الرسالة الزنجیة
فی حقیقة کاف لیس کمثله شیء
من مصنفات الشيخ الاجل الاوحد المرحوم
الشيخ احمد بن زينالدين الاحسائي اعلي الله مقامه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 52 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
اما بعد فيقول العبد المسكين احمد بن زين الدين الاحسائي انه قد وقع بحث طويل بين الشيخ الارشد الشيخ احمد بن المقدس الممجد الشيخ محمد آل ماجد الاوالي و بين السيد السند السيد عبد الصمد بن السيد العلي السيد علي بن السيد احمد الزنجي الاوالي امدّهما اللّه سبحانه بمدد هدايته و رعاهما بعين عنايته في قوله تعالي ليس كمثله شيء و هو السميع العليم بان الكاف في كمثله زائدة او ليست بزائدة و هل يلزم من ذلك اثبات المثل و نفي الواجب علي تقدير اصلية الكاف اذ ليس مثل المثل يلزم ان يكون سبحانه مثلاً لمثله مع مافيه من قبح ثبوت المثل و الكل باطل فسلك الشيخ احمد في بحثه طريقة التأويل و سلك السيد عبد الصمد طريقة الظاهر فاختلفا لاختلاف الطريقين و تباعد المسلكين الي ان بلغ الحال بينهما ان قال السيد المذكور للشيخ احمد حرر ماعندك و ذلك بعد كلام طويل و لعمري ان هذا نزاع مستغني عنه سيما مع اختلاف الارادتين مع ان كلاً منهما مصيب في مسلكه كل بحسبه فكتب الشيخ احمد له بعض الالفاظ مشيراً الي بعض ما قال علي سبيل الاشارة و اختصار العبارة فوقع ذلك في يدي فاحببت بيان مرامه فيما ذكر صريحاً و ذكره بعض تمامه ممالوح فيه و لميصرح به جهراً و اجعل كلامه متناً و بياني كالشرح.
قال سدد اللّه موصول احواله و بلغه حصول آماله في مبدئه و مآله امرت سيدنا باناحرر لجنابك مافهمته بحسبه جهدي الذي تفضل اللّه به في معني الآية ليس كمثله شيء.
اقول المراد بمعني الآية هنا مايتحصل من معني الكاف علي تقدير صلتها او اصليتها.
قال ايده اللّه تعالي: الله شأنه اجل و ارفع من انيكون له شريك و
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 53 *»
مثل و ذلك لانه محيط بالاشياء و العقول دخلت في الشيئية و الفرض و الاعتبار بالعقل.
اقول اخذ سلمه اللّه يقرر وحدة الحق سبحانه بان الشريك لايمكن الاشارة اليه في الذهن و لا في الخارج باي( باي جهة خ ل) من جهات الذكر الوجودية او الاعتبارية اذ ليس شيء من ذلك يخلو من الحق سبحانه سواء كان خارجاً او ذهناً او فرضاً اعتباراً او غيره فلامحل للشريك و المثل و لا قرار له نعم لماكان مقام الكثرة له التعدد ظهر فيه من جهة الدواعي العرضية الوهمية مع القطع عن الوحدة حال سلوك تلك الدواعي تجويز الشريك او توهمه او ظنه العرضي فانزل اللّه سبحانه لذلك و ازالته من الاوهام لا اله الاّ اللّه و لا شريك له فليس النفي فرعاً علي الثبوت كماتوهم بل لان الاوهام لمااغبرت في مقام الكثرة و التعدد فاتي بالنفي مكنسة لغبار الاوهام و لهذا قال علي7 لكميل محو الموهوم و صحو المعلوم و معني كلام العلماء في كثير من عباراتهم حيث يقولون اثبات الصانع انيمحو (يمحي خ ل)ما في الاوهام الجهال من الغبار المذكور لتخلص فيها الوحدة للّه سبحانه كماخلصت له في نفس الامر.
و قوله سلمه اللّه لانه محيط بالاشياء يشير الي ماقلنا من انه سبحانه لايخ منه مكان و لا نحو من الانحاء فاينما تولوا فثم وجه اللّه لا في الخارج و لا في الاذهان و لا في الاعتبار و الفرض كما لايجوز (لا يحويه خ ل) شيء من ذلك كذلك.
و قوله سلمه اللّه و العقول دخلت في الشيئية الخ يريد به انه جل و علا خالق كل و كل شيء انما كان شيئاً باللّه كما قال علي7 في خطبة يوم الغدير اذ كان الشيء من مشيته فان فرض للشريك بكل فرض شيئية (شيئية خ ل) فانما هي باللّه فيكون كان المفروض من الخلق فلايكون شريكاً بل عبد داخر ذليل قال تعالي ان الذين تدعون من دون اللّه عباد امثالكم فلميبق نحو و لا مكان يفرض فيه للشريك ذكر و لا حال من الاحوال الاّ بالنفي علي ماذكرنا سابقاً كانتقول لاشريك له و لا اله الاّ اللّه.
