رسالة في جواب الاغا علي الرشتي
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد کریم الکرمانی اعلی الله مقامه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 325 *»
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين.
و بعد يقول العبد الاثيم كريم بن ابرهيم انه قد ارسل اليّ صاحب الفطرة السليمة و السجية المستقيمة الزكي الالمعي و الصفي اللوذعي الاغا علي بن المرحوم المبرور الاغا احمد الرشتي سلمه الله و ابقاه و من كل مكروه وقاه بمسائل قد اشكلت عليه و قد وردت علي حين تبلبل البال و اختلال الحال و كثرة الملال من تصادم الجهال و كنت احب ان ترد علي في غير هذا الوقت لعلي اقضي في جوابه الوطر و اجيبه بتدقيق النظر و اجالة الفكر و بسط البيان و تفصيل كل عنوان ولكن القدر سابق علي ارادات الخلق فاكتفي في مثل هذا الاوان بالميسور اذ لايسقط بالمعسور و احيل التفصيل الي ساير كتبنا و الي ذهنه الوقاد و من الله الاستمداد و المرجو منه الافاضة و الامداد و الهداية الي السداد انه كريم جواد.
قال سلمه الله فالاولي اني مؤمل من الجناب الكريم ان ينعم علينا بالانعام العميم بيان المقالة التي وقعت بين الامام الثامن علي بن موسي الرضا عليهما آلاف التحية و الثناء و بين اكبر علماء اليهود المسمي برأس الجالوت حين سأله7 بان قال يا مولاي ما الكفر و الايمان الي آخر سؤاله سلمه الله.
اقول لمار هذا الخبر في كتاب من كتب الاخبار و لماسمع احدا رواه في كتاب ولكنه معروف بين الناس و منسوب الي الرضا7 ولكني وجدت من شيخي و سنادي و من عليه في الدنيا و الاخرة اعتمادي انه قال اني كنت في اول امري كلما رأيت شيئا او سمعته و اشتبه علي رأيت في المنام بيانه بما يطابق الواقع و الحق و الان لماكثرت علي الاشغال و تشتت البال قل ورود ذلك الحال علي الا انه لميرتفع بالكلية و بعد ان كتبت هذه الكلمات في بيان هذا الحديث
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 326 *»
و لمنجده مسندا و انما نقل هكذا رأيت في المنام ان عندي كتابا مجلدا كبيرا في حجمه و ثخنه و كأنه من تأليف المحدثين من اصحاب الائمة: او من يقربون منهم و اذا في بعض استدلالاته كلمات من متن هذا الحديث و يسند روايته الي طلحة بن زيد فلما انتبهت خطر ببالي انه يجوز انه مروي من طريقين احدهما عن طلحة بن زيد عن الصادق7 و الاخر عن الرضا7 و يجوز ان اسناده عن الرضا سهو من الكاتب و الراوي و انما لميترجح عندي في خاطري اختلاف رؤياي لما اطمئنت نفسي اليه من ان ما اجد في المنام من امثال ذلك لايكاد يخالف الواقع و ان كان يجوز اختلافه في هذه المرة انتهي كلامه اعلي الله مقامه و رفع في الخلد اعلامه و صورة الخبر هكذا سأل رأس الجالوت مولينا الرضا7 ما الكفر و الايمان و ما الكفران و ما الشيطانان اللذان كلاهما المرجوان و قد نطق كلام الرحمن بما قلت في سورة الرحمن الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان فلماسمع الرضا7 كلامه لميجب جوابا و نكت باصبعه الارض و اطرق مليا فلما رأي رأس الجالوت سكوته حمله علي عيه و شجعه بسؤال آخر فقال يا رئيس المسلمين ما الواحد المتكثر و المتكثر المتوحد و الموجد الموجد و الجاري المنجمد و الناقص الزايد فلماسمع الرضا7 كلامه و رأي تسويل نفسه له قال يابن ابيه اي شيء تقول و ممن تقول و لمن تقول بينا انت انت صرنا نحن نحن فهذا جواب موجز و اما الجواب المفصل فاقول ان كنت الداري و الحمد لله الباري ان الكفر كفران كفر بالله و كفر بالشيطان و هما الشيئان المقبولان المردودان لاحدهما الجنة و للاخر النيران و هما المتفقان المختلفان و هما المرجوان و نص به القرآن حيث قال مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لايبغيان فباي آلاء ربكما تكذبان و يعلم قولنا من كان من سنخ الانسان و بما قلناه يظهر جواب ما في سؤالاتك و الحمد لله الرحمن و الصلوة علي رسوله المبعوث الي الانس و الجان و لعنة الله علي الشيطان فلماسمع رأس الجالوت كلامه بهت و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 327 *»
