طريق النجاة المجلد الثالث – الجزء الاول
من مصنفات العالم الرباني و الحکيم الصمداني
مولانا المرحوم الحاج محمد کريم الکرماني اعليالله مقامه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹ *»
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين.
و بعــد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم ان هذا هو المجلد الثالث من كتاب طريقالنجاة في علم الطريقة و قد تم الباب الثالث من ابواب الكتاب في المجلد الثاني علي ما شاء اللّه و اشرع الآن بحول اللّه و قوته في الباب الرابع من ابواب الكتاب فاقول:
الباب الرابع
من ابواب الكتاب فی الحلم و فيه مقدمة و فصول
المقدمة
فی بيان حقيقة الحلم و فيه مقاصد
الاول: اعلم ان الحلم لغةً الصفح و الستر و الاناة و العقل و رزانته و ضده السفه و هو خفة العقل علي ما في المعيار ولكن ضده السفه اذا كان بمعني رزانة العقل و اما اذا كان بمعني الصفح فضده الانتقام و اذا كان بمعني الستر فضده الهتك و اذا كان بمعني الاناة فضده التسرع و اذا كان بمعني العقل فضده الجهل و لعل معناه الظاهر المتبادر رزانة العقل فان في حديث جنود العقل و اضداده قال ابوعبداللّه7 الحلم ضده السفه و الصفح ضده الانتقام و التؤدة ضدها التسرع فيظهر من هذا الخبر الشريف ان المعني المتبادر الشايع من الحلم هو رزانة العقل فان السفه خفته و علي اي حال يلزمها الصفح و الستر و الاناة فانها من فروع العقل الكامل و شعبه و ذلك انه اذا كان الانسان عاقلاً كان له استعلاء علي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰ *»
من ليس بعاقل مثله و كان متنزهاً عن الخسايس و الرذائل متحلياً بالفضائل عالماً بلوازم كل مرتبة كريم النفس جليل القدر فلايسارع الي الانتقام عمن اساء اليه بمقتضي دناءة رتبته عالماً بان الانتقام من لوازم تساوي الرتبة و هو مستعل علي ما سواه فيصفح عمن اساء اليه تكرماً و يغمض عن اساءته لتنزه ساحته عن التضرر بها و يستر علي الادنين عيوبهم و لايهتك حجبهم و كذا يكون العاقل عالماً بعدم الفوات متيقناً ان من دخل عرصة الوجود لايخرج عنها و انه كما بدأكم تعودون و ما يعمله العاملون يحضر يوم القيمة و يلزمهم كما قال تعالي (و كل انسان الزمناه طائره في عنقه) و ان من يعمل مثقال ذرة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرة شراً يره فيعلم ان كل احد ملزم به مأخوذ بعمله فلايعجل و لايسارع في المكافاة و ينشأ من ذلك الاناة و التؤدة كما في الدعاء في صفة اللّه ذي اناة لايعجل و في آخر و انما يعجل من يخاف الفوت فالتأني في الامور و عدم المبادرة يورث له العلم بالاصلح و قدكثر في الاخبار و كلمات الاكابر الابرار قرن العلم بالحلم فعن اميرالمؤمنين في علامات المؤمن يمزج الحلم بالعلم و العقل بالصبر و عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9نعم وزير الايمان العلم و نعم وزير العلم الحلم و نعم وزير الحلم الرفق و نعم وزير الرفق الصبر و عن ابيعبداللّه7 اطلبوا العلم و تزينوا معه بالحلم و الوقار و تواضعوا لمن تعلمونه العلم و تواضعوا لمن طلبتم منه العلم و لاتكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم و عن ابيالحسن الرضا7 ان من علامات الفقه الحلم و الصمت الي غير ذلك من الاخبار المتكثرة و لمار من كشف عن سر ذلك من العلماء.
و سر ذلك ان للانسان مقامين مقام طبيعة و هوية و مقام روح و هو من امر اللّه و آية اللّه، في القدسييا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي ومرادي بالروح هنا النفس الناطقة القدسية التي هي آية اللّه و عنوانه و مرادي بالطبيعة القابلية الحيوانية و النباتية و الجمادية التي هي مؤلفة من الطبايع الاربع المتضادة ففي عرصة الطبايع يكون بين الاشياء تعاد و تضاد لان تكثر الاشياء
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱ *»
باختلافها في الكم و الكيف فمن غلب عليه النار يضاد من غلب عليه الماء و يعاديه و ينافيه و يتنافر منه و بالعكس و من غلب عليه الهواء يضاد من غلب عليه التراب و يعاديه و ينافيه و بالعكس فلاجل ذلك يكون دار الطبايع دار التعادي و التضاد فان تؤالف شيئان من جهة تخالفا من جهات و تعاديهم تعاد طبيعي من غير روية و ان تؤالفوا في جهة يوماًما تؤالفوا بالطبع من غير روية و هو قوله تعالي (و ان كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم علي بعض الا الذين آمنوا) و ذلك انه قد اوجد اللّه في الذين آمنوا روح الايمان و النفس الناطقة القدسية آية الواحد جلشأنه و هي فوق الطبايع و الغالب عليها جهة الرب و لا تعادي بين المؤمنين و لا تنافر انما المؤمنون اخوة واذكروا اذ كنتم اعداءً اي في الطبايع فأَلّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخواناً بايجاد روح الايمان فيكم و كنتم علي شفا حفرة من النار فانقذكم منها علي ان اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فالمؤمن اخو المؤمن لابيه و امه ابوه النور و امه الرحمة فالذين هم في عرصة الطبايع و التضاد اذا حصلوا العلم ينصبغ علمهم في طبايعهم و يجري مجري طبايعهم فيعادي صاحب العلم المصبوغ بالصفراء مثلاً صاحب العلم المصبوغ بالبلغم و يحاسده و يتكبر عليه و يتطاول عليه و يخاصمه و يجادله و يسابّه و يشاتمه و يأنف عن الاخذ عنه و الرجوع اليه فيما يجهل وهكذا و بالعكس و كذا صاحب العلم المصبوغ بالدم بالنسبة الي صاحب العلم المصبوغ بالسوداء فلاجل ذلك يكون بين هذا النوع من العلماء غاية اللجاج و التعادي و التخاصم و التخاذل و التجادل و التحاسد و التكفير و التبري و التنافر و هم بمقتضي قوله تعالي (بل هم اضل) صاروا اسوء في كل عيب من الجهال و هم احسن حالاً من العلماء بكثير و لذلك قال الصادق7 يغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل ان يغفر للعالم ذنب فهؤلاء هم العلماء السوء الذين قد مر ذمهم في باب العلم و انما يمكن هؤلاء طلب العلم لانهم خلقوا لاجل الايمان و الانسانية فهم مستعدون من حيث القابلية للتعلم فيتعلمون ولكن ينصبغ العلم في طبايعهم فيصير كاحد الطبايع فلايثمر العلم لهم ثمراً و لايحدث لهم خوفاً من اللّه و لا خضوعاً لاجل انه لهم علم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲ *»
طبيعي غير حاصل لهم عن شعور ألمتسمع قوله تعالي (لهم قلوب لايفقهون بها و لهم آذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها)كل ذلك يعني به الحق و الا فهم يفقهون و يسمعون و يبصرون بمقتضي الحيوانية الناطقة.
و اما النفس الناطقة القدسية الانسانية الايمانية فانها اذا كملت و حصل لها العلم فعلمها يثمر لها ثمر الخوف و الهرب من المعاصي و الرجاء و اليقين و مشاهدة الفضل و المعرفة و المحبة و ايثار المحبوب علي ما سواه و يورث له التودد مع اخوانه و الحلم الذي هو الصفح و التكرم عن اهل الطبايع و الستر عليهم و التؤدة و الاناة في حقهم لعدم المضادة بينه و بينهم فذلك العلم هو مقارن مع الحلم و ملازم له فهو العلم الذي زانه الحلم و ذلك هو قول اميرالمؤمنين7 لايكون السفه و الغرة في قلب العالم فهذا العالم هو العالم المؤمن العامل بعلمه لا العالم الطبيعي الذي لا عقل له فالعلماء الطبيعيون سفهاؤ اخفاء العقول و اما العلماء الصمدانيون فهم علماء حلماء كادوا من الحكمة ان يكونوا انبياء فاولئك الذين ورد في شأنهم ذلك الفضل الجزيل الذي سمعته في باب العلم و منه فضل العالم علي العابد كفضل القمر علي ساير النجوم ليلة البدر و ان العلماء ورثة الانبياء ان الانبياء لميورثوا ديناراً و لا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر انتهي، فمن علامات العلم الايماني ان يؤثر له التأثيرات التي ذكرناها حتي يسعد بعلمه و يكون مقروناً بالحلم و الورع و التقوي و ساير الصفات الحميدة بالجملة هذا هو سر اقتران العلم بالحلم.
و له ايضاً وجه ظاهر و هو ان العالم لابد و ان يكون في عالم الطبايع حار المزاج اذ العلم لايحصل الا من حرارة لطيفة نافذة في الاعماق و له تأويل قوله تعالي (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم) فاذا كان حارّ المزاج كان ذا حدة و عجلة و طيش و خرق و تهور و تكبر و استعلاء و غضب و جدال و سفك و سب و امثال ذلك و اما الحلم فلايكون الا من البرودة و اليبوسة و يعينها الرطوبة و منها التحمل و الصبر و الرفق و البشاشة و اللينة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳ *»
و مزاجه ضد مزاج العلم فاذا قرن العلم بالحلم اعتدل و زان كلٌ الآخر و اذا كان العلم بلا حلم لميكن له موقع في القلوب و لايؤثر فيها مع تلك الصفات الردية و لايقرب احد منه و لايقدر علي التعلم منه و يذهب ضياعاً و انما خلق العالم لهداية الناس و تعليمهم و تقريبهم و الناس متنفرون عن تلك الصفات اللازمة للعلم لولا الحلم فلاجل ذلك لايزين العلم شيء مثل الحلم فافهم قال اللّه تعالي (لو كنت فظاً غليظالقلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم) الآية ولنختم هذا المقصد بذكر حديث شريف و ان كان طويلاً ففي الكافي عن ابيعبداللّه7 قال طلبة العلم ثلثة فاعرفهم باعيانهم و صفاتهم صنف يطلبه للجهل و المراء و صنف يطلبه للاستطالة و الختل و صنف يطلبه للفقه و العقل فصاحب الجهل و المراء موذ ممار متعرض للمقال في اندية الرجال بتذاكر العلم و صفة الحلم قد تسربل بالخشوع و تخلي من الورع فدق اللّه من هذا خيشومه و قطع به حيزومه و صاحب الاستطالة و الختل ذو خبّ و ملق يستطيل علي مثله من اشباهه و يتواضع للاغنياء من دونه فهو لحلوائهم هاضم و لدينه حاطم فاعمي اللّه علي هذا خبره و قطع من آثار العلماء اثره و صاحب الفقه و العقل ذو كأبة و حزن و سهر قد تحنك في برنسه و قام الليل في حندسه يعمل و يخشي وجلاً داعياً مشفقاً مقبلاً علي شأنه عارفاً باهل زمانه مستوحشاً من اوثق اخوانه فشد اللّه من هذا اركانه و اعطاه يوم القيمة امانه انتهي فهذا الاخير هو الذي قد تعلم نفسه الناطقة القدسية و هي لاتتعلم و لاتعلم و لاتعمل الا للّه و اما الاولان فهم اهل الطبيعة و المكر و الخدع و التعادي فلا حلم لاولئك و ان حلموا يوماً فهو مكر و خديعة و سيفضحهم اللّه تعالي بعلامة اخري و الا فلا حلم لهم و هم اهل بغي و عدوان نعوذ باللّه و اعلم ان من الطبايع الارض و السوداء و هي تورث البلادة و الجمود و ليس اهلها مستعدين لتحصيل العلم نعم هم اهل حفظ لما انطبع في حجر طبيعتهم بعد جد جهيد و منها البلغم و هو بليد ناس لايستعد لشيء و منها الدم و هو مستعد للشهوات و الاهواء قليل الحفظ و ان كان مستعداً لشيء من العلم و احسن من الطبعين المتقدمين و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴ *»
منها الصفراء و هي مستعدة للعلم و الغوص و النفوذ و الدقة و شق الشعر و الحفظ ولكن لها نزق و طيش و خرق و عجلة و تسارع و تخاصم و تحاسد و ظلم و غشم و هتك و جدال فقلما يخلو العالم الطبيعي من هذه الصفات فمن مزج بعلمه الوقار و الحلم و الرفق و التؤدة و الاناة و التوادد و الكرم و العدل و الستر و العفة فذلك الذي ليس علمه من الطبايع بل علمه من روح الايمان المستعلي عليها الخارج عن حدودها فيستعمل الصفراء في العلم و الدم في التودد و التكرم و البلغم في اللين و الرفق و السوداء في الحلم و الصبر و الوقار و السكون وهكذا فذلك العالم كل العالم فبه فتشبثوا و بعروة ولايته فتمسكوا فافهم فقد انكشف الغمام عن وجه المرام ببركة ائمة الانام عليهم صلوات اللّه العلام.
الثانی: اعلم ان الحلم كما قدمنا في اول الكتاب هو قوة من قوي النفس كالذكر و الفكر و العلم و مستقره القبضة التي في الانسان من فلك زحل فانه فلك العاقلة و الحلم هو رزانة العقل و وقاره و اناته و تؤدته و سكونه فهو اي الحلم مستقره تلك القبضة فاذا تجلي ضياء النفس الوحدانية التي هي آية الرب الواحد علي فلك الزهرة و المريخ احدثت فيهما ذكراً و اذا اشرقت علي فلك عطارد احدثت فيه فكراً و اذا اشرقت علي فلك المشتري احدثت فيه علماً و اذا اشرقت علي فلك زحل احدثت فيه حلماً و اذا اشرقت في فلك الشمس احدثت فيه نباهة كما ان الروح الحيوانية الواحدية بالنسبة اذا اشرقت علي العين احدثت فيها ابصاراً و اذا اشرقت علي الاذن احدثت فيها سمعاً وهكذا ساير الحواس و امانفس الروح في عالمها فواحدة دراكة مطلقة و يقال فيها من اجل ذلك الاشراق في تلك الحواس انها اي ان الروح بصيرة سميعة شامة ذائقة لامسة و يتدارك ذلك بانها بصيرة بكلها سميعة بكلها لا ان ذلك الكل له بعض بل يراد به التعبير عن كمالها في وحدتها و قيام الحواس باشراقها و كذلك حال النفس الناطقة بل هي اعظم و اعظم و اشد توحداً فهي الذاكرة الفكورة العليمة الحليمة النبيهة ذاكرة بكلها فكورة بكلها وهكذا الا ان هذه القوي تظهر منها في افلاك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵ *»
بدن الانسان فهي حليمة في فلك زحلٍ يكون في بدن الانسان و هي عاقلته و كذلك الامر في جميع اخلاقها و صفاتها فهي تغضب في الصفراء و تحب في الدم و تشهو في البلغم و تخاف في السوداء وهكذا ساير خصالها فجميعها في مراتب القابلية و هي في عالمها واحدية بالنسبة وحدة قد وصف اللّه نفسه لها بها اذ من عرف نفسه عرف ربه و انت لو راجعت الي نفسك لوجدتها وحدانية ليس فيها تكثر اجزاء و لاصفات و لا افعال و انما تحصل لها في مظاهر قوابلها و هذا اصل لو حفظته لاهتديت به الي كثير من المسائل.
الثالث: اعلم ان الحلم كما عرفت هو رزانة العقل فهو فرع العقل و اذا رزن العقل و كمل تفرع منه فروع و تشعب منه خيرات كثيرة اذ هي من لوازم الرزانة و لذا اختاره الائمة: قريناً للعلم و قرنوه به و مدحوا العلم و اهله بمقارنته و في الزيارة في صفتهم و خزان العلم و منتهي الحلم و في حديث ابيعبداللّه7 عن زينالعابدين7 عن الحسين7 حيث قال للعسكر انشدكم باللّه هل تعلمون ان علياً7 كان اولهم اسلاماً و اعلمهم علماً و اعظمهم حلماً و انه ولي كل مؤمن و مؤمنة قالوا اللهم نعم و في حديث همام قال7 في صفة المؤمن كثير علمه عظيم حلمه.
فاما الصفات التي تتشعب من الحلم فتعرف مما ذكره النبي9 لشمعون بن لاوي بن يهودا من حواري عيسي7 حين سأله عن العقل الي ان قال9فتشعب من العقل الحلم و من الحلم العلم و من العلم الرشد و من الرشد العفاف و من العفاف الصيانة و من الصيانة الحياء و من الحياء الرزانة و من الرزانة المداومة علي الخير و من المداومة علي الخير كراهة الشر و من كراهة الشر طاعة الناصح فهذه عشرة اصناف من انواع الخير و لكل واحد من هذه العشرة الاصناف انواع فاما الحلم فمنه ركوب الجميل و صحبة الابرار و رفع من الضعة و رفع من الخساسة و تشهي الخير و تقرب صاحبه من معالي الدرجات و العفو و المهل و المعروف و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶ *»
الصمت فهذا ما تشعب للعاقل بحلمه و امـا العلم فيتشعب منه الغني و ان كان فقيراً و الجود و ان كان بخيلاً و المهابة و ان كان هيناً و السلامة و ان كان سقيماً و القرب و ان كان قصياً و الحياء و ان كان صلفاً و الرفعة و ان كان وضيعاً و الشرف و ان كان رذلاً و الحكمة و الحظوة فهذا ما يتشعب للعاقل بعلمه فطوبي لمن عقل و علم و امـا الرشد فيتشعب منه السداد و الهدي و البر و التقوي و المنالة و القصد و الاقتصاد و الثواب و الكرم و المعرفة بدين اللّه فهذا ما اصاب العاقل بالرشد فطوبي ( لهم خل) لمن اقام علي منهاج الطريق و امـا العفاف فيتشعب منه الرضا و الاستكانة و الحظ و الراحة و التفقد و الخشوع و التذكر و التفكر و الجود و السخا فهذا ما يتشعب للعاقل بعفافه و رضي باللّه و بقسمه و امـا الصيانة فيتشعب منها الصلاح و التواضع و الورع و الانابة و الفهم و الادب و الاحسان و التحبب و الخير و اجتناب الشر فهذا ما اصاب العاقل بالصيانة فطوبي لمن اكرمه مولاه بالصيانة و امـا الحياء فيتشعب منه اللين و الرأفة و المراقبة للّه في السر و العلانية و السلامة و اجتناب الشر و البشاشة و السماحة و الظفر و حسن الثناء علي المرء في الناس فهذا ما اصاب العاقل بالحياء فطوبي لمن قبل نصيحة اللّه و خاف فضيحته و امـا الرزانة فيتشعب منها اللطف و الحزم و اداء الامانة و ترك الخيانة و صدق اللسان و تحصين الفرج و استصلاح المال و الاستعداد للعدو و النهي عن المنكر و ترك السفه فهذا ما اصاب العاقل بالرزانة فطوبي لمن توقر و لمن لمتكن له خفة و لا جاهلية و عفا و صفح و امـا المداومة علي الخير فيتشعب منه ترك الفواحش و البعد من الطيش و التحرج و اليقين و حب النجاة و طاعة الرحمن و تعظيم البرهان و اجتناب الشيطان و الاجابة للعدل و قول الحق فهذا ما اصاب العاقل بمداومة الخير فطوبي لمن ذكر ما امامه و ذكر قيامه و اعتبر بالفناء و امـا كراهية الشر فيتشعب منه الوقار و الصدق و النصر و الصبر و الاستقامة علي المنهاج و المداومة علي الرشاد و الايمان باللّه و التوفر و الاخلاص و ترك ما لايعنيه و المحافظة علي ما ينفعه فهذا ما اصاب العاقل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷ *»
بالكراهة للشر فطوبي لمن اقام الحق للّه و تمسك بعري سبيل اللّه و امـا طاعة الناصح فيتشعب منها الزيادة في العقل و كمال اللب و محمدة العواقب و النجاة من اللوم و القبول و المودة و الاسراج و الانصاف و التقدم في الامور و القوة علي طاعة اللّه فطوبي لمن سلم من مصارع الهوي فهذه الخصال كلها تشعبت من العقل الحديث.
اما قوله9 فتشعب من العقل الحلم فلأن من عقل ارتفع درجته علي جميع من سواه لانه اول ما خلق اللّه فيتكرم عن الجهال و اصحاب الطبايع و مجادلتهم و مخاصمتهم و الانتقام منهم و يختار الاحسن و الافضل و يعلم ان ما يناله بالصفح و الاناة لايناله بغيره لقول ابيعبداللّه7كفي بالحلم ناصراً و لأن جميع الناس نصار الحليم و لائمون للسفيه البذي الفاحش و لقول النبي9 مااعز اللّه بجهل قط و لااذل بحلم قط و لأنه من صفات اللّه الغفور الحليم و لما في التأني من تبصر العواقب.
و قوله9 و من الحلم العلم فلأن بالحلم و التؤدة يتمكن الانسان من النظر و الفكر في العواقب و تبصر مواطئه و لأن العلماء يتنفرون من السفاهة و يقلون السفيه و يحرمونه من علومهم و يمنع اللّه فيوضه من السفيه فلايجعله مودع اسراره و علومه لعدم ضبطه و حفظه و خرقه و نزقه و لانه يطغي ان رآه استغني و يترتب علي تعليمه المفاسد فمن كان حليماً كان قابلاً لجميع ذلك مستعداً متحملاً للعلوم و الاسرار.
و قوله9 و من العلم الرشد فالرشد الصلاح و هو خلاف الغي و الضلال و اصابة الصواب و الاهتداء كما في المعيار و من البين ان بالعلم يهتدي الي كل صواب و صلاح و لولا العلم لمااهتدي احد الي صواب ابداً.
و قوله9 و من الرشد العفاف فالعفاف هو الامتناع عن محارم اللّه و لا شك انه يحصل بالرشد و الاهتداء الي الخير و الشر و الخطاء و الصواب و الحرام و الحلال فما لميرشد الانسان الي الشر لميقدر علي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸ *»
التعفف عنه.
و قوله9 و من العفاف الصيانة فهي الحفظ فمن عفّ عن المحرمات فقد صان نفسه عما يضرها و عما يهلكها و عما يذلّها في الدنيا و الآخرة فان اللّه جلوعز مامنع العباد من شيء الا و هو ضار به في الدنيا و الآخرة فمن عف عنها فقد صان عرضه في الدنيا و الآخرة و ماله و اهله و ولده و جميع ما خوله اللّه.
و قوله9 و من الصيانة الحياء فلأن من صان عرضه و اهله و ولده و تعود ذلك لميستأنس بالخلع و الانتزاع الي القبايح بل ينزوي عنها جميعاً و الانزواء هو الحياء فمن صان نفسه فقد زواها و الانسان يستحيي عما لايعتاده فاذا حصل العادة بترك الشر حصل الحياء عن فعله و اذا اكثر من الشر ذهب الحياء.
و قوله9 و من الحياء الرزانة فذلك لأن من حيي من اللّه فلميخلع عنده ستر الطاعة من نفسه و حيي من الرسول و الحجج: فلميخالفهم و لميعصهم و حيي من الناس فانزوي عن كل قبيح فهو من ارزن الناس و اوقرهم و اجلهم و اعظمهم و ذلك ان ما امر اللّه به و نهي عنه هي من مقتضيات مشيته الثابتة الدائمة الساكنة و هي مطابقة مع صفاته فمن وافقها فهو ارزن الناس و اوقرهم و اكثرهم تأنياً و تثبتاً و تؤدة و يكون كالجبل لاتحركه العواصف و لاتزيله القواصف لانه اصله ثابت و فرعه في السماء فلاينزعج بكل داع و لايتبع كل ناعق و لايتزلزل في كل فتنة و لايخاف من كل داهية و لايضطرب في الفقر و المرض و البلاء و المصيبة و هو واثق بربه متوكل عليه و يستحيي من ربه ان ينزعج بشيء من ذلك في حضوره و هو حافظه و كاليه و ناصره و رزاقه و شافيه و ربه.
و قوله9 و من الرزانة المداومة علي الخير فان الرزين مديم ما اشتغل به و ليس به خفة و تنقل بل هو ثابت و فعل الطاعات خير و ترك المعاصي ايضاً خير و هو رزين ثابت علي الخير فيديمها.
و قوله9 و من المداومة علي الخير كراهة الشر فلاجل ان من عمل بالخير زماناً و ذاق حلاوته و رأي سلامته و عرف محاسنه و شاهد آثاره
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹ *»
كره الشر و قلاه البتة كما يكره المرارة من كان ذائقته مشغولة بالحلاوة.
و قوله9 و من كراهة الشر طاعة الناصح فان من ذاق حلاوة الدرياق و كره السم و عرف وخامة عاقبته و احب حفظ نفسه اطاع من اخبره بالسم في طعامه و لو حصل له الظن من كلامه ابقاءً علي نفسه و خوفاً عليها منه و كل من لايطيع الناصح اما ان يظنه كاذباً او لايبالي بشر يخبره و المفروض صدق الناصح فمن كره الشر اطاع الناصح الصادق لامحالة بابي هو9 من عالم بحقايق الامور هاد الي الحق و الي صراط مستقيم.
و اماقوله9 فاما الحلم فمنه ركوب الجميل اي ارتكاب الجميل مع السفهاء و المجاملة معهم و هي اللين مع الناس فالحليم يركب الجميل اي يلاين السفهاء و صحبة الابرار لانهم يصاحبون الحلماء دون السفهاء و رفع من الضعة و رفع من الخساسة لما فيه من العزة و الترفع عن مقام الارذال و التنزه عن الخرق و السفاهة وتشهي الخير لما مر من ان الرزانة يتشعب منه المداومة علي الخير و من داوم علي شيء استأنسه و تشهاه و تقرب صاحبه من معالي الدرجات لرفعة شأنه عند الناس و حبهم له و نصرتهم له و بغضهم لمن جهل عليه و العفو و المهل و هو ظاهر والمعروف اي يعاشر الناس بما يعرفونه و يسكنون له و يعرفونه من الحق و هو ظاهر و الصمت اي عن جواب السفيه و الرد عليه و عند التلقي ممن فوقه علماً او غيره فلايسفه عليه حتي يحوزه منه.
و اما قوله9 و اما العلم فيتشعب منه الغني و ان كان فقيراً لانه يستغني بعلمه عن الدنيا و ما فيها و يجد منه لذة و قوة يغفل معهما عن كل طعام و شراب فلايبالي و لايعتني بشيء من الدنيا ان كان علمه لغير الدنيا و الجود و ان كان بخيلاً اي في اصل طبعه فانه ان وجد ما هو اشرف لايبالي بما هو ارذل لاسيما ان وجده مانعاً عن نيل الاشرف و المهابة و ان كان هيناً لاستعلاء نفسه علي نفوس الجهال و اتصافه بصفة اللّه و احتياج الناس اليه و السلامة و ان كان سقيماً فانه يعرف الضار من النافع و يمشي بحكمة آلمحمد: و فيها سلامة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰ *»
الدنيا و الآخرة فيصح بدنه و القرب و ان كان قصياً اي يقرب من كل احد و من اللّه و من رسله و حججه: و من المؤمنين و ان كان غير ذي رحم و بعيداً في النسب و بعيداً قبل العلم فيقرب بالعلم اليهم و يقربونه منهم و الحياء و ان كان صلفاً فالصلف هو من يتكلم بما يكرهه صاحبه فمن علم يحصل له الحياء من التكلم بما يقبح و ان كان في طبعه صلفاً خبيثالقول و الرفعة و ان كان وضيعاً لقوله تعالي (يرفع اللّه الذين آمنوا منكم و الذين اوتوا العلم درجات)كيف لا و العلماء حكام اللّه في الخلق و ورثة الانبياء و مرجع الخلق و الآمرون الناهون و خلفاؤ اللّه و خلفاء رسوله و خلفاء حججه: والشرف و ان كان رذلاً فينسي اللّه الناس نسبه فعين جميع الناس مادّةٌ الي علمه و حسبه غافلون عن نسبه و الحكمة فهي ظاهرة و الحظوة بالحاء المهملة و الظاء المعجمة و هي الرفعة و المنزلة و الشرف عند الناس و تحيتهم له و جميع ذلك بالنسبة الي العلماء في حد الكمال.
و اماقوله9 و اما الرشد فيتشعب منه السداد و هو الصواب من القول و الفعل و الهدي اي الدلالة علي الحق و البر و التقوي و هو ظاهر و اما قوله9 والمنالة فيحتمل فيه التحريف و لعلها كانت و التأله بمعني التنسك و التعبد و هو يلايم الرشد و يتشعب منه و اما المنالة فلااعرفها و اماقوله9 و القصد و الاقتصاد فالفرق بينهما ان القصد هو العدل و عدم الجور و بمعني الاعتماد و الاقتصاد هو عدم الافراط و كلاهما تابعان للرشد يتشعبان منه و اماقوله9 و الثواب و الكرم فلعل المراد ان الراشد يثيب من احسن اليه و يجزيه مكافاة لاحسانه و يؤيده الكرم بعده و يحتمل التحريف و اماقوله9 و المعرفة بدين اللّه فهو واضح.
و اماقوله9 و العفاف فيتشعب منه الرضا فان ذا العفاف
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱ *»
عن الحرام و الشبهة يرضي بما قسم اللّه له فلايحوم حولهما و الاستكانة لعدم تطاوله علي من سواه و عدم طغيانه بجمع مال و اكل الحلال يرقق القلب و يورث الخضوع و التذلل للّه سبحانه و لمن هو اقدم عليه في الدين البتة و الحظ و الراحة اي النصيب من الرزق في الدنيا و الآخرة فان من عف عن الحرام و تورع يفتح اللّه عليه من الحلال ابواب الرزق و من عف بطنه و فرجه استراح من عنائهما و دواعيهما في الدنيا و من مقتضيات شهواتهما في الآخرة و التفقد و هو الطلب بعد الغيبة و لعل المراد منه ان صاحب العفة يحصل له الفراغ و يتمكن من تفقد حالات نفسه بعد غفلته عنها و اعراضها و امراضها او يتفقد دينه و معرفة الحلال و الحرام او يتفقد حقيقة ما يستعمله خوف الوقوع في الحرام و الخشوع و هو لازم اكل الحلال فان التهتك يورث القسوة و التذكر و التفكر لفراغه و تمكنه و لنور اكل الحلال و صفائه والجود و السخاء و لعل الفرق بينهما ان الجود هو بذل المال فيما ندب اللّه اليه و السخاء هو بذل النفس في رضاء اللّه او هو من سخا فلان اذا سكن حركته و لعله انسب فانه بالعفة يسكن عن كثير من حركاته في جمع المال و علي اي حال هما من لوازم العفة فان من عالج نفسه حتي اعرضت عن الحرام و جمع المال و الدنيا و عف عن الشبهات يصير غير محب لجمع المال و يسخو نفسه به لطلابه و العفة حقيقة اس الجود و السخا و العفيف عن الحرام لايمنع الخمس و الزكوة فان مال الفقراء و السادة عليه حرام و من بذل ما افترض اللّه عليه فهو من اجود الناس.
و اماقوله9 و اما الصيانة فيتشعب منها الصلاح فان من صان نفسه عما كره اللّه لمتفسد و حصل لها الصلاح و التواضع للّه و رسوله و حججه: فان اعظم التواضع الانقياد لامر الآمر و نهي الناهي و اجتناب ما يكرهه و الورع و هو التقوي و اجتناب المحارم و صاحب الصيانة يحصل له الورع لامحالة و الانابة و هي التوبة و الرجوع الي اللّه فان اللّه مانهي الا عما يبعد منه و صاحب الصيانة عن المحارم ينوب الي اللّه و يرجع اليه و يتقرب منه و الفهم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲ *»
فان من صان نفسه عن المحرمات المكدرة للقلب المظلمة له استنار قلبه و ذكا حواسه البتة و ازداد فهمه فان البلادة عن الحق من ارتكاب المحرمات و الادب اذ كل الادب في اجتناب ما حرمه اللّه و كرهه بالنسبة اليه و الي رسوله و الي حججه: و الي اوليائهم و الاحسان و التحبب و الخير فان من لميسئ يحسن و من لميرتكب من اللّه و من رسله و حججه: و المؤمنين ما يكرهونه يحبونه و من لميصدر منه الشر صدر منه الخير و اجتناب الشر فان من صان نفسه عن المحرمات اجتنب الشرور.
و اما قوله9 و اما الحياء فيتشعب منه اللين و الرأفة فان من حيي من اللّه و من خلقه و لميرتكب المناهي لان جانبه للخلق و رؤف بهم و المراقبة للّه فان من حيي من اللّه و علم انه رقيبه لمينسه و راقبه دائماً و السلامة و اجتناب الشر فان من استحيي من اللّه ترك ما يكرهه فسلم من مقتضيات المناهي و ترك الشرور والبشاشة و السماحة فان الحيي يستحيي عن العبوس في وجه الخلق و يلطف في المسألة و يبذل في العسر و اليسر لانه يستحيي من منع السائلين و الاعتذار اليهم و ممن بذل ماء وجهه له ان لايعطيه ما سأل و الظفر فان من حيي من ارتكاب الآثام يظفر بخير الدنيا و الآخرة و حسن الثناء اذ هو لازم الحياء من اتيان القبايح و السيئات و الخصال المذكورة تسعة و لعله9 جعل المراقبة في السر و العلانية خصلتين.
و اماقوله9 و اما الرزانة فيتشعب منه اللطف فذلك ان الرزين غير النزق المتأني في الامور يتمكن من اللطف و هو الرفق و الدنو و العلم بالدقايق و الخفايا بخلاف النزق الخفيف المستعجل و الحزم و هو الاخذ بالثقة و ضبط الامر و الاتقان و هو لازم الرزانة و النزق لايمكنه ذلك و اداء الامانة و ترك الخيانة فانهما يصدران ممن له حزم و كذا صدق اللسان فان الكذب قول اسفه الخلق و ارذلهم و كذا تحصين الفرج و اما استصلاح المال فهو من التأني و اللطف و كذا الاستعداد للعدو من اللطف و الحزم و اما النهي عن المنكر و لعل المراد
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۳ *»
نهي النفس عن الهوي او نهي الاهل و الولد لئلايظهر منهم ما يخالف الرزانة او هو عام فان النزق المستعجل لايسمع منه احد و ليس لكلامه وقع و اما الرزين الوقور العظيم النفس فيستمعون له قهراً فهو يتمكن من النهي عن المنكر و ترك السفه ظاهر فان السفه هو خفة العقل و هي ضد الرزانة.
و اماقوله9 و اما المداومة علي الخير فيتشعب منه ترك الفواحش و البعد من الطيش و هو الخفة و ذلك ظاهر و التحرج و هو ترك الاثم و اليقين لأن بمداومة الخير يستنير القلب و يذهب رجز الشيطان و الوساوس و الريب و النجوي فيحصل له اليقين و حب النجاة و طاعة الرحمن ظاهران و تعظيم البرهان هو الرسول من اللّه و الكتاب المنزل و سنة الرسول و اخبار الحجج و العقل السليم الموزون فالمداوم علي الخير هو منقاد البرهان اينما قاده يذهب و لايخالف ما دل عليه البرهان القاطع من اللّه و اجتناب الشيطان اي الداعي الي خلاف البرهان الحق و الآمر بالمنكر الناهي عن المعروف و مخالفة الرحمن و الاجابة للعدل و قول الحق ظاهران و يمكن رفع القول و خفضه.
و اماقوله9 و اما كراهية الشر فيتشعب منه الوقار الي آخر فظاهر فان اضداد الخصال المذكورة كلها شر و التوفر رعي الحرمات و ما لايعنيه اي لايهمه.
و اماقوله9 و اما طاعة الناصح فيتشعب منها الزيادة في العقل و كمال اللب فانه يضم عقله و لبه الي عقله و لبه و محمدة العواقب و النجاة من اللوم فظاهران والقبول اي عنداللّه فيقبله و يقبل اعماله و قبول الخلق له لحسن اعماله وكذا المودة و اما الاسراج فان لميكن مصحفاً فهو تحسين الوجه و تبهيجه اي يحسن الوجه عند الناس و يكون نير الوجه عندهم و لعله تصحيف الاستراحة او الانشراح و الانصاف و هو المعاملة بالعدل مع الخلق و التقدم في الامور لان من عمل بقول الناصح الحق يتقدم علي الناس في جميع الامور و القوة علي الطاعة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۴ *»
لاعانة قوة نفس الناصح و ذلك مجرب مشهود ان الاستاد الناصح اذا امر بامر يكون اوقع في النفس و يكون الانسان اشد مواظبة عليه من ان يتخير بنفسه لنفسه شيئاً و ذكرت الحديث بطوله مع الاشارة الي بعض بياناته لكثرة محصوله و كل هذه الخصال يتشعب من الحلم كما عرفت و هو يتشعب من العقل و العقل اصل كل خير.
الرابع: اعلم ان اصل الحلم هو صفة اللّه جلجلاله كما قال (و كان اللّه عليماً حليماً)و قال (انه كان حليماً غفوراً) و هو بمعني الاناة فانه جلوعز ذو اناة لايعجل و يداري عبده برفق لعله يتذكر او يخشي و من حلمه تقليبه عبده في المرض و الصحة و الخوف و الامن و الجوع و الشبع و الفقر و الغني و التنقص و التوفر و امثال ذلك حتي ينزجر عن الدنيا و ينزعج عن مقتضيات الطبايع و يتوجه اليه و يشتاق الي لقائه و هو معني قوله في القدسي ماترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساءته فكلما يظهر منه الميل الي الدنيا و زخارفها يشدد عليه حتي ينزجر فاذا خاف عليه اليأس و القنوط ارخي باله و اسبل عليه نواله حتي اذا خاف منه الطغيان و الغفلة عنه سلب عنه بعض نعيمه وهكذا يتردد معه حتي يعالجه و يصلح باله و يوجهه اليه و يعرفه فناء الدنيا و بقاء الآخرة و يشوقه الي لقائه و هذا من حلمه سبحانه بعبده المؤمن و كذا هو حليم بالعصاة فلايعاجلهم بالعقوبة فانما يعجل من يخاف الفوت فيمهلهم حتي ينالوا نصيبهم من الكتاب و يدركوا ثواب بعض اعمالهم الحسنة ثم يؤاخذهم بما كسبت ايديهم و بعصيانهم بالجملة ان اللّه هو الحليم و وصف نفسه بذلك في كتابه و قال (و اللّه غفور حليم)(و اللّه غني حليم) ثم وصف به انبياءه: و قال (ان ابرهيم لأواه حليم) و قال (فبشرناه بغلام حليم) و وصف نبيه9 بما يجمع ذلك و غيره حيث قال(انك لعلي خلق عظيم) و قال (لو كنت فظاً غليظالقلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم) و وصف المتقين من
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۵ *»
عباده بذلك فقال (وسارعوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الارض اعدت للمتقين الذين ينفقون اموالهم في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس واللّه يحب المحسنين) فسمي الكاظمين العافين الذين هم الحلماء محسنين و اخبر بحبه لهم فمن اتصف بصفة الحلم و عامل الناس بالحلم فقد صار مظهر اسم اللّه الحليم و مرآة نبيه الكريم و نال بذلك المقام العظيم و ملك زمام تلك الخيرات و الخصال التي عرفتها و صار كاملاً فهو اصل كل خير بعد العقل و سنخ كل حسن فلاجل ذلك ذكر اميرالمؤمنين7 انه من خواص الانسانية هذا و الحلم هو من خواص الانسان لانه الذي يعفو بعد القدرة و يصبر علي المكروه و اما النفس الحيوانية فان كانت سبعية فهي بالطبع مفترسة لايسعها الحلم و الرفق و التأني لانها مقهورة في الطبايع و كما لايسع النار الحلم عن الاحراق و الرفق و العفو فلاتحرق كذلك السبع لايسعه العفو و الصفح و الاغماض و الاناة و ان كانت بهيمة فعدم انتقامها ليس من باب التأني و العفو فانما طباعها عدم المؤاخذة كما لايؤاخذ الحجر من يشتمه او يسيئ اليه و ليس ذلك من حلمه و تأنيه في الامور فالحلم بعد القدرة علي الانتقام و الاناة بعد القدرة علي العجلة و العفو بعد القدرة علي المؤاخذة من صفات الانسان المستعلي علي الطبايع غير المقيد بشيء منها فلاجل ذلك اخبر7 بان الحلم من قوي النفس الناطقة القدسية هذا و هو اول ولد يتولد من العقل و يصير اصل ساير الصفات الحميدة فافهم.
فصل: في ذكر بعض الاخبار الواردة في فضل الحلم ففي الكافي بسنده عن محمد بن عبيداللّه قال سمعت الرضا7 يقول لايكون الرجل عابداً حتي يكون حليماً و ان الرجل كان اذا تعبد في بنياسرائيل لميعد عابداً حتي يصمت قبل ذلك عشر سنين و عن ابيحمزة قال المؤمن خلط علمه بالحلم يجلس ليعلم و ينطق ليفهم لايحدث امانة الاصدقاء و لايكتم شهادته الاعداء و لايفعل شيئاً من الحق رياء و لايتركه حياء ان زكي خاف مما يقولون و استغفر اللّه مما لايعلمون
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۶ *»
لايغره قول من جهله و يخشي احصاء ما قد عمله و عن زرارة عن ابيجعفر7 قال كان علي بن الحسين8 يقول انه ليعجبني الرجل ان يدركه حلمه عند غضبه و عن جابر عن ابيجعفر7 قال ان اللّه عزوجل يحب الحيي الحليم و قال قـال رسولاللّه9 مااعز اللّه بجهل قط و لااذل بحلم قط و عن ابيعبداللّه7 انه قال كفي بالحلم ناصراً و قال اذا لمتكن حليماً فتحلّم و عنه7 قال اذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان فيقولان للسفيه منهما قلت و قلت و انت اهل لما قلت ستجزي بما قلت و يقولان للحليم منهما صبرت و حلمت سيغفر اللّه لك ان اتممت ذلك قال فان رد الحليم عليه ارتفع الملكان و عن حفص قال بعث ابوعبداللّه7 غلاماً له في حاجة فابطأ فخرج ابوعبداللّه7 علي اثره لما ابطأ فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروحه حتي انتبه فلما انتبه قال له ابوعبداللّه7 يا فلان واللّه ما ذلك لك تنام الليل و النهار لك الليل و لنا منك النهار و من مجموعةالورام عن علي7 اول عوض الحليم من حلمه ان الناس كلهم اعوانه و في مصباح الشريعة عن الصادق7 الحلم سراج اللّه يستضيئ به صاحبه الي جواره و لايكون حليماً الا المؤيد بانوار المعرفة و التوحيد و الحلم يدور علي خمسة اوجه ان يكون عزيزاً فيذل او يكون صادقاً فيتهم او يدعو الي الحق فيستخف به او ان يؤذي بلا جرم او ان يطالب بالحق فخالفوه فيه فاذا اتيت كلاً منها حقه فقد اصبت و قابل السفيه بالاعراض عنه و ترك الجواب يكن الناس انصارك لأن من جاوب السفيه فكأنه قد وضع الحطب علي النار قال رسولاللّه9 مثل المؤمن مثل الارض منافعهم منها و اذاهم عليها و من لايصبر علي جفاء الخلق لايصل الي رضي اللّه لان رضاء اللّه تعالي مشوب بجفاء الخلق و حكي ان رجلاً قال للاحنف بن قيس اياك اعني قال و انا عنك احلم قال رسولاللّه9 بعثت للحلم مركزاً و للعلم معدناً و للصبر مسكناً و في الوسائل بسنده عن ابن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۷ *»
ابييعفور عن ابيعبداللّه7 قال ان شيعة علي كانوا خمص البطون ذبل الشفاه اهل رأفة و علم و حلم يعرفون بالرهبانية فاعينوا علي ما انتم عليه بالورع و الاجتهاد و عنه7 المؤمن حليم لايجهل و ان جهل عليه يحلم و لايظلم و ان ظلم غفر و لايبخل و ان بخل عليه صبر و عن ابيعبداللّه7 قال كان علي بن الحسين7 يقول ان المعرفة بكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لايعنيه و قلة مرائه و حلمه و صبره و حسن خلقه و عن النبي9 ماجمع شيء الي شيء افضل من حلم الي علم و عنه9 ان لمتكن حليماً فتحلّم فانه قل من تشبه بقوم الا اوشك ان يكون منهم و عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 ثلث من لميكن فيه لميتم له عمل ورع يحجزه عن معاصي اللّه و خلق يداري به الناس و حلم يرد به جهل الجاهل و عن الحلبي عن ابيعبداللّه7 لاتسفهوا فان ائمتكم ليسوا بسفهاء و قال ابوعبداللّه7 من كافي السفيه بالسفه فقد رضي بمثل ما اتي اليه حتي احتذي مثاله و قال اميرالمؤمنين7 لايكون السفه و الغرة في قلب العالم و عن ابيعبداللّه7 السفه خلق لئيم يستطيل علي من دونه و يخضع لمن فوقه.
فصل: و لما كان الحلم من الصفات الكريمة العظيمة و اصل خيرات كثيرة و ما لمير الانسان حلم الحلماء او يسمع لميؤثر فيه محض الامر به كل التأثير و لذلك امر الناس بمعاشرة الكاملين حتي يتأثر طباعهم من طباعهم فان الطبع مكتسب من الفعال ما لايكتسب من الاقوال احببت ان اذكر شطراً من حلمهم صلوات اللّه عليهم مما يتيسر لي بسهولة جمعها فان اخبار ذلك ليست بمذكورة في موضع واحد فمن ذلك ما رواه في حليةالابرار بسنده عن موسي بن جعفر8 عن ابيه عن آبائه: عن اميرالمؤمنين7 قال ان يهودياً كان له علي رسولاللّه9 دنانير فتقاضاه فقال له يا يهودي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۸ *»
ما عندي ما اعطيك قال فاني لاافارقك يا محمد حتي تعطيني فقال9 اذاً اجلس معك فجلس9 حتي صلي في ذلك الموضع الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الغداة و كان اصحاب رسولاللّه9 يتهددونه و يتواعدونه فنظر رسولاللّه9 فقال ما الذي تصنعون به فقالوا يا رسولاللّه يهودي يحبسك فقال9 لميبعثني ربي عزوجل ان اظلم معاهداً و لا غيره فلما علا النهار قال اليهودي مافعلت الذي فعلت الا لأنظر الي نعتك في التورية محمد بن عبداللّه مولده بمكة و مهاجره بطيبة ليس بفظ و لا غليظ و لا سخاب و لا متزين بالفحش و لا قول الخنا اشهد ان لا اله الا اللّه و انك رسولاللّه و هذا مالي فاحكم بما انزل اللّه عزوجل و كان اليهودي كثيرالمال و عن زرارة عن ابيجعفر7 ان رسولاللّه9 اتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي9 فقال لها ما حملك علي ما صنعت فقالت قلت ان كان نبياً لميضره و ان كان ملكاً راحت الناس منه قال فعفي رسولاللّه عنها و عن جابر بن عبداللّه ان النبي9 نزل تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام فجاء اعرابي فاخذ السيف و قام علي رأسه فاستيقظ7 فقال يا محمد من يعصمك الآن مني قال اللّه تعالي فرجف و سقط السيف من يده و في خبر انه بقي جالساً و لميعاقبه7 و عن ابيبصير عن ابيعبداللّه7 قال نزل رسولاللّه9 في غزاة ذاترقاع تحت شجرة علي شفير واد فأقبل سيل فحال بينه و بين اصحابه فرآه رجل من المشركين و المسلمون قيام علي شفير الوادي ينتظرون السيل فقال رجل من المشركين لقومه انا اقتل محمداً فجاء فشد علي رسولاللّه9 بالسيف ثم قال من ينجيك مني يا محمد فقال ربي و ربك فنسفه جبرئيل7 عن فرسه فسقط علي ظهره فقام رسولاللّه9 فاخذ السيف و جلس علي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۹ *»
صدره و قال من ينجيك مني يا غورث فقال جودك و كرمك فتركه و قام قال واللّه لانت خير مني و اكرم و عن حريز عن ابيعبداللّه7 قال لما قدم رسولاللّه9 مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فامر بصور في الكعبة فطمست ثم اخذ بعضادتي الباب فقال لا اله الا اللّه وحده لا شريك له صدق وعده و نصر عبده و هزم الاحزاب وحده ما ذا تقولون و ما ذا تظنون قالوا نظن خيراً و نقول خيراً اخ كريم و ابن اخ كريم و قد قدرت قال فاني اقول كما قال اخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم و هو ارحم الراحمين و عن انس قال كنت امشي مع رسولاللّه و عليه برد نجراني غليظ الحاشية فادركه اعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتي نظرت الي صفحة عنق رسولاللّه قد اثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته قال يا محمد مر لي من مال اللّه الذي عندك فالتفت اليه رسولاللّه ثم ضحك ثم امر له بعطاء و قد مر في الباب المتقدم ذكر حلم ابيعبداللّه7 عن غلامه و عن صفوان بن جمال قال وقع بين ابيعبداللّه و بين عبداللّه بن الحسن كلام حتي وقع الضوضاء بينهم و اجتمع الناس فافترقا عشيتهما بذلك و غدوت في حاجة فاذا بابيعبداللّه7 علي باب عبداللّه بن الحسن و هو يقول يا جارية قولي لابيمحمد قال فخرج فقال يا باعبداللّه ما بكر بك قال اني تلوت من كتاب اللّه عزوجل البارحة آية فاقلقتني قال قول اللّه عزوجل ذكره (الذين يصلون ما امر اللّه به ان يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب) فقال صدقت لكأني لماقرأ هذه الآية من كتاب اللّه قط فاعتنقا و بكيا وفيه ان رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يوذي اباالحسن موسي7 و يسبه اذا رآه و يشتم علياً7 قال له بعض جلسائه يوماً دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عنه اشد نهي و زجرهم اشد زجر و سأل عن العمري فذكر انه يزرع بناحية من نواحي المدينة فركب فوجده في زرعه فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري الا لاتوطئ زرعنا فتوطاه ابوالحسن7 بالحمار حتي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۰ *»
وصل اليه فنزل و جلس عنده و باسطه و ضاحكه و قال له كم غرمت في زرعك هذا فقال مائة دينار قال وكم ترجو انتصيب فيه قال لست اعلم الغيب قال انما قلت كم ترجو اننجيبك فيه قال ارجو فيه مائتي دينار فاخرج له ابوالحسن صرة فيها ثلثمائة دينار و قال هذا زرعك علي حاله و اللّه يرزقك فيه ما ترجو قال فقام العمري فقبل رأسه و سأله انيصفح عن فارطته فتبسم اليه ابوالحسن7 و انصرف قال و راح الي المسجد فوجد العمري جالساً فلما نظر اليه قال اللّه اعلم حيث يجعل رسالته قال فوثب اصحابه اليه فقالوا ما قصتك كنت تقول غير هذا قال فقال لهم قد سمعتم ما قلت الآن و جعل يدعو لابيالحسن7 فخاصموه و خاصمهم فلما رجع ابوالحسن الي داره قال لحاشيته الذين سألوه في قتل العمري ايما كان خيراً ما اردتم او ما اردت انني اصلحت امره بالمقدار الذي عرفتم و كفيت به شره و عن معتب قال كان ابوالحسن موسي7 في حائط له يصرم فنظرت الي غلام له قد اخذ كارة من تمر فرمي بها وراء الحائط فاتيته فاخذته و ذهبت به اليه فقلت له جعلت فداك اني وجدت هذا و هذه الكارة فقال للغلام فلان قال لبيك قال أتجوع قال لا يا سيدي قال فتعري قال لا يا سيدي قال فلأي شيء اخذت هذا قال اشتهيت ذلك قال اذهب فهي لك و قال خلوا عنه و في البحار مسنداً انه وقف علي علي بن الحسين8 رجل من اهل بيته فاسمعه و شتمه فلميكلمه فلما انصرف قال لجلسائه لقد سمعتم ما قال هذا الرجل و انا احب ان تبلغوا معي اليه حتي تسمعوا مني فقالوا له نفعل و لقد كنا نحب ان تقول له و تقول فاخذ عليه و مشي و هو يقول (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و اللّه يحب المحسنين) فعلمنا انه لايقول له شيئاً قال فخرج حتي اتي منزل الرجل فصرخ به فقال قولوا له هذا علي بن الحسين قال فخرج الينا متوسماً للشر و هو لايشك انه انما جاء مكافئاً له علي بعض ما كان له منه فقال له علي بن الحسين يا اخي انك كنت قد وقفت علي آنفاً و قلت و قلت فان كنت قلت ما فيّ فاستغفر اللّه منه و ان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۱ *»
قال فقبل الرجل بين عينيه و قال بل قلت فيك ما ليس فيك و انا احق به و روي انه جعلت جارية لعلي بن الحسين7 تسكب الماء عليه و هو يتوضأ للصلوة فسقط الابريق من يد الجارية علي وجهه فشجّه فرفع علي بن الحسين8 رأسه اليها فقالت الجارية ان اللّه عزوجل يقول (الكاظمين الغيظ) فقال لها قد كظمت غيظي قالت (و العافين عن الناس) قال لها قد عفي اللّه عنك قالت (و اللّه يحب المحسنين) قال اذهبي فانت حرة و عن معوية بن عمار عن ابيعبداللّه7 قال كان بالمدينة رجل بطال يضحك الناس منه فقال قد اعياني هذا الرجل ان اضحكه يعني علي بن الحسين7 قال فمر علي7 و خلفه موليان له قال فجاء الرجل حتي انتزع رداءه من رقبته ثم مضي فلميلتفت اليه7 فاتبعوه و اخذوا الرداء منه فجاءوا به فطرحوه عليه فقال لهم من هذا فقالوا هذا رجل بطال يضحك اهل المدينة فقال قولوا له ان للّه يوماً يخسر فيه المبطلون واروي انه شتم بعضهم زينالعابدين7 فقصده غلمانه فقال دعوه فان ما خفي منا اكثر مما قال ثم قال له ألك حاجة يا رجل فاستحيي الرجل فاعطاه ثوبه و امر له بالف درهم فانصرف الرجل صارخاً يقول اشهد انك ابن رسولاللّه و شتمه آخر فقال يا فتي ان بين ايدينا عقبة كــــݘـوداً فان جزت منها فلاابالي بما تقول و ان اتحير فيها فانا شر مما تقول و سبّه7 رجل فسكت عنه فقال اياك اعني فقال7 و عنك اغضي و روي ان مولي لعلي بن الحسين يتولي عمارة ضيعة له فجاء ليطلعها فاصاب فيها فساداً و تضييعاً كثيراً غاضه من ذلك ما رأي و غمه فقرع المولي بسوط كان في يده و ندم علي ذلك فلما انصرف الي منزله ارسل في طلب المولي فاتاه فوجده عارياً و السوط بين يديه فظن انه يريد عقوبته فاشتد خوفه فاخذ علي بن الحسين السوط و مدّ يده اليه و قال يا هذا قد كان مني اليك ما لميتقدم مني مثله و كانت هفوة و زلة فدونك السوط و اقتص مني فقال المولي يا مولاي واللّه ان ظننت الا انك تريد عقوبتي و انا استحق للعقوبة فكيف اقتص منك قال ويحك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۲ *»
اقتص قال معاذ اللّه انت في حل و سعة فكرر ذلك عليه مراراً و المولي كل ذلك يتعاظم قوله و يحلله فلما لميره يقتص قال له اما اذا ابيت فالضيعة صدقة عليك و اعطاه اياها واروي انه انتهي7 الي قوم يغتابونه فوقف عليهم فقال لهم ان كنتم صادقين فغفر اللّه لي و ان كنتم كاذبين فغفر اللّه لكم و روي انه كان عنده قوم اضياف فاستعجل خادماً له بشواء كان في التنور فاقبل به الخادم مسرعاً فسقط السفود منه علي رأس بني لعلي بن الحسين7 تحت الدرجة فاصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام و قد تحير الغلام و اضطرب انت حر فانك لمتتعمده و اخذ في جهاز ابنه و دفنه و عن ابيجعفر7 قال ان ابي ضرب غلاماً له قرعة واحدة بسوط و كان بعثه في حاجة فابطأ عليه فبكي الغلام و قال يا علي بن الحسين تبعثني في حاجتك ثم تضربني قال فبكي ابي و قال يا بني اذهب الي قبر رسولاللّه و صل ركعتين ثم قل اللهم اغفر لعلي بن الحسين8 خطيئته يوم الدين ثم قال للغلام اذهب فانت حر لوجه اللّه قال ابوبصير فقلت جعلت فداك كان العتق كفارة الضرب فسكت و روي انه اذنب غلام لعلي بن الحسين7 ذنباً استحق به العقوبة فاخذ له السوط و قال (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لايرجون ايام اللّه) فقال الغلام و ما انا كذلك اني لارجو رحمة اللّه و اخاف عذابه فالقي السوط و قال انت عتيق و روي انه دعا علي بن الحسين8 عبداً له فلميجبه مرات فقال له ما منعك من جوابي قال امنت عقوبتك فقال امض فانت حر لوجه اللّه.
و عن الصادق7 قال جاء الي النبي9 سائل يسأله فقال رسولاللّه9 هل من احد عنده سلف فقام رجل من الانصار من بنيالجبلي فقال عندي يا رسولاللّه قال فاعط هذا السائل اربعة اوساق تمر قال فاعطاه قال ثم جاء الانصاري بعد الي النبي9 يتقاضاه فقال يكون ان شاء اللّه ثم عاد اليه فقال يكون ان شاء اللّه ثم عاد اليه الثالثة فقال يكون ان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۳ *»
شاء اللّه فقال قد اكثرت يا رسولاللّه من قول يكون ان شاء اللّه فضحك رسولاللّه9 و قال هل من رجل عنده سلف قال فقام رجل فقال له عندي يا رسولاللّه قال و كم عندك قال ما شئت قال فاعط هذا ثمانية اوسق من تمر فقال الانصاري انّما لي اربعة يا رسولاللّه قال رسولاللّه9 و اربعة ايضاً و روي ان اعرابياً دخل المسجد متقلداً بسيفه فقال يا محمد انك ساحر كاذب فاراد الاصحاب قتله فزبرهم رسولاللّه9 و قال يا اخا العرب من تريد قال محمداً الساحر الكاذب فقال انا محمد و لست بساحر و لا كذاب بل رسولاللّه فقال الاعرابي واللات و العزي لولا جمال وجهك لملأت سيفي منك واللات لااومن حتي يؤمن بك هذا الضب و رمي بضب معه فقال له رسولاللّه9يا ضب قال لبيك يا رسولاللّه فقال من انا قال انت رسولاللّه فقال الاعرابي اشهد ان لا اله الا اللّه و اشهد ان محمداً رسولاللّه و عن رجل من اهل الشام قال دخلت المدينة و كنت امشي يوماً في بعض سككها فرأيت رجلاً جميلاً علي بغلة فسألت عنه فقالوا الحسن بن علي فدنوت منه فقلت انت ابن علي بن ابيطالب قال نعم فشتمته و شتمت اباه و كان ساكتاً حتي حييت فلما تم مقالي ضحك فقال احسبك شامياً غريباً قلت نعم قال فمل معي ان احتجت الي منزل انزلناك او الي مال ارفدناك او الي حاجة عاوناك فحييت منه و دخل حبه في قلبي وفي البحار في حديث انه اتي الحسن7 رجل فقال ان فلاناً يقع فيك فقال القيتني في تعب اريد الآن ان استغفر اللّه لي و له و روي ان غلاماً له7 جني جناية توجب العقاب فامر به ان يضرب فقال يا مولاي (و العافين عن الناس) فقال عفوت عنك قال يا مولاي(و اللّه يحب المحسنين) قال انت حر لوجه اللّه و لك ضعف ما كنت اعطيك الي غير ذلك من حلمهم صلوات اللّه عليهم و حسن اخلاقهم و لو ان ما في الارض من شجرة اقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة ابحر مانفدت كلمات اللّه فلنكتف بورق من شجر و حفنة من بيدر و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۴ *»
فصل: قد سنح لي هنا خاطر ان اذكر مطلباً شريفاً و سراً لطيفاً في باب الاخلاق و هو ان اللّه سبحانه قد خلق النفس الناطقة الانسانية ظل ربوبيته و آية سلطنته و خلق لها ملكاً قد جعل فيه اسباب احداث جميع ما اودع فيها من الكمالات و لولا تلك الاسباب لمتقدر ان تبرز الي عرصة الفعلية ما اودع فيها من القوة و لميودع اللّه ما فيها من القوي فيها الا لتكون آية له جلشأنه في قوته و قدرته علي ما يشاء و جعل ملكها آية ملكه و اسباب ملكها آية اسباب ملكه و كما انه جلذكره يجري مقدوراته باسباب هيأها في ملكه كذلك تفعل النفس ما تشاء مما اودع فيها من القدرة عليه باسباب هيأها اللّه في ملكها و امرها بالطاعة في جميع تلك القوي و بجميع تلك الاسباب لانه خلقها للطاعة و العبادة و مكنها في ذلك الملك لاجل العبادة و هي تقدر ان تطيع اللّه بجميع تلك القوي و الادوات و الآلات فانها خلقت للعبادة اولاً و بالذات و انما جعلها صالحة للمعصية لاجل اثبات الاختيار فلميخلق في ملكها شيئاً من تلك الادوات و الآلات غير صالح للطاعة اطاعت به او عصت و ليس شيء منها في خلقه مذموماً او اذا استعمل في محله من الطاعة مبغوضاً فمن تلك الاسباب مناشئ الاخلاق و مباديها و لابد من وجودها و لو لميكن واحد منها في الانسان لكان ناقصاً ردياً مذموماً اذ لايقدر علي الطاعة في تلك الجهة و ان اللّه يحب لعبده ان يعبده بجميع جهات العبودية حتي يحوز به جميع انوار الربوبية و بذلك يزدادون الناس ايماناً و ينتقصون فمن تلك المبادي مبدأ الغضب مثلاً فلو لميكن في الانسان مبدأ الغضب لميقدر الانسان علي الجهاد في سبيل اللّه و لميقدر علي النهي عن المنكر و ازالته و لميقدر علي كراهة اعداء اللّه و كراهة صفاتهم و اخلاقهم و امثال ذلك فقد خلق مبدأ الغضب لاجل الغضب و امر الانسان بالعبادة به في هذه الوجوه فمن لميكن فيه مبدأ الغضب يفوت عنه هذه العبادات و يكون ناقصاً فكيف يكون الغضب من الاخلاق الردية و من لميكن فيه غضب فهو من البهائم او النباتات او الجمادات و لا كمال للضأن و الشجر و الحجر في عدم غضبها و كذلك منها مبدأ الحرص مثلاً فلو لميكن في الانسان مبدأ حرص لماقدر ان يحرص علي العلم و علي العبادة و علي اكثار الخير و امثال ذلك و منها
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۵ *»
مبدأ الجبن فمن لميكن فيه مبدأ جبن لايخاف من اللّه و لا من رسوله و حججه: و لايخاف من الهلاك بالمعاصي و لا من النار و لا من اذية الاخيار و غضب الجبار و منها مبدأ الشهوة فمن لميكن فيه مبدأ الشهوة لايتمكن من تشهي الطاعات و الخيرات و الجنة و الحورالعين و محبة الاخيار و صفاتهم و اخلاقهم وهكذا و علي هذه فقس ما سواها و المذموم استعمال تلك المبادي و الاسباب في غير وجه الطاعة و في غير رضاء اللّه جلشأنه فالبخل في اللّه و للّه علي الناصب فلايقطر في حلقه قطرة من الماء و لو مات عطشاً ممدوح و بذل المال له مذموم وهكذا الغضب علي ولي اللّه مذموم و اللين علي عدو اللّه مذموم و لست اقول كما يقول اهل العلوم الظاهرة الغافلون عن هذه الاسرار ان كل صفة افراطه و تفريطه مذمومان و الوسط بينهما ممدوح فافراط الغضب تهوّر و تفريطه جبن و الوسط ممدوح و هو الشجاعة و افراط البذل مثلاً تبذير و اسراف و تفريطه بخل و الوسط ممدوح و هو الكرم و السخاوة مثلاً و سموا هذا الوسط اعتدالاً و صاحبه عادلاً و انا لااعرف ذلك فان تلك كلمات لميذكر اسم اللّه عليها و اقتفوا فيها اثر الحكماء المستغنين بحكمتهم عن الانبياء فتكلموا في الاشياء من حيث هي و اما الانبياء فيتكلمون في الاشياء من حيث الرب فاقول ان الغضب افراطه و وسطه و تفريطه ان كانت لغير اللّه فهي مذمومة و ان كانت للّه و في رضاء اللّه فهي ممدوحة و لايجوز لك ان تبغض عدو اللّه قليلاً لاجل ان الصفات افراطه و تفريطه مذمومان و الوسط اعتدال و لايجوز لك ان لاتبخل بدينك علي الشيطان او بمالك علي الناصب علي ان البخل تفريط و العادل ينبغي ان لايكون مفرطاً و لا مفرّطاً بل ذلك من مزخرفات الحكماء حيث انقطعوا عن الرب جلجلاله فجميع الصفات يجب في الطريقة الافراط فيها اذا امرك اللّه بالافراط و التوسط فيها اذا امرك اللّه بالتوسط و التفريط فيها اذا امرك اللّه بالتفريط ذلك و هذه الجهات الثلاث من اسباب الملك التي قد خلقت لطاعة النفس حتي لاتكون معذورة في ترك طاعة فكيف يكون شيء منها مذموماً فتدبر و انصف.
نعم اذا شئت ان اقول بلسان الحكمة اقول ان النفس خلقت من حيث هي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۶ *»
متوحدة مجردة عن جميع الخصوصيات و خلق اللّه لها هذا البدن مظهراً و مركباً و ركبه من اخلاط و جعل كل خلط مبدأ صفة و مرآة خلق فاذا اشرق نور النفس علي الصفراء مثلاً احياها و حركها فظهر من ورائها الغضب و يقال غضبت النفس و اذا اشرق علي البلغم مثلاً و احياها و حركها فظهر من ورائه الشهوة و يقال شهيت النفس و انما مثلهما كنور الشمس و المرايا الصفر و الخضر و السود و البيض و ظهور الانوار المصبوغة من ورائها و ليس من امامها الوان فاذا كان في البدن خلط من الاخلاط غالباً و ضده مغلوباً مضمحلاً لميظهر نور علي صفة المغلوب و يصدر دائماً علي صفة الغالب فهو ناقص و مذموم و اما من كان فيه جميع الاخلاط متكافية صافية امكنت النفس من الظهور من باب كل خلط و ضده فامكنها الغضب كيفما امرت به في محله و الشهوة كيفما امرت به في محله و الحب كيفما امرت به في محله و البغض كيفما امرت به في محله بلا اكتراث فيحصل التوسط للنفس حيث تكون مستوية علي عرش الاخلاط ليس شيء منها اقرب اليها من شيء آخر و تطيع اللّه في كل جهة من جهات تلك المظاهر علي حد سواء فلو مزج الصفراء و البلغم مثلاً بحيث كسر البلغم سورة الصفراء و اطفاها و كسرت الصفراء سورة البلغم و جففته قليلاً فحصل من بينهما شيء ثالث ليس بصفراء محض و لا ببلغم محض لعجز الانسان عن مقتضي الصفراء المحض و عن مقتضي البلغم اذ ليس في بدنه شيء منهما و لكان دائماً عاملاً بامر متوسط فيبغض الناصب قليلاً بغضاً مشوباً بالشهوة و يحب الولي قليلاً حباً مشوباً بالبغض نعوذ باللّه من هذا الرأي الفاسد و القول الكاسد.
