اللعب به و يجب ترك الطبايع علي طريق فهمها و طريق فهمها هو ما كانوا يفهمون عليه كتبهم و تواريخهم و اشعارهم و محاوراتهم و ما كانوا يقولون انها ظنية الدلالة و يجب العمل بالظن و لم‌يصنفوا كتبا في اثبات ظنية دلالات الالفاظ بل يستمعون القول و يعرفونه بالطبع و ان اشتبه عليهم معني لفظ وقفوا كما نحن الان في جميع كتب الدنيا و تواريخها و اشعارها و محاوراتها بلا تفاوت و رضي بهذا التفهم رسول الله9 فهو مرضي قطعا لله و رسوله فسمه ما شئت فنحن نسميه علما عاديا عرفيا شايعا فسمه ظنا او بما شئت فهذا هو مطلوب الشارع و معمولنا. ثم ان الناس في استعلام الاخبار كانوا علي طريق و هم الان علي ذلك فان جاءهم خبر فان جاء به من يثقون به يقبلونه و ان جاء به من لايثقون به وقفوا عنده و طلبوا القرائن فان قامت قرينة تدل علي صدقه قطعا قبلوه و الا تركوه في سنبله و جميع الطبايع المستقيمة علي ذلك قديما و حديثا من اول الدنيا الي يومنا هذا فما

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 549 *»

كان يصدر عن النبي9 فان شهده الشاهد سمعه و فهمه و تدين به و ان لم‌يفهمه استفهمه حتي يفهمه و يعمل به و ان لم‌يشهد و اتاه الخبر فان كان الراوي ثقة يطمئن بخبره نفسه يأخذ به و الا يطلب القرينة فان وجدها و الا رجع الي رسول الله9 ان امكنه و الا توقف حتي يأتيه البيان و هذا كان ديدنهم و قررهم علي ذلك رسول الله9 و رضي منهم ذلك و لم‌يشترط عليهم العمل بالخبر المتواتر و لو اشترط لكان عسرا عليهم و لماعلم المكلفون شيئا الا قليلا و لانتشر ذلك من دينه اعظم من انتشار الصلوة و الصوم فانه اصل الكل و من الامور العامة البلوي فلم‌يشترط التواتر و الشياع بالضرورة و اكتفي باخبار الثقات و القرائن قطعا جزما هذا و صدر عنهم اخبار عديدة في الاخذ بخبر الثقة و نزل آي متكررة منها آية النفر و الطائفة واحد فما فوق و منها آية النبأ و التبين طلب القرائن و مفهومه عدم التبين لخبر الثقة و ما روي عن الصادق7 في حديث اما اذا قامت عليه الحجة بمن يثق به في علمنا فلم‌يثق به فهو كافر و اما من لم‌يسمع ذلك فهو في عذر حتي يسمع ثم قال ابوعبدالله7 يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين و في التوقيع الرفيع عن الحجة7 لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرنا و نحملهم اياه اليهم و قد امروا لاجل ذلك بالاخذ عن العمري فانه الثقة‌ المأمون و عنه و عن ابنه فانهما الثقتان المأمونان و زرارة و محمد بن مسلم الثقفي و زكريا بن آدم القمي و يونس بن عبد الرحمن و ابان بن تغلب و ابي‌بصير و العدول التي في كل عصر و غير ذلك من الروايات التي رويناها في ساير كتبنا الاصولية و قد كانوا يبعثون الفقيه الواحد و يأمرون بالاخذ عنه و يأمرون رجلا واحدا و يأمرون بطاعته علي ان كون سيرة العالم هذا و عدم صدور نهي عنه بل صدور آي و اخبار عديدة اعظم دليل لنا علي جواز الاكتفاء بخبره فاذا الاخذ عن الثقة هو ما وقع عليه تقريرهم و جري عليه نطقهم فوجب الاخذ به و الاكتفاء به و حرم رده و هو من دينهم صلوات الله عليهم و ليس في الايات و لا في الاخبار و لا في السيرة المستنبطة فرق بين ان يروي الثقة بواسطة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 550 *»

