رسالة فی جواب السید محمدبن السید ابی الفتوح
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۶۴ *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدللّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
اما بـعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي ان جناب سيد(سيدنا خل) الاجل ذو الفهم اللامع و العلم الواسع السيد الممجد السيد محمد ارسل الي بهذه المسائل يريد الجواب عما يرد من الاشكال فيها لدي ذوي الالباب و لما كان من اهل الذوق المستقيم و الطبع السليم (المستقيم خل) اكتفيت بالاشارة و الاختصار.[۱]
فاقول و باللّه سبحانه المستعان و اعلم ان الارادة في حق العبد غيرها في حق الواجب سبحانه لانها في حق الواجب علي ما هو الحق المطابق لمذهب اهل العصمة: من انه ليس للّه ارادة قديمة و انما ارادته حادثة و ان الارادة غير العلم فانك تقول افعل كذا ان شاء اللّه و لاتقول افعل كذا ان علم اللّه و دعوي من يعتقد قدمها باطلة اما دعوي اهل الاشراق و المشّائين و الصوفية و امثالهم من انه تعالي ابداً مريد اذ ليس له حالة كان فيها منقبضاً عن الفعل و الميل الذي هو العناية المقتضية لربط ( له باطل خل) الاسباب بالمسببات علي كمال ما ينبغي و يعبّر عنها بالارادة فيكون بعد حصولها متغيّراً بل كلما جاز عليه وجب له و هذا باطل لان كلّ ما اشاروا اليه غير محض الذات و كل ما سوي الذات البحت حادث و لا يجري هذا في العلم و القدرة لانا لانريد منها(بها خل) معني مترتب علي الذات كما هو شأن الارادة بل نريد ان العلم و القدرة عين الذات بلامغايرة لا في الفرض و الاعتبار و لا في الحيث و لا في الواقع و لهذا قلنا انه عالم بالاشياء معناه (انه خل) سبحانه فهو عالم و لا معلوم يعني فهو هو و لا
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۶۵ *»
شيء غيره و اما علي مايقرره المتكلمون من انه لو كانت حادثة لكان (لكانت خل) لايخلو اما ان يكون (تكون خل) قائمة (به خل) فيكون محلاً للحوادث و (او خل) قائمة بغيره و صفة الشيء لاتقوم بغيره او بنفسها و الصفة لاتقوم بنفسها و ايضاً لوكانت حادثة كانت محدثة (حادثة خل) بارادة اخري و هكذا و يلزم التسلسل او الدور فجوابه عن الدور (الاول خل) انها حادثة و ليست قائمة بذاته قيام عروض و انما هو قائمة به قيام صدور لان قيام الشيء بالشيء علي اربعة اقسام قيام صدور كقيام الكلام بالمتكلم و قيام عروض كقيام السواد بالجسم و قيام ظهور كقيام الوجود بالماهية و قيام تحقق كقيام الماهية بالوجود فلايكون محلاً للحوادث و ايضاً فقد اقامها بنفسها و كونها صفة انما هو بالنسبة الي الواجب و الاّ فهي بالنسبة الي جميع المخلوقات ذات تذوتت الذوات بفاضل تذوتها بل كل الاشياء ذات باعتبار ماتحته عرض باعتبار ما فوقه من اول الوجود الي آخر ما لانهاية له من الممكنات كلها بهذه النسبة.
و قولهم ان الصفة لاتقوم بغير موصوفها غلط فهذا الكلام صفة لا بمتكلم و هو قائم بالهواء و ان قيل انه قائم بالمتكلم فهو قيام صدور و كذلك المشية فانها قائمة باللّه قيام صدور و كذا جميع الخلائق و اما قولهم فانها لو كانت محدثة لكانت محدثة بمشية اخري و يلزم التسلسل او الدور فالجواب انها محدثة بنفسها و هذا قطعي شهد له الوجدان و العقل و النقل اما النقل فظاهر و هو قوله۷ خلق اللّه المشية بنفسها ثم خلق الخلق بالمشية و اما العقل فلان المشية و الارادة فعل و الفعل مفهومه الحركة الايجادية فاذا اردت ايجاد حركتك انما توجدها بحركة و هي حركة فتوجدها بنفسها اذ لايمكن الايجاد الاّ بحركة و ذلك في كل شيء بحسبه و اما الوجدان فاظهر, فانك توجد صلاتك بنيتك بلاخلاف و نيتك توجدها بنية اخري ام بنفسها و العلماء اجمعوا انك توجدها بنفسها و لاتحتاج في ايجادها الي نية اخري و هي افضل ما في العمل و قد قال۹ انما الاعمال بالنيات و انما لكل امرئ مانوي فليس لك من العمل الاّ ما نويت فلو لمتكن النية منوية لما اثبت عليها لكنك تثاب عليها
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۶۶ *»
البتة فتكون منوية البتة و لمتكن لتنويها الاّ بنفسها البتة فعلي جهة الاختصار ثبت كونها حادثة مضافاً الي ما رواه الصدوق في التوحيد عن الرضا۷انه قال المشية و الارادة من صفات الافعال فمن زعم ان اللّه تعالي لميزل شائياً مريداً فليس بموحد فاما الارادة من الخلق فالضمير و مايبدو لهم من الافعال قسم من ارادتهم فنقول قولكم لاتخلو يعني الارادة من العبد اما ان تكون واجبة او ممكنة مماتريدون بهذا الوجوب تريد ان ارادة العبد هي اللّه سبحانه ام غيره فان كان غير اللّه فليس واجباً ان كل ماسواه ممكن و ان كان هو اللّه فتعالي اللّه (يلزم خل) ان تكون (يكون خل) صادراً عن الحادث فليس لذكر الوجوب هنا معني اصلاً فارادة العبد ممكنة.
و قولكم ننقل الكلام الي علة الرجحان, فيه ان رجحان الفعل لايوجب اذ ليس كل ماكان راجحاً وجب ايجاده لان الرجحان قد يكون خلاف الحق و خلاف الحق لايكون راجحاً في الواقع و انما يكون راجحاً عند المكلف عند ما تغلب عليه شهوته علي الفعل و تقدم النفس عليه مع ما تري من الامور القبيحة و المقتضية لترجيح الترك و انما الترجيح شهوة محضة غلطت البصيرة عن قبح ما تعلمه قبيحاً و تري قبحه فتغمض عما تري.
فاذا اردت ان تعاين حقيقة ما قلت لك فانظر نفسك و غيرك من الناس تجد ان المقصر يعرف انه ملوم و يقدر علي ترك ما يلام عليه و لو كان عمله انما عمله لانه ترجح (يرجح خل) عنده بحيث لايقدر علي تركه لانه واجب الترجح (بالترجح خل) لعرف ذلك و لكان اذا عوتب و قيل له لما فعلت تقول اني لااقدر علي تركه و يعرف ذلك من نفسه و لكن الواقع علي العكس بل يعرف انه ما عمله يقدر علي تركه و انما فعله متعمداً و كذلك فعل الطاعات و توهم ان ما ترجح (وجب خل)باطل فهذا يكفي ذا الفهم و القابلية المستقيمة في فهم المسئلة و علي نحو العيان و الضرورة.
قال سلمه اللّه تعالي الثانية لا شك ان التكليف حال استواء دواعي العبد الي الفعل و الترك او حال رجحان دواعي احدهما فعلي الاول يستحيل وقوع المأمور به فالتكليف غير جائز لان الممكن ما لم ترجح (لم يترجح خل)
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۶۷ *»
وجوده لميقع.
اقول لايقال الشك (لا شك خل) في عدم استحالة الوقوع بل اليقين هو جواز الوقوع في هذه الصورة المفروضة و انما حصل التوهم من جهة الاطلاع علي معرفة الدواعي و انا اشير الي بيان بدء الدواعي و منشئها علي سبيل الاختصار.
فاقول اعلم ان اللّه سبحانه لميخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته يعني بسيطاً حقيقياً للدلالة عليه فالمخلوق خلق من وجود و ماهية و هما حادثان و الحادث لايستغني في بقائه عن المدد طرفة عين و الاّ لفقد و كل شيء انما يميل الي نوعه و وجوده(و هو جهة خل) مدده من اللّه فالوجود نور و حين يميل الي مدده من الخير و النور و هو الطاعات و الماهية علي العكس في كل شيء فهي ظلمة و شرّ تميل (يميل خل) الي مددها من الشر و الظلمة و هو المعاصي و المكلف مركب منهما فداعي ميله الي الخير من جهة الوجود و داعي ميله الي الشر من جهة الماهية و هو محتاج الي احد الميلين و ايهما مال اليه و عمل به كفاه في بقائه بذلك الاستمداد لانه ان كان خيراً قوي الوجود بما فيه من النور و حصل للماهية حفظ الاصل عن الفناء بما في ذلك الخير من شائبة الظلمة لان الخير كما تقدم لايكون وجوداً بحتاً بدون شيء يحفظ بقائه في (من خل) الماهية و ان كان الذي من الماهية في ذلك الخبر يكاد يفني لضعفه و بهذا الضعيف تستمسك ماهية المكلف عن الفناء و ان كان شراً قويت الماهية بما فيه من الظلمة و حصل للوجود حفظ اصله عن الفناء بما في ذلك(الشر خل) من شائبة النور لان الشر كما قلنا قبل في الوجود لايكون ماهية بحتاً بدون شيء يحفظ بقائها من الوجود و ان كان الذي من الوجود في ذلك الشر يكاد يفني لضعفه و بهذا الضعيف يستمسك وجود المكلف عن الفناء و من ميل جزئي المركب كل واحد الي جهة مدده من جنسه حصل للمكلف منهما الاختيار لان الفعل المكلف فيه العبد اما خيراً يؤمر به و اما شراً ينهي عنه و لما كان المكلف هو المجموع المفرد المركب كان ان شاء فعل هذا و ان شاء فعل ضده و هذا هو الاختيار فالداعيان من المكلف من جهة الصلوح متساويان ابداً الي فعل الشيء
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۶۸ *»
بما يناسبه و الي تركه بضده هذا في اصله بنية (بنتيه خل) فاذا ورد عليه ورد بالترغيب و الترهيب المعنيين (المعينين خل) لداعي الخير و التخلية و التزيين بمعني لايمنع من ارادة الشر و لا يمنع منه عدوه المزين الشيطان و النفس و هويها و الدنيا و زينتها المعنيين(المعينين خل) لداعي الشر و لهذه الرتبة من المكلف داعيان متساويان فاذا مال الي فعل الخير اعانه الملك بتحبيب الطاعة و لطف به الرب اللطيف سبحانه و تعالي و هو اعانة علي الطاعة لطفاً لايكون مانعاً من التمكن من فعل ضده ما لميفعله فكان داعي الخير حينئذ راجحاً رجحاناً لايمنع النقيض بمعني انه ما لميفعله يمكنه تركه و فعل ضده و ان كان ذلك الضد مرجوحاً لانه اذا مال اليه ترجح مرجوحية (ترجح مع مرجوحيته خل) بمايقوّيه من التخلية و التزيين و الخذلان و كذلك اذا مال الي فعل الشر اعانه الشيطان المقيّض بتزيين المعصية و خذله الرب العدل الحكيم بان خلاه و هواه تخلية لا انه تكون مانعة له من فعل ضده هو الخير ما لميفعل الشر فكان داعي الشرح حينئذ راجحاً رجحاناً لايمنع النقيض بمعني انه ما لميفعل المعصية يمكنه تركها و فعل الطاعة و ان كان فعل الطاعة حينئذ مرجوحاً لانه اذا مال الي المعصية ترجحت مع كونها قبل مرجوحة بمايقوّيها الميل اليها من تحبيب الملك المؤيد له بها و من اللطف به من اللطيف الخبير سبحانه فالاستحالة المتوهمة باطلة.