فتبين ان الواجب ان يكون فيه مبادي جميع الصفات كائنة ما كانت بالغة ما بلغت و ينبغي للمؤمن ان يكون واقفاً موقف الطاعة فان امره الشارع بالافراط يرفع آلته و يفرط و ان امره بالتفريط يرفع آلته و يفرط و ان امره بالتوسط يرفع آلته و يتوسط و ليس ان الشارع امر في كل شيء بالتوسط الاتري انه لميأمر بالتوسط في حبه و الاخلاص له و الايمان به و توحيده و تصديقه و امثال ذلك و لميأمر بالتوسط في محبة محمد و آلمحمد: و تصديقهم و الايمان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۷ *»
بهم و طاعتهم و ليس الغلو افراطاً في محبتهم و التقصير تفريطاً فيها و ان كان ظاهراً كذلك و اي حب لمن يكذب علياً7 اذ هو يدعي العبودية و هو يكذبه و يدعي في حقه الربوبية و كيف يحب علياً و علي بريء الي اللّه منه و القلوب مرتبطة و شواهد ولكن الواجب ان تضع علياً في موضعه الذي وضعه اللّه فيه و تحبه حباً لا غاية له و لا نهاية و ليس ذلك بمذموم و سبب هلاك البتة.
بالجملة ليس جميع ما امر الشارع به متوسطاً اللهم الا ما كان التوسط فيه خيراً كقوله تعالي (لاتجعل يدك مغلولة الي عنقك و لاتبسطها كل البسط) و نحو (لاتجهر بصلوتك و لاتخافت بها) فمعني عليك بالحسنة بين السيئتين يكون في موضع طرفاه سيئة لا مطلقاً و معني خير الامور اوسطها اشرفها فان الاوسط بمعني الاشرف فاذ لميكن التوسط في كل شيء ممدوحاً فكيف يكون الصفات المتوسطة هي المعتدلة و صاحبها هو العادل فالحق ما ذكرنا.
و ان قلت كيف يغفل الكل عن ذلك و كيف تنكر ذلك و قد ملأ القوم منه كتبهم قلت:
فهب اني اقول الصبح ليل | أيعمي الناظرون عن الضياء |
و بناء اكثر المصنفين علي تقليد السلف و ترك الروية و التوزين بميزان اللّه فلاجل ذلك يمشي آخرهم حذو اولهم ولكن المؤمن اذا راجع كلماتنا تنبه انا في ذلك علي الحق و غرضنا في هذا الفصل ان جميع الصفات مخلوق من اللّه خلقه للطاعة و مكنه منها و من المعصية اتماماً للاختيار و جميعها لازم في المملكة اي مملكة بدن الانسان و من عدمها ناقص و انما العيب و النقص علي من يستعملها في المعصية و ما ورد من الذم في بعض الصفات فانما هو فيما استعملت في المعاصي لا ما استعملت في الطاعات و مثل الصفات جميع الاعيان فالدنيا مثلاً ليست بمذمومة و لا ملعونة و انما الذم و اللعن علي من يستعملها لغير اللّه و المدح لمن يستعملها في رضاء اللّه و طاعته فالدنيا الملعونة كل دنيا استعملت في معصية اللّه و الدنيا البلاغ كل دنيا استعملت في بلوغ درجات الآخرة فافهم راشداً موفقاً.
فصل: اعلم ان النفس الانسانية كما بينا لكونها آية اللّه الذي ليس كمثله
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۸ *»
شيء ليس لها في نفسها بداوات و اعراض تشاهد منها بحسب الظاهر و انما هذه البداوات و الاعراض تعرض مركبها و منشأها و مبدأها النفس الحيوانية و النباتية و الجمادية فمن تلك الاعراض ما ليس للشعور و الارادة فيها مدخل كالجوع و العطش و امثال ذلك و ان كان ادراكها بالشعور فانها امور طبيعية تعرض ادركتها النفس او لمتدرك كما ان الزرع يعطش و ليس يدرك العطش فامثال ذلك مباديها من الجمادية و النباتية و منها ما للشعور و الارادة فيها مدخل كالرضا و الغضب فمبدأهما من النفس الحيوانية و لذلك قال اميرالمؤمنين7 انهما من خواص الحيوانية و الحواس الخمس قويها و هي فرع الشعور و الارادة فالنفس الحيوانية لانهماكها في الطبايع حصل لها اصباغ و تعينات و خواص فاذا كان نفس حيوانية مشاكلة نفس اخري في الطبع و الصورة المكتسبة من الطبايع تستأنس و تميل الي مشاكلتها كما يميل الحمام الي الحمام و الصقر الي الصقر و تنفر عن مخالفتها كماتنفر الشاة عن الذئب و البقر عن الاسد ضرورة ان الاشياء تتقوي باشكالها و اندادها و تتضعف باضدادها كما تتقوي النار بالنار و تضعف بالماء فاذا مالت النفس الي ما يقويها من شكلها يقال رضيته و اذا تنفرت عما يضعفها يقال كرهته فهي دائرة بين الرضا و الغضب دائماً فلاجل ذلك قال7 ان من خواصها الرضا و الغضب اي الميل و التنفر و المحبة و الكراهة و الاقبال و الاعراض و عبر الحكماء عنهما بالشهوة و الغضب و اصلهما الحب و البغض و جميع الخصال التي تعرض الشخص حال الاقتران بالغير فروع هاتين الخاصتين و لكل منهما ان تكونا تحت سلطان الايمان مقام قوة و مقام ضعف فالشهوة اذا ضعفت بلغت مقام الخمود و عدم الميل الي شيء و اذا قويت بلغت مقام الشره و شدة الميل الي المجانس و الغضب اذا ضعف بلغ مقام الكراهة من غير دفع للمنافر و هو الجبن و اذا قوي بلغ مقام الدفع بلا تأمل و هو التهور و بين المقامين في كل منهما مراتب لاتحصي و جميع الخصال الاقترانية راجعة الي مراتب هاتين الخصلتين منفردة و مجتمعة فالتي تتعلق بمراتب القوة الشهوية فهي كحب الدنيا و حب الغنا و الحرص و الاكل و الشرب و الجماع و الملابس و المراكب و الزينة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۳۹ *»
و طلب المال و القول السوء قال اللّه سبحانه (زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الانعام و الحرث) و التي تتعلق بالقوة الغضبية فهي كالخوف و الامن و الخيبة و اليأس و ضعف النفس و قوتها و دناءتها و شرافتها و الحمية و الغيرة و عدمهما و العجلة و التؤدة و سوء الظن و حسنه و الغضب و الحلم و كظم الغيظ و العفو و الانتقام و الفظاظة و الغلظة و اللين و الرفق و العداوة و حسن الخلق و سوئه و السوء من القول و العجب و الكبر و تزكية النفس و الغصب و كتمان الحق و قساوة القلب و امثال ذلك و التي تحدث من تركيبهما فهي كالحسد و الاهانة و العدوان و اعانة اهله و الخذلان و المسامحة و مباعدة الناس و القطع و العقوق و التعيير و طلب العيب و النمامة و افشاء السر و الافساد و الشماتة و المراء و الاستهزاء و الغيبة و الكذب و الريا و النفاق و الغرور و طول الامل و الاصرار و الغفلة و عدم الرضا و الحزن و الكفران و الجزع و امثال ذلك فجميع الخصال المذمومة راجعة الي هاتين الخاصتين اذا كانتا آمرتين غالبتين علي الناطقة القدسية التي هي العالمة و اما اذا كانتا مطاوعتين للناطقة القدسية التي هي علي صفة الشارع الذي هو علي صفة مشية اللّه كانتا حسنتين و من اسباب الطاعة و مباديها و مناشئها و ينبغي وجود جميع فروعها في الحكمة و جريانها في مواضع الطاعة فان اللّه سبحانه لميخلق السموات و الارض و ما بينهما الا بالحق و ماخلق الجن و الانس و ما فيهما من الخصال و القوي و الخواص الا ليعبدوه و انما يحصل العصيان بوضعها في غير موضعها و ان شئت ان تري ما اخترناه من اخبار العترة الاطهار صلوات اللّه عليهم فانظر الي ما رواه في الكافي بسنده عن الاصبغ بن نباتة قال جاء رجل الي اميرالمؤمنين7 فقال يا اميرالمؤمنين ان ناساً زعموا ان العبد لايزني و هو مؤمن و لايسرق و هو مؤمن و لايشرب الخمر و هو مؤمن و لايأكل الربوا و هو مؤمن و لايسفك الدم الحرام و هو مؤمن فقد ثقل علَيّ هذا و حرج منه صدري حين ازعم ان هذا العبد يصلي صلوتي و يدعو دعائي و يناكحني و اناكحه و يوارثني و اوارثه و قد خرج من الايمان لاجل ذنب يسير اصابه فقال اميرالمؤمنين7
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۰ *»
صدقت سمعت رسولاللّه9 يقول و الدليل عليه كتاب اللّه خلق اللّه عزوجل الناس علي ثلث طبقات و انزلهم ثلث منازل و ذلك قول اللّه عزوجل في الكتاب اصحاب الميمنة و اصحاب المشأمة و السابقون فاما ما ذكر من امر السابقين فانهم انبياء مرسلون و غير مرسلين جعل اللّه فيهم خمسة ارواح روح القدس و روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن فبروح القدس بعثوا انبياء مرسلين و غير مرسلين و بها علموا الاشياء و بروح الايمان عبدوا اللّه و لميشركوا به شيئاً و بروح القوة جاهدوا عدوهم و عالجوا معايشهم و بروح الشهوة اصابوا لذيذ الطعام و نكحوا الحلال من شباب النساء و بروح البدن دبوا و درجوا فيها فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم قال قـال اللّه عزوجل (تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من كلم اللّه و رفع بعضهم درجات و آتينا عيسي بن مريم البينات و ايدناه بروح القدس) ثم قال في جماعتهم (و ايدهم بروح منه) يقول اكرمهم بها ففضلهم علي من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر اصحاب الميمنة و هم المؤمنون حقاً باعيانهم جعل اللّه فيهم اربعة ارواح روح الايمان و روح القوة و روح الشهوة و روح البدن فلايزال العبد يستكمل هذه الارواح الاربعة حتي يأتي عليه حالات فقال الرجل يا اميرالمؤمنين ما هذه الحالات فقال اما اولهن فهو كما قال اللّه عزوجل (و منكم من يرد الي ارذل العمر لكيلايعلم من بعد علم شيئاً) فهذا ينتقص منه جميع الارواح و ليس بالذي يخرج من دين اللّه لان الفاعل به رده الي ارذل عمره فهو لايعرف للصلوة وقتاً و لايستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار و لا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الايمان و ليس يضره شيئاً و فيهم من ينتقص منه روح القوة فلايستطيع جهاد عدوه و لايستطيع طلب المعيشة و منهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به اصبح بنات آدم لميحنّ اليها و لميقم و يبقي روح البدن فيه فهو يدب و يدرج حتي يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لان اللّه عزوجل هو الفاعل به و قد يأتي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۱ *»
عليه حالات في قوته و شبابه فيهمّ بالخطيئة فيشجعه روح القوة و يزين له روح الشهوة و يقوده روح البدن حتي يوقعه في الخطيئة فاذا لامسها نقص من الايمان و تفصي منه فليس يعود فيه حتي يتوب فاذا تاب تاب اللّه عليه فان عاد ادخله اللّه نار جهنم فاما اصحاب المشأمة فهم اليهود و النصاري يقول اللّه عزوجل (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابناءهم) يعرفون محمداً و الولاية في التورية و الانجيل كما يعرفون ابناءهم في منازلهم (و ان فريقاً منهم ليكتمون الحق من ربك) انك الرسول اليهم (فلاتكونن من الممترين) فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الايمان و اسكن ابدانهم ثلثة ارواح روح القوة و روح الشهوة و روح البدن ثم اضافهم الي الانعام فقال (ان هم الا كالانعام) لان الدابة انما تحمل بروح القوة و تعتلف بروح الشهوة و تسير بروح البدن فقال السائل احييت قلبي باذن اللّه يااميرالمؤمنين و في حديث جابر الجعفي قال قـال ابوعبداللّه7 فالسابقون هم رسل اللّه و خاصة اللّه و جعل فيهم خمسة ارواح ايدهم بروح القدس فبه عرفوا الاشياء و ايدهم بروح الايمان فبه خافوا اللّه عزوجل و ايدهم بروح القوة فبه قدروا علي طاعة اللّه و ايدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة اللّه عزوجل و كرهوا معصيته و جعل فيهم روح المدرج الذي يذهب الناس و يجيئون و جعل في المؤمنين اصحاب الميمنة روح الايمان فبه خافوا اللّه و جعل فيهم روح القوة فبه قووا علي طاعة اللّه و جعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة اللّه و جعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس و يجيئون و في حديثه عن ابيجعفر7 فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش الي ما تحت الثري ثم قال يا جابر ان هذه الاربعة يصيبها الحدثان الا روح القدس فانها لاتلهو و لاتلعب و في حديث مفضل بن عمر عن ابيعبداللّه7 ان اللّه تبارك و تعالي جعل في النبي خمسة ارواح روح الحيوة فبه دب و درج و روح القوة فبه نهض و جاهد و روح
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۲ *»
الشهوة فبه اكل و شرب و اتي النساء من الحلال و روح الايمان فبه امن و عدل و روح القدس فبه حمل النبوة الخبر فالمراد بروح البدن في هذه الاخبار النيرة روح الحيوة اي الروح الحيوانية فانها منشأ الحركة الارادية و بها يدب و يدرج صاحبها و بروح القوة هو القوة الغضبية اذ بها يجاهد العدو و منها المرة التي بها يعالج المعاش و ذكر بعض الصفات من باب التمثيل و بروح الشهوة هو القوة الشهوية و بها الميل الي الطاعة و الاكل و الشرب و الجماع و تخصيصها بالذكر تمثيل و بروح الايمان هو النفس الناطقة القدسية الانسانية فان الناس كلهم بهائم الا المؤمن و بروح القدس هو العقل الذي في جنان الصاقورة ذاق من حدايقهم الباكورة و هي اعظم من الملئكة و غيرهم و رئيسهم فالخمسة آلات لروح اللّه و الاربعة آلات للقدسية و الثلثة آلات للانسانية و الاثنان آلتان لروح الحيوان فهاتان تصرفان الي حاجات الحيوانية ان كان الامير عليهما الحيوانية فتصرف روح القوة في حمل الاثقال و الظلم و الغشم و ما يناسبها و روح الشهوة في الاعتلاف و النزو علي الانثي و الحنين علي ولدها و امثالها مما يناسبها و اما اذا صارت الثلثة آلات النفس الناطقة القدسية تصرف كل واحدة منها في حاجات النفس الناطقة فتستعملها فيما يناسبها فتستعمل الحيوانية في الحركة الي صنوف الطاعات و مراضي اللّه سبحانه و لولا امر الناطقة لكانت تتحرك علي رأسها بمقتضي طبعها سواء كانت من مراضي اللّه او مساخطه و اذا انقادت للناطقة فهي تمشي الي جهات الطاعات علي وجه الطاعة و تستعمل روح القوة في الجهاد في سبيل اللّه و بغض اعداء اللّه و نصرة اولياء اللّه و حمل اعباء الطاعات و غيرها مما يناسب القوة و القدرة و لولا انقيادها لكانت مصروفة في حمل الحمول و الظلم و الغشم و العض و الرفث سواء كانت في وجه طاعة او معصية و تستعمل روح الشهوة في حب اللّه و حب رسوله و حججه و حب الطاعات و حب الجنة و دار القرب و امثال ذلك و ذلك ان نور الناطقة نور ادراك و انقياد للّه علي وجه التعقل و التعمد و هذا النور اذا وقع في مرآة روح الشهوة و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۳ *»
روح القوة انصبغ فيهما فلما انعكس عنهما انعكس منصبغاً بصبغهما و يكون الصبغ المنعكس مستنيراً بنور الناطقة فيكون المنعكس شيئاً مركباً منهما فلذلك قلنا ان النفس تصرفهما في طاعتها و علي ما يناسبها فتكون الحيوانية حيوانية الانسان و القوة قوته و الشهوة شهوته لاحيوانية الحيوان و قوته و شهوته فافهم.
و اما الاربعة فهي آلات لروح القدس فاذا اشرق عليها تستعمل كل واحدة في الامور النبوية لان نور روح القدس ينصبغ في مراياها ثم ينعكس منها فروح الايمان هو ايمان النبي و هو غير ايمان الرعية و روح الحيوان هو حيوان النبي و حيوته غير حيوة الانسان و حيوة الحيوان و روح القوة هو قوة النبي و هو غير قوة الانسان و الحيوان و روح الشهوة هو شهوة النبي لا شهوة الانسان و الحيوان لاستشراقها باشراق روح القدس و جريها مجري ارادته فيصرفها فيما يناسبه فلاجل ذلك يفضل جميع اعمال النبي علي اعمال ساير الناس فبروح الايمان يؤمن ايماناً لايوازيه ايمان و بروح الحيوة يتحرك حركة لايوازيه حركة متحرك و بروح القوة يجاهد جهاداً لايوازيه جهاد احد و بروح الشهوة يشتهي و يحب الطاعة بحيث لايوازيه شيء.
فتبين و ظهر من هذا الحديث الشريف ان روح الشهوة و روح القوة آلتان تابعتان صالحتان لخدمة الحيوان و الانسان و النبي فايهم استعملهما تنصرفان في خدمته و ليس خلقهما عبثاً و لا لغواً و ليست القوة الحيوانية عاصية دائماً و مذمومة و كذلك ساير الخصال الجزئية التي هي من فروعهما فجميعها محتاج اليه اما للنبي و اما للانسان فلابد في النبي و الانسان من البخل الشديد حتي لايقطر به قطرة ماء في حلق الناصب و لايصرف ماله في سبيل الشيطان و لولاه لماقدر علي ذلك و لابد فيهما من الشره حتي يتوق الي الطاعات و العبادات فلولاهما لماحرصا علي طاعة اللّه و البر و الاحسان و علي هذه فقس ما سواها فلا ذم علي خصال جبل اللّه الانسان عليها و انما الذم علي استعمالها في غير مراضي اللّه و ليس واحدة منها في نفسها ممدوحة و انما المدح علي استعمالها في مراضيه جل و علا فليس كل حلم و كل شجاعة و كل سخاوة و عفو و صفح ممدوحة و انما هي اذا استعملت في محالها في رضاء اللّه فهي ممدوحة و الا فهي مذمومة و من اخلاق اهل سجين و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۴ *»
تؤدي الي نار جهنم فان هي الا كالعين و الاذن و اليد و الرجل ليس لها في نفسها سعادة و لا شقاوة ولكن اذا استعملت في وجه الطاعة تصورت بصورة الطاعة و ان استعملت في وجه المعصية تصورت بصورة المعصية فافهم.
فصل: مما يناسب الحلم من الصفات هو كظم الغيظ فلا علينا ان نذكر شطراً من امره اعلم انه لما حصل الدم في الكبد و صار منها الي القلب و حصل في القلب قسط من الدم الاصفر و عمل فيه حرارة القلب بمعونة شعلات الافلاك بخر ذلك الدم بخاراً اسافله اغلظ و اشبه بالدم و متصلة به و اعاليه الطف و ارق و اقل شبهاً به علي انا حققنا في محله ان البخار هو الاجزاء الرشية من الجسم الرطب تتفرق في الهواء و ذلك البخار هو انحلال الدم و قد ثبت في الفلسفة ان كل جسم انحل ظهر علي ظاهره سر باطنه كما ان الزيبق مثلاً ظاهره بارد رطب و باطنه حار يابس و لايظهر الحرارة و اليبوسة الا ان ينحل فاذا انحل ظهر عليه الحرارة و اليبوسة و اثر في ما يلاقيه الحرارة و اليبوسة دون البرودة و الرطوبة فاذا انحل الدم ظهر باطنه الذي هو الفلكية علي ان جميع الطبايع ظواهرها طبايع ميتة و بواطنها ارواح حية كيف تكفرون باللّه و كنتم امواتاً فاحياكم فاذا انحلت الطبايع الانحلال التام ظهر ما كان كامناً فيها من الروحانية الفلكية و حييت و في الحقيقة كل دان بالنسبة الي العالي كذلك العبودية جوهرة كنهها الربوبية فاذا اشتد انحلال العبد بحرارة التكليف و رطوبة الامتثال ظهر عليه باطن الربوبية فلما بخر الدم ظهر عليه الحيوة الحيوانية منصبغة بصبغ ذلك البخار انصباغ النار بصبغ الدخان المشتعل و ذلك البخار تابع لطبايع ذلك الدم في الاعتدال و الانحراف مرتبط به فاينما يميل ذلك الروح يميل ذلك البخار و اينما يميل ذلك البخار يميل الدم هذا في الظاهر ولكن في الحقيقة ميل الروح تابع للبخار الحي به و ميل البخار تابع لطبايع الدم الحية به فالروح يميل بالبخار و البخار بالدم كما قدمنا الاشارة اليه فالثلثة تميل معاً اينما مالت فلاجل ذلك اذا توجع عضو مال الروح و البخار و الدم اليه فاذا للروح لاجل التناسب و التخالف و الدفع و الهرب حركات و هو ساكن في اقليم البدن و ثغر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۵ *»
هذا الاقليم الجلد و هو الطرف الخارج من البدن و دار الولاية و السلطنة القلب و هو ادخل عضو في البدن فالروح اذا احس بمناف تنفر عن ظاهر الجلد الي داخل القلب و اذا احس بمناسب او اراد دفعاً مال من داخل القلب الي ظاهر الجلد فاذا مال الي ظاهر الجلد مال بالبخار و الدم فتهلل الوجه و اشرق بسبب ميل الروح و البخار و انبساط الجلد و ترطبه بسبب البخار و الدم و احمر الوجه و اذا تحرك الي الداخل و مال الي القلب مال معه البخار و الدم فينكسف الوجه و يصفر و يكمد علي لون الميت و هاتان الحركتان هما الاصل فالحركة الي ظاهر الجلد تنشأ من الشهوة و الحركة الي الداخل تنشأ من الكراهة ثم كل منهما قديكون بالتدريج شيئاً بعد شيء و قديكون بغتة و دفعة فبذلك تنقسم الحركة الي اربعة فاذا مال الروح الي الخارج شيئاً بعد شيء و ذلك عند احساس الملائم المقوي فهو السرور فيتهلل الوجه و يشرق و اذا مال الي الداخل شيئاً بعد شيء عند احساس المنافي فهو الهم ان كان لما يتوقع و الغم ان كان لما وقع فيكمد الوجه و يتغير الي الكمودة او الصفرة و قد يحس بمنافر فينفر و يشمئز ثم يري في نفسه غلبة عليه و قدرة علي دفعه فيميل دفعة الي الخارج فهو الغضب و اذا مال الي الباطن دفعة فهو الخوف فهذه الاربع هي الاصول و ساير الحركات يدور عليها و يختلف بحسب اختلاف القوة و الضعف و التفذذ و التركيب و من كل حركة يحصل صفة من الصفات.
و اذا قلت ما بال الحيي يحمر وجهه و يعرق قلت ان الحيي يلتفت الي منافر من نفسه لا من الخارج فيهرب الي الداخل كالخائف و لايري مناسباً في الخارج فيميل الي الخارج فيريد ان يختفي بعيبه فلايطلع عليه غيره فيستتر من ظاهر الدم الي باطن الدم فيحمر الوجه بظهور الدم لستر الروح و لاجل ذلك قد لايكفيه هذا الاستتار فيطأمن رأسه و قد لايكفيه فيغمض عينه و قد لايكفيه فيتستربكفه و قد لايكفيه فيقوم و يذهب و يستتر بالجدر و البيوت بالجملة الروح يلتحف بالدم عند الحياء فلأجل ذلك يحمر الوجه و يعرق الانسان برطوبة الدم و حرارته بالجملة الغيظ هو الغضب و الغضب هو بحركة الروح الي الخارج دفعة لاجل دفع المنافر عند مشاهدة القوة من نفسه علي الدفع و لاجل دفعية الحركة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۶ *»
و البطش و الدفع يحتاج الي مزج الصفراء لترقيق الدم و امكان الدفع فيشتعل الدم بحرارة الصفراء و يسرع حركته و يميل دفعة الي الخارج و يدفع المنافي بقوة الصفراء و هذا الدفع دفع احراق و افناء و اهلاك و هو بالنار لا بالماء فعند الغضب يشتعل الانسان ناراً و يتسع عينه و فمه و مناخره و حنجره و يحمر وجهه و لربما يصير من تراكم الدم بنفسجياً و يأخذه الارتعاش اذا تردد الروح بين الاقبال و الادبار و يعلو صوته و يشتد تنفسه و يتواتر و يرتفع يده و يكثر البخار في بدنه فينتفخ وجهه و اعضائه و يعمل غلبة الحرارة في رطوبات بدنه فتدخنها و يتصاعد الادخنة الي دماغه و حواسه فكأنه من تراكم الادخنة لايكاد يري عينه شيئاً و يسمع اذنه شيئاً بل لايكاد يعقل شيئاً و ربما يتعلق بتلك الادخنة الشياطين و يصعدون في سُلّمها الي سموات دماغه فان لميجدوا رجوماً من توجهات العقل و العلم يصعدون الي دماغه فيأمرونه بالمنكرات فلربما يسبّ اللّه و الحجج او يسبّ اباه و امه و لربما يقتل نفسه و لربما يخرق علي نفسه ثيابه و يصير كالذي يتخبطه الشيطان من المس مجنوناً لايعقل شيئاً ولكن ان كان في سماوات دماغه عقل و كانت الحيوانية و قواها تابعة له تحركت علي حسب الايمان و الطاعة و ان اشتد الغضب في المؤمن و حصل ادخنة لايتعلق بها الشيطان لطهارة تلك الادخنة و صفائها و اعتدالها و يرجم الشيطان بنور كواكب يقينيات مراتب ايمانه ان تعلق احياناً فلايتخبط و يبقي سمواته صاحية صافية فهو شاعر في اثناء الغضب ملتفت الي امر اللّه و نهيه فلو وصل اليه نهي في اثناء شدة غضبه يسكن فوراً لان سماوات مشاعره صافية و عقله ظاهر لا مستور و لميتراكم الدخان في فضاء دماغه حتي يحول بين شمس عقله و ارض بدنه فبدنه دائماً مشرق بنور العقل و زمام حيوانيته بيده و هي مطيعة منقادة له فمتي ما اراد كظمه اي تجرعه اي صرف الروح و الدم الي الداخل فعل و سكن عنه فورة الغضب بالكلية فليس الغضب مطلقاً بمذموم عند الحكيم و انما الذم في عدم كون رجوم نجوم الايمان في سماء الدماغ و عدم بسط عدل الايمان في طبايع البدن و كثافة اخلاطه بعدم الاعتدال و نجاستها بأكل المحرمات حتي ناسبتها الشياطين و ركبوا علي تلك الادخنة و صعدوا في سلّمها
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۷ *»
الي سموات دماغه و تخبطوها و لذلك يكون الغضب اصعب مطايا الشيطان و اجمحها و اشمسها و اما في المؤمن و ان كان شديداً يكون ذلولاً يركبه ملائكة غلاظ شداد لايعصون اللّه ما امرهم و يفعلون مايؤمرون و لو نظرت الي مطاوي عباراتي بعين الانصاف لرأيت ان شدة الغيظ ليس بمذموم و ليس شدة الغضب تهوّراً و انما التهوّر جنون شيطاني مذموم و ليس توسط الغضب محموداً اذا امر اللّه بالغضب الشديد فتدبر و انصف.
فصل: ينبغي ان اشرف كتابي هذا بذكر بعض الاخبار في ذم الغضب في غير محالّ الطاعة و مدح كظم الغيظ فقد مدح اللّه سبحانه قوماً و قال (و سارعوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الارض اعدت للمتقين الذين ينفقون اموالهم في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و اللّه يحب المحسنين) فبين ان الجنة اعدت للمتقين و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و سماهم محسنين و اثبت محبته لهم و ذلك فضل لايساويه فضل و في ذلك فليتنافس المتنافسون ففي الوسائل بسنده عن صفوان الجمال قال قـال ابوعبداللّه7 انما المؤمن الذي اذا غضب لميخرجه غضبه من حق و اذا رضي لميدخله رضاه في باطل و اذا قدر لميأخذ اكثر مما له و عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل و عن داود بن فرقد قال قـال ابوعبداللّه7 الغضب مفتاح كل شر و عن ميسر قال ذكر الغضب عند ابيجعفر7 قال ان الرجل ليغضب فما يرضي ابداً حتي يدخل النار فايما رجل غضب علي قوم و هو قائم فليجلس من فوره ذلك فانه يذهب عنه رجز الشيطان و ايما رجل غضب علي ذي رحم فليدن منه فليمسّه فان الرحم اذا مسّت سكنت و عن ابيحمزة عن ابيجعفر7 قال قـال رسولاللّه9 من كف نفسه عن اعراض الناس اقال اللّه نفسه يوم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۸ *»
القيمة و من كف غضبه عن الناس كف اللّه تبارك و تعالي عنه عذاب يوم القيمة و سمع ابوعبداللّه7 يقول من كف غضبه ستر اللّه عورته وعن حبيب السجستاني عن ابيجعفر7 قال مكتوب في التورية فيما ناجي اللّه به موسي7 يا موسي امسك غضبك عمن ملّكتك عليه اكف عنك غضبي و عن ابيعبداللّه7 الغضب ممحقة لقلب الحكيم و قال من لميملك غضبه لميملك عقله و عن ابيحمزة الثمالي عن ابيجعفر7 قال ان هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم و ان احدكم اذا غضب احمرت عيناه و انتفخت اوداجه و دخل الشيطان فيه فاذا خاف احدكم ذلك من نفسه فليلزم الارض فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك و عن ابيعبداللّه7 قال قال الحواريون لعيسي7 اي الاشياء اشد قال اشد الاشياء غضب اللّه عزوجل قالوا بما نتقي غضب اللّه قال ان لاتغضبوا قالوا و ما بدو الغضب قال الكبر و التجبر و محقرة الناس و عن عبداللّه بن سنان قال قـال ابوعبداللّه7 اوحي اللّه عزوجل الي بعض انبيائه يا ابن آدم اذكرني في غضبك اذكرك في غضبي لاامحقك فيمن امحق و ارض بي منتصراً فان انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك و في الكافي بسنده عن هشام الحكم عن ابيعبداللّه7 قال كان علي بن الحسين8 يقول مااحب ان لي بذل النفس حمر النعم و ماتجرعت جرعة احب الي من جرعة غيظ لااكافي بها صاحبها و عن زيد الشحام عن ابيعبداللّه7 قال نعم الجرعة الغيظ لمن صبر عليها فان عظيم الاجر لمن عظيم البلاء و مااحب اللّه قوماً الا ابتلاهم و عن عمار بن مروان عن ابيالحسن الاول7 قال اصبر علي اعداء النعم فانك لنتكافي من عصي اللّه فيك بافضل من ان تطيع اللّه فيه و زاد في رواية ان اللّه اصطفي الاسلام و اختاره فاحسنوا صحبته بالسخاء و حسن الخلق و عن حريز عن ابيعبداللّه7 قال كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم لمن اخذ به و تحرز من التعرض للبلاء في
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۴۹ *»
الدنيا و معاندة الاعداء في دولاتهم و مماظتهم من غير تقية ترك امر اللّه فجاملوا الناس يسمن ذلك لكم عندهم و لاتعادوهم فتحملوهم علي رقابكم فتذلوا و عن السكوني قال قـال ابوعبداللّه7 ما من عبد كظم غيظاً الا زاده اللّه عزوجل عزاً في الدنيا و الآخرة و قد قال اللّه عزوجل (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و اللّه يحب المحسنين) و اثابه اللّه مكان غيظه ذلك و سمع ابوعبداللّه7 يقول من كظم غيظاً و لو شاء انيمضيه امضاه ملأ اللّه قلبه يوم القيمة رضاه و عن الوصافي عن ابيجعفر7 قال من كظم غيظاً و هو يقدر علي امضائه حشي اللّه قلبه امناً و ايماناً يوم القيمة و عن ابيحمزة عن علي بن الحسين8 قال قال رسولاللّه9 من احب السبل الي اللّه عزوجل جرعتان جرعة غيظ تردها بحلم و جرعة مصيبة تردها بصبر و عن ابيحمزة قال قـال ابوعبداللّه7 ما من جرعة يتجرعها العبد احب الي اللّه من جرعة غيظ يتجرعها عن ترددها في قلبه اما بصبر و اما بحلم انتهي المراد بالصبر تسلية النفس عند عدم القدرة علي الدفع و ترك الجزع و الحلم هو ترك الطيش عند القدرة علي الدفع و من الخصال ثلث من كن فيه استكمل خصال الايمان من صبر علي الظلم و كظم غيظه و احتسب و عفي و غفر كان ممن يدخله اللّه تعالي الجنة بغيرحساب و يشفعه في مثل ربيعة و مضر و في جامعالاخبار قال رسولاللّه9 من كظم الغيظ و هو يقدر علي انينفذه دعاه اللّه يوم القيمة علي رءوس الخلايق حتي يخير من اي الحور شاء.
فصل: و مما يناسب هذا الباب من الصفات و ينخرط في نظامه العفو لان اللّه سبحانه قرنه بكظم الغيظ و قال (و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس) و هو خصلة محمودة عند جميع العقلاء و اصله بمعني المحو يقال عفوت عن حقي اذا اسقطته فانك محوته عن الذي هو عليه و الصفح و ترك عقوبة المستحق فتقول عفا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۰ *»
عنه ذنبه و عفا له ذنبه و عن ذنبه فان قلت عفا عنه او له ذنبه فتريد به محا و ان قلت عفا عن ذنبه تريد صفح عن ذنبه و قد ورد الحث الاكيد علي ذلك في كتاب اللّه و الاخبار المأثورة عن الآل عليهم صلوات اللّه ذي الجلال فقد قال اللّه سبحانه كما سمعت (و العافين عن الناس و اللّه يحب المحسنين) و قال (خذ العفو و أمر بالعرف) و قال (لو كنت فظاً غليظالقلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم) و قال (فليعفوا و ليصفحوا) و قال (و ان تعفوا اقرب للتقوي) و قال (فمن عفي و اصلح فاجره علي اللّه) و في الكافي عن ابيعبداللّه7 قال قال رسولاللّه9في خطبته الااخبركم بخير خلائق الدنيا و الآخرة العفو عمن ظلمك و تصل من قطعك و الاحسان الي من اساء اليك و اعطاء من حرمك و عن حمران بن اعين قال قـال ابوعبداللّه7 ثلث من مكارم الدنيا و الآخرة تعفو عمن ظلمك و تصل من قطعك و تحلم اذا جهل عليك و عن ابيحمزة الثمالي عن علي بن الحسين7 قال سمعته يقول اذا كان يوم القيمة جمع اللّه تبارك و تعالي الاولين و الآخرين في صعيد واحد ثم ينادي مناد اين اهل الفضل قال فيقوم عنق من الناس فتلقاهم الملئكة فيقولون و ما كان فضلكم فيقولون كنا نصل من قطعنا و نعطي من حرمنا و نعفو عمن ظلمنا قال فيقال لهم صدقتم ادخلوا الجنة و عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 عليكم بالعفو فان العفو لايزيد العبد الا عزاً فتعافوا يعزكم اللّه و عن حمران عن ابيجعفر7 قال الندامة علي العفو افضل و ايسر من الندامة علي العقوبة و عن ابنفضال قال سمعت اباالحسن7 يقول ماالتقت فئتان قط الا نصر اعظمهما عفواً و عن جابر عن ابيجعفر7 قال ثلث لايزيد اللّه بهن المرء المسلم الا عزاً الصفح عمن ظلمه و اعطاء من حرمه و الصلة لمن قطعه و عن علي بن الحسين7 في قوله (فاصفح الصفح الجميل) قال العفو من غير عتاب و عن علي7 اذا قدرت علي عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه و قال7
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۱ *»
اولي الناس بالعفو اقدرهم علي العقوبة و عن ابيجعفر7 قال ثلث لايزيد اللّه بهن المرء المسلم الا عزاً الصفح عمن ظلمه و اعطاء من حرمه و الصلة لمن قطعه و روي في جامعالاخبار اذا كان يوم القيمة نادي مناد من كان اجره علي اللّه فليدخل الجنة فيقال من هم فيقال العافين عن الناس يدخلون الجنة بلاحساب وفي الوسائل عن ابيعبداللّه7 قال قـال النبي9 الااخبركم باشبهكم بي قالوا بلي يا رسولاللّه قال احسنكم خلقاً و الينكم كنفاً و ابرّكم بقرابته و اشدكم حباً لاخوانه في دينه و اصبركم علي الحق و اكظمكم للغيظ و احسنكم عفواً و اشدكم من نفسه انصافاً في الرضا و الغضب و في مصباحالشريعة قال الصادق7 العفو عند القدرة من سنن المرسلين و المتقين و تفسير العفو ان لاتلزم صاحبك فيما اجرم ظاهراً و تنسي من الاصل ما اصبت منه باطناً و تزيد علي الاختيارات احساناً و هل يجد الي ذلك سبيلاً الا من قدعفي اللّه عنه و غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و زينه بكرامته و البسه من نور بهائه لان العفو و الغفران صفتان من صفة اللّه عزوجل اودعها في اسرار اصفيائه ليتخلقوا مع الخلق باخلاق خالقهم و جاعلهم لذلك قال اللّه عزوجل (و ليعفوا و ليصفحوا الاتحبون ان يغفر اللّه لكم و اللّه غفور رحيم) و من لايعفو عن بشر مثله كيف يرجو عفو ملك جبار قال النبي9 حاكياً عن ربه يأمره بهذه الخصال قال صل من قطعك و اعف عمن ظلمك و اعط من حرمك و احسن الي من اساء اليك و قد امرنا بمتابعته بقول اللّه عزوجل( ما آتيكم الرسول فخذوه و مانهيكم عنه فانتهوا) و العفو سر اللّه في القلوب قلوب خواصه فمن يسر له سراً و كان رسولاللّه9 يقول ايعجز احدكم ان يكون كأبيضمضم كان اذا اصبح يقول اللهم اني قد تصدقت بعرضي علي الناس عامة الي غير ذلك من الاخبار و اعلم ان العفو بمعني المحو فالمراد منه ان تمحو ذنب المذنب اليك عن لوح خاطرك و تنساه فلاتعامله معاملة المذنب و محض
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۲ *»
ترك الانتقام مع تذكر ذنبه و الكراهة عنه عفو ظاهري لا حقيقي فالعفو الكامل هو المحو عن لوح النفس باطناً و ترك العتاب و الانتقام ظاهراً.
فصل: قدتذكرت هنا مطلباً كلياً شريفاً و لمارض بان اتجاوزه و اهمل ذكره فاعلم ان العبد اذا اخلص للّه العبودية و ائتمر اوامره و اجتنب نواهيه و اعرض عما سواه بكله و توجه الي ربه بكله استنار بانوار ربه حتي ان يفنيه من نفسه و يبقيه به و يخفيه بالكلية و يبدي نفسه منه الي ان يصل الي مقام يكون مرآه مرآه و مسمعه مسمعه قال تعالي في القدسي انما يتقرب الي العبد بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ان دعاني اجبته و ان سكت عني ابتدأته و قال علي7 تجلي لها فاشرقت و طالعها فتلألأت فالقي في هويتها مثاله فاظهر عنها افعاله خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها و ان اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد فغاية الايجاد العبادة كما قال (ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون) و غاية العبادة التقرب قال تعالي (و اسجد و اقترب) و غاية الاقتراب الاتصاف بصفات الربوبية و الاشتعال بانوار الالوهية و الاتحاد بظهور انوار الحي القديم القاهر القادر الذي يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته قال تعالي (لهم ما يشاءون فيها و لدينا مزيد) و (فيها ما تشتهي الانفس و تلذ الاعين) فاذا تمحض العبد في الرب و اخلص و تزكي و تصفي حكي انوار الرب فاشرق منه تلك الانوار و ظهر منه الآثار فظهور آثار الانوار منه دليل الحكاية و هي دليل تعلق الانوار به و اشراقه بتجليها و تلألئه بمطالعتها و عدم ظهور الآثار منه دليل عدم الحكاية و هو دليل عدم التعلق به و عدم اشراقه بتجليها و عدم تلألئه بمطالعتها و ذلك مشهود لمن له عينان انظر الي المرآة اذا كان لها لحك اليس هذا اللحك دليل توجهها الي الشمس و صفائها و خلوصها في الشمس حتي حكتها و اليس هذا اللحك دليل ان الشمس متجلية لها مشرقة عليها متوجهة عليها فكذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۳ *»
الانسان اذا ظهر منه العفو عمن اساء اليه و ظلمه تقرباً الي اللّه و مداراة و ترحماً علي عباد اللّه و تحنناً عليهم للّه و في اللّه و رعاية لان اللّه خلقهم لفائدة و ينبغي بقاؤهم الي انيبلغوا تلك الفائدة و ليس من اسباب ذلك الانتقام و انما من اسبابه العفو حتي يبلغ الكتاب اجله و يظهر ما اراده اللّه من خلقه فاذا عفا عن الخلق بهذه النيات و العفو من صفات اللّه و هو العفوّ الغفور و يعفو عن كثيردل ذلك العفو علي انه تعلق به عفو اللّه جلوعز و تجلي له به حتي اشرق و طالعه به حتي تلألأ و القي في هويته مثال اسمه العفوّ فلاجل ذلك اظهر منه فعله ففي الحقيقة ما لميعف اللّه عن عبده لايقدر العبد علي العفو عن الخلق و ما لميصفح اللّه عن ذنب عبده لايقدر العبد علي الصفح عن ذنوب العباد و ما لميرحمه اللّه لايقدر علي الرحم علي الخلق وهكذا اليس انه اذا كان لحك المرآة كالانسان دل علي انه قابله انسان و اذا كان لحكها علي صورة حيوان دل علي انه قابلها حيوان و اذا كان لحكها علي صورة شجر دل علي انه قابلها شجر فكذلك نور ايّ فعل يسطع من الانسان يدل علي انه قابله منير كذلك فان كان الظاهر منه من الاخلاق الزكية و الصفات الحسنة التي يرضاها و يحبها دل علي انه تعلق به افعال اللّه و اسماؤه و صفاته و ان كان الظاهر منه الاخلاق السيئة و الصفات القبيحة التي يسخطها اللّه سبحانه دل علي انه قد تعلق به صفات الشيطان و اظلاله و ارجاسه و ذلك محسوس مشهود عند من له عينان فكل محسن مظهر الرحمن و كل مسيئ مظهر الشيطان فلاجل ذلك امر الانبياء: رعيتهم باكتساب الصفات الحسنة و الاخلاق الزكية و المكارم و المحاسن و نهوهم عن الاخلاق الردية و الاخلاق السيئة ان اللّه يأمر بالعدل و الاحسان و ايتاء ذي القربي و ينهي عن الفحشاء و المنكر و البغي يعظكم لعلكم تذكرون و من البين ان الفحم اذا توجه الي النار و جاورها و ادام التوجه اليها يحتمي شيئاً بعد شيء حتي يحمر و يصير ناراً و يسمي بالنار و يصدر منه افعال النار و يصير مرآه و مخبره مرأي و مخبر النار و يصير خليفة النار و القائم مقامها في الاداء و ليس يبلغ هذا المقام الا بالتوجه الي النار و دوام التوجه و ليس رب الارباب جل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۴ *»
شأنه باضعف تاثيراً من النار فاذا توجه العبد اليه و ادام التوجه و تخلق باخلاقه و تشبه به فيوشك انيشتعل بنور تجليه و يحتمي بحرارة انواره و يصير خليفته في ارضه و لسانه المعبر عنه و عينه الناظرة و اذنه الواعية و وجهه الظاهر و يده الباطشة المتسمع قوله تعالي (و من يتولهم منكم فانه منهم) و قوله (من تبعني فانه مني) و قوله7 من تشبه بقوم اوشك انيكون منهم و ارسال الرسل و انزال الكتب لاجل ذلك لا غير و العبودية جوهرة كنهها الربوبية و اذا اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد الا ان الاشتعال التام بجميع الاسماء و الصفات في كل مقام لميحصل الا لمحمد و آلمحمد: و من يقل منهم اني اله من دونه فذلك نجزيه جهنم و اما السايرون فكل بقدر سعة مرآة قابليته و صفائها و ما توجه اليه فافهم فانه لايمكن الافصاح بازيد من ذلك في مكان و انما ينبغي ذكر الحكمة متفرقاً كما فعل اللّه سبحانه في كتابه و صنعه الحجج في سننهم و اخبارهم و هذا هو السر في تفريقنا الحكمة في الكتب العديدة و انما يجمعها من سبق له من اللّه الحسني و كتب له انيكون من اخواننا.
بالجملة من تلك الصفات العفو و الصفح الذي نحن بصدده فالعفو هو صفة اللّه جلوعز و هو عفوّ غفور و هو صفة مظاهر صفاته قال اللّه تعالي (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم) فمن توجه الي اللّه و اليهم و اخلص في التوجه و ادام حتي انفعل باسمه العفو و اشتعل بناره قدر علي الانارة بالعفو و اظهار العفو و الا فلا فالعفو عن الخلق دليل عفو اللّه عن عبده و دليل تعلق العفو به حتي صار معفواً كما ان اضاءة السراج دليل تعلق النار المضيئة حتي استضاء فاذا كمل الاستضاءة اضاء و الا فلا فمن كان منكم طالباً لعفو اللّه جلوعز انيتعلق به و يعفو اللّه عن ذنوبه فليعف عن المسلمين كما امر اللّه رب العالمين و ليصفح عنهم فاذا عفوت عن الناس و يضرك ظلمهم فاللّه اولي بالعفو عنك و لايضره ظلمك وفقنا اللّه و اياكم بالتخلق باخلاقه و الاتصاف بصفاته انه رءوف رحيم.
و ان قلت اذا كان عفوي عن الخلق بعد اشتعالي باسم اللّه العفوّ و هو بعد عفو اللّه عن ذنبي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۵ *»
فكيف يكون عفوه عن ذنبي جزاء عفوي عن الناس وهكذا ساير الصفات و كيف اكتسب العفو عن الناس و لميتعلق بي عفوه قلت انك اذا نظرت الي المرآة نظر الشبح اليك و ان اعرضت عنه اعرض عنك و لا شك في ذلك ولكن اذا كان النظر نزولياً رأي تقدم نظر الشاخص علي نظر الشبح قال الصادق7 ما لميذكر اللّه العبد بالتوفيق لذكره لايقدر العبد علي ذكره هـ. و اما اذا نظرت صعوداً فيكون ذكرك مقدماً و ذكره جزاء مؤخراً قال تعالي (اذكروني اذكركم) و كذلك حال هذه الصفات ففي النظر النزولي ما لميعف اللّه عن عبده لايقدر العبد علي العفو عن عباد اللّه و اما صعوداً فاذا عفوت عن العباد عفا اللّه عنك جزاء لعفوك و فيالحقيقة هما معاً و لميعف اللّه عنك الا لاجل عفوك عن الخلق و لمتعف عن الخلق الا لاجل عفوه عنك فهما كالكسر و الانكسار و هو سرّ الاختيار و ثمرة سابق علم اللّه بالاخيار و الاشرار.
فصل: و من الاخلاق الزكية التي ينتظم في هذا النظام الصبر و هو اصل كثير من المكارم و الخصال و من عزايم اللّه جلجلاله فاحببت ان اشرحه في هذا المقام تذكيراً لنفسي و لاخواني المؤمنين.
اعلم ان الصبر لغة هو حبس النفس عن الجزع علي المكروه و الجزع هو ضعف المتن عن حمل ما نزل فاذاً له اقسام ثلثة: صبر علي الطاعة فانها ثقيلة علي النفس مضعفة لها و منافية لما به قوتها و اشار اللّه جلشأنه اليه (و أمر اهلك بالصلوة و اصطبر عليها) و لاترضي علي تحملها فهي مكروهة لها و صبر عن المعصية فان ترك المعصية شاق علي النفس ثقيل عليه لان مددها من المعصية و عدم وصول المدد مضعف لها و لربما يقتلها فيثقل عليها الترك و تكرهه و عليه يدل قوله تعالي (ستجدني ان شاء اللّه صابراً و لااعصي لك امراً) و صبر علي المصائب و البلايا النازلة فانها مكروهة للبنية البشرية و لاتطيقها او تقدر عليها فهي مشقة و عليه يدل قوله تعالي و بشر الصابرين الذين اذا اصابتهم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۶ *»
الآية و جميعها مكروهة و الانسان في جميع الحالات لايخلو من شيء من هذه الحالات قال اللّه تعالي (والصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس اولئك الذين صدقوا و اولئك هم المتقون) فالصبر في الاعمال علامة الصدق في العلوم و علامة التقوي فلابد له من الصبر اذ به نجاة الدنيا و الآخرة و بتركه هلاك الدنيا و الآخرة اذ بتركه يترك الطاعة و يرتكب المعاصي و يجزع عن نزول البلاء و في ذلك كله هلاك الدنيا و الآخرة فتبين انه من الصفات الكريمة و يجب الاهتمام في تحصيله.
و الصابرون ثلثة فمنهم من يصبر علي المكروه تجلداً و اظهاراً لتحمل المكاره و التثبّت في النوائب و هو صبر المرائين ينال به ثواب الدنيا من حفظ المال و البدن و العز و ذلك ان اوامر اللّه سبحانه فيها خير الدنيا و الآخرة فمن عمل بها للدنيا نال بها خير الدنيا و من عمل بها للآخرة نال بها ثواب الآخرة و منهم من يصبر طلب الاجر و الثواب و هو يجد مرارة المكروه و مضضه ولكن يتحمل علي مشقته علماً بانه يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب فذلك يناله ثواب الآخرة و اللّه اكرم من ان يعد عبده علي عمل ثم يعمل ذلك العبد ذلك العمل رجاء ذلك الثواب فلميعطه و لكنه عبادة الاجراء ومنهم من يصبر صبر الاكارم علماً بان البلاء هدية من اللّه سبحانه اليه و انزله عليه من جهة محبته اياه فيصبر فرحاً مسروراً بما اختاره اللّه له قال اللّه سبحانه (بشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للّه و انا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون) فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا و بسنته فاقتدوا و الي اللّه سبحانه به فتقربوا و سنذكر ان شاء اللّه بعد ذلك شرح احوال البلاء حتي تتلقاه راضياً مسروراً فهذا الرجل يصبر علي الطاعة فانها قرة عينه و عن المعصية لان فيها سخط محبوبه و علي البلاء لانها هدية ربه اليه و لاجل شرافة هذه الخصلة الشريفة قد حث اللّه عليه في كتابه ما لميحث
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۷ *»
مثله علي ساير الخصال و امر به في مواضع من كتابه و وعد عليه ثواب الدنيا و الآخرة فقال و اتبع ما يوحي اليك و اصبر حتي يحكم اللّه فوعده الحكم له بصبره في الدنيا و الآخرة و قال و اصبر علي ما يقولون) في آي عديدة و قال (و اصبر فان اللّه لايضيع اجر المحسنين) فسمي الصابر محسناً و وعده ان لايضيع اجره و قال (و اصبر لحكم ربك فانك باعيننا) و قال (و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) الآية و قال (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به و لئن صبرتم لهو خير للصابرين)(و اصبر و ما صبرك الا باللّه و لاتحزن عليهم و لاتك في ضيق مما يمكرون)(ان اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون) فاخبر ان الصبر او اللّه هو خير للصابرين من المعاقبة و سمي الصابر متقياً و محسناً و اخبر ان اللّه مع المتقين المحسنين كما قال (و اصبروا ان اللّه مع الصابرين) و ذلك شرف للصابرين لايضاهي و فخر لايساوي اذ معيّة اللّه مع عبده لايتناهي و هو الاجر بغير حساب حيث يقول (انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب) و قال (و اصبروا ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين) فوعدهم بالعاقبة المحمودة بعد ما سماهم المتقين و وعدهم استيراث الارض و قال (يا ايها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا اللّه لعلكم تفلحون) فوعدهم الفلاح و قال (و أمر اهلك بالصلاة و اصطبر عليها) و قال (فاعبده و اصطبر لعبادته) و قال (فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل و لاتستعجل لهم) و قال (فاصبر ان العاقبة للمتقين) و قال (فاصبر ان وعد اللّه حق) و قال (فلربك و اصبر) و قال (فاصبر لحكم ربك) و قال (فاصبر صبراً جميلاً) و قال (و استعينوا بالصبر و الصلوة ان اللّه مع الصابرين) فامرهم بالاستعانة بالصبر علي كل صعب و وعدهم الظفر بالمطلوب بدليل (ان اللّه مع الصابرين) و لايمتنع عن حكمه شيء و قال (ام حسبتم ان تدخلوا الجنة و لمايعلم اللّه الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين) وقال (لنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم و الصابرين) فوعد الصابرين الجنة وقال (و ان تصبروا خير لكم و اللّه غفور رحيم) فوعدهم المغفرة و الرحمة و قال (و ان تصبروا و تتقوا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۸ *»
لايضركم كيدهم شيئاً ان اللّه بما يعملون محيط) فوعدهم الحفظ من كيد الاعداء و قال (فان يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مأتين) الآية فوعدهم الغلبة علي الاعداء كما قال (و تمت كلمة ربك الحسني علي بنياسرائيل بما صبروا و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون) وقال (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار) فوعدهم دار السلام و قال (ولنجزين الذين صبروا اجرهم باحسن ما كانوا يعملون) فوعدهم الاجر الاحسن من غير حد و قال (اني جزيتهم اليوم بما صبروا انهم هم الفائزون) فاخبر انهم الفائزون المجزيون بصبرهم و قال (و جزاهم بما صبروا جنة و حريراً) و قال (اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا) فوعدهم تثنية الاجر بصبرهم و قال (اولئك يجزون الغرفة بما صبروا و يلقون فيها تحية و سلاماً) و قال (ثواب اللّه خير لمن آمن و عمل صالحاً و لايلقيها الا الصابرون) و قال (بشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للّه و انا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و اولئك هم المهتدون) فوعدهم الصلوات و الرحمة و الهداية و سمي انبياءه بالصابرين و قال (و اسمعيل و ادريس و ذاالكفل كل من الصابرين) و قال في اسمعيل (ستجدني ان شاء اللّه من الصابرين) و قال في ايوب (انا وجدناه صابراً نعم العبد انه اواب) و قال في موسي (ستجدني ان شاء اللّه صابراً) و اخبر عن انبيائه قال (و لقدكذبت رسل من قبلك فصبروا علي ما كذبوا و اوذوا حتي اتيهم نصرنا) و قال (و ما لنا ان لانتوكل علي اللّه و قد هدانا سبلنا و لنصبرن علي ما آذيتمونا و علي اللّه فليتوكل المتوكلون) و اخبر عن قوم صالحين (قالوا ربنا افرغ علينا صبراً و توفنا مسلمين) و كذا (ربنا افرغ علينا صبراً و ثبت اقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين) و قال (و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر) و ذكر ان الصبر من عزائم الامور و قال (و ان تصبروا و تتقوا فان ذلك من عزم الامور) و قال (واصبر علي ما اصابك ان ذلك من عزم الامور) اي من الامور المحكمة او اللازمة و قال (و لمن صبر و غفر ان ذلك لمن عزم الامور) و قال في آي (ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور) فاخبر ان الصابرين
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۵۹ *»
اهل الاستبصار و النظر و المعرفة بالآيات ثم ما مدح الصابرين في اصحاب ساير الصفات الحميدة فكثير اعرضنا عنها خوف الاطالة.
فلو تدبرت فيما نوّه اللّه سبحانه باسمهم و مدحهم و وعدهم لعلمت انه من عزائم الامور و كرائم الخصال و ان اللّه سبحانه مامدح صفة من الصفات مثل ما مدحه كيف و بالصبر يبقي الانسان موحداً و مسلماً و عابداً و تاركاً للمعاصي و الشهوات و تاركاً للدنيا و ظافراً علي اعدائه و حافظاً لماله و بدنه و روحه و حواسه و مشاعره و عقله و يفوز به بعاقبة الدار و الجنة و الاجر بغير حساب و يصير من اهل الصلوات و الرحمة و الهداية و يصير مع اللّه و اللّه معه و يدخل في المقتفين اثر الانبياء و الرسل و الصالحين فاي عمل يساوي هذا العمل و اي خصلة تضاهيه كيف لايكون كذلك و كل خصلة تنفع ان صبرت عليها و صارت ملكة لك و اغلب الخصال من حقيقة الصبر ولكن يسمي باسم آخر فان صبر عن الشهوة يسمي عفة و ان كان عن الغيظ يسمي كظماً و ان كان عن السفه يسمي حلماً و ان كان في الحرب يسمي شجاعة و ان كان علي السر يسمي كتماناً و ان كان في النوائب يسمي سعة الصدر و ان كان عن الدنيا يسمي زهداً و ان كان عن الفضول يسمي قناعة و ان كان عن طيش يسمي وقاراً وهكذا و اجمل لك القول ان كل صفة قبيحة يضادها صفة حسنة فمن صبر عن القبيحة يتصف بتلك الحسنة فهي في الحقيقة من حقيقة الصبر فلاجل ذلك امر اللّه به كل هذا و حث عليه و مدح به و وعد عليه الاجر و الظفر و الفوز و الفلاح و الغلبة و السلامة و العاقبة و الجنة و الدرجات العالية و مضاعفة الاجر و الاجر بغير حساب و كون اللّه معه و هو رأس كل خير و لميحث علي غيره كل هذا فينبغي للمرء المؤمن ان يحصله و لو بشق الانفس.
واعلم ان فضيلة الصبر تختلف بحسب ما يصبر عليه او عنه او فيه و بحسب مدة الصبر و نيته فليس الصبر علي طاعة كالصبر علي طاعات و تختلف ايضاً و ليس الصبر عن اللغو كالصبر عن الكذب و تختلف المعاصي ايضاً و ليس صبر يوم كصبر يومين و ليس الصبر بنية الاجر كالصبر علي وجه الرضا و السرور و لو تدبرت فيما ذكرت لقدرت علي معرفة مراتب الصبر ان شاء اللّه و جزئيات
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۰ *»
موارد الصبر لاتكاد تحصي كالصبر علي العلم فلاتدعي ما ليس لك من نبوة او امامة او ولاية و علي العافية فلاتبطر و علي المال فلاتطغي و علي الاولاد و الخدم فلاتبغي و علي الطاعات فتديمها و بعدها فلاتحرقها و تمحوها و عن المعاصي فلاتفعلها و عن الشهوات فلاترتكبها و عن الدنيا فلاتطلبها و علي الحق فلاتتجاوزه وهكذا و ان تفكرت بعد ما نبهناك تقدر علي استخراج امثالها.
و اعلم ان الصبر منك علي المصيبة مصيبة لعدوك و فرح لصديقك و الجزع مصيبة ثانية عليك و علي صديقك و فرح لعدوك اذ به حبط اجرك و ضرر مالك و بدنك و شماتة عدوك و سخط ربك و في الحقيقة الصبر رضاء عن الرب فيرضي اللّه به عنك و الجزع سخط عليه فيسخط اللّه به عليك فانظر لنفسك و تدبر هل يبلغك الجزع الي مأمولك في الدنيا و الآخرة ام لا فان لميبلغك الي مأمولك فعليك بالصبر فان اللّه وعدك احد الامرين اما الظفر بمطلوبك و هو حظك الاحسن و اما الاجر الجزيل و الصلوات و الرحمة و الهداية و كونه معك و كفي به حظاً و لو تمكنت و رضيت بتلف نفسك و اهلك و ولدك و مالك رجاء ان يكون اللّه معك لكان قليلاً في كثير ما ترجوه في كونه معك بلا نهاية و انت لو كان معك ناصر او ناصرون لرجوت ان تنال بغيتك فكيف و ان اللّه رب العالمين يعدك ان يكون معك.