او غير واسطة و لو كان ذلك شرطا لتواتر اشتراطه و الامر به لانه من الامور العامة البلوي نعم يشترط ان يكون الثقة معترفا بصحة خبره فلو قال اني سمعت فلانا يقول كذا و يروي كذا لايصح الا عمن روي عنه لا عن الامام فانه لايقول هو عن الامام فحينئذ ننظر في من روي عنه فان كان ثقه و هو مدع لصحة خبره يكفينا فانه ثقة روي حديثا معتقدا صحته فان لم‌يعتقد و كان ثقة ننظر ايضا في من روي عنه و هكذا بالجملة اذا بلغنا خبر عن ثقة معتقد صحة خبره سواء بلغنا بواسطة ثقات او بغير واسطة نتكل عليه و نعمل به فهو علم عرفي مقرر عن الشرع و علم شرعي مرضي لله و لرسوله فاذا الاخذ عن الثقة هو العلم الشرعي يجب العمل به سواء تيقنت مضمونه بالعقل او ظننت او شككت و سواء علمت بالعلم العادي او ظننت او شككت و ان هو الا مثل اخبار الشاهدين فعليك ان تعمل به سواء كنت متيقنا بمضمونه عادة او ظانا او شاكا و كذلك تتعرض اللحم في السوق فهو حلال شرعا طاهر سواء تيقنت عادة ذكوته او ظننت او شككت و تحكم بطهارة ثوبك ما لم‌تعلم وصول النجس اليه سواء ظننت نجاسته او شككت و هكذا يكون عمل كل ذي عمل و صنعة كل ذي صنعة من المسلمين فهم امناء علي صنعتهم و لذا روي المسلمون بعضهم عدول لبعض و روي عن الحجة7 و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله و لايضر ما سجلناه شبهات الاصوليين و احتمالاتهم فانها في العاديات و طريقنا شرعي ارأيت هل يضر حلية اللحم المأخوذ من يد المسلم احتمال عدم الاستقبال و عدم التسمية و الغصب و السرقة و غير ذلك و كما انه لايضر لان الحلية شرعية و الاحتمالات عادية و ليست في عرضها كذلك انا امرنا من جانب الشارع بالاخذ بخبر الثقة و العمل بما نفهم منه و نحن اهل اللسان فلايضرنا احتمالات الاصوليين ان فيها دس الداسين و تحريف المحرفين و كذب الكاذبين و تغير اللغة و الاحتمالات اللفظية و غيرها فانها احتمالات عادية لاتصاقع الوجوب الشرعي كما عرفت و كان هذا الباب من الابواب التي لم‌يتنبهوا بها و لم‌يعرفوها فوقعوا في الاحتمالات العادية و تحيروا و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 551 *»

هذا المعني هو الحكم الثانوي الصادر عنهم بمقتضي هذا العالم و هذا امر ممكن في كل عصر فان الثقات و الحمد لله موجودون و رووا معتقدين صحة رواياتهم و لايجوز لنا تهمتهم كما في الصحيفة السجادية في الصلوة علي اتباع الرسل و يجب لنا الركون الي خبرهم بل سمعت من الحديث ان من لم‌يقبل يكفر فلما عرفنا هذا الطريق استرحنا و الحمد لله و فرغنا من اجتهادات تضر و لاتنفع و ان قلت ان ذلك تقليد الثقات و ليس باجتهاد قلت اذا نحن باجتهاد و جد شديد فهمنا من الشرع وجوب التكلان علي الثقات ليس بتقليد ارأيت ان المجتهد منكم اذا اخذ اللحم من السوق هو مقلد اللحام او عمل بقول الشاهدين هو مقلد الشاهدين او عمل بقول زرارة و روايته هو مقلد زرارة او اتكل علي توثيق علماء الرجال هو مقلدهم او علي خبر من اجتمعت العصابة علي تصحيح ما يصح عنهم هو مقلدهم او علم ان كل خبر عمل به الاصحاب يعمل به و الا فلا كصاحب المعتبر هو مقلدهم او عمل بالمشهور هو مقلد اهله؟ لا بل هو مجتهد ساقه الدليل الي الاخذ بقولهم فهو مجتهد خالص هذا و قد سجلنا في ساير كتبنا ان الاجتهادات اغلبها تضر و لاتنفع و لاتفيد الا ظنا منهيا عنه بالبداهة فاذا عرفت ان الواجب علينا الاخذ برواية الثقة و ما فهمنا فطريق الاخذ من الامور المهمة اللازمة التي تقع اكثر تهاونهم فيه فان تصحيح مباني الخبر و تصحيح الرواية و الكتاب اهم شيء في الباب و من جاس خلال الديار و رأي اختلاف الكتب و النسخ قلما يعتمد علي كتاب واحد و كتابين و لاجل ذلك كان قدماء اصحابنا جادين كثيرا في الاخذ شفاها عن المشايخ و الاجازة و في تصحيح الكتب و في زماننا هذا و اطرافنا كأنه منسوخ لايعتنون به و جل اعتنائهم بمراجعة كتب العلماء و تصحيح مبانيها و تحقيق معانيها مع انه قليل الجدوي و لو انهم جدوا و اجتهدوا في قراءة كتب الاخبار علي المشايخ الثقات العلماء و صححوا مبانيها و حققوا معانيها و واضبوا عليها لانفتح لهم ابواب خوافيها و انكشف لهم ما فيها و اذا تعاونوا علي جمع شواردها و توضيح فوائدها و اظهر كل ما اطلع عليه من اشاراتها و بين كل ما تبين من تلويحاتها و اذ لم‌يفعلوا ذلك فلابد و ان يراجعوا كتبا