نخر و شهق شهقة و قال اشهد ان لا اله الا الله و ان محمدا رسول الله و انك ولي الله و وصي رسوله و معدن علمه حقا حقا انتهي اقول انه قد ذكر شيخنا الاجل الاوحد اعلي الله مقامه في بعض رسائله شرحا مختصرا علي هذا الحديث في خمس قوائم تقريبا صغار و قد سألني عن هذا الحديث ايضا السيد ابوالقاسم من تفت يزد في ايام كنت بيزد في ضمن سؤالات اخر و انا بسطت في جوابه في الجملة و ذكرت بعض مشكلاته و هما متكفلان لما تريد فاطلبهما تجدهما ان شاء الله و لابد ان اشير هنا اشارة الي بعض مطالبه لتفهم المقصود الي ان تصل اليهما فقوله ما الكفر و الايمان اي اللذان يجب الاتصاف بهما و يحسنان من صاحبهما و هما الكفر بالطاغوت و الايمان بالله اشارة الي قوله تعالي و من يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله و قوله و ما الكفران فهما الكفر بالله و الكفر بالطاغوت و قوله ما الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان فهما النفس الامارة التي يرجي اطمينانها و الشيطان المقيض الذي يرجي تسليمه كما روي في النبوي او النفس الناطقة من حيث هي فانها يرجي كفرها كمايأتي و قوله و قد نطق كلام الرحمن الي قوله علمه البيان فان كان الرحمن علم القرآن بدل قوله سورة الرحمن و كان مراده ان الله سبحانه بين الامر في هذه السورة و هو الاولي كمايظهر من جواب الامام7 حيث ذكر قوله سبحانه مرج البحرين الاية استدلالا في المقام فالمراد منه بحر النور و بحر الظلمة اللذان خلق منهما الانسان و كل ممكن مركب منهما و هما المعبر عنهما في الحكمة بجهة الرب و جهة النفس فمقتضيات جهة النفس الكفر و مقتضيات جهة الرب الايمان و هما الكفر و الايمان و هما الكفران لان النور كفر بالظلمة و الظلمة كفر بالنور و هما اي النور و الظلمة من حيث انفسهما الشيطانان اللذان كلاهما مرجوان فالنور و الوجود مرجو للظلمة و الماهية ترجو استحالته اليها و تبعيته لها و الظلمة و الماهية مرجوة للنور و الوجود يرجو اطمينانها تحت حكمه و هما البحران المارجان الملتقيان بينهما برزخ من حفظ الله سبحانه لايبغي احدهما علي الاخر فيهلكه بل دائما هما موجودان معا يمكن ان يصدر من كل واحد مقتضاه و ليسا كالسكنجبين الذي كسر خله سورة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 328 *»
العسل و عسله سورة الخل فلايصدر عنه فعل خل و لا عسل و انما هو امر برزخي و طبع ثالثي يصدر عنه فعل برزخي ثالثي فافهم و يحتمل العبارة ان يراد منها ان حكم هذه المسائل مذكورة في الاية المذكورة في اول السورة فالمراد حينئذ قوله سبحانه خلق الانسان يعني ان الانسان لماخلقه الله سبحانه خلقه من ماء الوجود و النور و طين الماهية و الظلمة كما هو مذكور في القرآن فالمسائل المذكورة كلها في الانسان و انما ذكر كذلك لان الغرض من امثال هذه المسائل الالغاز و التعمية للامتحان و اما سكوت الامام7 في الاول لتشجيعه و استنزاف مكنون سره و جميع سؤالاته فالغز رأس الجالوت علي نحو آخر فقال ما الواحد المتكثر و هو الانسان فانه شخص واحد و نفس واحدة و له اعضاء و مشاعر و قوي و طبايع و مراتب عديدة و كذلك المتكثر الواحد هو الانسان و الموجَد الموجد هو الانسان مخلوق لله سبحانه و هو موجد افعاله و اقواله و آثاره و صفاته و الجاري المنجمد لانه دائم الجريان من سماء الامداد الي ارض الاستمداد و دائم الفيضان لو انقطع طرفة عين لعدم و هو المنجمد تراه علي حال واحد علي حذو قوله سبحانه و تري الجبال تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب و الناقص الزايد هو ايضا الانسان فانه دائم التحلل يتحلل منه ما عنده و يستزيد من الخارج فهذا ظواهر مرادات رأس الجالوت و ما الغز عنه في بيانه و ذكر ان المعبر عنه في تلك السورة و هو الانسان و قد اكتفينا بظواهره فان ما كتبناه سابقا متكفل بتأويله و باطنه و لو نظرت فيما ذكر هنا ايضا انفتح السبيل في الباطن و التأويل و اما قول الامام7 يابن ابيه اما ازراء بشأنه او انك تابع لابيك اي معلمك تقليدا كما قال الله سبحانه انا وجدنا آباءنا علي امة و انا علي آثارهم مقتدون او غير ذلك من الوجوه التي ذكرناها في الرسالة التفتية و اما ان فيه جوابا موجزا فانه اثبت له ابا و يندرج فيه اثبات الام و التولد منهما و انه انسان ففي خطابه له بهذا اللفظ اظهر بالرمز المعني المراد من الغازه انه الانسان و باثبات الاب و الام اثبت ان له ابا هو العقل و اما هي النفس و هما اصل الكفر و الايمان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 329 *»