فصل: احب ان ازين كتابي بذكر بعض الاخبار في مدح الصبر و فضله حتي تعرف فضله و فضل الصابرين ففي الكافي بسنده عن ابن ابييعفور عن ابيعبداللّه7 قال الصبر رأس الايمان و عن العلاء بن فضيل عن ابيعبداللّه7 قال الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد اذا ذهب الرأس ذهب الجسد كذلك اذا ذهب الصبر ذهب الايمان هـ و سر ذلك ما عرفت من انك تبقي علي جميع مراتب الايمان بالصبر فمن لا صبر له لا ايمان له و عن حفص بن غياث قال قــال ابوعبداللّه7 ان من صبر صبر قليلاً و من جزع جزع قليلاً ثم قال عليك بالصبر في جميع امورك فان اللّه عزوجل بعث محمداً
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۱ *»
9فامره بالصبر و الرفق فقال (و اصبر علي ما يقولون و اهجرهم هجراً جميلاً و ذرني و المكذبين اوليالنعمة) و قال تبارك و تعالي (ادفع بالتي هي احسن السيئة فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم و مايلقيها الا الذين صبروا و مايلقيها الا ذو حظ عظيم) فصبر9 حتي نالوه بالعظائم و رموه بها فضاق صدره فانزل اللّه عزوجل (و لقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك و كن من الساجدين) ثم كذبوه و رموه فحزن لذلك فانزل اللّه عزوجل (قد نعلم انه ليحزنك الذي يقولون فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون و لقد كذبت رسل من قبلك فصبروا علي ما كذبوا و اوذوا حتي اتيهم نصرنا) فالزم النبي9 نفسه الصبر فتعدوا فذكروا اللّه تبارك و تعالي و كذبوه فقال قد صبرت في نفسي و اهلي و عرضي و لا صبر لي علي ذكر الهي فانزل اللّه عزوجل (و لقد خلقنا السموات و الارض و ما بينهما في ستة ايام و مامسنا من لغوب فاصبر علي ما يقولون)فصبر9 في جميع احواله ثم بشر في عترته بالائمة و وصفوا بالصبر فقال جل ثناؤه (و جعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا و كانوا بآياتنا يوقنون) فعند ذلك قال9 الصبر من الايمان كالرأس من الجسد فشكر اللّه عزوجل ذلك له فانزل اللّه عزوجل (وتمت كلمة ربك الحسني علي بنياسرائيل بما صبروا و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون) فقال9 انه بشري و انتقام فاباح اللّه عزوجل له قتال المشركين فانزل(اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم و خذوهم و احصروهم و اقعدوا لهم كل مرصد) و( اقتلوهم حيث ثقفتموهم) فقتلهم اللّه علي يدي رسولاللّه9 و احبائه و جعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة فمن صبر و احتسب لميخرج من الدنيا حتي يقر اللّه عينه في اعدائه مع ما يدخر له في الآخرة و عن ابيبصير قال سمعت اباعبداللّه7 يقول الحرّ حرّ علي جميع احواله ان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۲ *»
نابته نائبة صبر لها و ان تداكت عليه المصائب لمتكسره و ان اسر و قهر و استبدل باليسر عسراً كما كان يوسف الصديق الامين9 لميضرر حريته ان استعبد و قهر و اسر و لميضرره ظلمة الجب و وحشته و ما ناله ان منّ اللّه عليه فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد اذ كان مالكاً فارسله و رحم به امة و كذلك الصبر يعقب خيراً فاصبروا و وطنوا انفسكم علي الصبر توجروا و عن حمزة بن حمران عن ابيجعفر7 قال الجنة محفوفة بالمكاره و الصبر فمن صبر علي المكاره في الدنيا دخل الجنة و جهنم محفوفة باللذات و الشهوات فمن اعطي نفسه لذتها و شهوتها دخل النار و عن ابيسيار عن ابيعبداللّه7 قال اذا دخل المؤمن قبره كانت الصلوة عن يمينه و الزكوة عن يساره و البر مطل عليه و يتنحي الصبر ناحية فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مسائلته قال الصبر للصلوة و الزكوة و البر دونكم صاحبكم فان عجزتم عنه فانا دونه و عن سماعة بن مهران عن ابيالحسن7 في حديث ان تصبر تغتبط و ان لاتصبر ينفذ اللّه مقاديره راضياً كنت ام كارهاً و عن الاصبغ عن اميرالمؤمنين7 الصبر صبران صبر عند المصيبة حسن جميل و احسن من ذلك الصبر عند ما حرم اللّه عزوجل عليك و الذكر ذكران ذكر اللّه عزوجل عند المصيبة و افضل من ذلك ذكر اللّه عند ما حرم اللّه عليك فيكون حاجزاً و عن العرزمي عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 سيأتي علي الناس زمان لاينال الملك فيه الا بالقتل و التجبر و لا الغني الا بالغصب و البخل و لا المحبة الا باستخراج الدين و اتباع الهوي فمن ادرك ذلك الزمان فصبر علي الفقر و هو يقدر علي الغني و صبر علي البغضة و هو يقدر علي المحبة و صبر علي الذل و هو يقدر علي العز اتاه اللّه ثواب خمسين صديقاً ممن صدق بي و عن ابيحمزة قال قـال ابوجعفر7 لما حضرت ابي علي بن الحسين8 الوفاة ضمني الي صدره و قال يا بني اوصيك بما اوصاني به ابي حين حضرته الوفاة و بما ذكر ان اباه اوصاه به يا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۳ *»
بني اصبر علي الحق و ان كان مراً و عن عمرو بن شمر اليماني يرفع الحديث الي علي7 قال قـال رسولاللّه9 الصبر ثلثة صبر عند المصيبة و صبر علي الطاعة و صبر عن المعصية فمن صبر علي المصيبة حتي يردها بحسن عزائها كتب اللّه له ثلثمائة درجة ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين السماء الي الارض و من صبر علي الطاعة كتب اللّه له ستمائة درجة ما بين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الارض الي العرش و من صبر عن المعصية كتب اللّه له تسعمائة درجة مابين الدرجة الي الدرجة كما بين تخوم الارض الي منتهي العرش و عن ابيحمزة الثمالي قال قـال ابوعبداللّه7 من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه كان له مثل اجر الف شهيد و عن سماعة عن ابيعبداللّه7 قال ان اللّه عزوجل انعم علي قوم فلميشكروا فصارت عليهم وبالاً و ابتلي قوماً بالمصائب فصبروا فصارت عليهم نعمة و عنه7 في قوله (يا ايها الذين آمنوا اصبروا و صابروا) قال اصبروا علي المصائب و عن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 قال اللّه عزوجل اني جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً فمن اقرضني منها قرضاً اعطيته بكل واحدة عشراً الي سبعمائة ضعف و ما شئت من ذلك و من لميقرضني منها قرضاً فاخذت منه شيئاً قسراً اعطيته ثلث خصال لو اعطيت واحدة منهن ملئكتي لرضوا بها مني قال ثم تلا ابوعبداللّه7 قول اللّه تعالي (الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا للّه و انا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم) فهذه واحدة من ثلث خصال (و رحمة) اثنتان (و اولئك هم المهتدون) ثلث ثم قال ابوعبداللّه7 هذا لمن اخذ اللّه منه شيئاً قسراً و عن جابر بن يزيد عن ابيجعفر7 قال مروة الصبر في حال الحاجة و الفاقة و التعفف و الغناء اكثر من مروة الاعطاء و عن جابر قال قلت لابيجعفر7 يرحمك اللّه ما الصبر الجميل قال ذلك صبر ليس فيه شكوي الي الناس و عن عبدالرحمن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۴ *»
بن سيابة عن ابيالنعمن عن ابيعبداللّه7 او ابيجعفر7 قال من لايعد الصبر لنوائب الدهر يعجز و عن ابيعبداللّه7 نحن صبر و شيعتنا اصبر منا قيل جعلت فداك كيف صار شيعتكم اصبر منكم قال لانا نصبر علي ما نعلم و شيعتنا يصبرون علي ما لايعلمون و في الوسائل بسنده عن ربعي بن عبداللّه عن ابيعبداللّه7 في حديث ان الصبر و البلاء يستبقان الي الكافر فيأتيه البلاء و هو جزوع و عن اسحق بن عمار عن ابيعبداللّه7 قال يا اسحق لاتعدن مصيبة اعطيت عليها الصبر و استوجبت عليها من اللّه عزوجل الثواب انما المصيبة التي يحرم صاحبها اجرها و ثوابها اذا لميصبر عند نزولها و عن فضيل بن ميسر قال كنا عند ابيعبداللّه7 فجاءه رجل فشكي اليه مصيبة اصيب بها فقال له ابوعبداللّه7 اما انك ان تصبر توجر و الاتصبر يمضي عليك قدر اللّه الذي قدر عليك و انت مأزور و عن ابيعبداللّه7 ان ملك الموت قال لرسولاللّه9 يا محمد اني اقبض روح ابن آدم فيجزع اهله فاقوم في ناحية من دارهم فاقول ما هذا الجزع فواللّه ماتعجلنا قبل اجله و ماكان لنا في قبضه من ذنب فان تحسبوه و تصبروا توجروا و ان تجزعوا تأثموا و توزروا و قال جاء اميرالمؤمنين7 الي الاشعث بن قيس يعزيه باخ له فقال ان جزعت فحق الرحم اتيت و ان صبرت فحق اللّه اديت علي انك ان صبرت جري عليك القضاء و انت محمود و ان جزعت جري عليك القضاء و انت مذموم و عنه7 الصبر علي قدر المصيبة و من ضرب يده علي فخذه عند مصيبة حبط اجره و عن جابر عن ابيجعفر7 قال قلت له ما الجزع قال اشد الجزع الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصدر و جز الشعر من النواصي و من اقام النواحة فقد ترك الصبر و اخذ في غير طريقه و عن جراح المدايني عن ابيعبداللّه7 قال لايصلح الصياح علي الميت و لاينبغي ولكن الناس لايعرفونه و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۵ *»
الصبر خير و عن قتيبة الاعشي في حديث ذكر فيه ان اباعبداللّه7 كان مهتماً حزيناً علي ابن له مريض فلما مات اسفر وجهه و ذهب التغير و الحزن منه فقيل له في ذلك فقال7 انا اهل بيت انما نجزع قبل المصيبة فاذا وقع الامر رضينا بقضائه و سلمنا لامره و كذلك وقع من ابيجعفر7 فقال انا لنحب ان نعافي فيمن نحب فاذا جاء امر اللّه سلمنا فيما احب و عن محمد بن عبداللّه الكوفي قال لما حضرت اسمعيل بن ابيعبداللّه7 الوفاة جزع ابوعبداللّه7 جزعاً شديداً فلما ان غمضه دعا بقميص غسيل او جديد فالبسه ثم تسرح و خرج به يأمر و ينهي فقيل له لقد ظننا ان لاننتفع بك زماننا لما رأينا له جزعك فقال انا اهل بيت نجزع ما لمتنزل المصيبة و اذا نزلت صبرنا و عن زرارة قال ثقل ابن لجعفر و ابوجعفر جالس الي ان قال فلما ان قضي قال لنا ان الجزع ما لمينزل امر اللّه فاذا نزل امر اللّه فليس لنا الا التسليم ثم دعا بدهن فادهن و اكتحل و دعا بطعام فاكل هو و من معه ثم قال هذا هو الصبر الجميل ثم امر به فغسل و لبس جبة خزٍ و مطرف خز و عمامة خز و خرج فصلي عليه و عن ابيعبداللّه7 في حديث اذا اصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسولاللّه9 فان الخلق لميصابوا بمثله قط و عنه9 من عظمت عنده مصيبة فليذكر مصيبته بي فانها ستهون عليه و روي في ارشاد الديلمي عنه7 الصبر مطية لاتكب بصاحبها و عن اميرالمؤمنين7 انا وجدنا الصبر علي طاعة اللّه ايسر من الصبر علي عذابه و عنه7 اصبروا علي عمل لا غني لكم عن ثوابه و اصبروا عن عمل لا طاقة لكم علي عقابه قال و قيل اوحي اللّه الي داود7 تخلق باخلاقي فان من اخلاقي اني انا الصبور و الصابر ان مات مع الصبر مات شهيداً و ان عاش عاش عزيزاً قال و روي انه لما اشتد بايوب البلاء قالت له امرأته يوماً ان دعاء الانبياء مستجاب فلو سألت اللّه كشف ما بك فقال لها يا هذه قد متعنا اللّه بالنعم سبعين سنة فدعينا نصبر علي بلائه مثل ذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۶ *»
قال و قال رسولاللّه9 الصبر نصف الايمان و اليقين الايمان كله و في جامعالاخبار قال رسولاللّه9 حاكياً عن اللّه تعالي اذا وجهت الي عبد من عبادي مصيبة في بدنه او ماله او ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت له ان انصب ميزاناً او انشر له ديواناً و سئل محمد بن علي8 عن الصبر الجميل فقال شيء لا شكوي فيه ثم قال و ما في الشكوي من الفرج و انما هو يحزن صديقك و يفرح عدوك و عن اميرالمؤمنين7 ان الصبر و حسن الخلق و البر و الحلم من اخلاق الانبياء و في القدسي من لميرض بقضائي و لميصبر علي بلائي فليتخذ رباً سوائي و عن الصادق7 الصبر يظهر ما في بواطن العباد من النور و الصفاء و الجزع يظهر ما في بواطنهم من الظلمة و الوحشة و الصبر يدعيه كل احد و مايثبت عنده الا المحبون و الجزع ينكره كل احد و هو ابين علي المنافقين لان نزول المحنة و المصيبة يخبر عن الصادق و الكاذب و تفسير الصبر ما يستمر مذاقه و ما كان عن اضطراب لايسمي صبراً و تفسير الجزع اضطراب القلب و تحزن الشخص و تغير اللون و تغير الحال و كل نازلة خلت اوائلها من الاخبات و الانابة و التضرع الي اللّه فصاحبها جزوع غير صابر و الصبر ما اوله مرّ و آخره حلو لقوم و لقوم اوله و آخره حلو فمن دخل من اواخره فقد دخل و من دخل من اوائله فقد خرج فمن عرف قدر الصبر لايصبر عما منه الصبر قال اللّه عزوجل في قصة موسي و الخضر8(و كيف تصبر علي ما لمتحط به خبراً) فمن صبر كرهاً و لميشْكُ الي الخلق و لميجزع بهتك سره فهو من العام و نصيبه مما قال اللّه(و بشر الصابرين) اي بالجنة و المغفرة و من استقبل البلاء بالرحب و صبر علي سكينة و وقار فهو من الخاص و نصيبه مما قال اللّه عزوجل (ان اللّه مع الصابرين) و في الوسائل عن اميرالمؤمنين7 في وصيته لمحمد بن الحنفية قال الق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر عود نفسك الصبر فنعم الخلق الصبر و احملها علي ما اصابك من اهوال الدنيا و همومها و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۷ *»
عن النبي9 ان استطعت ان تجمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لمتستطع فاصبر فان في الصبر علي ما تكره خيراً كثيراً و اعلم ان النصر مع الصبر و ان الفرج مع الكرب فان مع العسر يسراً ان مع العسر يسراً و عن ابيجعفر7 اني لاصبر من غلامي هذا و من اهلي علي ما هو امرّ من الحنظل انه من صبر نال بصبره درجة الصائم القائم و درجة الشهيد الذي قد ضرب بسيفه قدام محمد9 و عن اميرالمؤمنين7 انه قال لايعدم الصبور الظفر و ان طال به الزمان و عنه7 من لمينجه الصبر اهلكه الجزع و عنه7 الصبر يناضل الحدثان و الجزع من اعوان الزمان و من ارشاد الديلمي انه جاءت اليه امرأة فقالت ان ابني سافر عني و قد طال غيبته عني و اشتد شوقي اليه فادع اللّه لي فقال عليك بالصبر فاستعملته ثم جاءت بعد ذلك فشكت فقال لها ألماقل عليك بالصبر فقالت يا ابن رسولاللّه كم الصبر فواللّه لقد فني الصبر فقال ارجعي الي منزلك ستجدي ولدك قد قدم من سفره فنهضت فوجدته قد قدم فاتت به اليه فقالت ا وحي بعد رسولاللّه9 قال لا ولكن عند فناء الصبر يأتي الفرج فلما قلت فني الصبر عرفت ان اللّه قد فرج عنك بقدوم ولدك الي غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي من تتبعها وجدها.
و قوله9 الصبر نصف الايمان فلعله لاجل ان الايمان اعتقاد بالجنان و عمل بالاركان و القول بعض ذلك العمل و العمل بالاركان فعل الطاعات و ترك المعاصي و هما تدومان و تصيران ملكة بالصبر فعلي ذلك الصبر علي الطاعة و عن المعصية نصف الايمان او المراد ان جميع ما يرد علي الانسان اما نعمة من اللّه او نقمة و الانسان ينبغي ان يقابل النعم بالشكر و جميع الطاعات من الشكر و النقم بالصبر او لاجل ان فعل الطاعات شكر و ترك المعاصي صبر و بهذه الوجوه و غيرها الصبر نصف الايمان و اما اليقين فهو الايمان كله فان الايمان عقد بالجنان و هو اليقين الظاهر و عمل بالاركان و هو ظاهر اليقين لقوله7 يقين المرء يري في عمله و لأن العمل تجسم العلم و اما ما روي انه9
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۸ *»
سئل عن الايمان فقال هو الصبر فلعله اخذه بالمعني الاعم اي الصبر علي العلم و عدم الالتفات الي الشبهات و الشكوك و الشياطين و علي العمل بفعل الطاعة و ترك المعصية و للناطق العالم المالك لزمام الكلام مع كل سائل مقام.
و اعلم ان مقام الصبر يحصل للانسان بسبب العلم باللّه و بحكمته و بالعلم بان هذا الامر المحكم و الخلق المتقن ليس فيه ذرة علي خلاف الحكمة و الصواب و كلها ظهور الرب الواحد الفرد و كلها علي وجه الاكمل و الاصوب و الاولي و ذلك ان اللّه سبحانه لميخلق شيئاً بمقتضي ذاته اذ لا اقتضاء لها و انما خلق ما خلق بمقتضي القوابل و كل اولي اسرع قبولاً و اسبق دعوةً فلايتجاوزه صنعه جلوعز و هو جلجلاله خالق الخلق لا من شيء و لا علي احتذاء شيء فلايترك الاولي الي غير الاولي و جميع القوابل و المقبولات من كماله جلوعز فهما علي النهج الاكمل و الاصوب علي ما يليق بحضرة الاحد القديم الدائم القادر القاهر فلايقع شيء في الدنيا الا و هو الاصلح و الاصوب و الاحسن و الاكمل فلاتجزع من وقوع الاصلح و الاصوب و الاحسن و الاكمل و لاتطلب غيره و سلم للّه سبحانه فرحاً مسروراً مستبشراً بحصول ما هو الاصلح لك فما امرك به من الطاعات فاعلم انه اختار لك الاكمل فاصبر عليه و ما نهاك عنه فاعلم انه قد زوي عنك ما فيه فسادك فاصبر عنه و ما اورد عليك فاعلم انه فعل بك ما هو الاصلح فاصبر عليه فرحاً مسروراً شاكراً لانعمه و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.
فصل: و لما ان اتينا علي ما اردنا من امر الصبر و لو علي نهج الاشارة و تهذيب العبارة اذ لو اردنا البسط في كل مسئلة لفني العمر قبل ان تفني المسائل فالمناسب ان نذكر شطراً من امر البلاء و هو من المهمات للمؤمن.
اعلم ان اصل البلاء من بلوته بخير او شر كدعا بلواً و بلاءً كفلس و سماء امتحنته و اختبرته و الاسم البلوي كسكري و البلوة كعصمة و البلاء كسماء و البلية كغنية كابليته و ابتليته و ابلاء اللّه عبده و ابتلاؤه اي امتحانه و اختباره فالسر في ابتلاء اللّه ان اللّه سبحانه انشأ الانسان من ظل ربوبيته و صفة مشيته و جعله تعرفه و آية تعريفه حتي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۶۹ *»
جعل معرفة حقيقته معرفته و جهلها جهله ثم جعل له مركباً حيوانياً راتعاً في المرتع النباتي النابت في ارض الجماد و قدر في حكمته ان يخلق اولاً الارض الجمادية ثم ينبت فيها المرتع النباتي ثم يستخرج منه المركب الحيواني ثم يستخرج منه النفس الناطقة الانسانية و كما ان نشأ النبات ظهوراً من الجماد و يكون في بدء نشئه جمادياً ثم يصفي شيئاً فشيئاً و يزول عنه جمود الجمادي و كثافته و يقوي فيه النفس النباتية شيئاً بعد شيء حتي يصير النباتية فيه بالفعل و يصير منشأ آثار النبات فيصير جاذباً و ماسكاً و هاضماً و دافعاً و مربياً بالفعل و يزيد و ينقص بالفعل و هذه الفعليات في بدء امره بالقوة و يكون جماداً بالفعل ثم تتقوي النفس النباتية فيه شيئاً بعد شيء حتي يصير نباتاً بالفعل كذلك النفس الحيوانية نباتية المبدء في الظهور و هي في النبات بالقوة ثم تشتد شيئاً فشيئاً و يتصفي النبات و يرق و يظهر آثار النفس الحيوانية الي ان يظهر عليه الحيوة و يصير حيواناً بالفعل و يصير منشأ آثار الحيوانية فيصير سميعاً بصيراً ذائقاً شاماً لامساً بالفعل و يظهر منه الرضا و الغضب بالفعل كذلك يكون نفسه الانسانية حيوانية المبدء فتكون في الاول حيواناً بالفعل و انساناً بالقوة ثم يترقي شيئاً بعد شيء و يتصفي الي انيظهر عليه نفس انسانية ضعيفة جداً ثم يتقوي شيئاً بعد شيء و يتخلص من شوائب تلك الاكدار الي انيتخلص و يصير منشأ آثار خاصة فيصير عالماً حليماً ذكوراً فكوراً نبيهاً و يظهر منه النزاهة و الحكمة بالفعل فيكون انساناً خالصاً بالفعل و هو قوله تعالي (يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة و غيرمخلقة لنبين لكم و نقر في الارحام ما نشاء الي اجل مسمي ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدکم و منكم من يتوفي و منكم من يرد الي ارذل العمر لكيلايعلم من بعد علم شيئاً و تري الارض هامدة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت و ربت و انبتت من كل زوج بهيج) و قال (و اللّه انبتكم من الارض نباتاً) الي غير ذلك من الآيات فالنفس الانسانية كما عرفت ظهوراً جمادية المبدء و نباتيته و حيوانيته
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۰ *»
و الغالب عليها صفاتها و آثارها ثم تظهر النفس الانسانية بواسطة المكملات الخارجية كما ان الحيوانية خرجت من النباتية بواسطة انوار الافلاك و حيوة الام كذلك النفس الانسانية الكامنة في الحيوانية لاتخرج الا بواسطة المكملات الخارجية و هي وجود الانبياء و الاولياء و الحكماء و الصلحاء و الاتقياء و المؤمنين و يؤيدهم الملئكة فهؤلاء للحيوانية كالنار الخارجية للدهن حيث تسخنه و تجففه و تكلسه و تدخنه و تشعله و تقويها حتي يظهر عليه نار بالفعل راكبة علي ذلك الدخان و تلك النار في بدء التكون ضعيفة جداً و تتقوي شيئاً بعد شيء و ما لميدن الدهن من النار لايتكمل ما فيه من النار قال7 انت ماكونت نفسك و لاكونك من هو مثلك فالانسان الظاهري اذا عاشر المكملين و اتصف بصفاتهم و امتثل اوامرهم و اجتنب نواهيهم صار انساناً تاماً بالفعل و اذا خالف المكملين و عمل بمقتضي الجمادية يغلب عليه صفة الجماد ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة او اشد قسوة و اذا عمل بمقتضي النباتية يغلب عليه صفة النبات و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة و اذا عمل بمقتضي الحيوانية يغلب عليه صفة الحيوان و يكون لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون، الناس كلهم بهائم الا المؤمن المؤمن قليل المؤمن قليل المؤمن قليل و يضعف في هذه الاحوال انسانيته الي ان تموت و تدفن في ارض بدنه انك لاتسمع من في القبور ان انت الا نذير، لتنذر من كان حياً و يحق القول علي الكافرين، استجيبوا للّه و للرسول اذا دعاكم لما يحييكم.
فاذاكان الانسان واقفاً بين هذه الدعاة و كلما مال الي داع يتقوي فيه جهته و يضعف فيه ضدها لان الاشياء تتقوي باشكالها و تتضعف باضدادها و كل حيث فيه يميل الي مشاكله فاذا كان حيث غالباً يميل الي شكله و يسوق الباقي اليه فيتقوي هو بالاستمداد منه و يتضعف البواقي بوصول المدد المنافي و بضعفها يتقوي ذلك الحيث ايضاً كما قال
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۱ *»
الشاعر:
مسئلة الدور جرت بيني و بين من احب | لولا مشيبي ماجفا لولا جفاه لماشب |
فلاجل ذلك حكم اللّه علي من سبق له منه الحسني ان يبتلي ببلايا في جماديته و نباتيته و حيوانيته حتي يضعف فيه هذه الجهات و يضعف دعوتها و قوة جذبها كما ان الطبيب يحمي المريض ليضعف مرضه فان الغذاء المقوي كما يقوي البدن يقوي المرض فيحميه الطبيب لكي يضعف مرضه و يسهل دفعه و كذلك الرب العطوف الرءوف يحمي عبده المؤمن عما يقوي فيه الجمادية و النباتية و الحيوانية لكي تعجز عن الاستيلاء علي الانسانية و يضعف دواعيها و لايميل اليها الانسانية و لاتستمد من امدادها فتضعف و تقوي انسانيته بالامداد المناسبة النازلة من سماء وجود المكملين اليه واما الكفار فيزين لهم تلك الجهات و يقويها و يكملها بواسطة المكملات و الامداد المشاكلة و يمنعهم من الامداد الانسانية و جعلنا علي قلوبهم اكنة ان يفقهوه و في آذانهم وقراً و بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية و لولا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة و معارج عليها يظهرون و لبيوتهم ابواباً و سرراً عليها يتكئون و زخرفاً و ان كل ذلك لما متاع الحيوة الدنيا و الآخرة عند ربك للمتقين و لايحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً و لهم عذاب مهين و كما ان الطبيب لولا انه يخاف من انهدام البنية بالكلية لحمي المريض عن الغذاء بالكلية ولكنه كلما يخاف من غلبة المرض يحميه و كلما يخاف من انهدام البدن يغذيه كذلك الرب العطوف كلما ينظر بعين عطوفته ان الامداد من العوائق الثلثة يزيد في قوتها و يقل ميله الي لقاء اللّه يحمي الانسان و يبتليه ببلاء فيها و كلما نظر و خشي انهدام البنية بالكلية يمده بشيء منها وهكذا يتردد في تدبير عبده المؤمن الي ان يأتيه اجله و هو قوله تعالي في القدسي ماترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساءته و لولا خوف
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۲ *»
ان ييأس العبد المؤمن من رحمة ربه لمااذاقه قطرة من ماء الدنيا و لماساق اليه نعمة من نعمائها و لمااروي عطشه و لمااشبع جوعته و لما كسي عريته ابداً ولكن كلما ينظر الي ضعف عبده عن تحمل ذلك يرزقه متاعاً قليلاً منها.
و حق علي من عرف هذا السر الشريف ان يتلقي البلايا بصدر واسع و قلب بارد مشتاقاً اليها اشتياق العطشان الي الزلال و الصائم الي الهلال فان فيها نجاته و في الرخاء خوف هلاكته و بواره فمتي ما رأيت البلاء مقبلاً و انت في طاعة او معصية فاعلم ان عناية ربك الممرض لك و الطبيب لدائك قد توجهت اليك فاحمد اللّه و اسأله الصبر و اذا رأيت الرخاء و النعمة مقبلة اليك و انت في معصية فاعلم انه استدراج من اللّه كما قال (سنستدرجهم من حيث لايعلمون و املي لهم) و قال (و لايحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً) وقال (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شيء حتي اذا فرحوا بما اوتوا اخذناهم بغتة فاذا هم مبلسون).
بالجملة ان البلاء رحمة عظيمة من اللّه سبحانه اختص اللّه بها احباءه و انبياءه و اولياءه و زواها عن اعدائه و من ليس له به حاجة فلاجل ذلك كان الانبياء و الاولياء يحصلونه لانفسهم بتقليل المأكل و المشرب و المنكح و المركب و المسكن و الملبس و المنظر و المسمع و ساير متاع الدنيا فيزوونها عن انفسهم باختيارهم و ينزلون انفسهم ابداً في البلاء و المحنة و التعب و يختارون دائماً ما هو الاصعب معاملة من يعلم ان هذا المشروب فيه سم مهلك و لابد له من شربه فيشرب منه مع وجل و خوف بقدر المسمي و هم يلتذون من هذه الحمية التذاذ مريض يري رأي العين ان كل ما يحتمي من الغذاء المنافي يتقوي و ينشط و لا شك ان المختلط جاهل و تلذذه من اختلاطه من غاية جهله فانه يزداد مرضه بكل اكلة و هو لايشعر و لعمري لو دعي الداعي برفع البلاء بحصول الصبر و الرضا لكان له اولي ولكن البنية الضعيفة الانسانية تضعف عن تحمل اعباء البلايا و المصائب اسأل اللّه العون علي الصبر والرضا فانه قادر علي ما يشاء و اني لو دونت كتاباً في فضل البلاء و شرفه علي الرخاء لكان قليلاً في كثير ما له من الفضل ولكن فيما
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۳ *»
ذكرنا للعاقل الحكيم كفاية و بلاغ فلنتبرك بذكر بعض الاخبار في فنون البلاء لتكون تسلية للقلوب و عوناً علي الصبر و الرضا.
فصل: في معني مطلق البلاء ففي الوسائل بسنده عن عبدالرحمن بن الحجاج قال ذكر عند ابيعبداللّه7 البلاء و ما يخص اللّه به المؤمن فقال سئل رسولاللّه9 من اشد الناس بلاءً في الدنيا فقال النبيون ثم الامثل فالامثل و يبتلي المؤمن بعد علي قدر ايمانه و حسن اعماله فمن صح ايمانه و حسن عمله اشتد بلاؤه و من سخف ايمانه و ضعف عمله قل بلاؤه و عن فضيل بن عثمن عن ابيعبداللّه7 قال ان في الجنة منزلة لايبلغها عبد الا بالبلاء في جسده و عن يونس بن رباط قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ان اهل الحق لميزالوا منذ كانوا في شدة اما ان ذلك الي مدة قليلة و عافية طويلة و عن سليمان بن خالد عن ابيعبداللّه7 قال انه ليكون للعبد منزلة عند اللّه فماينالها الا باحدي خصلتين اما بذهاب ماله او ببلية في جسده و عن محمد بن مسلم قال سمعت اباعبداللّه7 يقول المؤمن لايمضي عليه اربعون ليلة الا عرض له امر يحزنه يذكر به و عن حمران عن ابيجعفر7 قال ان اللّه ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل اهله بالهدية من الغيبة و يحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض و عن زيد الشحام عن ابيعبداللّه7 قال ان عظيم الاجر لمع عظيم البلاء و مااحب اللّه قوماً الا ابتلاهم وعن الحسين بن علوان عن ابيعبداللّه7 انه قال و عنده سدير ان اللّه اذا احب عبداً غته بالبلاء غتاً و انا و اياكم يا سدير لنصبح به و نمسي و عن محمد بن بهلول عن ابيعبداللّه7 انما المؤمن بمنزلة كفة الميزان كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه و عن عبداللّه بن ابييعفور قال شكوت الي ابيعبداللّه7 ما القي من الاوجاع و كان مسقاماً فقال لي لو يعلم المؤمن ما له من الاجر في المصائب لتمني
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۴ *»
انه قرض بالمقاريض و عن ابيبصير عن ابيعبداللّه7 قال ان للّه عزوجل عباداً في الارض من خالص عباده ماينزل من السماء تحفة الي الارض الا صرفها عنهم الي غيرهم و لا بلية الا صرفها اليهم و عن حماد عن ابيه عن ابيجعفر7 قال ان اللّه اذا احب عبداً غته بالبلاء غتاً و شجه بالبلاء شجاً فاذا دعاه قال لبيك عبدي لئن عجلت لك ما سألت اني علي ذلك لقادر و لئن اذخرت لك فما اذخرت لك خير لك و عن ابنبكير قال سألت اباعبداللّه7 أيبتلي المؤمن بالجذام و البرص و اشباه هذا قال فقال و هل كتب البلاء الا علي المؤمن و عن علي بن محمد عن آبائه: عن موسي بن جعفر7 قال اي من صفت له دنياه فاتهمه علي دينه و في الكافي بسنده عن داود بن فرقد عن ابيعبداللّه7 قال اخذ اللّه ميثاق المؤمن علي ان لايصدق مقالته و لاينتصف من عدوه و ما من مؤمن يشفي نفسه الا بفضيحتها لان كل مؤمن ملجم و عن ابيحمزة الثمالي عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 ان اللّه اخذ ميثاق المؤمن علي بلايا اربع ايسرها عليه مؤمن يقول بقوله يحسده او منافق يقفو اثره او شيطان يغويه او كافر يري جهاده فما بقاء المؤمن بعد هذا و عن ابنمسكان عن ابيعبداللّه7 قال ماافلت المؤمن من واحدة من ثلث و لربما اجتمعت الثلثة عليه اما بغض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه او جار يؤذيه و من في طريقه الي حوايجه يؤذيه و لو ان مؤمناً علي قلة جبل لبعث اللّه عزوجل عليه شيطاناً يؤذيه و يجعل له من ايمانه انساً لايستوحش معه الي احد وعن سماعة بن مهران عن ابيعبداللّه7 ان اللّه جعل وليه في الدنيا غرضاً لعدوه وعن شعيب عن ابيعبداللّه7 ان الدنيا سجن المؤمن فاي سجن جاء منه خير وعن جابر عن ابيجعفر قال سمعته يقول اذا مات المؤمن خلي علي جيرانه من الشياطين عدد ربيعة و مضر كانوا مشتغلين به و عن اسحق بن عمار عن ابيعبداللّه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۵ *»
7قال ماكان و لايكون و ليس بكاين مؤمن الا و له جار يؤذيه و لو ان مؤمناً في جزيرة من جزاير البحر لابتعث اللّه من يؤذيه و عن زيد الزراد عن ابيعبداللّه7 قال قال رسولاللّه9 ان عظيم البلاء يكافي به عظيم الجزاء فاذا احب اللّه عبداً ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله عند اللّه الرضا و من سخط البلاء فله عند اللّه السخط و عن محمد بن بهلول العبدي قال سمعت اباعبداللّه7 يقول لميؤمن اللّه المؤمن من هزاهز الدنيا و لكنه آمنه من العمي فيها و الشقي في الآخرة وعن ذريح المحاربي عن ابيعبداللّه7 قال كان علي بن الحسين7 يقول اني لاكره للرجل ان يعافي في الدنيا فلايصيبه شيء من المصائب و عن النبي9 في حديث من لميرزء فما للّه فيه حاجة و عن ابيعبداللّه7 ان اللّه عزوجل يبتلي المؤمن بكل بلية و يميته بكل ميتة و لايبتليه بذهاب عقلها اماتري ايوب كيف سلط عليه ابليس علي ماله و علي ولده و علي اهله و علي كل شيء منه و لميسلط علي عقله ترك له ليوحد اللّه به و عن ابياسامة عن ابيعبداللّه7 قال قال اللّه عزوجل لولا ان يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر بعصابة حديد لايصدع رأسه ابداً و عن ابيبصير عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفيها الرياح كذا و كذا و كذلك المؤمن تكفيه الاوجاع و الامراض و مثل المنافق كمثل الارزة المستقيمة التي لايصيبها شيء حتي يأتيه الموت فيقصفه قصفاً و عن مسعدة بن صدقة عن ابيعبداللّه7 قال قـال النبي9 يوماً لاصحابه ملعون كل مال لايزكي ملعون كل جسد لايزكي و لو في كل اربعين يوماً مرة فقيل يا رسولاللّه اما زكوة المال فقد عرفناها فما زكوة الاجساد فقال لهم ان يصاب بآفة قال فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه فلما رآهم قد تغيرت الوانهم قال لهم هل تدرون ما عنيت بقولي قالوا لا يا رسولاللّه قال بلي الرجل يخدش الخدشة و ينكب النكبة و يعثر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۶ *»
العثرة و يمرض المرضة و يشاك الشوكة و ما اشبه هذا حتي ذكر في حديثه اختلاج العين و عن سماعة عن ابيعبداللّه7 قال ان في كتاب علي7 ان اشد الناس بلاءً النبيون ثم الوصيون ثم الامثل فالامثل و انما يبتلي المؤمن علي قدر اعماله الحسنة فمن صح دينه و حسن عمله اشتد بلاؤه و ذلك ان اللّه عزوجل لميجعل الدنيا ثواباً لمؤمن و لا عقوبة لكافر و من سخف دينه و ضعف عمله قل بلاؤه و ان البلاء اسرع الي المؤمن التقي من المطر الي قرار الارض و في مصباحالشريعة عن الصادق7 البلاء زين المؤمن و كرامة لمن عقل لان في مباشرته و الصبر عليه و الثبات عنده تصحيح نسبة الايمان قال النبي9 نحن معاشر الانبياء اشد الناس بلاء و المؤمنون الامثل فالامثل و من ذاق طعم البلاء تحت سر حفظ اللّه له تلذذ به اكثر من تلذذه بالنعمة و اشتاق اليه اذا فقده لان تحت نيران البلاء و المحنة انوار النعمة و تحت انوار النعمة نيران البلاء و المحنة و قد ينجو من البلاء كثير و يهلك في النعمة كثير و لااثني اللّه علي عبد من عباده من لدن آدم7 الي محمد9 الا بعد ابتلائه و وفاء حق العبودية فيه فكرامات اللّه في الحقيقة نهايات بداياتها البلاء و بدايات نهاياتها البلاء و من خرج من سكة «سبيكة خل» البلوي جعل سراج المؤمنين و مونس المقربين و دليل القاصدين و لا خير في عبد شكي من محنة تقدمها آلاف نعمة و اتبعها آلاف راحة و من لايقضي حق الصبر في البلاء حرم قضاء الشكر في النعماء كذلك من لايؤدي حق الشكر في النعماء يحرم عن قضاء الصبر في البلاء و من حرمهما فهو من المطرودين و قال ايوب7 في دعائه اللهم قد اتي علي سبعون في الرخاء و اتي علي سبعون في البلاء و قال وهب البلاء للمؤمن كالشكال للدابة و العقال للابل و قال اميرالمؤمنين7 الصبر من الايمان كالرأس من الجسد و رأس الصبر البلاء و مايعقلها الا العالمون
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۷ *»
و في ارشاد الديلمي عن النبي9 انه قال يود اهل العافية يوم القيمة ان لحومهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب اهل البلاء و عنه9 انه قال يوماً لاصحابه ايكم يحب ان يصح فلايسقم قالوا كلنا يا رسولاللّه فقال افتحبون ان تكونوا كالحمير الضالة الاتحبون ان تكونوا اصحاب كفارات و الذي نفسي بيده ان الرجل لتكون له الدرجة في الجنة مايبلغها بشيء من عمله ولكن بالصبر علي البلاء و عظيم الجزاء لعظيم البلاء و ان اللّه تعالي اذا احب عبداً ابتلاه بعظيم البلاء فان رضي فله الرضا و ان سخط فله السخط الي غير ذلك من الاخبار و هي تتجاوز حد التواتر و منها يظهر حقية ما استدللنا عليه من ان الانسان لاينقطع نفسه عن الدنيا الا بالبلاء و هو اعظم نعم اللّه علي خلقه و تحفته الي عباده المؤمنين و احبائه و اصفيائه و لذلك كان اعظم الناس بلاءً الانبياء ثم الاوصياء ثم الاولياء الامثل فالامثل و نحن لو شئنا ان نذكر بلاء الانبياء و الاوصياء و الاولياء لاقتضي ذلك ان نكتب كتاباً كبيراً مستقلاً و مع ذلك لايمكن استقصاؤها فانها اكثر من ان تحصي و اوفر من ان تستقصي و اكثرها شايعة معروفة و كفي بوقعة الطفوف عبرة لمن اعتبر و تذكرة لمن تذكر حيث ساق اللّه اعظم بلايا الدنيا و اوفرها علي اولئك النفر من اصفيائه و خلصائه و احبائه و اودائه فضلاً عن ساير الائمة و النبي9 و من رام التتبع في ذلك فليراجع تواريخ الانبياء و تاريخ نبينا و آله: فلا حاجة الي ذكر شيء منها.
فصل: و لما ذكرنا شيئاً من امر البلاء كلية ناسب ان نذكر شيئاً من امر المرض تسلية لمرضي المؤمنين و نكتفي بذكر بعض الاخبار فان ما ذكر في سر البلاء كاف في الاعتبار ففي الوسائل عن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7 قال ان رسولاللّه9 رفع رأسه الي السماء فتبسم فسئل عن ذلك قال نعم عجبت لملكين هبطا من السماء الي الارض يلتمسان عبداً صالحاً مؤمناً في مصلي كان يصلي فيه ليكتبا له عمله في يومه و ليلته فلميجداه في مصلاه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۸ *»
فعرجا الي السماء فقالا ربنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه لنكتب عمله ليومه و ليلته فلمنصبه فوجدناه في حبالك فقال اللّه عزوجل اكتبا لعبدي مثل ما كان يعمل في صحته من الخير في يومه و ليلته مادام في حبالي فان علي ان اكتب له اجر ما كان يعمل اذا حبسته عنه وعن ابيالصباح قال قـال ابوجعفر7 سهر ليلة من مرض افضل من عبادة سنة وعن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7 قال سمعته يقول الحمي رائد الموت و هو سجن اللّه في الارض و هو حظ المؤمن من النار و زاد في حديث بعد في الارض و فورها من جهنم و عن درست قال سمعت اباابرهيم7 يقول اذا مرض المؤمن اوحي اللّه تعالي الي صاحب الشمال لاتكتب علي عبدي مادام في حبسي و وثاقي ذنباً و يوحي الي صاحب اليمين ان اكتب لعبدي ما كنت تكتب له في صحته من الحسنات و عن محمد بن مروان عن ابيعبداللّه7 قال حمي ليلة كفارة لما قبلها و لما بعدها و عن ابيحمزة عن ابيجعفر7 قال حمي ليلة تعدل عبادة سنة و حمي ليلتين تعدل عبادة سنتين و حمي ثلث ليال تعدل عبادة سبعين سنة قال قلت فان لميبلغ سبعين سنة قال فلابيه و لامه قال قلت فان لميبلغا قال فلقرابته قال قلت فان لميبلغ قرابته قال فلجيرانه انتهي، المراد انه يكتب له ثواب سنة او سنتين او سبعين سنة عبد اللّه فيها فلذلك سأل السائل ما سأل فقال بقدر ثواب ابيه و امه في سبعين سنة وهكذا الي آخر ما سأل و عن الصادق7 عن آبائه: في وصية النبي9 قال يا علي انين المؤمن تسبيح و صياحه تهليل و نومه علي الفراش عبادة و تقلبه من جنب الي جنب جهاد في سبيل اللّه فان عوفي مشي في الناس و ما عليه ذنب و عن جابر عن ابيجعفر7 قال اذا احب اللّه عبداً نظر اليه فاذا نظر اليه اتحفه بواحدة من ثلث اما صداع و اما حمي و اما رمد و عن النبي9 ان المؤمن اذا حم حماة واحدة تناثرت الذنوب منه كورق الشجر فان صار علي فراشه فانينه تسبيح و صياحه تهليل و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۷۹ *»
تقلبه علي فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل اللّه فان اقبل يعبد اللّه بين اخوانه و اصحابه كان مغفوراً فطوبي له ان تاب و ويل له ان عاد و العافية احب الينا انتهي، و اماقوله9 و العافية احب الينا فلاجل ان المرض كفارة للذنب اذا تذكر الانسان و تاب فان لميكن ذنب يحتاج الي كفارة او كان ذنب و ذهب اثره بالتوبة قبل نزول العقوبة فهو احب البتة و ليس في المرض ثواب و انما الثواب علي الصبر فمن كان في نفسه صابراً فله ثوابه و ان لميبتل فلاجل هذه الاسباب العافية احب هذا و المرض عقوبة و من اظلال جهنم و لاينبغي ان يكون الانسان محباً لها و جهنم احب اليه من الجنة فتدبر و عن الزهري قال سمعت علي بن الحسين7 يقول حمي ليلة كفارة سنة و ذلك لان المها يبقي في الجسد سنة وعن محمد بن سنان عن الرضا7 قال المرض للمؤمن تطهير و رحمة و للكافر تعذيب و لعنة و ان المرض لايزال بالمؤمن حتي لايكون عليه ذنب و عن سعدان بن مسلم عن ابيعبداللّه7 قال صداع ليلة تحط كل خطيئة الا الكباير و عن درست بن عبدالحميد عن ابيابرهيم7 قال قال رسولاللّه9 للمريض اربع خصال يرفع عنه القلم و يامر اللّه الملك فيكتب له كل فضل كان يعمل في صحته و يتبع مرضه كل عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه فان مات مات مغفوراً له و ان عاش عاش مغفوراً له و عن النبي9 انه تبسم فقيل له ما لك يا رسولاللّه تبسمت فقال عجبت للمؤمن و جزعه من السقم و لو يعلم ما له في السقم من الثواب لاحب ان لايزال سقيماً حتي يلقي ربه عزوجل و في الارشاد قال رسولاللّه9 يوماً لاصحابه ايكم يحب ان يصح فلايسقم قالوا كلنا يا رسولاللّه فقال اتحبون انتكونوا كالحمير الضالة الاتحبون ان تكونوا اصحاب كفارات و قال7 لو يعلم المؤمن ما له في السقم مااحب ان يفارق السقم ابداً و قال7 يودّ اهل العافية يوم القيمة ان لحومهم قرضت بالمقاريض لما يرون من ثواب اهل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۰ *»
البلاء قال موسي7 يا رب لا مرض يضنيني و لا صحة تنسيني ولكن بين ذلك امرض تارة فاذكرك و اصح تارة فاشكرك و عن الصادق عن آبائه عن علي: انه عاد سلمان الفارسي فقال له يا سلمان ما من احد من شيعتنا يصيبه وجع الا بذنب قد سبق منه و ذلك الوجع تطهير له قال سلمان فليس لنا في شيء من ذلك اجر خلا التطهير قال علي7 يا سلمان لكم الاجر بالصبر عليه و التضرع الي اللّه و الدعاء للّه بهما تكتب لكم الحسنات و ترفع لكم الدرجات فاما الوجع خاصة فهو تطهير و كفارة انتهي وهذا الخبر شرح و تفسير للاخبار السابقة و يتبين منه ان المثوبات المذكورة في ساير الاخبار ليست للمرض نفسه بل هي له اذا صبر و دعا و توجه الي اللّه سبحانه و وجه ذلك ان المرض هو تعذيب و تضعيف للجسم و مسبب للاعراض عن المبدء الواحد جل و علا و مقتضي له و لاجل ذلك نهي اللّه عنه حتي لايصله مقتضاه فاذا اعرض الانسان عن المبدء ناله مقتضاه و سبب صيرورته كفارة ان النفس الانسانية اذا اصابته العقوبة و علمت بسخط اللّه عليه رجعت الي ربها و تابت و تذكرت ما ارتكبت فتتحاتّ عنها ذنوبها باعراضها عن الذنب و رجوعها الي ربها و هو قول النبي9 فطوبي له ان تاب و ويل له ان عاد فمن لميتذكر في مرضه و لميتب فليس الذنب بكفارة له المتسمع قوله تعالي (المتر انهم يفتنون) اي يمرضون (في كل عام مرة او مرتين ثم لايتوبون و لا هم يذكرون) و الا اصل المرض مقتضي الذنب و لايوجب سقوط الذنب عن الانسان ان كان الذنب ثابتاً باقياً كما ان النار هي مقتضي ذنوب الكفار و لاتوجب سقوط الذنب عنهم فالمرض كفارة لمن تذكر و تنبه و لمن لميكن الذنب من ذاتيته و كان من اعراضه الجسدية فاذا كان الذنب من اعراضه الجسدية يلحق جسده مقتضاه و هو جزاء ذنبه فاذا فارق روحه جسده يكون مغفوراً له لا ذنب له و ان عاش فقد لحقه جزاء ذنبه العرضي و بقي روحه و لا ذنب له و انما يتوب من كان هكذا و يتذكر فليس المرض بكفارة الا للتائبين المتذكرين و كذلك لا اجر له بمرضه فانه مقتضي ذنبه و انما الاجر لصبره و رضاه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۱ *»
بما فعل اللّه به لتطهيره و بدعائه للّه سبحانه و بتوجهه اليه فان الاجر مقتضي هذه الحسنات و التوجهات الي اللّه سبحانه و هو قول ابيعبداللّه7 ايما رجل اشتكي فصبر و احتسب كتب اللّه له من الاجر اجر الف شهيد و عن علي7 في المرض الذي يصيب الصبي قال كفارة لوالديه و عن محمد بن مسلم عن ابيجعفر7 من لقي اللّه مكفوفاً محتسباً موالياً لآلمحمد لقي اللّه و لا حساب عليه قال و روي انه لايسلب اللّه عبداً مؤمناً كريمتيه او احديهما ثم يسأله عن ذنب انتهي.
و اعلم انه مما يزيد في اجر المشتكي كتمانه للشكوي و صبره عليه و الرضا به من اللّه سبحانه و اما من شكا ربه الي عبيده و كره تطهير اللّه له و سخط عليه به فهو مسخوط ناله المرض في الدنيا و سيناله السخط في الآخرة و يدل علي ذلك ما رواه عن بشير الدهان عن ابيعبداللّه7 قال قـال اللّه عزوجل ايما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك عواده ثلثاً ابدلته لحماً خيراً من لحمه و دماً خيراً من دمه و بشراً خيراً من بشره فان ابقيته ابقيته و لا ذنب له و ان مات مات الي رحمتي و فسر الخير في حديث بلحم و دم و بشر لميذنب فيها و عن العرزمي عن ابيه عن ابيعبداللّه7 قال من اشتكي ليلة فقبلها بقبولها و ادي الي اللّه شكرها كانت كعبادة ستين سنة قال فقلت له ما قبولها قال يصبر عليها و لايخبر بما كان فيها فاذا اصبح حمد اللّه علي ما كان و عن النبي9 من مرض يوماً و ليلة فلميشك الي عواده بعثه اللّه يوم القيمة مع خليله ابرهيم الخليل حتي يجوز علي الصراط كالبرق اللامع و عن علي7 من كتم وجعاً اصابه ثلثة ايام من الناس و شكا الي اللّه عزوجل كان حقاً علي اللّه ان يعافيه منه و عن ابيعبداللّه7 اظهار الشيء قبل ان يستحكم مفسدة له انتهي و هي كلمة جامعة كلية صدرت من مخزن علم النبوة فلاينبغي اظهار علم و لا صنعة و لا تدبير و لا مرض و لا محنة و لا بلاء قبل ان يستحكم و يشتد و يقوي فانه مفسدة للدين و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۲ *»
الدنيا فتدبر و عن جميل بن صالح عن ابيعبداللّه7 قال سئل عن حد الشَكاة للمريض فقال ان الرجل يقول حممت اليوم و سهرت البارحة و قد صدق و ليس هذا شكاة و انما الشكوي ان يقول العبد ابتليت بما لايبتلي به احد و يقول لقد اصابني ما لميصب احداً و ليس الشكوي ان يقول سهرت البارحة و حممت اليوم و نحو هذا انتهي يعني ليس هذا هو الشكاية المذمومة و الا فهو شكوي لان الشكوي هو الاخبار بسوء وقع و هو اخبار و يؤيد ذلك ما روي عن عبدالحميد عن ابيعبداللّه7 قال اذا صعد ملكا العبد المريض الي السماء عند كل مساء يقول الرب تبارك و تعالي ما ذا كتبتما لعبدي في مرضه فيقولان الشكاية فيقول ماانصفت عبدي ان حبسته في حبس من حبسي ثم امنعه الشكاية اكتبا لعبدي مثل ما كنتما تكتبان له من الخير في صحته و لاتكتبا عليه سيئة حتي اطلقه من حبسي فانه في حبس من حبسي انتهي و علي اي حال لايجوز الشكوي الي المخالف لك في المذهب فانه لا فائدة فيه الا سروره بشكاءك و شماتته و يجوز الشكوي الي المؤمن بما لا بأس به و ليس فيه اظهار كراهة من اللّه جلوعز او من حسن قضائه او كذب فانه شكوي الي اللّه جلوعز ان راعي فيه وجه ايمانه باللّه فقد روي عن يونس بن عمار قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ايما مؤمن شكا حاجته او ضره الي كافر او الي من يخالفه علي دينه فانما شكا اللّه عزوجل الي عدو من اعداء اللّه و ايما رجل مؤمن شكا حاجته و ضره الي مؤمن مثله كانت شكواه الي اللّه و عن الحسن بن راشد قال قـال ابوعبداللّه7 يا حسن اذا نزلت بك نازلة فلاتشكها الي احد من اهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض اخوانك فانك لنتعدم خصلة من خصال اربع اما كفاية و اما معونة بجاه او دعوة تستجاب او مشورة برأي و عن ابيعبداللّه7 من شكا الي مؤمن فقد شكا الي اللّه عزوجل و من شكا الي مخالف فقد شكي اللّه عزوجل انتهي و سر ذلك ظاهر لمن كان من ابناء الحكمة و ذلك ان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۳ *»
الممرض المبتلي هو اللّه جلوعز بلا شك و قد ابتلاك ببعض ذنوبك ليطهرك فان شكوت من تطهير اللّه و احسانه اليك الي مخالف مظهر للشيطان و عدو للرحمن فقد شكوت اللّه عزوجل و صنيعه الي الشيطان كارهاً للاحسان و اذا شكوت الي مؤمن مظهر للرحمن فقد شكوت الي اللّه و فررت منه اليه كما ان جميع ما يضاف الي المؤمن مضاف الي اللّه الاتري ان سروره سرور اللّه و اذاه اذي اللّه و زيارته زيارة اللّه و قرضه قرض اللّه فهكذا الشكاة اليه شكاة الي اللّه و فرار منه اليه و التجاء منه اليه و ذلك غير ضاير ان شكوت اليه من هذا الحيث مستشفعاً به الي اللّه و عن يونس قال قـال ابوالحسن7 اذا مرض احدكم فليأذن للناس يدخلون عليه فانه ليس من احد الا و له دعوة مستجابة و في رواية عن الوشا عن الرضا7 بعد ذلك ثم قال اتدري من الناس قلت امة محمد قال الناس هم شيعتنا و عن عبداللّه سنان قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ينبغي للمريض منكم ان يؤذن اخوانه بمرضه فيعودونه فيوجر فيهم و يوجرون فيه فقيل له نعم هم يوجرون فيه لممشاهم اليه فكيف يوجر هو فيهم فقال باكتسابه لهم الحسنات فيوجر فيهم فيكتب له بذلك عشر حسنات و يرفع له عشر درجات و يمحي بها عنه عشر سيئات.
فصل: و مما يجري هذا المجري بلاء الفقر بل لعله اشدها فلا علينا ان نذكر هنا شطراً في فضل الفقر و سر ابتلاء اللّه به عباده المؤمنين تسلية لقلوب اخواننا الفقراء و تصبيراً لهم علي محنته.
اعلم ان اللّه سبحانه لميجعل هذه الدنيا دار ثواب و لا عقاب و انما جعلها دار عمل و جعل الثواب و العقاب اللذان هما ثمرتا الاعمال في الآخرة التي هي ثمرة شجرة الدنيا و انما انزل اللّه العبيد الي هذه الدنيا للعمل و الاكتساب و جعل في تقديره ان يكون المؤمنون منهم في هذه الدنيا محتاجين الي غيرهم ليكون احتياجهم معيناً لهم علي عبوديتهم و خشوعهم و خضوعهم لربهم و استشعارهم الفقر و الفاقة الي مغن لهم و علي دعائهم و تبصبصهم و تضرعهم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۴ *»
و سؤالهم ربهم و يكونوا بذلك دائمي التوجه الي ربهم و يكونوا فارغين عن كد الغني و مشقته لطاعة ربهم و خلق فيها اسباب غناء و طغيان و نسيان للرب و ترك للتضرع و التبصبص و الخضوع و الخشوع لعباده الكافرين حتي يستدرجهم و يملي لهم ليزدادوا اثماً و ليشتغلوا بها عن اللّه و التوجه اليه و الدعاء له و قال (ان الانسان ليطغي ان رآه استغني) فقال للمؤمنين (و لاتمدن عينيك الي ما متعنا به ازواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه و رزق ربك) يعني الاخروي و رزق الايمان (خير و ابقي) ثم لما اختلط هؤلاء بهؤلاء و هؤلاء بهؤلاء اختلط الغني بالفقير فوجد في المؤمنين غني و فقير و في الكافرين غني و فقير و الا ففي الاصل الفقر شعار الصالحين و صفة النبيين و شيمة الوصيين و الغناء صفة الكافرين فلاجل ذلك قالوا صلوات اللّه عليهم الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر فهل تري في السجن سعة و غني لمسجون هذا و في الفقر راحة عن كد الدنيا و محنها في طلبها و فراغ له الي العبادة و تحصيل العلم و العمل و في الغناء واللّه اشتغال بضبط الاموال و مشارّة الرجال و كثرة المقال و الاسفار مع تبلبل البال و اين فراغ الفقير الذي لايبالي بشيء من المال و لايبالي اي قرصيه اكل او اي طمريه لبس و في اي جحر نام يصبح طاوياً و يمسي شبعاناً لايبالي بشيء من امر الدنيا و اهلها هاه هاه واللّه لو يعلم المؤمن ما له في الفقر لتمني من اللّه ان لايرزقه ازيد من قوت يومه و ستر بدنه و لاجل ذلك امر اللّه الانبياء اممهم بالزهد في الدنيا و بذل الفاضل و ترك الكد في الطلب و القناعة بل و الرياضة و ترك ملاذ الدنيا حتي يتفرغوا لما خلقوا لاجله و لو بني الانسان علي الطلب و جمع المال و اصلاحه لمايزيد وقته علي خدمة نفسه فمتي يخدم ربه هذا مع ما فيه من التولي عن اللّه و الانكباب علي الدنيا و الاعراض عن اولياء اللّه و التوجه الي حطام الدنيا و حصول الطغيان و اي عبرة اعظم لسوء الغنا و المال من سوء حال الاغنياء و كثرة معاصيهم و غفلتهم و طغيانهم و عدم تفرغهم لعبادة ربهم و تحصيل دينهم فمن طلبه مع ما يري منهم فهو من قلة عقله و ضعف ايمانه فالمؤمن العاقل يرجح الفقر علي الغناء و البلاء علي الرخاء و يسأل اللّه الصبر عليهما
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۵ *»
و اعلم ان الفقر مع الصبر غناء لا عديل له و البلاء مع الصبر رخاء لا نظير له فان كنت سائلاً و ظننت استجابة الدعاء فاسأل اللّه ان يرزقك الصبر تحز به خير الدنيا و الآخرة.
و اعلم ان الفقر فقران فقر الي اللّه سبحانه بان تجد نفسك عادمة كل شيء و ربك واجد كل شيء و تري في نفسك حاجة اليه عزوجل لا غير في كل شيء و ان كان لك كل شيء و تكون واجد كل شيء بحسب الظاهر و هذا هو الفقر المحمود و هو فخر للمؤمن و كمال و غناء عن العالمين و فقر الي الدنيا و هو ان تجد نفسك عادم بعض متاع الدنيا و غيرك واجده فتتذلل له و تتملق لطلبه و تتوق نفسك الي ما في يديه فيشغلك ذلك عن اللّه سبحانه و يتعلق قلبك ابداً به و بما في يديه فهذا هو سواد الوجه في الدارين و الي هذا الفقر اشار فيما روي انه اوحي اللّه تعالي الي ابرهيم فقال يا ابرهيم خلقتك و ابتليتك بنار نمرود فلو ابتليتك بالفقر و رفعت عن عينيك الصبر فما تصنع قال ابرهيم يا رب الفقر اليّ اشد من نار نمرود قال اللّه تعالي وعزتي و جلالي ماخلقت في السماء و الارض اشد من الفقر و قال9كاد الفقر ان يكون كفراً و قال9 الفقر الموت الاكبر و لنتبرك بذكر شيء من الاخبار في فضل الفقر و الفقراء تسلية للقلوب و ترغيباً للمؤمنين الي الرضا بالفقر و تفريجاً لكربهم و تفريحاً عن همهم فلنعنون لذلك فصلاً.
فصل: في الكافي بسنده عن ابن ابييعفور عن ابيعبداللّه7 قال ان فقراء المؤمنين يتقلبون في رياض الجنة قبل اغنيائهم باربعين خريفاً ثم ساضرب لك مثل ذلك انما مثل ذلك مثل سفينتين مر بهما علي عاشر فنظر الي احديهما فلمير فيها شيئاً فقال اسربوها و نظر في الاخري فاذا هي موقرة فقال احبسوها و عن سعدان قال قـال ابوعبداللّه7 المصائب منح اللّه و الفقر مخزون عند اللّه و عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 يا علي ان اللّه جعل الفقر امانة عند خلقه فمن ستره اعطاه اللّه مثل اجر الصائم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۶ *»
القائم و من افشاه الي من يقدر علي قضاء حاجته فلميفعل فقد قتله اما انه ماقتله بسيف و لا رمح و لكنه قتله بما نكأ من قلبه وعن مفضل قال قـال ابوعبداللّه7كلما ازداد العبد ايماناً ازداد ضيقاً في معيشته وعنه7 لولا الحاح المؤمنين علي اللّه في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم فيها الي حال اضيق منها و عنه7 مااعطي عبد من الدنيا الا اعتباراً و لازوي عنه الا اختباراً و عنه7 ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل الا القوت شرقوا ان شئتم او غربوا لنترزقوا الا القوت و عن سعدان قال قال ابوعبداللّه7 ان اللّه عزوجل يلتفت يوم القيمة الي فقراء المؤمنين شبيهاً بالمعتذر اليهم فيقول و عزتي و جلالي ماافقرتكم في الدنيا من هوان بكم علي و لترون ما اصنع بكم اليوم فمن زود منكم في دار الدنيا معروفاً فخذوا بيده و ادخلوه الجنة قال فيقول رجل منهم يا رب ان اهل الدنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء و لبسوا الثياب اللينة و اكلوا الطعام و سكنوا الدور و ركبوا المشهور من الدواب فاعطني مثل ما اعطيتهم فيقول تبارك و تعالي لك و لكل عبد منكم مثل ما اعطيت اهل الدنيا منذ كانت الدنيا الي ان انقضت الدنيا سبعون ضعفاً و عن ابيعبداللّه7 ماكان من ولد آدم مؤمن الا فقيراً و لا كافر الا غنياً حتي جاء ابرهيم7 فقال ربنا لاتجعلنا فتنة للذين كفروا فصير اللّه في هؤلاء اموالاً و حاجة و في هؤلاء اموالاً و حاجة و عن حفص بن غياث عن ابيعبداللّه7 قال في مناجات موسي7 يا موسي اذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين و اذا رأيت الغني مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته و عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قال النبي9طوبي للمساكين بالصبر و هم الذين يرون ملكوت السموات و الارض و عنه9 يا معشر المساكين طيبوا نفساً و اعطوا اللّه الرضا من قلوبكم يثبكم اللّه عزوجل علي فقركم فان لمتفعلوا فلا ثواب لكم وعن محمد بن الحسين بن كثير الخزاز عن ابيعبداللّه7 قال قـال لي اما تدخل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۷ *»
السوق اما تري الفاكهة تباع و الشيء مما تشتهيه فقلت بلي فقال اما ان لك بكل ما تراه فلاتقدر علي شراه حسنة و عن هشام بن الحكم عن ابيعبداللّه7 قال اذا كان يوم القيمة قام عنق من الناس حتي ياتوا باب الجنة فيضربوا باب الجنة فيقال لهم من انتم فيقولون نحن الفقراء فيقال لهم أقبل الحساب فيقولون مااعطيتمونا شيئاً تحاسبونا عليه فيقول اللّه عزوجل صدقوا ادخلوا الجنة و عن مبارك غلام شعيب قال سمعت اباالحسن موسي7 يقول ان اللّه عزوجل يقول اني لماغن الغني لكرامة به علي و لمافقر الفقير لهوان به علي و هو مما ابتليت به الاغنياء بالفقراء و لولا الفقراء لميستوجب الاغنياء الجنة وعن اسحقبنعمار و المفضلبن عمر قالا قـال ابوعبداللّه7 مياسير شيعتنا امناؤنا علي محاويجهم فاحفظونا فيهم يحفظكم اللّه و عن هشام بن سالم عن ابيعبداللّه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 الفقر ازين للمؤمن من العذار علي خد الفرس و عن سعيد بن المسيب قال سألت علي بن الحسين7 عن قول اللّه عزوجل (و لولا ان يكون الناس امة واحدة) قال عني بذلك امة محمد9 ان يكونوا علي دين واحد كفاراً كلهم لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة و لو فعل اللّه ذلك بامة محمد لحزن المؤمنون و غمهم ذلك و لميناكحوهم و لميوارثوهم و عن ابيعبداللّه7 قال جاء رجل موسر الي رسولاللّه9 نقي الثوب فجلس الي رسولاللّه9 فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس الي جنب الموسر فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه فقال رسولاللّه9 اخفت ان يمسّك من فقره شيء قال لا قال فخفت ان يصيبه من غناك شيء قال لا قال فخفت ان يوسخ ثيابك قال لا قال فما حملك علي ما صنعت فقال يا رسولاللّه ان لي قريناً يزين لي كل قبيح و يقبح لي كل حسن و قد جعلت له نصف مالي فقال رسولاللّه9 للمعسر اتقبل قال لا فقال له الرجل و لم قال اخاف انيدخلني ما دخلك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۸ *»
و في جامعالاخبار سئل رسولاللّه9 ما جزاء مؤمن فقير يصبر علي فقره قال ان في الجنة غرفة من ياقوتة حمراء ينظر اليها اهل الجنة كما ينظر اهل الارض الي نجوم السماء لايدخلها الا نبي فقير او شهيد فقير او مؤمن فقير و ثانيها يدخل الفقراء الجنة قبل الاغنياء بخمسمائة عام و ثالثها اذا قال الغني سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر و قال الفقراء مثل ذلك لميلحق الغني الفقير و ان انفق فيها عشرة آلاف درهم و كذلك اعمال البر كلها فقالوا رضينا و عنه9 انه قال كلمني ربي فقال يا محمد اذا احببت عبداً اجعل معه ثلثة اشياء اولها اجعل قلبه حزيناً و بدنه سقيماً و يده خالية من حطام الدنيا و اذا ابغضت عبداً اجعل معه ثلثة اشياء اجعل قلبه مسروراً و بدنه صحيحاً و يده مملوة من حطام الدنيا و قال النبي9 من جاع و احتاج فكتمه عن الناس و افشاه الي اللّه كان حقاً علي اللّه انيرزقه رزق سنة من الحلال و قال9 اللهم احيني مسكيناً و امتني مسكيناً و احشرني في زمرة المساكين و قال9 الفقراء ملوك اهل الجنة و الناس كلهم مشتاقون الي الجنة و الجنة مشتاقة الي الفقراء و قال ابوالحسن موسي7 ان الانبياء و اولاد الانبياء و اتباع الانبياء خصوا بثلث خصال السقم في الابدان و خوف السلطان و الفقر و عن النبي9 اطلعت علي الجنة فوجدت اكثر اهلها الفقراء و المساكين و اذا ليس فيها احد اقل من الاغنياء و النساء و في عدةالداعي عن عيسي علي نبينا و آله و عليه السلام بحق اقول لكم ان اكناف السماء لخالية من الاغنياء و لدخول جمل في سم الخياط ايسر من دخول غني الجنة.
و كان في ارشاد الديلمي عبارة بليغة في معني الفقر احب ان اذكرها بلفظها الا ما اتركه من بعض الفاظه و نقلناه مع انه ليس من ديدننا النقل الا من امام عادل لانها كان مستنبطاً من الاخبار و توافق الآثار قال: الشاهد علي فضيلة الفقراء علي الاغنياء قول النبي9 تدخل الفقراء الجنة قبل الاغنياء بنصف يوم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۸۹ *»
و مقداره خمسمائة عام و عن ابيعبداللّه7 ان فقراء المؤمنين يتقلبون في رياض الجنة قبل اغنيائهم باربعين خريفاً ثم ذكر الحديث كما مر من الكافي و عن ابيعبداللّه7 قال اذا كان يوم القيمة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من اهل الجنة فقير و غني فيقول الفقير يا رب علي ما احاسب فوعزتك لقد علمت اني ماوليت ولاية فاعدل فيها او اجور و لمتملكني مالاً فاعطي حقه او امنعه و لقد كان يأتيني رزقي كفافاً فيقول اللّه تعالي صدق عبدي ادخل الجنة و يبقي الغني حتي يسيل منه العرق ما لو شرب منه اربعون بعيراً لاصدرها ثم يدخل الجنة فيقول له الفقير ما اخرك عني فيقول طول الحساب مازال يحاسبني بالشيء بعد الشيء و يغفر اللّه لي ثم يحاسبني بآخر حتي تغمدني اللّه برحمته فمن انت فيقول له انا الفقير الذي كنت واقفاً معك في الحساب فيقول له الغني لقد غيرك النعيم بعدي و هذا من اعظم نعم اللّه علي الفقير خفة حسابه و دخوله الجنة قبل الغني و من سعادة الفقير و راحته انه لايطالب في الدنيا بخراج و لا في الآخرة بحساب و لايشغل قلبه عن اللّه تعالي بهموم الغني من حراسة المال و الخوف عليه من السلطان و اللصوص و الجاسة كيف يدبره و كيف ينميه و مقاسات عمارة الاملاك و الكلأ و الاكاري و قسمة الزروع و تعب الاسفار و غرق المراكب و تمني الوارث موته ليرثه و اذا خلا من آفة تذهبه في حال حيوته كان حسرة له عند الموت و طول الحساب في الآخرة و يرثه منه اما من يتزوج بامرأته او امرأة ابنه او زوج ابنته لابد من احد هؤلاء يرثه و يحصل هو التعب و الهموم و شغله به عن العبادة و تحظي به اعداؤه الذين لايغنون عنه شيئاً و لايزال الغني مخاطراً بنفسه و بالمال في البراري و القفار ان كان في بحر غرق هو و المال و ان كان في بر حتي اخذ منه القطاع و قتلوه ثم لايزال علي خطر به و بنفسه و الفقير قد انقطع الي اللّه و قنع بما يسد فورته و يواري عورته و قال بعض العلماء استراح الفقير من ثلثة اشياء و بلي بها الغني قيل و ما هن قال جور السلطان و حسد الجيران و تملق الاخوان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۰ *»
و قال بعضهم اختار الفقير ثلثة اشياء اليقين و فراغ القلب و خفة الحساب و اختار الاغنياء ثلثة اشياء تعب النفس و شغل القلب و شدة الحساب و لا شك ان الفقر حلية الاولياء و شعار الصالحين و فيما اوحي اللّه الي موسي7 اذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين و اذا رأيت الغني مقبلاً فقل ذنب عجلت عقوبته ثم انظر في قصص الانبياء و خصايصهم و ما كانوا من ضيق العيش؛
فهذا موسي كليم اللّه الذي اصطفاه اللّه بوحيه و كلامه يري خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله و ما طلب حين اوي الي الظل بقوله رب اني لما انزلت الي من خير فقير الا خبزاً يأكله لانه كان يأكل بقلة الارض و روي انه7 قال يوماً يا رب اني جائع فقال تعالي انا اعلم بجوعك قال رب اطعمني قال الي ان اريد و فيما اوحي اللّه الي موسي7 يا موسي الفقير من ليس له مثلي كفيل و المريض من ليس له مثلي طبيب و الغريب من ليس له مثلي مونس يا موسي ارض بكسرة من شعير تسد بها جوعتك و بخرقة تواري بها عورتك و اصبر علي المصائب و اذا رأيت الدنيا مقبلة عليك فقل انا للّه و انا اليه راجعون عقوبة عجلت في الدنيا و اذا رأيت الدنيا مدبرة عنك فقل مرحباً بشعار الصالحين يا موسي لاتعجبن بما اوتي فرعون و ما متع به فانما هي زهرة الحيوة الدنيا.
و اما عيسي بن مريم7 روح اللّه و كلمته فانه كان يقول خادمي يداي و دابتي رجلاي و فراشي الارض و وسادي الحجر و وقاي في الشتا مشارق الارض و سراجي بالليل القمر و ادامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و فاكهتي و ريحانتي ما انبتت الارض للوحوش و الانعام ابيت و ليس لي شيء و اصبح و ليس لي شيء و ليس علي وجه الارض احد اغني مني.
و اما نوح7 مع كونه شيخ المرسلين و عمر في الدنيا مديداً ففي بعض الروايات انه عاش الفي عام و خمسمائة عام و مضي من الدنيا و لميبن فيها
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۱ *»
بيتاً و كان اذا اصبح يقول لاامسي و اذا امسي يقول لااصبح و كذلك نبينا محمد9 فانه خرج من الدنيا و لميضع لبنة علي لبنة و رأي رجلاً من اصحابه يبني بيتاً بجص و آجر فقال الامر اعجل من هذا.
و اما ابرهيم7 ابو الانبياء فقد كان لباسه الصوف و اكله الشعير.