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 552 *»

عديدة و يتتبعوا للحديث الواحد نسخا متكثرة و يطلبوا القرائن من نفس الحديث و من ساير الاحاديث و من عنوانات الابواب حتي يحصل لهم العلم العادي و نعم القرينة لتصحيح الاخبار كتب العلماء و استشهادهم بالاخبار و ذكرهم اياها في مواقع الاحتجاج و بلغني ان قوما جعلوا علي انفسهم ان يقرأوا كل يوم مقدارا معلوما من الاحاديث كما يقرأون القرآن مواظبة و مداومة و نعم العادة و انا مهما امكنني اعمل به و له منافع كثيرة من الانس بها و الاطلاع علي اشاراتها و الفوز بما لايظن فيها و حفظها و كان لبعض اصحابنا مجلس في كل عصر يجتمع اليه معاريفه و يقرأون كل يوم اوراقا من كتب الاخبار و يداومون علي ذلك و نعم الخصلة هي بالجملة ان الله يقول: اطيعوا الله و اطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فامر باطاعته لانه خالقنا من العدم و امر باطاعة الرسول فانه اولي بالمؤمنين من انفسهم و هو لسان الله الناطق الصادق المعصوم المطهر و امر باطاعة اولي الامر فانهم معصومون مطهرون و الاوليون بالمؤمنين من انفسهم قال علي7 انما الطاعة لله و لرسوله و لولاة الامر و انما امر الله بطاعة الرسول لانه معصوم مطهر لايأمر بمعصية و انما امر بطاعة اولي الامر لانهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية و قال ابوعبدالله7 اياكم و الولايج فان كل وليجة دوننا فهي طاغوت او قال ند و قد جاء النبي9 و شرع الشرع و كان هو العالم و الناس متعلمون فشرع يتكلم و يأمر و ينهي بلسان العرب كما يخاطب بعضهم بعضا و يستمعون اليه كما يستمع بعضهم الي بعض و كذلك بعده الائمة: فكانوا هم العلماء و شيعتهم المتعلمون المقلدون فيعملون بما يسمعون و يفهمون و ما لم‌يفهموه يستفهمونه و يعملون به و ان لم‌يشهد فما بلغهم بثقة عملوا به ان فهموه و الا استفهموه ثم عملوا به و ان بلغهم عن غير ثقة طلبوا القرائن فان وجدوا عملوا به كما مر و ان لم‌يجدوها توقفوا و بذلك وردت اخبار متواترة و هذا هو العلم لان الله و رسوله و الحجج معلومون بالادلة القطعية و الخبر

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 553 *»

عنهم معلوم بعلم عادي او شرعي و دلالته معلومة بعلم عادي و بلغة التخاطب المرضية للحجج بتقريرهم كما عرفت فما فهمته من الاخبار الصحيحة هو العلم المرضي لله سبحانه و اما اختلاف الاخبار فما ظهر لك وجهه بما نصوا عليه فهو و الا فالسعة و الاختيار و اما ساير وجوه الاجتهادات و الترجيحات المأخوذة من كتب العامة فكلها عدول عن الجادة و عن طريق العلم،