علي نحو قدمناه و هو الواحد شخصا المتكثر من نطفة ابيه و امه و اعضائه و جوارحه و بالعكس و الموجد من ابيه و الموجد لغيره و الجاري نطفة المنجمد علقة و مضغة و ما بعدها و اما قوله7 اي شيء تقول ففي الظاهر فظاهر و اما بملاحظة كونه جوابا فالمعني انك لو تدبرت في الكلام الذي تتفوه به تجد جواب ما سألت فان كلامك اثرك و اثرك علي طبقك فان الاثر يشابه صفة مؤثره فكلامك هذا مركب من حصة هواء و صورة حرفية فتلك الحصة مادته و وجوده و تلك الحرفية صورته و ماهيته و هما اصل الكفر و الايمان كما بينا و الحرف واحد في الهواء متكثر في الصورة و الموجَد بحركتك الموجِد لشبحه و مثاله في الاسماع و الجاري في الهواء المنجمد في الحرفية و الناقص بالانمحاء في الهواء و الزايد بامدادك و حفظك له فان لمتشاهد خلقة نفسک لتعتبر ما قلت في نفسك فاعتبر في اثرك الذي شاهدت بداهة و اما قوله7 و ممن تقول اي من كل من تقول فانه منا و الينا و ان كنت لاتعرفه انت و اما حصول الجواب منه فمعناه انك ان لمتعتبر من نفسك التي هي اقرب الاشياء اليك و كلامك الذي هو اشبه الاشياء بك فاعتبر من الامور المنفصلة و منها من تقول منه و تستند اليه في علمك و تعتمد عليه فانه انسان و يجري عليه جميع ما ذكرنا في الانسان و كذا لمن تقول فان من تقول له هذه الكلمات فهو ايضا انسان و اما في الظاهر فينبغي للانسان ان يتدبر فيمن يخاطبه و لايجسر علي كل مخاطب بكل خطاب و لربما يندم الانسان اذا سمع الجواب الصواب و اما قوله7 بينا انت انت صرنا نحن نحن فمعناه هذا الذي جري بيني و بينك و كنت اولا منفردا و الان صرت معي يصدق علينا نحن هو ايضا جواب سؤالك فانك كنت كافرا بالله و كنت انا كافرا بالطاغوت فهذان الكفران اللذان سألت عنهما و انت كافر بالله و انا مؤمن به فهذا هو الكفر و الايمان المسئول عنهما و الشيطانان المرجوان شيطانك الكافر ارجو ايمانه و شيطاني المسلم ترجو ان تغلبه و تعيده الي الكفر و لايكون و الشيطان المسلم هو المشار اليه في النبوي حيث قال9 لكل نفس شيطان قيل و انت يا رسول الله فقال نعم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 330 *»
ولكن اسلم و في رواية ولكن اعانني الله عليه و اما شرح بواقي السؤال فقال بينا كنت انت وحدك منفردا عن الحق فتكثرت الان في الحق اذا اتصلت باصل كل حق او كنت متكثرا متشاكسا و توحدت الان و نجوت و صرت سلما لرجل واحد و كنت موجدا تخلق افكا و الان اوجدنا فيك نور الايمان و كنت جامدا لاتطاوع الحق و صرت الان جاريا مطاوعا و كنت ناقصا منحطا عن درجة الحق و صرت الان زايد النور و الايمان و هكذا من الوجوه التي ذكرناها في الرسالة التفتية و تكسل النفس عن اعادتها فراجع تجد و اما جوابه7 مفصلا فهو واضح لانه7 شرح ان الكفر كفران كفر بالله و هو من صفات النفس الامارة و الشيطان المقيض و كفر بالشيطان و هو من صفات جهة الرحمن و هو عين الايمان و هما الشيئان المقبولان المردودان و اطلاق المقبولين و المردودين عليهما من باب التغليب و الا فاحدهما مقبول و الاخر مردود و يشهد بذلك قوله7 لاحدهما الجنة و للاخر النيران و هما المتفقان في اسم الكفر او اسم الايمان المختلفان في متعلقهما فان احدهما كفر بالله و الاخر كفر بالشيطان و كذا في الايمان و قوله7 و هما المرجوان علي ما بينا آنفا او علي ان اهل الكفر يرجون زوال الايمان و اهل الايمان يرجون زوال الكفر و قد بينا ان الشيطان الواقع في جانب الحق نفس انية الحق المسلمة المؤمنة كما مر فهما المرجوان و قوله7 و نص به القرآن حيث قال مرج البحرين يلتقيان و البحران ما ذكرناه آنفا و في الخبر انهما ماء السماء و ماء الارض فماء السماء هو ما ذكرنا الماء العذب جهة الوجود و ماء الارض الماء المالح جهة الماهية بينهما برزخ من امر الله و حفظ لايستهلك احدهما الاخر فيبطل اثره فماء السماء هو الايمان بالله و الكفر بالطاغوت و ماء الارض هو الايمان بالطاغوت و الكفر بالله و يعلم قولنا من كان من سنخ الانسان فان هذه المطالب علي ما فسره و اراده7 لايعلمه الا الانسان الذي هو من نورهم و شعاعهم و اما غير الانسان من ساير البهائم فهم عن فهم هذه المطالب بمعزل بعيد انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الي نظائرها و ادوات البهائم و آلاتهم لاتدرك ما في صقع
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 331 *»
الانسان فذلك مجمل ما يراد من تفسير هذا الخبر و تفصيله موكول الي الرسالة التفتية ففيها كفاية و بلاغ في الظاهر و التأويل و الباطن و ما منعنا عن التفصيل هنا الا ما ذكرناه هناك مفصلا و قد وصيت ان يكتبوها و يأتوكم بها و يأتون بها ان شاء الله تعالي.