و اما يحيي بن زكريا8 فكان لباسه الليف و اكله ورق الشجر.
و اما سليمان7 فقد كان مع ما هو فيه من الملك يلبس الشعر و اذا جنه الليل شد يديه الي عنقه فلايزال قائماً حتي يصبح باكياً و كان قوته من سفايف الخوص يعملها بيده و انما سأل الملك لاجل القوة علي ملوك الكفار ليقهرهم بذلك و قيل سأل القناعة.
و اما سيد البشر محمد9 فقد عرفت ما كان من لباسه و طعامه و روي انه7 اصابه يوماً الجوع فوضع صخرة علي بطنه ثم قال الا رب مكرم لنفسه و هو لها مهين الا رب مهين لنفسه هو لها مكرم الا رب نفس جايعة عارية في الدنيا طاعمة في الآخرة ناعمة يوم القيمة الا رب نفس كاسية ناعمة في الدنيا جايعة عارية في الآخرة الا رب متخوض متنعم فيما افاء اللّه علي رسوله ما له في الآخرة من خلاق الا ان عمل الجنة حبة بربوة الا ان عمل النار كله سهلة بشهوة الا رب شهوة ساعة اورثت حزناً طويلاً يوم القيمة.
و اما علي سيد الوصيين و تاج العارفين و صنو رسول رب العالمين فحاله في الزهد و التقشف اظهر من ان يحكي قال سويد بن عفلة دخلت علي اميرالمؤمنين7 بعد ما بويع بالخلافة و هو جالس علي حصير صغير ليس في البيت غيره فقلت يا اميرالمؤمنين بيدك بيت المال و لست اري في بيتك شيئاً مما يحتاج اليه البيت فقال7 يا بن عفلة ان البيت لايتأثث في دار النقلة و لنا دار قد نقلنا اليه خير متاعنا و انا عن قليل اليه صايرون و كان7 اذا اراد ان يكتسي دخل السوق فيشتري الثوبين فيخير قنبراً في اجودهما و يلبس الآخر ثم يأتي النجار فيمد له احد كميه و يقول خذه بقدومك فيقول هذه تخرج في مصلحة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۲ *»
اخري و يبقي الكم الاخري بحالها و يقول هذه نأخذ فيها من السوق للحسن و الحسين8 فلينظر العاقل بعين صافية و فكرة سليمة و يتحقق انه لو يكون في الدنيا و الاكثار منها خير لميفت هؤلاء الاكياس الذين هم خلاصة الخلق من خلقه و حجج اللّه تعالي علي ساير الناس بل تقربوا الي اللّه بالبعد عنها حتي قال اميرالمؤمنين7 قد طلقتك ثلثاً لا رجعة فيها و قال رسولاللّه9 مايعبد اللّه تعالي بشيء مثل الزهد في الدنيا فروي ان اللّه تعالي يقول للفقراء يوم القيمة لمافقركم لهوانكم علي ولكن لما هو خير لكم في بعض كتبه اني لماغن الغني لكرامته علي و لمافقر الفقير لهوانه علي و انما ابتليت الاغنياء بالفقراء و لو لميكن الفقراء لمتستوجب الاغنياء الجنة.
ثم ذكر اخباراً في مدح صلة الفقراء و بعض ما اوردنا من الاخبار ثم قال: اعلم ان احياء دين اللّه و اعزاز كلمته و امتثال اوامر الرسل و الشرايع و نصرة الانبياء و انتشار دعوتهم من لدن آدم الي زمان نبينا محمد9 لميقم الا باولي الفقر و المسكنة اولاتسمع الي ما قص اللّه سبحانه و تعالي في كتابه العظيم علي لسان نبيه الكريم و بين لك ان المتصدي لانكار الشرايع هم الاغنياء المترفون و الاشراف المتكبرون فقال سبحانه مخبراً عن قوم نوح7 اذا عيروه (انؤمن لك و اتبعك الارذلون) و( مانريك اتبعك الا الذين هم اراذلنا) يعني بذلك الفقراء هنا و قالوا لشعيب (انا لنريك فينا ضعيفاً) اي فقيراً (و لولا رهطك لرجمناك و ما انت علينا بعزيز) و قال المستكبرون من قوم صالح للذين استضعفوا (اتعلمون ان صالحاً مرسل من ربه قالوا انا بما ارسل به مؤمنون قال الذين استكبروا انا بالذي آمنتم به كافرون) و قال فرعون مزدرياً لموسي7 مفتخراً عليه (فلولا القي عليه اسورة من ذهب) و قالوا لمحمد9(لولا القي عليه كنز او يكون له جنة يأكل منها) و كفي بهذا كله مدحاً للفقراء الراضين و ذماً للاغنياءالمتکبرین.
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۳ *»
انتهي كلامه و ذكرناه في تلو الاخبار لما فيه من بعض الآثار.
و اعلم ان الفقر و العدم بنفسه لا كمال فيه فان اللّه هو الغني لا الفقير و كمال المؤمن في الاتصاف بصفات اللّه فلا كمال في الفقر لاحد و انما هو دواء ذعاق مرّ المذاق يختاره المؤمن لاحد امور و يختاره اللّه لعبده المؤمن لاحد تلك الامور:
فاما يجعله اللّه عقوبة حاضرة في الدنيا لما ارتكب المؤمن في الدنيا من ذنب فيأخذه اللّه بذهاب ماله فيكون كفارة له فينبغي ان يشكر اللّه عزوجل عليه بان قدم اللّه عقوبته في الدنيا ليطهره و ينبغي ان يصبر عليه لما يعلم انه دواؤه المرّ الذعاق يسقيه اللّه لمعالجته و تخليص روح ايمانه من شوائب تلك الاكدار.
و اما ان يبتليه اللّه بالفقر حفظاً عليه ايمانه لما يعلم اللّه انه لو استغني طغي و اضر بايمانه و ازواء متاع قليل من الدنيا عنه لينال به الدرجات العلي احب الي اللّه سبحانه فينبغي له ان يصبر عليه لما يعلم ان فيه صلاح حاله كما يحمي الطبيب الانسان من غذاء اذا علم ان فيه ضرره و هلاكه و ينبغي ان يشكر اللّه علي هذه النعمة العظيمة حيث حفظه من الهلاك بازواء الغني المطغي له و ابداله عنه بنعيم الآخرة المسعد له فيختاره المؤمن خوفاً علي نفسه حيث سمع ربه يقول (ان الانسان ليطغي ان رآه استغني) فيحمي نفسه عنه كما يحمي نفسه عن السم.
و اما ان يبتليه بالفقر ليتفرغ لعبادة ربه و التوجه اليه و عدم الاشتغال بالطاعة الدنيا عن الطاعة العليا فان درجات الطاعة مختلفة و بعضها اعظم من بعض فطاعة اللّه بوضع متاع الدنيا مواضعها ليس كالتفرغ لعبادته و الابتهال له بالليل و النهار و لذلك كان الانبياء و الاولياء يختارون لانفسهم الفقر و الخلوة و الانزواء و الاصحار مع انهم لو كانوا اغنياء وضعوا المال مواضعه و لو عاشروا عاشروا علي ما يحب اللّه و مع ذلك كانوا يختارون الفقر و الخلوة فمن ابتلاه اللّه بذلك ينبغي له ان يصبر عليه لما يعلم من عظيم فائدته و يشكر عليه لما يعلم ان ذلك من الآلاء الجليلة عليه.
و اما ان يبتليه به لتهوين الحساب عليه يوم القيمة فان حلالها حساب و حرامها عقاب و لا شك ان ذلك ايضاً نعمة عظيمة ينبغي للانسان ان يشكر اللّه عليه و يصبر علي عدمه و فقره و يعلم ان ذلك موجب لسرعة قطعه مواقف القيمة و وصوله الي الجنة و نجاته من
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۴ *»
اهوال العرصات.
و اما ان يبتليه اللّه به ليتعب في الدنيا فيمقتها و يمقت العيش في الدنيا و يشتاق الي الموت و الراحة من الكد و الجهد و العدم و الحاجة و ضنك العيش و في ذلك ايضاً نعمة جليلة ينبغي ان يشكر عليها و يصبر علي مرارته علماً بان ذلك خيره و هو احد اسباب تردد اللّه في قبض روح عبده المؤمن حتي يرضي بالموت و يشتاق الي لقاء اللّه و الجنة.
و لربمايختاره الرئيس و الامام لنفسه ليقتدي به الفقراء و المساكين و لايحتقروا في اعين الناس و يسلوا انفسهم بفقر رئيسهم و له في ذلك ثواب عظيم و درجة كبيرة.
و لربمايختاره المؤمن رياضة لنفسه و قطعاً لعلايقها و تصفية لها عن شوائب التعلقات بمتاع الدنيا و تخفيفاً لاثقالها المهبطة اياها الي مقامات البعد الي غير ذلك من الوجوه و علي اي حال يجب علي المؤمن الصبر عليه و الشكر للّه فان فيه خيراً كثيراً له و اختياره و الرضا به و السرور و لما كان الفقر الاختياري هو الزهد في الدنيا احب ان اعنون فصلاً في الزهد و فوائده و فضله.
فصل: اعلم ان الزهد هو ضد الرغبة و الاحسن ان يقال هو الرغبة عن الشيء فمن رغب عن الدنيا فهو الزاهد و من رغب الي الدنيا فهو الطالب المائل المريد والواجب علي المؤمن ان يكون راغباً الي كل شيء یوءل الي اللّه و يرغب عن كل شيء یوءل الي غيره فمن فعل ذلك دل علي ان نفسه ربانية رحمانية فان كل شيء يميل الي نده و ينفر عن ضده فمن كان نفسه من انوار اللّه جلجلاله كما روي ان اللّه خلق المؤمن من نوره و صبغه في رحمته فهو مائل ابداً الي التوجه الي اللّه و راغب اليه و الي جميع ما یوءل اليه و ينفر من كل ما يحجب الرب عنه و يمنعه عن التوجه اليه فالزهد سجية لمن خلق من انوار اللّه جلجلاله و الرغبة الي ما سوي اللّه من سجية من خلق من الظلمة و انما امر الناس بالزهد و منعوا من الرغبة الي الدنيا و كذلك كل صفة هو من سجية الايمان و الكفر ليهيئوا قوابلهم بالهيئة الكاملة لتكون سائلة من ربها روح الايمان و روح الانسان الاتري انه اذا انعقد في الرحم بدن علي هيئة كلب نفخ فيه روح الكلب و اذا انعقد علي هيئة انسان نفخ فيه روح
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۶ *»
الانسان فكذلك اذا تهيأ الانسان في الدنيا علي هيئة الايمان الكامل باتباع الشارع صلوات اللّه عليه نفخ فيه روح الايمان و هو قوله تعالي (يهديهم ربهم بايمانهم) و اذا تهيأ في الدنيا علي هيئة الكفر بمخالفة الشارع صلوات اللّه عليه نفخ فيه روح الكفر و هو قوله (بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية) و هذا هو سرّ التكليف و به يظهر تقلب الخلق ماداموا في الدنيا في الايمان و الكفر فلربما يصبح و اسمه في ديوان الاشقياء و يمسي و اسمه في ديوان السعداء و لربما يصبح و اسمه في ديوان السعداء و يمسي و اسمه في ديوان الاشقياء و هو سرّ الاستثناء في قوله تعالي (فاما الذين شقوا ففي النار خالدين فيها مادامت السموات و الارض الا ما شاء ربك ان ربك فعّال لما يريد و اما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات و الارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) و هو سر ما في دعاء ليلة القدر ان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء و اكتبني من السعداء فانك قلت في كتابك المنزل علي نبيك صلواتك عليه و آله (يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب) و هذا هو سر جميع الدعوات و الصدقات و دعاء الانبياء الي الايمان و امرهم و نهيهم و قد مكن اللّه جلجلاله خلقه من هذا التهيؤ و جعلهم مختارين بقوته و قدرته حيث خلقهم بقدرته و جعلهم علي صفة مشيته فهم متمكنون من التهيؤ بالهيئات الحسنة و السيئة فمن تهيأ بهيئات الايمان نفخ فيه روح الايمان فان انسلخ عنها سلب عنه روح الايمان و اذا تهيأ بهيئات الكفر نفخ فيه روح الكفر فان انسلخ عنها سلب عنه روح الكفر فلاجل ذلك امروا صلوات اللّه عليهم رعيتهم بالزهد مع انه من سجايا روح الايمان فمن زهد بتكلف و مشقة هو رياضة له حتي يتهيأ بهيئة الايمان حتي اذا نفخ فيه الروح سهل عليه الزهد و صدر عنه بيسر الاتري ان النبات اذا اراد انيحصل خصال الحيوان يحصلها بتكلف و مشقة حتي اذا نفخ فيه روح الحيوان ابصر و سمع و شم و ذاق و لمس و تحرك و اراد بسهولة علي يسر لانها سجيته و كذلك اذا اراد الحيوان ان يتصف بصفات الانسان يكون له مشقة و كلفة و تعب حتي اذا نفخ فيه روح الانسان صار عليماً حليماً ذكوراً فكوراً نبيهاً من غير كلفة و تكون
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۶ *»
ميسورة له لانها سجيته و من ذلك يعلم ان الانسان مادام في الدنيا و دار الطبيعة التي هي علي خلاف كينونة اللّه يكون في دار التكليف و يكون امتثال الشارع له تكلفاً و اذا مات و دخل الجنة فيكون في غير دار التكليف لانه يكون حينئذ علي حسب الكينونة فيعمل بمراضي اللّه جلجلاله بسجيته و طبيعته و يكون لذته منه كما يكون التسبيح طعام الملئكة و شرابهم و به قوامهم و كذلك المؤمن في الجنة يكون لذته في امتثال اوامر اللّه و تقويه به دعويهم فيها سبحانك اللهم و تحيتهم فيها سلام و آخر دعويهم ان الحمد للّه رب العالمين، وجوه يومئذ ناضرة الي ربها ناظرة بالجملة الزهد كلفة و مشقة لغير الانسان اي النفس الحيوانية فيصعب عليها انتمنعها من تناول ما شاءت و التصرف فيما شاءت و تحصيل ما شاءت فاما اذا تعلق بها روح الانسان و الايمان هو بنفسه زاهد في الدنيا راغب في الآخرة زاهد فيما سوي اللّه راغب اليه جلجلاله بطباعه و سجيته من غير كلفة و لذلك امر الناس بتكرير الطاعات حتي تصير لهم ملكة تصدر عنهم بسهولة من غير تعب و مشقة فافهم.
و اعلم ان للزهد فوايد جمة و لايمكنني احصاؤها ولكن يحصيها الزاهد و يعرفها عند توارد الحالات عليه فمن فوائده الفراغ لعبادة اللّه و تعمير الآخرة فان الراغب في الدنيا الساعي في تعميرها يضيق وقته عن عمارتها فمتي يتفرغ لتعمير الآخرة فتعمير الآخرة و عبادة الرب مخصوص بالزاهدين و منهـا صدق المحبة للّه و لرسوله و حججه صلوات اللّه عليهم و اوليائهم حيث ابغض ما ابغضوا و كره ما يحول بينه و بين محبوبه و لو لميكن للراغب الا حبه ما ابغض اللّه و تعظيمه ما صغر اللّه لكفي به شقاقاً للّه و محادة لرسولاللّه9 و منهـا العزة فانه بزهده يستغني عن التملق عند اللئام و معاشرة الطغام و التذلل لدي العوام و منهـا الغني فان الزاهد اغني من جميع سلاطين الدنيا و هم مع ما لهم فقراء مساكين يستعينون بجيوشهم و حلفائهم علي ما يريدون و الزاهد لايريد شيئاً حتي يستعين باحد و منهـا راحة البدن عن كد سفر البحر و البر و ركوب المخاوف و اهوال قطاع الطريق و السهر لاجل حساب المال و حفظه و منهـا توفير نعيم الآخرة فلايقال له
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۷ *»
اذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا و استمتعتم بها و منهـا تخفيف الحساب و عدم الوقوف الطويل في عرصات القيمة للحساب و ان الراغب يمكث ما شاء اللّه حتي يخرج من عهدة ما حصله و طلبه و منهـا الفراغ لطلب العلوم اذ الراغب المسكين ليس له فراغ حتي يطلب فيه دينه و يقدر ان يخلو ساعة فيتفكر في آيات الآفاق و الانفس و منهـا تمكنه من التوجه الي اللّه سبحانه لخلو باله عن هموم الراغبين و افكار الطالبين و تمكنه من الذكر و الصلوة مع حضور القلب و منهـا ان الدنيا و الآخرة ضرتان تضر احديهما بالاخري و المقبل الي الدنيا يحرم عن تحصيل الاخري و تثقيل الجسد يمنع تخفيف الروح و المنهمك في الدنيا منهمك في نار جهنم و المنهمك في الآخرة منهمك في الجنة و منهـا ان الرغبة تكثف القابلية و تغلظها و تبعدها من الرحمن فيقل حبه للّه و حب اللّه له و الزهد يلطف القابلية و يرققها و يقربها من الرحمن فيكثر حبه للّه و حب اللّه له و كذلك يزيد بالزهد ولاية آلمحمد: و تقل بالرغبة لبعد المجانسة و المشابهة فالزاهدون هم اهل الولاية و الراغبون هم المدعون و منهـا ان الراغب مشاكل لجميع الكفار و الفجار و المنافقين و اينما بلغ في الدنيا يوجد كافر او منافق هو اقوي منه و اعلي و اما الزاهد فهو مباين لهم و مجانس للانبياء و منهـا ان الزاهد يأمن حسد الحاسدين و بغي الباغين و كيد الكايدين من جهة طلب الدنيا فانه يري محبوبهم اليهم و اما الراغب فهو مبتل بالتعاند و التحاسد و التباغي و التماكر نعوذ باللّه و منهـا ان الزاهد لايحتاج ابداً الي اعوان و انصار و خدم و حشم و دواب و سفن و بيوت و غير ذلك من متاع الراغبين و الراغب المسكين مبتل بجميع ذلك يحتاج الي كلها الي غير ذلك من الفوايد الكثيرة التي يطلع عليها الانسان في آناء الليل و النهار و تعاقب الاعصار و ما ذكرناه كاف للاعتبار و ربما يظهر من خلال الاخبار فوايد اخر.
و اعلم ان للزهد درجات: الاولي ان يزهد في الدنيا و نفسه مشتاقة اليها طالبة لها غيرمطمئنة في الاعراض عنها فيزهد فيها خوفاً من عذاب اللّه و من الاغترار بها و لان حبها رأس كل خطيئة فهذا زهد المجاهدين و المرتاضين و يخاف عليه ان يغلب عليه نفسه و توقعه في الدنيا يوماً ما الثانية ان يزهد في الدنيا لما عرف
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۸ *»
من نعيم الآخرة و جليل آلاء الجنة و علم ان الدنيا حقيرة زهيدة و متاع قليل ان رغب اليها منع من الآخرة و حرم عظيم اجرها فلاجل ذلك يزهد في الدنيا لينال به الآخرة و ذلك كرجل يجد علي مائدته غذائين متنافيين احدهما غذاء خسيس و الآخر غذاء لذيذ و يعلم انه لو اكل الخسيس منع من اللذيذ فيترك الغذاء الخسيس ليقدر علي تناول اللذيذ الثالثة ان يزهد في الدنيا لانها مبغوضة اللّه و مبغوضة رسله و اوليائه و يزهد في الآخرة لانها غير اللّه و فيها حظ النفس و لذتها و لانها تمنع عن التوجه الي اللّه تعالي فيتركها حتي لايشتغل بها عن محبوبه و هذا الرجل في الحقيقة زاهد فيما سوي اللّه راغب الي اللّه وحده و هو ان رغب الي الجنة و نعيمها فانما يرغب اليها لانها محبوب اللّه و دار رضاه و قربه و لولا ذلك لميكن يميل اليها و لاجل ذلك يرغب الي كل شيء كان فيه رضا اللّه و محبته ايضاً فيستوي عنده الدنيا و الآخرة و مداره علي محبة محبوبه اينما وجدها طلبها و هذا هو اعلي درجات الزهد و علي ذلك ليس الزهد هو ترك الدنيا باسرها و انما الزهد هو الرغبة عما يلهي عن اللّه فما امر اللّه سبحانه به من استعمال الدنيا فهو لازم عليه فيحصله طاعة للّه جلجلاله الا انه يقتصر علي مدلول امر اللّه و علي حسب ما يرضاه اللّه لقد كان لكم في رسولاللّه اسوة حسنة فانه كان يأكل و يشرب و يلبس و يركب و ينكح و يسكن و هو ازهد الخلق لانه كان يفعل جميع ذلك للّه لا لنفسه و لامر اللّه لا لشهوة نفسه و لاجل ذلك كان لايلهيه شيء من ذلك عن اللّه كما قال تعالي (رجال لاتلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و اقام الصلوة و ايتاء الزكوة) فمن تفسير النعماني باسناده عن علي7 قال ان جماعة من الصحابة كانوا حرموا علي انفسهم النساء و الافطار بالنهار و النوم بالليل فاخبرت امسلمة رسولاللّه9 فخرج الي اصحابه فقال اترغبون عن النساء اني آتي النساء و آكل بالنهار و انام بالليل فمن رغب عن سنتي فليس مني و انزل اللّه (لاتحرموا طيبات ما احل اللّه لكم و لاتعتدوا ان اللّه لايحب المعتدين و كلوا مما رزقكم اللّه حلالاً
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۹۹ *»
طيباً و اتقوا اللّه الذي انتم به مؤمنون) و عن سكين النخعي و كان تعبد و ترك النساء و الطيب و الطعام فكتب الي ابيعبداللّه يسأله عن ذلك فكتب اليه اما قولك في النساء فقد علمت ما كان لرسولاللّه من النساء و اما قولك في الطعام فكان رسولاللّه يأكل اللحم و العسل و عن العباس بن هلال الشامي مولي ابيالحسن7 قال قلت له جعلت فداك ما اعجب الي الناس من يأكل الجشب و يلبس الخشن و يتخشع فقال اماعلمت ان يوسف نبي ابن نبي كان يلبس اقبية الديباج مزرورة بالذهب و يجلس في مجالس آل فرعون الي ان قال ان اللّه لميحرم طعاماً و لا شراباً من حلال انما حرم الحرام قل او كثر و قد قال جلوعز (قل من حرم زينة اللّه التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق) انتهي و كان علي بن الحسين يلبس ثوبين في الصيف يشتريان بخمسمائة درهم و كان رسولاللّه9 يلبس الساج و الطاق و الخمايص و لبس علي7 مع زهده ذاك حلة قيمتها الف دينار و كان رسولاللّه9 كساه اياها نعم كان يقتصر غالباً من الدنيا باقل ما يكفيه فانه وجد رضا اللّه في ذلك فان الانسان في الدنيا عابر سبيل يكفيه البلغة و ما يسد جوعته و يستر عورته و كذلك كان سليمان نبياً زاهداً و كذا يوسف كان نبياً زاهداً و كان ذوالقرنين زاهداً تقياً مع ما كان لهم من الملك فان ذلك كان منهم للّه و في اللّه فلايلهيهم عن اللّه و كانوا زهاداً عن غير اللّه.
و اعلم انه باعتبار آخر ينقسم الزهد الي اقسام: فادني اقسامه ان يزهد في حرام الدنيا و ما كرهه اللّه منها و لايرغب عما سواه لعدم النهي التحريمي عنها و هو علي سبيل نجاة و اعلي من ذلك ان يزهد في المحرمات و الشبهات فيرغب عنها و يقتصر علي المحللات و اعلي من ذلك ان يزهد في المحرمات و الشبهات و المكروهات و يقتصر علي المباحات و ينال منها نصيباً وافراً و اعلي من ذلك انيزهد فيما ذكر و في كثير من المحللات من فضولها و يستريح من تعبها فان جل عناء ابن آدم من تحصيل الفضول و لنعم ما قيل:
لقد ذلت و دقت و استدقت | فضول العيش اعناق الرجال |
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۰ *»
ولكن ينال من الاصول حظاً كافياً و اعلي من ذلك ان يزهد فيما تقدم و يترك من الاصول كثيراً و يكتفي بقدر ما يقيم ظهره و يقتصر علي ما يقوته و يكسي عورته و ذلك هو اعلي درجات هذه الاقسام و قد سمعت عن عيسي7 انه قال خادمي يداي و دابتي رجلاي و فراشي الارض و وسادي الحجر و وقاي في الشتاء مشارق الارض و سراجي بالليل القمر و ادامي الجوع و شعاري الخوف و لباسي الصوف و فاكهتي و ريحانتي ما انبتت الارض للوحوش و الانعام ابيت و ليس لي شيء و اصبح و ليس لي شيء و ليس علي وجه الارض احد اغني مني انتهي و علي اي حال يجب ان يكون المقصود التفرغ للّه في جميع الاحوال فلينل من كل شيء بقدر ما ينسيه الدنيا و بدنه و يكون ذاكراً للّه جلوعز عاملاً له و لايحتاج الي تفصيل و كتب الاخلاق ببعض التفاصيل مشحونة.
فصل: في ذكر بعض الاخبار الواردة في هذا المضمار فان كلامهم نور و امرهم رشد و وصيتهم التقوي و لان فيها شواهد جميع ما قلنا و حث علي الزهد علي اكمل وجه ففيالكافي بسنده عنالهيثم بن واقد الحريري عن ابيعبداللّه7 قال من زهد في الدنيا اثبت اللّه الحكمة في قلبه و انطق بها لسانه و بصّره عيوب الدنيا داءها و دواءها و اخرجه من الدنيا سالماً الي دار السلام و عن حفص بن غياث عن ابيعبداللّه7 قال سمعته يقول جعل الخير كله في بيت و جعل مفتاحه الزهد في الدنيا ثم قال قـال رسولاللّه9 لايجد الرجل حلاوة الايمان حتي يزهد في الدنيا و عن ابيحمزة عن ابيجعفر7 قال قـال اميرالمؤمنين7 ان من اعون الاخلاق علي الدين الزهد في الدنيا و سئل علي بن الحسين8 عن الزهد فقال عشرة اجزاء فاعلي درجة الزهد ادني درجة الورع و اعلي درجة الورع ادني درجة اليقين و اعلي درجة اليقين ادني درجات الرضا الا و ان الزهد في آية من كتاب اللّه ( لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لاتفرحوا بما آتيكم) و عن سفيان بن عيينة قال سمعت
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۱ *»
اباعبداللّه7 و هو يقول كل قلب فيه شك او شرك فهو ساقط و انما ارادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة و عن محمد بن مسلم عن ابيعبداللّه7 قال قـال اميرالمؤمنين7 ان علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا اما ان زهد الزاهد في هذه الدنيا لاينقصه مما قسم اللّه عزوجل له فيها و ان زهد و ان حرص الحريص علي عاجل زهرة الدنيا لايزيده فيها و ان حرص فالمغبون من حرم حظه عن الآخرة و عن طلحة بن زيد عن ابيعبداللّه7 قال ما اعجب رسولاللّه شيء من الدنيا الا ان يكون فيها جايعاً خائفاً و عن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7 قال خرج النبي9 و هو محزون فاتاه ملك و معه مفاتيح خزاين الارض فقال يا محمد هذه مفاتيح خزاين الارض يقول لك ربك افتح و خذ منها ما شئت من غير ان تنقص شيئاً عندي فقال رسولاللّه9 الدنيا دار من لا دار له و لها يجمع من لا عقل له فقال الملك و الذي بعثك بالحق لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقول في السماء الرابعة حين اعطيت المفاتيح و عن عبداللّه بن القسم عن ابيعبداللّه7 قال اذا اراد اللّه بعبد خيراً زهّده في الدنيا و فقّهه في الدين و بصّره عيوبها و من اوتيهن فقد اوتي خير الدنيا و الآخرة و قال لميطلب احد الحق بباب افضل من الزهد في الدنيا و هو ضد لما طلب اعداء الحق قلت جعلت فداك مما ذا قال من الرغبة فيها و قال الا من صبار كريم فانما هي ايام قلائل الا انه حرام عليكم ان تجدوا طعم الايمان حتي تزهدوا في الدنيا قال و سمعت اباعبداللّه7 يقول اذا تخلي المؤمن من الدنيا سما و وجد حلاوة حب اللّه و كان عند اهل الدنيا كأنه قد خولط و انما خالط القوم حلاوة حب اللّه فلميشتغلوا بغيره قال و سمعته يقول ان القلب اذا صفا ضاقت به الارض حتي يسمو و عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال سئل علي بن الحسين8 اي الاعمال افضل عند اللّه عزوجل فقال ما من عمل بعد
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۲ *»
معرفة اللّه جلوعز و معرفة رسوله9 افضل من بغض الدنيا و ان لذلك لشعباً كثيرة و للمعاصي شعباً فاول ما عصي اللّه به الكبر و هو معصية ابليس حين ابي و استكبر و كان من الكافرين و الحرص و هي معصية آدم و حوا حين قال اللّه عزوجل لهما (كلا من حيث شئتما و لاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) فاخذا ما لا حاجة بهما اليه فدخل ذلك علي ذريتهما الي يوم القيمة و ذلك ان اكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به اليه ثم الحسد و هي معصية ابن آدم حيث حسد اخاه فقتله فتشعب من ذلك حب النساء و حب الدنيا و حب الرياسة و حب الراحة و حب الكلام و حب العلو و الثروة فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الانبياء و العلماء بعد معرفة ذلك حب الدنيا رأس كل خطيئة و الدنيا دنياءان دنيا بلاغ و دنيا ملعونة و عن ابيعبيدة الحذاء قال قلت لابيجعفر7 حدثني بما انتفع به فقال يا باعبيدة اكثر ذكر الموت فانه لميكثر انسان ذكر الموت الا زهّده في الدنيا و عن الوشا قال سمعت الرضا7 يقول قال عيسي بن مريم7 للحواريين يا بنياسرائيل لاتأسوا علي ما فاتكم من الدنيا كما لايأسي اهل الدنيا علي ما فاتهم من دينهم اذا اصابوا دنياهم وعن عمرو بن هلال قال قـال ابوجعفر7 اياك ان يطمح بصرك الي من هو فوقك فكفي بما قال اللّه عزوجل لنبيه9 (و لاتعجبك اموالهم و لا اولادهم) و قال (لاتمدن عينيك الي ما متعنا به ازواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا) فان دخلك من ذلك شيء فاذكر عيش رسولاللّه9 فانما كان قوته الشعير و حلواه التمر و وقوده السعف اذا وجده و في جامعالاخبار عن علي بن موسي الرضا7 باسناده عن اميرالمؤمنين7 عن النبي9 قال اتاني جبرئيل فقال يا محمد ان اللّه يقرئك السلام و يقول ان شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهباً فرفع رأسه الي السماء و قال يا رب اشبع يوماً و اجوع يومين فاذا شبعت فاحمدك و اذا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰3 *»
جعت فاسالك و عن جابر بن عبداللّه عن النبي9 انه قال يا علي من عرضت له دنياه و آخرته فاختار الآخرة و ترك الدنيا فله الجنة و من اخذ الدنيا استخفافاً بآخرته فله النار و قال اميرالمؤمنين7 من جمع ست خصال لميدع للجنة مطلباً و لا عن النار مهرباً اولها عرف اللّه فاطاعه و عرف الشيطان فعصاه و عرف الدنيا فرفضها و عرف الآخرة فطلبها و عرف الباطل فاتقاه و عرف الحق فاتبعه و قيل لمحمد بن علي8 من اعظم الناس قدراً قال من لميبال الدنيا في يد من كانت فمن كرمت عليه نفسه صغرت الدنيا في عينيه و من هانت عليه نفسه كبرت الدنيا في عينيه و قال علي بن ابيطالب7 من اشتاق الي الجنة سارع الي الخيرات و من اشفق عن النار انتهي عن الشهوات و من راقب الموت ترك اللذات و من زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات و في الوسائل عن النبي9 من اصبح معافي في جسده آمناً في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا يا بنجعشم يكفيك منها ما سدّ جوعتك و واري عورتك فان يكن بيت يكنّك فذاك و ان يكن دابة تركبها فبخ بخ و الا فالخبز و ماء الجرة و ما بعد ذلك حساب عليك و عذاب و عن علي7 يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فانت فيه خازن لغيرك و قال7كل مقتصر عليه كاف و قال الزهد بين كلمتين من القرآن (لكيلاتأسوا علي ما فاتكم و لاتفرحوا بما اتيكم) من لميأس علي الماضي و لميفرح بالآتي فقد استكمل الزهد بطرفيه و قال الصادق7 اغني الغني من لميكن للحرص اسيراً و قاللاتشعرن قلوبكم الاشتغال بما قد فات فتشغلوا اذهانكم عن الاستعداد لما لميأت و قال ابعد ما يكون العبد من اللّه عزوجل اذا لميهمه الا بطنه و فرجه و قالحرم الحريص خصلتين و لزمه خصلتان حرم القناعة فافتقد الراحة و حرم الرضا فافتقد اليقين و في ارشاد الديلمي قال النبي9 لابيذر كن في الدنيا كأنك غريب و اعدد نفسك من الموتي فاذا اصبحت لاتحدث نفسك بالمساء و اذا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۴ *»
امسيت لاتحدث نفسك بالصباح و خذ من صحتك لسقمك و من شبابك لهرمك و من حيوتك لفواتك فانك لاتدري ما اسمك غداً قال سعد لسلمان2 في مرضه كيف تجد نفسك فبكي فقال ما يبكيك فقال واللّه ماابكي حزناً علي الدنيا ولكن ابكي لان رسولاللّه9 قال ليكن بلاغ احدكم من الدنيا كزاد الراكب فاخاف ان اكون قد تجاوزت ذلك و ليس حوله في بيته غير مطهرة و اجانة و قصعة و قال ثوبان لرسولاللّه9 يا رسولاللّه ما يكفيني من الدنيا فقال ما سدّ جوعتك و واري عورتك و ان كان لك بيت يظلك فبخ بخ و انت مسوول عما بعد ذلك و قال تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم فانه من كانت الدنيا همته قسي قلبه و كان فقره بين عينيه و لميعط من الدنيا غير نصيبه المكتوب له و من كانت الآخرة همته جمع اللّه له امره و جعل غناه في قلبه و اتته الدنيا راغمة و قال موسي بن جعفر7اهينوا الدنيا فانها اهنأ ما يكون لكم اهون ما يكون عليكم فانه مااهان قوم الدنيا الا هنأهم اللّه العيش و مااعزها قوم الا ذلوا و تعبوا و كانت عاقبتهم الندامة و قال9لابيذر يا اباذر ان الدنيا سجن المؤمن و القبر امنه و الجنة مأواه و ان الدنيا جنة الكافر و القبر عذابه و النار مثواه و قال الزاهد في الدنيا يريح قلبه و بدنه و الراغب فيها يتعب قلبه و بدنه و قال المؤمن يتزوّد و الكافر يتمتع يا ابن آدم عف عن محارم اللّه تكن عابداً و ارض بما قسم اللّه لك تكن غنياً و احسن جوار من جاورك تكن مسلماً و صاحب الناس بما تحب ان يصحبوك تكن منصفاً انه قد كان قبلكم قوم جمعوا كثيراً و بنوا مشيداً و املوا بعيداً فاصبح جمعهم بوراً و مساكنهم قبوراً يا ابن آدم انك مرتهن بعملك متعرض علي ربك فجد بما في يديك لما بين يديك و طئ الارض بقدمك فانها عن قليل مسكنك و لمتزل في هدم عمرك منذ سقطت علي الارض من بطن امك و قال من استغني باللّه احوج اللّه الناس اليه وفي الوسائل عن ابيعبداللّه7 ما اقبح بالمؤمن ان يكون له رغبة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۵ *»
تذله و عن علي بن الحسين8 رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في ايدي الناس وسئل ابوعبداللّه7 عن الذي يثبت الايمان في العبد قال الورع و الذي يخرجه منه الطمع و قال علي7 اكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع و قيل لرسولاللّه9 اوصني و اقله لعلي احفظه فقال اوصيك بخمس باليأس مما في ايدي الناس فانه الغني الحاضر و اياك و الطمع فانه الفقر الحاضر و صل صلوة مودع و اياك و ما تعتذر منه و احب لاخيك ما تحب لنفسك و قال اميرالمؤمنين7 الدنيا منتهي بصر الاعمي لايبصر مما وراءها شيء و البصير ينفذها بصره و يعلم ان الدار وراءها فالبصير منها شاخص و الاعمي اليها شاخص و قال الزهد قصر الامل و الشكر علي النعم و الورع عن المحارم فان عزب ذلك عنكم فلايغلب الحرام صبركم و لاتنسوا عند النعم شكركم فان اللّه تعالي قد اعذر اليكم بحجج ظاهرة مستقرة و كتب بارزة ظاهرة و قال7 الزاهدون في الدنيا ملوك الدنيا و الآخرة و من لميزهد في الدنيا و يرغب فيها فهو فقير الدنيا و الآخرة و من زهد في الدنيا ملكها و من رغب فيها ملكته و قال سويد بن عفلة دخلت علي اميرالمؤمنين7 داره فلمار في البيت شيئاً فقلت فاين الاثاث يا اميرالمؤمنين فقال يا ابنعفلة نحن اهل بيت لانتأثث في الدنيا نقلنا اجل متاعنا الي الآخرة انما مثلنا كراكب ظال تحت شجرة ثم راح و تركها و في مصباحالشريعة الزهد مفتاح باب الآخرة و البراءة من النار و هو تركك كل شيء يشغلك عن اللّه من غير تأسف علي فوتها و الاعجاب في تركها و لا انتظار فرح منها و لا طلب محمدة عليها و لا عرض لها بل تري فوتها راحة و كونها آفة و تكون ابداً هارباً من الآفة معتصماً بالراحة و الزاهد الذي يختار الآخرة علي الدنيا و الذل علي العز و الجهد علي الراحة و الجوع علي الشبع و عافية العاجل علي محنة الآجل و الذكر علي الغفلة و يكون نفسه في الدنيا و قلبه في الآخرة الخبر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۶ *»
و في الوسائل بسنده عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قيل لاميرالمؤمنين7 ما الزهد في الدنيا قال تنكب حرامها و عن اميرالمؤمنين7 يقول الزهد في الدنيا قصر الامل و شكر كل نعمة و الورع عما حرم اللّه عليك و عن اسمعيل بن مسلم قال قـال ابوعبداللّه7 ليس الزهد في الدنيا باضاعة المال و لا بتحريم الحلال بل الزهد في الدنيا ان لاتكون بما في يدك اوثق منك بما في يد اللّه عزوجل و عن حفص بن غياث قال سمعت موسي بن جعفر7 عند قبر و هو يقول ان شيئاً هذا آخره لحقيق ان يزهد في اوله و ان شيئاً هذا اوله لحقيق ان يخاف من آخره و عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه عن الصادق7 انه سئل عن الزاهد في الدنيا قال الذي يترك حلالها مخافة حسابه و يترك حرامها مخافة عقابه و في وصية النبي لعلي8 قال يا علي ان الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر يا علي اوحي اللّه الي الدنيا اخدمي من خدمني و اتعبي من خدمك يا علي ان الدنيا لو عدلت عند اللّه جناح بعوضة لماسقي الكافر منها شربة من ماء يا علي ما احد من الاولين و الآخرين الا و هو يتمني يوم القيمة انه لميعط من الدنيا الا قوتاً و قال9 ما قل و كفي خير مما كثر و الهي و في وصية علي7 لمحمد بن الحنفية لا مال اذهب للفاقة من الرضا بالقوت و من اقتصر علي بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة و تبوأ خفض الدعة الحرص داع الي التقحم في الذنوب و الاخبار في هذا الباب تزيد علي حد الحصر و لايمكنني جمعها في هذا المختصر فنكتفي بما ذكرنا و فيها كفاية و بلاغ.
فصل: لعلك تزعم انه ينال احد ما عند اللّه الا بطاعة اللّه و اتيانه من بابه الذي فتحه علي عباده و لاجل ذلك كان انبياؤ اللّه و حججه صلوات اللّه عليهم اعبد الناس و ازهدهم و اتقاهم و اورعهم و لمينالوا تلك الدرجة الا بالطاعة و السبق علي الناس في الاجابة و قد كان لهم زهد و رياضة يقصر دونهما همم ساير الخلق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۷ *»
و لايسع احداً من الخلق ان يرتاض مثل رياضتهم او يلحق بهم في زهدهم و احب ان اذكر هنا شيئاً من زهدهم و رياضتهم ليكون مشوقاً لشيعتهم حاثاً لهم علي الزهد و الرياضة فان من سجية الانسان ان يسهل عليه الامر اذا رأي انساناً آخر يعمل عملاً لاسيما اذا رأي عدم تضرره به بل انتفاعه به ولكن اذكر القصص مع حذف الاسانيد اختصاراً لانها اكثر من ان تحصي.
فان اردت زهد رسولاللّه9 فانه مااكل خبز بر قط و كان طعامه الشعير اذا وجده من غير ادم و ماشبع من خبز شعير قط و حلواه التمر و وقوده السعف مع انه كان يجيز الرجل الواحد بالمائة من الابل و عرضت عليه بطحاء مكة ذهباً فقال يا رب اشبع يوماً و اجوع يوماً فاذا شبعت حمدتك و شكرتك و اذا جعت دعوتك و ذكرتك و جاع يوماً جوعاً شديداً فاتي الكعبة و تعلق باستارها فقال يا اللّه لاتجع محمداً اكثر مما اجعته و افطر عشية خميس في مسجد قبا فقال هل من شراب فاتاه اوس بن خولي الانصاري بعس مخيض بعسل فلما وضعه علي فيه نحّاه ثم قال شرابان يكتفي باحدهما من صاحبه لااشربه و لااحرمه ولكن اتواضع للّه فان من تواضع للّه رفعه اللّه و من تكبر خفضه اللّه و من اقتصد في معيشته رزقه اللّه و من بذر حرمه اللّه و من اكثر ذكر الموت احبه اللّه و دخل علي امسلمة فقربت اليه كسرة فقال هل عندك ادام فقالت لا يا رسولاللّه ما عندي الا خل فقال نعم الادام الخل ماافقر بيت فيه خل و خرج يوماً قبل الغداة و معه كسرة خبز قد غمسها في اللبن و هو يأكل و يمشي و بلال يقيم الصلوة فصلي بالناس و مااكل متكئاً منذ بعثه اللّه عزوجل الي ان قبضه و كان يأكل اكلة العبد و يجلس جلسة العبد تواضعاً للّه عزوجل و يأكل بثلث اصابع لا كما يفعله الجبارون باصبع واحد و من طريق المخالفين كان ضجاعه (ضجعته خل) من ادم محشو ليفاً و ماشبع آلمحمد منذ قدم المدينة من طعام البر ثلث ليال تباعاً حتي قبض و كان يبيت الليالي المتتابعة طاوياً و اهله لايجدون عشاء و كان اكثر خبزهم خبز الشعير و لما حفر هو و اصحابه الخندق اصابهم جهد شديد
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۸ *»
حتي ربط النبي9 علي بطنه حجراً من الجوع و كان يمر هلال و هلال مايوقد في بيت من بيوت رسولاللّه نار و كانوا يعيشون علي الاسودين التمر و الماء و قبض و ان درعه لمرهونة عند رجل من يهود علي ثلثين صاعاً من شعير و روي بعشرين اخذها رزقاً لعياله و مارفع قط غداء لعشاء و لا عشاء لغداء و لااتخذ من شيء زوجين و لا قميصين و لا ردائين و لا ازارين و لا من النعال و لارأي قط فارغاً في بيته اما يخصف نعلاً لرجل مسكين او يخيط ثوباً لارملة و ان فاطمة جاءت بكسرة خبز الي النبي9 فقال ما هذه الكسرة يا فاطمة قالت قرص خبزته فلمتطب نفسي حتي اتيتك بهذه فقال اما انه اول طعام دخل فم ابيك منذ ثلث ليال و من طرقنا انه دخل علي ابنته فاطمة و اذا في عنقها قلادة فاعرض عنها فقطعتها و رمت بها فقال رسولاللّه9انت مني يا فاطمة ثم جاء سائل فناولته القلادة و كان رسولاللّه9 اذا قدم من سفر بدأ بفاطمة و اطال عندها المكث فخرج مرة في سفره فصنعت مسكتين من ورق و قلادة و قرطين و ستر باب البيت لقدوم ابيها و زوجها فلما قدم رسولاللّه9 دخل عليها فوقف اصحابه لايدرون يقفون او ينصرفون لطول مكثه عندها فخرج رسولاللّه9 و قد عرف الغضب في وجهه حتي جلس عند المنبر فظنت فاطمة3 انه انما فعل ذلك رسولاللّه9 لما رأي من المسكتين و القلادة و القرطين و الستر فنزعت قلادتها و قرطيها و مسكتيها و نزعت الستر فبعثت به الي رسولاللّه9 و قالت للرسول قل له تقرأ عليك السلام و تقول ابنتك اجعل هذا في سبيل اللّه فلما آتاه قال فعلت فداؤها ابوها ثلث مرات ليست الدنيا من محمد و لا من آلمحمد و لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه من الخير جناح بعوضة ماسقي منها كافراً شربة ماء ثم قام فدخل عليها و دخل رجل عليه و هو علي حصير قد اثر في جسمه و وسادة ليف قد اثرت في خده فجعل الرجل يمسح و يقول مارضي بهذا كسري و لا قيصر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۰۹ *»
انهم ينامون علي الحرير و الديباج و انت علي هذا الحصير فقال رسولاللّه9لانا خير منهما واللّه لانا اكرم منهما واللّه ما انا و الدنيا انما مثل الدنيا كمثل رجل راكب مر علي شجرة و لها فيء فاستظل تحتها فلما ان مال الظل عنها ارتحل فذهب و تركها و كان9 يجلس علي الارض و يأكل علي الارض و يعتقل الشاة و يجيب دعوة المملوك علي خبز الشعير و كان يحلب عنز اهله و كان فراشه عباءة و مرفقته ادم حشوها ليف فثنيت له ذات ليلة فلما اصبح قال لقد منعني الفراش الليلة عن الصلوة فامر ان يجعل بطاق واحد و ان رجلاً من الانصار اهدي الي رسولاللّه9 صاعاً من رطب فقال رسولاللّه9 للخادم التي جاءت به ادخلي فانظري هل تجدين في البيت قصعة او طبقاً فاتيني به فدخلت ثم خرجت اليه فقالت مااصبت قصعة و لا طبقاً فكنس رسولاللّه9 مكاناً من الارض ثم قال لها ضعيه هيهنا علي الحضيض ثم قال والذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تعدل عند اللّه جناح بعوضة مااعطي كافراً و لا منافقاً منها شيئاً و جاء رجل اليه فشكي اليه الجوع فبعث رسولاللّه9 الي بيوت ازواجه فقلن ما عندنا الا الماء فقال رسولاللّه9من لهذا الرجل الليلة فقال علي بن ابيطالب7انا يا رسولاللّه فاتي فاطمة3 فقال لها ما عندك يا ابنة رسولاللّه فقالت ما عندنا الا قوت الصبية لكنا نؤثر ضيفنا فقال علي7يا ابنة محمد نومي الصبية و اطفئ المصباح فلما اصبح علي7 غدا علي رسولاللّه9 فاخبره الخبر فلميبرح حتي انزل اللّه عزوجل (و يؤثرون علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون) و ماشبع آلمحمد: ثلثة ايام تباعاً حتي لحق باللّه عزوجل و مااعجب رسولاللّه9 شيء من الدنيا الا ان يكون جايعاً خايفاً و قال خمس لاادعهن حتي الممات الاکل علي الحضيض مع العبيد و ركوب الحمار مؤكفاً و حلب العنز
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۰ *»
بيدي و لبس الصوف و التسليم علي الصبيان ليكون ذلك سنة من بعدي و كان لايثبت عنده دينار و لا درهم فان فضل و لميجد من يعطيه و يجنه الليل لميأو الي منزله حتي يتبرأ منه الي من يحتاج اليه لايأخذ مما آتاه اللّه الا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر و الشعير و يضع ساير ذلك في سبيل اللّه و لايسأل شيئاً الا اعطاه ثم يعود الي قوت عامه فيؤثر منه حتي ربما احتاج قبل انقضاء العام ان لميأته شيء و كان يجلس علي الارض و ينام عليها و يأكل عليها و يخصف النعل و يرقع الثوب و يفتح الباب و يحلب الشاة و يعقل البعير فيحلبها و يطحن مع الخادم اذا اعيا و يضع طهوره بالليل بيده و لايجلس متكأ و يخدم في مهنة اهله و يقطع اللحم و اذا جلس علي الطعام جلس محقراً و كان يلطع اصابعه و لميتجشأ قط و يجيب دعوة الحر و العبد و لو علي ذراع او كراع و يقبل الهدية و لو انها جرعة لبن و كان يعصب الحجر علي بطنه من الجوع يأكل ما حضر و لايرد ما وجد و لايلبس ثوبين و اذا لبس جديداً اعطي خلق ثيابه مسكيناً و كان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثني ثنيتين يردف خلفه عبده او غيره يركب ما امكنه من فرس او بغلة او حمار و يركب الحمار بلا سرج و عليه العذار و يمشي راجلاً و حافياً بلا رداء و لاعمامة و لا قلنسوة و يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين و يناولهم بيده لايرتفع علي عبيده و امائه في مأكل و لا ملبس و كان يأكل مع خدمه و اهله اذا اكلوا او مع من يدعوه من المسلمين علي الارض و علي ما اكلوا عليه و مما اكلوا.
و اماعلي7 فكان يجلس جلسة العبد و يأكل اكلة العبد و يطعم الناس الخبز و اللحم و في رواية خبز البر و اللحم و يرجع الي اهله فيأكل الخل و الزيت و كان يشتري القميص السنبلانيين ثم يخير غلامه خيرهما ثم يلبس الآخر فاذا جاز اصابعه قطعه و ان جاز كعبه حذفه و ماورد امران كلاهما للّه رضاً الا اخذ باشدهما علي بدنه و لقد ولي الناس خمس سنين ماوضع آجرة علي آجرة و لا لبنة و لاقطع قطيعة و لااورث بيضاء و لا حمراء الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه اراد ان يبتاع بها لاهله خادماً و كان طويل السهاد قليل الرقاد يحب اللّه بمهجته و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۱ *»
يواليه بعبرته لاتغلق له السور و لايدخر عن اصحابه البدور و لايستلين الاتكاء و لايستحسن الجفاء و لو رأيته اذ مثل في محرابه و قد ارخي الليل سدوله و غارت نجومه و هو قابض علي لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقول يا دنيا أبي تعرضت ام اليّ تشوقت هيهات لا حاجة لي فيك ابنتك ثلثاً لا رجعة لي عليك ثم يقول واه واه لبعد السفر و قلة الزاد و خشونة الطريق و اشتري ثلثة اثواب بدينار القميص الي فوق الكعب و الازار الي نصف الساق و الرداء من يديه الي ثدييه و من خلفه الي اليتيه ثم رفع يده الي السماء فلميزل يحمد اللّه علي ما كساه حتي دخل منزله ثم قال هذا اللباس الذي ينبغي للمسلمين ان يلبسوه و كان اذا لبس القميص مد يده فاذا طلع علي اطراف الاصابع قطعه و لقد اعتق الف مملوك من صلب ماله كل ذلك يحفي فيه يداه و يعرق جبينه التماس وجه اللّه عزوجل و الخلاص من النار و ماكان قوته الا الخل و الزيت و حلواه التمر اذا وجده و ملبوسه الكرابيس فاذا فضل من ثيابه شيء دعا بالجلم فجزه و كان اشبه الناس طعمة برسولاللّه كان يأكل الخل و الزيت و يجعل نفقته تحت طنفسته و اتي بخبيص فابي ان يأكله فقالوا اتحرمه قال لا ولكنني اخشي ان تتوق اليه نفسي فاطلبه ثم تلا هذه الآية (اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها) و كان لايرضي بنخل دقيق الشعير و يقول ذلك احري ان يذل النفس و يقتدي بي المؤمنون و الحق باصحابي و اتي يوماً البزازين فقال لرجل بعني ثوبين فقال الرجل يا اميرالمؤمنين عندي حاجتك فلما عرفه مضي عنه فوقف علي غلام و اخذ ثوبين احدهما بثلثة دراهم و الآخر بدرهمين فقال يا قنبر خذ الذي بثلثة قال فانت اولي به تصعد المنبر و تخطب الناس قال و انت شاب فلك شره الشباب و انا استحيي من ربي ان اتفضل عليك سمعت رسولاللّه9 يقول البسوهم مما تلبسون و اطعموهم مما تاكلون فلما لبس القميص مد كم القميص فامر بقطعه و اتخاذه قلانس للفقراء فقال الغلام هلم اكفه قال دعه كما هو فان الامر اسرع من ذلك فجاء ابو الغلام فقال ان ابني لميعرفك و هذان درهمان ربحهما فقال ماكنت
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۲ *»
لافعل قد ماكست و ماكسني و اتفقنا علي رضا و كان يجعل خبزه في جراب و يختم عليه خوفاً من ان يجعل فيه شيء طيب و ربما يفتح جرابه و يخرج الخبز و يفتّه في قصعة و يصب عليه الماء ثم يذر عليه الملح و يقول لقد خابت هذه و يمد يده الي محاسنه و خسرت هذه ان ادخلها النار من اجل الطعام و هذا يجزيني و قال ادركت رسولاللّه9 ياكل ايبس من هذا و يلبس اخشن من هذا فان انا لمآخذ به خفت ان لا الحق به و يقول:
علل النفس بالقنوع و الا |
طلبت منك فوق ما يكفيها |
و كان يحتطب و يستسقي و يكنس و كانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز و كان يشتري تمراً بالكوفة فيحمله علي طرف ردائه فيبادر الناس الي حمله فيقول رب العيال احق بحمله و يقول:
لاينقص الكامل من كماله |
ما جر من نفع الي عياله |
و كان يمشي حافياً و يعلق نعليه بيده اليسري يوم الفطر و النحر و الجمعة و عند العيادة و تشييع الجنازة و يقول انه تواضع للّه تعالي و احب ان اكون فيها حافياً ومشي اصحابه معه و هو راكب فالتفت اليهم و قال ا لكم حاجة قالوا لا ولكنا نحب اننمشي معك فقال لهم انصرفوا فان خفق النعال خلف اعقاب الرجال مفسدة قلوب النوكي و نزل له دهاقين الانبار و اشتدوا بين يديه فقال ما هذا الذي صنعتموه قالوا خلق منا نعظّم به امراءنا فقال واللّه ماينتفع بهذا امراؤكم و انكم لتشقون به علي انفسكم و تشقون به في آخرتكم و ما اخسر المشقة وراءها العقاب و مااربح الراحة معها الامان من النار و ان رجلاً و ابنه وردا عليه فقام اليهما و اجلسهما في صدر مجلسه و جلس بين ايديهما ثم امر بطعام فاحضر فاكلا منه ثم اخذ الابريق ليصب علي يد الرجل فتمرغ الرجل في التراب فقال يا اميرالمؤمنين كيف اللّه يراني و انت تصب علي يدي قال اقعد و اغسل فان اللّه يراني اخاك الذي لايتميز منك و لاينفصل عنك و يزيد بذلك في خدمه في الجنة عشرة اضعاف عدد اهل الدنيا و علي حسب ذلك في ممالكه فيها فقعد الرجل و غسل يده فلما فرغ
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۳ *»
ناول الابريق محمد بن الحنفية و قال يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون ابيه لصببت علي يده ولكن اللّه يابي انيسوي بين ابن و ابيه اذا جمعهما مكان قد صب الاب علي الاب فليصب الابن علي الابن و لقد رقع7 مدرعته حتي استحيي من راقعها و كان يقول ان امامكم قد اكتفي من دنياه بطمريه يسد فورة جوعه بقرصيه لايطعم الفلذة في حوله الا في سنة اضحيته و لنتقدروا علي ذلك فاعينوني بورع و اجتهاد و نظر الي فقير انخرق كم ثوبه فخرق كم قميصه و القاه اليه و ماكان له الا اهاب كبش يبيت مع فاطمة بالليل عليها و يعلف عليها الناضح بالنهار و ماكان له ليلة اهدي اليه فاطمة الا جلد كبش و كان يقول من يشتري سيفي هذا و لو كان عندي ثمن ازار مابعته و قال ان اللّه جعلني اماماً لخلقه ففرض عليّ التقدير في نفسي و مطعمي و مشربي و ملبسي كضعفاء الناس كي يقتدي الفقير بفقري و لايطغي الغني غناه و قال7 واللّه لدنياكم هذه اهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم و دخل رسولاللّه9 علي علي فوجده و فاطمة يطحنان الجاورس فقال النبي9 ايكما اعيي فقال علي7 فاطمة يا رسولاللّه فقال لها قومي يا بنية فقامت فجلس النبي9 موضعها مع علي فواساه في طحن الحب.
و اما فاطمة و علي7 و الحسنان مجتمعين فقصص جوعهم و ايثارهم و لباسهم و فرشهم لاتحصي من الكثرة و لايتحمل قلب استماعها نذكر منها بعض ما يتيسر مختصراً و هي كما اصبح علي بن ابيطالب7 ذات يوم قال يا فاطمة عندك شيء تغذينيه قالت لا والذي اكرم ابي بالنبوة و اكرمك بالوصية مااصبح الغداة عندي شيء و ماكان شيء اطعمناه مذ يومين الا شيء كنت اوثرك به علي نفسي و علي ابني هذين الحسن و الحسين فقال علي يا فاطمة الاكنت اعلمتني فابغيكم شيئاً فقالت يا اباالحسن اني لاستحيي من الهي ان اكلف نفسك ما لاتقدر عليه فخرج علي7 و قصته مع مقداد معروفة و في
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۴ *»
حديث جابر انه دخل رسولاللّه9 عليها و اذا وجهها اصفر كأنه بطن جرادة فقال رسولاللّه9 ما لي اري وجهك اصفر قالت يا رسولاللّه الجوع فدعا لها النبي9 و في حديث آخر لجابر ان النبي9 اقام اياماً لميطعم طعاماً حتي شق ذلك عليه و طاف في منازل ازواجه فلميصب عند واحدة منهن شيئا فاتي فاطمة فقال يا بنية هل عندك شيء آكله فاني جايع فقالت لاواللّه بابي انت و امي و تلك قصة مأثورة و في حديث الاعرابي قال النبي9 من يزود الاعرابي اضمن له علي اللّه عزوجل زاد التقوي فمضي سلمان حتي طاف تسعة ابيات من بيوت رسولاللّه9 فلميجد عندهن شيئاً فلما ان ولي راجعاً نظر الي حجرة فاطمة فقال ان يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمد فقرع الباب فاجابته من وراء الباب من بالباب فقال لها انا سلمان الفارسي فقالت له يا سلمان و ما تشاء فشرح قصة الاعرابي و الضب مع النبي9 قالت له يا سلمان والذي بعث محمداً بالحق نبياً ان لنا ثلثاً ماطعمنا و ان الحسن و الحسين قد اضطربا علي من شدة الجوع ثم رقدا كأنهما فرخان منتوفان ولكن لاارد الخير فاعطته درعها ليرهنها عند شمعون اليهودي بصاع من الشعير و قصته معروفة و تقاضا علي و فاطمة سلام اللّه عليهما الي رسولاللّه9 في الخدمة فقضي علي فاطمة بخدمة ما دون الباب و قضي علي علي7 بما خلفه قالت فاطمة فلايعلم ما داخلني من السرور الا اللّه باكفائي رسولاللّه تحمل رقاب الرجال و دخل عليها رسولاللّه و في عنقها قلادة من ذهب فقال لها رسولاللّهيا فاطمة لايقول الناس ان فاطمة بنت محمد تلبس لباس الجبابرة فقطعتها و باعتها و اشترت بها رقبة فاعتقتها فسر بذلك رسولاللّه9 و انها استسقت بالقربة حتي اثرت في صدرها و طحنت بالرحي حتي مجلت يداها و كسحت البيت حتي اغبرت ثيابها و اوقدت النار تحت القدر حتي دكنت ثيابها فلما شكت الي ابيها علمها تسبيح الزهراء و رآها النبي9 يوماً و عليها كساء من اجلة الابل و هي تطحن بيديها و ترضع ولدها
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۵ *»
فدمعت عيناه فقال يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقالت يا رسولاللّه الحمد للّه علي نعمائه و الشكر للّه علي آلائه فانزل اللّه(و لسوف يعطيك ربك فترضي) و التفت ذات يوم بشملة لها من صوف خلقة قد خيطت في اثنيعشر مكاناً بسعف النخل و نظر سلمان الفارسي الي الشملة و بكي و قال واحزناه ان قيصر و كسري لفي السندس و الحرير و ابنة محمد عليها شملة صوف خلِقة قد خيطت في اثنيعشر مكاناً و لميكن لها و لعلي خمس سنين الا مسك كبش تعلف بالنهار عليها بعيرهم فاذا كان الليل افترشوه و مرفقتهما لمن ادم حشوها ليف و لعلك عرفت ان جهازها يوم عرسها قميص بسبعة دراهم و خمار باربعة دراهم و قطيفة سوداء خيبرية و سرير مزمل و فراشين من خيش مصر حشو احدهما ليف و حشو الآخر من جز الغنم و اربع مرافق من ادم الطايف حشوها اذخر و ستر من صوف و حصير هجري و رحا لليد و مخضب من نحاس و سقاء من ادم و قعب للّبن و شن للماء و مطهرة مزفتة و جرة خضراء و كيزان خزف و هذه كانت لعرسها ثم بليت و فنيت و في رواية كان فراش علي و فاطمة8 حين دخلت عليه اهاب كبش اذا ارادا ان يناما عليه قلباه فناما علي صوفه و كان صداقها درع حطمية تساوي ثلثين درهماً و كان من تجهيز علي7 داره انتشار رمل لين و نصب خشبة من حائط الي حائط للثياب و بسط اهاب كبش و مخدة ليف و كان اميرالمؤمنين7 يحتطب و يستسقي و يكنس و كانت فاطمة تطحن و تعجن و تخبز.
و اما الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهما فكانا يمشيان الي الحج علي اقدامهما و يتنكبان الطريق لئلايشق علي الناس فيمشوا لاجل حرمتهما و حج الحسن7 عشرين حجة ماشياً و في رواية خمسة و عشرين و قاسم اللّه ماله مرتين و روي ثلث مرات حتي تصدق بفرد نعله.
و اما علي بن الحسين8 فمااتي بطعام نهاراً قط و لا فرش له فراش بليل قط و رأي ليلة باردة مطيرة و علي ظهره دقيق و حطب و هو يمشي فقيل له يا ابن رسولاللّه ما هذا قال اريد سفراً اعد له زاداً و احمله الي موضع حريز
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۶ *»
فقال له الذي رآه هذا غلامي يحمله عنك فان قبلت فانا احمله عنك فاني ارفعك عن حمله فقال7 و لكنني لاارفع نفسي عما ينجيني في سفري و يحسن ورودي علي ما اورده عليه و لما وضع علي السرير ليغسل رأي علي ظهره مثل ركب البعير مما كان يحمل علي ظهره الي منازل الفقراء و المساكين و كان في يوم صومه يأمر بشاة فتذبح و تقطع اعضاء و تطبخ فاذا كان عند المساء اكب علي القدر حتي يجد ريح المرق و هو صائم ثم يقول هاتوا القصاع اغرفوا لآل فلان و اغرفوا لآل فلان ثم يؤتي بخبز و تمر فيكون ذلك عشاؤه و لما مات نظروا فاذا يعول في المدينة اربعمائة بيت من حيث لمتقف الناس عليه و وصله يزيد بعد الوقعة بمأتيالف مثقال من الذهب الاحمر فمافارق دمشق حتي فرق ذلك علي الفقراء و المساكين و باقيه علي اهل المدينة و كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير و الدراهم حتي يأتي باباً باباً فيقرعه ثم ينيل من يخرج اليه فلما مات علموا ان علياً7 كان يفعله و اعطي رجلاً قرصين من خبز طعامه فزهد الرجل فيهما و عوضهما بسمكة بايرة و ملح فردهما عليه بايع السمكة و قال يا عبداللّه جهدنا ان نأكل نحن او احد من عيالنا هذا القرص فلمتعمل فيه اسناننا و مانظنك الا و قد تناهيت في سوء الحال و مرنت علي الشقا قد رددنا اليك هذا الخبز فلما اخذهما و استقر اتاه رسول علي بن الحسين8 اردد الينا طعامنا فانه لايأكله غيرنا و قصة اللؤلؤتين معروفة و مافقد صدقة السر حتي مات7 و كان لايسافر الا مع رفقة لايعرفونه و يشترط عليهم ان يكون من خدم الرفقة و مر7 علي مجذومين و هو راكب حمار و هم يتغدون فدعوه الي الغداء فقال اما لولا صائم لفعلت فلما صار الي منزله امر بطعام و امر ان يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغدوا عنده و تغدي معهم.
و اما ابوعبداللّه7 فانه كان اذا اعتم و ذهب من الليل شطره اخذ جراباً فيه خبز و لحم و الدراهم فحمله علي عنقه ثم ذهب به الي اهل الحاجة من اهل المدينة فقسمه فيهم و لايعرفونه فلما مضي ابوعبداللّه7 فقدوا ذلك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۷ *»
فعلموا انه كان ابوعبداللّه و كان يأكل الخل و الزيت و يقول ان هذا طعامنا طعام الانبياء و كان يعمل في حايط له بالمسحاة و عليه قميص شبه الكرابيس كأنه مخيط عليه من ضيقه و عليه ازار غليظ و العرق يتصاب عن ظهره و كان يكيل التمر بيده و اصاب اهل المدينة غلاء و قحط و كان عند ابيعبداللّه7 طعام جيد فقال لبعض مواليه اشتر لنا شعيراً فاخلط بهذا الطعام او بعه فانا نكره ان نأكل جيداً و يأكل الناس ردياً و تزيد السعر مرة بالمدينة فباع طعامه و اشتري مع الناس يوماً بيوم و رأي و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه و فوقه جبة صوف و فوقها قميص غليظ فقيل له ان الناس يكرهون لباس الصوف فقال كلا كان ابي محمد بن علي يلبسها و كان علي بن الحسين يلبسها و كانوا يلبسون اغلظ ثيابهم اذا قاموا الي الصلوة و نحن نفعل ذلك و كان يلبس لباساً غليظاً تحت لباسه لنفسه و يجيد الاعلي لاجل الناس.
و كان يعمل ابوالحسن موسي بن جعفر7 في الارض حتي يعرق و كان يقول قد عمل باليد من هو خير مني في ارضه و من ابي فقيل و من هو فقال رسولاللّه9 و آبائي كلهم قد عملوا بايديهم و هو من عمل النبيين و المرسلين و الاوصياء و الصالحين.
و كان جلوس الرضا7 في الصيف علي الحصير و في الشتاء علي المسح و لبسه الغليظ من الثياب حتي اذا برز للناس تزين لهم و كان يجمع علي مائدته السودان و غيرهم حتي البواب و السائس و كان قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي لياليه من اولها الي الصبح و كان كثير الصيام و كان اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير و الكبير فيحدثهم و يأنس بهم و يونسهم.