هذا اعتقادي فيه قد ابديته

فليقبل الواشون او فليمنعوا

و اني اري ان بقية الله اليوم هو الفقيه العالم و يجب علي الناس ان يقلدوه و هذه الاثار هو كتاب مذهبه في يد اوليائه و يجب علي الجميع ان يعملوا به كما يعملون بكتب الفقهاء غاية الامر منهم من يفهم الاخبار فيعمل بها و منهم من لايفهم فيستفهم الذي يفهم كالذي يأتيه كتاب من عالم او غير عالم و لايقدر علي قرائته فيعطيه من يقرؤه له و ان كان بلغته فهم و الا فيعطيه مترجما يترجمه له و كذلك نسبة العامي و الفقيه اليوم فالفقيه بصير بالاخبار متتبع فيها نقاد لها و العامي يجب ان يستبصره و يتعلم منه و قد ضاق بالناس الخناق من هذه الاوضاع التي قد شاعت في الاصقاع حتي انهم قد حاسبوا و رأوا ان دورة اصول لاتتم الا في الف سنة و ما ادري متي بعد يتفقهون و كيف كان ينبغي صرف الجهد في تصحيح الكتب و مبانيها و معانيها اما بالقرائة علي المشايخ و السماع شفاها و اما باخذ كتاب صحيح منه و اما بوجدان كتاب صحيح و يدل علي ذلك ما روي انه قيل لابي الحسن الرضا7 الرجل من اصحابنا يعطيني الكتاب و لايقول اروه عني يجوز لي ان ارويه عنه؟ فقال اذا علمت ان الكتاب له فاروه عنه. و قيل لابي‌جعفر7 جعلت فداك ان مشايخنا رووا عن ابي‌جعفر و ابي‌عبد الله8 و كانت التقية شديدة فكتموا كتبهم فلم‌ترو عنهم فلما ماتوا صارت تلك الكتب الينا فقال حدثوا بها فانها حق انتهي و علي جواز الاخذ بالكتب و ان لم‌تسمع من المشايخ الاجماع ولكن العمدة تصحيحها و المناط العلم العادي بانه رواية الثقة المعلوم وثاقته او الشرعي و هو يحصل بما ذكرنا كمايحصل العلم بصحة المصحف و ساير كتب الفقهاء و ذلك ايضا شيء عادي يحصل بما ذكرنا ان لم‌يكن الانسان

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 554 *»

مسبوقا بشبهة فاذا حصل العلم العادي بصحة الرواية بقي لك العلم بمضمون الرواية و للاصوليين شبهات عقلية امكانية في ذلك و احتاجوا الي اثبات اصول حتي يفهموا معني كلمة و الطبع السليم يحكم بان جميع ذلك شبهات و وساوس و كمايحصل لنا العلم بمعني جميع كتب العلم و العلماء من اول الزمان الي يومنا هذا و جميع كتب التواريخ و السير و كتب الادباء و غيرها يحصل لنا العلم بمعاني الاخبار و ما بالنا يحصل لنا العلم بمعاني كلمات ساير الناس المعاصرين مع الائمة و لايحصل لنا العلم بمعاني كلمات الائمة صلوات الله عليهم هذا و العلم العادي شيء قهري يحصل من اسبابه لمن لم‌يكن ذهنه مسبوقا بشبهة و نجد في قلوبنا ذلك نعم قد يتفق ندرة عبارات من كل احد يشتبه علينا المراد منها فنذرها في سنبلها فذلك من المتشابهات فنرجع الي مصادرها او الي المحكمات التي هي خلفاؤها قال7 ما علمتم انه قولنا فالزموه و ما لم‌تعلموا فردوه الينا و اما اكثر الكلام فيعرف لمن كان من اهل اللسان كما يعرف ساير كتب التواريخ و الشعراء و الادباء و الفقهاء من معاصري الائمة الي يومنا هذا و لايحتاج الي اجراء اصول كاصل عدم النقل و عدم المجاز و عدم السهو و عدم التحريف و عدم الكذب و امثال ذلك فان هذه الامور شبهات امكانية عقلية و قد مرت الدنيا من اولها الي يومنا هذا علي حصول العلم العادي من العباير لاهل اللسان بلااكتراث و رضي به الحجج و رضوا به دينا لله رب العالمين و لرسوله سيد المرسلين و قرروا الناس عليه و سددوهم و سكتوا عنهم لرضائهم مع انهم حرموا الظن علي اليقين فذلك علم محبوب لله سبحانه و ما يذكرونه من الوساوس تعطيل و تعويق و ان قلت ان ساير الناس من جنسنا و معاني كلماتهم ما هو المتبادر و اما الائمة فهم يريدون من كلماتهم سبعين وجها لهم من كلها المخرج فلاجل ذلك لايحصل العلم بمرادهم قلت ان كان لكلامهم سبعون وجها و يحتمل الكل فلايحصل الظن ايضا فينسد باب الظن ايضا كالعلم بزعمكم و ان كان لاحد تلك المعاني قرينة فمن ينصب القرائن المفيدة للظن لايمنعه شيء عن نصب القرائن