قال سلمه الله الثانية بيان ما نقل عن الصادق7 بالمعني انه يكون اثني عشر اماما و اثني عشر مهديا و القائم7 آخر الائمة و اول المهديين و كلهم من ذرية الحسين: و ما معني كونه اول المهديين و ما وجه تخصيصه7 بالاولية بالنسبة اليهم و ما معني ان كلهم من ذرية الحسين:؟
اقول هذا الحديث نقله الشيخ الاوحد كمانقلت و لماجد اصله في الكتب الا انه روي الصدوق في الاكمال بسنده عن ابيبصير قال قلت للصادق جعفر بن محمد8 يابن رسول الله اني سمعت عن ابيك7 انه قال يكون بعد القائم7 اثني عشر مهديا فقال انما قال اثني عشر مهديا و لميقل اثني عشر اماما ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس الي موالاتنا و معرفة حقنا و هذه الرواية علي ما في الاكمال لا اشكال فيه و انما الاشكال في ما رواه الشيخ الاوحد و رأيت قريبا من ذلك حديثا في مستدرك الوافي و في البحار عن الصادق7 معنعنا عن علي7 قال قال رسول الله9 في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي7 يا ابا الحسن احضر صحيفة و دواة فاملأ رسول الله9 وصية حتي انتهي الي هذا الموضع يا علي انه سيكون بعدي اثنا عشر اماما و من بعدهم اثنا عشر مهديا فانت يا علي اول الاثني عشر الامام الي ان ذكر انه امر ان كل امام يحضره الوفاة فليسلم هذه الصحيفة الي الوصي بعده الي ان ذكر الحسن العسكري7 ثم قال فاذا حضرته الوفاة فليسلمها الي ابنه محمد المستحفظ من آل محمد فذلك اثني عشر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 332 *»
اماما ثم يكون من بعده اثني عشر مهديا فليسلمها الي ابنه اول المقرين له ثلثة اسامي اسم كاسمي و اسم ابي و هو عبد الله و احمد و الاسم الثالث المهدي و هو اول المؤمنين انتهي و يظهر من قوله فليسلمها الي ابنه بانضمام ما رواه الشيخ الاوحد اعلي الله مقامه ان هؤلاء المهديين كلهم من ذرية الحسين7 و هم غير الائمة: فيمكن ان يكون ضمير كلهم في حديث الشيخ راجعا الي المهديين و هو الاقرب اليه فكل المهديين من ذرية الحسين و من نسل القائم و اما كون القائم اول المهديين يعني اول المسمين بالمهدي فهو المهدي الثالث عشر فهو باعتبار تسميته بالمهدي كما هو المعروف اول المهديين و باعتبار كونه غير المهديين الاثني عشر و كونه من الائمة آخر الائمة فلميبق اشكال في الخبر الا علي اعتبار كون الضمير راجعا الي الائمة و المهديين معا و هو خلاف الظاهر ظاهرا فان الاثني عشر اماما احدهم الحسين فكيف يكون الاثنا عشر من ذرية الحسين و ان قيدته بما سوي الحسين فهو ايضا خلاف الظاهر و انما قلت ظاهرا فانه يمكن ذلك علي ضرب من التأويل بان تقول ان ظاهر الاثني عشر هم من ذرية باطن الحسين7 فانه7 ابوعبدالله و هم عباد الرحمن الذين يمشون علي الارض هونا و هو سيد الشهدا و هم الشهداء فعلي ذلك كل الاربعة و العشرين من ذرية الحسين7 فشهادة ظواهرهم و عبادة ظهوراتهم كلها من فروع ابيعبدالله و سيدالشهداء صلوات الله و سلامه عليه.