و في حديث مرض المتوكل و نذر امه للهادي7 مالاً انه بعث سعيد خادمه فهجم عليه بالليل فوجده7 و عليه جبة صوف و قلنسوة منها و سجادة علي حصير بين يديه ففتش البيت فلميجد فيه شيئاً الا البدرة التي ارسلها ام المتوكل و سيفاً في جفن غير ملبس فاخذهما و ذهب بهما الي المتوكل.
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۸ *»
بالجملة زهد الائمة: مشهور معروف بين الخاصة و العامة و زهد كبار اصحابهم اظهر من الشمس و ابين من الامس.
هذا سلمان فقد روي انه مثل لقمان الحكيم و ادرك العلم الاول و الآخر و هو بحر لاينزح و هو منا اهل البيت فدعا سلمان اباذر رحمة اللّه عليهما الي منزله فقدم اليه رغيفين فاخذ ابوذر الرغيفين يقلبهما فقال له سلمان يا باذر لأي شيء تقلب هذين الرغيفين قال خفت ان لايكونا نضيجين فغضب سلمان من ذلك غضباً شديداً ثم قال ما اجراك حيث تقلب هذين الرغيفين فواللّه لقد عمل في هذا الخبز الماء الذي تحت العرش و عملت فيه الملئكة حتي القوه الي الريح و عملت فيه الريح حتي القته الي السحاب حتي امطره الي الارض و عمل فيه الرعد و الملئكة حتي وضعوه مواضعه و عملت فيه الارض و الخشب و الحديد و البهائم و النار و الحطب و الملح و ما لااحصيه اكثر فكيف لك ان تقوم بهذا الشكر فقال ابوذر الي اللّه اتوب و استغفر اللّه مما احدثت و اليك اعتذر مما كرهت و دعا سلمان اباذر رحمة اللّه عليهما ذات يوم الي ضيافة فقدم اليه من جرابه كسراً يابسة و بلّها من ركوته فقال ابوذر مااطيب هذا الخبز لو كان معه ملح فقام سلمان و خرج فرهن ركوته بملح و حمله اليه فجعل ابوذر يأكل ذلك الخبز و يذر عليه ذلك الملح و يقول الحمد للّه الذي رزقنا هذه القناعة فقال سلمان لو كانت قناعة لمتكن ركوتي مرهونة و ابوذر زهده آية زهد عيسي7 فما حال سلمان و كان علي سلمان كساء من صوف فيه طعامه و هو دثاره و رداؤه فدخل عيينة بن حصن علي النبي9 و سلمان عنده فتأذي عيينة بريح كساء سلمان و قد كان معرقاً و قد كان يوم شديد الحر فعرق في الكساء فقال يا رسولاللّه اذا نحن دخلنا عليك فاخرج هذا و اصرفه من عندك فاذا نحن خرجنا فادخل من شئت فانزل اللّه(و لاتطع من اغفلنا قلبه) الآية و دخل سعد علي سلمان رحمة اللّه عليه يعوده فجعل يبكي و يقول لاابكي جزعاً من الموت او حزناً علي الدنيا ولكن رسولاللّه9 عهد الينا ليكن بلغة احدكم مثل زاد الراكب و هذه الاساور حولي و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۱۹ *»
ما حوله الا مطهرة و اجانة و جفنة و تزوّج سلمان رحمة اللّه عليه امرأة من كندة فدخل عليها فاذا لها خادمة و علي بابها عباءة فقال سلمان ان في بيتكم لمريضاً او قدتحولت الكعبة فيه فقيل ان المرأة ارادت ان تستر علي نفسها فيه قال فما هذه الجارية قالوا كان لها شيء فارادت ان تخدم قال اني سمعت رسولاللّه يقول ايما رجل كانت عنده جارية فلميأتها او لميزوّجها من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها و ذهب ابووائل و صاحب له الي سلمان فجلسا عنده فقال لولا ان رسولاللّه9 نهي عن التكليف لتكلفت لكم ثم جاء بخبز و ملح ساذج لا ابزار عليه فقال صاحبي لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر فبعث سلمان بمطهرته فرَهَنَها علي سعتر فلما اكلوا قال صاحبه الحمد للّه الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقك لمتكن مطهرتي مرهونة.
و قيل لابيذر; عند الموت ما مالك قال عملي قالوا انما نسألك عن الذهب و الفضة قال مااصبح و لاامسي و ماامسي و لااصبح لنا كندوج فيه حر متاعنا سمعت خليلي رسولاللّه9 يقول كندوج المرأ قبره و قال; جزي اللّه الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير اتغدي باحدهما و اتعشي بالآخر و بعد شملتي الصوف اتزر باحديهما و ارتدي بالاخري و قال رسولاللّه9 من اراد ان ينظر الي زهد عيسي بن مريم فلينظر الي ابيذر و كان عليه جبة واحدة الي ان نفي الي ربذة و بكي من خشية اللّه عزوجل حتي اشتكي بصره فقيل له يا اباذر لو دعوت اللّه ان يشفي بصرك فقال اني عنه لمشغول و ما هو اكبر همي قالوا و ما يشغلك عنه قال العظيمتان الجنة و النار .
و روي في حديث ان عيال علي7 لميكن عندهم شيء يومين فخرج و استقرض ديناراً فعرض له مقداد بن الاسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه و آذته من تحته فلما رأي علي7 ذلك انكر شأنه فقال يا مقداد ما ازعجك هذه الساعة من رحلك فقال يا اباالحسن خل سبيلي و لاتسألني عما ورائي قال يااخي لايسعني ان تجاوزني حتي اعلم علمك فقال يا اباالحسن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۰ *»
رغبت الي اللّه عزوجل و اليك ان تخلي سبيلي و لاتكشفني عن حالي قال يا اخي لايسعك انتكتمني حالك فقال يا اباالحسن اما اذا ابيت فو الذي اكرم محمداً بالنبوة و اكرمك بالوصية ماازعجني من رحلي الا الجهد و قد تركت عيالي جياعاً فلما سمعت بكاهم لمتحملني الارض فخرجت مهموماً راكباً رأسي هذه حالي و قصتي فهملت عينا علي بالبكاء حتي بلت دموعه لحيته فقال احلف بالذي حلفت به ماازعجني الا الذي ازعجك و قد اقترضت ديناراً فهاك هو فقد آثرتك علي نفسي فدفع الدينار اليه و رجع حتي دخل المسجد الي آخر الخبر و هو معروف.
بالجملة هكذا كان احباؤ اللّه و انبياؤه و حججه و المؤمنون في زهدهم في الدنيا و عدم الولع في تحصيلها و عدم الاعتناء بها و الاخبار في ذلك اكثر من ان تحصي و ازيد من ان تستقصي و من عرف انه مركب من جسد و من روح ايمان و عرف ان الدنيا مدد جسده و الاعمال الصالحة مدد روح ايمانه و شاهده علانية انهما متنافيان كلما ثقل الدنيا خف الاخري و كلما ثقل الاخري خف الدنيا و كلما غلظ الجسد رق الايمان و اذا رق الجسد غلظ الايمان زوي نفسه عن تقوية الجسد و تكثير امداده و اعراضه و شده بحبال التعلقات و اخلاده الي الارض و كلما يزوي عنه الدنيا يستبشر و يفرح بتقوية روح ايمانه و استكمال انسانيته و انما امرونا بالزهد لاجل رفع التعلق عن البدن و الفراغ لتحصيل الايمان و التقرب الي اللّه و انكشاف الغيوب و انما ينهمك في الدنيا من لميعرف لذة الزهد و لميذق راحة الفقر و حلاوتهما و لميعرف نفعهما و اللّه المستعان.
فصل: اعلم ان الزهد و ان كان جميعه في كلمتين من القرآن (لكيلاتأسوا علي ما فاتكم و لاتفرحوا بما اتيكم) و يتحقق الزهد بان لايحب الانسان الدنيا و لايسترّ باقبالها و لايحزن بادبارها بوجه من الوجوه و لاينافي الزهد كثرة الاموال و الاولاد و الحشم كما كان ذلك لسليمان بن داود7 و لذيالقرنين و ليوسف7 و للائمة: من بعد علي7 و مع ذلك كل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۱ *»
واحد منهم زاهد علي حسب درجته و كان الائمة: ازهد الخلق ولكن ليس الصبر علي الزهد مع كثرة الاموال و الاولاد و الخدم حد كل احد و لا كل احد يقدر ان يمسك نفسه عن الميل الي الدنيا و لايغتر بزخارفها و ان لميكن ذلك فلميجعل اللّه لرجل من قلبين في جوفه يتوجه بواحد الي الدنيا و بواحد الي الآخرة و لايخفي احتياج ضبط الدنيا الي التوجه التام و تعب الليل و النهار و سفر البر و البحر و معاشرة الناس و مزاولة الوسواس و ان لميكن ذلك فلايخلو من ضرر قوله تعالي (اذهبتم طيباتكم في حيوتكم الدنيا و استمتعتم بها) فينبغي للمؤمن انيجتنب من تكثير الاموال و الاولاد و العيال و ان جمع له شيء من ذلك فليؤد شكره و ليضعه حيث امره اللّه و يقنع بالكفاف و يحفظ روح ايمانه و ان راض نفسه و قتر عليها في المأكل و المشرب و الملبس فبخ بخ فهو احلي و احسن ولكن العيال لايطيقون ذلك و لايقبلونه فان كان و لابد فليدبر معيشتهم بادني ما يرضون به و ليريض نفسه ما امكنه و ليسع في عدم تعلق قلبه بشيء من حطام الدنيا و يكون وجودها و عدمها عنده سواء و اعلم ان كل هذه النصايح و المواعظ لرياضة النفس الحيوانية و اما الناطقة القدسية فاذا جاءت فجميع المكارم سجيتها و طباعها فلو ملك الشرق و الغرب هو زاهد في الدنيا غير راغب اليها و يتنزه عنها ولكن الخطب كل الخطب في تعديل الحيوانية و رفع جمحها و شماستها و رياضتها و كيف كان فان احرز حر ماله و جياد متاعه في مكان حريز ليوم حاجته فاحسن و احسن و مرادي التصدق بكل ما يزيد عن كفافه و ما يعجبه اياه متابعة لقوله تعالي (لنتنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون) فذلك ارغم لانف الشيطان و النفس و اعون علي الزهد في الباقي الفاني و لما بلغ الكلام الي هنا فلا علينا ان نذكر فصلين في الانفاق و الجود لعلك تجود بما تجد وثوقاً بما جعل اللّه فيه من الفضل و تحصيلاً لدرجات جعلها اللّه جزاء للجود و السخاء و الانفاق في سبيل اللّه عزوجل.
فصل: في معني الجود و السخاء و الكرم اعلم ان اللّه جلجلاله خلق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۲ *»
الانسان في قدس ملكوته ثم انزله الي هذا العالم ليتجر فيه و يكتسب ما ينفعه اذا رجع الي الملكوت و ذلك ان سعادته و شقاوته بما يكتسب من هذه الدنيا فمن نزل الي الدنيا و اكتسب فيها مما ينفع روح ايمانه من طاعة اللّه و طاعة رسله و حججه الذين هم علي صفة محبة اللّه جلجلاله و مظاهر اسمائه و صفاته سعد و رجع الي ملكوته قرير العين و نجا و فاز بجوار اولئك الرسل و الحجج و اولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقاً و من نزل الي الدنيا و استحلاها و اتخذها دار قرار و لميكتسب ما ينفع روح ايمانه و ادام في تعمير ممره و ترك تعمير مقره فاولئك الذين خسروا انفسهم فلاتعجبك اموالهم و لا اولادهم انما يريد اللّه ليعذبهم بها في الحيوة الدنيا و تزهق انفسهم و هم كافرون فالدنيا لمتخلق مقصودة بالذات و انما خلقت للتزود للآخرة و التروي لها و ينبغي ان يحصل الانسان منها بلغته و فيها زاده و الزاد للآخرة الاعمال الصالحة و الاخلاق الزكية و البلغة منها ما تعيش الي منتهي اجلك فما توجهت الي الدنيا لتحصيل البلغة فانت معاف اذ ما لمتعش لمتتزود و كلما توجهت اليها لما وراء اجلك فانت عامل غيرك و تارك تزودك لاجل غيرك و ما اشد حمقك ان تترك تزودك لآخرتك و تسعي ليلك و نهارك لتعمير دنيا غيرك نعوذ باللّه من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين و اما البلغة فهو ما يسدّ جوعتك و يستر عورتك و يكن جثتك و ما وراء ذلك فهو فضل و اني وجدت جميع تعب الناس من اجل تحصيل الفضول و الا فيواري عورتك طمراك و يسد جوعتك قرصاك و كلما تصرف من عمرك في تحصيل الفضول تنقص من تزودك لدار الخلود قطعاً و تتحمل المشاق لغيرك فاما يسعد به و لك الحسرة و اما يشقي به و لك الاسف و اما الاصول فانت معذور و انت لمتخلق لتعمير الدنيا و نيل شهواتها و الانهماك فيها كما قال اللّه جلجلاله(و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) و قال (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علواً في الارض و لا فساداً و العاقبة للمتقين).
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۳ *»
فالذي ينبغي للمؤمن ان يقنع بتحصيل الاصول و هو حينئذ اشد الناس راحة و لايبالي من اكل فضول الدنيا و يتركها فهو حينئذ اغني الناس و اعزهم و ان اجتمع له الدنيا فليأخذ منها مقدار بلغته وليبذل الباقي علي المستحقين و هو حينئذ اجود الناس و ازهدهم و من لميبذل ماله في سبيل محبوبه فهو ببذل نفسه اشح و عن درجة الاحباء ساقط قال علي بن الحسين7 لينفق الرجل بالقسط و بلغة الكفاف و يقدم منه الفضل لآخرته فان ذلك ابقي للنعمة و اقرب الي المزيد من اللّه و انفع في العاقبة و من علامة الجود ترك طلب الحرام و الرضا بان يكون مال الناس لهم فمن لميرض بان يكون مال الناس في ايديهم و هو في ايديهم فهو بمنعها عن الناس اشدّ و اولي اذا وقع في يديه فاول درجات الجود ان تسخو نفسك عن الحرام و تريد ان يكون مال الناس لهم فتتورع عن الحرام ثم تبذل ما في يديك من الحلال كما قال ابوعبداللّه7 السخاء ان تسخو نفس العبد عن الحرام ان تطلبه فاذا ظفر بالحلال طابتنفسه انينفقه فيطاعةاللّه عزوجل و رأيت كلاماً لاميرالمؤمنين7 ينبغي ان يكتب بالنور علي صفحات الصدور و هو قوله اعط من شئت تكن اميره و سل من شئت تكن اسيره و استغن عمن شئت تكن نظيره و قال من جاد ساد.
بالجملة و لما كان المال مال اللّه و انت عبد اللّه يجب ان تضعه حيث امر اللّه و ان خالفت عصيت و ان بذلت في غير محله فخسرت الدنيا و الآخرة و تصرفت في مال اللّه بغير اذنه و ليس هذا عند اهل البصيرة جوداً بل هو اسراف و تبذير و الجود ان ترد مال اللّه اليه و لاتمسكه عنه و ايدي اخذ اللّه من امر اللّه باعطاء المال لهم و السنة مطالبة اللّه رسله و حججه و في الحقيقة لا جود للعبد غير ذلك فان الجود الحقيقي ان يجود الانسان بماله و العبد لا مال له و انما المال مال المولي فاذا رد مال المولي اليه فقد احسن و ليس متلف مال المولي باحسن من ممسك مال المولي عنه اذ في الحالين لميرد المال اليه فسواء اذا طالبتك مالي الذي في يدك ان تمنعنيه او ترميه في البحر فان الاسراف احد المنعين عن رب المال و هذا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۴ *»
الذي قد اشتبه علي كثير من الناس فالمسرف بخيل اذ بخل بمال الغير و لميرده اليه كما روي عن ابيعبداللّه7 ان الشحيح من منع حق اللّه و انفق في غير حق اللّه و قال ان البخيل من كسب مالاً من غير حله و انفقه في غير حقه و الجواد من رد مال الغير اليه اذا طالبه فالواجب علي المؤمن ان يري المال مال اللّه و يضعه حيث امره اللّه فان العبد و ما يملك لمولاه و اعلم ان وضع المال حيث امر رب المال دليل الطاعة لرب المال و محبته و العبودية و الشح عليه دليل حب المال و الاعراض عن ربه و العصيان و ايداع اللّه عباده الاغنياء ماله ثم طلبه منهم امتحان منه و فتنة كما روي عن جميل بن دراج عن ابيعبداللّه7 مابلي اللّه عزوجل العباد بشيء اشد عليهم من اخراج الدرهم فمن تخلص من هذا الامتحان و لميزو عن رب الوديعة وديعته فهو العبد الموحد المخلص و من انكب عليها و منعها ربها فهو المشرك بربها شرك طاعة سواء امسكها او اتلفها و من وطن نفسه علي ما ذكرنا و اقتصد علي ما شرحنا فهو العبد الجواد الممتحن المخلص الموحد و يجب ان يكون المؤمن في غير المحل ابخل الناس و احفظهم علي المال فلايبذل منه درهماً لانه مال الغير لا ماله و في المحل اجود الناس بحيث لايخطر بباله تعلق به و يرده بلا تكلف هذا و الانسان في حال وضع المال حيث امر رب المال يد اللّه الباسطة بالجود و خليفته في الانفاق علي عياله و تربيتهم و في حال امساكه عن غير المحل امين اللّه علي ماله و حافظه لقنية عياله و هو خطب جسيم و مقام عظيم و لاتزعمن ايها العبد الفقير الذي لايقدر علي شيء انك مختار و تملك جسدك الاتري انك لاتقدر علي قطع يدك و قلع عينك او تملك ولدك و اهلك فانك لاتقدر ان تقتلهم و تجرحهم و تؤذيهم او تملك مالك فانك ليس لك المنع عما امرت بالانفاق عليهم و الانفاق علي من نهيت عن الانفاق عليه او نبذه في اليم او انفاقه علي نفسك بغير ما امرت به فاني لك الملك و انت مملوك و اني لك التصرف علي ما شئت و انت مأمور و منهي.
بالجملة ان الجود من اشرف الخصايل و الجواد حبيب اللّه و حبيب رسوله و حججه و حبيب ملئكته و حبيب اهل الارض كلهم و لايبغض الجواد احد الا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۵ *»
الشحيح بل و لعله يحبه نظراً الي ان يعطيه شيئاً فيضمه اليه و يبخل به و هو كرامة للنفس لاتخفي و دليل استعلاء للنفس عن الركون الي متاع الدنيا و انقطاع النفس الي اللّه اذا كان جوده للّه و في محله و دليل حبه للّه و لرسوله اذا اعرض عن محبوب اهل الدنيا لهما و لعمري هو خلق ينبغي ان يريّض الانسان نفسه حتي يصير سجية له و حسبك انه من اشهر خصال الانبياء و الاولياء و يمدحه كل احد و يذم البخل كل احد حتي ان البخيل اذا قيل له انك جواد يفرح و اذا قيل انك بخيل يسوؤه ذلك فاذ قد عرفت ما ذكرنا فلنذكر شواهده من الاخبار لتعلم انها من ينبوع علم الائمة الاطهار.
فصل: في نبذة من الاخبار الواردة في فضل الجود و شرحه ففي الوسائل عن مسعدة بن صدقة قال قـال ابوعبداللّه7 لبعض جلسائه الااخبرك بشيء يقرب من اللّه و يقرب من الجنة و يباعد من النار فقال بلي فقال عليك بالسخاء فان اللّه خلق خلقاً برحمته لرحمته فجعلهم للمعروف اهلاً و للخير موضعاً و للناس وجهاً يسعي اليهم لكي يحيوهم كما يحيي المطر الارض المجدبة اولئك هم المؤمنون الآمنون يوم القيمة و عن ابيجعفر المدايني عن ابيعبداللّه7 شاب سخي مرهق في الذنوب احب الي اللّه من شيخ عابد بخيل و عن اميرالمؤمنين7 انه قال لابنه الحسن ما السماحة قال البذل في العسر و اليسرو عن الحسن بن علي الوشا قال سمعت اباالحسن7 يقول السخي قريب من اللّه قريب من الجنة قريب من الناس وقال السخاء شجرة في الجنة من تعلق بغصن من اغصانها دخل الجنة و عن مهدي عن ابيالحسن موسي7 قال السخي الحسن الخلق في كنف اللّه لايتخلي اللّه منه حتي يدخله اللّه الجنة و مابعث اللّه نبياً و لا وصياً الا سخياً و ماكان احد من الصالحين الا سخياً و مازال ابي يوصيني بالسخا حتي مضي و قال من اخرج من ماله الزكوة تامة فوضعها في موضعها لميسأل من اين اكتسبت مالك و عن النبي9 السخي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۶ *»
محبب في السموات محبب في الارض خلق من طينة عذبة و خلق ماء عينيه من الكوثر و البخيل مبغض في السموات مبغض في الارضين خلق من طينة سبخة و خلق ماء عينيه من ماء العوسج و عن ابيعبداللّه7 في قوله تعالي (كذلك يريهم اللّه اعمالهم حسرات عليهم) قال هو الرجل يدع ماله و لاينفقه في طاعة اللّه بخلاً ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة اللّه او في معصية اللّه فان هو عمل فيه بطاعة اللّه رآه في ميزان غيره فرآه حسرة و قد كان المال له فان كان عمل به في معصية اللّه قواه بذلك المال حتي عمل به في معصية اللّه عزوجل و عن ابيالحسن7 قال قـال رسولاللّه9من ايقن بالخلف سخت نفسه بالنفقة و قال9 الايدي ثلثة سائلة و منفقة و ممسكة فخير الايدي منفقة و عن حسين بن ايمن عن ابيجعفر7 قال ياحسين انفق و ايقن بالخلف من اللّه فانه لميبخل عبد و لا امة بشيء فيما يرضي اللّه الا انفق اضعافه فيما يسخط اللّه و دخل علي ابيالحسن الرضا7 مولي له فقال هل انفقت اليوم شيئاً قال لا واللّه قال فمن اين يخلف اللّه علينا انفق و لو درهماً واحداً وعن معوية بن وهب عن ابيعبداللّه7 قال من يضمن لي اربعة باربعة ابيات في الجنة انفق و لاتخف فقراً و انصف الناس من نفسك و افش السلام في العالم و اترك المراء و ان كنت محقاً و عن ابيالحسن الاول7 في حديث الجواد الذي يؤدي ما افترض اللّه عليه و البخيل من بخل بما افترض اللّه عليه و سئل ابوعبداللّه7 عن حد السخا فقال تخرج من مالك الحق الذي اوجب اللّه عليك فتضعه في موضعه و قال السخاء انتسخو نفسالعبد عنالحرام انتطلبه فاذا ظفر بالحلال طابت نفسه انينفقه في طاعة اللّه عزوجل و عن الصادق7 السخاء من اخلاق الانبياء و هو عماد الايمان و لايكون مؤمن الا سخياً و لايكون سخي الا ذو يقين و همة عالية لان السخاء شعاع نور اليقين من عرف ما قصد هان عليه ما بذل و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۷ *»
قال النبي9 ماجبل ولي اللّه الا علي السخاء و السخاء ما يقع علي كل محبوب اقله الدنيا و من علامة السخاء ان لايبالي من اكل الدنيا و من ملكها مؤمن او عاص كافر او مطيع شريف او وضيع فيطعم غيره و يجوع و يكسو غيره و يعري و يعطي غيره و يمتنع من قبول عطاء غيره و لايمتن بذلك و لايمن و لو ملك الدنيا باجمعها و لمير نفسه الا اجنبياً و لو بذلها في ذات اللّه تعالي في ساعة واحدة ما ملّ قال رسولاللّه9 السخي قريب من اللّه قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار و البخيل بعيد من اللّه بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار و لايسمي سخياً الا باذل في طاعة اللّه و لوجهه و لو كان برغيف او شربة ماء قال النبي9 السخي بما يملك و اراد به وجه اللّه و اما المتسخي في معصية اللّه فحمال سخط اللّه و غضبه و هو ابخل الناس لنفسه فكيف غيره حيث اتبع هواه و خالف امر اللّه قال اللّه عزوجل (و ليحملن اثقالهم و اثقالاً مع اثقالهم) و قال النبي9يقول اللّه تعالي ابن آدم ملكي ملكي و مالي مالي يا مسكين اين كنت اين كنت حيث كان الملك و لمتكن و هل لك الا ما اكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فابقيت اما مرحوم به او معاقب عليه، فاعقل ان لايكون مال غيرك احب اليك من مالك فقد قال اميرالمؤمنين علي7ما قدمت فهو للمالكين و ما اخرت فهو للوارثين و ما معك ليس لك عليه سبيل سوي الغرور به كم تسعي في طلب الدنيا و كم ترعي افتريد ان تفقر نفسك و تغني غيرك و الاخبار في ذلك لاتحصي و كفي بنفس هذا الخلق الشريف دليلاً علي حسنه و لايحتاج الي دليل آخر و ما ورد من جود الانبياء و الاولياء اكثر من ان تحصي و هي في محالها مذكورة.
فصل: و لما ذكرنا شيئاً من السخا فلنذكر ايضاً شيئاً من البخل و الشحّ اعلم ان البخل و الشحّ من ارذل الخصائل فانه ينبئ بشدة تعلق المرء بالدنيا و حطامها
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۸ *»
حتي رجح جمادات علي ربه و علي دينه و علي نفسه فيهلك نفسه لاجل احجار جمعها فلايضعها حيث امرها اللّه فيهلك نفسه في الدنيا و الآخرة و يحفظ الاحجار و يحب الجمادات و يخالف رب البريات و البخيل يعيش دائماً فيما يفر منه فانه يخاف الفقر و ابداً هو فقير لايأكل و لاينفق و يبغض نفسه عند عشيرته و احبابه و يقطعهم عن صلته و يقطع عنهم يداً واحداً و يقطعون عنه ايدياً كثيرة و لا خليل لبخيل قط يمقته الاحباب لامساك يده عنهم و يمقته الاهل لعدم انفاقه عليهم يتمنون موته عن قريب ليتوسع عليهم الدنيا بعده و يمقته اللّه و رسوله و حججه لعدم ادائه حقوقهم الواجبة يعيش عيش الفقراء و يحاسب حساب الاغنياء ذليل عند الاعداء خسيس عند الاولياء يتحمل كل ذلة خوفاً علي ماله و يصبر علي كل نكبة.
و اعلم ان الشحّ شيطان امار بالسوء يأمر صاحبه بسوء الظن باللّه و بمعصية اللّه و بمعصية رسوله و اوليائه و بالكذب و الظلم و عقوق الوالدين و قطيعة الرحم و منع الزكوة و منع الخمس و منع اداء الحقوق و منع الانفاق في سبيل اللّه و تضييع العيال و الذلة بين الناس و مقت السائلين و الاستخفاف بالفقراء و المساكين و مقت اللّه و رسله الداعين الي الانفاق و الفقر العاجل و مقت جميع الناس و الحرص علي الدنيا و حبها الذي هو رأس كل خطيئة و السهر الدائم و التعب مادام الحيوة و امثال ذلك و لايزال في همّ حراسة المال و يشقي نفسه بالليل و النهار ليسعد ماله.
بالجملة هو خلق رذيل و كفي بما ذكره الحجج: في ذمه ففي الوسائل عن اميرالمؤمنين7 انه سمع رجلاً يقول ان الشحيح اعذر من الظالم فقال كذبت ان الظالم قد يتوب و يستغفر و يرد الظلامة علي اهلها و الشحيح اذا شح منع الزكوة و الصدقة و صلة الرحم و قري الضيف و النفقة في سبيل اللّه و ابواب البر و حرام علي الجنة انيدخلها شحيح و عن جابر عن ابيجعفر7 قال قـال رسولاللّه9 ليس البخيل من ادي الزكوة المفروضة من ماله و اعطي النائبة في قومه انما البخيل حق البخيل من لميؤد الزكوة المفروضة من ماله و لميعط النائبة في قومه و هو يبذر فيما سوي ذلك و عن النبي9
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۲۹ *»
مامحق الاسلام محق الشح شيء ثم قال ان لهذا الشح دبيباً كدبيب النمل و شعباً كشعب الشرك و سأل علي7 الحسن7 قال ما الشحّ قال ان تري ما في يديك شرفاً و ما انفقت تلفاً و عن ابيعبداللّه7 في حديث الشحيح اشد من البخيل ان البخيل يبخل بما في يديه و ان الشحيح يشح بما في ايدي الناس و علي ما في يديه حتي لايري بايدي الناس شيئاً الا تمني ان يكون له بالحل و الحرام و لايشبع و لايقنع بما رزقه اللّه تعالي و عن الصادق7 ان للّه بقاعاً تسمي المنتقمة فاذا اعطي اللّه عبداً مالاً لميخرج حق اللّه منه سلط اللّه عليه بقعة من تلك البقاع فاتلف ذلك المال فيها ثم مات و تركها و عن النبي9 خصلتان لاتجتمعان في مسلم البخل و سوء الخلق و عنه9 لايجتمع الشح و الايمان في قلب عبد ابدا وعن ابيعبداللّه7 لايؤمن رجل فيه الشح و الحسد و الجبن و لايكون المؤمن جباناً و لا حريصاً و لا شحيحاً و عن النبي9 اياكم و الشح فانما هلك من كان قبلكم بالشح امرهم بالكذب فكذبوا و امرهم بالظلم فظلموا و امرهم بالقطيعة فقطعوا وقال ابوعبداللّه7 ما من رجل يمنع درهماً في حقه الا انفق اثنين في غير حقه و ما من رجل يمنع حقاً من ماله الا طوقه اللّه به حية من نار يوم القيمة اقول هو قوله تعالي (لايحسبن الذين يبخلون بما آتيهم اللّه من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة) و سمع الرضا7 يقول ان صاحب النعمة علي خطر انه يجب عليه حقوق اللّه فيها واللّه انه لتكون عليّ النعم من اللّه عزوجل فماازال منها علي وجل و حرك يده حتي اخرج من الحقوق التي تجب للّه عليّ فيها.
فصل: و لما ذكرنا شطراً من معني الجود و شطراً من معني البخل ناسب اننذكر شيئاً من معني الاسراف و التبذير و هل لذلك حد ام لا.اعلم ان الاسراف لغة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۰ *»
مجاوزة القصد و التبذير هو التفريق من غير قصد كما يبذر الزارع الحب من غير ان يلاحظ الموضع و هما يجتمعان و يفترقان فكل مبذر مسرف و لا كل مسرف مبذر و نحن نذكرهما في معني واحد لان علم الذم فيهما واحد فهو خلق مذموم لان العبد لايملك في الدنيا شيئاً و انما المال مال اللّه يجب انيضعه حيث امره اللّه فيصرفه علي نفسه بقدر ما امره اللّه لا ازيد و علي واجب النفقة بقدر ما امر اللّه لا ازيد و علي اصحاب الحقوق بقدر ما وضعه اللّه و رخصه لا ازيد و علي الفقراء و المساكين بقدر ما امر اللّه لا ازيد فمن فعل ذلك فهو جواد و من قصر عن ذلك فهو بخيل و من زاد علي ذلك فهو مسرف و ليس اقول كما يقول اصحاب علم الاخلاق ان الممدوح من كل صفة ما كان بين الافراط و التفريط مطلقاً فان القصد ان لميكن للّه فهو اسراف و يجب ان يكون للّه و في اللّه و بامر اللّه فذلك المحبوب ارأيت من كان مالك بيده و انفقه بالقصد من غير اسراف و لا بخل بغير اذنك هو محمود حاشا و انما المحمود من يصرفه باذنك فان امرته بتفريق الكل ففعل فليس بمسرف و ان امرته بامساك الكل ففعل فليس ببخيل و ان امرته بالقصد ففعل فهو محمود و الا فهو مذموم كالاولين بلا تفاوت فلاتنظروا الي الصفات من حيث هي فان جميعها من الطبايع و لا خير فيها و اغلب من تراه من اهل الدنيا و ان كانوا ذوي خصال حميدة في الظاهر فهي فيهم من اجل طبايعهم فلرب طبع له اعتدالما فيظهر منه صفات معتدلة و لا خير فيها نعم هو في الدنيا في راحة و هو ثوابه و يستريح من يعاشره في الدنيا و اما الثواب الاخروي و كمال النفس الناطقة فانما هو بفعل للّه و في اللّه و صفة اتصف بها للّه و في اللّه فافهم فليس الاسراف بذل الكل و لا البخل امساك الكل بل الاسراف تعدي حدود اللّه في المال و البخل التفريط في حق اللّه في المال و هذا منظورنا هنا و في كل صفة كما اشرنا اليه سابقاً فلاتغفل فلابد من النظر في حدود اللّه فلنذكر اولاً شيئاً من الاخبار في مدح مطلق الاقتصاد و ذم مطلق التقتير و الاسراف ثم ننظر في وجوه الانفاق قال اللّه سبحانه (و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو) قال ابوعبداللّه7 العفو الوسط وكفي في ذم الاسراف قوله تعالي (و ان المسرفين هم اصحاب النار) و في فرعون (انه كان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۱ *»
عالياً من المسرفين) و (لاتسرفوا انه لايحب المسرفين) و في الوسائل عن داود الرقي عن ابيعبداللّه7 قال ان القصد امر يحبه اللّه عزوجل و ان السرف امر يبغضه اللّه عزوجل حتي طرحك النواة فانها تصلح لشيء و حتي صبك فضل شرابك و عن اميرالمؤمنين7 القصد مثراة و السرف متواة و عن مدرك بن الهزهاز عن ابيعبداللّه7 قال سمعته يقول ضمنت لمن اقتصد ان لايفتقر و عن حماد اللحام عن ابيعبداللّه7 قال لو ان رجلاً انفق ما في يديه في سبيل من سبل اللّه ماكان احسن و لاوفق اليس اللّه يقول (و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة و احسنوا ان اللّه يحب المحسنين) يعني المقتصدين اقول يعني صورته صورة سبيل اللّه فان ما نهي اللّه احداً عنه فليس بسبيل اللّه له و ان امر به آخر و كان له سبيل اللّه و عن ابيعبداللّه7 يا عبيد ان السرف يورث الفقر و ان القصد يورث الغني و عن رفاعة عن ابيعبداللّه7 قال اذا جاد اللّه تبارك و تعالي عليكم فجودوا و اذا امسك عنكم فامسكوا و لاتجاودوا اللّه فهو اجود و عن موسي بن بكر قال سألت اباالحسن7 يقول الرفق نصف العيش و ماعال امرؤ في اقتصاد و عن عبداللّه بن ابان قال سألت اباالحسن الاول7 عن النفقة فقال ما بين المكروهين الاسراف و الاقتار و عن ابيعبداللّه7 اربعة لايستجاب لهم احدهم كان له مال فافسده فيقول يا رب ارزقني فيقول المآمرك بالاقتصاد و عن محمد بن سنان عن ابيالحسن7 في قول اللّه عزوجل (و الذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) قال القوام هو المعروف علي الموسع قدره و علي المقتر قدره علي قدر عياله و مــݘـونته التي هي صلاح له و لهم لايكلف اللّه نفساً الا ما آتيها و عن ابيعبداللّه7 ليس فيما اصلح البدن اسراف و قال انما الاسراف فيما افسد المال و اضر بالبدن قيل فما الاقتار قال اكل الخبز و الملح و انت تقدر علي غيره قيل فما القصد قال الخبز و اللحم و اللبن و الخل و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۲ *»
السمن مرة هذا و مرة هذا اقول المراد من اكل الملح ان يكون بخلاً او المراد بالاكل هو الانفاق كما قال اللّه (الذين يأكلون اموال اليتامي) اي ينفقونها في مصارفهم فمن الاقتار انتطعم اهلك الخبز و الملح و انت تقدر علي غيره لا اكلك بنفسك فانك لعلك تأكل ذلك رياضة للنفس كما ان الائمة: كانوا يأكلون خبز الشعير و الخل و الزيت و هم يقدرون علي غيره ولكن يطعمون الاهل و الضيف غير ذلك علي حسب الاقتصاد فلا بأس بالتقتير علي النفس رياضة لها و عن عبداللّه بن سنان عن ابيعبداللّه7 في قول اللّه تبارك و تعالي (و الذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) فبسط كفه و فرق اصابعه و حناها شيئاً و عن قوله تعالي (و لاتبسطها كل البسط) فبسط راحتيه و قال هكذا و قال القوام ما يخرج من بين الاصابع و يبقي في الراحة منه شيء و عن ابيعبداللّه7 قال رب فقير هو اسرف من الغني ان الغني ينفق مما اوتي و الفقير ينفق من غير ما اوتي و تلا ابوعبداللّه7 هذه الآية (والذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) قال فاخذ قبضة من حصي فقبضها بيده فقال هذا الاقتار الذي ذكره اللّه في كتابه ثم اخذ قبضة اخري و ارخي كفه كلها ثم قال هذا الاسراف ثم اخذ قبضة اخري فارخي بعضها و امسك بعضها و قال هذا القوام.
بالجملة يظهر من هذه الاخبار ان جميع ما هو افساد المال و اتلافه بحيث لاينتفع هو و لا غيره به هو اسراف محض لايجوز و كذا جميع ما يضر بالبدن هو اسراف محض لايجوز و كذا الانفاق علي النفس او العيال علي خلاف ما يقتضيه القصد كأن يشتري بجميع ماله شملة غالية يلبسها هو او عياله او دابة فارهة يركبها ثم لايبقي في يده شيء و يحتاج الي السؤال و لو فرقه فيما يحتاج من مأكلهم و ملبسهم لكان يكفيهم في غير سرف فذلك مسرف حقاً و ذلك ما رواه في كنزالدقايق من تفسيرالعياشي عن ابيعبداللّه7 قال اتري اللّه اعطي من اعطي من كرامته عليه و منع من منع من هوان به عليه لا ولكن المال مال اللّه يضعه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۳ *»
عند الرجل ودايع و جوز لهم ان يأكلوا قصداً و يشربوا قصداً و يلبسوا قصداً و ينكحوا قصداً و يعودوا بما سوي ذلك علي فقراء المؤمنين و يلموا به شعثهم فمن فعل ذلك يأكل حلالاً و يشرب حلالاً و يركب و ينكح حلالاً و من عدا ذلك كان عليه حراماً ثم قال و لاتسرفوا انه لايحب المسرفين اتري اللّه ائتمن رجلاً علي ما خوله له ان يشتري فرساً بعشرة آلاف درهم و يجزيه فرس بعشرين درهماً و يشتري جارية بالف دينار و يجزيه بعشرين ديناراً و قال (و لاتسرفوا انه لايحب المسرفين) و عن ابيعبداللّه7 للمسرف ثلث علامات يشتري ما ليس له و يلبس ما ليس له و يأكل ما ليس له و كذا استعمال ما به تصون عرضك في غير محل الحاجة الي الصيانة و في محل المهنة و الصنعة التي يفسد فيها الثياب الجياد و امثالها في ساير الامور و يدل علي ذلك ما رواه من الكافي بسنده عن سليمان بن صالح قال قلت لابيعبداللّه7 ادني ما يجيء من حد الاسراف فقال بذلك ثوب صونك و اهراقك فضل انائك و اكلك التمر و رميك بالنوي هيهنا و هيهنا.
بالجملة جميع ما فيه اتلاف مال اللّه و لو حبة من خردل فهو اسراف حتي ان الطعام متعلق بيدك فتغسلها من غير مص او الاناء متلطخ ببعض الغذاء فتغسله من غير لطع او تترك فتاة الطعام في البيت و يدل علي ذلك ما روي عن ابيعبداللّه7 كان رسولاللّه9 يلطع القصعة و يقول من لطع القصعة فكأنما تصدق بمثلها و عن ابيعبداللّه7 اني لالعق اصابعي حتي اري ان خادمي يقول مااشره مولاي و عن محمد بن الوليد الكرماني قال اكلت بين يدي ابيجعفر الثاني حتي اذا فرغت و رفع الخوان ذهب الغلام يرفع ما وقع من فتاة الطعام فقال له ما كان في الصحراء فدعه و لو فخذ شاة و ما كان في البيت فتتبعه و القطه و عن عبداللّه الارجائي قال كنت عند ابيعبداللّه7 و هو يأكل فرأيته يتتبع مثل السمسمة من الطعام ما يسقط من الخوان فقلت جعلت فداك تتبع هذا قال يا عبد اللّه هذا رزقك فلاتدعه لغيرك اما ان فيه شفاء من كل داء و من ذلك التقاط ما وجد من
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۴ *»
كسرة او تمرة و اكلها و لو كانت في قذر استحب له غسلها و اكلها فعن ابيعبداللّه7 انه قال في التمرة و الكسرة تكون في الارض مطروحة فياخذها انسان و ياكلها لاتستقر في جوفه حتي تجب له الجنة و قال رسولاللّه9 من وجد كسرة فاكلها كان له حسنة و من وجدها في قذر فغسلها ثم رفعها كان له سبعون حسنة و دخل علي عايشة فرأي كسرة كاد ان يطأها فاخذها و اكلها و قال يا حميرا اكرمي جوار نعم اللّه عليك فانها لمتنفر عن قوم فكادت تعود اليهم و مـن الاسراف الاكل ازيد من الحاجة و الاكل علي الشبع لقوله تعالي (كلوا و اشربوا و لاتسرفوا) و قوله7 ان الاسراف ما اتلف المال و اضر بالبدن و قول النبي9 يا علي اربعة يذهبن ضياعاً الاكل علي الشبع و السراج في القمر و الزرع في السبخة و الصنيعة عند غير اهلها و روي عن ابيعبداللّه7 الاكل علي الشبع يورث البرص و مـن الاسراف تعدي الاعطاء عند الحصاد و الجذاذ و الاعطاء بالكفين بل يعطي بكف واحدة مرة او مراراً و يدل علي ذلك ما رواه عن ابن ابينصر عن ابيالحسن7 قال سألته عن قول اللّه تعالي (و آتوا حقه يوم حصاده و لاتسرفوا) قال كان ابي يقول من الاسراف في الحصاد و الجذاذ انيصدق الرجل بكفيه جميعاً و كان ابي اذا حضر شيئاً من هذا فرأي احداً من غلمانه يتصدق بكفيه صاح به اعط بيد واحدة القبضة بعد القبضة و الضغث بعد الضغث من السنبل و عن محمد بن مسلم عن ابيجعفر7 في قوله تعالي(و لاتسرفوا انه لايحب المسرفين) قال كان فلان بن فلان الانصاري سماه كان له حرث و كان اذا جذه تصدق به و بقي هو و عياله بغير شيء فجعل اللّه ذلك سرفاً و مـن ذلك تكثير الانفاق بحيث يفقر كفه و عياله كما روي عن ابيعبداللّه7 قال لو ان رجلاً انفق ما في يديه في سبيل من سبل اللّه ماكان احسن و لاوفق اليس اللّه يقول (و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة و احسنوا ان اللّه يحب
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۵ *»
المحسنين) يعني المقتصدين و عن ابيعبداللّه7 في قوله عزوجل (و يسألونك ما ذا ينفقون قل العفو) قال العفو الوسط و كل ذلك اسراف.
و اعظم الاسراف ان يكون الرجل فقيراً لا شيء له و له جاه فيستقرض بجاهه و لا وفاء له ثم ينفقه في غير الوجوه الذي يحبها اللّه او يغصب مال المسلمين ثم ينفقه في ما لايحل فذلك له عقاب الاسراف و اتلاف مال المسلمين و هذا النوع من الاسراف غالب علي ابناء زماننا علي ان جميع المعاصي قد ترقي في زماننا و هو قول ابيعبداللّه7 رب فقير هو اسرف من الغني ان الغني ينفق مما اوتي و الفقير ينفق من غير ما اوتي.
و روي الرخصة في توسيع الانفاق في سفر الحج لانه موضوع لبذل المال في سبيل اللّه و ذلك ما روي عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 ما من نفقة احب الي اللّه عزوجل من نفقة قصد و يبغض الاسراف الا في حج او عمرة وكذلك لااسراف في انفاق فضول المال في الصدقات بعد رفع حاجة من يجب عليك الانفاق عليه و يدل علي ذلك قول النبي9 لاميرالمؤمنين7 اوصيك في نفسك بخصال احفظها عني ثم قال اللهم اعنه الي ان قال و اما الصدقة فجهدك جهدك حتي تقول قد اسرفت و لمتسرف و كذلك لا اسراف في الطعام اذا كان بقدر الحاجة اي حاجة نفسه و عياله و ضيفه و يسعي في تنويقه و تجويده و ذلك مشروط بان لايتجاوز حدك و يدل علي ذلك ما رواه صاحب كنزالدقايق من الخصال عن ابيعبداللّه7 ليس في الطعام من سرف و يجوز ان يكون الحديث بلفظ الخبر و المعني نهي و ما ذكرناه بذلك الشروط ليس بسرف لوقوع الامر به فعن ابيعبداللّه7 اعمل طعاماً و تنوق فيه و ادع عليه اصحابك و قال اذا اتاك اخوك فأته بما عندك و اذا دعوته فتكلف له و كذا لا اسراف في تعدد اللباس كما قيل لابيعبداللّه7 يكون للمؤمن عشرة اقمصة قال نعم قيل عشرون قال نعم قيل ثلثون قال نعم ليس هذا من السرف انما السرف انتجعل ثوب صونك ثوب بذلتك و سئل7
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۶ *»
عن الرجل الموسر يتخذ الثياب الكثيرة الجياد و الطيالسة و القمص الكثيرة يصون بعضها بعضاً يتجمل بها ايكون مسرفاً قال لا لان اللّه عزوجل يقول (لينفق ذو سعة من سعته) انتهي و ذلك انه ليس تضييع مال و انما هي مال موضوع لكن ذلك اذا كان موسراً و اما الفقير فلايجوز له ان يجعل ما في يده ثياباً ثم يتكفف لمأكله فيجب مراعاة يساره ان وسع اللّه عليه يوسع و ان ضيق يضيق بل يستحب للموسر التوسيع علي نفسه و عياله و انه التحدث بنعمة اللّه بالفعل فعن الصادق7 ان اللّه يحب الجمال و التجمل و يبغض البؤس و التباؤس فان اللّه اذا انعم علي عبده بنعمة احب ان يري عليه اثرها قيل كيف ذلك قال ينظف ثوبه و يطيب ريحه و يجصص داره و يكنس افنيته حتي ان السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر و يزيد في الرزق انتهي و لاينبغي بعد ارخاء الدنيا عزاليها و حصول السعة في الاسلام انيتشعث المؤمن و يزعم انه ينبغي ان يقتدي باميرالمؤمنين7 دون ساير الائمة: فانه7 كان في زمان مقتر و في الاسلام ضيق و اكثر المسلمين فقراء فكان يضيق علي نفسه لضيق الزمان و تسلية لفقراء المسلمين و اما بعد حصول السعة فلميفعل ساير الائمة مثل فعله و ينبغي الاقتداء بهم لمشاكلة الزمان بزمانهم دون زمانه نعم ينبغي لرياضة النفس ان يكون له تحت ثيابه ثوب خشن و الغذاء الخاص به غير جيد و البيت الخاص به في خلوته غير منجد خضوعاً للّه سبحانه و تعويداً للنفس رسم العبودية و لئلاتطغي في نفسه و يدل علي هذه الجملة انه دخل سفيان الثوري علي ابيعبداللّه7 فرأي عليه ثياباً بيض كأنها غِرقئ البيض فقال له ان هذا اللباس ليس من لباسك فقال له اسمع مني و عِ ما اقول لك فانه خير لك عاجلاً و آجلاً ان انت مت علي السنة و لمتمت علي بدعة اخبرك ان رسولاللّه9 كان في زمان مقفر جدب فاما اذا اقبلت الدنيا فاحق الناس بها ابرارها لا فجارها و مؤمنوها لا منافقوها و مسلموها لا كفارها فما انكرت يا ثوري فواللّه اني لمع ما تري مااتي علَيّ مذ عقلت صباح و لا مساء و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۷ *»
للّه في مالي حق امرني ان اضعه موضعاً الا وضعته و مرسفيان الثوري في مسجد الحرام فرأي اباعبداللّه و عليه ثياب كثيرة القيمة فقال واللّه لآتينه و لأوَبّخنه فدنا منه فقال يا ابن رسولاللّه واللّه مالبس رسولاللّه مثل هذا اللباس و لا عليٌّ و لا احد من آبائك فقال له ابوعبداللّه7كان رسولاللّه في زمان قتر مقتر و كان يأخذ لقتره و اقتاره و ان الدنيا بعد ذلك ارخت عزاليها فاحق اهلها بها ابرارها ثم تلا (قل من حرم زينة اللّه التي اخرج لعباده و الطيبات من الرزق) فنحن نأخذ منها ما اعطانا اللّه غير اني يا ثوري ما تري علي من ثوب انما لبسته للناس ثم اجتذب يد سفيان فجرها اليه ثم رفع الثوب الاعلي و اخرج ثوباً تحت ذلك علي جلده غليظاً فقال هذا لبسته لنفسي غليظاً و ما رأيته للناس ثم جذب ثوباً علي سفيان اعلاه غليظ خشن و داخل ذلك ثوب لين فقال لبست هذا الاعلي للناس و لبست هذا لنفسك تسرها و عن كامل بن ابرهيم انه دخل علي ابيمحمد7 فنظر الي ثياب بياض ناعمة قال فقلت في نفسي ولي اللّه و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الاخوان و ينهانا عن لبس مثله فقال مبتسماً يا كامل و حسر عن ذراعيه فاذا مسح اسود خشن علي جلده فقال هذا للّه و هذا لكم انتهي.
و اعلم انه لايجوز للانسان ان يلبس لباساً يشتهر به و يقع علي السن الناس و ذلك بثلثة انواع: الاول ان يلبس الرجل السري لباساً خشناً خلقاً و الثاني ان يلبس الرجل الدني لباساً ليس من زيه و رتبته و الثالث ان يتهيأ بهيئة عجيبة يصير به مطمح الانظار و يذكر به في المجامع و الاحسن ان يكون الانسان في الناس كاحد من الناس فلايتوجه اليه احد و بذلك يسلم دينه و دنياه و يدل علي ذلك ما روي عن ابيعبداللّه7 قال كفي بالمرء خزياً ان يلبس ثوباً يشهره او يركب دابة تشهره وقال7 الشهرة خيرها و شرها في النار و عن الحسين7 من لبس ثوباً يشهره كساه اللّه يوم القيمة ثوباً من النار و قال7 بينا انا في الطواف و اذا برجل يجذب ثوبي و اذا عباد بن كثير البصري فقال يا جعفر تلبس مثل هذه الثياب في مثل هذا الموضع مع المكان الذي انت فيه من عليٍّ
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۸ *»
فقلت فرقبي اشتريته بدينار و كان عليّ7 في زمان يستقيم له ما لبس فيه و لو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس هذا مرائي مثل عباد و قال له رجل اصلحك اللّه ذكرت ان علي بن ابيطالب كان يلبس الخشن كان يلبس القميص باربعة دراهم و ما اشبه ذلك و نري عليك اللباس الجيد فقال له ان علي بن ابيطالب كان يلبس ذلك في زمان لاينكر و لو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به فخير لباس كل زمان لباس اهله غير ان قائمنا اذا قام لبس لباس عليّ و سار بسيرته و عن الحسن الزيات البصري قال دخلت علي ابيجعفر7 انا و صاحب لي فاذا هو في بيت منجد و عليه ملحفة وردية و قد حف لحيته و اكتحل فسألنا عن مسائل فلما قمنا قال لي يا حسن قلت لبيك قال اذا كان غداً فأتني انت و صاحبك فقلت نعم جعلت فداك فلما كان من الغد دخلت عليه و اذا هو في بيت ليس فيه الا حصير و اذا عليه قميص غليظ ثم اقبل علي صاحبي فقال يا اخا اهل البصرة انك دخلت علي امس و انا في بيت المرأة و كان امس يومها و البيت بيتها و المتاع متاعها فتزينت لي علي ان اتزين لها كما تزينت لي فلايدخل قلبك شيء فقال له صاحبي جعلت فداك قد كان واللّه دخل في قلبي فاما الآن فلا فقد واللّه اذهب اللّه ما كان و علمت ان الحق فيما قلت انتهي و كان جلوس الرضا7 في الصيف علي حصير و في الشتاء علي مسح و لبسه الغليظ من الثياب حتي اذا برز للناس تزين لهم و يؤيد ذلك ما روي عن علي7كن عند اللّه خير الناس و كن عند نفسك شر الناس و كن عند الناس واحداً من الناس.
فصل: لما ان عرفت معني الجود و الاسراف و البخل احب ان اذكر شيئاً من امر الاقتصاد و انه من المطالب الجليلة.
اعلم ان الاقتصاد مجملاً هو ما شرحه اللّه سبحانه في كتابه و قال (لاتجعل يدك مغلولة الي عنقك و لاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) و قال (الذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) و قد مثّل الامام7 للتقتير بان تجمع اصابعك فلاينزل منها شيء و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۳۹ *»
للاسراف بان تفتحها فينزل جميع ما فيها و للقوام بان تفتحها قليلاً فينزل شيء و يبقي شيء و اعلم ان ذلك عام في الانفاق علي النفس و العيال و الارحام و علي ساير المؤمنين ففي جميع هذه المراتب يجب الاقتصاد و التوسط و لعلك تلتفت ان التوسط يختلف في كل احد بحسب سعة ذات يده و ضيقها فتوسط الغني غير توسط الفقير فلو ذهب الغني يتوسط كالفقير فهو مقتر و لو ذهب الفقير يتوسط كالغني فهو مسرف قال اللّه سبحانه (لينفق ذو سعة من سعته) و قال رسولاللّه9 ان المؤمن يأخذ بآداب اللّه اذا وسع اللّه عليه اتسع و اذا امسك عنه امسك و قال الرضا7 صاحب النعمة يجب عليه التوسعة علي عياله انتهي فتبين ان كل احد توسطه يختلف بحسب احواله و كذلك يختلف التوسط بحسب البلدان فان سعة بلد ضيق بلد آخر فينبغي ان يراعي ايضاً حال البلد و الايشتهر في ذلك البلد اما بالاسراف او بالتقتير و الشهرة خيرها و شرها في النار و كذلك يختلف بحسب شرف عياله و خساستهم فان كانت اهله من بيت عز و شرف او من اوساط الناس فتختلفان قال اللّه سبحانه (و عاشروهن بالمعروف) و قال (فامساك بمعروف او تسريح باحسان) و قال ابوالحسن7 في قول اللّه عزوجل (و الذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) قال القوام المعروف علي الموسع قدره و علي المقتر قدره علي قدر عياله و مــݘـونته التي هي صلاح له و لهم لايكلف اللّه نفساً الا ما آتيها فتبين انه ينبغي ان يكون انفاق الرجل في وجوه الانفاق علي حسب منزلته التي انزله اللّه فيها و علي حسب زيه و ماله و لايجوز له ان يسرف في تلك المنزلة فيتجاوز الاقتصاد و لايجوز ان يقتر في تلك المنزلة فيذل نفسه بين الاكفاء و للّه العزة و لرسوله و للمؤمنين قال علي بن الحسين8 لينفق الرجل بالقسط و بلغة الكفاف و يقدم منه الفضل لآخرته فان ذلك ابقي للنعمة و اقرب الي المزيد من اللّه و انفع في العاقبة و روي عن الصادق7 في قول اللّه عزوجل(و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو)
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۰ *»
قال العفو الوسط و روي الكفاف و روي(الذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) قال نزلت هذه بعد هذه هي الوسط و عن النبي9 من المنجيات القصد في الغنا و الفقر و اما اذا اختلف شرف الرجل و ماله فالمدار علي المال فان اللّه يقول (لينفق ذو سعة من سعته) لا ذو شرف علي حسب شرفه و عرفت من الحديث ان المدار علي المال و روي عن اميرالمؤمنين7 للمسرف ثلث علامات يأكل ما ليس له و يشتري ما ليس له و يلبس ما ليس له انتهي و الائمة: كانوا يراعون مالهم يوسعون متي وسع اللّه عليهم و يمسكون متي ما امسك اللّه عليهم هذا و الشريف الذي لا مال له اذا اراد الانفاق بمقتضي شرفه لابد من ان يسأل الناس او يستدين ما لا وفاء له و كلاهما مذمومان فالواجب عليه الاقتصار علي ما يمكنه من غير ارتكاب محرم و قال علي بن الحسين8 ضمنت علي ربي انه لايسأل احد من غيرحاجة الا اضطرته المسئلة يوماً الي ان يسأل من حاجة و عن ابيعبداللّه7 من سأل الناس شيئاً و عنده ما يقوت يوماً فهو من المسرفين و سمع رسولاللّه9 يقول اعوذ باللّه من الكفر و الدين قيل يا رسولاللّه اتعدل الدين بالكفر قال نعم و قال ابوعبداللّه7 لايستقرض علي ظهره الا و عنده وفاء و لو طاف علي ابواب الناس فردوه باللقمة و اللقمتين و التمرة و التمرتين الا ان يكون له ولي يقضي دينه من بعده الخبر و قال ابوالحسن7 من طلب هذا الرزق من حله ليعود به علي نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل اللّه فان غلب عليه فليستدن علي اللّه و علي رسوله ما يقوت بهعياله الحديث و اعلم ان حاجة الناس الي السؤال و الدين فانما هي للفضول من المعاش و ترك الاقتصاد و الا فقدضمنوا صلوات اللّه عليهم علي من اقتصد الايفتقر شعر:
لقد ذلّت و دقّت و استدقت | فضول العيش اعناق الرجال |
و اما وجوه الانفاق فعن الصادق7 انه قال و اما الوجوه التي امر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۱ *»
فيها اخراج الاموال في جميع وجوه الحلال المفترض عليهم و وجوه النوافل كلها فاربعة و عشرون وجهاً منها سبعة وجوه علي خاصة نفسه و خمسة وجوه علي من يلزمه نفقته و ثلثة مما يلزمه فيها من وجوه الدين و خمسة وجوه مما يلزمه فيها من وجوه الصلات و اربعة اوجه مما يلزمه النفقة من وجوه اصطناع المعروف فاما الوجوه التي يلزمه فيه النفقة علي خاصة نفسه فهي مطعمه و مشربه و ملبسه و منكحه و مخدمه و عطاؤه فيما يحتاج اليه من الاجراء علي مرمة متاعه او حمله او حفظه و معني ما يحتاج اليه فبيّن نحو منزله او آلة من الآلات يستعين بها علي حوائجه و اما الوجوه الخمس التي تجب عليه النفقة لمن يلزمه نفقته فعلي ولده و والديه و امرأته و مملوكه لازم له ذلك في العسر و اليسر و اما الوجوه الثلث المفروضة من وجوه الدين فالزكوة المفروضة الواجبة في كل عام و الحج المفروض و الجهاد في ايامه و اما الوجوه الخمس من وجوه الصلات النوافل فصلة موقوفة و صلة القرابة و صلة المؤمنين و التنفل في وجوه الصدقة و البر و العتق واما الوجوه الاربع فقضاء الدين و العارية و القرض و اقراء الضيف واجبات في السنة انتهي الحديث الجامع الشريف و يجب عليك في جميع ذلك الاقتصاد الا الحج فقد روي فيه نفي الاسراف و لعل المراد منه التوسعة فان الاسراف محرم مطلقاً فانه ما يضر بالبدن و يتلف المال و لا شك انه لا يجوز ان ينفق الحاج جميع بلغته في يوم ثم يبقي علي الارض لايقدر علي المسير.
و اعلم ان وجوه الانفاق المستحب كثيرة و لو شئنا ان نفصلها يطول بنا المقال و هي علي الاجمال الصدقة علي الفقراء و المساكين سواء سألوا او لميسألوا و قبل سؤالهم افضل و لايحتشم من القليل فان المنع اقل و الهدية و هي مجلبة المحبة و روي انها احب من الصدقة و الضيافة و لها فضل عظيم و الحق المعلوم و هو شيء يفرضه الرجل علي نفسه في ماله علي قدر طاقته و سعة ماله فيؤدي الذي فرض علي نفسه ان شاء في كل يوم و ان شاء في كل جمعة و ان شاء في كل شهر و اقراض المحتاج و له فضل عظيم و الماعون و هوالمتاع يعيره و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۲ *»
المعروف يصنعه و صلة الارحام و لها فضل عظيم جسيم و مواساة الاخوان بالمال و ايثارهم بشيء هم احوج اليه منه و صلة الجار المسلم و حق الحصاد و الجذاذ تؤتيه الفقراء الحاضرين و الاوقاف يوقفها الرجل علي الفقراء المؤمنين و بناء المساجد و الخانات و الجسور و اصلاح الطرق و الانفاق في اقامة عزاء الحسين7 و استنابة من يزور الائمة: او يحج لنفسه او لوالديه او لاحد من المؤمنين و استيجار من يقرأ القرآن له او لامواته او لاموات العلماء و المؤمنين و الانفاق في انقاذ غريق او رفع بلاء مبتل ببلاء او قبول دين مديون لا وفاء له و الانفاق في معالجة مريض لا شيء له يداوي به نفسه او ايصال منقطع عن بلده او شراء اسير و فداء اسير مسلم بيد كافر او عتق رقبة و امثال ذلك من وجوه المعروف يعمل بما شاء من ذلك علي حسب سعة ذات يده و اللّه المستعان.
فصل: و لما بلغ الكلام الي هنا احب ان اذكر شيئاً من امر المواساة و الايثار فان امرهما كاكثر الامور مشتبه.
اعلم ان المواساة لغة هي التسوية فمن سوي اخاه بنفسه في ماله و جاهه فقد واساه و انما ذلك من الكفاف فمن انال اخاه من فضل ماله فلميواسه و الايثار هو انتختار اخاك علي نفسك فتنيله من النصف الآخر و اصل ذلك ان تعلم ان المال مال اللّه وحده لا شريك له خزنه عند عباده و ينبغي ان يصرف في سبيله و لاجله فمن كان يساويك في قوة الايمان و مقدار العلم و العمل فنسبته في العبودية كنسبتك و ليس احدكما اولي باللّه من اخيه فليس احدكما اولي بمال اللّه من صاحبه فينبغي انتجريا في ذلك المال الذي هو مال اللّه وحده لاشريك له كفرسي رهان لايسبق احدکما صاحبه بلا اولوية و كونك خازناً للمال لا عبرة به بل هو فتنة و امتحان من اللّه و ان كان اخوك اولي باللّه و رسوله و هو اقوي ايماناً و اكثر علماً و عملاً فهو اولي بالمال منك لانه مال من هو اولي به فتؤثره علي نفسك و تنال من فضل ماله كما اذا كان اخوك اضعف منك ايماناً و اقل علماً و عملاً فتنيله من فضل مالك و هذا هو الذي امر اميرالمؤمنين7 الطبيب اليوناني الذي آمن فقال آمرك ان تواسي اخوانك المطابقين لك علي تصديق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۳ *»
محمد و تصديق وصيه و الانقياد له و لي مما رزقك اللّه و فضلك علي من فضلك به منهم تسد به فاقتهم و تجبر به كسرهم و خلتهم و من كان منهم في درجتك ساويته في مالك بنفسك و من كان منهم فاضلاً عليك في دينك آثرته بمالك علي نفسك حتي يعلم اللّه منك ان دينه آثر عندك من مالك و ان اولياء اللّه اكرم عليك من اهلك و عيالك الخبر و هذا هو حكم عدل المؤمنين العارفين و ليس فيه كرامة ولكن الكرامة ان تؤثر علي نفسك من ينبغي ان تواسيه او تواسي من ينبغي ان تنيله فضلاً فمن فعل ذلك فله كرامة و سخاء و زهد في الدنيا هذا هو حكم العقل السليم في الواقع ولكن اختلفت الاخبار في حكم نفس الامر فلنسرد الاخبار اولاً ثم ننظر فيما تقتضيه ففي الوسائل بسنده عن ابيعبداللّه7 في حديث قال ان من اشد ما افترض اللّه علي خلقه ثلاثاً انصاف المرء من نفسه حتي لايرضي لاخيه من نفسه الا بما يرضي لنفسه منه و مواساة الاخ في المال و ذكر اللّه علي كل حال ليس سبحان اللّه و الحمد للّه ولكن عند ما حرم اللّه عليه فيدعه انتهي و هذا الخبر يعطي وجوب المواساة كاختيها و عن ابان بن تغلب عن ابيعبداللّه7 في حديث انه قال له اخبرني عن حق المؤمن علي المؤمن فقال يا ابان دعه لاترده قلت بلي جعلت فداك فلمازل اردد عليه فقال يا ابان تقاسمه شطر مالك ثم نظر الي فرأي ما دخلني فقال يا ابان اماتعلم ان اللّه قد ذكر المؤثرين علي انفسهم قلت بلي جعلت فداك فقال اذا انت قاسمته فلمتؤثره بعد انما انت و هو سواء انما تؤثره اذا اعطيته من النصف الآخر و عن ابياسمعيل قال قلت لابيجعفر7 جعلت فداك ان الشيعة عندنا كثير فقال فهل يعطف الغني علي الفقير و هل يتجاوز المحسن عن المسيء و يتواسون فقلت لا فقال ليس هؤلاء شيعة الشيعة من يفعل هذا و عن الصادق7 في حديث قال ثلث دعوات لايحجبن عن اللّه منها رجل مؤمن([1]) واساه فينا و دعاؤه عليه اذا لميواسه مع القدرة عليه و الاضطرار اليه و عن الوصافي عن ابيجعفر7 قال قـال لي ارايت من قبلكم اذا كان الرجل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۴ *»
ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه قال قلت لا قال فاذا كان ليس عنده ازار يوصل اليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتي يجد له ازاراً قال قلت لا قال فضرب بيده علي فخذه ثم قال ما هؤلاء باخوة و عن اسحق بن عمار قال كنت عند ابيعبداللّه7 فذكر مواساة الرجل لاخوانه و ما يجب له عليهم فدخلني من ذلك امر عظيم فقال انما ذلك اذا قام قائمنا وجب عليهم ان يجهزوا اخوانهم و انيقووهم و عنه7 قال قـال رسولاللّه9 ثلاثة لاتطيقها هذه الامة المواساة للاخ في ماله و انصاف الناس من نفسه و ذكر اللّه علي كل حال ليس سبحان اللّه و الحمد للّه و لا اله الا اللّه و اللّه اكبر فقط ولكن اذا ورد علي ما يحرم خاف اللّه و عن مسعدة بن صدقة عن الصادق7 قال قـال رسولاللّه9 للمؤمن علي المؤمن سبعة حقوق واجبة من اللّه عزوجل الاجلال له في عينه و الود له في صدره و المواساة له في ماله و ان يحرم غيبته و ان يعوده في مرضه و ان يشيع جنازته و ان لايقول فيه بعد موته الا خيراً.