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 555 *»

المفيدة للعلم و هو مأمور بالهداية و الابلاغ و الايصال و ما يمنعه عن ذلك هذا و نحن نقول ارادتهم سبعين وجها لاتمنع من ارادتهم المعني المتبادر فان الرسول ارسل بلسان قومه و يكلم الناس علي قدر عقولهم و عليه البلاغ و البيان و لايجوز ان يتکلم في دين الله بالعمي و الالغاز و قد جاء للتفهيم و التبيين و التعليم فلايجوز في الحكمة الغاز كلامه فالمعني المتبادر مراد لامحالة نعم لهم تمام سبعين وجها كما قد كانوا يفسرون الكلام الواحد منهم او من القرآن بمعان عديدة و ربما كان يقع الكلام علي يد المخالف و يفهم المتبادر و كانوا يذكرون حينئذ معني اخر و يقولون ان مقصودنا هذا المعني بالجملة نحن نشك في الشمس و لا نشك في انهم كانوا يريدون المعني المتبادر و لانمنع انهم كانوا يتكلمون تقية بكلام كان ظاهره موافقا للعامة و مقصودهم الباطني منه غيره فاذا كان ذلك منهم فالمعني الظاهري ان لم‌يكن لنا دليل آخر علي خلافه هو التكليف الواجب الاخذ به و ان صدر تقية فهو تكليفنا الا ان يعارض ظاهره دليل يصرفنا عنه فاذا يحصل لنا العلم العادي بالمعني الظاهري الذي هو المراد قطعا من كلامهم بلااكتراث و الحمد لله و قد فصلنا ذلك في ساير كتبنا و يشهد بجميع ما ذكر الاخبار و الاجماع المحصل الخاص و الحمد لله.

فصل: و اذا صح لنا الروايات و معانيها فاعلم ان صحة الصدور غير صحة العمل و يجب علينا تحصيل العلم بخبر يصح لنا العمل به فاعلم ان الله سبحانه واحد و نبيه واحد و كتابه واحد و الحجج: هم اتباع الكتاب و السنة لايغيرون و لايبدلون فلايختلف كلماتهم و احكامهم و احاديثهم ابدا و انما الاختلاف يأتي من جهات فاما هو من قبل النسخ اذ ربما كان النبي9 يأمر بشيء او ينهي عنه ثم ينسخه بعد ذلك فيأتينا اليوم الخبران جميعا مختلفين و ربما لم‌ينقض عمر الحكم في زمانه و انقضي في ايام خلفائه و قد اودعهم الحكم بعد الحكم فيظهرونه عند انقضاء عمر الحكم الاول و لا ضير و هذا احد اسباب الاختلاف في الاخبار و لربما لم‌يكن الحكم بالاخذ علي سبيل الوجوب

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 556 *»

و بالترك علي سبيل التحريم بل كان الامر للفضل و النهي للاعافة فقد كانوا يأمرون و ينهون ثم يرخصون لغيره و كان ذلك اكثرها كما يظهر من خبر الرضا7 و هذا ثاني اسباب الاختلاف و قد يكون الاختلاف من جهة التقية و عدمها فحين عدمها كانوا يحكمون بحكم و حالها بحكم و التقية اما من السائل او من السامعين او ممن سيصل الخبر اليه او علي السائل او علي السامعين فربما كانوا يفتون بما يوافق العامة و ربما كانوا يفتون بايقاع الخلاف و كلها من باب التقية و الحق انا لانعلم من وجوه هذه الاختلافات يومنا هذا الا اقله و لم‌ينصب قرينة علي ان الاختلاف في كل خبرين من اي جهة لمصلحة رأوها و لايشك في عدم حصول العلم بوجه الاختلاف من له ضرس قاطع في التفقه فالمعول في ذلك عليهم لا علي الاراء فالوجوه المرجحة غير المنصوصة كلها باطلة جزما و هي من باب العمل بالظنون و لاتغني من الحق شيئا فالمعول الوجوه المنصوصة بلاشك فكثير منها كان لحاجة اهل ذلك الزمن و هم كانوا محتاجين اليها لتصحيح الاخبار و بعد ما صح الاخبار لا حاجة اليها و كثير منها لايمكن اليوم استعماله علي نحو اليقين كالعرض علي اجماع العامة و ما هم اليه اميل و ما يشبه اقوالهم الا نادرا و كذلك العرض علي الكتاب و نحن لانعرف محكمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه و ساير وجوهه الا من جهتهم و ما نعرف منه قليل جدا جدا و قلما يوجد في اخبارنا ما يخالف المحكم الواجب العمل منه و كذلك حال العرض علي السنة الا بقدر ما سنشرحه ان شاء الله فليس والله شيء احوط و لا اوسع من رد علم ذلك كله الي العالم7 و ترك العمل بالظنون و الاخذ بما وسع فيه من القول بايهما اخذت من باب التسليم وسعك و ذلك للعاجز عن معرفة حقايق الاختلاف فاذا ورد حديث صحيح صريح غير مخالف للكتاب المجمع علي تأويله و لا للسنة الجامعة و لا للضرورة و هو غير متشابه و لا صارف عنه يؤخذ به و اذا ورد حديثان صحيحان صدورا مختلفان فان خالف احدهما الضرورة من المذهب و اجماع اهله تركناه فان المجمع عليه لا ريب فيه و منكر الضروري كافر و ان كان لايخالف احدهما الضرورة و كان احدهما مخالفا للكتاب المستجمع علي تأويله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 557 *»