و قولك ان الممكن ما لم يرجّح وجوده لميقع ليس كذلك لان الترجيح الموجب للفعل هو شروع المكلف للفعل لانه حين يفعل لايمكنه الاّ يفعل و يمكنه ان يقع فعله و الترجيح مايبلغ الوجوب يمكن عكسه و فعل ضده و يكون بذلك مرجوحاً و اذا بلغ الوجوب امتنع تركه و بلوغه الوجوب هو فعله و احاديث ائمتنا: ناطقة(بهذا خل) لمن خاطبوه بها فافهم و اشرب صافياً و دع عنك الاوهام كما روي عنهم: ما معناه ذهب من
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۶۹ *»
ذهب الي غيرنا الي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب الينا الي عيون صافية تجري بنور اللّه انتهي.
قال ايده اللّه و علي الثاني فالمرجوح ممتنع الوقوع و الاّ لزم ترجيح المرجوح فالراجح واجب الوقوع فالتكليف بالراجح تكليف بايجاد مايجب وقوعه و بالمرجوح مايمتنع وقوعه و كلاهما مستحيلان.
اقول قوله و علي الثاني فالمرجوح الخ جوابه ماتقدم من ان ممتنع الوجود من افعال المكلفين ما فعل ضده حين فعل ضده اما قبل فعل ضده او بعده فهو ممكن الوقوع و الحوالة في ذلك علي الوجدان فتأمل في افعالك تجد كلامنا هذا ضروري الحقيقة لا شك في شيء منه و كذلك قوله فالراجح واجب الوقوع لايجب وقوعه الاّ حين يقع لاقبله و لا بعده فالتكليف بالراجح و بالمرجوح اذا كان الراجحية و المرجوحية انما هي لقوة ميل المكلف و تحبيب الملك او تزيين الشيطان تكليف بايجاد ما يجوز وقوعه و عدمه و لايكون تكليفاً بمايجب وقوعه الاّ حين وقع و لايكون التكليف بالمرجوح تكليف (تكليفاً خل) بمايمتنع وقوعه الا حين اوقع ضده لا قبل ايقاعه و لا بعده فافهم فانه لمن عرف كلامي اظهر من الشمس في رابعة النهار اذا لم يكن عليها سحاب و لا غبار.
قال سلمه اللّه تعالي : و ايضاً ورد الامر بالتكاليف اما لفائدة او لا لفائدة ان (فان خل) كان الاول فهي عائدة الي المعبود او الي العابد و الاول محال لانه كامل الذات بذاته و ان كان الثاني فهي اما عاجلة او آجلة و الاول باطل لان التكاليف كلها مشاق و آلام في الدنيا و الثاني عبث لان اللّه قادر علي تحصيل رفع آثام (الالم خل) و تحصيل اللذة للعبد ابتداء من غير توسط العبادة و كذلك حكم الشق الثاني.
اقول ورد الامر بالتكاليف لفائدة و هي عائدة الي العابد و عودها اليه في العاجل و الآجل معاً و لا يكون العاجل باطلاً و بيان هذه الامور طويل لتوقفه علي بيان المقدمات و لكني اقتصر علي البعض و من عرف اغناه عما سواه ان شاء اللّه
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۰ *»
تعالي. فاقول كما خلق الخلق اما جوداً او تفضلاً كذلك انعم عليهم ثم لما كان جوده و كرمه يجريه (يجري خل) علي كمال ماينبغي و الاّ لميكن كاملاً وجب ان يجري فعله في جميع المفعولات علي حسب قوابلهم لان فعله واحد و نسبته علي جميع الاشياء علي السواء فاذا اراد خلق الخلق فلا يخلو اما ان يخلقهم علي حسب مقتضي فعله او علي حسب مقتضي قوابلهم حين الخلق فان كان الاول وجب ان يكون الخلق شيئاً واحداً لا تعدد فيه و لا اختلاف لان نسبة فعله علي حسب مقتضاه الي جميع الخلق علي السواء ليس شيء منها اقرب من شيء و لا شيء اسهل من شيء و لا شيء قبل شيء و لا جهة للفعل الي شيء دون شيء فيكون (فتكون خل) مصنوعة ( مصنوعه خل) واحداً و لو كان كذلك بطلت فائدة الصنع و الايجاد فلايحسن في الحكمة اصل الايجاد و ان كان الثاني و هو ان فعله يجري علي سائر الخلق علي حسب قابلياتهم حين الخلق كان ماقلنا من انه خلقهم ليعبدوه فعرفهم عبادته بالتكاليف و بيان هذا انه خلقهم فلزم الخلق علي مقتضي الحكمة ان يحدث المخلوق علي ما هو عليه و ذلك انه لميكن شيئاً مذكوراً فاذا اخترع حصة من الوجود خرجت كما هي لا كما الاولي فهذه هي قابلية الثانية و هي غير قابلية الاولي و الاّ كانت هي الاولي و القابليتان لمتكونا قبل خلق الحصتين شيئاً مذكوراً و انما كانا باختراع الحصتين فلزم هذا نظام مرتب لا يكون الشيء كما هو الاّ بذلك و هذا اعني النظام المرتب شرع و تكليف وجودي لو لميكن لميكن المصنوع كما هو.
فيظهر لمن عرف كلامي هذا ان هذا التكليف اعظم فائدة للمكلف اذ بدونه لايوجد فيبقي في عدم الامكان نسياً منسياً فيحرم ما عرضه اللّه بسبب وجوده لخيرات الابد و السعادة التي لاتنفذ فاي فائدة اعظم من هذا هو البنيان الصوري القشري و اما البنيان المعنوي العقلي فانه تفضل عليه مرة بعد اخري فكلفه بالتكليف الشرعي بان امره و نهاه و قبوله لامره و نهيه او تركهما هو روح كونه علي ما هو عليه في الخلق و هو جسم لهذه الروح التي هي قبوله لامره و نهيه او تركهما و ذلك المقبول (القبول خل) هو ما هو عليه في الشرع من سعادة او (و خل) شقاوة و المكلف لامحالة قابل لامره و
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۱ *»
نهيه و (او خل) تارك لهما فلزم التكليف الشرعي الوجود الشرعي (وجود شرعي خل) ان شاء اللّه تعالي بعمل المكلف من قبوله او تركه خلقه اللّه من مادة امره و نهيه و صورة امتثال المكلف و عدمه و هذا الوجود الشرعي روح وجود المكلف المعلوم كما اشرنا و اصله و حياته و لذا اشار سبحانه الي ذلك بقوله او من كان ميتاً فاحييناه و جعلنا له نوراً يمشي به في الناس و قال تعالي ان اللّه يسمع من يشاء و ما انت بمسمع من في القبور و قال تعالي اموات غير احياء فاخبر ان الكافر ميت لا حيوة له مقبور في قبر طبيعته لا حيوة له الاّ بالايمان و لا ايمان الاّ بامتثال امره و نهيه تعالي فهذا الوجود الشرعي المخلوق في المؤمن من امر اللّه و امتثال المكلف و في الكافر من امر اللّه و ترك امتثال امر اللّه تعالي هو علة الوجود الكوني فيكون التكليف علة الكون اذ لايمكن التكوين علي ما (هو خل) المكوّن عليه الاّ بقبوله عن اللّه و قبوله عن اللّه بالامتثال و عدمه لايكون الاّ بالتكليف فقد توقف اظهار كرم اللّه و جوده و تفضله علي تكوين محله و متعلقه و تكوينه علي قبول ذلك و قبول ذلك لايكون الاّ بالامتثال و عدمه و هذا متوقف علي التكليف و هذا معني قولنا ان الايجاد متوقف علي التكليف و اليه الاشارة بقوله تعالي و ما خلقت الجن و الانس الاّ ليعبدون و انما خلقهم لعبادته لتخلقهم بها خلقاً يصلح له تعلق رضاه او غضبه فقوله و الاول باطل يعني به ان تكون الفائدة عاجلة لا معني له صحيح لان كونها عاجلة شرط الايجاد الذي هو سلب سعادتهم و نعيمهم و كونها آجلة لان ما اعدّ لهم من النعيم لاينفد انما هو ثمرات اعمالهم لان اعمالهم شجرة طيبة تؤتي اكلها كل حين و كذلك ما اعدّ لمن عصاه من العذاب الاليم المؤبد انما هو ثمرات اعمالهم لان اعمالهم شجرة خبيثة هي طعام الاثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم فالتكاليف و ان كانت مشاقاً و آلاماً (مشاق و آلام خل) بالنسبة الي النفس لانها تأنف من الانفعال لما فيها من الدعوي الباطلة فهي في الحقيقة ملاذ و راحة (الا تري خل) الي ماتجد نفسك بعد اداء الصلوة الفريضة التي هي اعظم المشاق من اللذة و الراحة و الراحة و السرور و لهذا امر الشارع۷ بسجدة الشكر شكراً
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۲ *»
لنعمة التي هي اداء الفريضة و لو كانت في الحقيقة مشقة و الماً لما وجدت اللذة و الراحة و السرور هذا كله في الدنيا و لهذا قال۹ جعلت قرة عيني في الصلوة و لو لمتكن نعيماً و لذة لما قال ان قرة عينه فيها فان قلت انما ذلك كذلك بملاحظة مايترتب عليها من النعيم قلت و هذا ايضاً كاف في كونها في الحقيقة نعيماً و لذة.