قال سلمه اللّه تعالي ففرض الشريك و اعتبار المثل لا معني لذلك لانه
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 54 *»
لايتحقق المثل الاّ بالاحاطه بالممثل و ذلك محال و كذلك الشريك لايمكن فرضه اذ الباري جل و علا مبدء لكل شيء.
اقول قوله ففرض الشريك الخ استدلال آخر علي بطلان الشريك و بطلان فرضه بنحو آخر غير الاول و تقريره ان الشريك انما يكون بتحقق المشاركة المساوية للمشارك فيما شاركه و لو في جهة واحدة من الجهات و كذلك المثل كقولك زيد كالاسد لو لم يشابهه في الشجاعة و لو بجهة من جهاتها لمتقل هو كالاسد و المشاركة و المشابهة في اربع مراتب:
الاول (الاولي) في الذات بانيكون كل منهما قائماً بذاته صمداً (قائم بذاته صمد خ ل )لامدخل فيه و يكون مبدأ لكل ماسواه و كل ماسواه مستند اليه و قائم به.
الثانية في الصفات بانيكون كل منهما في حياته و علمه و قدرته و سمعه و بصره لا نهاية له و لاغاية و لا مغايرة بين تلك الصفة و تلك الذات الاّ بالفرض و الاعتبار لاجل التعبير و التفهيم و لاجل المسئلة و باعتبار تعلقها متعلقاتها عند وجودها.
الثالثة في الافعال بانيخلق كل منهما الاشياء المختلفة و المباينة و المتضادة بفيض واحد بسيط بجهة واحدة به تتجنس الاجناس و تتنوع الانواع و تتشخص الاشخاص مع اختلاف الكل بالكلمة المتحدة فيكون بها كل شيء من صنعه علي حسب قابليته و استعداده بلاتكلف و لالغوب كما قال سبحانه و ماامرنا الاّ واحدة كلمح بالبصر, ماخلقكم و لابعثكم الاّ كنفس واحدة.
الرابعة في عبادته بانيكون كل منهما يستحق العبادة كماينبغي اعني لاتنبغي العبادة الاّ له فلا رادّ لقضائه و لامعقب لحكمه و اليه يأله كل شيء بمادل علي نفسه و علم من عبادته و تعرف للدلالة عليه و لا ريب ان المشارك في احد هذه المراتب مثلاً محيط بالمشارك الآخر و كذلك المماثل اذ من شرط تحقق كل مرتبة للمتصف بها الوحدة الذاتية كما هو صريح كلامنا في المراتب الاربع و الي ماذكرنا الاشارة بقوله تعالي اذاً لذهب كل اله بما خلق و لعلا بعضهم علي بعض.
قال سلمه الله تعالي فاذا تحقق هذا فالكاف للتشبيه و ليس للنفي المحض و الشبه كماعلمت لايلزم منه مطابقة المشبه به.
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 55 *»
اقول اراد بقوله الكاف للتشبيه ان الكاف ليست صلةً يعني زائدة فان بعضهم انما حكم بكونها زائدة لئلايلزم من ذلك ثبوت المثل و المراد من الآية نفي المثل و لئلايلزم نفي الباري سبحانه و المراد من الآية ثبوته بنفي ماسواه فنقول علي قول ذلك القائل ان الكاف للتشبيه ليست زائدة و لايلزم منه محذور اما اولاً فلان ثبوت المثل علي المعني الصحيح عند اهل العرفان هو حقيقة التوحيد و المراد بذلك المثل الصفة فان صفة الشيء مثله بل لايعرف الشيء الاّ بصفته التي هي مثله كما وردت الاشارة الي ذلك في الادعية و الاخبار عن الائمة الاطهار: اسئلك باسمائك الحسني و امثالك العليا.
لايقال ان المراد بالامثال جمع مثل بفتح الميم و الثاء المثلثة و هذا غير المدعي لانا نقول ان المراد بالمثل بكسر الميم و سكون المثلثة عندنا هو المراد بالتحريك اذ الاول معناه الثاني و الثاني معناه الاول و شرح هذا البيان حتي يتحقق عند اهل الغباوة يحتاج الي تطويل كلام و خروج عن مقتضي المقام و اما بيان ذلك عند اولي الافئدة فظاهر لديهم و اما من اتبع هديهم فدليل ذلك قوله تعالي و لما ضرب بن مريم مثلاً و قوله تعالي و له المثل الاعلي في السموات و الارض و هو العزيز الحكيم.