و صحة العمل به تركناه و ان لم‌يخالفه و كان احدهما مخالفا للسنة الجامعة تركناه و ان لم‌يخالفها و كان احدهما مخالفا لبداهة جميع العقول لا بعضها تركناه و ان لم‌يخالفاها و كان في احدهما قرينة التقية تركناه و ان لم‌يكن فيه قرينة التقية و كان احدهما متشابها تركناه و ان لم‌يكن متشابها و كان احدهما مجملا و الاخر مفسرا اخذنا بالمفسر وان لم‌يكن مجملا و كان احدهما مظنون الدلالة و الاخر معلوما تركنا المظنون و اخذنا بالمعلوم و ان لم‌يكن مظنونا و كان احدهما مريبا و الاخر غير مريب تركنا المريب و عملنا بغير المريب و من المريب ما اذا خالف احدهما الاجماع المحصل فتركناه لان المجمع عليه لاريب فيه و ما يخالفه مريب كل ذلك لما يستنبط من الاخبار و رويناها في ساير كتبنا و يشهد بها صحيح الاعتبار و اذا خليا من جميع هذه العيوب فنحن في سعة من الاخذ باحدهما او بهما جميعا عملا و نرد علمه الي العالم7 و ليس لنا تزييف كلام قطعي منهم بالظنون و الآراء و التخيلات ما ليس عليه نص و اما الاحتياط فهو حسن و لاينبغي تركه ولكن ليس بواجب و ترك ايجاب الاحتياط هو الاحتياط مع تعارض الاخبار المرجحة و اما الاخذ بالشهرة و ما هو المشهور فان قصد بها غير اجماع اهل المذهب فهو حسن و ليس بواجب لما عرفت واما صنوف الاجماعات فالضروريان و المحصلان فمما لاشك فيها و لاريب و يجب الاخذ بها لحصول العلم القطعي العادي بمذهب الامام و حكمه و اما المنقول فهو حجة لمحصله لان المحصل الخاص دراية لا رواية و لا حجية في درايات الناس ما لم‌يكن رواية عن سمع و نطق و لا دليل علي حجيته من كتاب و لا سنة و لايساوي الخبر فانه رواية و الاجماع دراية و الاذن لاتخطي و الافهام خاطئة و اما السكوني فهو محض فرض و اما المركب اذا حصل العلم به فلايجوز احداث قول ثالث و هو نادر الوقوع جدا جدا و اما المشهوري فقد عرفت عدم وجوب الاخذ به لمكان التعارض و رب مشهور و لا اصل له و ان كان مستند حجيتها الطبع و العادة فلايحصل منها العلم العادي و ان كان مستند الحجية الخبران اي الزراري و الحنظلي فهما ظنيان علي زعمهم و علي ما عندنا يعارضهما ساير الاخبار المرجحة

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 558 *»

مع ظهورهما في شهرة الخبر و تواتره و لاشك في حجية الخبر المتواتر و ان كان المستند التقرير و التسديد و هو عند عدم معارض اقوي فان كان المشهور حديثا صحيحا فعليه المعول و ان لم‌يكن مشهورا و ان كان خبرا غير صحيح فقد امرنا برد خبر غير صحيح و ان كان قولا بلاخبر فلاحجية في الاراء ما لم‌يكن عليها برهان من الله و رسوله اجتمعت او افترقت و بتركه تنادي الاخبار بلاغبار و لا معني للتقرير مع صدور النهي عموما او خصوصا و قال ابوعبدالله7 دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و انما التقرير عند عدم الردع مطلقا و لجميع ما ذكر مستندات شرعية ذكرناها في فصل الخطاب و القواعد والسوانح و مذكورة في الوسائل و البحار منعتنا الملالة عن ذكرها هذا و علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور.