و قوله و الثاني عبث الخ قد تقدم جوابه في ضمن ماذكرنا و بيانه ان تكون الفائدة آجلة الخ ليس كذلك كيف يكون عبثاً و تلك الكرامات العظيمة من اللّه التي لا غاية لها في البقاء و في النعيم متوقفة عليه كما بيناه.
و قوله لان اللّه قادر علي تحصيل دفع الالم و دفع (تحصيل خل) اللذة للعبد ابتداء من غير توسط (توسيط خل) العبادة الخ, ليس بمتجه لان اللّه سبحانه قادر علي كل شيء لا شك فيه و لكنا قلنا هل يفعل بمقتضي قدرته و فعله ام بمقتضي القابلة فان كان بمقتضي قدرته و فعله تساوي في ذلك جميع الخلق بل لايكن المخلوق الاّ واحداً بل الحكمة يقتضي كون الايجاد من اصله مرجوحاً فلايحسن الايجاد من اصله لما يلزم فيه من المفاسد و ان كان يفعل بمقتضي القابلية كما هو الامر الواقع وجب لكمال علمه و قدرته و اتقان صنعه ان يكون المصنوع علي غاية كمال ما اقتضته قابليته من فعل صانعه فيقتضي كمال ذلك الاقتضاء ان يحكم له من الوجود و شرعه من الشرع و وجوده ماخلق له اولاً من انه خلق للمعرفة و الطاعة الذين هما شرط بقائه و نعيمه و هذا شأن الكريم اللطيف الحكيم لانه انما خلقهم للخير الدائم و ما خلق به ثانياً من انه خلق ثانياً لما هو ميسر له و عامل له بعمله و هذا ماسمعت من الوجودين شرطه القابلية كلها من عمل المكلف سواء كانت في الوجودي او التكليفي و شرط القابلية و تحققها التكليف فلو لميكن التكليف لمتتحقق القابلية لا في الشرعي لانه انما يطيع بقبول الامر و يعصي بتركه و لا في الوجودي لانه سبحانه عرض عليهم الايجاد فلميقبل من قبل و لميترك من ترك الاّ بالعرض (بالغرض خل) اذ لو اتيهم بمقتضي فعله و ارادته لقبلوا بلا اختلاف فيكونون سواء و هو السر في قوله تعالي لهم الست بربكم حيث عرض ذلك الايجاد عليهم و لم يقل لهم انا
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۳ *»
ربكم و قبولهم لذلك هو عملهم حين الخلق لاقبله و لابعده كما ان الانكسار لايكون قبل الكسر و لابعده بل يكون معاً (مع الكسر خل) و مع هذا فهو فعل منه المفعول كما قال اللّه كن فيكون و لو لمتتحقق القابلية لم يتحقق الوجودان(الوجود خل) و لو لميكونا بطل النظام لعدم وجود متعلق الكرم و الجود فعلي الثاني يكون الامر المذكور حقاً لانه عبث فلايمكن في الحكمة تحصيل دفع الالم و تحصيل اللذة للعبد الاّ لتوسط (لتوسيط خل) التكليف فافهم.
قال ايده اللّه تعالي و ايضاً اذا كان السعيد سعيداً في بطن امه و الشقي شقياً في بطن امه و لايختلف(لايتخلف خ ل) و لايتبدل ابداً علي ما هو مفاد بعض روايات الطينة فلايتصور ثمرة للتكليف (التكليف خ ل) اذ كل ينساق الغاية(الي غايته خ ل) البتة.
اقول لاشك ان السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه و لكن الاشكال في معرفة الام و معرفة قدر عمرها و قدر بقاء جنينها في بطنها فان من عرف ذلك زال الاشكال عنه و نشرع في بيان هذه الثلاثة اولاً علي سبيل الاختصار و الاقتصار لتوقف زوال الاشكال عليه فاما الام فلها معنيان مقصودان في الحديث:
احدهما ان الام هي الصورة لا المادة كما توهمه بعض الحكماء و المادة هي الاب بعكس ماقالوا و قد اشرنا الي ذلك في الفوائد و بعض معناه ان الحكم لايتعلق بالمادة و الاّ لتساوت افراد الجنس في الحكم فيكون الانسان و الكلب واحداً و كذلك السرير و الصنم لانهما من الخشب و لكن لما كان الحكم متعلقاً بالصورة كالسرير(كان السريرخ ل) من الخشب مستحسناً و الصنم من الخشب مستقبحاً و ليس ذلك الاّ من الصورة فالحسن انما حسن في بطن امه و هي الصورة و القبيح انما قبح في بطن امه و هي الصورة و لو كانت الام هي المادة لكان الصنم انما قبح لكونه خشباً و لميقل به عاقل او يقال ان السعيد من سعد في صلب ابيه و لم يقل به مؤمن.
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۴ *»
و الثاني ان الام هو الوالدة المعروفة و علي هذا المعني ليس في صلب الاب الا ماء و هو النطفة يصلح للسعيد او(وخ ل) الشقي كالمداد قبل الكتابة و الصورة تصلح للاسم الشريف و الوضيع و لايتميز الاّ في بطن امه اي الصور لان تخطيط البنية المعنوية كاعتدال المزاج و صفائه عن الفضلات البلغمية و الدموية و سلامته من الاحتراق الناري من الجمود السوداوي اذا كان في اخلاطه زيادة سوداء صافية مستقيمة و مايطابقه من تخطيط الصورة الظاهرة يقتضي الاتيان بالاعمال الصالحة و الاعتقادات الصحيحة و الميل الي الخيرات و ذلك هو منشاء السعادة و لاتتحقق هذه الهندسة من تعديل المزاج و البنية الاّ في بطن امه لا في صلب ابيه و كذلك عكس هذه الاشياء من افراط المزاج و البنية و تفريطهما المقتضيتان (المقتضيان خ ل) للاتيان بالاعمال الطالحة و الاعتقادات الباطلة و الميل الي الشرور التي هي منشاء الشقاوة انما يتحقّق في بطن امه و اما قدر عمرها فالام الثانية(الذاتية خ ل) التي هي الصورة فعمرها طويل و له فصلان الاول فصل التكليف الظاهري و هو من اول البلوغ الشرعي الي الممات و في هذا الفصل ينتزع (تزرع خ ل) الاحكام الظاهرة الفرعية من الشرعية و العقلية فاذا مات ارتفع هذا التكليف و الفصل الثاني هو فصل الترقيات و التكاليف الحقيقية و هو من الكون الجوهري اي العقلي الي الكون المائي من الاظلة و الذر ثم منه الي مالانهاية له في الامكان و في هذا الفصل تزرع الاحكام الباطنية الاصلية من الشرعية و العقلية و الترقيات الذاتية في طرفي الاقبال و الادبار الي ما لانهاية له في الامكان فمن عرف هذا الوقت الذي هو عمر الام الذاتية التي هي الصورة ظهر له عدم تحقق التخلف و التبدل ابداً كما هو ظاهر كلامه حرسه اللّه تعالي من الزيغ و الزلل تعويلاً عالي ما قال علي ما هو مفاد بعض روايات الطينة و هذا التوهم سار في ظمائر الكل الاّ الاقلين و لهذا تري بعضهم ينكر احاديث الطينة و يوجب طرحها و يحكم ببطلانها و بعض يقول لا نعرف منها شيء(شيئاًخ ل) و يسكت عنها و هو انصاف و سلامة له و في بعض قبلها و تكلم في بيانها و خبط خبط عشواء و ركب عمياء لايدري في
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۵ *»
مسيره هل هو مقبل او مدبر و لايدري حين وضع قدمه في سيره اين وضعه علي قرار ام علي غير قرار و لو ردوه الي الرسول و الي اولي الامر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم و انما توهموا هذه التوهمات لظن بعضهم انها عنصرية و ظن بعض منهم ان القلم جفّ فيها و لم يعلموا ما هي و اما اسماؤهم التي خلقها سبحانه باعمالهم و هي الصورة الوجودية الشرعية و هي ابداً تصاغ و تكسر لميفرغ القلم من كتابة حروفها في الفصل الاول من احكامه الي الممات و في الفصل الثاني من احكامه الي غير نهاية فالطينة هي الصورة الوجودية المخلوقة بعمل المكلف فاذا عمل خلقت له و اذا خلقت له حركته الي العمل و اذا عمل مايطابق الاول احكم صيغة(صنعةخ ل) الاولي و زيد فيها من نوعها و اذا عمل مايخالف الاول كسرت و صيغت علي مقتضي العمل الثاني فهذه الطينة فهي لمتكمل و لميفرغ منها ليقال السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه و لايتخلف و لايتبدل ابداً بناء علي ان القلم جف من كتابة الطينة و كتابة مقتضاها و اما علي مابيناه من السر المصون و الغيب المكنون يظهر لمن عرفه كالشمس الطالعة ان السعيد من سعد في بطن امه و الشقي من شقي في بطن امه و ان المكلف لايفارق بطن هذه الام و ان هذه(عنده خ ل) الام دائماً يزاد فيها و ينقص ابداً و بالتكليف دائماً يتغير المكلف و يسبق و يقصر و بهذا تظهر ثمرة التكليف و مع هذا فلاريب ان كل احد ينساق الي غايته البتة كما قال۹ لسراقة ابن مالك لما سأله عن هذا فقال اعملوا فكل ميسر لما خلق له و كل عامل بعمله لكن تلك الغاية يخلقها للمكلف الحكيم العليم بخاتمته التي هي نتيجة سابقته.