قال سلمه الله الثالثة بيان ما روي عن ابرهيم عن ابيعبدالله7 انه قال ان الله عزوجل لما اراد ان يخلق آدم علي نبينا و عليه السلام بعث جبرئيل7 في اول ساعة من يوم الجمعة فقبض بيمينه قبضة فبلغت قبضته من السماء السابعة الي السماء الدنيا و اخذ من كل سماء تربة و قبض قبضة اخري من الارض السابعة العليا الي الارض السابعة القصوي فامر الله كلمته فامسك القبضة الاولي بيمينه و القبضة الاخري بشماله ففلق الطين فلقتين فذرء من الارض
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 333 *»
ذروا و من السماوات ذروا فقال للذي بيمينه منك الرسل و الانبياء و الاوصياء و الصديقون و المؤمنون و السعداء و من اريد كرامته فوجب لهم ما قال كما قال و قال للذي بشماله منك الجبارون و المشركون و الكافرون و الطواغيت و من اريد هوانه و شقوته فوجب لهم ما قال كما قال الحديث ثم ذيل ذلك بمواضع الاشكال من الخبر و معني حديث الباقر اجرد ذكوان ثقيل مقنع تركناها خوف التطويل.
اقول هذا الحديث مروي في الكافي عن الحسن بن علي بن ابيحمزة عن ابرهيم عن ابيعبدالله و بينه و بين ما ذكرتم ادني تفاوت و لعله من تسامح في النقل بالجملة هذا الحديث كغالب احاديث العترة الطاهرة من المشكلات و الصعاب المستصعبة و فيه اشكالات كقوله7 يوم الجمعة و اول ساعة منه و القبض باليمين من السماوات و تربة كل سماء و القبض بالشمال من الارض و المراد من الكلمة و يمينه و يساره و فلق الطين و كون السعداء من ذرو اليمين و وجوب ما قال كما قال و كون الاشقياء من ذرو الشمال و كذا وجوب ما قال لهم كما قال و قد سأل السائل امده الله بعنايته عن هذه المواضع ايضا الا انا تركناها خوف الاطالة و لنشيرن الي هذه المواضع بما يتيسر و لا قوة الا بالله العلي العظيم اعلم ان الله سبحانه خلق السموات و الارض في ستة ايام و هي المشار اليها بقوله سبحانه ان ربكم الله الذي خلق السموات و الارض في ستة ايام ثم استوي علي العرش و تلك الايام هي يوم النطفة و يوم العلقة و يوم المضغة و يوم العظام و يوم اكساء اللحم و يوم انشاء خلق آخر و ذلك ان العالم انسان كبير كما ان الانسان عالم صغير و الله سبحانه يقول ماتري في خلق الرحمن من تفاوت و يقول و ما خلقكم و لا بعثكم الا كنفس واحدة فالعالم ايضا له من بدو كونه نطفة و هو الماء الذي خلق منه الذي منه كل شيء حي الي منتهي تمامه له ست مراتب و كل مرتبة منه يتم في يوم وجوده و ليل ماهيته و ذلك اليوم يوم الشأن المشار اليه بقوله تعالي كل يوم هو في شأن فالعقل الذي هو اول ما خلق الله من العالم و هو المعبر عنه بالماء في خبر اول ماخلق الله الماء هو نطفة العالم النازلة من فحل المشية في
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 334 *»
رحم انثي الامكان حين زوجهما الله سبحانه علي كتابه و سنة نبيه و وجه المشية الي الامكان و قرن بينهما و هو اي العقل خلق في يوم الاحد اول العدد و يومه كما ذكرت يوم الشأن و الاحد قوة الالف القائم القلم المكتوب به جميع ما في العالم و هو اي القلم اول ما خلق الله كما في رواية اخري و قد نسب الي علي7 و في الاحد البناء لان فيه بداء الله في خلق السماء و هي سماء العقل غيب السماء التاسعة و النفس التي هي اللوح المستفاد من القلم التي هي الالف المبسوطة و الباء اي باء بسم الله الرحمن الرحيم التي خلق منها الموجودات كما روي في النبوي خلقت الموجودات من باء بسم الله الرحمن الرحيم هي مقام العلقة التي هي عقد النطفة المحلولة و قد خلقت في يوم الاثنين و هو يوم الباء و هو من ايام الشأن كما ذكرنا و الطبع الذي هو انحلال العقل و النفس في الرتبة الدنيا و هو اول دورة الشهادة و اول الخلق الثاني و حامل قوة العقل و هو الواحد و قوة النفس و هي الاثنان و مقامه مقام الجيم من الحروف و قوته ثلثة من الاعداد و هو اول العدد الشهودي باعتبار الكمال و التمام العددي مقامه مقام المضغة و خلق يوم الثلثاء