و الاخبار في باب المواساة كثيرة فلننظر في المراد منها و موضعها و حدها و انت تعلم ان المؤمنين الفقراء كثيرون فلو كان يجب عليه ان يواسي الكل كان يجب ان يواسي مؤمناً اولاً في مائة ديناره ثم في خمسين ديناره مؤمناً آخر ثم في خمسة و عشرينه مؤمناً آخر ثم في اثنيعشره مثلاً ثم في ستته ثم في ثلثته ثم في ديناريه مثلاً ثم في ديناره وهكذا فيمسي و ليس عنده درهم واحد و لايعود الي داره الا بعد التكفف فلابد و ان يكون له حد محدود لايبلغ العسر و الحرج و الذي يستنبط من الاخبار ان الائمة: ماكانوا يصنعون كذلك و كبار اصحابهم و زهادهم و عبادهم ماكانوا يصنعون كذلك و ان اللّه سبحانه انما اوجب علي الانسان نفقة والديه ان كانا فقيرين ثم نفقة ولده ثم نفقة زوجته ثم نفقة مملوكه ثم ما بعد ذلك ان كان بقدر الحج يجب عليه ان يحج بماله و ان كان عليه نذر او انفاق واجب او كفارة يجب عليه صرفه فيه فان فضل شيء فارحامه و قراباته ان كانوا مؤمنين يصلهم به لما قرن اللّه صلة الارحام بتوحيده و لعن قاطعه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۵ *»
فان فضل من ذلك شيء يحسن له ان ينفقه في سبل اللّه و يواسي به اخوانه او يؤثرهم علي نفسه فيه و لايجوز له اليوم ان ينفق ما في يديه علي اخوانه و يتكفف بعد ذلك لنفسه و عياله فان اللّه الذي خوله ماله و اودعه عنده خوله امر جمع من عبيده و امائه و اوجب عليه الانفاق عليهم و الواجب مقدم علي المندوب فاذا ادي اولاً من الزكوة الواجبة و الخمس الواجب يعود بالبقية علي نفسه من غير اسراف ثم علي عياله من غير تبذير ثم علي ارحامه لما ندب اللّه اليه من صلة الرحم و لعن قاطع الرحم ثم ان فضل فهو محل البذل به في السبل المندوبة اليها فلايكنزه و لايمنعه عباد اللّه و عياله من ماله و الظاهر ان المواساة مندوب اليه ايضاً مع الاخ الذي واخاه و هو في درجته كما يظهر من حديث الطبيب اليوناني و لحن احاديث حقوق الاخوان بل صريحها لا مع كل مؤمن و انما يساعد ساير المؤمنين بفضل ماله و لايمكن مواساة الجميع و لمتنقل من احد من الاولياء كسلمان و ابيذر و غيرهما و لا من احد من الائمة: فليس المراد بالمواساة ان يفرق فضل ماله في جميع المؤمنين البتة فهي في بعض المؤمنين و قد ظهر من خبر اليوناني و كثير من الاخبار انه في الاخ المساوي و هو الذي يقتضيه صريح الاعتبار.
و اما الايثار فهو بالطريق الاولي فلايجوز للانسان ان يهلك نفسه او من يجب عليه نفقته و يؤثر الغير عليهم فان اللّه فرض عليه انفاقات و ندب الي انفاقات و لااقربة بالنوافل اذا اضرت بالفرايض و يدل علي ذلك ما رواه في الكافي في باب دخول الصوفية علي ابيعبداللّه7 و ذكر دخول سفيان الثوري علي ابيعبداللّه7 كما ذكرناه الي ان قال و اتاه قوم ممن يظهر التزهد و يدعو الناس انيكونوا معهم علي مثل الذي هم عليه من التقشف فقالوا له ان صاحبنا حصر عن كلامك و لمتحضره حججه فقال لهم فهاتوا حججكم فقالوا له ان حججنا من كتاب اللّه فقال لهم فادلوا بها فانها احق ما اتبع و عمل به فقالوا يقول اللّه تبارك و تعالي مخبراً عن قوم من اصحاب النبي9(يؤثرون علي انفسهم و لو كان بهم خصاصة و من يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون) فمدح فعلهم و قال في موضع آخر (و يطعمون الطعام علي حبه مسكيناً
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۶ *»
و يتيماً و اسيراً) و نحن نكتفي بهذا فقال رجل من الجلساء انا رأيناكم تزهدون في الاطعمة الطيبة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من اموالهم حتي تمتعوا انتم منها فقال له ابوعبداللّه7 دعوا عنكم ما لاينتفع به اخبروني ايها النفر ا لكم علم بناسخ القرآن و منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله ضل من ضل و هلك من هلك من هذه الامة فقالوا له او بعضه فاما كله فلا فقال لهم فمن هيهنا اتيتم و كذلك احاديث رسولاللّه9 فاما ما ذكرتم من اخبار اللّه عزوجل ايانا في كتابه عن القوم الذين اخبر عنهم بحسن افعالهم فقدكان مباحاً جايزاً و لميكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه علي اللّه عزوجل و ذلك ان اللّه جل و تقدس امر بخلاف ما عملوا به فصار امره ناسخاً لفعلهم و كان نهي اللّه تبارك و تعالي رحمة منه للمؤمنين و نظراً لكي لايضروا بانفسهم و عيالاتهم منهم الضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفاني و العجوز الكبيرة الذين لايصبرون علي الجوع فان تصدقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعاً فمن ثم قال رسولاللّه9 خمس تمرات او خمس قرص او دنانير او دراهم يملكها الانسان و هو يريد ان يمضيها فافضلها ما انفقه الانسان علي والديه ثم الثانية علي نفسه و عياله ثم الثالثة علي قرابته الفقراء ثم الرابعة علي جيرانه ثم الخامسة في سبيل اللّه و هو اخسها اجراً و قال9 للانصار حين اعتق احدهم عند موته خمسة او ستة من الرقيق و لميكن يملك غيرهم و له اولاد صغار لو اعلمتموني امره ماتركتكم تدفنونه مع المسلمين ترك صبية صغاراً يتكففون الناس ثم قال حدثني ابي ان رسولاللّه9 قال ابدأ بمن تعول الادني فالادني ثم هذا ما نطق به الكتاب رداً لقولكم و نهياً عنه مفروضاً من اللّه العزيز الحكيم قال (و الذين اذا انفقوا لميسرفوا و لميقتروا و كان بين ذلك قواماً) افلاترون ان اللّه تبارك و تعالي قال غير ما اراكم تدعون الناس اليه من الاثرة علي انفسهم و سمي ما تدعون اليه سرفاً في غير آية من كتاب اللّه انه لايحب المسرفين فنهاهم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۷*»
عن الاسراف و نهاهم عن التقتير ولكن امر بين امرين لايعطي جميع ما عنده ثم يدعو اللّه ان يرزقه فلايستجيب له للحديث الذي جاء عن النبي9 ان اصنافاً من امتي لايستجاب لهم دعاؤهم و هم رجل يدعو علي والديه و رجل يدعو علي غريم ذهب له بمال فلميكتب عليه و لميشهد عليه و رجل يدعو علي امرأته و قدجعل اللّه تخلية سبيلها بيده و رجل يقعد في بيته و يقول رب ارزقني و لايخرج و لايطلب الرزق فيقول اللّه عزوجل له عبدي الماجعل لك السبيل الي الطلب و الضرب في الارض بجوارح صحيحة فيكون قد اعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لاتباع امري و لكيلاتكون كلاً علي اهلك فان شئت رزقتك و ان شئت قترت عليك و انت معذور عندي و رجل رزقه اللّه عزوجل مالاً كثيراً فانفقه ثم اقبل يدعو يا رب ارزقني فيقول اللّه عزوجل المارزقك رزقاً واسعاً فهلااقتصدت فيه كما امرتك و لمتسرف و قد نهيتك عن الاسراف و رجل يدعو في قطيعة رحم ثم علّم اللّه عزوجل نبيه9 كيف ينفق و ذلك انه كانت عنده اوقية من الذهب فكره ان تبيت عنده فتصدق بها فاصبح و ليس عنده شيء و جاءه من يسأله فلميكن عنده مال يعطيه فلامه السائل و اغتم هو حيث لميكن عنده ما يعطيه و كان رحيماً رفيقاً9 فادب اللّه عزوجل نبيه7 بامره فقال (و لاتجعل يدك مغلولة الي عنقك و لاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) يقول ان الناس قد يسألونك و لايعذرونك فاذا اعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال فهذه احاديث رسولاللّه9 يصدقها الكتاب و الكتاب يصدقه اهله من المؤمنين و قال ابوبكر عند موته حيث قيل له اوص فقال اوصي بالخمس و الخمس كثير فان اللّه عزوجل قد رضي بالخمس فاوصي بالخمس و قد جعل اللّه عزوجل له الثلث عند موته و لو علم ان الثلث خير له اوصي به ثم من قد علمتم بعده في فضله و زهده سلمان الفارسي2 و ابوذر; فاما سلمان فكان اذا اخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتي يحضر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۸ *»
عطاءه من قابل فقيل له يا باعبداللّه انت في زهدك تصنع هذا و انت لاتدري لعلك تموت اليوم او غداً فكان جوابه ان قال مالكم لاترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء اماعلمتم يا جهلة ان النفس قد تلتاث علي صاحبها اذا لميكن لها من العيش ما تعتمد عليه فاذا هي احرزت معيشتها اطمأنت و اما ابوذر2 فكان له نويقات و شويهات يحلبها و يذبح منها اذا اشتهي اهله اللحم او نزل به ضيف او رأي باهل الماء الذين هم معه خصاصة نحر لهم الجزور او من الشاء علي قدر ما يذهب عنهم بقرم اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ هو كنصيب واحد منهم لايتفضل عليهم و من ازهد من هؤلاء و قد قال فيهم رسولاللّه9 ما قال و لميبلغ من امرهما ان صارا لايملكان شيئاً البتة كما تأمرون الناس بالقاء امتعتهم و شيئهم و يؤثرون به علي انفسهم و عيالاتهم و اعلموا ايها النفر اني سمعت ابي يروي عن آبائه: عن رسولاللّه9 قال يوماً ماعجبت من شيء كعجبي من المؤمن ان قرض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له و ان ملك ما بين مشارق الارض و مغاربها كان خيراً له و كل ما يصنع اللّه عزوجل به فهو خير له فليت شعري هل يحق فيكم ما قد شرحت لكم منذ اليوم ام ازيدكم اماعلمتم ان اللّه عزوجل قد فرض علي المؤمنين في اول الامر ان يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له ان يولي وجهه عنهم و من وليهم يومئذ دبره فقد تبوء مقعده من النار ثم حولهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه انيقاتل رجلين من المشركين تخفيفاً من اللّه عزوجل للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة و اخبروني ايضاً عن القضاة أجورة هم حيث يقضون علي الرجل منكم نفقة امرأته اذا قال اني زاهد و اني لا شيء لي فان قلتم جورة ظلمتم اهل الاسلام و ان قلتم بل عدول خصمتم انفسكم و حيث يردون صدقة من تصدق علي المساكين عند الموت باكثر من الثلث اخبروني لو كان الناس كلهم كالذين تريدون زهاداً لاحاجة لهم في متاع غيرهم فعلي من كان يتصدق بكفارات الايمان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۴۹ *»
و النذور و الصدقات من فرض الزكوة من الذهب و الفضة و التمر و الزبيب و سائر ما وجب فيه الزكوة من الابل و البقر و الغنم و غير ذلك اذا كان الامر كما تقولون لاينبغي لاحد انيحبس شيئاً من عرض الدنيا الا قدمه و ان كان به خصاصة فبئس ما ذهبتم اليه و حملتم الناس عليه للجهل بكتاب اللّه عزوجل و سنة نبيه و احاديثه التي يصدقها الكتاب المنزل و ردكم اياها بجهالتكم و ترككم النظر في غرايب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الامر و النهي و اخبروني اين انتم عن سليمان7 حين سأل اللّه ملكاً لاينبغي لاحد من بعده فاعطاه اللّه جل اسمه ذلك و كان يقول الحق و يعمل به ثم لمنجد اللّه عزوجل عاب عليه ذلك و لا احداً من المؤمنين و داود النبي7 قبله في ملكه و شدة سلطانه ثم يوسف النبي7 حيث قال لملك مصر (اجعلني علي خزائن الارض اني حفيظ عليم) فكان من امره الذي كان ان اختار مملكة الملك و ما حولها الي اليمن و كانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة اصابتهم و كان يقول الحق و يعمل به فلمنجد احداً عاب ذلك عليه ثم ذوالقرنين عبد احب اللّه فاحبه اللّه طوي له الاسباب و ملكه مشارق الارض و مغاربها و كان يقول الحق و يعمل به ثم لمنجد احداً عاب ذلك عليه فتأدبوا ايها النفر بآداب اللّه عزوجل للمؤمنين و اقتصروا علي امر اللّه و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم مما لا علم لكم به و ردوا العلم الي اهله توجروا و تعذروا عند اللّه تبارك و تعالي و كونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما احل اللّه فيه مما حرم فانه اقرب لكم من اللّه و ابعد لكم من الجهل و دعوا الجهالة لاهلها فان اهل الجهل كثير و اهل العلم قليل و قد قال اللّه عزوجل (و فوق كل ذيعلم عليم) انتهي.
فهذا الخبر الشريف شارح لتلك الاخبار و دستور للمرء المؤمن فلاينافي الزهد ترك الاسراف و ليس من علاماته التقتير بل الزهد هو ما فسروه بان لاتكون بما في يدك اوثق مما في يد اللّه و فسره اللّه في آية من كتابه (لكيلاتأسوا علي ما
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۰ *»
فاتكم و لاتفرحوا بما آتاكم) و ان تري المال مال اللّه و تضعه حيث امر اللّه و ما امر اللّه الانفاق علي نفسك و من يجب عليك الانفاق عليه علي الموسع قدره و علي المقتر قدره متاعاً بالمعروف و تلبس و تلبسهم لباس اهل زمانهم و بقدر سعتك حتي لاتشتهر في السن الناس بالاقتار و التضييق و لاتتجاوز قدرك فتشتهر بالاسراف و التضييع بل تقتصد علي حسب حالك ثم تساعد اخوانك و تواسيهم و تؤثرهم لا بكل مالك بل بحيث تمتثل امر اللّه(لاتجعل يدك مغلولة الي عنقك و لاتبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) و تأس بائمتك سلام اللّه عليهم حيث كان لهم اموال كثيرة و ماكانوا يبذرونها علي الفقراء و المساكين في ساعة واحدة و اما ما سمعت من امر النبي9 في اول الامر و من امر اميرالمؤمنين فانهما كانا في بدء الاسلام و كان تكليفهم ذلك لان اغلب اهل الاسلام فقراء و ليميلوا قلوب اهل الدنيا الي الدين و يؤلفوا قلوبهم و قد نسخ ذلك السلوك بل لميكن تكليف كل اهل زمانهم ذلك المتسمع احتجاج اميرالمؤمنين7 علي عاصم بن زياد حين لبس العباء و ترك الملاء و شكا اخوه الربيع بن زياد الي اميرالمؤمنين7 انه قد غم اهله و احزن ولده بذلك فقال اميرالمؤمنين7 علَيّ بعاصم بن زياد فجيئ به فلما رآه عبس في وجهه فقال اما استحييت من اهلك اما رحمت ولدك اتري اللّه احل لك الطيبات و هو يكره اخذك منها انت اهون علي اللّه من ذلك اوليس اللّه يقول (و الارض وضعها للانام فيها فاكهة و النخل ذات الاكمام) اوليس يقول (مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان) الي قوله (يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان) فيا للّه لابتذال نعم اللّه بالفعال احب اليه من ابتذاله لها بالمقال و قد قال عزوجل (واما بنعمة ربك فحدث) فقال عاصم يا اميرالمؤمنين فعلي ما اقتصرت في مطعمك علي الخشونة و في ملبسك علي الجشوبة فقال ويحك ان اللّه عزوجل فرض علي ائمة العدل ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس كيلايتبيغ بالفقير فقره فالقي عاصم بن زياد العباء و لبس الملاء او ماسمعت ما روي الوليد بن صبيح قال كنت عند ابيعبداللّه7
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۱ *»
و عنده جفنة من رطب فجاءه سائل فاعطاه ثم جاءه آخر فاعطاه ثم جاءه آخر فاعطاه ثم جاءه آخر فقال يسع اللّه عليك ثم قال ان رجلاً لو كان له مال يبلغ ثلثين او اربعينالف درهم ثم شاء ان لايبقي منها الا وضعها في حق لفعل فيبقي لا مال له فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قال من هم قال احدهم رجل كان له مال فانفقه في وجهه ثم قال يا رب ارزقني فيقال له الماجعل لك سبيلاً الي طلب الرزق و قال7 اطعموا ثلثة و ان شئتم ان تزدادوا فازدادوا و الا فقد اديتم حق يومكم بل يظهر من الاخبار ان المواساة بالتسوية وقع منهم مرات عديدة و لميكونوا يفعلون ذلك في كل مالهم في كل يوم كما رواه في حليةالابرار من التهذيب بسنده عن الحلبي قال سألت اباعبداللّه7 عن فضل المشي فقال الحسن بن علي قاسم ربه ثلث مرات حتي نعلاً و نعلاً و ثوباً و ثوباً و ديناراً و ديناراً و حج عشرين حجة علي قدميه انتهي و انما ذلك جايز اذا كان النصف الباقي كافياً لمعاش الرجل و مع ذلك عد من فضله7 انه قاسم ربه ثلث مرات فعلم انه لميكن ذلك فعله دائماً و لميكن يبذل جميعفضل ماله دائماً بالبداهة.
فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الطريق المندوب اليه هو الاقتصاد في كل حال و هو الحسنة بين السيئتين و ينبغي السلوك بالمعروف و اصلاح النفس و امتثال الامر و النهي في كل حال و قد اشبعنا البحث في ذلك لنخرج اخواننا عن الافراط و التفريط فلنعد الي ما كان كلامنا فيه من متعلقات الحلم و مناسباته.
فصل: اعلم ان الذي ينساق من الاخلاق مساق الحلم و هو من الاخلاق الكريمة التي بها يعمر الدنيا و الآخرة الرفق و المداراة.
اعلم ان اللّه جلجلاله لعلمه بنقصان القوابل الخلقية و قصورها ان يتلقين عن مشيته تعالي قدره ما يحتجن اليه لشدة لطافة المشية و كثرة كثافة القوابل و بعد المناسبة خلق علي حسب استدعائها بينها و بين مشيته اسباباً جعلها اكمام مشيته و حجب ارادته حتي يطقن تحمل انوارها و يقدرن علي تلقي الفيض منها و هذا هو قول ابيعبداللّه7
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۲ *»
ابي اللّه انيجري الاشياء الا باسباب فجعل لكل شيء سبباً و جعل لكل سبب شرحاً و جعل لكل شرح علماً و جعل لكل علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه و جهله من جهله ذاك رسولاللّه9 و نحن انتهي بالجملة لكل شيء سبب به يمكّن اللّه سبحانه كل قابلية من تلقي الفيض من اللّه جلجلاله و الاشياء تختلف في سرعة التمكن و بطئه لصفائها و كدورتها و ما لميتمكن شيء من قبول شيء لايكاد يقبله مع انه في قابليته فلاجل ذلك رفق اللّه سبحانه بخلقه و هيّأ له اسباب التمكين و التقريب و ادارها عليه شيئاً بعد شيء حتي هيّأه للقبول و التلقي و استنطق صامته و استخرج كامنه المتعتبر بان اللّه سبحانه كان قادراً ان يخلق العالم في طرفة عين و انما خلق السموات و الارض في يومين و قدر فيها اقواتها في اربعة ايام رفقاً بها و هو قادر انيخلق الانسان في آن واحد ولكن خلقه اطواراً في ستة ايام يوم نطفة و يوم علقة و يوم مضغة و يوم اكساء لحم و يوم انشاء خلق آخر و يوم اخراج و كذلك رفق بعباده في هدايتهم فارسل اليهم الرسل و انزل عليهم الكتب و اقام فيهم الحجج و لميعاجلهم بالعقوبة و امهل الامم المشركة و الفرق الكافرة مدة مديدة حتي يتزيلوا و يؤمن منهم من يؤمن حتي اذا صاروا لنيؤمن منهم الا من قد آمن و لايلدون الا فاجراً كفاراً نفحهم بسيف عذابه و مسحهم باليم عقابه نعوذ باللّه و لو يعجل اللّه للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي اليهم اجلهم و لو يؤاخذ اللّه الناس بظلمهم ماترك عليها من دابة وهكذا جري في خلق جميع ما خلق و تغيير جميع ما قدر فجري في جميعها بالرفق و المداراة و الاملاء و الامهال و امر رسله و حججه: الذين هم ايدي ارادته و السنة مشيته بالرفق و المداراة فكانوا رفيقين بالخلق بحيث لايدرك شأو رفقهم و لايشق غبار مداراتهم فرفقوا بعباد اللّه حتي يتنبه راقد و يقوي عاجز و يقوم مريض و يتخلص مقيد و يستعد غافل و بالرفق اوصلوا العباد الي درجاتهم و وسعوا دائرة الاسلام و لو كنت فظاً غليظالقلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم و لاجل ذلك ندبوا المؤمنين المقتفين آثارهم بالرفق ما امكنهم و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۳ *»
بالمداراة ما استطاعوا و بالرفق ينضج النيّ و يكبر الصغير و يقرب البعيد و يصعد النازل و ينزل الصاعد و يشهد الغايب و يغيب الشاهد و من لا رفق له لايهنأه عيش ابداً فلاجل ذلك وردت اخبار عديدة و آثار اكيدة في الحث عليه و الامر به فمن ذلك ما رواه في الكافي بسنده عن السكوني عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9ثلث من لميكن فيه لميتم له عمل ورع يحجزه عن معاصي اللّه و خلق يداري به الناس و حلم يرد به جهل الجاهل و جاء جبرئيل الي النبي9 فقال يا محمد ربك يقرئك السلام و يقول لك دارِ خلقي و قال9 امرني ربي بمداراة الناس كما امرني باداء الفرايض و قال9 مداراة الناس نصف الايمان و الرفق بهم نصف العيش و قال ابوعبداللّه7 خالطوا الابرار سراً و خالطوا الفجار جهاراً و لاتميلوا عليهم فيظلموكم فانه سيأتي عليكم زمان لاينجو فيه من ذوي الدين الا من ظنوا انه ابله و صبر نفسه علي ان يقال ابله لا عقل له و سمع ابوعبداللّه7 يقول ان قوماً من الناس قلّتْ مداراتهم للناس فالقوا من قريش و ايم اللّه ماكان باحسابهم بأس و ان قوماً من غير قريش حسنت مداراتهم فالحقوا بالبيت الرفيع ثم قال من كف يده عن الناس فانما يكف عنهم يداً واحدة و يكفون عنه ايدي كثيرة و قال ابوجعفر7 ان لكل شيء قفلاً و قفل الايمان الرفق و قال ابوعبداللّه7 ان اللّه تبارك و تعالي رفيق يحب الرفق فمن رفقه بعباده تسليله اضغانهم و مضادتهم لهواهم و قلوبهم و من رفقه بهم انه يدعهم علي الامر يريد ازالتهم عنه رفقاً بهم لكيلايلقي عليهم عري الايمان و مثاقلته جملة واحدة فيضعفوا فاذا اراد ذلك نسخ الامر بالآخر فصار منسوخاً و قال رسولاللّه9 الرفق يمن و الخرق شوم و قال ابوجعفر7 ان اللّه عزوجل رفيق يحب الرفق يعطي علي الرفق ما لايعطي علي العنف و عن النبي9 ان الرفق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۴ *»
لميوضع علي شيء الا زانه و لانزع من شيء الا شانه و قال ان في الرفق الزيادة و البركة و من يحرم الرفق يحرم الخير و قال لو كان الرفق خَلقاً يُري ماكان مما خلق اللّه شيء احسن منه و قال لو كان الخرق خَلقاً يري ماكان في شيء من خلق اللّه اقبح منه و قال مااصطحب اثنان الا كان اعظمهما اجراً و احبهما الي اللّه عزوجل ارفقهما بصاحبه و قال ابوعبداللّه7 ايما اهل بيت اعطوا حظهم من الرفق فقد وسع اللّه عليهم في الرزق و الرفق في تقدير المعيشة خير من السعة في المال و الرفق لايعجز عنه شيء و التبذير لايبقي معه شيء ان اللّه عزوجل رفيق يحب الرفق و قال من كان رفيقاً في امره نال ما يريد من الناس و قال مازوي الرفق عن اهل بيت الا زوي عنهم الخير و قال قـال رسولاللّه9 ان اللّه يحب الرفق و يعين عليه فاذا ركبتم الدواب العجف فانزلوها منازلها فان كانت الارض مجدبة فانجوا عنها و ان كانت مخصبة فانزلوها منازلها و في الوسائل قال7 يااسحق صانع للمنافق بلسانك و اخلص ودك للمؤمن و ان جالسك يهودي فاحسن مجالسته و عن اميرالمؤمنين7 في وصيته لمحمد بن الحنفية قال و احسن الي جميع الناس كما تحب ان يحسن اليك و ارض لهم ما ترضاه لنفسك و استقبح لهم ما تستقبحه من غيرك و حسّن مع الناس خلقك حتي اذا غبت عنهم حنوا اليك و اذا مت بكوا عليك و قالوا انا للّه و انا اليه راجعون و لاتكن من الذين يقال عند موته الحمد للّه رب العالمين و اعلم ان رأس العقل بعد الايمان باللّه عزوجل مداراة الناس و لا خير فيمن لايعاشر بالمعروف من لابد من معاشرته حتي يجعل اللّه الي الخلاص منه سبيلاً فاني وجدت جميع ما يتعايش به الناس و به يتعاشرون ملأ مكيال ثلثاه استحسان و ثلثه تغافل و عنه7 قال لبنيه يا بني اياكم و معاداة الرجال فانهم لايخلون من ضربين عاقل يمكر بكم او جاهل يعجل عليكم و الكلام ذكر و الجواب انثي فاذا اجتمع الزوجان فلا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۵ *»
بد من النتاج ثم انشأ يقول:
سليم العرض من حذر الجوابا |
و من داري الرجال فقد اصابا |
|
و من هاب الرجال تهيبوه |
و من حقر الرجال فلن يهابا |
و قيل للزهري لقيت علي بن الحسين8 قال نعم لقيته و مالقيت احداً افضل منه و ماعلمت له صديقاً في السر و لا عدواً في العلانية فقيل له و كيف ذلك قال لاني لمار احداً و ان كان يحبه الا و هو لشدة معرفته بفضله يحسده و لارايت احداً و ان كان يبغضه الا و هو لشدة مداراته له يداريه، الي غير ذلك من الاخبار.
و اعلم ان الرفق و المداراة ليسا من خواص المعاشرة مع الاناسي بل ينبغي مراعاتهما في جميع الامور حتي العبادات و الصنايع حتي مع النفس فيداري نفسه و يرفق بها و لايكون كالساير المجِدّ لا ظهراً يبقي و لا ارضاً يقطع و ذلك ان الاسباب موضوعة في اوقات متعاقبة و ما لميأت سبب احداث شيء و ابرازه لميحدث ذلك الشيء و لميبرز من الكمون الي العيون فالمستعجل يريد حدوث الحادث قبل وجود سببه و ذلك غيرممكن و اما الرفيق فيداري بالشيء و ينتظر حدوث السبب فاذا حدث السبب و حضر وقته حصل له المطلوب باسهل وجه فالرفق الرفق فالمداراة المداراة قال اللّه تعالي (قل فانتظروا اني معكم من المنتظرين) و قال (اتي امر اللّه فلاتستعجلوه) و قال (و اصبر علي ما يقولون و اهجرهم هجراً جميلاً و ذرني و المكذبين اولي النعمة و مهلهم قليلاً) و قال (ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم و مايلقيها الا الذين صبروا و مايلقيها الا ذوحظ عظيم) و في الكافي بسنده عن عمرو بن جميع عن ابيعبداللّه7 قال قـال رسولاللّه9 يا علي ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق و لاتبغض الي نفسك عبادة ربك ان المنبت يعني المفرط لا ظهراً ابقي و لا ارضاً قطع فاعمل عمل من يرجو ان يموت هرماً و احذر حذر من يتخوف ان يموت غداً انتهي و قد مر الرفق بالدابة و في تدبير المنزل و في المعاش و في الوسائل قال رسولاللّه9 ان اللّه تبارك و تعالي يحب
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۶ *»
العبد يكون سهل البيع سهل الشراء سهل القضاء سهل الاقتضاء و عن ابيحمزة الثمالي عن ابيجعفر7 قال قـال رسولاللّه9 في حجة الوداع الا ان الروح الامين نفث في روعي انه لاتموت نفس حتي تستكمل رزقها فاتقوا اللّه و اجملوا في الطلب و لايحملنكم استبطاء شيء من الرزق ان تطلبوه بمعصية اللّه فان اللّه تبارك و تعالي قسم الارزاق بين خلقه حلالاً و لميقسمها حراماً فمن اتقي و صبر اتاه اللّه برزقه من حله و من هتك حجاب الستر و عجل فاخذه من غير حله قص به من رزقه الحلال و حوسب عليه يوم القيمة و عن ابيعبداللّه7 ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع و دون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن اليها ولكن انزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لابد للمؤمن منه ان الذين اعطوا المال ثم لميشكروا لا مال لهم و في الوسائل بسنده عن عمر بن حنظلة عن ابيعبداللّه7 قال يا عمر لاتحملوا علي شيعتنا و ارفقوا بهم فان الناس لايحتملون ما تحملون و عن الزهري عن علي بن الحسين8 قال كان آخر ما اوصي به الخضر موسي7 قال لاتعيّرنّ احداً بذنب و ان احب الامور الي اللّه ثلثة القصد في الجد و العفو في المقدرة و الرفق بعباد اللّه و مارفق احد باحد في الدنيا الا رفق اللّه به يوم القيمة و رأس الحكمة مخافة اللّه عزوجل و في المحاسن عن ابيبكر الحضرمي قال قال علقمة لابيجعفر7 ان ابابكر يقاتل الناس في علي فقال لي ابوجعفر اني اراك لو سمعت انساناً يشتم علياً فاستطعت ان تقطع انفه فعلت قلت نعم قال فلاتفعل ثم قال اني لاسمع الرجل يسبّ علياً و استتر منه بالسارية فاذا فرغ اتيته فصافحته الي غير ذلك من الاخبار الدالة علي الرفق في جميع الامور و في ما ذكرنا كفاية و بلاغ.
فصل: و لما ذكرنا شيئاً من امر المداراة و الرفق كان كماله ان نذكر شيئاً
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۷ *»
من امر التقية و مداراة الناس في غلبة الجهال و دول الضلال.
اعلم ان اللّه سبحانه اول ما خلق خلق العقل و وهبه جميع الخيرات و الكمالات فكان منه العلم و النور و الحيوة و الخير و الطاعة و الايمان و قال له وعزتي و جلالي ماخلقت خلقاً احب الي منك و لااكملتك الا فيمن احب فالعقلاء احباؤ اللّه عاملون بما يحب اللّه ثم قال له ادبر فادبر الي ان هبط الي التراب فاظطلم نوره و خمد ذكره و فنيت حيوته و ضعفت قوته و خفيت فعليته فغلب علي التراب اضداد صفات العقل فكان منه الجهل و الظلمة و الموت و الشر و العصيان و الكفر و استجمعت فيه جميع العوالم السابقة ولكن بالقوة فهو صالح لان يستخرج منه جميع تلك العوالم ثم دعا العقل الي الاقبال اليه و خلق من التراب الخلق و هيأ لهم اسباب استخراج العقل من الرسل و الكتب و الحجج و الآيات الدالة و الاعانة و التسديد و التأييد و قدر ان يكون ذلك بتدريج فخرج الخلق منه علي اختلاف قوابل حصصه و ضرب لبلوغ جملة الخلق نوعاً الي مبدء نزولهم اي مقام العقل اجلاً و ما لمينقض ذلك الاجل و لميبلغوا ذلك المقام يكون الدولة و الغلبة للجهل و الظلمة و اهله نوعاً ولكن جعل في طخياء ظلمات اعصارهم نجوماً لامعة اي رجالاً صار فيهم العقل بالفعل فهم اهل الخير و النور و الكمال و الايمان و اظهرهم اماناً لاهل الظلمة و قواماً لهم كما ان النجوم امان لاهل السماء و ذلك ان السماوات و الارض لاتدوران علي الباطل المحض اذ خلقتا للحق و اهله ربنا ماخلقت هذا باطلاً، ماخلقنا السموات و الارض و ما بينهما الا بالحق و هو العلة الغائية و لها تبقي السماء و الارض و لو لمتكن تلك النجوم في ظلمات طخياء ليل اعصار اهل الجهل و الباطل لخسفت الارض بهم و اهيلت السماوات عليهم فتلك النجوم الزاهرة بنور الايمان امان لهم و بنورهم يمكن الحركة في ليلهم و الا لماكان يمكن لاحد انيمشي خطوة و اذا اخرج يده لميكد يراها قال اللّه تعالي (و بالنجم هم يهتدون) وقال رسولاللّه9 مثل اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم و جميع المؤمنين اصحابه و قال يا علي لولا انت و شيعتك ماقام للّه دين و لولا من في الارض منكم لمانزل من السماء
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۸ *»
قطر و قال علي7 واللّه لولا من في الارض منكم لماانعم اللّه علي اهل الخلاف انتهي فلاجل ما ذكرنا تقدم دولة الجهل و اهله علي دولة العقل و اهله كما تري في الانسان انه من حين تولده يكون جاهلاً و يكون عقله خفياً مغلوباً مقهوراً و يظهر آثار العقل شيئاً بعد شيء الي ان يسفر الحجاب من وجهه و يظهر بعد خفائه و يكون الامر و الحكم له هذا و ان للعقل حرارة عظيمة لقربه من حركة الفاعل و جزماً و عزماً و جداً لايطيقها بدن الطفل لضعفه و لما كان و لابد فيه من رطوبة بها ينمو و يكبر و لو سلط عليه نار العقل لجف و ذبل و احترق و لمينم و لميعش و لميبلغ منتهي اجله و ما اريد منه حجب اللّه ما بين شمس عقله و ارض بدنه بسحب ابخرة و رطوبة في دماغه تستر نورها و حرها و وهجها عن البدن حتي تشرق شمس عقله من وراء تلك الحجب شيئاً بعد شيء و ترقق بحرارتها تلك السحب يوماً فيوماً و يستأنس ارض البدن بنورها و يعتاد بحرارتها فيطيقها و يتحملها كما ان اللّه سبحانه لما علم ان النباتات الغضة جديدة لطيفة ضعيفة في اول نباتها في فصل الربيع و لاتطيق وهج حر الشمس حجب بينها و بينها بسحب متواترة و غيوم متكاثرة حتي تنشأ النباتات و يتحملن حرها من وراء تلك الحجب و الشمس ترقق تلك الحجب بحرها شيئاً بعد شيء و يشتد ظهورها شيئاً بعد شيء و يقوي بني تلك النباتات شيئاً بعد شيء الي ان يصفو الهواء بالكلية و يظهر نور الشمس علي ما هو عليه و تطيق النباتات ملاقاته خالصاً من شوب الاكدار فهنالك ينتضج الثمار و يظهر الوانها و طعومها و كمالاتها و لو كشفت الشمس عن وجهها في اول نجومها من الارض لجفت و ذبلت و احترقت و صارت هشيماً تذروه الرياح قبل ان تبلغ منتهي كمالها و كذلك تقدير العزيز العليم لما علم ان الناس جديدوا العهد بالايمان ان كانوا صادقين و الا فجديدوا العهد بالاسلام و لايطيقون حمل امر الولي و نهيه و امتثالهما و لايطيقون جده و عزمه و جزمه و حكمه و عدله و انصافه ابداً ابداً فلو اسفر الولي عن وجهه و جري بعدله في الناس لتفرقوا ايدي سبا و ارتدوا عن الدين قهقري لانهم لايتحملون انصافه و عدله و اجراءه الحدود
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۵۹ *»
و ايصاله حق كل ذي حق اليه و لو جري مجري النبي9 في التأليف و التقريب و المداراة لبقي الكفر و النفاق في قلوبهم و لميخرجا امر نبيه9 ان يوصي وصيه بالصبر و الاحتجاب بحجب ظلمات غاصبي حقه و ارخاء عنانهم قليلاً و تحمل الاذي منهم حتي يفعلوا ما فعلوا و يصعد سحب كفرهم و يحول بين شمس وجه الولي و بين اولئك الجديدين و لايقدر بحسب الظاهر اجراء حكمه ولكن يظهر بمحض القول منه شيئاً بعد شيء و كذلك الائمة: يسلكون مسلكه في الصبر و الرفق و المداراة و اظهار الامر شيئاً بعد شيء حتي لايسمع الناس شيئاً اول مرة ثم يسمعوا بعض ما يمكن اظهاره من غير الاخذ بكظمهم علي العمل بمرّ الحق و يشتد ظهور الحق شيئاً بعد شيء الي ان يفني الولي تلك الحجب شيئاً بعد شيء و يسفر عن وجهه المبارك علي ما ينبغي و يأخذ بالجزم في جميع الامور و يحمل الناس علي مر الحق و يفني عن جديد الارض من ينبغي افناؤه و يبقي من ينبغي بقاؤه و يملؤها عدلاً و قسطاً كما ملئت ظلماً و جوراً فلاجل هذه الحكم حكم اللّه في محكم قضائه علي ان يكون الدولة قبل بلوغ الاجل لاهل الجهل و الباطل و يكون نور الحق و اهله خفيين اللهم الا بقدر ان يري الماشي امام قدمه و لما كان العالم ليس يدور علي الباطل و انما خلق للحق و بالحق قدم اللّه عزوجل ايجاد آحاد من المؤمنين في كل عصر علي رأسهم يدور هذه الافلاك و تستقر الارض و تنزل الارزاق و تدفع البلايا و لولاهم لساخت الارض و اهيلت السماء كما ذكرنا فالواجب علي المؤمنين المستضعفين ان يتبعوا مشية اللّه و يسلكوا بالمداراة مع اهل الباطل و الرفق بهم و التقية منهم حتي يبلغ الكتاب اجله و لايستعجل امر اللّه عزوجل و يصبر في هذه الطخية العمياء و ينتظر الفرج.
و اعلم ان مبدء دولة الجهل من حين قتل قابيل هابيل و منتهاه ظهور قائم آلمحمد: و قد حتم اللّه ان يكون الدولة لهم علي المؤمنين و ان يكون المؤمنون في اعصارهم مظلومين و مقهورين اذلاء فقراء يفنون من البلاد و يعذبون و يفتنون و يقتلون و يحرقون و يسلب اموالهم و يغصب ازواجهم لابد
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۰ *»
من ذلك قضاءً حتماً و امراً جزماً فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل و لاتستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لميلبثوا الا عشية او ضحيها فهنالك تقر الاعين و تثلج الافئدة و ان خفت الموت قبل ذلك فارج الرجوع بعد ذلك فان ذلك وعد موعود و لاتحسبن اللّه مخلف وعده رسله.
فاذا عرفت ان في هذه الايام يكون الدولة لهم فاقتضاؤه غلبتهم و طاعة اهل الحق لهم فان اظهرت خلافهم تذل و تقهر و تقتل و تفني و ان اتقيت و اظهرت ما يرضون به و اخفيت الايمان فقد عملت بما شاء اللّه و اعززت نفسك و اخوانك و امامك و للّه العزة و لرسوله و للمؤمنين و حفظت بذلك بنية العالم اذ يدور العالم علي رأسك و رأس امثالك و لو فنيتم لفني العالم فالتقية في دولة اهل الباطل حرز من حرز اللّه و ستر من ستر اللّه و سر من سر اللّه فيها صلاح عباد اللّه و هي السد المضروب بين بني آدم و هم المؤمنون و بين يأجوج و مأجوج و هم اهل الباطل فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء و كان وعد ربي حقاً فاياك ثم اياك ان تترك التقية في موضع يجب فيه التقية و التقية في موضع لاحاجة اليها طمعاً في حطام الدنيا فتكون من كاتمي امر اللّه و مضيعي حق اللّه و تشارك اهل الكفر في كفر حق اللّه و ستره فلنذكر شيئاً من الاخبار في معني التقية حتي يظهر لك صدق ما شرحناه و بيناه.
فصل: قد روي في الوسائل بسنده عن ابيعبداللّه7 في قوله تعالي (اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا) قال بما صبروا علي التقية(و يدرءون بالحسنة السيئة) قال الحسنة التقية و السيئة الاذاعة و قوله (ادفع بالتي هي احسن) قال التي هي احسن التقية و عن ابيعمر الاعجمي عن ابيعبداللّه7 يا باعمر ان تسعة اعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له و عن معمر بن خلاد قال سألت اباالحسن7 عن القيام للولاة فقال قـال ابوجعفر7 التقية من ديني و دين آبائي و لا دين لمن لا تقية له و عن محمد بن مروان عن ابيعبداللّه7 قال كان ابي7 يقول و اي شيء اقر لعيني من التقية ان التقية
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۱ *»
جُنّة المؤمن و عن عبداللّه مسكان عن ابن ابييعفور قال سمعت اباعبداللّه7 يقول التقية ترس المؤمن و التقية حرز المؤمن و لا ايمان لمن لا تقية له و عن ابن ابييعفور عن ابيعبداللّه7 قال اتقوا علي دينكم و احجبوه بالتقية فانه لا ايمان لمن لا تقية له انما انتم في الناس كالنحل في الطير فلو ان الطير يعلم ما في اجواف النحل مابقي منها شيء الا اكلته و لو ان الناس علموا ما في اجوافكم انكم تحبونا اهل البيت لاكلوكم بالسنتهم و لنحلوكم في السر و العلانية رحم اللّه عبداً منكم كان علي ولايتنا و عن حبيب بن بشر قال قـال ابوعبداللّه7 سمعت ابي يقول لا واللّه ما علي وجه الارض شيء احب الي من التقية يا حبيب انه من كانت له تقية رفعه اللّه يا حبيب من لمتكن له تقية وضعه اللّه يا حبيب ان الناس انما هم في هدنة فلو قد كان ذلك كان هذا وعنه7 في قوله تعالي (و لاتستوي الحسنة و لا السيئة) قال الحسنة التقية و السيئة الاذاعة و عن ابيعمر الكناني عن ابيعبداللّه7 قال يا اباعمر ابي اللّه انيعبد الا سراً ابي اللّه عزوجل لنا و لكم في دينه الا التقية و عن محمد بن مسلم عن ابيعبداللّه7 قال كلما تقارب هذا الامر كان اشد للتقية و في رسالة ابيعبداللّه7 الي اصحابه عليكم بمجاملة اهل الباطل تحملوا الضيم منهم و اياكم و مماظتهم دينوا فيما بينكم و بينهم اذا انتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام بالتقية التي امركم اللّه ان تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم و قال ابوعبداللّه7 المؤمن علوي الي ان قال و المؤمن مجاهد يجاهد اعداء اللّه عزوجل في دولة الباطل بالتقية و في دولة الحق بالسيف و عن الحسين بن خالد عن الرضا7 قال لا دين لمن لا ورع له و لا ايمان لمن لا تقية له و ان اكرمكم عند اللّه اعملكم بالتقية قيل يا ابن رسولاللّه الي متي قال الي قيام القائم فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا و عن علي بن محمد8 لو قلت ان تارك التقية كتارك الصلوة لكنت صادقاً و عنه7 عن آبائه قال قـال الصادق7
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۲ *»
ليس منا من لميلزم التقية و يصوننا عن سفلة الرعية و عن جابر عن ابيعبداللّه7(اجعل بيننا و بينهم سداً)(فمااسطاعوا ان يظهروه و مااستطاعوا له نقباً) قال هو التقية و عن المفضل قال سألت الصادق7 عن قوله (اجعل بينكم و بينهم ردماً) قال التقية (فمااسطاعوا ان يظهروه و مااستطاعوا له نقباً) قال اذا عملت بالتقية لميقدروا لك علي حيلة و هو الحصن الحصين و صار بينك و بين اعداء اللّه سد لايستطيعون له نقباً قال و سألته عن قوله (فاذا جاء وعد ربي جعله دكاء) قال رفع التقية عند الكشف فانتقم من اعداء اللّه و عنه7(و لاتلقوا بايديكم الي التهلكة) قال هذا في التقية و في المحاسن بسنده عن ثابت مولي آلجرير قال سمعت اباعبداللّه7 كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم لمن اخذ بها و تحرز من التعرض للبلاء في الدنيا و عن الحسن العسكري7 في تفسيره قوله تعالي (و عملوا الصالحات) قال قضوا الفرايض كلها بعد التوحيد و اعتقاد النبوة و الامامة قال و اعظمها فرضان قضاء حقوق الاخوان في اللّه و استعمال التقية من اعداء اللّه قال و قـال رسولاللّه9 مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له و قال و قـال اميرالمؤمنين7 التقية من افضل اعمال المؤمن يصون بها نفسه و اخوانه عن الفاجرين و قال قـال الحسن بن علي8 ان التقية يصلح اللّه بها امة لصاحبها مثل ثواب اعمالهم فان تركها اهلك امة تاركها شريك من اهلكهم و قال قـال الحسين بن علي8 لولا التقية ماعرف ولينا من عدونا و قال قـال علي بن الحسين8 يغفر اللّه للمؤمن كل ذنب و يطهره منه في الدنيا و الآخرة ماخلا ذنبين ترك التقية و تضييع حقوق الاخوان و قال قـال محمد بن علي8 اشرف اخلاق الائمة و الفاضلين من شيعتنا استعمال التقية و اخذ النفس بحقوق الاخوان قال و قيل لعلي بن محمد8 من اكمل الناس قال اعملهم بالتقية و اقضاهم لحقوق اخوانه الي ان قال في قوله تعالي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۳ *»
(و الهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم) قال الرحيم بعباده المؤمنين من شيعة آلمحمد وسع لهم في التقية يجاهرون باظهار موالاة اولياء اللّه و معاداة اعدائه اذا قدروا و يسرون بها اذا عجزوا ثم قال قـال رسولاللّه9و لو شاء لحرم عليكم التقية و امركم بالصبر علي ما ينالكم من اعدائكم عند اظهاركم الحق الا فاعظم فرايض اللّه عليكم بعد فرض موالاتنا و معاداة اعدائكم استعمال التقية علي انفسكم و اموالكم و معارفكم و قضاء حقوق اخوانكم و ان اللّه يغفر كل ذنب بعد ذلك و لايستقصي و اما هذان فقل من ينجو منهما الا بعد مس عذاب شديد الا انيكون لهم مظالم علي النواصب و الكفار فيكون عقاب هذين علي اولئك الكفار و النواصب قصاصاً بما لكم عليه من الحقوق و ما لهم اليكم من الظلم فاتقوا اللّه و لاتتعرضوا لمقت اللّه بترك التقية و التقصير في اخوانكم المؤمنين الي غير ذلك من الاخبار و هي كثيرة لمن جاس خلال الديار فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان التقية و مداراة اعداء اللّه من اعظم الفرايض و يجب مراعاتها و معرفة حدودها حتي لاتسقط عن المؤمن في محلها و لايستعملها في غير محلها اذ كما ان استعمالها في محلها حفظ لدين اللّه استعمالها في غير محلها اطفاء لنور اللّه نعوذ باللّه.
فصل: اعلم انا قد شرحنا في ساير كتبنا ان جميع امور الدين امران اما معرفة ذوات و اما معرفة اقوالهم و افعالهم و العمل بها و الامتثال لها امـا معرفة الذوات فهي معرفة اللّه و معرفة رسوله و معرفة حججه: و معرفة اوليائهم و معرفة اعدائهم و امــا معرفةالصفات اي معرفة اقوالهم و افعالهم و العمل بها فهي علم اخبارهم و آثارهم و سننهم و الامتثال لاوامرهم و نواهيهم فمعرفة الذوات هي اصل الدين و معرفة الصفات هي فرعه و تكاليف لايخلو اما تتعلق باداء حقوق اللّه جلجلاله و المعاملة معه و اما تتعلق باداء حقوق الرسول و الحجج: و المعاملة معهم و اما تتعلق باداء حقوق الاولياء و الاعداء و اما تتعلق باداء حقوق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۴ *»
النفس و اما تتعلق بالسمويات و اما تتعلق بالحيوانات و اما تتعلق بالنباتات و اما تتعلق بالجمادات و لاشك ان اشرف ذلك و افضلها بعد اداء حقوق اللّه و حقوق رسوله و حججه: اداء حقوق الموالين و المعادين و لايعادله شيء من الفرايض و الفضائل بل البواقي بالنسبة الي هذا فرع الا قليل منها مع انها ادني رتبة منه و لذلك قال الامام7 اعظمها فرضان قضاء حقوق الاخوان في اللّه و استعمال التقية من اعداء اللّه عزوجل اما قضاء حقوق الاخوان فظاهر في الجملة و لسنا بصدد بيانه هيهنا.
و اما استعمال التقية فاعلم ان لاعداء اللّه حقين حقاً عند غلبة الحق علي الباطل و حقاً عند غلبة الباطل علي الحق امــا عند غلبة الحق علي الباطل فحقهم الذي يجب اداؤه افناؤهم عن جديد الارض و تطهير البلاد من لوثهم و اراحة العباد من شرهم و امــا عند غلبة الباطل علي الحق فالواجب علي كل حال افناء باطلهم ان لميمكن افناء ذواتهم و معني افناء باطلهم ان تعمل عملاً و تدبر تدبيراً لايظهر معه خبث باطنهم و نجاسة سرايرهم الاتري انه اذا كان بجنبك كنيف فينبغي ان تسعي في طمّه ان امكن و ان لميمكن ينبغي ان تدبر تدبيراً لايخرج معه نتنه و عفونته فلو قمت و ادخلت فيه خشبة و سُطتَه و قلبته ظهراً لبطن زاد نتنه و اضر بمجاوريه و افسد امزجتهم فاما طمّ البئر و اما ردمها و اما تغطيتها و لا اقل من ترك اثارة ما فيها و كذلك ان تلك الابدان الخبيثة الملعونة هي اوعية كفر و فسوق و اضرار بالمؤمنين و ظلم و اذي و اطفاء للحق و كل منكر فيجب اولاً طمّها ان امكن و افناؤها و تسويتها مع سطح الارض و ان لميمكن فيجب ردمها ان امكن و الا فتغطيتها بشيء و ان لميمكن شيء من ذلك فلا اقل من ترك اثارة ما فيها فيتخبط الادمغة و المراد بردمها ان تسلك معهم سلوكاً تسد به افواههم لايفتحونها فيفسدوا بنتنها امرك و امر اخوانك المؤمنين و يهلكونكم و ذلك بان تتبع رضاهم و تسير بسيرتهم حتي انه روي عن ابيعبداللّه7 كما يظهر من خبر قال تنظرون الي ائمتكم الذين تقتدون بهم فتصنعون ما يصنعون فواللّه انهم ليعودون مرضاهم و يشهدون جنائزهم و يقيمون الشهادة لهم و عليهم و يؤدون الامانة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۵ *»
اليهم و قال7 عليكم بالصلوة في المساجد و حسن الجوار للناس و اقامة الشهادة و حضور الجنايز انه لابد لكم من الناس ان احداً لايستغني عن الناس حيوته و الناس لابد لبعضهم من بعض و قال اميرالمؤمنين7 ليجتمع في قلبك الافتقار الي الناس و الاستغناء عنهم يكون افتقارك اليهم في لين كلامك و حسن سيرتك و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزك و قال7 خالطوا الناس مخالطة ان متم معها بكوا عليكم و ان غبتم حنوا اليكم الي غير ذلك من الاخبار فحسن العشرة ردم افواههم و لايخرج نتن خبث سرايرهم المتسمع قوله تعالي (لاتسبوا الذين يدعون من دون اللّه فيسبوا اللّه عدواً بغير علم) و قال (ادفع بالتي هي احسن السيئة) فالسيئة خبثهم الباطن و التي هي احسن التقية و كذلك (و يدرءون بالحسنة السيئة)فالحسنة هي التقية و من السيئة سيئة باطنهم و سوء سريرتهم فانت تردم ثلمتهم بحسن سلوكك و اما عدم اثارتها فبأن لاتتعرض لهم فان لمتوافق لمتخالف فتهيج غضبهم فيكفرون باللّه جهرة و يسبون اللّه و رسوله و حججه و اولياءه و يسعون في اهلاكهم فهذا هو سر وجوب التقية و افضليته من ساير الاعمال.
و اعلم ان بالتقية تحفظ حرمة اللّه و عرض رسولك و حججك و اعراض اخوانك و عرضك و حرمة دين اللّه و تكون من المجاهدين في ردم ثلمتهم و في نفي الباطل و اطفاء نائرة الكفر فهي حقيقة احد الجهادين و بالاذاعة تنهك حرمة اللّه و حرمة رسوله و حججه و تنهك حرمة اخوانك و تهتك ستر عرضك و تشيع الباطل و الكفر في دين اللّه و تكون بذلك احد الساعيين في اطفاء نور اللّه و ازهاق دين اللّه فاختر لنفسك ما يحلو و اي شيء احسن من التقية فيها مرضاة الرب و سرور الرسول و مودة الحجج: و حفظ الاخوان و حفظ النفس و الاهل و المال و الولد و رفع الحوائج و نصرتهم لك في النوائب فأَيّ شيء اقرّ منها لعين المؤمن و اي منفعة في الدين و الدنيا ابلغ منها.
فصل: و لابد من معرفة محلها فقد يستمسك بها اهل طمع حطام الدنيا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۶ *»
فيوافقون الظلمة و الفسقة و المنافقين و يصدقون باطلهم و يقتفون اثرهم و يتبعون مرضاتهم لجلب المنافع و حذراً من ضرر عدم وصول المنافع اليهم و ذلك غير جايز لهم البتة و هؤلاء شركاء اولئك الظلمة في ظلمهم و يعدون من اعوانهم و من الساعين في اطفاء نور دين اللّه و لو بنوا جميع المؤمنين علي ذلك في جميع الموارد لماقام للدين عمود و لمااخضر له عود و انما محل التقية كأن يكون دولة غالبة باطلة يدينون بينهم بالباطل و يكون المؤمن في اهلها مغلوباً مقهوراً اذا اخرج يده لميكد يراها و لو ابرز حقه لماانجح فيهم و ماقدر علي اقامته بل يهلك فيها نفسه و ماله فهنالك معذور ان يجاملهم و يعاشرهم بالمعروف بينهم علي ما سمعت و اما اذا كان بناء قوم علي الحق و دينهم و شرعهم هو الحق و فيهم بعض الفسقة يعصون اللّه في ذلك الدين الحق و عملهم منكر عند اهل ذلك الدين فيعرفون بالفسق فليس هنالك محل التقية بل هنالك محل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بالقول ان ظن التاثير و الا فالانكار بالقلب و هجرهم ما استطاع اللهم الا ان يكون بحيث اذا لميوافقهم او يصدقهم قتلوه او ضربوه او هتكوا عرضه او سلبوه ماله فذلك معفو له و هنالك ايضاً محل التقية و له ان يظهر من الموافقة بقدر ان يدفع من نفسه ضررهم لا ازيد فان كانوا يكتفون منه بكتم الحق كتم و ان كان لايكتفون بذلك و يطلبون منه الموافقة فيظهر الموافقة بقدر ما يدفع الضرر عن نفسه و اخوانه و اما اظهار موافقة الفسقة لجلب المنافع او لخوف عدم وصول المنافع منهم فذلك حرام محرم البتة و فاعلها فاسق مثلهم و يكشف من ذلك قوله تعالي (فمن اضطر غير باغ و لاعاد فلا اثم عليه) و قوله تعالي (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) و ما رواه زرارة عن ابيجعفر7 التقية في كل ضرورة و صاحبها اعلم بها حين تنزل به و عن زرارة ايضاً و جماعة قالوا سمعنا اباجعفر7 يقول التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد احله اللّه له انتهي و يظهر من هذين الخبرين ان معرفة محل الاضطرار موكول اليه فاينما يضطر الانسان و لايجد لنجاة نفسه او ماله او عرضه بدّاً الا ان يرتكب المحذور ارتكبه منكراً له في
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۷ *»
القلب و يؤيد ذلك ما روي ان اللّه سبحانه امر و نهي فمن كان له عذر عذره اللّه و ما روي ما من شيء حرمه اللّه الا و قد احله لمن اضطر اليه و ما روي من المرفوعات عن هذه الامة و منه ما اكرهوا اليه و ما اضطروا اليه و ما لايطيقون و هذه الاخبار موافقة للكتاب و لمسلم لا ضرر و لاضرار فمهما اضطر الانسان الي شيء يأتي به ولكن ليس من الاضطرار طلب المنافع و خوف عدم وصولها فتنبه و عن مسعدة بن صدقة عن ابيعبداللّه7 في حديث ان المؤمن اذا اظهر الايمان ثم ظهر منه ما يدل علي نقضه خرج مما وصف و اظهر و كان له ناقضاً الا ان يدعي انه انما عمل ذلك تقية و مع ذلك ينظر فيه فان كان ليس مما يمكن ان تكون التقية في مثله لميقبل منه ذلك لان للتقية مواضع من ازالها عن مواضعها لمتستقم له و تفسير ما يتقي مثل ان يكون قوم سوء ظاهر حكمهم و فعلهم علي غيرحكم الحق و فعله فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي الي الفساد في الدين فانه جايز انتهي و ان ما ذكره7 احد مواضع التقية و تمثيل للاضطرار و اما ما يؤدي الي الفساد في الدين كقتل امام او مؤمن او وضع بدعة او تشييد مباني كفر و امثال ذلك فان ذلك غيرجايز و التقية لحفظ الدين و اهله فما يفسد الدين و يهلك اهل الدين فليس من التقية و يؤيد ذلك ما رواه في الوسائل بسنده الي محمد بن مسلم عن ابيجعفر7 قال انما جعل التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فليس تقية و اما ما روي عن ابيعمر الاعجمي عن ابيعبداللّه7 في حديث انه قال لا دين لمن لا تقية له و التقية في كل شيء الا في النبيذ و المسح علي الخفين فلعله كان يمكن الاعتذار بضرر النبيذ بمزاجه و كان له محيص عن شربه و كانوا لايستوجبون المسح علي الخفين و ماكان ينافي رضاهم نزع الخف او هو مخصوص باشخاص او عصر كما روي عن زرارة قال قلت له في مسح الخفين تقية فقال ثلثة لااتقي فيهن احداً شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج قال زرارة و لميقل الواجب عليكم ان لاتتقوا فيهن احداً بالجملة اذا اضطر الانسان الي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۸ *»
اي شيء كان مما لايوجب الفساد في الدين يجوز التقية فيه و يؤيد ذلك ما قال ابوالحسن موسي7 لكميت بن زيد انت الذي تقول:
فالان صرت الي امية | و الامور لها مصاير |
قال قلت ذاك واللّه مارجعت عن ايماني و اني لكم لموال و لعدوكم لقال و لكني قلته علي التقية فقال اما لئن قلت ذلك ان التقية تجوز في شرب الخمر انتهي.
و اما التقية باظهار كلمة الكفر كسبّ الانبياء و الائمة: و البراءة منهم فقد ورد فيها اخبار متعارضة بحسب الظاهر فمنها ما روي عن هشام بن سالم عن ابيعبداللّه7 قال ان مثل ابيطالب مثل اصحاب الكهف اسرّوا الايمان و اظهروا الشرك فآتاهم اللّه اجرهم مرتين و عن مسعدة بن صدقة قال قلت ان الناس يروون ان علياً قال علي منبر الكوفة ايها الناس انكم ستدعون الي سبّي فسبّوني ثم تدعون الي البراءة مني فلاتبرأوا مني فقال ما اكثر ما يكذب الناس علي علي7 ثم قال انما قال انكم ستدعون الي سبّي فسبّوني ثم تدعون الي البراءة مني و اني لعلي دين محمد9 و لميقل و لاتبرأوا مني فقال له السائل ارايت ان اختار القتل دون البراءة فقال واللّه ما ذلك عليه و ما له الا ما مضي عليه عمار بن ياسر حيث اكرهه اهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان فانزل اللّه عزوجل فيه (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) فقال له النبي9 عندها يا عمار ان عادوا فعد فقد انزل اللّه عذرك و امرك ان تعود ان عادوا انتهي و قد روي روايات اخر بالنهي عن البراءة و مد الرقاب للقتل و يظهر منها ايضاً التقية و لعل العامة وضعوا هذا الخبر بعد ما علموا ان معوية يأخذهم بالبراءة او يقتلون فارادوا حيلة حتي لايبرأوا ان اخذوا فيقتلوا و يستأصلوا فوضعوا ذلك الخبر و اشاعوه حتي الجأوا آلمحمد: الي التقية فيه كما روي بكر بن مسلم المجهول عن محمد بن ميمون العامي عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده قال قال اميرالمؤمنين7 ستدعون الي سبي فسبوني و تدعون الي البراءة مني فمدوا الرقاب فاني علي الفطرة و انت تعلم ان هذا الخبر ليس بخبر يحدث
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۶۹ *»
بها السني و محمد بن ميمون عامي و لذلك سمي الامام تصريحاً فهذا الخبر ايضاً يؤيد التقية و كذا خبر مسعدة ان الناس يروون و تكذيب الامام7 له و اما ما روي عن اسماعيل بن علي الدعبلي عن علي بن علي اخي دعبل بن علي الخزاعي عن الرضا7 عن ابيه عن آبائه عن علي بن ابيطالب انه قال انكم ستعرضون علي سبي فان خفتم علي انفسكم فسبوني الا و انكم ستعرضون علي البراءة مني فلاتفعلوا فاني علي الفطرة فاسمعيل و علي كلاهما مجهولان و يؤيد اَنّ الحديث موضوع ما روي من الاحتجاج و من تفسيرالعسكري7 في حديث الطبيب اليوناني ان اميرالمؤمنين7 قال له و آمرك ان تصون دينك و علمنا الذي اودعناك فلاتبد علومنا لمن يقابلها بالعناد و لاتفش سرنا الي من يشنع علينا و آمرك انتستعمل التقية في دينك فان اللّه يقول (لايتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة) و قد اذنت لكم في تفضيل اعدائنا ان الجأك الخوف اليه و في اظهار البراءة ان حملك الوجل عليه و في ترك الصلوات المكتوبات ان خشيت علي حشاشة نفسك الآفات و العاهات فان تفضيلك اعداءنا عند خوفك لاينفعهم و لايضرنا و ان اظهارك براءتك منا عند تقيتك لايقدح فينا و لاينقصنا و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و انت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها التي بها قوامها و مالها الذي به قيامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك من اوليائنا و اخواننا فان ذلك افضل من ان تتعرض للهلاك و تنقطع به عن عمل في الدين و صلاح اخوانك المؤمنين و اياك ثم اياك ان تترك التقية التي امرتك بها فانك شائط بدمك و دماء اخوانك معرض لنعمتك و نعمتهم للزوال مذلّ لهم في ايدي اعداء دين اللّه و قد امرك اللّه باعزازهم فانك ان خالفت وصيتي كان ضررك علي اخوانك و نفسك اشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا انتهي و عن ابيبكر الحضرمي عن ابيعبداللّه7 في حديث انه قيل له مد الرقاب احب اليك ام البراءة من علي7 فقال الرخصة احب الي اماسمعت قول اللّه عز
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۰ *»
وجل في عمار (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) و عن عبداللّه بن عجلان عن ابيعبداللّه7 قال سألته فقلت له ان الضحاك قد ظهر بالكوفة و يوشك ان ندعا الي البراءة من علي7 فكيف نصنع قال فابرأ منه قلت ايهما احب اليك قال ان تمضوا علي ما مضي عليه عمار بن ياسر اخذ بمكة فقالوا له ابرأ من رسولاللّه فبرأ منه فانزل اللّه عزوجل عذره (الا من اكره و قلبه مطمئن بالايمان) و عن عبداللّه بن يحيي عن ابيعبداللّه7 انه ذكر اصحاب الكهف فقال لو كلفكم قومكم ما كلفهم قومهم فقيل له و ما كلفهم قومهم فقال كلفوهم الشرك باللّه العظيم فاظهروا لهم الشرك و اسرّوا الايمان حتي جاءهم الفرج و في رواية انهم كانوا يشدون الزنانير و يشهدون الاعياد فآتاهم اللّه اجرهم مرتين و في رواية كانوا علي اجهار الكفر اعظم اجراً منهم علي اسرار الايمان انتهي و كذلك كان تقية ابيطالب7 كان يسرّ الايمان و يظهر الشرك فآتاه اللّه اجره مرتين و ماخرج من الدنيا حتي اتته البشارة من اللّه بالجنة و كذلك مؤمن آلفرعون يكتم ايمانه بالجملة اخبار الرخصة اخبار موافقة للكتاب و ساير اخبار التقية و الاصول المجمع عليها و العقل السليم و اخبار الامر بمد الرقاب مخالفة للكتاب و ساير اخبار التقية و الاصول فالرجحان لاخبار الرخصة اعاذنا اللّه من الوقوع في تلك البلية و الاضطرار الي مثل تلك التقية.
و علي ما عرفت يجوز التقية في الفتوي اذا اضطر الانسان اليه و عليها بناء آلمحمد: و يدل علي الرخصة خصوصاً ما رواه في الوسائل عن ابان بن تغلب قال قلت لابيعبداللّه7 اني اقعد في المسجد فيسألوني فان لماجبهم لميقبلوا مني و اكره ان اجيبهم بقولكم و ما جاء عنكم فقال لي انظر ما علمت انه من قولهم فاخبرهم بذلك و عن معاذ بن مسلم في حديث انه قال لابيعبداللّه7 اني اقعد في المسجد فيجيئ الرجل فيسألني عن الشيء فاذا عرفته بالخلاف لكم اخبرته بما يفعلون و يجيئ الرجل اعرفه بمودتكم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۱ *»
فاخبره بما جاء عنكم و يجيئ الرجل لااعرفه و لاادري من هو فاقول جاء عن فلان كذا و جاء عن فلان كذا فادخل قولكم فيما بين ذلك قال فقال لي اصنع كذا فاني كذا اصنع الي غير ذلك من الاخبار بل ينبغي ستر الحق عن الاعداء و ان لميكن في اخبارهم مفسدة ظاهرية و ذلك ان الاعمال جواذب الامداد و السنة الاستمداد فالاعمال الحقة جواذب امداد البقاء و العافية و الخير و النعمة و الثروة و صلاح الدنيا و الاعمال الباطلة جواذب امداد الفناء و البلاء و الشر و الشقاء و الفقر و ما يشاكلها فاذا عمل الانسان بالاعمال الحقة تنفعه في دار الدنيا و ينال بها ثواب الدنيا فان اللّه جلوعز لميأمر الناس بالاعمال الصالحة الا و كان فيها صلاح الدنيا و الآخرة فلو اجمع الناس علي الاعمال الصالحة لصلح بها واللّه دنياهم و عمر بها بلادهم و زاد بها بركاتهم و طال بها اعمارهم و ان لمتكن للّه عزوجل المتسمع ما روي عن النبي9 من ترك الخمر لغير اللّه سقاه اللّه من الرحيق المختوم قيل فيتركه لغير اللّه قال نعم واللّه صيانة لنفسه فيشكره اللّه علي ذلك الي غير ذلك من الاخبار و كل ذي مسكة يعرف من هذه الشريعة المقدسة ان فيها صلاح الدين و الدنيا و الآخرة بالبداهة و الاعمال السيئة تضر بالابدان و الاموال و تفسد العباد و تخرب البلاد و تذر الديار بلاقع بالبداهة فعلي ذلك عدم اخبارك اعداء اللّه بالحق الذي فيه صلاح العباد و البلاد احسن حتي يعملوا بباطلهم و ينقرضوا سريعاً و يهلكوا عاجلاً و يفسد ديارهم و يخترم اعمارهم فهذا جهاد حاضر من المؤمن لاعداء اللّه قال الصادق7 نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همه لنا عبادة و كتمان سرنا جهاد في سبيل اللّه و ما ذكرناه معني بديع للخبر فاغتنمه و جميع الحق سرهم و السر ما يخفي عن الغير و يشهد بذلك ما رواه في الوسائل بسنده عن خلف بن حماد الكوفي في حديث سأل اباالحسن موسي بن جعفر7 بمني عن الفرق بين دم الحيض و العذرة قال فالتفت يميناً و شمالاً في الفسطاط مخافة ان يسمع كلامه احد قال فنهد الي فقال يا خلف سر اللّه فلاتذيعوه و لاتعلّموا هذا الخلق اصول دين اللّه بل ارضوا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۲ *»
لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال ثم علّمه الفرق الي آخر الحديث فتبين ان جميع الشرع الحق سرّ عن الاعداء و لاينبغي اخبارهم و ينبغي تركهم علي ضلالهم حتي يكون ذلك اسرع في فنائهم و بوارهم و لاسيما اذا استوحشوا من سماع الحق و رموك بالباطل و سلقوك بالسنتهم و سطوا عليك بايديهم فذروهم و ضلالهم حتي يموتوا علي كفرهم.