و اما قدر بقاء جنينها في بطنها فكما مر من انه قد بقي في الكون الجوهري الف سنة في بطن امه و في الكون الهوائي الف سنة و في الكون المائي الف سنة و في الكون الناري الف سنة و في كون الاظلة و الذر الف سنة ثم تنزل الي الملائكة حتي كمنت فيه روحه و دفعته الي الريح علي جهة الوديعة ثم الي السحاب ثم الي التراب ثم الي المعدن ثم الي النبات ثم الي الغذاء ثم الي المعدن ثم الي النبات ثم الي الحيوان و من المعدن الثاني الي
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۶ *»
الحيوان اربعة اشهر ثم الي كمال الحيوان بان تستقيم الارحام في تسعة اشهر او ينقص (يغيض خ ل )في ستة اشهر الي تسعة اشهر او تزداد الي سنة ثم الي ان يموت ثم الي ان يبعث يوم القيمة الكبري ثم الي ما لانهاية له ابداً في بطن امه نعم قد يكون له احوال كاملة يكون فيها خارجاً عن امه مولياً عنها فراراً فاقداً لها في وجدانه لا في وجوده فانه ابداً لايفارقها و ذلك حين يعرف نفسه و هو مع ذلك كله عامل بعمله يصاغ و يكسر بصيغة (بصنعةخ ل)حتي يورده اللّه سبحانه (الي خ ل)مايشاء في حكمه و هو الحكيم العليم و اعلم ان الام الظاهرة هي محل لزرع الام الباطنة في الدنيا و لك ام ثالثة قدرت لك في التنزيل و هي ام قد حملت بك في التأويل و هي الارض فانها التي القت ما فيها و تخلت و تضع كل ذات حمل حملها فافهم و اشرب عذباً صافياً.
قال سلمه اللّه تعالي: الثالثة- ان مخالفة التكليف(التكاليف خ ل) و ترك العبادات من العبد لماذا يصير منشاء للعذاب مع انه تعالي مستغن عن طاعة العبد منزه عن لذة الانتقام متعال عن الغرض الحاصل له و مع ذلك وصف نفسه بانه منتقم فماوجه التوفيق.
اقول ان اللّه سبحانه ليس كما يتوهمه الجاهلون من انه سبحانه اذا عصياه عبده غضب عليه لاجل معصيته كما هو مدلول السؤال بل السر في ذلك انه سبحانه انما خلقهم ليعرّفهم نفسه و يظهر عليهم آثار كرمه و كان قد خلقهم لا من شيء و لا لشيء و ماكان هذا حقيقته بحيث لاتكون له حقيقة قائمة بنفسها و الاّ لكان اما غير مخلوق و اما انه مخلوق من شيء كالجدار فانه لما بنّاه البناء من الطين و اللبن قام باصله و ان اضمحل صانعه و انما مثال مايخلق لا من شيء الصورة في المرآة فانها لم تخلق من شيء و لا اصل لها الا تجلي الشاخص لها بها فكذلك المخلوق لا حقيقة له الا تجلي اللّه سبحانه له به فلايقوم باصله كما يقوم الجدار.
فاذا اردنا تشريح هذا المخلوق بنظر الفؤاد لم نجد له مادة الاّ نفس تجلي الحق سبحانه لديه و لاصورة الاّ نفس انفعال ذلك التجلي عند فعل المتجلي كما نقل(نقول خ ل) ليس للصورة في المرأة مادة الاّ ظهور الشاخص لها بها و ليس
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۷ *»
لها صورة الاّ هيئة المرآة من الصقالة و البياض و(اوخ ل) السواد و الاستقامة او(وخ ل) الاعوجاج و الطول او(وخ ل) العرض و الكبر او(وخ ل) الصغر و القرب او البعد و في المرآة ليس للصورة صورة الا مالبسها(لابسهاخل) من هيئتها من التخطيط و الهيئة و اللون و ذلك هو المراد بالمرآة التي تظهر فيها الصورة لان الصورة انما تظهر بنفسها و لانريد بالمرآة في الحقيقة هذه الزجاجة.
فاذا عرفت ان المخلوق خلق لا من شيء و ان مادته هو التجلي و ان صورته هو الهيئة الانفعالية و الهيئة الانفعالية مركبة من اشياء كثيرة تسمي المشخصات و تلك المشخصات هي القابلية و هي في الحقيقة اعمال المكلف في الظاهر و في الباطن كما تقدم و لايكون المخلوق(الخلق خ ل) بدون هذه القابلية التي هي من عمله و قبوله للايجاد حين خلق فلما اراد سبحانه ان يلطف بهم بين لهم ان المخلوق لايمكن ايجاده بدون ان يقبل الايجاد و قبوله لذلك هو حقيقة عمله و الايجاد خير من قبول الخير بالاعمال الطيبة و شرّ في قبول الشر بالاعمال الخبيثة و الاعمال صفات العاملين كما قال تعالي سنجزيهم وصفهم، و لكم الويل مما تصفون و ايجاد الصفات بنحو ايجاد الذوات(الذوات و اخبرهم و هداهم النجدين بان قال لهم انما هي اعمال ترد عليهم خ ل) و ان(فاذاخ ل) اطعتم لامحالة كانت اعمالكم بامتثال امري نعيماً و لذة و ان عصيتم لامحالة كانت اعمالكم بترك امري عذاباً اليماً لان النعيم مركب من مادة هي امر اللّه و صورة هي عمل المكلف به و امتثاله لايصح ان يتركب الاّ من هذا و العذاب مركب من مادة هي امر اللّه و من صورة هي عمل المكلف بترك امر اللّه و المخالفة (بمخالفته خ ل) لايصح ان يتركب من غير هذا.
فاذا عرفت هذا ظهر لك ان عذاب المكلف نشأ من عمله الذي اوقعه باختياره و تمكنّه من تركه من غير جبر و لا ضرورة و انما امره طاعته لانه يريد به اليسر و لايريد به العسر ليسلم من عذابه الذي هو من معصية(معصيته خ ل) الا تري انك اذا رأيت رجلين اجنبيين معك ليس بينك و بين احد منهما معرفة و لا صداقة و محبة(لا محبة خ ل) و لا بغض و عداوة(و لا عداوة و بغض خ ل) بوجه من الوجوه فدعوتهما و اجابك
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۸ *»
واحد و انكرك واحد كيف كان المجيب طائعاً فمن اين جاء هذا الوصف المحبوب الاّ من قبوله دعوتك و كيف كان الممتنع عاصياً فمن اين جاءه هذا الوصف المبغوض الاّ من عدم قبوله دعوتك و هذا القبول و هذا الترك هو القابلية التي لايكون الشيء بدونها و اللّه سبحانه لا حاجة له في ثوابهم و لاعقابهم و لايلتذّ بالانتقام و لا بالاثابة و انما وصف نفسه بالمثيب و المنتقم لانه لما سأله(سأل خ ل) عباده الفقراء اعطاهم ما هم مذكورون به من انهم اذا خلوا و اختيارهم اختاروه فعلم ماسيكون منهم و خلق للعاصي الاسباب و ترتب عليها المسببات و الاسباب و المسببات فقراء محتاجون الي كرمه و جوده فاعطاهم ماسألوه بحقيقة استعدادهم لانه كريم لايبخل فخلق(للعاصي خ ل) بمعصيته مقتضاها و هو العقاب فسمّي نفسه بذلك الترتيب اي اعطائه مقتضي عمله من الانتقام منتقماً و كذلك الثواب.
قال سلمه اللّه تعالي: و ايضاً التعذيب في الآخرة ضرر خال عن جهات النفع.
اقول و ان كان التعذيب ضرراً خالياً عن جهات النفع لايجوز في الحكمة عدم ايقاعه لانه سبحانه لو منع مقتضي المعصية لجاز منع مقتضي الطاعة لان كلاً منهما كان مسبباً لسببه فكيف يمنع تأثير سبب و يعطي تأثير سبب و هما في الحاجة اليه سواء و ايضاً هذه صفاتهم و لايحسن منع الموصوف صفته كما قال تعالي سنجزيهم وصفهم و قال۷انما هي اعمالكم ترد اليكم و قدتقدم انه سبحانه اجري عادته انه لايفعل الاّ علي حسب القابلية و الاّ وقع خلاف الحكمة ان خلقهم علي ما علمهم و فسدت السموات و الارض و من فيهنّ و ان خلقهم علي غير ما هم عليه كانوا غيرهم و ايضاً هم فعلوا ما يلزمهم به التعذيب باختيارهم و لو رفعه عنهم لكان فعل بهم غير ما طلبوا منه بألسنة استعداداتهم فاذا سأله سائلهم فان اعطاه ماسأله كان ما رأيت و سمعت و ان اعطاه غير ماسأله كانت عطيته بلاقابل لان السؤال انما هو القابلية و اذا كانت بلاقابل تعذر ايجادها انما قلنا ذلك لان المخلوق لايخلو من تنعم او تألم مادام موجوداً و هذا
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۷۹ *»
(هنا خ ل) العاصي ان عذّب فذلك و ان نعم كان النعيم لا في محل لان المحل كان منتهياً للعذاب و متقدر له بسبب المعاصي فلايصلح ان يكون محلاً للثواب فان المحل المثلث مثلاً لايصلح للحالّ المربع و بالعكس و لاينطبق المستدير عليهما و لاينطبقان عليه و الظلمة لاتقتضي النور و بالعكس فافهم الاشارة.
قال سلمه اللّه تعالي: و ايضاً انه تعالي كان عالماً بان الكافر لايؤمن كما هو مدلول بعض الآيات متي كلّف لميظهر منه الاّ العصيان سبباً للعقاب فكان ذلك التكليف مستعقباً لاستحقاق العقاب فوجب ان يكون قبيحاً لكونه مستعقباً للضرر الخالي من النفع.