من ايام الشأن و الهيولي الثانية باعتبار و الاولي باعتبار في صور المكونات كالعظام في اللحم و العظم من نطفة الاب و اللحم من نطفة الام و الاب هو الهيولي و الام هي الصورة قال سبحانه يصوركم في الارحام فمقام الهيولي الثانية مقام العظام التي عليها بناء البدن و بها قوام اللحم و الجلد و قوتها اربعة لانها الزوج الاول بعد الثلثة و انعقاد الثلثة و كذلك الهيولي انعقاد الطبيعة و بعدها بدرجة فخلقت يوم الاربعاء اليوم الرابع من ايام الشأن و شكل الكل مقامه مقام الصورة و اكساء اللحم و الجلد و الشعر التي هي من الام و قد خلق يوم الخميس و الخامس من ايام الشأن لانه هيكل التوحيد و صورة التفريد و مقاماته خمسة كما حقق في محله و جسم الكل مقام انشاء خلق آخر و مقام اجتماع القوابل و المقبولات و المبادي و المنتهيات و الغيوب و الشهادات فمقام الجسم مقام يوم الجمعة و خلق فيه من ايام الشأن فاذا فهمت ذلك علي نحو الاجمال فاعلم ان الطينة المأخوذة لجسم آدم علي نبينا و آله و عليه السلام كان اول اخذها يوم الجمعة لاجل ذلك و لماكان ذلك
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 335 *»
لبدو ايجاد جسمه و اول تركيبه كان في الساعة الاولي من يوم الجمعة عند طلوع شمس مشية الايجاد و اطلاعها من افق مشرق الجسم الذي هو العرش فكان اول اتخاذ الطينة بتوجه المشية و تعلقها ساعة ظهورها من محدب العرش الذي هو افق عالم الاجسام الشرقي فافهم ان كنت تفهم فان فهمه مشكل و هو من باب العلوم الالهية لا التعليمية و اما يد الله سبحانه فهي قدرته كمايقول ايدهم بروح منه اي اقدرهم و اليد الظاهرة للانسان مظهر القدرة كما ان العين مظهر البصر و الاذن مظهر السمع فاليد مظهر القدرة و قد انقسمت اولا بقسمين عضد و ساعد فالعضد مقام غيب اليد و مقام وحدتها و قربها من المبدء و له عظم واحد و الساعد مقام شهادتها و هيهنا تفصل تلك الوحدة و صارت اثنين الزند الاعلي و الزند الاسفل و هما عظمان طويلان علي طول الساعد اعلاهما ارق و ادق و اسفلهما اغلظ و اكثف وهذان الاثنان تفصلا في الكف التي هي اسفل الشهادة فاول ما تفصلا تفصلا الي خمسة اصابع عليها بناء كف الحكيم و تلك الخمسة تفصلت الي اربعة عشر عقدا منها يخرج الصنايع و البدايع و العطاء و المنع و القبض و البسط و الكتابة و امثال ذلك من متعلقات القدرة و هذه اليد مظهر قدرة الحكيم التي بها قبضه و بسطه و عطاؤه و منعه و كذلك الله ربنا لانه ارانا آياته في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق مع انه علي كل شيء شهيد موجود في غيبتك و حضرتك فهو سبحانه ايضا قدير و لابد و ان يكون لقدرته مظهر تظهر فيه لان قدرته الفعلية غير ذاته و هي من خلقه و تحتاج الي محل تستقر فيه و ذلك المحل هو مظهرها و له مقامان مقام وحدة و هو مقام انا محمد و محمد انا و كلنا محمد و هم في ذلك المقام اعضاد و اشهاد و حفظة و رواد كما في دعاء رجب و قد اخبر الله سبحانه بالمفهوم انه اتخذ الهادين عضدا حيث قال و ما كنت متخذ المضلين عضدا و مقام برزخي و هو مقام اول التفصيل الي نبوة مطلقة و ولاية مطلقة و شق ذلك النور الواحد نصفين و قال للاعلي الادق كن محمدا و للاسفل الاغلظ كن عليا و مقام منتهي التفصيل في اسفل الشهادة اولا الي خمسة و هم اصحاب الكساء سلام الله عليهم اجمعين و في مقام التفصيل تفصلوا الي اربعة عشر فهم يد الله المبسوطة بالالاء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 336 *»