و المراد بهذا (بهذا المثل خ ل) بالتحريك كما هو ظاهر جهة التمثيل و التشبيه الذي هو معني المثل بكسر الميم و سكون المثلثة و علي كل تقدير فالمراد به الصفة اذ لا شك ان الصفة فيما يراد منها من جهة الموصوف مثل الموصوف فيما يراد منه من جهة الصفة و الاّ لمتكن الصفة صفة و الموصوف موصوفاً فصح بهذا المعني ثبوت المثل و صح نفي مثل ذلك المثل فلاتكون الكاف زائدة و لايلزم من نفي مثل المثل نفي الذات فانها مثل مثلها كماتوهمه القاصرون لان الموصوف لايصح انيكون صفة لصفته و انما قلنا ان الصفة فيما يراد منها من جهة الموصوف مثل الموصوف فيما يراد منه من جهة الصفة لان مايماثل من الموصوف علة لمايماثل من الصفة و لايصح العكس فلايكون(و لا يكون خ ل) شيء من الموصوف في الحقيقة و الرتبة مساوياً لشيء من الصفة فقولك زيد القائم ضاحك فان القائم هو مثل زيد و هو صفته
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 56 *»
و ليس زيد مثل القائم و لاصفته فافهم فثبت ثبوت المثل و امتنع بسبب ذلك الثبوت نفي الذات و لاينحصر المثل في ذات تماثل المماثل بفتح المثلثة بحيث تماثل الصفة الصفة و الموصوف الموصوف بل المثل اكثر مايرد فيما ذكرنا آنفاً لاسيما في القرآن.
فثبت بمااشرنا ان المثل جار في الصفة و علي ذلك لابأس باصالة الكاف و لايلزم من نفي مثلها نفي الذات لان الذات ليس مثلها بل هي مثل الذات كما ذكرناه مكرراً و قوله ايده اللّه و ليس للنفي المحض يريد به ان النفي ليس وارداً علي ماثبت كماقيل ان النفي فرع الثبوت بل النفي( النفي اللفظي خ ل) وارد علي النفي المعنوي و صورة النفي اللفظي في كونه صورة نفي وارد لنفي ثابت انما جاءت هكذا لان المنفي عدم محض توهم ثبوته فجاء اللفظي مطابقاً له و الاّ فهو في الحقيقة ليس مطلق و نفي محض و لذا قال سلمه اللّه ليس للنفي المحض و قوله ايده اللّه تعالي و الشبه كماعلمت لايلزم منه مطابقة المشبه به يعني انه لاينحصر المثل في ذات تماثل ذاتاً في الصفات بل تحصل المماثلة بين الصفة و الموصوف كما ارنا اليه فراجع.
قال سلمه اللّه تعالي و لماكان اللّه تعالي امراً شخصياً قائماً بذاته واجب الوجود حقيقياً لااعتبارياً فالحقيقة ذات بسيطة لااعتبار فيها و لاكيف و لا لم و لا متي و الاعتبارات كلها في الصفات.
اقول اقول انه يأتي جواب لما في البحث الذي يأتي و قوله امراً شخصياً يريد به احدي المعني لاكثرة فيه و لاتعدد علي اي اعتبار في كل حال لا انه امر شخصي ذو تشخص فتلزمه الحواية و يكون محصوراً محدوداً مخصصاً في الذهن او في الخارج او في الاعتبار كما انه ليس بكلي فتشاركه جرئياته في مقام الجمع و الظهور فيها في الحواية و التحديد و ما هذا حاله لاتقع عليه الصفات لذاته لانه سبحانه كما قال سلمه اللّه ذات بسيطة لااعتبار فيها الي آخر, لان الاعتبار و الكيف و اللم و المتي هي جهات الصفات و مناط جميع الاعتبارات و هو معني قوله سلمه اللّه تعالي و الاعتبارات كلها في الصفات.
ثم قال سلمه اللّه تعالي: و الصفات منها ما هو فعلي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 57 *»
فالانسان مثلاً كذلك و قد خلق اللّه تعالي آدم مثالاً لذلك و ذلك انك تقول ان اللّه سميع و كذلك ابن آدم(ابن آدم و الله بصير و كذلك ابن آدم خ ل) و كذلك في سائر الصفات و لكن سبحانه سميع و لكن اللّه سبحانه ليس(و لكن الله سبحانه سميع و ليس خ ل) بشيء زائد عليه و بصير و ليس بامر زائد عليه و ابن آدم يسمع بآلة و يبصر بآلة و لو كان بدون آلة لكان مثلاً و حيث انه يصدق عليه انه سميع بصير و غير ذلك و لكنه بآلة كان كالمثل فليس نفي لمماثلة ذلك الشيء الذي هو كالمثل هذا ما عندي و اللّه و رسوله اعلم انتهي كلامه اعلي اللّه مقامه.