اقول انه تعالي كان عالماً و لامعلوم و لا كافر و لا مؤمن هذا علمه الذاتي الذي هو ذاته و له علم آخر مطابق للمعلوم فقولك كان عالماً بان الكافر الخ معناه ليس بصحيح لان معناه انه كافر قبل ان يكفر و هذا لا معني له و القول الصحيح ان يقال له انه تعالي عالماً بان زيداً لايؤمن ليصحّ ان يقال فمتي كلف الخ هذا مايرجع الي تصحيح اللفظ و اما المعني فالذي نبّه الامام۷ عليه في هذه المسألة هي(هو خ ل) حقيقة الجواب الاّ ان فهمه صعب قال۷ كان عالماً و لامعلوم فلما وجد المعلوم وقع العلم منه علي المعلوم و المعني انه كان وحده لميزل و لايزال فلما احدث المعلوم كان معلوماً له حين احدثه و قبل ان يحدثه كان عالماً و لا معلوم اذ ليس قبل ان يوجد معلوماً و الاّ لكان شيئاً قديماً معه تعالي و لكن العبارة الظاهرة للجواب هي انه تعالي لما كان علمه غير زماني و لا دهري بل الازمنة و الدهور و مافيها نقطة في علمه لاتقبل القسمة لذاتها عند علمه و جميع الاجزاء و الجزئيات الواقعة في الازمنة و الدهور في مستقبل الامور يعلم سبحانه مجملها و مفصلها في ازمنة وجودها و امكنة حدودها و الاستقبال و الماضي و الحال انما هو عندها و بنسبة بعضها الي بعض و عنده جلّ و علا في آن واحد فان من سيوجد بعد مائة سنة من ايامنا هذه مثلاً و بعد بلوغه يكفر باختياره قد كان عند اللّه في وقته الذي حده له و كفر في وقت كفره و عندنا لميكن من ذلك شيء و انما هو امر مستقبل و للّه تعالي فيه البداء فان بدا
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۰ *»
للّه في ان يعصمه من الكفر قبل ان يكون وقته تحت الفلك كان له ذلك و لميكفر و هذا الذي كان في علم اللّه فالذي في علم اللّه يقع و الذي يقع هو (فهو خ ل)ماشاء و اليه الاشارة بقول الصادق۷ كما رواه في الكافي في باب الاستطاعة و لكن حين كفر كان في ارادة اللّه ان يكفر و (هم خ ل) في ارادة اللّه و علمه الاّ يصيروا الي شيء من الخيرات الحديث، فعلم اللّه بانه يكفر ليس موجداً لكفره بل هو باق علي اختياره ان شاء آمن و ان شاء كفر و ان آمن كان الواقع في علمه هو الايمان قبل ان يؤمن و ان كفر كان الواقع في علمه كفر قبل ان يكفر لانه علم ماسيفعل في مستقبل امره باختياره فالعبد مختار بينهما حتي يقع منه احدهما ثم هو مختار في الانتقال الي الآخر و اللّه سبحانه يعلم مايكون منه لانه هو الذي يخلقه بعمله الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير و هو سبحانه مختار في عبده و اعماله ان شاء عصمه و ان شاء خذله ثم اذا وقع من عبده احد الحالين كان جل و علا مختاراً في ملكه ان شاء غيّر و ان شاء ابقي فالذي انتم تفرضونه ان اللّه يعلم انه يكفر و امره بالايمان هو عند اللّه انه قادر علي الايمان و عند العارفين باللّه و بافعاله فان آمن كان اللّه انما يعلم منه الايمان و ان كفر كان انما يعلم اللّه منه الكفر.
و اما هذا الكلام الذي ذكره الاشاعرة فباطل لانه تشبيه علم اللّه بعلم خلقه الدهري و هو قول الصادق۷ بدت قدرتك يا الهي و لم تبد هيئة يا سيدي فشبهوك و اتخذوا بعض آياتك ارباباً يا الهي فمن ثم لميعرفوك يا الهي الدعاء فمتي كلّف العبد كان ذلك التكليف استنطاقاً لطبيعته يؤول امره اليها باختياره بمعونة اللطف و الخذلان فان اختار الايمان امكنه ذلك فان آمن كان ما في علم اللّه هو ايمانه و ان اختار الكفر كان في علم اللّه هو كفره و هذا الرجل الذي وقع منه الكفر قبل ان يكفر ليس في علم اللّه انه كفر و انما الدعوي انه في علم اللّه انه سيكفر والجواب ان نقول هذا الرجل قبل ان يكفر في علم اللّه انه يمكن منه الايمان و ليس يمكن منه الايمان فان كان الاول تساوي الحالان بالنسبة اليه فيجاز ان يؤمر بالايمان و لايجوز ان يقال انه لايقع منه الاّ الكفر لان هذا ليس بمختار فيهما و ليس هذا الفرض الاول بل الفرض الثاني
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۱ *»
و ان كان الفرض الثاني لزم اما ان يقال انه لميفعل شيئاً لانه ماكفر و انما احدث فيه الكفر بل لايصح ان يقال كفر هذا اللفظ الذي هو كفر فعل ماض صدر من فاعل قاصد للفعل راض به و يقبل(لقيل خ ل) خلق اللّه كفره كما تقول في صورة جسمه خلقها اللّه و لاتقول خلق صورته او تصور فاذا جاز وقوعه منه و هو قاصد له وجب ان يكون مختاراً في فعله و ان كان مختاراً فيه امكن له تركه و اذا امكن له تركه تمكن من ضدّه و هو الايمان و جاز تكليفه به كما هو الواقع فكما جاز منه الكفر جاز منه الايمان او لميكلف به لانه تكليف بمالايطاق و اذا جاز منه وقوع الايمان بل لميخلق الا للايمان و لميطلب منه غيره فلما فعل غير ماخلق له و غير مايراد منه و جري علي(عليه خ ل) مقتضي فعله الموجب للعذاب لميلزم من ذلك ان يكون داعي التكليف و باعثه قبيحاً لانه انما يكلف(كلف خ ل) بالطاعة ليصل بها الي كل خير فلمانسوا ما ذكروا به لزمهم وصفهم و ليس من التكليف ليكون مستعقباً للضرر الخالي من النفع و انما ذلك بتركهم التكليف و لو ان اهل الكتاب(القري ظ) آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السماء و الارض و لكن كذبوا و اخذناهم(فاخذناهم ظ) بماكانوا يكسبون و ذلك بماقدمت ايديكم و ان الله ليس بظلام للعبيد.
قال سلمه الله تعالي: و ايضاً انه تعالي انما كلّفنا النفع لعوده الينا قال تعالي ان احسنتم احسنتم لانفسكم الآية، فاذا عصينا فقد فوتنا علي انفسنا تلك المنافع فهل يحسن في العقول ان يأخذ الحكيم انساناً و يقول اني اعذبك العذاب الشديد لانك فوّت علي نفسك بعض المنافع فانه يقول له ان تحصيل النفع مرجوح بالنسبة الي رفع (دفع خ ل) الضرر فهب اني فوت علي نفسي ادون المطلوبين فانت تفوت علي لاجل ذلك اعظمها كيف يليق هذا باحكم الحاكمين.
اقول و لا شك انه سبحانه انما كلف عبده النفع لعوده اليه لانه لما علم فقره و حاجته و عدم استغنائه عن اعانته و مدده في حال من الاحوال كلفهم قبول النفع منه و لما علم انهم لايقدرون علي مايحتاجون اليه من المعونة و النفع منه
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۲ *»
بل لا طريق الي ذلك الا بقبولهم هذا التكليف الخاصّ بهم و لايمكنهم غيره(كلفهم ح ل) كما سمعت و رأيت و هذا التكليف هو طريق قبولهم النفع منه لا غيره و نفعهم محصور في تنعمهم و تلذذهم بمايحبون و مايشتهون لا غير و لما كانوا في انفسهم محتاجين مفتقرين اليه في كل حال لانه غني مطلق و هم فقراء كك و الله الغني و انتم الفقراء وجب لكونهم فقراء مطلقاً ان حصول مطلوبهم في طلبهم فيه(منه خ ل) لا غير و ليس لهم طلب الا القبول منه و لايتحقق القبول النافع الا لأمره و ارادته الموافقين لمحبته و ليس في شيء ممايوافق محبته قبح بوجهما بل كل مايحب حسن لانه تعالي الحق المطلق فاذا لميقبلوا منه مايوافق محبته وجب ان يقبلوا عنه(منه خ ل) مايوافق كراهته اذ لا واسطة بين محبته و كراهته و لا استغناء للمحتاجين عن الاحتياج الي المدد فاذا قبلوا مايوافق كراهته لزمهم مقتضاها و ليس فيما يكره شيء من الحسن بل كله قبح لانه سبحانه لايكره الخير و لا يجب الشر و ليس في شيء من القبيح لذة و لا محبة في ذاته بل هو لذاته خلاف مطلوب النفوس و انما يظهر للغافلين حسنه لغفلتهم عن قبحه مثلاً اذا زني الرجل الغافل عن قبح المناهي بالاجنبيته يتلذذ و يستحسن فعله لغفلته عن قبحه و لو انه تأمل في قبحه(مثل خ ل) ما لو كان الزاني غيره و المزني بها اخته(اوخ ل) ابنته(بنته خ ل) لعرف ما في الزني من القبح و في حسنه لو كان موافقاً لمحبة الله كما لو تزوج ذلك الاجنبي اخته او بنته فاذا قبل المكلف مايوافق كراهته كان بذلك بعيداً من القرب اليه و من الذات الحقيقة بنفس فعله و ليس ضد القرب الذي هو الخير المطلق الا البعد الذي هو الشر فاذا لميقبل منه فوّت علي نفسه النفع فيلزمه ضده الذي هو الضرّ و لايغني بالعذاب الا هذا فهو حين فوت النفع ابداً فاقد له و الفاقد للنفع ابداً واجد(للضرخ ل) لان الممكن مادام موجوداً هو متصف باحدهما لانه اما مقبل متلذذ باقباله الي الخير و اما مدبر متألم بادباره عن الخير الي الشر و لا واسطة بينهما و هو قوله۹ ليس وراء دنياكم هذه بمستعتب و لا دار الاجنة او نار و ليس المراد ان العذاب الذي استحقه العاصي انه لموجب
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۳ *»
عين (غير خ ل) فعله و صادر من عين (غير خ ل) عمله ليقال انه اذا ترك النفع انما ترك حظ نفسه و لا يعاقب علي ذلك كما يقال اذا ترك الاكل لايضرب علي ترك الاكل لانه لميفعل مايستوجب به الضرب(بل نقول خ ل) انه انما جري عليه العذاب من عمله كما لو ترك الاكل الذي لو امر به فانه بسبب ترك الامر بالاكل يؤلمه الجوع الي ان يقتله الا انه يضرب عليه و لكن تركه الصلاح هو الفساد و تركه(ترك خ ل) الراحة هو النصب(التعب خ ل) و ترك الطاعة هو المعصية و ترك النعيم هو العذاب و هكذا فلو قال يا رب اني فوت نفسي(علي خ ل) اهون المطلوبين الي آخره قيل له انت جاهل بدوائك و دائك لانه في الحقيقة ليس الا مطلوب واحد و ضده فاذا تركت الراحة ليس غيرها الا ضدها و هو التعب و لو قال انت تقدر علي ان تعطيني الراحة و ان تركتها قيل له كيف يمكن ان تستريح و انت لاتستريح و نظيره لو كان قريباً منك رجلان فدعوتهما فاقبل شخص و ادبر الآخر فان المقبل اليك المجيب دعوتك البتة يكون قريباً منك فاذا كنت في نور و ليس نور الا عندك كان من اقبل اليك (كان خ ل) قريباً منك و مستنيراً بنورك و المدبر عنك المعرض عن اجابتك البتة يكون بعيداً عنك لانه لميقرب منك فكيف يكون قريباً منك و هو قد بعد عنك و يكون مظلماً لانه لميدخل في النور الذي عندك فلو قال لك انا بعدت عن قربك و لا اريده و لا ادخل نورك و قد فوّت علي نفسي قربك و نورك فلم لاتجعلني قريباً منك من حيث بعدت عنك و داخلاً في نورك من حيث لم ادخل فانك تقول له انا دعوتك الي قربي و نوري فتركتهما فكيف تدخل فيما لمتدخله و انما انت باق في البعد و الظلمة اللذين طلبتهما فهو معذب بماطلب باختياره فافهم.