في جميع العوالم بهم القبض و البسط و من لطايف الوقايع قوي حروف اليد فانها اربعة عشر كالوجه و هم سلام الله عليهم بتواتر الاخبار يد الله و وجه الله و هم اليد التي قالت يهود منكريها انها مغلولة و ايديهم مبسوطة غلت ايديهم علي خلاف زعمهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان و قد بينه الله سبحانه في كتابه بدلالة التنبيه حيث قال ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم بالجملة هم اعضاد الله تعالي شأنه القوية و ايديه المبسوطة الذين بهم القبض و البسط و قد اشهدهم خلق السموات و الارض و خلق انفسهم قال7 كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين و قد سبقوا جميع ماسويهم بالف الف دهر كما في الاخر فلاعجب و في الزيارة بكم تحركت المتحركات و سكنت السواكن فهم يمين الله و كلمته في احداث جميع ماسواه مما دخل في عرصة الامكان كماقال علي7 كلما في الذكر الحكيم و الكلام القديم من آية يذكر فيها العين و الوجه و اليد فالمراد منها الولي لانه جنب الله و وجه الله يعني حق الله و علم الله و عين الله و يد الله لان ظاهرهم باطن الصفات الظاهرة و باطنهم ظاهر الصفات الباطنة فهم ظاهر الباطن و باطن الظاهر و اليه الاشارة بقوله ان لله اعين و ايادي انت يا علي منها انتهي و عن الصادق7 ان لله عزوجل خلقا خلقهم من نوره و رحمته من رحمته لرحمته فهم عين الله الناظرة و اذنه السامعة و لسانه الناطق في خلقه باذنه و امناؤه علي ما انزل الله من عذر او نذر او حجة بهم يمحو السيئات و بهم يدفع الضيم و بهم ينزل الرحمة و بهم يحيي ميتا و بهم يميت حيا و بهم يبتلي خلقه و بهم يقضي في خلقه قضيته قيل جعلت فداك من هؤلاء قال الاوصياء و عنه7 و قد سئل عن قوله عزوجل و الارض جميعا قبضته يوم القيمة قال يعني ملكه لايملكه معها احد و القبض من الله تعالي في موضع آخر المنع و البسط منه الاعطاء و التوسيع كماقال الله عزوجل يقبض و يبسط و اليه ترجعون بمعني يعطي و يوسع و يمنع و يضيق و القبض منه عزو
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 337 *»
جل في وجه آخر الاخذ و الاخذ في وجه القبول منه كما قال و يأخذ الصدقات اي يقبلها من اهلها و يثيب عليها قيل فقوله عزوجل و السماوات مطويات بيمينه قال اليمين اليد و اليد القدرة و القوة يقول الله عزوجل و السماوات مطويات بقدرته و قوته سبحانه و تعالي عما يشركون انتهي اقول شركهم هنا اثبات اليد و القبض المعروفين له فانه يقتضي الكثرة و تعدد القدماء كمايدل عليه حديث آخر بالجملة يمين الله سبحانه هم محال قدرته و قوته و هم يد الله فوق ايديهم كماعرفت و قبضهم قبضه و اخذهم اخذه الا ان كما هم مظاهر قدرة الله سبحانه اشعتهم و انوارهم مظاهر قدرتهم و هي ايديهم القابضة الباسطة فهم يقبضون بها و يبسطون بها و يأخذون بها كما ان الله سبحانه يأخذ و يقبض و يبسط بهم و من اشعتهم و انوارهم عالم الاجسام بسماواتها و ارضيها و بذلك قد تواتر الاخبار و ليس عليه غبار و عالم الاجسام له ضلعان ضلع اقوي و هو ضلع ذات اليمين و هو السماوات و ضلع اضعف و هو ضلع ذات الشمال و اليسار و هو الارضون و هما مظهرا قدرة القدير فيما يفعل بهما و يصدر عنهما فما اخذه الله سبحانه بالسماوات فهو مقبوض بيمينه و ما اخذه الله سبحانه بالارضين فهو مقبوض بيساره و لذلك خص الله سبحانه السماوات باليمين في قوله الارض جميعا قبضته يوم القيمة و السماوات مطويات بيمينه و من البين ان السماوات مقامها مقام الاباء و الارضين مقامها مقام الامهات و الزوجة مخلوقة من الضلع الايسر فالارض هي الضلع الايسر و المقبوض بها مقبوض بالضلع الايسر فالقدرة المتعلقة بالسماوات يمين و القدرة المتعلقة بالارضين شمال و ان كانت من حيث هي قدرة لافرق بينهما فكلتا يديه يمين من حيث القوة و القدرة لكن من حيث المحل يكون لها يمين و يسار كما انت عليه في نفسك فيما يأخذه الله سبحانه من السماوات فانما يأخذه بيمين قدرته و ما يأخذه من الارضين فانما يأخذه بيسار قدرته فافهم و اما معني تربة كل سماء فاعلم ان جميع هذا العالم من محدب العرش الي تخوم الارضين عالم جسم و كله جسم فاجزاؤه مشتركة في الجسمية و مختلفة في الصورة في اللطافة و الكثافة و الرقة و الغلظة و اما من حيث الجسمية فانما
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 338 *»