فصل: اعلم ان من كان عليما بالكلام و الاخبار علم بلاغبار ان آل محمد: امروا و نهوا شيعتهم في جميع الشرايع و لم‌يجعلوا فارقا بين المندوب و الواجب و المكروه و الحرام في كلامهم و حديثهم كما فعله الفقهاء و كان ديدنهم و دينهم الامر و النهي و من اين علم ان المطلوب ليس له درجات عديدة و ينحصر في درجتين و المرغوب عنه ليس درجات عديدة بل الذي يظهر من الشرع ان لهما درجات عديدة ليس تنحصر في درجتين و درجتين و هذا عند الفقيه اوضح من الشمس و ابين من الامس و جل اختلاف فقهائنا في معرفة الاربعة و ليسوا بمأمورين بها اجماعا لان الائمة: لم‌يبينوا ذلك و القول بانها تعرف بالقرائن قول ظني لايعبأ به و كانوا يستفتون ائمتهم فاذا امروهم فعلوا و اذا نهوهم انتهوا بل لم‌يكن يقع سؤال عن معرفة الاربع بل لم‌يكن يقع في خلدهم نعم ربما كانوا يأمرون ثم يرخصون في الترك و ينهون ثم يرخصون في الفعل و لما ظفر فقهاؤنا بالرخص جعلوها من باب اختلاف الاخبار و احتاجوا الي التراجيح مع انه لا اختلاف حتي يحتاج الي ترجيح و ذلك يظهر في حديث الرضا7 في باب اختلاف الاخبار اوردناها في فصل الخطاب و لعل ما وقع منهم تقية قليل و

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 559 *»

البواقي رخص فابتلي اصحابنا بهذين التكلفين و اختلفوا اختلافا شديدا و لو انهم تركوا طلب معرفة ما لم‌يكلفوا به و علموا انه لا اختلاف في اخبارهم الا في مواضع التقية لاستراحوا و مواضع التقية ايضا يترك اخبارها ان عرفت و الا فتقع في عرض ساير الاخبار و تعامل كما تعامل ساير الاخبار و لو عملوا بذلك لزال الاختلاف و جاء الايتلاف فلو عملت بشيء فلما امروا و ان تركته فلما رخصوا و ان اجتنبت فبما نهوا و ان ارتكبت فبما رخصوا و انت في جميع الاحوال آخذ بقولهم متبع لامرهم عامل بحكمهم مسلم لامرهم و لو عملتم بذلك لصرتم اخوانا علي سرر متقابلين و صرتم عاملين بما مضي عليه الاعصار و عمل به اصحابنا المسلمون الاخيار و من كان متتبعا في الاخبار له ان يدعي القطع و البداهة علي ما ذكرناه انظر الي كتاب الكافي و تجويزه العمل بالسعة و عدم جعله عنوان الابواب علي التصريح بالاربعة و كذلك ساير كتب الاخبار و اكتفوا كلهم بصرف الامر و النهي و الله خليفتي عليك.

فصل: و اما الاقوال الشايعة بين الفقهاء و لا مستند لهم من الكتاب و السنة و الاجماع عموما و لا خصوصا فلاينبغي الاعتناء بها فضلا عن الاعتماد عليها قل القائلون بها ام كثر لما روي عن الصادق7 دع الرأي و القياس و ما قال قوم في دين الله ليس له برهان و البرهان هو الكتاب و السنة و مثل ذلك قليل بين اصحابنا و اغلب ما يتراءي انه لا برهان له من الاخبار فانما ينتهي الي العمومات العالية و لاشك في جواز العمل بها فان الناطق بالعمومات الدانية هو الناطق بالعمومات العالية و هو الحكيم الذي لاينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فالعمومات العالية ايضا جارية في افرادها كما ان العمومات الدانية جارية و قد روي علينا بالقاء الاصول و عليكم ان تفرعوا فاذ لم‌يكن في المسألة نص خاص و لا نص عام دان فيبنغي العمل بالنص العام العالي حتي يكون الفقيه في جميع فتاويه عاملا بنص اعتبر من استدلال ابي‌جعفر7 لزرارة حيث قال له اصلحك الله وقت كل صلوة اول الوقت افضل او وسطه او آخره قال اوله ان رسول الله9