قال سلمه الله تعالي: الرابعة سلمنا العقاب و جوزنا العذاب فمن اين القول بالدوام و ماالدليل عليه في المقام مع (ان خل) اقسي الناس قلباً و اشدهم غلظة و بعداً عن الخير و الرحمة اذا اخذ من بالغ في الاساءة اليه (التي خل) عذّبه يوماً و شهراً و سنة ثم انه شبع منه و لو بقي مواظباً عليه يلومه كل احد و يقال هب انه بالغ في الاساءة و الاضرار بك و لكن الي متي هذا التعذيب فاما ان
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۴ *»
يقتله و اما ان يخلعه فاذا قبح هذا من الانسان الذي يلتذّ بالانتقام فالغني عن الكل كيف به هذا الدوام مع انه تعالي قال فلايسرف في القتل الآية.
اقول ان الانسان في كل حال من احواله له مثال منه صفة له يعمل عمله من خير او شر في مكان عمله و وقته فكل ما توجهت اليه وجدته قائماً في ذلك الزمان و ذلك المكان بذلك العمل مثلاً انت رأيت زيداً في العام الماضي في بيت مخصوص يزني و بعد شهر رأيته في السوق يسرق و هذه السنة مثلاً رأيته في المسجد يصلّي ففي كل وقت التفت خيالك الي ذلك البيت في ذلك العام الماضي رأيت زيداً يزني و ذلك مثاله لاينفك عن العمل كلما التفت رأيته كذلك و كلما التفت اليه في السوق بعد شهر وجدته يسرق ابداً لاينفك عن هذا الفعل و كلما التفت اليه في المسجد في ذلك الوقت وجدته يصلي ابداً لاينفك عن هذا العمل كلما التفت اليه وجدته كذلك و كذلك حال اكله و شربه و قيامه و قعوده و جميع احواله و حركاته و سكناته كل حال له مثال له مثال له قائم بتلك الصفة ابداً سواء بقي هو عليها ام اعرض عنها ام تاب حياً ام ميتاً و هذه الامثال صفاته لازمة له كلزوم الظل للشاخص مثبتة في هذا اللوح المحفوظ كلما احدث شيئاً كتب فيه قال تعالي انا كنا نستنسخ ماكنتم تعملون فكما كان مثاله ابداً يعمل عمله و كان مثاله هو صفته كذلك يكون هو ابداً متصفاً بذلك و قد قدمنا ان اعمال المكلف صور ثوابه و عقابه كما قال تعالي سيجزيهم وصفهم و قال تعالي و ماتجزون الا ما كنتم تعملون, و ان ليس للانسان الا ما سعي, انما يأكلون في بطونهم ناراً يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون فاذا كان متصفاً بذلك و هو ابداً يعمل المعصية فالمعصية ابداً لاتنتهي كما ان الطاعة ابداً لاتنتهي و انما هي شجرة تؤتي اكلها كل حين فان (و ان خل) تاب عن تلك المعصية توبة نصوحاً بقي ذلك المثال يعمل المعصية الي يوم القيمة ثم يمحي من ذلك اللوح و تنسي ذكره الملئكة من السماء الثانية و يمحي من تلك البقعة التي عمل فيها و من ذلك الوقت فلايذكره احد ابداً.
فان قلت ان قولك كلما توجهت اليه وجدته
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۵ *»
عاملاً بالمعصية لايدل علي دعويك لان ذلك انما هو شيء في التصور و انت تدعي وجوده في الخارج و اين ما في الذهن مما في الخارج.
قلت انما تتصور بذهنك الصورة و هي ظل للخارجي لان الذي في ذهنك لايخلو اما ان يكون ظلاً او يكون ذاتاً فلو كان ذاتاً لزم ان يكون ذهنك فيه البلدان و الاشخاص بذواتها و لميقل به احد و لايتوهمه عاقل و اذا كان ظلاً لزم ان يكون لشيء خارجي و يجب ان يكون موجوداً خارج الذهن و ليس الا مثال زيد و لهذا اذا اردت ان تذكر مثاله و تراه بخيالك لايمكنك ذلك الاّ ان تلتفت الي زمانه و مكانه بل لو عمل يوم الجمعة في المسجد لمتره و لا تراه الاّ اذا التفت الي المسجد يوم الجمعة و كون العاصي متّصفاً ابداً بذلك المثال و ان ذلك المثال ابداً يفعل المعصية هو المشار اليه بما روي عنهم: انما خلّد اهل النار في النار بنياتهم و السرّ في كون النية علة للخلود هو اهل النار في الدنيا كانت نياتهم انهم ابداً لا يطيعون اللّه فلما كانت نياتهم كذلك دلّت علي ان حقايقهم لميكن في اصل تكونها شيء مقتض للخيرات و الاّ لبدا عنه ميلما و لو بالتسويف الي جهة الخير فلا ينبعث النية علي المعصية بالتأييد لان الدواعي و الميول الخالصة لاتنبعث خالصة ابداً عن الحقايق المشوبة فاذا كانت حقائقهم هكذا لميكن فيها جهة قبول ما هو خلاف ما هي عليه في حدّ ذاتها فلميجري عليها الاّ ما قبلته بمقتضي ذواتها باعمالها الظاهرة و الباطنة و منها النية لانها الباعث علي العمل و لكن اعمارهم ما وفت بما عزموا عليه و لو عاشوا ابدا الآبدين ما هموا بطاعة اللّه ابداً حتي انهم يندمون علي تفريطهم و لا يعزمون علي التلافي كما حكي اللّه عنهم في قوله و لو تري اذ وقفوا علي النار فقالوا يا ليتنا نرد و لا نكذّب بايات ربنا و نكون من المؤمنين فكذبهم اللّه تعالي لعلمه بما عزموا عليه فقال بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل فانهم كانوا يتبرؤون من التقصير فلما ظهر للناس انهم قصروا ظهروا لهم الاعتذار حياء لا ندماً علي تقصيرهم فقال تعالي و لو ردوا لعاوا لما نهوا عنه و انهم لكاذبون اخبر تعالي عن نياتهم و استدامتها ابداً فلهذا اقامها (اقامهم خل) مقام اعمالهم بالمعاصي لانهم لميمنعهم من
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۶ *»
معاصي اللّه الاّ عدم التمكن منها او الموت مع العزم عليها و لو جاز تنعيمهم و الحال هذه لجاز خلاف الاستحقاق و خلاف القابلية و خلاف الحكمة و لو حسن هذا لجاز تعذيب الطبايع و لو جاز ذلك لبطلت فائدة التكليف و لو جاز هذا لم يحسن ايجادهم لان فائدة الايجاد هي المعرفة و العبادة المتوفقين علي التكليف ليصل المكلف بهما الي الخيرات و التنعيم الدائم فهذا من الادلة المثبتة لدوام العذاب عند اولي الالباب.
و منها ان اللّه سبحانه لم يخلق شيئاً الاّ و خلق له ضداً ليعلم (الا ضد له خل) فلما خلق الرحمة وجب في الحكمة ان يخلق ضدها فخلق الغضب و هو ضد الرحمة و هما ركنان للوجود و خلق من الرحمة اهل الجنة و خلق من الغضب اهل النار و المراد من هذا الخلق هو الخلق الثاني الذي هو خلق التقدير و فيه السعادة و الشقاوة لا الخلق الاول الذي اشار اليه تعالي بقوله كان الناس امة واحدة و هو خلق مواد الخلق اي ايجادهم تامين في الخلقة الظاهرة ناقصين في الخلقة الباطنة يعني خلقهم خلق الايجاد و لميخلقهم خلق التكليف الاّ انهم كانوا صالحين لقبول الخير و الشر فبعث اللّه النبيين مبشرين و منذرين و هذا خلق التقدير و التكليف و به السعادة و الشقاوة و المراد من (و معني خل) خلق السعداء من الرحمة و الاشقياء من الغضب انه خلق الفريقين موادهما من الوجود في الخلق الاول كل منهما صالح لقبول الخير من جهة وجوده و لقبول الشر من جهة ماهيته فقال لهم الست بربكم من اجاب دعوتي و آمن بي خلقت صورته من جنس اجابتي و الايمان بي و هو الرحمة و يكون بذلك مآله الي جنتي و رحمتي و من اعرض عني و كفر بي( اعرض عن دعوتي و لم يؤمن بي خلقت صورته من جنس الاعراض عني و الكفر خل) و هو الغضب و يكون بذلك مآله الي ناري و غضبي فمنهم من اجاب خلقه من الرحمة و اليها يعود و من انكر خلقه من الغضب و اليه يعود فاجري علي كل (كل اهل خل) اصل فروعه و فروع كل من الاصلين لانهاية لها فصورة الرحمة خلقها لمن اطاعه باجابته و الي الرحمة يعود و من فروعها الجنة و نعيمها الدائم الذي لا انقطاع له بل كلما تطاولت الدهور عليهم ازدادوا نعيماً و لذة و جدة و
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۷ *»
شباباً و عكسها صورة الغضب خلقها لمن عصاه بمعصيته و عدم قبوله لدعوته و الي الغضب يعود و من فروعها النار و حميمها الأليم و عذابها الذي لا انقطاع له بل كلما تطاولت الدهور عليهم ازدادوا تألما و عذاباً و ضعفاً علي عكس الجنة و اهلها و لهم عذاب مقيم فكما ان اهل الجنة دائماً يأكلون و يتلذذون من ثمرات اعمالهم كذلك اهل النار يتألمون من طلع اعمالهم فانهم لآكلون فيها (منها خل) البطون ثم ان لهم عليها لشوباً من الحميم (حميم خل) ثم ان مرجعهم لالي الجحيم استجير باللّه من غضب اللّه.