اقول اعلم (و اعلم خ ل) ان هذا الكلام يستدعي تحقيقه تطويلاً و تقديم مقدمات و لاحاجة داعية الي ذلك فلنشير(فلنشر خ ل) الي بعض مقصوده كما فعلنا سابقاً فقوله و الصفات منها ما هو ذاتي الخ, يريد (يريد به خ ل) من صفاته تعالي او اعم من ذلك و الصفة الذاتية هي التي لاتوصف الذات بضدها لذاتها كالعلم فلاتوصف الذات لذاتها بالعلم و ضده و هو الجهل و اما الصفات الفعلية فهي التي توصف الذات بها لذاتها و بضدها كذلك كالارادة و الكراهة و الرضي و السخط و قوله فالانسان مثلاً كذلك يريد به ان له صفات ذاتية و صفات فعلية و لكنه هو و صفاته مستندة(مستند خ ل) الي الحق و صفاته.
و قوله سلمه اللّه تعالي و قد خلق اللّه تعالي آدم مثالاً لذلك الخ, يريد به ان ذاته في الحقيقة هندسة تلك الهيئات و هيمنة(تلك الهيئة و هيمنته خ ل) تلك الصفات قال اللّه تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق و قال تعالي و في انفسكم افلا تبصرون و فيما ينسب الي علي7:
و انت الكتاب المبين الذي |
باحرفه يظهر المضر |
|
اتحسب انك جرم صغير |
و فيك انطوي العالم الاكبر |
و نقل عن اميرالمؤمنين7 الصورة الانسانية هي اكبر حجة اللّه علي خلقه و هي الكتاب المبين الذي كتبه بيده و هي الهيكل الذي بناه بحكمته و هي
«* جوامع الکلم جلد 9 صفحه 58 *»
مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و هي الشاهد علي كل غائب و هي الحجة علي كل جاحد و هي الصراط المستقيم الي كل خير و هي الصراط الممدود بين الجنة و النار انتهي فذاته آية ذات اللّه و صفاته الذاتية آية صفاته الذاتية و صفاته الافعالية آية الافعالية فما هنا مثل لما هنالك.
و قوله ايده اللّه تعالي و ذلك انك لقول ان اللّه سميع و كذلك ابن آدم (ابن آدم الخ خ ل) تمثيل و تنظير لما قلنا لك ان ماهنا مثل لماهناك فمثل بشيء من ذلك ليستدل بما ذكر علي مالميذكر و هذا ظاهر و قوله و لكن اللّه سبحانه سميع و ليس بشيء زائد عليه الخ, تبيين للوحدة الحقة المطلقة.
و قوله سلمه اللّه و حيث يصدق عليه انه سميع بصير و غير ذلك و لكنه بآلة كان كالمثل يعني انه ليس مثلاً بمعني ذات ذات صفات مماثله لذات ذات صفات ذات كذات و صفات كصفات بل هو مثل مثل يعني صفة كما قدمنا القول فيه.
و قوله سلمه اللّه فليس نفي لمماثلة ذلك الشيء الذي هو كالمثل معناه ان كلمة ليس في الاية الشريفة نفي فليس مبتدء و نفي خبره اي نفي للماثلة صفات الصفة لصفات الموصوف بل نفس الصفة مماثل للموصوف فيما له (لهاخ ل) منه اي في مباديها منه كما اشرنا سابقاً فلايكون لنفس صفته شيء مماثل اذ ليس مثلها شيء غيرها لانه ليس غيرها شيء الاّ صفة الصفة و هي و ان ماثلتها فيما لها منها لاتماثلها علي نحو ماقلنا في الصفة و الموصوف بلافرق فمعني الكلام ليس لصفته مثل و لا نظير و لا مشابه و ان قلنا بان الكاف زائدة كان معني التشبيه منها مؤكداً لمعني المثل و يكون المعني ظاهراً و لسنا بسدد غير ماذكرنا من الاقوال و الاعتراضات و السلام علي من اتبع الهدي و الحمدللّه رب العالمين و فرغ من تسويدها مؤلفها في الليلة الخامسة عشرة من شهر رجب سنة 1212 حامداً مصلياً مسلماً مستغفراً.