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 560 *»

قال ان الله يحب من الخير ما يعجل انتهي فاستدل بالعام الاعلي علي الفرد الادني و لو استعملت العمومات العالية لم‌يفتك حكم من غير نص ولكن لابد و ان يكون الفرد بين الفردية للعام متبادرا عند المكلفين المخاطبين منه و الا فلايجوز اجراء حكم العام عليه و ذلك من فضل الله علينا و علي الناس ولكن اكثر الناس لايشكرون و هل يجب طلب النص الخاص في المسألة و مع فقده يجوز العمل بالعام ام يكتفي بالعام اذا وجد و لايجب الفحص عن المخصص الحق انه لايجب و ايجابه محض خرص و تخمين و ليس عليه كتاب و لا سنة و الادلة الظنية غير متبعة في دين و لنا ان ندعي الاجماع المحصل الخاص علي عدم وجوبه اذ من المحال ان يكون ذلك واجبا في المذهب و لايكون يرد فيه نص عنهم صلوات الله عليهم منذ بعث النبي9 الي زمان الغيبة و هو من الامور العامة البلوي فاسكتوا عما سكت الله و ابهموا ما ابهمه الله و لاتوجبوا ما لم‌يوجبه الله و ادلة‌ القوم جميعها ظنية و كذا لايجب الفحص عن المعارض و لنا ان ندعي الاجماع المحصل الخاص علي عدم الوجوب لما ذكرنا و ادلة القوم ناشئة من عملهم بالظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا و لاعبرة بشيء من الاقوال ما لم‌يكن عليه نص.

فصل: اعلم ان الكتاب كلام الله منه آيات محكمات هن ام الكتاب و اخر متشابهات و فيه ناسخ و منسوخ و عام و خاص و اغلبه مجملات تفاصيلها وكلت الي النبي9 و خلفائه سلام الله عليهم و ليس الناس مشاركين لهم في علمه فما كان منه مجمعا علي تأويله و وجوب العمل به يجب العمل به و ما كان منه مختلفا فيه متنازغا فمرده الي الحجج و ليس بحكم في مختلفات الاخبار و لايجوز العرض عليه و العمل به لانك لاتعلم هل هو ناسخ او منسوخ محكم او متشابه عام في المكلفين او خاص بقوم و اوردنا في ذلك اخبارا في كتابنا فصل الخطاب و من بركات آل محمد: اغلب الكتاب مجمع علي تأويله

 

«* مکارم الابرار عربي جلد 16 صفحه 561 *»

يهتدي به و غير المجمع عليه نادر جدا و كذلك حكم سنة النبي9 فما كان مجمعا عليه منها و علي بقائه و عدم منسوخيته فهو المتبع و ما كان مختلفا فيه منها فمرجعه الي آل محمد: و بقول مطلق يجب علينا اليوم الرجوع الي العترة فانهم داخلون في الاجماعات ايضا فبهم كفاية و لا حاجة الي غيرهم و هم الثقل المتروك في الامة ما ان تمسكوا به لن‌يضلوا و هم الهادون لكل قوم بل اللازم الرجوع الي امام كل زمان فما قرر من احاديث الماضي هو المتبع و ما غير فتغييره المتبع اذ يجري علي احاديث الماضي ما يجري علي الكتاب و السنة و يحتاج فيه الي هداية امام الزمان و نحن نعمل اليوم بساير الاخبار المروية عن الماضين باذن امام زماننا و تقريره علما بانه لو لم‌يرض بها لمااذن في العمل بها و بما لم‌يرض به منها. هذا مجمل ما اردنا ايراده في هذه الرسالة و فيه النجاة و الهداية و الوسيلة و من اخذ بها فقد اخذ بحظ وافر و نجا و من تخلف عنها وقع في الظنون و الاهواء و الاراء و جل غرضنا من هذا الكتاب ايقاف الاخوان علي طريق العلم في جميع المسائل الدينية و هدايتهم الي طريق اليقين والله الموفق للصواب و ان اردت التفصيل فعليك بساير كتبنا الاصولية ففيها غنية و كفاية و بلاغ و فرغ من تسويد هذه الرسالة الشريفة الغريزة مصنفها كريم بن ابرهيم ليلة السبت الخامسة و العشرين من شهر جمادي الثانية من شهور السنة الثامنة و السبعين من المأة الثالثة عشرة حامدا مصليا مستغفرا.