و منها انه قد دلّ العقل و النقل و اجماع المسلمين علي ان اهل الجنة ابداً يتنعمون و ان نعيمهم لا انقطاع له و قد دل العقل و النقل علي ان النار عكس الجنة و ضدها و ان جميع ما فيها ضد ما في الجنة و قد ثبتت ان الجنة لاينقطع نعيمها و تنعم اهلها فيجب ان تكون النار لاينقطع عذابها و تألم اهلها لانها ضد (ظل خل) الجنة فكيف يصحّ ان ينتهي الظل و ذو الظل لاينتهي و لا شك ان تألم اهلها ظل لتنعم اهل الجنة لان التنعم فرع الجنة و التألم فرع النار و هي ضدها و ظلها و هذه التي سمعت من الادلة العقلية و لكنها من دليل الحكمة الذي ينظر به الفؤاد و اما الادلة النقلية فالآيات و الروايات ناطقة بذلك كقوله تعالي كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب و قوله تعالي لايقضي عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها و الاحاديث مشحونة بذلك و اجماع العلماء من الفريقين علي ذلك معلوم لاينكر و لايجهل.
و دعوي ان اهل النار يؤول امرهم الي النعيم باطلة فان هؤلاء المتصوفة اعداء اهل البيت: هم القائلون بذلك لما قال اهل العصمة: بدوام التألم لاهل النار و اولئك همهم الخلاف لاهل العصمة: (الحق: خل) ليتقربوا بذلك الي ائمة الجور فجري فيهم قول النبي۹ كما رواه الفريقان لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة الحديث و ذلك ان اليهود قالوا لن تمسنا النار الاّ اياماً معدودة و قال بعضهم الاّ اياماً معدودات و نظيرهم في هذا الامر القائلون بانقطاع العذاب عن الكافر و ان مرادهم يؤول الي النعيم و به قال مميت الدين
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۸ *»
ابن عربي و تبعه جهال من اهل هذه المذهب في صورة العلماء و تكلفوا تأويل القرآن و النصوص و صرفوا القول عن مفهومه حرفوا الكلم عن مواضعه حتي وقعوا في مهلكة غفلة بان جعلوا محكمات الكتاب و نصوص اهل الخصوص تابعاً لرأي اهل الضلالة كابن عربي و عبد الكريم الجيلاني و هم لايعلمون و لو قلدوا ائمتهم و ردوا الامر اليهم لكان خيراً لهم و اقوم.
قال سلمه اللّه تعالي: ان العبد هب عصي طول عمره (فاين عمره خل) من الابد فيكون العذاب المؤبد ظلماً تعالي اللّه عن ذلك مع ان التجاوز عن الوعيد مستحسن فيما بين الناس.
اقول قد تقدم جواب اول هذا السؤال بانه انما عذب ابداً علي نيته و عزمه القاطع انه يعصي ابداً و انما منعه عن (من خل) عمل المعاصي ابد الآبدين بالجوارح عدم (لعدم خل) تمكنه و معاجلة الاجل و لانه لو انقطع عنه العذاب لايخلو اما الاّ يكون موجوداً و ليس في الآخرة عدم و اما ان ينعم و قد تقدم ان حقيقته لايقتضي النعيم و لايحسن العبث من الحكيم الذي لايفعل الاّ عن حكمة و لو وضع الاشياء في غير موضعها لكان ظلماً للحكمة و يكون فاعل ذلك ضعيفاً كما قال۷ و انما يحتاج الي الظلم الضعيف فيكون تعذيبه لهذا المنافق بالعذاب المؤبد عدلاً ان اللّه لايظلم الناس شيئاً و لكن الناس انفسهم يظلمون.
و اما ما احتج به الصوفية فيه من ان التجاوز عن الوعيد مستحسن لانه عفو و من كرم النفوس و من اولي في (من خل) كرم النفس من اللّه تعالي و لانه مدح اقواماً يعفون عمن يستحق العقوبة و سمّاهم محسنين كما قال تعالي و العافين عن الناس و اللّه يحب المحسنين.
فليس بصحيح اما الاول(اولاً خل) فلان الوعيد اذا كان لمن لايحسن العفو عنهم فانه وعد من جهة و ذلك لان ذلك الانتقام قصاص لمظلومين في الدنيا و هو و ان كان وعيداً بالنسبة من المقتص منه لكنه وعد بالنسبة الي المقتص له لانه في مقابلة مظلمته و لو ان للذين ظلموا ما في الارض لافتدوا به و لهذا سماه اللّه وعداً قال تعالي و يستعجلونك بالعذاب و لن يخلف اللّه وعده و اذا كان وعد الاخرين لايجوز في الحكمة العفو عنه لان فيه
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۸۹ *»
ابطال حق الغير مع ما فيه مما يلزم عليه مما ينافي المصلحة.
و اما ثانياً فلان العفو عن الوعيد لايحسن الاّ عمن يصلح للاحسان اليه و الاّ لما جاز مطلق العدل و الحساب لانه ينافي العفو و اذا فتح جواز هذا الباب بطل حكم التكاليف(التكليف خل) و لان من عفي عنه لايبقي واقفاً بل لابد من الاحسان اليه و من لا يصلح للاحسان اليه كيف يصح الاحسان اليه و هذا مع ملاحظة ماتقدم.
و اما ثالثاً فلان العفو عن الوعيد اذا كان احسن من القصاص فهل (هذا خل) الحسن مطلق او انه مقيد فان كان مقيداً فنحن نقول بموجبه لان بعض من يحسن الاحسان اليه يعفي عنه لامطلقاً و ان كان مطلقاً ففيه بحث و هو ان نقول اما ان يكون المراد بالاطلاق انه يحسن العفو عن كل احد او انه يحسن العفو عن كل ذنب فان كان المراد به الاول لزم منه ماقلنا من بطلان فائدة التكليف و ان (فان خل) كان الثاني فنقول لم لايكون العفو المستحسن انما هو عن البعض دون الكل فان قلت يجوز ان يكون المراد به العفو عن البعض قلنا فيه شيئان الاول ترجيح البعض دون البعض الآخر ترجيح بلامرجح اذ نسبة الذنوب كلها الي عفوه (متساوية خل) لغناه المطلق علي السواء فلايكون المراد به بعضاً دون بعض و ان سلمنا انه عن بعض دون بعض فنقول المعفو (العفو خل) عنه هو الصغائر ام الكبائر فان كان هو الصغائر لزم ماقلنا سابقاً من لزوم الدوام اذ (او خل) العفو عن الصغائر خاصة كلا عفو لانه لايترتب عليها عذاب يلزم منه الدوام ليكون المعفو (العفو خل) عنه ناطقاً (قاطعاً خل) عن الدوام و ان كان عن الكبائر (قلنا ان العفو عن الكبائر خل) مكفراً للصغائر فيكون العفو عن الكبائر عفواً عن الكل و هو خلاف المفروض مع مافيه من خلاف الحكمة فان العفو اذا كان تدريجياً يجب علي مقتضي الحكمة ان يكون الابتداء بالصغائر و كون العفو عن الكبائر دون الصغائر يستلزم تأخر الصغائر و هو مخالف للحكمة.
و ان قلت ان العفو المستحسن انما هو عن الكل لان التمدح بالعفو عن الكل اكمل و اولي بالغني المطلق و الكريم الذي لايتلذذ بالانتقام و لاتستفزه الاحوال.
قلنا الامر في حقه تعالي كما قال و فوق مانقول و يقول القايلون و لكن
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۹۰ *»
يلزمك ان تقول انه يعفو عن كل احد و لايؤاخذه (لايؤاخذ خل) عن ذنب فكيف قلت انه يعذبهم مدة من الاوقات و يتألمون من ابتداء دخولهم فلم جاز ان يعذبهم و لايعفو عنهم ابتداء لان العفو عنهم ابتداء ابلغ في التمدح بالعفو عنهم بعد تطاول الدهور و لان يعفو عن ابليس و يدخله الجنة ابلغ من ذلك فكيف حكمت انه يعذبهم ابتداء ثم يتمدّح بالعفو عنهم فان كان ذلك عن ذنوب يعفو عنها فنقول انه تعالي قد حكم الاّ يعفو عنهم قال تعالي ان اللّه لايغفر ان يشرك به و ان كان انما عقاب ذنوبهم قد انتفي (انتهي خل) فينبغي ان يقال انه يخرجهم من النار و يدخلهم الجنة و الاّ لكانوا مظلومين و هو خلاف الحكمة.
فان قلت انما الحكمة ان ترتفع عنهم التألم و يتنعمون بالعذاب .