بقي شيءيجب التنبيه عليه و هو ان التقية في كتمان سر آلمحمد: لاتنحصر في الاعداء بل ربما ينبغي التقية عن المدعين للموالاة غير المتحملين لبعض الفضائل و المقامات بل المنكرين لما خص اللّه آلمحمد: من الآيات و العلامات و الدرجات الذين ظهروا في هذه الاوقات و لهم الغلبة علي العباد و الاستيلاء علي البلاد قد بدت البغضاء من افواههم و ما تخفي صدورهم اكبر قد سموا انفسهم موالين و هم ينكرون فضايلهم كالمعادين و يرمون المقرين بالكفر و الضلال و يشهرون ذلك بين الجهال حتي صرفوا الناس عن فطرهم و ردوهم قهقري الي فهرهم فحملوهم علي بغض الموالين و زادوا بغضاً بل في قلوبهم مرض فزادهم اللّه مرضاً فينبغي لمن ابتلي بهم من المؤمنين التقية عنهم في ذكر الفضائل الخفية التي لمتبلغ ضرورة الشيعة و اجماعهم او قبولهم فانهم لايتحملون و يكفّرون المقرّ بها من غير جرم و عندهم دليلها بل كذبوا بما لميحيطوا بعلمه و لمايأتهم تاويله فان لهم الملك اليوم ظاهرين في الارض و قد آل الغثاء اليهم في الطول و العرض و اهل الحق قليلون و في ايديهم مغلوبون و الي التقية عنهم مضطرون و التقية في كل شيء اضطر اليه ابن آدم ولكن علي ما ذكرنا في دفع الضرر لا جلب المنفعة و عند الضرورة لا عند التوهمات الباطلة و يختلف احوال الاشخاص و البلاد و الانادي و الحضور و صاحبها اعلم بها اذا اضطر اليها.
و لما بلغ الكلام الي هنا احب ان اذكر بعض الاخبار في كتمان اسرار آلمحمد: و الانكار و لاحول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم فاللّه خير حافظاً و هو ارحم الراحمين و قد حفظني اللّه من شرهم دائماً و ارجو ان يقيني من كيدهم
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۳ *»
ابداً فاعنون لذلك ايضاً فصلاً.
فصل: في ذكر ما يتيسر من اخبار آلمحمد: في منكري الفضائل و كاتميها من غير تقية ففي العوالم من محاسن البرقي بسنده عن جابر عن ابيجعفر7 قال قـال رسولاللّه9التاركون ولاية علي7 المنكرون لفضله المظاهرون اعداءه خارجون عن الاسلام من مات منهم علي ذلك انتهي و لا شك ان كتمان فضائلهم مظاهرة اعدائهم و ترك لولايتهم كما يأتي و في الكافي بسنده عن محمد بن الفضيل عن ابيالحسن7 في قوله تعالي (ام يحسدون الناس علي ما آتاهم اللّه من فضله) قال نحن المحسودون و قد عقد الكليني في ذلك باباً و بسنده عن ابيحمزة الثمالي قال سمعت اباجعفر7 يقول قال رسولاللّه9 ان اللّه تبارك و تعالي يقول استكمال حجتي علي الاشقياء من امتك من ترك ولاية علي و والي اعداءه و انكر فضله و فضل الاوصياء من بعده فان فضلك فضلهم و طاعتك طاعتهم و حقك حقهم و معصيتك معصيتهم و هم الائمة الهداة من بعدك جري فيهم روحك و روحك ما جري فيك من ربك و هم عترتك من طينتك و لحمك و دمك و قد اجري اللّه فيهم سنتك و سنة الانبياء قبلك و هم خزاني علي علمي من بعدك حق علي لقد اصطفيتهم و انتجبتهم و اخلصتهم و ارتضيتهم و نجا من احبهم و والاهم و سلم فضلهم و لقد اتاني جبرئيل باسمائهم و اسماء آبائهم و احبائهم و المسلمين لفضلهم و بسنده عن ابان بن تغلب قال سمعت اباعبداللّه7 يقول قال رسولاللّه9 من اراد ان يحيي حيوتي و يموت بميتتي و يدخل جنة عدن التي غرسها اللّه ربي بيده فليتول علي بن ابيطالب و ليتول وليه و ليعاد عدوه و ليسلم للاوصياء من بعده فانهم عترتي من لحمي و دمي اعطاهم اللّه فهمي و علمي الي اللّه اشكو امر امتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۴ *»
و ايم اللّه ليقتلن ابني لاانالهم اللّه شفاعتي وبسنده عن عبدالحميد بن ابيالديلم عن ابيعبداللّه7 في حديث طويل يذكر فيه الاوصياء الماضية الي ان قال فلما بعث اللّه عزوجل محمداً9 الي ان قالثم انزل اللّه جلذكره عليه ان اعلن فضل وصيك فقال رب ان العرب قوم جفاة لميكن فيهم كتاب و لميبعث اليهم نبي و لايعرفون فضل نبوات الانبياء و لا شرفهم و لايؤمنون بي ان اخبرتهم بفضل اهل بيتي فقال اللّه جلذكره (و لاتحزن عليهم) (و قل سلام فسوف يعلمون) فذكر من فضل وصيه ذكراً فوقع النفاق في قلوبهم فعلم رسولاللّه9 ذلك و ما يقولون فقال اللّه جلذكره يا محمد (و لقد نعلم انك يضيق صدرك بما يقولون)( فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات اللّه يجحدون) لكنهم يجحدون بغير حجة لهم و كان رسولهم يتألفهم و يستعين ببعضهم علي بعض و لايزال يخرج لهم شيئاً بعد شيء في فضل وصيه حتي نزلت هذه السورة فاحتج عليهم حين اعلم بموته و نعيت اليه نفسه فقال اللّه جلذكره (فاذا فرغت فانصب و الي ربك فارغب) يقول فاذا فرغت فانصب علمك و اعلن وصيك فاعلمهم فضله علانية ثم ذكر فضائل كثيرة اعلنها النبي9 في وصيه الي ان قال فلميزل يلقي فضل اهل بيته بالكلام و يبين لهم بالقرآن الحديث و عن ابيعبيدة الحذاء قال سألت اباجعفر7 عن الاستطاعة و قول الناس الي ان قال7 و القائم (يأمرهم بالمعروف) اذا قام (و ينهيهم عن المنكر) و المنكر من انكر فضل الامام و جحده (و يحل لهم الطيبات) اخذ العلم من اهله (و يحرم عليهم الخبائث) و الخبائث قول من خالف (و يضع عنهم اصرهم) و هي الذنوب التي كانوا فيها قبل معرفتهم فضل الامام (و الاغلال التي كانت عليهم) و الاغلال ما كانوا يقولون مما لميكونوا امروا به من ترك فضل الامام فلما عرفوا فضل الامام وضع عنهم اصرهم و الاصر الذنب و هي الآصار الخبر و في العوالم من منتخب البصاير و الخرايج بسنده عن جابر قال قـال ابوجعفر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۵ *»
7 قـال رسولاللّه9 ان حديث آلمحمد عظيم الي ان قال و انما الهالك ان يحدث احدكم بالحديث او بشيء لايحتمله فيقول واللّه ماكان هذا و الانكار لفضائلهم هو الكفر و عن محمد بن صدقة قال سأل ابوذر الغفاري سلمان الفارسي2يا باعبداللّه ما معرفة اميرالمؤمنين بالنورانية قال يا جندب فامض بنا حتي نسأله عن ذلك و ساق الحديث الي ان ذكر7 لهما من فضائله قليلاً من كثير الي ان قال7يا سلمان و يا جندب قالا لبيك يا اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليك قال7 من آمن بما قلت و صدق بما بينت و فسرت و شرحت و اوضحت و نورت و برهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن اللّه قلبه للايمان و شرح صدره للاسلام و هو عارف مستبصر قد انتهي و بلغ و كمل و من شك و عند و جحد و وقف و تحير و ارتاب فهو مقصر و ناصب الي ان ذكر ايضاً فضائل ثم قال الويل كل الويل لمن انكر فضلنا و خصوصيتنا و ما اعطانا اللّه ربنا لان من انكر شيئاً مما اعطانا اللّه فقد انكر قدرة اللّه عزوجل و مشيته فينا و من الاختصاص بسنده عن ابان الاحمر قال قـال الصادق7 يا ابان كيف تنكر الناس قول اميرالمؤمنين لما قال لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن ابيسفيان بالشام فنكسته عن سريره و لاينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و اتيانه سليمان به قبل ان يرتد اليه طرفه اليس نبينا افضل الانبياء و وصيه افضل الاوصياء افلاجعلوه كوصي سليمان حكم اللّه بيننا و بين من جحد حقنا و انكر فضلنا و من كنز الكراجكي عن جابر بن عبداللّه في حديث طويل قال دخلت خلف اميرالمؤمنين7 الي المسجد فجعل يخطو خطوات و هو يقول لا واللّه لافعلت واللّه لاكان ذلك ابداً فقلت يا مولاي لمن تكلم و لمن تخاطب و ليس اري احداً فقال يا جابر كشف لي عن برهوت فرأيت شيوبة و حبتر و هما يعذبان في جوف تابوت في برهوت فنادياني يا اميرالمؤمنين يا اباالحسن يا اميرالمؤمنين ردنا الي الدنيا نقر بفضلك و نقر بالولاية لك فقلت لا واللّه لاكان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۶ *»
ذلك ابداً ثم قرأ هذه الآية (و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون) يا جابر و ما من احد خالف وصي نبي الا حشر اعمي ينكب في عرصات القيمة و من تفسير الفرات عن ابيجعفر محمد بن علي7 قال قـال اللّه تعالي في كتابه (و اني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحاً ثم اهتدي) قال واللّه لو انه تاب و آمن و عمل صالحاً و لميهتد الي ولايتنا و مودتنا و يعرف فضلنا مااغني عنه ذلك شيئاً و من المجالس بسنده عن ابنعباس قال قـال رسولاللّه9 الشاك في فضل علي بن ابيطالب يحشر يوم القيمة من قبره و في عنقه طوق من نار فيه ثلثمائة شعبة علي كل شعبة منها شيطان يكلح في وجهه و يتفل فيه و عن ابنعباس قال قـال رسولاللّه9 من سره انيحيي حيوتي و يموت ميتتي و يدخل جنة عدن منزلي و يمسك قضيباً غرسه ربي عزوجل ثم قال كن فكان فليتول علي بن ابيطالب ولياً ثم الاوصياء من ولده فانهم عترتي خلقوا من طينتي الي اللّه اشكو من اعدائهم من امتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي و ايم اللّه ليقتلن بعدي الحسين لاانالهم اللّه شفاعتي و عن محمد بن علي بن ابيطالـب قال قـال رسولاللّه9 من سره ان يحيي حيوتي و يموت ميتتي و يدخل جنة ربي التي وعدني جنة عدن منزلي قضيب من قضبانه غرسه ربي تبارك و تعالي بيده فقال له كن فكان فليتول علي بن ابيطالب صلي اللّه عليه و آله الي اللّه اشكو من امتي القاطعين صلتي واللّه ليقتلن ابني لاانالهم اللّه شفاعتي و من كامل الزيارة عن سعد الاسكاف عن ابيعبداللّه7 مثله و بسنده عن جابر عن محمد بن علي7 قال قـال رسولاللّه9 من سره ان يحيي حيوتي و يموت ميتتي و يدخل جنتي جنة عدن غرسها ربي بيده فليتول علياً و يعرف فضله و الاوصياء من بعده و يتبرأ من عدوي اعطاهم اللّه فهمي و علمي هم عترتي من لحمي و دمي اشكو اليك ربي عدوهم من امتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي واللّه ليقتلن ابني ثم لاتنالهم شفاعتي و من
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۷ *»
بصائر الدرجات بسنده عن ابان بن تغلب عن ابيعبداللّه7 عن ابيه انه قال قـال رسولاللّه9 من اراد ان يحيي حيوتي و يموت ميتتي و يدخل جنة عدن غرسه ربي فليتول علياً و يعاد عدوه ثم الاوصياء من بعده فانهم ائمة الهدي من بعدي اعطاهم اللّه فهمي و علمي و هم عترتي من لحمي و دمي الي اللّه اشكو من امتي المنكرين لفضلهم القاطعين فيهم صلتي و ايم اللّه ليقتلن ابني يعني الحسين لاانالهم اللّه شفاعتي و من مشارقالانوار عن محمد بن سنان عن ابيعبداللّه7 قال نحن جنب اللّه و نحن صفوة اللّه الي ان قال فمن سمع هذا الهدي فليتفقد في قلبه حبنا فان وجد فيه البغض لنا و الانكار لفضلنا فقد ضل عن سواء السبيل لانا حجة المعبود و ترجمان وحيه الخبر و عن جابر بن يزيد الجعفي في حديث الخيط عن زينالعابدين7 بعد ذكر فضايل الي ان قال و نحن احلنا عزوجل هذا المحل و اصطفانا من بين عباده و جعلنا حجة في بلاده فمن انكر شيئاً و رده فقد رد علي اللّه جل اسمه و كفر بآياته و انبيائه و رسله يا جابر الخبر و من منتخبالبصائر بسنده عن ابنطريف قال قلت لابيجعفر7 ما تقول فيمن اخذ عنكم علماً فنسيه قال لاحجة عليه انما الحجة علي من سمع منا حديثاً فانكره او بلغه فلميؤمن به و كفر فاما النسيان فهو موضوع عنكم و في كنزالدقايق من تفسير علي بن ابرهيم بسنده عن ابيحمزة الثمالي عن ابيجعفر7 قال يبعث اللّه يوم القيمة قوماً بين ايديهم نور كالقباطي ثم يقول له كن هباءً منثوراً ثم قال اما واللّه يا باحمزة انهم كانوا يصومون و يصلون ولكن كانوا اذا عرض لهم شيء من الحرام اخذوه و اذا ذكر لهم شيء من فضل اميرالمؤمنين7 انكروه و في المشارق عن المفضل بن عمر عن ابيعبداللّه7 انه قال يا مفضل ان العالم منا يعلم تقلب جناح الطير في الهواء و من انكر من ذلك شيئاً فقدكفر باللّه من فوق عرشه و عن محمد بن سنان عن المفضل عن ابيعبداللّه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۸ *»
7 انه قال يا مفضل من زعم ان الامام من آلمحمد يعزب عنه شيء من الامر المحتوم يعني مما كتب القلم علي اللوح فقد كفر بما انزل علي محمد و انا لنشهد اعمالكم و لايخفي علينا شيء من امركم و ان اعمالكم لتعرض علينا و من كتاب الآيات مرفوعاً الي ابنعباس قال قـال رسولاللّه9 لايعذب اللّه هذا الخلق الا بذنوب العلماء الذين يكتمون الحق من فضل علي و عترته الا و انه لميمش فوق الارض بعد النبيين و المرسلين افضل من شيعة علي و محبيه الذين يظهرون امره و ينشرون فضله اولئك تغشاهم الرحمة و تستغفر لهم الملئكة و الويل كل الويل لمن يكتم فضائله و يكتم امره فما اصبرهم علي النار انتهي الي غير ذلك من الاخبار المتواترة اقتصرنا بما ذكرنا لانها كانت في ابواب الكتب متفرقة و كان يصعب علي تصفح الكتب و لا شك ان منكر الفضائل الظاهرة التي يشهد بها الكتاب و السنة كافر فان احداً من الشيعة لايثبت لهم الربوبية جزماً و الغالي فيهم كافر و كذا لايثبت لهم النبوة بعد خاتم الانبياء صلوات اللّه عليه و آله و ما بعد هاتين الرتبتين كل فضل و كمال ثابت لهم و لا مانع من وجوده فيهم لا من انفسهم فانهم معصومون مطهرون و لا من اللّه جلجلاله فانه جواد غني عدل قادر مطلع فلا وجه لانكار فضائل لاتبلغ الربوبية و النبوة لهم نعم ان بعض المقصرين في معرفة التوحيد و النبوة يعرف اللّه بالتشبيه و بصفات خلقه فاذا سمع تلك الصفات الخلقية تضاف الي الخلق استوحش و انكر كرامات اللّه لذلك الخلق و كذلك يعرف النبي ببعض صفات الولاية او الرعية فاذا نسب تلك الصفات الي من دونه اشمأز قلبه و تنفر من قبوله و ما القصور او التقصير الا فيه و اللّه سبحانه لاتدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير ليس كمثله شيء و هو السميع البصير و النبي9 لايقاس باحد من الخلق و لايوصف و لايعرف كنه معرفته فانه اول من لبّي دعوة اللّه و آمن به و هو فوق جميع الخلق و لما لمنكن بصدد بيان هذه المسئلة اقتصرنا بما ذكرنا و استوفينا المسئلة في كتابنا «نعيمالابرار و جحيمالفجار» فمن شاء فليراجعه فلنرجع الي ما كنا فيه.
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۷۹ *»
فصل: و لما ان بلغ الكلام الي هنا ناسب ان نذكر شيئاً من امر الكتمان و الاذاعة و ما جاء فيهما من الاخبار.
اعلم ان اللّه سبحانه خلق الخلق للحق و بالحق و هو ظهور الحق و مايبدئ الباطل و مايعيد قال اللّه سبحانه (الذين يذكرون اللّه قياماً و قعوداً و علي جنوبهم و يتفكرون في خلق السموات و الارض ربنا ماخلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) و قال (خلق اللّه السموات و الارض بالحق ان في ذلك لآية للمؤمنين) و قال (ماخلقنا السموات و الارض و ما بينهما الا بالحق) و قال (خلق اللّه السموات و الارض بالحق تعالي عما يشركون) فالواجب في الحكمة بيان الحق قال تعالي (وماارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) و لايمكن بيان الحق الا بالاظهار فالاصل الاولي اظهار الحق لا كتمانه ثم ان اللّه سبحانه لما قدر في حكمته ان يكون للباطل جولة و للحق دولة فقدر ان يكون دولة الباطل مقدمة علي دولة الحق و لايستقيم لهم دولة تستخرج بها كوامن ما استجن في قلوبهم الا بان يكون الحق مغلوباً مقهوراً مكتوماً كما انه لايستقيم دولة الظلمة الا بان يكون النور مستوراً رخص اللّه جلجلاله في كتمان الحق في ايام دولة الباطل اذا كان في اظهار الحق ضرر علي الحق و اهله.
و من لطيف حكمته حمل اهل الباطل علي الحق في موارد يكون في كتمان اهل الحق له عليهم بوارهم و هلاكهم او ضرر شديد فحمل اهل الباطل علي الحق حفظاً لاهل الحق الاتري ان العامة مجمعون علي وجوب الصلوات الخمس و علي الصيام و الحج و غيرها من المسائل العظيمة التي لايسع الشيعة خلافها و اما في غير ذلك ترك الاعداء علي مقتضي طبايعهم فانحرفوا عن الحق و يجب علي الشيعة ان يتقيهم و يكتم عنهم ايمانه حفظاً لرقبته و رقبة اخوانه و يوافقهم فهنالك رخص للشيعي في الكتمان الي انقضاء دولة الباطل و حرم عليه الاذاعة اذ فيها بواره و بوار اخوانه و انطماس آثار الحق و يكون كالساعي علي اطفاء نور آلمحمد: و معين اعدائهم عليهم نعوذباللّه فلرب مذيع يحسب انه من المحبين الموالين و هو شريك المعاندين المقاتلين اسأل اللّه الحفظ و الستر فلنزين كتابنا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۰ *»
بذكر بعض الاخبار الجارية في هذا المضمار.
اما الاخبار التي تدل علي عدم جواز الكتمان عند امكان البيان و عدم الخوف من اهل الطغيان ففي البحار بسنده عن النبي9 من سئل عن علم فكتمه حيث يجب اظهاره و تزول عنه التقية جاء يوم القيمة ملجماً بلجام من النار و عن زرارة عن ابيجعفر7 قال قـال اميرالمؤمنين7 قوام الدين باربعة بعالم ناطق مستعمل له و بغني لايبخل بفضله علي اهل دين اللّه و بفقير لايبيع آخرته بدنياه و بجاهل لايتكبر عن طلب العلم فاذا كتم العالم علمه و بخل الغني بماله و باع الفقير آخرته بدنياه و استكبر الجاهل عن طلب العلم رجعت الدنيا الي ورائها القهقري فلاتغرنكم كثرة المساجد و اجساد قوم مختلفة قيل يا اميرالمؤمنين كيف العيش في ذلك الزمان فقال خالطوهم بالبرانية يعني في الظاهر و خالفوهم في الباطن للمرء ما اكتسب و هو مع من احب و انتظروا مع ذلك الفرج من اللّه عزوجل و عن اخي دعبل عن الرضا عن آبائه عن اميرالمؤمنين: قال قـال رسولاللّه9 لا خير في علم الا لمستمع واع او عالم ناطق وعنعبداللّه بن مسعود قال قـال رسولاللّه9 ايما رجل آتاه اللّه علماً فكتمه و هو يعلمه لقي اللّه يوم القيمة ملجماً بلجام من نار وعن النبي9 اذا ظهرت البدعة في امتي فليظهر العالم علمه فان لميفعل فعليه لعنة اللّه و عن طلحة بن زيد عن ابيعبداللّه عن آبائه: قال قـال7 ان العالم الكاتم علمه يبعث انتن اهل القيمة ريحاً تلعنه كل دابة حتي دواب الارض الصغار و عن النبي9 من كتم علماً نافعاً الجمه اللّه يوم القيمة بلجام من نار و عن علي7 مااخذ اللّه علي الجهال ان يتعلموا حتي اخذ علي العلماء ان يعلموا و عن الحسن بن عمارة قال اتيت الزهري بعد ان ترك الحديث و الفتية([2]) علي بابه فقلت ان رأيت ان تحدثني فقال اماعلمت اني تركت الحديث فقلت اما ان تحدثني و اما ان احدثك فقال حدثني
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۱ *»
فقلت حدثني الحكم بن عيينة عن نجم الجزار قال سمعت علي بن ابيطالب يقول مااخذ اللّه علي اهل الجهل ان يتعلموا حتي اخذ علي اهل العلم ان يعلّموا قال فحدثني باربعين حديثاً الي غير ذلك من الاخبار و هي موافقة للكتاب المستطاب قال اللّه تعالي (ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم اللّهو يلعنهم اللاعنون) و قال (ان الذين يكتمون ما انزل اللّه من الكتاب و يشترون به ثمناً قليلاً اولئك مايأكلون في بطونهم الا النار) و قال (يا اهل الكتاب لمَ تلبسون الحق بالباطل و تكتمون الحق و انتم تعلمون) و قال (و اذ اخذ اللّه ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لاتكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون) و لا شك ان وجوب الاظهار في مقام تحمل المستمع و اما اذا لميتحمل لكفره او لضعفه فلا فائدة في الاظهار بل فيه مضرة اما الكافر فيسطو عليه و علي اخوانه و يذلهم لغلبة دولته و اما الضعيف فيهلك بانكاره و ربما يكفر من حيث لايعلم.
اما ما يدل علي وجوب كتمان العلم في حال التقية و غلبة دول الضلال فكثير منها ما رواه في البحار عن ابن تغلب عن ابيعبداللّه7 قال نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همّه لنا عبادة و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه ثم قال ابوعبداللّه7 يجب ان يكتب هذا الحديث بماء الذهب انتهي و ذلك لاشتمال هذا الحديث علي فضل من اللّه لايحصي علي شيعة آلمحمد: فانهم اذا كانوا مهمومين لمقهورية آلمحمد: يكون انفاسهم في آناء الليل و النهار تسبيحاً و هم في اكل و شرب و نكاح و كلام و تجارة من غير ان يسبحوا بالسنتهم و همّه لاجل آلمحمد: عبادة و ان كان مشتغلاً بغيرها فهو يمشي في عبادة و يقعد في عبادة و يتقلب في جميع آناته في عبادة و كتمانه لسرهم جهاد فانه بكتم العلم يذر الاعادي في الجهل و ممشاهم في جهلهم يسرع في بوارهم فكأنه هو قتلهم و لانه بكتم العلم يجاهد نفسه التي تنازعه في اظهاره فيغالبها فيغلبها و يكتب له ثواب الجهاد دائماً و عن عبداللّه بن سليمان قال كنت
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۲ *»
عند ابيجعفر7 فقال له رجل من اهل البصرة يقال له عثمان الاعمي ان الحسن البصري يزعم ان الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم من يدخل النار فقال ابوجعفر7 فهلك اذاً مؤمن آل فرعون و اللّه مدحه بذلك و مازال العلم مكتوماً منذ بعث اللّه عزوجل رسوله نوحاً فليذهب الحسن يميناً و شمالاً فواللّه مايوجد العلم الا هيهنا و كان7 يقول محنة الناس علينا عظيمة ان دعوناهم لميجيبونا و ان تركناهم لميهتدوا بغيرنا و عن ابياسامة زيد الشحام قال قـال ابوعبداللّه7 امر الناس بخصلتين فضيعوهما فصاروا منهما علي غير شيء كثرة الصبر و الكتمان و عن معلي بن خنيس قال قـال ابوعبداللّه7 يا معلي اكتم امرنا و لاتذعه فانه من كتم امرنا اعزه اللّه في الدنيا و جعله نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده الي الجنة يا معلي من اذاع حديثنا و امرنا و لميكتمها اذله اللّه في الدنيا و نزع النور من بين عينيه في الآخرة و جعله ظلمة تقوده الي النار يا معلي ان التقية ديني و دين آبائي و لا دين لمن لا تقية له يا معلي ان اللّه يحب ان يعبد في السر كما يحب ان يعبد في العلانية يا معلي ان المذيع لامرنا كالجاحد به و عن المفضل قال دخلت علي ابيعبداللّه7 يوم صلب فيه المعلي فقلت له يا ابن رسولاللّه الاتري هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا اليوم قال و ما هو قال قلت قتل المعلي بن خنيس قال رحم اللّه المعلي قد كنت اتوقع ذلك لانه اذاع سرنا و ليس الناصب لنا حرباً باعظم مـــݘـونة علينا من المذيع علينا سرنا فمن اذاع سرنا الي غيراهله لميفارق الدنيا حتي يعضه السلاح او يموت بخبل و عن داود الرقي و مفضل و فضيل قالوا كنا جماعة عند ابيعبداللّه7 في منزله يحدثنا في اشياء فلما انصرفنا وقف علي باب منزله قبل ان يدخل ثم اقبل علينا فقال رحمكم اللّه لاتذيعوا امرنا و لاتحدثوا به الا اهله فان المذيع علينا سرنا اشد علينا مــݘـونة من عدونا انصرفوا رحمكم اللّه و لاتذيعوا سرنا و عن اسحق بن عمار قال تلا ابوعبداللّه7 هذه الآية (ذلك بانهم كانوا يكفرون بآيات اللّه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۳ *»
و يقتلون النبيين بغير حق ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون) فقال واللّه ماضربوهم بايديهم و لاقتلوهم باسيافهم ولكن سمعوا احاديثهم فاذاعوها فاخذوا عليها فقتلوا فصار ذلك قتلا ًو اعتداء و معصية وعن يونس بن يعقوب عمن ذكره عن ابيعبداللّه7 قال ماقتلنا من اذاع حديثنا خطاء ولكن قتلنا قتل عمد و عن محمد الحداد قال قـال ابوعبداللّه7 من اذاع علينا حديثاً هو بمنزلة من جحدنا حقنا و عن ابنمسكان عن ابيعبداللّه7 قال قوم يزعمون اني امامهم واللّه ما انا لهم بامام لعنهم اللّه كلما سترت ستراً هتكوه اقول كذا و كذا فيقولون انما يعني كذا و كذا انما انا امام من اطاعني و عن المفضل عن ابيعبداللّه7 يا مفضل ان هذا الامر ليس بالقول فقط لا واللّه حتي تصونه كما صانه اللّه و تشرفه كما شرفه اللّه و تؤدي حقه كما امر اللّه الي غير ذلك من الاخبار.
و لا شك في وجوب الكتمان عن العامة العمياء و تركهم في ضلالهم حتي يموتوا بغيظهم و يكون جهلهم اسرع في فنائهم و عن ضعفاء الشيعة الذين لايتحملون و اذا سمعوا شيئاً فاما لميفهموه علي الحق و زعموه علي غير وجهه فانحرفوا عن الحق او لميتحملوه فانكروه و كفروا من حيث لايعلمون و كفّروا من دان به فعلي اي حال يجب الكتمان عنهم و الرفق بهم و يدل علي ذلك ايضاً اخبار منها ما قد رواه في البحار بسنده عن محمد بن عيسي بن عبيد عن اخيه جعفر قال كنا عند ابيالحسن الرضا7 و عنده يونس بن عبدالرحمن اذ استأذن عليه قوم من اهل البصرة فاومي ابوالحسن7 الي يونس ادخل البيت فاذا بيت مسبل عليه ستر و اياك ان تتحرك حتي يؤذن لك فدخل البصريون فاكثروا من الوقيعة و القول في يونس و ابوالحسن7 مطرق حتي لما اكثروا فقاموا و ودعوا و خرجوا فاذن يونس بالخروج فخرج باكياً فقال جعلني اللّه فداك اني احامي عن هذه المقالة و هذه حالي عند اصحابي فقال له ابوالحسن7 يا يونس فما عليك مما يقولون اذا كان امامك عنك راضياً يا يونس حدث الناس بما يعرفون و اتركهم مما لايعرفون كأنك تريد ان تكذب علي اللّه في عرشه يا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۴ *»
يونس و ما عليك ان لو كان في يدك اليمني درة ثم قال الناس بعرة او بعرة و قال الناس درة هل ينفعك شيئاً فقال لا فقال هكذا اذا كنت علي الصواب و كان امامك عنك راضياً لميضرك ما قال الناس و عن يونس قال قـال العبدالصالح يا يونس ارفق بهم فان كلامك يدق عليهم قال قلت انهم يقولون لي زنديق قال لي و مايضرك ان تكون في يدك لؤلؤة فيقول لك الناس هي حصاة و ماكان ينفعك اذا كان في يدك حصاة فيقول الناس هي لؤلؤة و عن جميل بن صالح عن الصادق عن آبائه: عن النبي9 قال ان عيسي بن مريم قام في بنياسرائيل و قال لاتحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها و لاتمنعوها اهلها فتظلموهم و لاتعينوا الظالم علي ظلمه فيبطل فضلكم و عن مدرك بن الهزهاز قال قال ابوعبداللّه جعفر بن محمد8 يا مدرك ان امرنا ليس بقبوله فقط ولكن بصيانته و كتمانه عن غير اهله اقرأ اصحابنا السلام و رحمة اللّه و بركاته و قل لهم رحم اللّه امرأ اجترّ مودة الناس الينا فحدثهم بما يعرفون و ترك ما ينكرون و عن ابيجعفر البصري قال دخلت مع يونس بن عبدالرحمن علي الرضا7 فشكي اليه ما يلقي من اصحابه من الوقيعة فقال الرضا7 دارِهم فان عقولهم لاتبلغ و عن عبدالعظيم الحسني عن محمد بن علي الرضا7 عن آبائه عن اميرالمؤمنين: قال قـال رسولاللّه انا امرنا معاشر الانبياء ان نكلم الناس بقدر عقولهم و عن محمد بن عبيد قال دخلت علي الرضا7 فقال لي قل للعباسي يكف عن الكلام في التوحيد و غيره و يكلم الناس بما يعرفون و يكف عما ينكرون و اذا سألوك عن التوحيد فقل كما قال اللّه عزوجل (قل هو اللّه احد اللّه الصمد لميلد و لميولد و لميكن له كفواً احد) و اذا سألوك عن الكيفية فقل كما قال اللّه عزوجل (ليس كمثله شيء) و اذا سألوك عن السمع فقل كما قال اللّه عزوجل (هو السميع العليم) كلم الناس بما يعرفون و عن جابر الجعفي قال دخلت علي ابيجعفر7 و انا شاب فقال من انت قلت من اهل الكوفة جئتك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۵ *»
لطلب العلم فدفع الي كتاباً و قال لي ان انت حدثت به حتي يهلك بنوامية فعليك لعنتي و لعنة آبائي و ان انت كتمت منه شيئاً بعد هلاك بنيامية فعليك لعنتي و لعنة آبائي ثم دفع الي كتاباً آخر ثم قال وهاك هذا فان حدثت بشيء منه ابداً فعليك لعنتي و لعنة آبائي و عن جابر قال حدثني ابوجعفر تسعينالف حديث لماحدث بها احداً قط و لااحدث بها احداً ابداً قال جابر فقلت لابيجعفر7 جعلت فداك انك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثتني به من سركم الذي لااحدث به احداً فربما جاش في صدري حتي يأخذني منه شبه الجنون قال يا جابر فاذا كان ذلك فاخرج الي الجبان فاحفر حفيرة و دل رأسك فيها ثم قل حدثني محمد بن علي بكذا و كذا و عن ابيبصير و محمد بن مسلم عن ابيعبداللّه7 قال خالطوا الناس بما يعرفون و دعوهم مما ينكرون و لاتحملوا علي انفسكم و علينا ان امرنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و عن داود بن كثير قال قـال لي ابوعبداللّه7 يا داود اذا حدثت عنا بالحديث فاشتهرت فانكره و عن علي بن سويد قال كتب الي ابوالحسن موسي7 و هو في الحبس لاتفش ما استكتمتك اخبرك ان من اوجب حق اخيك ان لاتكتمه شيئاً ينفعه لا من دنياه و لا من آخرته وعن ابيالطفيل عامر بن واثلة قال قـال اميرالمؤمنين7 اتحبون ان يكذب اللّه و رسوله حدثوا الناس بما يعرفون و امسكوا عما ينكرون و عن علي بن الحسين7 حدثوا الناس بما يعرفون و لاتحملوهم ما لايطيقون فتغروهم بنا و عن عمرو بن سعيد عن اميرالمؤمنين7 انه قال لحذيفة بن اليمان يا حذيفة لاتحدث الناس بما لايعلمون فيطغوا و يكفروا ان من العلم صعباً شديداً محمله لوحملته الجبال عجزت عن حمله ان علمنا اهل البيت يستنكر و يبطل و تقتل رواته و يساء الي من يتلوه بغياً و حسداً لما فضل اللّه به عترة الوصي وصي النبي9 و عن مالك بن ضمرة قال قـال اميرالمؤمنين لشيعته كونوا في
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۶ *»
الناس كالنحل في الطير ليس شيء من الطير الا و هو يستضعفها و لو يعلم ما في اجوافها لميفعل بها ما يفعل خالطوا الناس بابدانكم و زايلوهم بقلوبكم و اعمالكم فان لكل امرء ما اكتسب من الاثم و هو يوم القيمة مع من احب اما انكم لنتروا ما تحبون و ما تأملون يا معشر الشيعة حتي يتفل بعضكم في وجوه بعض و حتي يسمي بعضكم بعضاً كذابين و حتي لايبقي منكم علي هذا الامر الا كالكحل في العين و الملح في الزاد و هو اقل الزاد و عن ابيسعيد المدايني قال قـال ابوعبداللّه7 اقرأ موالينا السلام و اعلمهم ان يجعلوا حديثنا في حصون حصينة و صدور فقيهة (نقية ظ) و احلام رزينة والذي فلق الحبة و برأ النسمة ما الشاتم لنا عرضاً و الناصب لنا حرباً اشد مــݘـونة من المذيع علينا حديثنا عند من لايحتمله و عن ابيبصير قال سمعت اباجعفر7 يقول سر اسره اللّه الي جبرئيل و اسره جبرئيل الي محمد و اسره محمد الي علي و اسره علي الي من شاء اللّه واحداً بعد واحد و انتم تتكلمون به في الطرق الي غير ذلك من الاخبار التي يوجل منها الاخيار و لايعتني بها الاشرار و الواجب علي المؤمن ان يحذر من هتك ستر آلمحمد: عند اعدائهم و ضعفة اوليائهم فيغري اولئك و يغوي اولئك نعوذ باللّه فعليكم يا اخواني المتبعين لقادة الدين المسلمين للسادة الطاهرين بستر الاسرار و تسبيل الاستار علي الصعب من امر آلمحمد المختار صلوات اللّه عليهم مدي الاعصار و لاتفشوا اسرارهم عند من لايحتمل آثارهم و لايفهم اخبارهم فتضلوهم عن قصد الحق المصيب و اياكم و اظهار العلم بهتك الاستار فتضلوا الضعفة و تؤذوا الائمة و تذلوا الرقاب و تفضحوا الاخيار الاطياب حتي تسودوا بذلك النوكي و يشير اليكم بالتعظيم الحمقي بل انبذوا الي الناس نبذاً فان عرفوا فزيدوهم و ان انكروا فامسكوا و درجوا الناس في العلم تدريجاً و اعتبروا بقارورة حامية تنكسر بادني ريح باردة و اذا درجتها الي البرد تدريجاً تحملت البرد الي غايته ثم اذا بغتتها بحرارة انكسرت الا ان تستدرجها الي الحر شيئاً بعد شيء و كذلك حال الجهلة لايحتملون دقائق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۷ *»
العلم و تنكسر قارورة افهامهم و تتفرق و اما اذا درجتها علي ترتيب الحكمة و القيت اليهم الادني فالادني يتحملون و يفهمون و يسكنون عنده و لاتنحت مكذباً للّه فوق عرشه و لمحمد و آلمحمد: فتعين عليهم و كذلك يفهم من حديث ابنمسكان ان التأويل لاخبارهم بغير نص ظاهر منهم غير مرضي لهم فانه لايخلو اما انهم سلام اللّه عليهم ارادوا معني آخر ولكن المصلحة اقتضت ان يذكروه بلفظ آخر قابل للتأويل فاظهار ما تعمدوا ستره غيرجايز و اما ان المراد واقعاً ظاهره فتأويل ما ارادوا منه الظاهر غيرجايز البتة و لو فتح باب هذا التاويل لماقام للاسلام عمود و ورد عنه النهي الاكيد و انما جعل العدول في كل عصر لنفي تأويل الجاهلين بالجملة التأويل في كتاب اللّه و سنة رسوله و اخبار الائمة سلام اللّه عليهم اجمعين بدون مستند ظاهر منهم و شاهد من ظواهر آثارهم غيرجايز البتة و اللّه خليفتي عليكم و اسأله ان يغفر لي و لكم.
فصل: لما ان بلغ الكلام الي هنا تذكرت ان الحلم الذي كان بناء الباب عليه علي ما فسرنا هو رزانة العقل و يناسب ان نذكر شطراً من امر العقل بعد ان فرغنا من كثير مما يتفرع عن الحلم و في الحقيقة معرفته اصل كثير من الاخلاق الزكية و الصفات الحميدة بل اصل كثير من المسائل الحكمية و لماستحسن ان لايكون كتابي هذا مشحوناً بذكره و مع ذلك نذكره علي ما يناسب وضع هذا الكتاب و من اراد ازيد من ذلك فليراجع ساير كتبنا.
اعلم ان العقل علي ما عرّفه سيدنا اميرالمؤمنين7 في حديث الاعرابي جوهر دراك محيط بالاشياء من جميع جهاتها عارف بالشيء قبل كونه فهو علة الموجودات و نهاية المطالب هـ، و قد ذكر صلوات اللّه عليه في ذكر النفس اللاهوتية الملكوتية قوة لاهوتية جوهرة بسيطة حية بالذات اصلها العقل منه بدئت و عنه وعت و اليه دلت فاشارت عودتها اليه اذا كملت و شابهت و منها بدئت الموجودات و اليها تعود بالكمال فهي ذات اللّه تعالي العليا و شجرة طوبي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۸ *»
و سدرة المنتهي و جنة المأوي من عرفها لميشق و من جهلها ضل و غوي الخبر فتبين من هذا الخبر ان العقل هو مبدء المبادي و علة العلل منه البدأ و اليه المنتهي فهو الاول و الآخر و قد صدر من آل اللّه نصوص ان اول ما خلق اللّه العقل و لما كان هو الاول نزولاً يكون هو الآخر صعوداً و يقتضي شرح احواله علي نهج الكمال كتاباً مستقلاً الا انا نذكر هنا مايتيسر.
اعلم انك اذا نظرت الي كل كثيرين متعددين في ملك اللّه و لو كان فردين اثنين وجدت بينهما امراً واحداً يشتركان فيه و ذلك الامر المشترك في نفسه مبرأ من خصوصية كل واحد منهما كما تري في السرير و الباب مثلاً خشباً مبرأ عن حدود السريرية و الا لميظهر بالبابية و عن حدود البابية و الا لميظهر بالسريرية و ذلك الخشب محسوس كل عالم و جاهل و كبير و صغير بل و محسوس كل حيوان و ان لميقدر علي التعبير عنه الاتري ان الحيوان يعرف كل ماء انه ماء و يشربه و كل مرعي انه مرعي و يرعاه فهو امر محسوس و يعرف كل احد قدسه عن خصوصية الافراد و استعلاءه علي الزمان فان الماء المطلق هو الظاهر في المياه الكائنة في جميع آنات الزمان و في جميع الامكنة و الخصوصيات الشخصية و لايأبي عن الظهور في شيء منها فبالفطرة كل احد يراه في جميع المياه رأي العين فليس في نفسه من الزمانيات و ان كان في ظهوره منها فبالبداهة هو كلي ان لوحظ فيه صدقه علي الافراد و مطلق اذا لوحظ قدسه في ذاته و ليس ذلك بامر اعتباري موقوف علي اعتبار المعتبرين فان كل ماء ماء في الخارج قطعاً سواء اعتبرته ام لمتعتبره و يكون في الواقع شيئاً غير الحدود الشخصية اذ في الواقع التثليث غير التربيع مع ان المثلث جسم مثلاً و المربع جسم ففي وجه لهما اسم واحد و في وجه لهما اسمان واقعيان سواء اعتبرته ام لمتعتبره نعم ان سميت عرصة الشخصيات بالخارج فليس المطلق في الخارج اي في عرصة الشخصيات اذ هو في عرصة الدهر و اما انه ليس بموجود الا في الذهن فليس كذلك بل هو موجود في الدهر المهيمن علي الزمان سواء اعتبره و انتزعه ذو ذهن او لمينتزعه فاذا نظرت الي ما في العالم من الكثرات تري فوق كل كلي كلياً آخر يحتوي علي ذلك الكلي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۸۹ *»
و علي جميع ما في صقعه معه و هذا الامر مترام بالبداهة الي كلي واحد يكون جميع ما سواه تحته و ليس معه غيره حتي يندرجا تحت كلي آخر فذلك الكلي الواحد هو بالبداهة اول ما خلق اللّه منه بدئت المخلوقات و اليه ينتهي بالبداهة جميع الكثرات و هو الكائن الاول و السابق في الاجابة و علة العلل و هو المحيط بجميع ما سواه و المهيمن علي جميع ما عداه و به يقوم جميع ما دونه و ذلك الكلي الواحد هو العقل الكلي و هو القلم الاول و هو الروح الاعظم و الخلق الاكرم و النور الذي خلق اول شيء ليس شيء اقرب الي اللّه منه و لا احب اليه منه و هو مبدء الخيرات و اصل الكمالات و عماد المذرءوات و سناد المبرءوات و جميع ما سواه آثاره و انواره و اشعته و ظهوراته و هو اولي بكل شيء من كل شيء و اقرب الي كل شيء من كل شيء و هو اظهر من كل شيء بالجملة ضلت فيه الصفات التي في آثاره و تفسخت دونه النعوت التي في انواره و انطمست لديه الحدود و عفت عنده الرسوم و هو اول كلمة نطق اللّه بها و هي بالحروف غيرمصوتة و باللفظ غيرمنطقة و بالتشبيه غيرموصوفة و بالنهايات غيرمحدودة و بالكيفيات غير مكيفة بريئة عن الحدود منفية فيها الاقطار و هي الكلمة التي انزجر لها العمق الاكبر و الكلمة التامة التي لايجاوزها بر و لا فاجر الي غير ذلك من الصفات التي لو كان البحر مداداً لها لنفد البحر قبل ان تنفد و لو جئنا بمثله مدداً و هذا الكائن محسوس مشاهد لكل احد حتي الاطفال في القمط بل الحيوانات الصوامت كما اشرنا اليه حتي لايبقي ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا صديق و لا شهيد و لا عالم و لا جاهل و لا دني و لا فاضل و لا مؤمن صالح و لا فاجر طالح و لا جبار عنيد و لا شيطان مريد و لا خلق فيما بين ذلك شهيد الا عرفه اللّه جلالة امره و عظم خطره و كبر شأنه و تمام نوره و صدق مقعده و ثبات مقامه و شرف محله و منزلته عنده و كرامته عليه و خاصته لديه و قرب منزلته منه فلايجهله شيء من ساير الخلق الا ان ينكره و لايعرفه اذا اتي و ظهر في عرصة الافراد و قام في صقع الاعداد و الا فما كان في ذلك المقام العلي لمينكره فاضل و لا دني و توقف من توقف في شهوده و الا فهو اظهر كائن في وجوده بالجملة هذا هو العقل الكلي و الماء الاول الذي به
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۰ *»
حيوة كل شيء و القلم الاول الذي به كتب كل شيء و الروح الذي به كل شيء حي فاعرفه راشداً موفقاً.
فصل: اعلم ان للعقل ظهورين ظهور كوني و ظهور شرعي اما الظهور الكوني فهو ظاهر في كل شيء و هو آية ايكون لغيرك من الظهور ما ليس لك و ليس شيء في هذا المقام اولي به من شيء آخر و لا شيء احكي له من شيء آخر كما تري انه ليس شيء من الاجسام الظاهرة اولي بصدق الجسم عليه من شيء آخر و ليس شيء منها اقرب اليه من شيء آخر و لا هو اظهر في شيء منها من شيء آخر و امـا الظهور الشرعي الذي هو الفخر و الذخر و الشرف فهو بان يتبرأ شيء من جميع الكموم و الكيوف و الاوقات و الامكنة و الرتب و الجهات مهما امكن بالتصفية و التعديل و الترقية و التصعيد حتي يصير في عالم الكثرات اشبه شيء بذلك الكلي الخارج عن حدودها فيصير حينئذ كرسي استقراره و عرش قراره و خليفته في الظاهر و معناه في عالم الشهود و القائم مقامه في الاداء كما قال علي7 خلق الانسان ذا نفس ناطقة ان زكيها بالعلم و العمل فقد شابهت جواهر اوائل عللها و اذا اعتدل مزاجها و صح منهاجها و فارقت الاضداد فقد شارك بها السبع الشداد انتهي اي ان زكي الانسان نفسه شابهت نفسه في الصفاء و اللطافة و البراءة من الكثرات جوهر اول العلل و هو العقل فانه علة العلل و اذا اعتدل مزاج تلك النفس و توسطت بين الطبايع صارت فلكية حاكية لما وراءها من العقل و شارك اي الانسان بسببها الافلاك او شركها الافلاك تشريكاً و الباء للتعدية و كذا قال علي7 في حديث الفلسفة من اعتدل طباعه صفا مزاجه و من صفا مزاجه قوي اثر النفس فيه و من قوي اثر النفس فيه سما الي ما يرتقيه و من سما الي ما يرتقيه فقد تخلق بالاخلاق النفسانية و من تخلق بالاخلاق النفسانية فقد صار موجوداً بما هو انسان دون ان يكون موجوداً بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري و ليس له من هذه الغاية مغير الخبر.
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۱ *»
و امثل لك في ذلك مثالاً و هو ان البدن مركب من طبايع اربع فاذا صفت بان ذهب الدم المركب منها الي القلب و بخر هناك و صار جسماً رقيقاً لطيفاً خالياً عن صفات ساير الاخلاط المرئية منزهاً عن غلظتها و كثافتها و صار رقيقاً شفافاً اصفي من الهواء الظاهر و صار معتدلاً بان حصل فيه من كل طبع جزء و من البرودة و الرطوبة جزءان اذ هو اعتداله لما يراد ان يحكيه فقد شابه حينئذ جرم فلك القمر في اللطافة و الصفا و شابه الروح الملكوتية الحيوانية في القدس و واجهها فظهرت عليه و اشتعلت فيه فصار ذلك البخار مشتعلاً بنار تلك الحيوة و كانت تلك الحيوة في كمون تلك الطبايع و غيبها و قد حجبها غلظة تلك الاجسام فلما رقت و لطفت و اعتدلت و شفت صارت حاكية لتلك الروح و اشتعلت بها فحييت فسمي ذلك البخار بالروح و كسته الروح ثوب اسمها و حدها و رسمها و جعلته خليفته في الاجسام الظاهرة و القائم مقامها في الاداء و سفيرها المبلغ عنها و ترجمان وحيها و كرسي اقتدارها و عرش استقرارها و قبلة ساير رعيتها من الاعضاء و دار امارتها و وجهها الذي تتوجه اليه الاعضاء الي غير ذلك من الصفات و كذلك اذا بلغ اعتدال الشيء و صفاؤه مبلغاً ناسب العقل اشتعل فيه نار العقل و عقل بذلك العقل و حكاه و صار مظهره فصار عاقلاً دون ساير الاشياء مما لميبلغ مبلغه و كذلك اذا بلغ الشيء في اللطافة و القدس مبلغاً شابه امر اللّه و ناسبه حكاه فصار وكراً لارادته و ممكناً لمشيته و مسكناً لقدره وهكذا اذا بلغ مبلغاً ناسب انوار اللّه و صفاته و اسمائه بالجملة هذا سبيل حكاية الداني للعالي حكاية شرعية التي هي الفخر و الذخر فالاجسام بالحكاية الكونية تحكي الجسم المطلق و جميعها في الحكاية علي حد سواء سواء كانت لطيفة ام كثيفة شافة ام حاجبة و اما اذا صفا جسم من الاجسام حتي تبرأ عن جميع الحدود و لطف و اعتدل و شف شابه قدس الجسم و تبريه عن حدود الاجسام الظاهرة و صار في عالم الشهادة خليفة الجسم المطلق و ظاهره و لعلك تفطنت مما ذكرنا ان للجسم مقامين مقام ذات هو فيه هو و مقام صفات و صدقه علي ما سواه حيث اطلاقه عن القيود فالعرش و الفرش و ما بينهما كلها جسم علي حد سواء و اما صدقه علي اللطيف المعتدل الشاف فهو حيث
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۲ *»
صفاته فربوبيته و قهاريته و سلطنته و غلبته وهكذا ساير الكمالات فلمتظهر الا في ذلك اللطيف المعتدل الشاف فلاجل ذلك يظهر منه ما لميظهر من غيره و يصدر منه ما لميصدر من غيره و يستولي بذلك علي البواقي و حيث كون البواقي رعية ايضاً حيث كون كل واحد حاكياً لشأن جزئي من شئونه لا حيث كونه مصداق اسم الجسم فافهم هذه الدقائق العجيبة.
فللعقل ايضاً مقامان حيث ذات و كينونة فهو يصدق علي الكل و يظهر في الكل اذ كل شيء كائن و موجود و لا فخر و لا مزية لشيء علي شيء و حيث اولية و اولوية و علية و كمال و خير و احاطة و استعلاء و مؤثرية و علم و اطلاع فهذه الصفات لمتظهر الا في ذلك اللطيف المعتدل الشاف و فيه الفخر و الذخر و الشرف و العلو الاعلي فوق كل عال و الجلال الامجد فوق كل جلال فمن ظهر فيه العقل من بين الانام فهو واحد الايام و القدوة و الاسوة و الامام و هو الذي معرفته الكمال للاعلام و الفخر لاولي الاحلام و التقرب اليه سبب الفوز الي اعلي الدرجات و التباعد عنه سبب الخزي و الهلكات ماادري ما ذا اقول و ما ذا تسمع ولحري ان تقول:
قد يطرب القمري اسماعنا | و نحن لانعرف الحانه |
بالجملة العاقل هو الذي بلغ هذا المبلغ و الجاهل هو المحجوب عن مشاهدة العقل و التوجه اليه و الحكاية له علي ما عرفت.
فصل: اعلم ان التصفية تصفيتان تصفية كونية بالنسبة و ان كانت شرعية بالنسبة و تصفية شرعية اما التصفية الكونية النسبية فكتصفية هذه الاناسي الظاهرية فانهم بلغوا في الصفاء الكوني مبلغاً لميبلغه ساير المواليد فظهر فيهم من الشعور و الادراك للكليات ما لميظهر فيها فما ظهر فيهم هو العقل المطبوع و به وقع التكليف و هذا هو عقل كوني صالح لان يتوجه الي عليين و يظهر فيه صورة مبدء الخير و انيتوجه الي سجين و يظهر فيه صورة مبدء الشر و لاجل ذلك تجد كثيراً من الكفار و المنافقين ذوي فطنة و ذكاوة فلعلهم يشقون الشعر من دقتهم فاذا وقع عليه صورة مبدء الخير و تصور بالخير فهو عقل شرعي يعبد به الرحمن و يكتسب
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۳ *»
به الجنان و اذا وقع عليه صورة مبدأ الشر فهو جهل شرعي لهم قلوب لايفقهون بها اي عقول لايدركون بها الحق لانهم متوجهون بها الي سجين و يدركون اباطيله فافهم فمشعرهم شيطنة و نكراء قيل فما الذي في معاوية قال تلك الشيطنة و تلك النكراء و هي شبيهة بالعقل و ليست به و هنا عقل منطوق آخر و هو ما يتكلم به صاحب العقل الشرعي فان كلام كل امرء دليل عقله فالشريعة المقدسة هي العقل المسموع ولكن لاينفع مسموع اذا لميك مطبوع كما روي عن علي7 العقل عقلان مطبوع و مسموع و لاينفع مسموع اذا لميك مطبوع كما لاتنفع الشمس و ضوء العين ممنوع ثم العلم علمان علم عقلي و علم شرعي و كل منهما يحتاج الي الآخر كحاجة الرأس الي البدن و البدن الي الرأس فالعلم العقلي يبين صحة الشرعي و العلم الشرعي يزيد العلم العقلي الحديث و كما روي بالحكمة يستخرج غور العقل و بالعقل يستخرج غور الحكمة انتهي و الحكمة هي العقل المسموع و الشريعة المقدسة و يعلمهم الكتاب و الحكمة، ذلك ما اوحي اليك ربك من الحكمة فافهم فهذه الشريعة الطاهرة هي العقل المستقيم المنطوق فاذا سمعها العاقل بالعقل المطبوع و عقلها و تصور بمفادها تصور بصورة الاستقامة و صورة عليين فصار عقلاً شرعياً و اذا خالفها و تصور بمخالفتها اعوج و صار جهلاً شرعياً فانه جهل الخير و الحق و الاستقامة الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الاتخافوا و لاتحزنوا و ابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقاً و هو العقل الشرعي فافهم.