قلنا لو خيّروا ان يخرجوا من النار و يدخلون الجنة هل يرضون بذلك ام يقولون نعيم النار خير لنا و لا شك انهم يختارون الجنة و ليس ذلك الاّ بعدم النقم (لعدم النعم خل) و لو بالنسبة علي قولكم ثم نقول اذا كانت الجنة خيراً لهم و قد فرض ان لاذنب عليهم فلم لايخرجهم من النار و يدخلهم الجنة و هي خير من النار فان كان لاجل انه حكم انه حرم عليهم الجنة قلنا ان كان منعهم من الجنة لحكمه عليهم بذلك و يكون حكمه هو المانع قلنا بما استحقوا ذلك بدون تقصير فكيف يحكم عليهم من غير استحقاق فان كان حكمه جري علي مقتضي الحكمة مع انهم لاذنب عليهم كذلك حكم بانهم ابداً يتألمون جار علي مقتضي الحكمة و ان كان هو الموجب لتألمهم و ان كان ان حكمه لايجري علي مقتضي الحكمة الاّ اذا كان (كانوا خل) مستحقين كذلك نقول انما جري حكمه عليهم بتألمهم لانهم كانوا مستحقين بسبب ذنوبهم و ذنوبهم انما كانت غير متناهية لان نياتهم كانت غير متناهية في التصميم و العزم الجازم علي العصيان و انما قامت النيات مقام الاعمال لانها ميل ذواتهم الذاتي الي ما هم عليه من العصيان و من ادلتهم علي انقطاع التألم ان اللّه تعالي قال و رحمتي وسعت كل شيء و لا ريب ان الكافر شيء فتسعه الرحمة و الجواب ان الرحمة الواسعة هي الفضل و العدل بخلاف الرحمة المكتوبة فانها فضل خاص (خالص خل) و لهذا قال تعالي فساكتبها
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۹۱ *»
للذين يتقون الاية و هو الصفة (هي الصفة خل) الرحيم الخاصة بالمؤمنين و كان بالمؤمنين رحيماً فالرحمة (و الرحمة خل) الواسعة صفة الرحمن و هو اسم خاص بصفة عامة و معني عموم صفته انها تشمل المؤمنين و الكافرين في الدنيا او في الدنيا و الآخرة و علي الرواية الاخيرة ان رحمته تشمل المؤمن بجهة الفضل و الكافر بجهة العدل و لو كان المراد بالرحمة الواسعة هي جهة الفضل خاصة لكان يلزم احد الامرين (امرين خل) اما لاتشمل كل شيء لانها لاتشمل الكفار اول دخولهم النار فلاتسع كل شيء فيبطل استدلالهم او تشملهم فلايتألمون ابداً و لميقل به احد من المسلمين.
و امثال ذلك مما لافائدة في ذكره لانه مخالفة العقل (للعقل خل) و النقل و التأويل للنقل هنا باطل للاجماع علي الصحيح (تصحيح خل) ظاهره و اما العقل فلايتوهمون ان دعويهم مطابقة للعقل غلط لان هذا الذي ذكروه ليس بعقل اذ شرط العقل المسموع اذ لايخالف المطبوع لان المسموع قد يكون مكتسباً من مذهب قلد فيه او اعتقاد اعتادت نفسه له و انست به و المطبوع فطرة اللّه و هي حق و الي هذا اشار اميرالمؤمنين۷ بقوله:
رأيت العقل عقلين
فمطبوع و مسموع
فلاينفع مسموع
اذا لميك مطبوع
كما لاتنفع الشمس
و ضوء العين ممنوع
و الحاصل تفهم الكلام تعرف الحق من الباطل قال الشاعر:
فهب اني اقول الصبح ليل
ا يعمي الناظرون عن الضياء
قال سلمه اللّه تعالي : و ايضاً ايجاد هذا الموجود المستحق للعذاب الدائم لايخلو عن اشكال فان ذلك الموجود له (له, له خل) ان يقول لموجده حين الذم
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۹۲ *»
و العقاب انا ما كنت راضياً بالوجود فلم اوجدتني و ابتليتني بهذا البلاء العظيم مع علمك بان ذاتي كذلك و ليس عدم رضائي من سفاهتي و قلة عقلي بل كل العقلاء يؤثرون العدم علي مثل هذا الوجود المبتلي بالعقاب دائماً و لميتخلّص من العذاب ابداً.
اقول ليس لهذا الموجود ان يقول هذا القول لانه انما اوجده باختياره و رضاه بعد ان بين له مايؤول امر الطائع و العاصي بالدليل الذي يفهمه بذوقه فهماً قطعياً حتي انه لو علم منه ان عقله ماذاق ازيد (ما اريد خل) منه بقي ملهياً عنه حتي يكون يوم القيمة و يجدد له التكليف كما قال اللّه تعالي و ما كان اللّه ليضلّ قوماً بعد اذ هديهم حتي يبين لهم مايتقون و لهذا قال لهم الست بربكم حتي انه خاطبهم بالاستفهام التقريري الدال علي اقرار المخاطب بالمذكور و علمه به و رضاه بذلك الاقرار بما سئل عنه كما تقول لمن تريد منه الاقرار لك بانك الذي اعطيته دراهم الست بالذي اعطاك دراهم فيقول بلي فاذا تأملت هذا الكلام ظهر لك انه راض بذلك الاقرار و لما اقروا بذلك قال للملائكة اشهدوا يا ملائكتي قالوا شهدنا كراهة ان تقولوا انا كنا عن هذا غافلين فكيف يقول ما كنت راضياً بالوجود مع انه هو الذي دخل في البلاء العظيم باختياره فان اللّه تعالي مثلاً قال لعمرو لا تأكل دينار هذا اليتيم فان من أكل مال اليتيم انما يأكل في بطنه ناراً فبعد ان عرفه ذلك حتي علم به يقيناً و اشتهي طعاماً لايموت بدونه (بدون خل) اخذ دينار اليتيم فاكله فاذا كان يوم القيمة اتي به فاطعم ذلك الدينار ناراً في بطنه يطهر (يصهره خل) فاذا كان اشتدّ به الامر قال يا رب ما كنت راضياً بوجودي في الدنيا حتي لا آكل دينار اليتيم و لا شك انه لو رجع في الدنيا و اشتهي شهوة و لم يجد الا ذلك الدينار لاخذه و هكذا فهذا انما يقول ما كنت راضياً بالوجود و اذا وقف علي النار و لو ردّ و سأل ربه الوجود.
و اما قوله مع علمك بان ذاتي كذلك فغلظ لان اللّه تعالي انما علم قبح ذاته بمعصيته و لو اطاع لعلم حسن ذاته (لان ذاته خل) ليست شيئاً قبل الايجاد ليعلمها انه (انها خل) قبيحة فيكون قد خلق ما كان شقياً ليشقيه بل ما كانت شيئاً فلما خلق كونها
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۹۳ *»
و غيبها جعل ذاتاً صالحة للشر للتمكن (لتتمكن خل) من قبول الخير فانه لو جعلها متمكنة من الخير و لم تكن متمكنة من الشر (الخير خل) اذ شرط التمكن من الخير التمكن من الشر لانه اذا ترك الشر باختياره و هو قادر علي فعل الخير كان فاعلاً للخير باختياره (باختياره و لو لم يتمكن من الشر كانت فاعلاً بغير اختياره فلا يكون فاعلاً باختياره خل) فلايسعه بفعله للخير لانه لايمكنه تركه فلما جعل ذاته صالحة للخير و للشر عرّفه طريق الخير الموصل للسعادة و طريق الشر الموصل للشقاوة و اخبره ان طريق الخير هو الاجابة و طريق الشر هو الانكار فبعد ابلاء الاعذار امره فانكر و ترك امره باختياره و حقّت عليه الكلمة بعمله و كيف يقول مع علمك بان ذاتي هكذا انما كانت ذاته كذلك بعمله باختياره.
و اما قوله و ليس عدم رضائي هذا من سفاهتي و قلة عقلي الخ, غلط و مغالطة بل من سفاهته و قلة عقله لانه بعد ان فعل مايوجب العذاب الاليم الدائم باختياره و عمله (علمه خل) البتة يكون عدمه اخف علي نفسه من بقائه في هذا البلاء و لكنه هو التي (الذي خل) ادخل نفسه في حلول (طول خل) البقاء و عظيم الشقاء فلم لميطع و هو سالم كما قال تعالي يوم يكشف عن ساق و يدعون الي السجود فلايستطيعون خاشعة ابصارهم ترهقهم ذلة و قد كانوا يدعون الي السجود و هم سالمون و العاقل انما يجوّز هذا القول لمن اوجد بغير اختياره و بغير طلبه ثم لميكن اختيار ينصرف به عن المهالك و اما من طلب بفقره ان يغنيه الغني سبحانه ثم انه اعطاه مايوصله الي سعادة الابد و امره بما فيه نجاته و بيّن كيفية السلوك اليه و خلده (حذره خل) من موارد الهلكة ثم بين له ان الفضل ليس له قبول الاّ بالعمل الصالح و هو كذا و كذا و لااعطيه بدونه اذ لا ربط له بك الاّ العمل الصالح و ان النعيم لايحصل الاّ بذلك و ان العدل الذي يكون موصلاً الي البلاء العظيم و العذاب الأليم ليس له قبول الاّ بالعمل الطالح (الصالح خل) و هو كذا( كذا و كذا خل) و لا اجريه الاّ به و لا ادفعه مع وجود سببه لئلا تبطل حكمتي و عدلي فاكون ظالماً و لايظلم الاّ المحتاج العاجز فانه لايجوّز احد من العقلاء له الاعتراض كما قال تعالي الم تكن آياتي تتلي عليكم فكنتم بها
«* جوامع الکلم جلد ۹ صفحه ۶۹۴ *»
تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا و كنا قوما ضالين الآيات, و هو ظاهر و الحمدللّه رب العالمين. ( و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين كتبه احمد بن زين الدين الاحسائي في السنة السابعة و العشرين بعد المأتين و الالف حامداً مصلياً مستغفراً خل)
[۱] قال ارادة العبد المنبعثة من العلم و الداعي لا يخلو اما ان تكون واجبة او ممكنة فعلي الاول يلزم الجبر و علي الثانية ننقل الكلام الي علة الرجحان في نفسها اي في نفس الارادة و هكذا فاما ان ينتهي الي التسلسل او الي الواجب فيلزم ما لزم في الشيء الاول فينافي الاختيار . ( نقل هذا السؤال من نسخة ۲۶ خ و لم يكن من ساير النسخ ).