فصل: احب ان اشرف كتابي هذا بذكر بعض الاخبار الواردة في فضل العقل و العقلاء كما هو عادتي في هذا الكتاب و استطرف من الاخبار الواردة شيئاً لكثرتها ففي البحار بسنده عن جميل عن الصادق جعفر بن محمد8 قال كان اميرالمؤمنين7 يقول اصل الانسان لبه و عقله دينه و مروته حيث يجعل نفسه و الايام دول و الناس الي آدم شرع سواء و عن ابنمسكان عن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۴ *»
ابيعبداللّه7 قال لميقسم بين العباد اقل من خمس اليقين و القنوع و الصبر و الشكر و الذي يكمل به هذا كله العقل و عن حمدان الديواني قال قـال الرضا7 صديق كل امرء عقله و عدوه جهله و عن ابيحمزة السعدي عن ابيه قال اوصي اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 الي الحسن بن علي7 فقال فيما اوصي به اليه يا بني لا فقر اشد من الجهل و لا عدم اشد من عدم العقل و لا وحدة و لا وحشة اوحش من العجب و لاحسب كحسن الخلق و لا ورع كالكف عن محارم اللّه و لا عبادة كالتفكر في صنعة اللّه عزوجل يا بني العقل خليل المرء و الحلم وزيره و الرفق والده و الصبر من خير جنوده يا بني انه لابد للعاقل من ان ينظر في شأنه فليحفظ لسانه و ليعرف اهل زمانه يا بني ان من البلاء الفاقة و اشد من ذلك مرض البدن و اشد من ذلك مرض القلب و ان من النعم سعة المال و افضل من ذلك صحة البدن و افضل من ذلك تقوي القلوب يا بني للمؤمن ثلث ساعات ساعة يناجي ربه و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يخلو فيها بين نفسه و لذتها فيما يحل و يحمد و ليس للمؤمن بد من ان يكون شاخصاً في ثلث مرمة لمعاش او خطوة لمعاد او لذة في غير محرم هـ، صلي اللّه عليه من ناطق عالم بحقيقة الاشياء و عن بعض اصحابنا عن ابيعبداللّه7 قال دعامة([3]) الانسان العقل و من العقل الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم فاذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً زكياً فطناً فهماً و بالعقل يكمل و هو دليله و مبصره و مفتاح امره و عن بعض اصحابنا رفعه قال قـال رسولاللّه9ماقسم اللّه للعباد شيئاً افضل من العقل فنوم العاقل افضل من سهر الجاهل و افطار العاقل افضل من صوم الجاهل و اقامة العاقل افضل من شخوص الجاهل و لابعث اللّه رسولاً و لا نبياً حتي يستكمل العقل و يكون عقله افضل من جميع امته و مايضمر النبي9 في نفسه افضل من اجتهاد المجتهدين و ماادي العاقل فرايض اللّه
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۵ *»
حتي عقل منه و لابلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ان العقلاء هم اولوا الالباب الذين قال اللّه عزوجل (انما يتذكر اولوا الالباب) و من مصباحالشريعة الجهل صورة ركبت في بني آدم اقبالها ظلمة و ادبارها نور و العبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس الاتري الي الانسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعينها في غيره ساخطاً لها و تارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها في غيرها فهو منقلب بين العصمة و الخذلان فان قابلته العصمة اصاب و ان قابله الخذلان اخطأ و مفتاح الجهل الرضا و الاعتقاد به و مفتاح العلم الاستبدال مع اصابة موافقة التوفيق و ادني صفة الجاهل دعواه العلم بلا استحقاق و اوسطه جهله بالجهل و اقصاه جحوده العلم و ليس شيء اثباته حقيقة نفيه الا الجهل و الدنيا و الحرص فالكل منهم كواحد و الواحد منهم كالكل و عن العلاء عن محمد عن الباقر7 قال لما خلق اللّه العقل استنطقه ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال و عزتي ماخلقت خلقاً هو احب اليّ منك و لااكملك الا فيمن احب اما اني اياك آمر و اياك انهي و اياك اعاقب و اياك اثيب و عن العلاء عن محمد عن ابيجعفر و ابيعبداللّه8 قالا لماخلق اللّه العقل قال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل فقال وعزتي و جلالي ماخلقت خلقاً احسن منك اياك آمر و اياك انهي و اياك اثيب و اياك اعاقب و عن هشام قال قـال ابوعبداللّه7 لما خلق اللّه العقل قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال وعزتي و جلالي ماخلقت خلقاً هو احب الي منك بك آخذ و بك اعطي و عليك اثيب و في رواية بك اثيب و بك اعاقب و بك آخذ و بك اعطي و روي اعطي اللّه محمداً تسعة و تسعين جزء ثم قسم بين العباد جزءاً واحداً و من الاختصاص عن الصادق7 خلق اللّه العقل من اربعة اشياء من العلم و القدرة و النور و المشية بالامر فجعله قائماً بالعلم دائماً في الملكوت و عمن ذكره عن ابيجعفر7 قال ان الغلظة في الكبد و الحياء في الريح
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۶ *»
و العقل مسكنه القلب وباسناد علوي عن علي بن ابيطالب7 ان النبي سئل مما خلق اللّه عزوجل العقل قال خلقه ملكاً له رءوس بعدد الخلايق من خلق و من يخلق الي يوم القيمة و لكل رأس وجه و لكل آدمي رأس من رءوس العقل و اسم ذلك الانسان علي وجه ذلك الرأس مكتوب و علي كل وجه ستر ملقي لايكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتي يولد هذا المولود و يبلغ حد الرجال او حد النساء فاذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الانسان نور فيفهم الفريضة و السنة و الجيد و الردي الا و مثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت و عن البرقي عن ابيه رفعه قال قـال رسولاللّه9 قسم العقل علي ثلثة اجزاء فمن كانت فيه كمل عقله و من لمتكن فيه فلا عقل له حسن المعرفة باللّه عزوجل و حسن الطاعة له و حسن الصبر علي امره و عن عياش بن يزيد بن الحسن بن علي الكحال مولي زيد بن علي عن علي عن موسي بن جعفر عن آبائه عن اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب: قال قـال رسولاللّه9 ان اللّه خلق العقل من نور مخزون مكنون في سابق علمه الذي لميطلع عليه نبي مرسل و لا ملك مقرب فجعل العلم نفسه و الفهم روحه و الزهد رأسه و الحياء عينيه و الحكمة لسانه و الرأفة همه و الرحمة قلبه ثم حشاه و قواه بعشرة اشياء باليقين و الايمان و الصدق و السكينة و الاخلاص و الرفق و العطية و القنوع و التسليم و الشكر ثم قال عزوجل ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له تكلم فقال الحمد للّه الذي ليس له ضد و لا ند و لا شبيه و لا كفو و لا عديل و لا مثل الذي كل شيء لعظمته خاضع ذليل فقال الرب تبارك و تعالي وعزتي و جلالي ماخلقت خلقاً احسن منك و لا اطوع لي منك و لا ارفع منك و لا اشرف منك و لااعز منك بك اوحد و بك اعبد و بك ادعي و بك ارتجي و بك ابتغي و بك اخاف و بك احذر و بك الثواب و بك العقاب فخر العقل عند ذلك ساجداً فكان في سجوده الف عام فقال الرب تبارك و تعالي ارفع رأسك و سل تعط و اشفع تشفع فرفع العقل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۷ *»
رأسه فقال الهي اسألك ان تشفعني في من خلقتني فيه فقال اللّه جلجلاله للملئكة اشهدكم اني قد شفعته فيمن خلقته فيه و عن ابن خالد (ابي ظ) عن ابيجعفر7 قال قـال رسولاللّه9لميعبد اللّه عزوجل بشيء افضل من العقل و لايكون المؤمن عاقلاً حتي تجتمع فيه عشر خصال الخير منه مأمول و الشر منه مأمون يستكثر قليل الخير من غيره و يستقل كثير الخير من نفسه و لايسأم من طلب العلم طول عمره و لايتبرم بطلاب الحوائج قبله الذل احب اليه من العز و الفقر احب اليه من الغني نصيبه من الدنيا القوت و العاشرة لايري احداً الا قال هو خير مني و اتقي انما الناس رجلان فرجل خير منه و اتقي و آخر شر منه و ادني فاذا رأي من هو خير منه و اتقي تواضع له ليلحق به و اذا لقي الذي هو شر منه و ادني قال عسي خير هذا باطن و شره ظاهر و عسي ان يختم له بخير فاذا فعل ذلك فقد علا مجده و ساد اهل زمانه و عن سماعة قال كنت عند ابيعبداللّه7 فجري ذكر العقل و الجهل فقال ابوعبداللّه7 اعرفوا العقل و جنده و الجهل و جنده تهتدوا قال سماعة فقلت جعلت فداك لانعرف الا ما عرفتنا فقال ابوعبداللّه7 ان اللّه جل ثناؤه خلق العقل و هو اول خلق خلقه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر فقال اللّه تبارك و تعالي خلقتك خلقاً عظيماً و كرمتك علي جميع خلقي قال ثم خلق الجهل من البحر الاجاج ظلمانياً فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فلميقبل فقال له استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جنداً فلما رأي الجهل ما اكرم به العقل و ما اعطاه اضمر له العداوة فقال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قويته و انا ضده و انا لا قوة لي به فاعطني من الجند مثل ما اعطيته فقال نعم فان عصيت بعد ذلك اخرجتك و جندك من رحمتي قال قد رضيت فاعطاه خمسة و سبعين جنداً فكان ما اعطي العقل من الخمسة و السبعين الجند الخير و هو وزير العقل و جعل ضده الشر و هو
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۸ *»
وزير الجهل و الايمان و ضده الكفر و التصديق و ضده الجحود و الرجا و ضده القنوط و العدل و ضده الجور و الرضا و ضده السخط و الشكر و ضده الكفران و الطمع و ضده اليأس و التوكل و ضده الحرص و الرأفة و ضدها الغرة (كافي: القسوة خل) و الرحمة و ضدها الغضب و العلم و ضده الجهل و الفهم و ضده الحمق و العفة و ضدها الهتك و الزهد و ضده الرغبة و الرفق و ضده الخرق و الرهبة و ضدها الجرأة و التواضع و ضده التكبر و التؤدة و ضدها التسرع و الحلم و ضده السفه و الصمت و ضده الهذر و الاستسلام و ضده الاستكبار و التسليم([4]) و ضده التجبر و العفو و ضده الحقد و الرقة و ضدها القسوة و اليقين و ضده الشك و الصبر و ضده الجزع و الصفح و ضده الانتقام و الغني و ضده الفقر و التفكر (كافي: التذكر خل) و ضده السهو و الحفظ و ضده النسيان و التعطف و ضده القطيعة و القنوع و ضده الحرص و المواساة و ضدها المنع و المودة و ضدها العداوة و الوفاء و ضده الغدر و الطاعة و ضدها المعصية و الخضوع و ضده التطاول و السلامة و ضدها البلاء و الحب و ضده البغض و الصدق و ضده الكذب و الحق و ضده الباطل و الامانة و ضدها الخيانة و الاخلاص و ضده الشوب و الشهامة و ضدها البلادة و الفهم و ضده الغباوة و المعرفة و ضدها الانكار و المداراة و ضدها المكاشفة و سلامة الغيب و ضدها المماكرة و الكتمان و ضده الافشاء و الصلوة و ضدها الاضاعة و الصوم و ضده الافطار و الجهاد و ضده النكول و الحج و ضده نبذ الميثاق و صون الحديث و ضده النميمة و بر الوالدين و ضده العقوق و الحقيقة و ضدها الريا و المعروف و ضده المنكر و الستر و ضده التبرج و التقية و ضدها الاذاعة و الانصاف و ضده الحمية و المهنة (في الكافي: و التهيئة خل) و ضدها البغي و النظافة و ضدها القذر و الحياء و ضده الخلع و القصد و ضده العدوان و الراحة و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۱۹۹ *»
ضدها التعب و السهولة و ضدها الصعوبة و البركة و ضدها المحق و العافية و ضدها البلاء و القوام و ضده المكاثرة و الحكمة و ضدها الهوي و الوقار و ضده الخفة و السعادة و ضدها الشقا (كافي: الشقاوة خل) و التوبة و ضدها الاصرار و الاستغفار و ضده الاغترار و المحافظة و ضدها التهاون و الدعاء و ضده الاستنكاف و النشاط و ضده الكسل و الفرح و ضده الحزن و الالفة و ضدها الفرقة و السخاء و ضده البخل فلاتجتمع هذه الخصال كلها من اجناد العقل الا في نبي او وصي نبي او مؤمن قد امتحن اللّه قلبه للايمان و اما ساير ذلك من موالينا فان احدهم لايخلو من ان يكون فيه بعض هذه الجنود حتي يستكمل و يتقي من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الانبياء و الاوصياء و انما يدرك الفوز بمعرفة العقل و جنوده و مجانبة الجهل و جنوده وفقنا اللّه و اياكم لطاعته و مرضاته انتهي و هذه واحدة و ثمانون خصلة فستة منها زائدة و لعلها من تداخل النسخ و ادخال الابدال في المتن و علي ما في الكافي ثمانية و سبعون و في امثال هذه الامور يكثر الاشتباه و عن محمد بن عبدالجبار عن بعض اصحابنا رفعه الي ابيعبداللّه7 قال قلت له ما العقل قال ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان قال قلت فالذي كان في معوية قال تلك النكراء تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل و ليست بعقل و سئل ابوالحسن7 ما العقل قال التجرع للغصة حتي تنال الفرصة و في اسؤلة اميرالمؤمنين7 الحسن7 قال يابني ما العقل قال حفظ قلبك ما استودعه قال فما الجهل قال سرعة الوثوب علي الفرصة قبل الاستمكان منها و الامتناع عن الجواب و نعم العون الصمت في مواطن كثيرة و ان كنت فصيحاً و عن النبي9 في جواب شمعون بن لاوي بن يهودا من حواري عيسي حيث قال اخبرني عن العقل ما هو و كيف هو و ما يتشعب منه و ما لايتشعب و صف لي طوايفه كلها فقال رسولاللّه9ان
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۰ *»
العقل عقال من الجهل و النفس مثل اخبث الدواب فان لمتعقل حارت فالعقل عقال من الجهل و ان اللّه خلق العقل فقال له اقبل فاقبل و قال له ادبر فادبر فقال اللّه تبارك و تعالي وعزتي و جلالي ماخلقت خلقاً اعظم منك و لا اطوع منك بك ابدي و بك اعيد لك الثواب و عليك العقاب فتشعب من العقل الحلم و من الحلم العلم و ساق الحديث كما قدمنا في الحلم الي ان قال قال شمعون فاخبرني عن اعلام الجهل فقال رسولاللّه9 ان صحبته عناك و ان اعتزلته شتمك و ان اعطاك منّ عليك و ان اعطيته كفرك و ان اسررت اليه خانك و ان اسرّ اليك اتهمك و ان استغني بطر و كان فظاً غليظاً و ان افتقر جحد نعمة اللّه و لميتحرج و ان فرح اسرف و طغي و ان حزن ايس و ان ضحك قهقه و ان بكي خار يقع في الابرار و لايحب اللّه و لايراقبه و لايستحيي من اللّه و لايذكره ان ارضيته مدحك و قال فيك من الحسنة ما ليس فيك و ان سخط عليك ذهبت مدحته و وقع فيك من السوء ما ليس فيك فهذا مجري الجاهل الخبر، و عن النبي9صفة العاقل ان يحلم عمن جهل عليه و يتجاوز عمن ظلمه و يتواضع لمن هو دونه و يسابق من فوقه في طلب البر و اذا اراد ان يتكلم تدبر فان كان خيراً تكلم فغنم و ان كان شراً سكت فسلم و اذا عرضت له فتنة استعصم باللّه و امسك يده و لسانه و اذا رأي فضيلة انتهز بها لايفارقه الحياء و لايبدو منه الحرص فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل و صفة الجاهل ان يظلم من خالطه و يتعدي علي من هو دونه و يتطاول علي من هو فوقه كلامه بغير تدبر ان تكلم اثم و ان سكت سها و ان عرضت له فتنة سارع اليها فاردته و ان رأي فضيلة اعرض و ابطأ عنها لايخاف ذنوبه القديمة و لايرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب يتواني عن البر و يبطئ عنه غيرمكترث لما فاته من ذلك او ضيعه فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل و عن ابيعبداللّه7 يستدل بكتاب الرجل علي عقله و موضع بصيرته و برسوله علي فهمه و فطنته و عنه7 العاقل من كان ذلولاً عند اجابة الحق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۱ *»
منصفاً بقوله جموحاً عند الباطل خصماً بقوله يترك دنياه و لايترك دينه و دليل العاقل شيئان صدق القول و صواب الفعل و العاقل لايتحدث بما ينكره العقل و لايتعرض للتهمة و لايدع مداراة من ابتلي به و يكون العلم دليله في اعماله و الحلم رفيقه في احواله و المعرفة تعينه في مذاهبه و الهوي عدو العقل و مخالف الحق و قرين الباطل و قوة الهوي من الشهوة و اصل علامات الشهوة من اكل الحرام و الغفلة عن الفرايض و الاستهانة بالسنن و الخوض في الملاهي و عن النبي9 انه قال رأس العقل بعد الايمان التودد الي الناس و زاد في رواية و اصطناع الخير الي كل احد بر و فاجر و قال9 اعقل الناس محسن خائف و اجهلهم مسيء آمن و عن الصادق7 افضل طبايع العقل العبادة و اوثق الحديث له العلم و اجزل حظوظه الحكمة و افضل ذخايره الحسنات و قال7 يزيد عقل الرجل بعد الاربعين الي خمسين و ستين ثم ينقص عقله بعد ذلك و قال7 اذا اردت ان تختبر عقل الرجل في مجلس واحد فحدثه في خلال حديثك بما لايكون فان انكره فهو عاقل و ان صدقه فهو احمق و قال7 لايلسع العاقل من جحر مرتين و في الكافي بسنده عن الحسن بن الجهم قال سمعت الرضا7 يقول صديق كل امرء عقله و عدوه جهله وعنه قال قلت لابيالحسن7 ان عندنا قوماً لهم محبة و ليس لهم تلك العزيمة يقولون بهذا القول فقال ليس اولئك ممن عاتب اللّه انما قال اللّه(فاعتبروا يا اولي الابصار) و عن ابيالجارود عن ابيجعفر7 قال انما يداق اللّه العباد في الحساب يوم القيمة علي قدر ما آتيهم من العقول في الدنيا و عن عبداللّه بن سنان قال ذكرت لابيعبداللّه7 رجلاً مبتلي بالوضوء و الصلوة و قلت هو رجل عاقل فقال ابوعبداللّه7 و اي عقل له و هو يطيع الشيطان فقلت له و كيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من اي شيء هو فانه يقول لك من عمل الشيطانو عن سهل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۲ *»
بن زياد رفعه قال قـال اميرالمؤمنين7 العقل غطاء ستير و الفضل جمال ظاهر فاستر خلل خلقك بفضلك و قاتل هواك بعقلك تسلم لك المودة و تظهر لك المحبة و عن الحسن بن علي بن فضال عن بعض اصحابنا عن ابيعبداللّه7 ماكلم رسولاللّه9 العباد بكنه عقله قطو قال قـال رسولاللّه9 انا معاشر الانبياء امرنا اننكلم الناس علي قدر عقولهم و عن السكوني عن جعفر عن ابيه قال قـال اميرالمؤمنين7 ان قلوب الجهال تستفزها الاطماع و ترتهنها المني و تستقلقها الخدايع و عن ابرهيم بن عبدالحميد قال قـال ابوعبداللّه7 اكمل الناس عقلاً احسنهم خلقاً و عن ابيهاشم الجعفري قال كنا عند الرضا7 فتذاكرنا العقل و الادب فقال يا باهاشم العقل حباء من اللّه و الادب كلفة فمن تكلف الادب قدر عليه و من تكلف العقل لميزدد بذلك الا جهلاً و عن اسحق بن عمار عن ابيعبداللّه7 قال قلت له جعلت فداك ان لي جاراً كثير الصلوة كثير الصدقة كثير الحج لا بأس به قال فقـال يا اسحق كيف عقله قال قلت جعلت فداك ليس له عقل قال فقـال لايرتفع بذلك منه و عن ابنالسكيت في حديث قال لابيالحسن7 تاللّه مارأيت مثلك قط فما الحجة علي الخلق اليوم قال فقـال7 العقل يعرف به الصادق علي اللّه فيصدقه و الكاذب علي اللّه فيكذبه فقال ابنالسكيت هذا واللّه هو الجواب و عن احمد بن محمد مرسلاً قال قـال ابوعبداللّه7 دعامة الانسان العقل و العقل منه الفطنة و الفهم و الحفظ و العلم و بالعقل يكمل و هو دليله و مبصره و مفتاح امره فاذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً ذاكراً فطناً فهماً فعلم بذلك كيف و لم و حيث و عرف من نصحه و من غشه فاذا عرف ذلك عرف مجراه و موصوله و مفصوله و اخلص الوحدانية للّه و الاقرار بالطاعة فاذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات و وارداً علي ما هو آت يعرف ما هو فيه و لاي شيء هو هيهنا و من اين يأتيه و الي ما هو صاير و ذلك كله من تأييد العقل و عن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۳ *»
اسمعيل بن مهران عن بعض رجاله عن ابيعبداللّه7 قال العقل دليل المؤمن و عن مفضل بن عمر عن ابيعبداللّه7 قال يا مفضل لايفلح من لايعقل و لايعقل من لايعلم و سوف ينجب من يفهم و يظفر من يحلم و العلم جنة و الصدق عز و الجهل ذل و الفهم مجد و الجود نجح و حسن الخلق مجلبة للمودة و العالم بزمانه لاتهجم عليه اللوابس و الحزم مساءة الظن و بين المرء و الحكمة نعمة العالم و الجاهل شقي بينهما و اللّه ولي من عرفه و عدو من تكلفه و العاقل غفور و الجاهل ختور و ان شئت ان تكرم فلِن و ان شئت ان تهان فاخشن و من كرم اصله لان قلبه و من خشن عنصره غلظ كبده و من فرط تورط و من خاف العاقبة تثبت عن التوغل في ما لايعلم و من هجم علي امرء بغيرعلم جدع انف نفسه و من لميعلم لميفهم و من لميفهم لميسلم و من لميسلم لميكرم و من لميكرم تهضم و من تهضم كان الوم و من كان كذلك كان احري ان يندم و عن اميرالمؤمنين7 من استحكمت لي فيه خصلة من خصال الخير احتملت عليها و اغتفرت فقد ما سواها و لااغتفر فقد عقل و لا دين لان مفارقة الدين مفارقة الامن([5]) فلايتهنأ بحيوة مع مخافة و فقد العقل فقد الحيوة و لايقاس الا بالاموات و قال7 اعجاب المرء بنفسه دليل علي ضعف عقله و عن ابيعبداللّه7 ليس بين الايمان و الكفر الا قلة العقل قيل و كيف ذاك ياابن رسولاللّه قال ان العبد يرفع رغبته الي مخلوق فلو اخلص نيته للّه لاتاه الذي يريد في اسرع من ذلك و كان اميرالمؤمنين7 يقول بالعقل استخرج غور الحكمة و بالحكمة استخرج غور العقل و بحسن السياسة يكون الادب الصالح.
و احب ان اختم هذا الفصل بوصية ابيالحسن موسي بن جعفر7 لهشام بن الحكم بطولها لكثرة محصولها قال7 يا هشام ان اللّه تبارك و تعالي بشر اهل العقل و الفهم في كتابه فقال (فبشر عبادي الذين يستمعون القول
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۴ *»
فيتبعون احسنه اولئك الذين هديهم اللّه و اولئك هم اولوا الالباب) يا هشام ان اللّه تبارك و تعالي اكمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبيين بالبيان و دلهم علي ربوبيته بالادلة فقال (والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما انزل اللّه من السماء من ماء فاحيي به الارض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الارض لآيات لقوم يعقلون) يا هشام قد جعل اللّه ذلك دليلاً علي معرفته بان لهم مدبراً فقال (و سخر لكم الليل و النهار و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بامره ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) و قال (هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدكم ثم لتكونوا شيوخاً و منكم من يتوفي من قبل و لتبلغوا اجلاً مسمي و لعلكم تعقلون) و قال (ان في اختلاف الليل و النهار و ما انزل اللّه من السماء من رزق فاحيا به الارض بعد موتها و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الارض لآيات لقوم يعقلون) و قال (يحيي الارض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون) و قال (و جنات من اعناب و زرع و نخيل صنوان و غيرصنوان يسقي بماء واحد و نفضل بعضها علي بعض في الاكل ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) و قال (و من آياته يريكم البرق خوفاً و طمعاً و ينزل من السماء ماء فيحيي به الارض بعد موتها ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون) و قال( قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الاتشركوا به شيئاً و بالوالدين احساناً و لاتقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم و اياهم و لاتقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و لاتقتلوا النفس التي حرم اللّه الا بالحق ذلكم وصيكم به لعلكم تعقلون) و قال (هل لكم مما ملكت ايمانكم من شركاء فيما رزقناكم فانتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم انفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) يا هشام ثم وعظ اهل العقل و رغبهم في الآخرة فقال (و ما الحيوة الدنيا الا لعب و لهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون افلاتعقلون)
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۵ *»
يا هشام ثم خوف الذين لايعقلون عقابه فقال جلوعز (ثم دمرنا الآخرين و انكم لتمرون عليهم مصبحين و بالليل افلاتعقلون) و قال (انا منزلون علي اهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون و لقد تركنا آية بينة لقوم يعقلون) يا هشام ان العقل مع العلم فقال (و تلك الامثال نضربها للناس و مايعقلها الا العالمون) يا هشام ثم ذم الذين لايعقلون فقال (و اذا قيل لهم اتبعوا ما انزل اللّه قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا اولو كان آباؤهم لايعقلون شيئاً و لايهتدون) و قال (و مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لايسمع الا دعاء و نداء صم بكم عمي فهم لايعقلون) و قال (و منهم من يستمع اليك افانت تسمع الصم و لو كانوا لايعقلون)و قال (ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون ان هم الا كالانعام بل هم اضل سبيلاً) و قال (لايقاتلونكم جميعاً الا في قري محصنة او من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً و قلوبهم شتي ذلك بانهم قوم لايعقلون) و قال (تنسون انفسكم و انتم تتلون الكتاب افلاتعقلون) يا هشام ثم ذم اللّه الكثرة فقال (و ان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل اللّه) و قال (و لئن سألتهم من خلق السموات و الارض ليقولن اللّه قل الحمد للّه بل اكثرهم لايعقلون) يا هشام ثم مدح القلة فقال (و قليل من عبادي الشكور) و قال (و قليل ما هم) و قال (و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم ايمانه اتقتلون رجلاً ان يقول ربي اللّه) و قال (و من آمن و ما آمن معه الا قليل) و قال (ولكن اكثرهم لايعلمون) و قال (و اكثرهم لايعقلون) و قال (و اكثرهم لايشعرون) يا هشام ثم ذكر اولي الالباب باحسن الذكر و حلاهم باحسن الحلية فقال (يؤتي الحكمة من يشاء و من يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً و مايذكر الا اولوا الالباب) و قال (و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا و مايذكر الا اولوا الالباب) و قال (ان في خلق السموات و الارض و اختلاف الليل و النهار لآيات لاولي الالباب) و قال (افمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمي انما يتذكر اولوا الالباب) و قال (ام من هو قانت آناء الليل ساجداً و قائماً يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربه قل هل يستوي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۶ *»
الذين يعلمون و الذين لايعلمون انما يتذكر اولوا الالباب) و قال (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته و ليتذكر اولوا الالباب) و قال (و لقد آتينا موسي الهدي و اورثنا بنياسرائيل الكتاب هدي و ذكري لاولي الالباب) و قال( و ذكر فان الذكري تنفع المؤمنين) يا هشام ان اللّه يقول في كتابه (ان في ذلك لذكري لمن كان له قلب) يعني عقل وقال (و لقد آتينا لقمان الحكمة) قال الفهم و العقل يا هشام ان لقمان قال لابنه تواضع للحق تكن اعقل الناس و ان الكيس لدي الحق يسير يا بني ان الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوي اللّه و حشوها الايمان و شراعها التوكل و قيمها العقل و دليلها العلم و سكانها الصبر يا هشام ان لكل شيء دليلاً و دليل العقل التفكر و دليل التفكر الصمت و لكل شيء مطية و مطية العقل التواضع و كفي بك جهلاً ان تركب ما نهيت عنه يا هشام مابعث اللّه انبياءه و رسله الي عباده الا ليعقلوا عن اللّه فاحسنهم استجابة احسنهم معرفة و اعلمهم بامر اللّه احسنهم عقلاً و اكملهم عقلاً ارفعهم درجة في الدنيا و الآخرة يا هشام ان للّه علي الناس حجتين حجة ظاهرة و حجة باطنة فاما الظاهرة فالرسل و الانبياء و الائمة و اما الباطنة فالعقول يا هشام ان العاقل الذي لايشغل الحلال شكره و لايغلب الحرام صبره ياهشام من سلط ثلثاً علي ثلث فكأنما اعان علي هدم عقله من اظلم نور تفكره بطول امله و محا طرايف حكمته بفضول كلامه و اطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما اعان هواه علي هدم عقله و من هدم عقله افسد عليه دينه و دنياه يا هشام كيف يزكو عند اللّه عملك و انت قد شغلت قلبك عن امر ربك و اطعت هواك علي غلبة عقلك يا هشام الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل فمن عقل عن اللّه اعتزل اهل الدنيا و الراغبين فيها و رغب فيما عند اللّه و كان اللّه انسه في الوحشة و صاحبه في الوحدة و غناه في العيلة و معزه من غير عشيرة يا هشام نصب الحق لطاعة اللّه و لا نجاة الا بالطاعة و الطاعة بالعلم و العلم بالتعلم و التعلم بالعقل يعتقل (يعتقد خل) و لا علم الّا من عالم رباني و معرفة العلم بالعقل يا هشام قليل
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۷ *»
العمل من العالم مقبول مضاعف و كثير العمل من اهل الهوي و الجهل مردود يا هشام ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة و لميرض بالدون من الحكمة مع الدنيا فلذلك ربحت تجارتهم يا هشام ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب و ترك الدنيا من الفضل و ترك الذنوب من الفرض يا هشام ان العاقل نظر الي الدنيا و الي اهلها فعلم انها لاتنال الا بالمشقة و نظر الي الآخرة فعلم انها لاتنال الا بالمشقة فطلب بالمشقة ابقاهما يا هشام ان العقلاء زهدوا في الدنيا و رغبوا في الآخرة لانهم علموا ان الدنيا طالبة مطلوبة و ان الآخرة طالبة و مطلوبة فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتي يستوفي منها رزقه و من طلب الدنيا طلبته الآخرة فياتيه الموت فيفسد دنياه و آخرته يا هشام من اراد الغنا بلا مال و راحة القلب من الحسد و السلامة في الدين فليتضرع الي اللّه عزوجل في مسألته بان يكمل عقله فمن عقل قنع بما يكفيه و من قنع بما يكفيه استغني و من لميقنع بما يكفيه لميدرك الغنا ابداً يا هشام ان اللّه حكي عن قوم صالحين انهم قالوا( ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب) حين علموا ان القلوب تزيغ و تعود الي عماها و رداها انه لميخف اللّه من لميعقل عن اللّه و من لميعقل عن اللّه لميعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه و لايكون احد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقاً و سره لعلانيته موافقاً لان اللّه لميدل علي الباطن الخفي من العقل الا بظاهر منه و ناطق عنه يا هشام كان اميرالمؤمنين7 يقول ماعبد اللّه بشيء افضل من العقل و ما تم عقل امرء حتي يكون فيه خصال شتي الكفر و الشر منه مأمونان و الرشد و الخير منه مأمولان و فضل ماله مبذول و فضل قوله مكفوف و نصيبه من الدنيا القوت لايشبع من العلم دهره الذل احب اليه مع اللّه من العز مع غيره و التواضع احب اليه من الشرف يستكثر قليل المعروف من غيره و يستقل كثير المعروف من نفسه و يري الناس كلهم خيراً منه و انه شرهم في نفسه و هو تمام الامر يا هشام ان العاقل لايكذب و ان كان فيه هواه يا هشام لا دين لمن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۸ *»
لا مروة له و لا مروة لمن لا عقل له و ان اعظم الناس قدراً الذي لايري الدنيا لنفسه خطراً اما ان ابدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلاتبيعوها بغيرها يا هشام ان اميرالمؤمنين7 كان يقول ان من علامة العاقل ان يكون فيه ثلث خصال يجيب اذا سئل و ينطق اذا عجز القوم عن الكلام و يشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح اهله فمن لميكن فيه من هذه الخصال الثلث شيء فهو احمق ان اميرالمؤمنين7 قال لايجلس في صدر المجلس الا رجل فيه هذه الخصال الثلث او واحدة منهن فمن لميكن فيه شيء منهن فجلس فهو احمق و قال الحسن بن علي8 اذا طلبتم الحوايج فاطلبوها من اهلها قيل يا ابن رسولاللّه و من اهلها قال الذين قص اللّه في كتابه و ذكرهم فقال (انما يتذكر اولوا الالباب) قال هم اولوا العقول و قال علي بن الحسين7 مجالسة الصالحين داعية الي الصلاح و آداب العلماء زيادة في العقل و طاعة ولاة العدل تمام العز و استثمار المال تمام المروة و ارشاد المستشير قضاء لحق النعمة و كف الاذي من كمال العقل و فيه راحة البدن عاجلاً يا هشام ان العاقل لايحدث من يخاف تكذيبه و لايسأل من يخاف منعه و لايعد ما لايقدر عليه و لايرجو ما يعنف برجائه و لايقدم علي ما يخاف فوته بالعجز عنه الي هنا انتهي ما في الكافي ولكن علي ما في البحار يزيد علي ذلك و كذلك ذكر في خلال ما ذكرنا فقرات لميذكره الكليني و لما كان بناء الكتاب علي بيان الاخلاق و التذكر نذكر زيادات البحار ايضاً فذكر بعد ذلك:
و كان اميرالمؤمنين7 يوصي اصحابه يقول اوصيكم بالخشية من اللّه في السر و العلانية و العدل في الرضا و الغضب و الاكتساب في الفقر و الغنا و ان تصلوا من قطعكم و تعفوا عمن ظلمكم و تعطفوا علي من حرمكم و ليكن نظركم عبراً و صمتكم فكراً و قولكم ذكراً و اياكم و البخل و عليكم بالسخا فانه لايدخل الجنة بخيل و لايدخل النار سخي يا هشام رحم اللّه من استحيي من اللّه حق الحيا فحفظ الرأس و ما حوي
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۰۹ *»
و البطن و ما وعي و ذكر الموت و البلي و علم ان الجنة محفوفة بالمكاره و النار محفوفة بالشهوات يا هشام من كف نفسه عن اعراض الناس اقال اللّه عثرته يوم القيمة و من كف غضبه عن الناس كف اللّه غضبه عنه يوم القيمة ياهشام ان العاقل لايكذب و ان كان فيه هواه يا هشام وجد في ذؤابة سيف رسولاللّه9 ان اعتي الناس علي اللّه من ضرب غير ضاربه و قتل غير قاتله و من تولي غير مواليه فهو كافر بما انزل اللّه علي نبيه محمد و من احدث حادثاً او آوي محدثاً لميقبل اللّه منه يوم القيمة صرفاً و لا عدلاً([6]) يا هشام افضل ما تقرب به العبد الي اللّه بعد المعرفة به الصلوة و برّ الوالدين و ترك الحسد و العجب و الفخر يا هشام اصلح ايامك الذي هو اَمامك فانظر اي يوم هو و اعدّ له الجواب فانك موقوف و مســݘـول و خذ موعظتك من الدهر و اهله فان الدهر طويله قصير فاعمل كأنك تري ثواب عملك لتكون اطمع في ذلك و اعقل عن اللّه و انظر في تصرف الدهر و احواله فان ما هو آت من الدنيا كما ولي منها فاعتبر بها و قال علي بن الحسين8 ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض و مغاربها بحرها و برّها و سهلها و جبلها عند ولي من اولياء اللّه و اهل المعرفة بحق اللّه كفيء الظلال ثم قال اولا حُرٌّ يدع هذه اللماظة لاهلها يعني الدنيا فليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلاتبيعوها بغيرها فانه من رضي من اللّه بالدنيا فقد رضي بالخسيس يا هشام ان كل الناس يبصر النجوم ولكن لايهتدي بها الا من يعرف مجاريها و منازلها و كذلك انتم تدرسون الحكمة ولكن لايهتدي بها منكم الا من عمل بها يا هشام ان المسيح7 قال للحواريين يا عبيد السوء يهولكم طول النخلة و تذكرون شوكها و مــؤنة مراقيها و تنسون طيب ثمرها و مرافقتها كذلك تذكرون مـــؤنة عمل الآخرة فيطول عليكم امده و تنسون ما تفضون اليه من نعيمها و نورها و ثمرها يا عبيد السوء نقّوا القمح و طيّبوه و ادقوا طحنه تجدوا طعمه و يهنئكم اكله كذلك فاخلصوا الايمان و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۰ *»
اكملوه تجدوا حلاوته و ينفعكم غبه بحق اقول لكم لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به و لميمنعكم منه ريح نتنه كذلك ينبغي لكم ان تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه و لايمنعكم منه سوء رغبته فيها يا عبيد الدنيا بحق اقول لكم لاتدركون شرف الآخرة الا بترك ما تحبون فلاتنظروا بالتوبة غداً فان دون غد يوماً و ليلة و قضاء اللّه فيهما يغدو و يروح بحق اقول لكم ان من ليس عليه دين من الناس اروح و اقل همّاً ممن عليه الدين و ان احسن القضاء و كذلك من لميعمل الخطيئة اروح و اقل همّاً ممن عمل الخطيئة و ان اخلص التوبة و اناب و ان صغار الذنوب و محقرتها من مكايد ابليس يحقرها لكم و يصغرها في اعينكم فتجتمع و تكثر فتحيط بكم بحق اقول لكم ان الناس في الحكمة رجلان فرجل اتقنها بقوله و صدقها بفعله و رجل اتقنها بقوله و ضيعها بسوء فعله فشتان بينهما فطوبي للعلماء بالفعل و ويل للعلماء بالقول يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجوناً لاجسادكم و جباهكم و اجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوي و لاتجعلوا قلوبكم مأوي للشهوات ان اجزعكم عند البلاء لاشدكم حباً للدنيا و ان اصبركم علي البلاء لازهدكم في الدنيا يا عبيد السوء لاتكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة و لا بالثعالب الخادعة و لا بالذئاب الغادرة و لا بالاسد العاتية كماتفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس فريقاً تخطفون و فريقاً تخدعون و فريقاً تغدرون بهم بحق اقول لكم لايغني عن الجسد ان يكون ظاهره صحيحاً و باطنه فاسداً كذلك لايغني اجسادكم التي قد اعجبتكم و قد فسدت قلوبكم و مايغني عنكم ان تنقّوا جلودكم و قلوبكم دنسة لاتكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب و يمسك النخالة كذلك انتم تخرجون الحكمة من افواهكم و يبقي الغل في صدوركم يا عبيد الدنيا انما مثلكم مثل السراج يضيء للناس و يحرق نفسه يا بنياسرائيل زاحموا العلماء في مجالسهم و لو جثواً علي الركب فان اللّه يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الارض الميتة بوابل المطر يا هشام مكتوب في الانجيل طوبي للمتراحمين
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۱ *»
اولئك هم المرحومون يوم القيمة طوبي للمصلحين بين الناس اولئك هم المقربون يوم القيمة طوبي للمطهرة قلوبهم اولئك هم المتقون يوم القيمة طوبي للمتواضعين في الدنيا اولئك يرتقون منابر الملك يوم القيمة يا هشام قلة المنطق حكم عظيم فعليكم بالصمت فانه دعة حسنة و قلة وزر و خفة من الذنوب فحصنوا باب الحلم فان بابه الصبر و ان اللّه عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب و المشاء الي غير ارب و يجب علي الوالي ان يكون كالراعي لايغفل عن رعيته و لايتكبر عليهم فاستحيوا من اللّه في سرايركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم و اعلموا ان الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن فعليكم بالعلم قبل ان يرفع و رفعه غيبة عالمكم بين اظهركم يا هشام تعلم من العلم ما جهلت و علم الجاهل مما علمت و عظم العالم لعلمه و دع منازعته و صغر الجاهل لجهله و لاتطرده ولكن قربه و علمه يا هشام ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها و قال اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه ان للّه عباداً كسرت قلوبهم خشيته فاسكتتهم عن المنطق و انهم لفصحاء عقلاء يستبقون الي اللّه بالاعمال الزكية و لايستكثرون له الكثير و لايرضون له من انفسهم بالقليل يرون في انفسهم انهم اشرار فانهم لاكياس و ابرار يا هشام الحياء من الايمان و الايمان في الجنة و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار يا هشام المتكلمون ثلثة فرابح و سالم و شاجب فاما الرابح فالذاكر اللّه و اما السالم فالساكت و اما الشاجب فالذي يخوض في الباطل ان اللّه حرم الجنة علي كل فاحش بذي قليل الحياء لايبالي ما قال و لا ما قيل فيه و كان ابوذر2 يقول يا مبتغي العلم ان هذا اللسان مفتاح خير و مفتاح شر فاختم علي فيك كما تختم علي ذهبك و ورقك يا هشام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري اخاه اذا شاهده و ياكله اذا غاب عنه ان اعطي حسده و ان ابتلي خذله ان اسرع الخير ثواباً البر و اسرع الشر عقوبة البغي و ان شر عباد اللّه من تكره مجالسته لفحشه و هل يكب الناس علي مناخرهم في النار الا حصايد السنتهم و من حسن
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۲ *»
اسلام المرء ترك ما لايعنيه يا هشام لايكون الرجل مؤمناً حتي يكون خائفاً راجياً و لايكون خائفاً راجياً حتي يكون عاملاً لما يخاف و يرجو يا هشام قال اللّه جلوعز وعزتي و جلالي و عظمتي و قدرتي و بهائي و علوي في مكاني لايؤثر عبد هواي علي هواه الا جعلت الغني في نفسه و همّه في آخرته و كففت عليه ضيعته و ضمنت السموات و الارض رزقه و كنت له من وراء تجارة كل تاجر يا هشام الغضب مفتاح الشر و اكمل المؤمنين ايماناً احسنهم خلقاً و ان خالطت الناس فان استطعت ان لاتخالط احداً منهم الا كان يدك العليا عليه فافعل يا هشام عليك بالرفق فان الرفق يمن و الخرق شوم ان الرفق و البرّ و حسن الخلق تعمر الديار و تزيد في الرزق يا هشام قول اللّه (هل جزاء الاحسان الا الاحسان) جرت في المؤمن و الكافر و البَرّ و الفاجر من صنع اليه معروف فعليه ان يكافي به و ليست المكافاة ان تصنع كما صنع حتي تري فضلك فان صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء يا هشام ان مثل الدنيا مثل الحية مسها لين و في جوفها السم القاتل يحذرها الرجال ذوو العقول و يهوي اليها الصبيان بايديهم يا هشام اصبر علي طاعة اللّه و اصبر عن معاصي اللّه فانما الدنيا ساعة فما مضي منها فليس تجد له سروراً و لا حزناً و ما لميأت منها فليس تعرفه فاصبر علي تلك الساعة التي انت فيها فكأنك قد اعتبطت يا هشام مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتي يقتله يا هشام اياك و الكبر فانه لايدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر الكبر رداء اللّه فمن نازعه رداءه اكبّه اللّه في النار علي وجهه يا هشام ليس منا من لميحاسب نفسه في كل يوم فان عمل حسناً استزاد منه و ان عمل سيئاً استغفر اللّه منه و تاب اليه يا هشام تمثلت الدنيا للمسيح7 علي صورة امرأة زرقاء فقال لها كم تزوّجت فقالت كثيراً قال فكل طلقك قالت لا بل كلاً قتلت قال المسيح فويح ازواجك الباقين كيف لايعتبرون بالماضين يا هشام ان ضوء الجسد في عينه فان كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كله و ان ضوء الروح العقل فاذا كان العبد عاقلاً كان عالماً
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۳ *»
بربه و اذا كان عالماً بربه ابصر دينه و ان كان جاهلاً بربه لميقم له دين و كما لايقوم الجسد الا بالنفس الحية فكذلك لايقوم الدين الا بالنية الصادقة و لاتثبت النية الصادقة الا بالعقل يا هشام ان الزرع ينبت في السهل و لاينبت في الصفا فكذلك الحكمة تعمر في القلب المتواضع و لاتعمر في قلب المتكبر الجبار لان اللّه جعل التواضع آلة العقل و جعل التكبر آلة من الجهل المتعلم ان من شمخ الي السقف برأسه شجه و من خفض رأسه استظل تحته و اكنه فكذلك من لميتواضع للّه خفضه اللّه و من تواضع للّه رفعه يا هشام ما اقبح الفقر بعد الغني و اقبح الخطيئة بعد النسك و اقبح من ذلك العابد للّه ثم يترك عبادته يا هشام لا خير في العيش الا لرجلين لمستمع واع و عالم ناطق ياهشام ماقسم بين العباد افضل من العقل نوم العاقل افضل من سهر الجاهل و مابعث اللّه نبياً الا عاقلاً حتي يكون عقله افضل من جميع المجتهدين و ماادي العبد فريضة من فرايض اللّه حتي عقل عنه يا هشام قال رسولاللّه9 اذا رأيتم المؤمن فادنوا منه فانه يلقي الحكمة و المؤمن قليل الكلام كثير العمل و المنافق كثير الكلام قليل العمل يا هشام اوحي اللّه الي داود قل لعبادي لايجعلوا بيني و بينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدهم عن ذكري و عن طريق محبتي و مناجاتي اولئك قطاع الطريق من عبادي ان ادني ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة عبادتي و مناجاتي من قلوبهم يا هشام من تعظم في نفسه لعنته ملئكة السماوات و ملئكة الارض و من تكبر علي اخوانه و استطال عليهم فقد ضادّ اللّه و من ادعي ما ليس له فهو اعني لغيره يا هشام اوحي اللّه الي داود حذّر و انذر اصحابك عن حب الشهوات فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني يا هشام اياك و الكبر علي اوليائي و الاستطالة بعلمك فيمقتك اللّه فلاتنفعك بعد مقته دنياك و لا آخرتك و كن في الدنيا كساكن الدار ليست له انما ينتظر الرحيل يا هشام مجالسة اهل الدين شرف الدنيا و الآخرة و مشاورة العاقل الناصح يمن و بركة و رشد و توفيق من اللّه فاذا اشار عليك العاقل الناصح فاياك و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۴ *»
الخلاف فان في ذلك العطب يا هشام اياك ومخالطة الناس و الانس بهم الا ان تجد منهم عاقلاً مأموناً فأنس به و اهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية و ينبغي للعاقل اذا عمل عملاً ان يستحيي من اللّه اذ تفرد له بالنعم ان يشارك في عمله احداً غيره و اذا حزبك امران لاتدري ايهما خير و اصوب فانظر ايهما اقرب الي هواك فخالفه فان كثير الصواب في مخالفة هواك و اياك ان تغلب الحكمة و تضعها في الجهالة قال هشام فقلت له فان وجدت رجلاً طالباً غير ان عقله لايتسع لضبط ما القي اليه قال فتلطف له في النصيحة فان ضاق قلبه فلاتعرضن نفسك للفتنة و احذر رد المتكبرين فان العلم يذل علي ان يحمل علي من لايفيق قلت فان لماجد من يعقل السؤال عنها قال فاغتنم جهله عن السؤال حتي تسلم من فتنة القول و عظيم فتنة الرد و اعلم ان اللّه لميرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته و مجده و لميؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه و جوده و لميفرح المحزونين بقدر حزنهم ولكن فرحهم بقدر رأفته و رحمته فما ظنك بالرءوف الرحيم الذي يتودد الي من يؤذيه باوليائه فكيف من يؤذي فيه و ما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب علي من يعاديه فكيف بمن يرضاه و يختار عداوة الخلق فيه يا هشام من احب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه و مااوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً الا ازداد من اللّه بعداً و ازداد اللّه عليه غضباً يا هشام ان العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به و اكثر الصواب في خلاف الهوي و من طال امله ساء عمله يا هشام لو رأيت مسير الاجل لأَلهاك عن الامل ياهشام اياك و الطمع و عليك باليأس مما في ايدي الناس و امت الطمع من المخلوقين فان الطمع مفتاح الذل و اختلاس العقل و اخلاق المروات و تدنيس العرض و الذهاب بالعلم و عليك بالاعتصام بربك و التوكل عليه و جاهد نفسك لتردها عن هواها فانه واجب عليك كجهاد عدوك قال هشام فقلت له فايّ الاعداء اوجبهم مجاهدة قال اقربهم اليك و اعداهم لك و اضرهم بك و اعظمهم لك عداوة و اخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك و من
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۵ *»
يحرص اعداءك عليك و هو ابليس الموكل بوسواس القلوب فله فلتشد عداوتك و لايكونن اصبر علي مجاهدتك لهلكتك منك علي صبرك لمجاهدته فانه اضعف منك ركناً في قوته و اقل منك ضرراً في كثرة شره اذا انت اعتصمت باللّه و من اعتصم باللّه فقد هدي الي صراط مستقيم ياهشام من اكرمه اللّه بثلث فقد لطف له عقل يكفيه مــݘـونة هواه و علم يكفيه مــݘـونة جهله و غني يكفيه مخافة الفقر يا هشام احذر هذه الدنيا و احذر اهلها فان الناس فيها علي اربعة اصناف رجل مترد معانق لهواه و متعلم متقرئ كلما ازداد علماً ازداد كبراً يستعلن بقراءته و علمه علي من هو دونه و عابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحب ان يعظم و يوقر و ذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به فهو عاجز او مغلوب و لايقدر علي القيام بما يعرف فهو محزون مغموم بذلك فهو امثل اهل زمانه و اوجههم عقلاً يا هشام اعرف العقل و جنده و الجهل و جنده تكن من المهتدين قال هشام فقلت لانعرف الا ما عرفتنا فقال7:
يا هشام ان اللّه خلق العقل و هو اول خلق خلقه اللّه من الروحانيين عن يمين العرش من نوره فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فاقبل فقال اللّه جلوعز خلقتك خلقاً عظيماً و كرمتك علي جميع خلقي ثم خلق الجهل من البحر الاجاج الظلماني فقال له ادبر فادبر ثم قال له اقبل فلميقبل فقال استكبرت فلعنه ثم جعل للعقل خمسة و سبعين جنداً فلما رأي الجهل ما كرم اللّه به العقل و ما اعطاه اضمر له العداوة و قال الجهل يا رب هذا خلق مثلي خلقته و كرمته و قويته و انا ضده و لا قوة لي به اعطني من الجند مثل ما اعطيته فقال تبارك و تعالي نعم فان عصيتني بعد ذلك اخرجتك و جندك من جواري و من رحمتي فقال قد رضيت فاعطاه اللّه خمسة و سبعين جنداً: الخير و هو وزير العقل الشر وزير الجهل، الايمان الكفر، التصديق التكذيب، الاخلاص النفاق، الرجاء القنوط، العدل الجور، الرضي السخط، الشكر الكفران، اليأس الطمع، التوكل الحرص، الرأفة الغلظة، العلم الجهل، العفة التهتك، الزهد الرغبة، الرفق
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۶ *»
الخرق، الرهبة الجرأة، التواضع الكبر، التؤدة العجلة، الحلم السفه، الصمت الهذر، الاستسلام الاستكبار، التسليم التجبر، العفو الحقد، الرحمة القسوة، اليقين الشك، الصبر الجزع، الصفح الانتقام، الغني الفقر، التفكر السهو، الحفظ النسيان، التواصل القطيعة، القناعة الشره، المواساة المنع، المودة العداوة، الوفاء الغدر، الطاعة المعصية، الخضوع التطاول، السلامة البلاء، الفهم الغباوة، المعرفة الانكار، المداراة المكاشفة، سلامة الغيب المماكرة، الكتمان الافشاء، البر العقوق، الحقيقة التسويف، المعروف المنكر، التقية الاذاعة، الانصاف الظلم، النفي الحسد، النظافة القذر، الحياء القحة، القصد الاسراف، الراحة التعب، السهولة الصعوبة، العافية البلوي، القوام المكاثرة، الحكمة الهوي، الوقار الخفة، السعادة الشقاء، التوبة الاصرار، المخافة التهاون، الدعاء الاستنكاف، النشاط الكسل، الفرح الحزن، الالفة الفرقة، السخاء البخل، الخشوع العجب، صدق الحديث النميمة، الاستغفار الاغترار، الكياسة الحمق،
يا هشام لاتجتمع هذه الخصال الا لنبي او وصي نبي او مؤمن امتحن اللّه قلبه للايمان و اما ساير ذلك من المؤمنين فان احدهم لايخلو من ان يكون فيه بعض هذه الجنود من اجناد العقل حتي يستكمل العقل و يتخلص من جنود الجهل فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الانبياء و الاوصياء:وفّقنا اللّه و اياكم لطاعته و اللاتي في هذه الرواية من الخصال سبعون و قد سقط الخمس الاخر البتة من النسخ و من الفقرات التي زاد المجلسي; في روايته من تحف العقول ان قال بعد قوله: ياهشام لكل شيء دليل يا هشام لو كان في يدك جوزة و قال الناس انها لؤلؤة ماكان ينفعك و انت تعلم انها جوزة و لو كان في يدك لؤلؤة و قال الناس انها جوزة ماضرك و انت تعلم انها لؤلؤة يا هشام ما من عبد الا و ملك آخذ بناصيته فلايتواضع الا رفعه اللّه و لايتعاظم الا وضعه اللّه و ذكر بعد قوله: يا هشام ان العاقل رضي بالدون يا هشام ان كان يغنيك ما يكفيك
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۷ *»
فادني ما في الدنيا يكفيك و ان كان لايغنيك ما يكفيك فليس شيء في الدنيا يغنيك و ذكر بعد قوله: يا هشام كان اميرالمؤمنين، يا هشام من صدق لسانه زكي عمله و من حسنت نيته زيد في رزقه و من حسن بره باخوانه و اهله مد في عمره يا هشام لاتمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها و لاتمنعوها اهلها فتظلموهم يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا و في بعض الالفاظ اختلاف و زيادة و نقيصة بين الروايتين و في ما ذكرنا من الاخبار كفاية و بلاغ و مزيد اعتبار فلنقتصر به.
فصل: اعلم انه يظهر من هذه الاخبار و ساير الاخبار ان للعقل استعمالات فمرة يستعمل و يراد به الحقيقة المحمدية صلوات اللّه عليها فانها اول ما خلق اللّه لاغير و مرة يستعمل و يراد به نوره و شعاعه الذي في قلوب المؤمنين و هو الذي يعبد به الرحمن و يكتسب به الجنان و مرة يطلق و يراد به الشعور الذي هو مناط التكليف في مقابلة المجنون الذي رفع القلم عنه و مرة يطلق و يراد به روح القدس الذي ايد به النبي و الائمة: فلاتغفل من مواقع استعمالاته.
فصل: اعلم ان العقل باي اعتبار هو مخلوق قبل البدن و قبل جميع الاجسام و المراد بالقبلية هو القبلية الرتبية فالمعني انه مخلوق فوق البدن و الاجسام قائم فوقها و هو اقرب الي المبدأ من البدن و كل فيض يصل الي البدن يصل الي العقل اول مرة ثم يصل الي البدن و به قوام البدن و تدبيره و قدخلقه اللّه حين خلقه و امره بالاقبال لقبول الايجاد ثم امره بالادبار فتنزل الي البدن و لميكن تنزله بتخلية مكانه بل بظهور فعله و تدبيره في البدن كما ينزل الشمس الي المرآة فكلما كان البدن اعدل و اصفي يحكي نوره احسن و اضوء و كلما كان منحرفاً عن الاعتدال كدراً معوجاً يعوج الظهور و يفسده الي ان يبلغ انحرافه و كدورته مبلغاً لايظهر عليه نور العقل كما كان النطفة يوم اول لشدة رطوباته و لزوجاته و عدم اعتداله حاجباً للعقل بالكلية و كلما صعد شيئاً بعد شيء و انتضج و اعتدل و تصفي ظهر
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۸ *»
آثار العقل شيئاً بعد شيء فظهر فيه النما اولاً ثم ترقیٰ حتي ظهر فيه الحيوة ثم تولد و ترقي فظهر فيه النفس في غاية الضعف ثم تصفي و اعتدل و ترقي بواسطة الافلاك و الطبايع و تربية ارباب العقول الي ان بلغ الحلم فظهر فيه العقل و هو معني ما سمعت من خبر العلوي و ربما قدم في بعض الافراد علي ذلك و ربما اخر في بعض و كلما كثر اعتداله و صفاؤه و نضجه قوي الظهور شيئاً بعد شيء الي ان بلغ خمسة و ثلثين كما روي عن اميرالمؤمنين7 يرفّ الصبي سبعاً و يؤدب سبعاً و يستخدم سبعاً و منتهي طوله في ثلث و عشرين سنة و عقله في خمس و ثلثين و ما كان بعد ذلك فبالتجارب انتهي و منهم من يكمل في الاربعين فاذا بلغه كمل عقله و ازداد كمالاً الي ان بلغ الخمسين او الستين و ذلك باختلاف الافراد ثم اذا انحدر من الستين و ضعفت البنية و عجزت الطبيعة عن تحليل الرطوبات غلبت الرطوبات في رأسه و بدنه و حجبت ظهور العقل فشرع في النقصان الي ان بلغ مبلغاً لايعلم بعد علم شيئاً فلايميز بين الاشياء و لايعرف الاوقات و الاشخاص و ما كان يعرفه الي ان يغلب عليه البرد فينطفي حرارته و يموت و هذا الاختلاف في جميع هذه الحالات في البدن و العقل علي ما كان اول مرة فوق البدن لايتفاوت كما اذا كان الشمس ظاهرة و وضع تحتها جسم كثيف ثم صقلته شيئاً بعد شيء الي ان صار مرآةً صافيةً حاكيةً ثم غلب عليها الصدا شيئاً بعد شيء الي ان حجبت الشمس بالكلية فلمتحكها فالشمس دائماً علي حالها و حصل الاختلاف في المرآة فلاجل ذلك يزداد العقل بتعديل البدن بالآداب الشرعية و تصفيته بالرياضات و المجاهدات الشرعية الي انيبلغ مبلغاً كتب له و ينقص بسبب الامراض العارضة حتي يختبط و يخبل و يجن ثم اذا عولج عاد اليه عقله و شعوره فمن ذلك يعلم ان العقل في مقامه علي ما هو عليه و انما الاختلاف في الظهور و الخفاء و كمال الظهور و نقصانه و اعلم ان لكل امرء ما ظهر فيه من العقل لا ما العقل عليه في ملكوته فان العقل الكلي لايختص باحد دون احد و هو عقل الانسان الكلي9 و ساير الناس لهم منه ما ظهر فيهم كما ان النار الكلية في محلها و ما للشعلة
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۱۹ *»
المخصوصة منها ما ظهر فيها و ما اشتعلت به و هو المخصوص المصبوغ المشكل بها فيها و هو يزيد و ينقص و يثبت و ينفي و كذلك عقل زيد هو ما ظهر فيه من نور العقل و انصبغ فيه و تخصص به و هو يتفاوت بحسب اعماله و احواله فالذي كان مجنوناً من اول ما تولد لميثبت له عقل عند اللّه و من ظهر فيه و ثبت له عقل يتفاوت بحسب اعماله و افعاله و صفائه و كدورته فاما يثبت له عقل كوني هو شرط التكليف او يعدل نفسه بالتعديلات الشرعية و يظهر فيه عقل شرعي و لكل درجات مما عملوا و لكل ما ظهر فيه عند اللّه سبحانه علي حسب ترقياته و تنزلاته.
و ان قلت فعلي ذلك فالهِمّ الذي يزول فهمه و عقله لا عقل له عند اللّه قلت ليس كذلك بل اللّه حفيظ عليم من ثبت له عند اللّه عقل يوماً ما فهو محفوظ عنده فان زال بحسب الامراض الطبيعية التي هي الاعراض العقلية لمينف عقله عند اللّه و هو محفوظ اللهم الا ان يكون عقله شرعياً و يأتي بما ينافي العقل من صقعه و اتبع الجهل فينفي عند اللّه عقله و يمحي من لوحه و ذلك كأن يؤمن رجل باللّه عزوجل فيثبت له عند اللّه عقل و روح ايمان فاذا اتي بكفر و هو من صقع ايمانه يمحي روح ايمانه من لوح المؤمنين و يكتب في لوح الكافرين و يعلم من ذلك انه انقلب بكله عن التوجه الي العقل و توجه الي الجهل فثبت له الجهل و اما اذا لميكفر ولكن عرض له مرض طبيعي فخفي عقله فلايضره فانه اذا عولج رد الي ايمانه و اعلم ان العقل لايظهر في البدن بلا واسطة و لايتوجه البدن الي العقل بلا واسطة بل يتوجه البدن الي الروح الحيوانية و هي تتوجه الي الروح المثالية و هي تتوجه الي النفس الملكوتية و هي تتوجه الي العقل و كل مرتبة يشتعل بنار فوقه فاذا كان المرض المزيل للعقل من النفس الدهرية الملكوتية ثبت له الزوال في الدهر و اما اذا كان المرض من الجسد الزماني او الجسم البرزخي و بعروضه حجب العقل فلايضره و العقل الذي يثبت للانسان هو اشتعال النفس الملكوتية لا اشتعال المثال و البدن الزماني فافهم و لاتغفل.
فصل: اعلم انه لا شك و لا ريب في ان مناط التكليف المعروف الشعور
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۰ *»
للكليات لا النما و الحيوة و اصل الشعور العقل و هو الذي عليه مناط الامر و النهي و الخطاب و العتاب و الثواب و العقاب و هو المأمور بالمعرفة و اليقين و الثبات و العلم و العمل و لايمكن للانسان تصديق شيء الا اذا صدقه عقله و لا تكذيب شيء الا ما كذبه عقله و لايسعه الا ذلك و لايكلف الا بذلك فالعقل هو حجة اللّه علي خلقه و امينه في عباده به يعرف اللّه و يعرف رسوله و حججه و دينه و ما وعد به عباده و اوعد فلا شك في اعتباره و صحة الاعتداد بنظره و لميرسل اللّه الرسل الا اليه و لمينزل الكتب الا اليه و لميخاطب الا اياه و لاكلف سواه و هو في اصل الفطرة علي صفة اذا عرض عليه الحق عرفه و صدقه و اذا عرض عليه الباطل انكره و كذبه لكن ان بقي علي الفطرة الاولية و اما اذا عرضه اصباغ و هيئات غيّرته عما خلق عليه لميبق له اعتبار و احتاج الي ميزان يوازن به ما ادركه و ذلك الميزان هو الذي لميشبه شيء من الاعراض و هو علي اصل الخلقة و الجبلة و الفطرة الالهية و لذلك قال اللّه سبحانه (و السماء رفعها و وضع الميزان الاتطغوا في الميزان و اقيموا الوزن بالقسط و لاتخسروا الميزان) و لما علم اللّه من خلقه تغيير الفطر لميرض لهم من انفسهم بالنظر و ارسل اليهم رسولاً من البشر و انزل اليهم النور الانور حتي يهتدوا في جميع طرق الخير و الشر و صنوف تلك الاصباغ اصباغ جهلانية و اصباغ عادية و اصباغ طبعانية و اصباغ شهوانية و اصباغ غضبية و اصباغ الحادية و اصباغ شقائية و كل منها تصبغ العقل و تهيئه بهيئة منكرة تعوجه عما فطر عليه كما ان العين مخلوقة في اصل الخلقة للنظر و نظرها معتبر اما اذا حصل فيها خيالات او اتساع ثقبة او نزل اليها ماء او عرضها حول يري الاشياء علي خلاف الواقع فلاجل ذلك لا عبرة برأي العقول حتي يوزن بالقسطاس المستقيم ذلك خير و احسن تأويلاً فما روي ان العقل حجة باطنة فانما المراد شيئان احدهما العقل السليم الخالي عن الاصباغ و الاعوجاج فان اللّه جلجلاله لاينصب علي خلقه حجة غيرمعصوم و غيرمطهر عما لايرضيه فانه يدعو الي خلاف ما يرضيه و ثانيهما انه حجة فيما يدركه كل العقول و هو من البديهيات العقلية فانها برأي العقول بديهية و لولا العقول لمتكن بديهية فما حكم العقل به بالبداهة و هو ما اجمع العقول عليه فهو
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۱ *»
حجة ينبغي متابعته و اما ما تختلف العقول فيه فحكمه الي اللّه و ما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الي اللّه، و ان تنازعتم في شيء فردوه الي اللّه و الرسول، و لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم و لو رضي اللّه عنهم رأي عقولهم فيما اختلفوا لماارسل اليهم الرسل و لماانزل اليهم الكتب و لما ذم قوماً حيث يقول (و جعلوا امرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون) و لماقال (فلا و ربك لايؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليماً) فلما سمعنا ذلك من اللّه علمنا ان اللّه سبحانه لايرضي برأي العقول و فهمها لاسيما اذا سمعناه يقول (و من لميحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الظالمون) و (هم الفاسقون) و (هم الكافرون) و الحاكم برأي العقل حاكم بغير ما انزل اللّه اذ العقل غير ما انزل اللّه من كتاب و سنة فكل حكم يحكم به فقيه و ليس له عليه برهان من كتاب اللّه او سنة رسولاللّه9 او آثار آلمحمد: فهو حكم بالرأي و هو ظن لشوب العقول غيرالمعصومة بما ذكرنا من الاعراض و ان الظن لايغني من الحق شيئاً و لا علم الا ما خرج من عند اهل البيت: فاذا ثبت الخبر عنهم يقيناً و هم المعصومون المطهرون يقيناً فهو علم يقيني و جميع ما سواه ظنون و آراء و اهواء و شكوك و اوهام لا عبرة بها و ذلك ان العقول الجزئية لاتقدر علي درك الجزئيات و موضوعات الاحكام جزئيات فمرجعها الي عقل الكل العالم بالشيء قبل كونه المحيط بالاشياء و قد اشبعنا القول في ذلك في ساير كتبنا نعم الذي موكول الي العقول هو معرفة الصانع و ادلتها بديهية و هي الآيات المشهودة في الآفاق و الانفس و معرفة الرسول و ادلتها المعجزات المشهودة مع معرفة حكمة الصانع و ادلة هذين مشهودة محسوسة ثم عليها الرجوع في الجل و القل الي ذلك الرسول و كفاها اللّه مؤنة الاستدلال و مازاغ قوم عن الحق الا بالاستدلال في الجزئيات مع عقولهم الناقصة ولنذكر قليلاً من كثير من روايات تناسب هذا المقام و ان شئت التفصيل فراجع ساير كتبنا الاصولية فانا اشبعنا القول فيها.
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۲ *»
ففي المحاسن بسنده عن حبيب عن ابيعبداللّه7 قال ان الناس اخذوا هكذا وهكذا فطائفة اخذوا باهوائهم و طائفة قالوا بآرائهم و طائفة قالوا بالرواية و ان اللّه هداكم لحبه و حب من ينفعكم حبه عنده و بسنده عن زرارة عن ابيجعفر7 قال ليس علي الناس ان يعلموا حتي يكون اللّه هو المعلم لهم فاذا علّمهم فعليهم ان يعلموا و عن عبدالرحمن بن الحجاج عن ابيعبداللّه7 قال اياك و خصلتين مهلكتين ان تفتي الناس برأيك او تقول ما لاتعلم و عن زرارة بن اعين قال قلت لابيعبداللّه7 ما حق اللّه علي خلقه قال حق اللّه علي خلقه انيقولوا بما يعلمون و يكفوا عما لايعلمون فاذا فعلوا ذلك فقد واللّه ادوا اليه حقه و بسنده عن ابيعبداللّه7 في رسالته الي اصحاب الرأي و القياس اما بعد فانه من دعا غيره الي دينه بالارتياء و المقائيس لمينصف و لميصب حظه لان المدعو الي ذلك لايخلو ايضاً من الارتياء و المقائيس و متي لميكن بالداعي قوة في دعائه علي المدعو لميؤمن علي الداعي انيحتاج الي المدعو بعد قليل لانا قد رأينا المتعلم الطالب ربما كان فايقاً لمعلمه و لو بعد حين و رأينا المعلم الداعي ربما احتاج في رأيه الي رأي من يدعو و في ذلك تحير الجاهلون و شك المرتابون و ظن الظانون و لو كان ذلك عند اللّه جايزاً لميبعث اللّه الرسل بما فيه الفضل و لمينه عن الهزل و لميعب الجهل ولكن الناس لما سفهوا الحق و غمطوا النعمة و استغنوا بجهلهم و تدابيرهم عن علم اللّه و اكتفوا بذلك دون رسله و القوّام بامره و قالوا لا شيء الا ما ادركته عقولنا و عرفته البابنا فولاهم اللّه ما تولوا و اهملهم و خذلهم حتي صاروا عبدة انفسهم من حيث لايعلمون و لو كان اللّه رضي منهم اجتهادهم و ارتياءهم فيما ادعوا من ذلك لميبعث اللّه اليهم فاصلاً لما بينهم و لا زاجراً عن وصفهم و انما استدللنا ان رضا اللّه غير ذلك ببعثه الرسل بالامور القيمة الصحيحة و التحذير عن الامور المشكلة المفسدة ثم جعلهم ابوابه و صراطه و الادلاء عليه بامور محجوبة عن الرأي و القياس فمن طلب ما
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۳ *»
عند اللّه بقياس و رأي لميزدد من اللّه الا بعداً و لميبعث رسولاً قط و ان طال عمره قابلاً من الناس ما جاء به حتي يكون متبوعاً مرة و تابعاً اخري و لمير ايضاً فيما جاء به استعمل رأياً و لا مقياساً حتي يكون ذلك واضحاً عنده كالوحي من اللّه و في ذلك دليل لكل ذي لب و حجي ان اصحاب الرأي و القياس مخطئون مدحضون و انما الاختلاف فيما دون الرسل لا في الرسل فاياك ايها المستمع ان تجمع عليك خصلتين احديهما القذف بما جاش به صدرك و اتباعك لنفسك الي غير قصد و لا معرفة حد و الاخري استغناؤك عما فيه حاجتك و تكذيبك لمن اليه مردك و ترك الحق سآمة و ملالة و انتجاعك الباطل جهلاً و ضلالة لاَنا لمنجد تابعاً لهواه جايزاً مما ذكرنا قط رشيداً فانظر في ذلك و عن عبيد بن زرارة عن رجل لميسمه انه سأل اباعبداللّه7 رجلان تداريا في شيء فقال احدهما اشهد ان هذا كذا و كذا برأيه فوافق الحق و كف الآخر فقال القول قول العلماء فقال هذا افضل الرجلين او قال اورعهما و عن سماعة قال قلت لابيالحسن7 ان عندنا من قد ادرك اباك و جدك و ان الرجل منا يبتلي بالشيء لايكون عندنا فيه شيء فيقيس فقال انما هلك من كان قبلكم حين قاسوا و عن محمد بن حكيم قال قلت لابيعبداللّه7 ان قوماً من اصحابنا قد تفقهوا و اصابوا علماً و رووا احاديث فيرد عليهم الشيء فيقولون برأيهم فقال لا و هل هلك من مضي الا بهذا و اشباهه و عن محمد بن حكيم ايضاً قال قلت لابيالحسن موسي بن جعفر7 جعلت فداك فقهنا في الدين و اغنانا اللّه بكم عن الناس حتي ان الجماعة منا ليكون في المجلس مايسأل رجل صاحبه الا يحضره المسئلة و يحضره جوابها مناً من اللّه علينا بكم فربما ورد علينا الشيء لميأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شيء فننظر الي احسن ما يحضرنا و اوفق الاشياء لما جاءنا منكم فنأخذ به فقال هيهات هيهات في ذلك واللّه هلك من هلك يا ابنحكيم ثم قال لعن اللّه اباحنيفة يقول قال علي و قلت و زاد في رواية اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا و اذا جاءكم ما لاتعلمون فها و وضع يده علي فيه فقلت و
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۴ *»
لم ذاك قال لأن رسولاللّه9 اتي الناس بما اكتفوا به علي عهده و ما يحتاجون اليه من بعده الي يوم القيمة و عن ابيبصير قال قلت لابيعبداللّه7 يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها قال لا اما انك ان اصبت لمتؤجر و ان كان خطاء كذبت علي اللّه و عن محمد بن الطيار قال قـال لي ابوجعفر7 تخاصم الناس قلت نعم قال و لايسألونك عن شيء الا قلت فيه شيئاً قلت نعم قال فاين باب الرد اذاً و عن محمد بن ابينصر قال قال رجل من اصحابنا لابيالحسن7 نقيس علي الاثر نسمع الرواية فنقيس عليها فابي ذلك و قال قد رجع الامر اذاً اليكم فليس معهم لاحد امر و عن علي7 قال ترد علي احدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها علي غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوّب آراءهم جميعاً و الههم واحد و نبيهم واحد و كتابهم واحد أَفامرهم اللّه سبحانه بالاختلاف فاطاعوه او نهاهم عنه فعصوه ام انزل اللّه ديناً ناقصاً فاستعان بهم علي اتمامه ام كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا و عليه ان يرضي ام انزل ديناً تاماً فقصر الرسول عن ابلاغه و ادائه واللّه سبحانه يقول (مافرطنا في الكتاب من شيء) و فيه تبيان كل شيء و ذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضاً و انه لااختلاف فيه فقال سبحانه (و لو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) و عن الصادق7 قال سألني ابنشبرمة ما تقول في القسامة في الدم فاجبته بما صنع رسولاللّه9 قال ارأيت لو ان النبي9 لميصنع هذا كيف كان يكون القول فيه قال قلت له اما ما صنع النبي9 فقد اخبرتك و اما ما لميصنع فلا علم به و سئل7 عن مسألة فاجاب فقال الرجل ارأيت ان كان كذا و كذا ما كان يكون القول فيه فقال له مه ما اجبتك فيه من شيء فهو عن رسولاللّه9 لسنا من ارأيت في شيء و قال ان اللّه فرض ولايتنا و اوجب مودتنا
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۵ *»
واللّه مانقول باهوائنا و لانعمل بآرائنا و لانقول الا ما قال ربنا عزوجل و عن علي بن الحسين8 ان دين اللّه لايصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقائيس الفاسدة و لايصاب الا بالتسليم فمن سلم لنا سلم و من اهتدي بنا هدي و من دان بالقياس و الرأي هلك و من وجد في نفسه شيئاً مما نقوله او نقضي به حرجاً كفر بالذي انزل السبع المثاني و القرآن العظيم و هو لايعلم و عن علي7 في وصيته لكميل بن زياد قال يا كميل لاغزو الا مع امام عادل و لا نقل الا من امام فاضل يا كميل هي نبوة و رسالة و امامة و ليس بعد ذلك الا موالين متبعين او معادين مبتدعين انما يتقبل اللّه من المتقين يا كميل لاتأخذ الا عنا تكن منا الي غير ذلك و هي كثيرة اوردناها في فصلالخطاب و غيره و من تتبع فيها وجد بلا غبار ان مذهب آلمحمد: حرمة القول بالرأي في الدين كحرمة الخمر و لحم الخنزير و الميسر بل هو بمنزلة الشرك باللّه العظيم و لايجوز لشيعي ان يعتمد علي عقله في المسائل الجزئية سواء كان في الفروع او الاصول اصول الفقه او اصول العقايد و مردّها الي كتاب اللّه و سنة نبيه9 فما استنبطه العالم منا منهما فهو العلم و هو الحق و هو الصواب و ما لميكن منهما فلا عبرة به و لايجوز التدين به و ان اتي عليه بالف دليل عقلي و انهاه علي زعمه الي البديهيات الاولية اوليس غيره يقول بغير قوله اوليس قد جاء الاختلاف و التنازع و التشاجر اوليس الحكم الي اللّه في ما اختلفوا فيه و تنازعوا و تشاجروا فيجب ترك التنازع و قول كل برأيه و الرجوع الي اللّه و رسوله و الي اولي الامر فما اجابوا فيه فهو المتبع و ان سكتوا يجب السكوت فيه لما روي من قولهم اسكتوا عما سكت اللّه و ابهموا ما ابهمه اللّه اللهم الا ان يكون المسألة مما ليس فيه اختلاف فحينئذٍ يكون الحجة7 ايضاً في القائلين و فيه الحجة فالذي هو طريقتي و ديني و به ادين اللّه في الدنيا و ارجو ان اموت عليه و احشر عليه انه يجب اثبات الصانع الحكيم القادر اولاً بالعقل بمشاهدة آياته ثم اثبات نبي بينه و بين خلقه ثم اثبات نبي خاص شخصي ثم الرجوع اليه من امر التوحيد فما دونه الي ارش الخدش
«* مکارم الابرار عربي جلد ۱۲ صفحه ۲۲۶ *»
فما فوقه و الاخذ بنصوص اقواله و مطلقاته و عموماته سواء فان الكل صادر من المعصوم و في الكل حجة لمن احتج به ثم بعد ما تديّنا بما قال لا علينا ان نتفكر في دليل ما قال من العقل و استنباط سر ما اخبر به فان عرفنا فهو من اللّه برسوله9 و ان لمنعرف رجعنا الي الامر الثابت من قوله يااللّه يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك.
([1]) فی الامالی: رجل مؤمن دعا لاخ له مؤمن
([3]) الدعامة بالکسر عماد البيت.
([4]) في الكافي: و التسليم و ضده الشك، و اسقط ما بين الكلمتين. منه
([5]) اي من عاملني بخصلة خير رضيت عنه بها و قوله مفارقة الدين الخ، اي من لا دين له ينبغي انيخاف منه. منه.
([6]) الصرف التسوية و العدل الفدا.