هي كلها واحدة و الجسم من حيث انه جسم فيه جهة من ربه و جهة من نفسه و فيه حيث فعلية لله سبحانه اذ خلقه بنفسه و حيث مفعولية و هو في نفسه في غاية البساطة الجسمانية و لماتفصل في الصور المتممة ظهر حيث فعليته في العرش و الكرسي و حيث مفعوليته في السماوات و الارضين و جهته الي ربه بالسماوات و جهته الي نفسه بالارضين و هذه الجهات المفصلة كانت فيه مندمجة بعضها في البعض و ظهرت متفرقة لماتفصلت في الظاهر و تلك الجهات في كل جزء من اجزاء هذا العالم موجودة كما ان الجسم في كل جزء موجود الا انه في كل جزء جزء اقوي كما ان العناصر في اخلاط بدنك موجودة الا ان النار في الصفراء اغلب و الهواء في الدم فجميع الجهات موجودة في العرش الا ان الغالب عليه الفعلية و لذا خص بها في المظهرية و جميع الجهات موجودة في السماوات الا ان جهة الرب غالبة عليها و لذا خصت بها في المظهرية و كذلك جميع الجهات موجودة في الارضين الا ان الغالب عليها جهة النفس فاذا عرفت ذلك اقول ان العرش قد ظهر فيه العرشية و كمن فيه السماوية و الارضية و السماوات قد كمن فيها العرشية و الارضية ظهر فيها السماوية و الارض قد كمن فيها العرشية و السماوية و ظهر فيها الارضية فالكل في الكل فالسماوية الموجودة في العرش جهة ربها و الارضية جهة نفسها و هما فيه ضعيفتان و موجودتان و العرشية و الارضية في السماوات موجودتان ضعيفتان و العرشية و السماوية في الارض موجودتان ضعيفتان فالارضية في السماوات موجودة الا انها لطايف الارض و رقايقها كما ان السماوية موجودة في الارض الا انها غلايظ السماء و كثايفها و السماء بارضيتها اللطيفة تتعلق بالارض و لولاها لماتعلقت لعدم المناسبة و الارض بسماويتها الغليظة تنفعل و تقبل الحيوة و تحيي و لولاها لما انفعلت و لما حييت فارضية السماء مقام انيتها و جهتها الي نفسها و جسمانيتها علي ان العرش عقل هذا العالم و الكرسي نفسه و ظهور فعلهما في زحل و المشتري و القمر و عطارد و اما المريخ فطبع هذا العالم و الشمس مادته الثانية و هيولاه و الزهرة شكله و العناصر جسمه فما في السماوات من الارض
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 339 *»
فانما هو جسمانيتها كما ان ما في الارض من السماوات فانما هو شكلها و هيولاها و طبعها و نفسها فافهم ما اذكره لك فلما اراد7 ان يبين خلقة جسم آدم و ظاهره بين7 ان الله سبحانه قبض بيمينه من تربة كل سماء و من كل ارض فالترب المقبوضة من السماوات فانما هي ترب علينية و طين علينية لاهل عليين منها بدؤا و اليها يعودون و ليسوا منها وحدها ليس معها من ترب الارض ولكنها فيهم بالاصالة و الارضية فيهم بالتبع لتمام الكلمة و ظهور الحجة و الترب المقبوضة من الارضين فانما هي ترب سجينية و طين سجينية لاهل سجين منها بدؤا و اليها يعودون و ليسوا منها وحدها ليس معها من ترب السماء و لو كان كذلك لكان دعوة هؤلاء الي الحق و عليين عبثا و حاشا الحكيم عن فعل العبث بل جعل فيهم من طين السماوات ايضا ما يمكنهم ان يؤمنوا بمقتضاها و يصعدوا اليها و ان قلت فلم صاروا لايؤمنون و قد آمن اولئك المؤمنون اقول سلهم فانه بحث وارد و بوروده عليهم يعذبون و لو كان لهم عذر ما كانوا يعذبون بالجملة فما اخذ الله سبحانه بيمينه من ترب السماوات قال لها منك الصالحون لا بمعني انهم منها وحدها بل بمعني غلبتها فيهم و اختيارهم لها و صلوحها لهم و عملهم بمقتضاها و ما اخذ من ترب الارضين قال لها منك الطالحون لا بمعني انهم منها وحدها بل بمعني غلبتها فيهم و اختيارهم لها و صلوحها لهم و عملهم بمقتضاها و وجب لكل واحد من الفريقين ما قال اي من الكرامة و الهوان كما قال اي وجب الكرامة لمن خلقه من ترب السماوات و هم الصالحون و وجب الهوان لمن خلقه من ترب الارضين و هم الطالحون فان السماوات دار الكرامة و النعمة و الجنة و هم قد اختاروها و سألوها و استجاب الله دعاؤهم فانه قال ادعوني استجب لكم و لاتحسبن الله مخلف وعده رسله فهم اهل الكرامة و النعمة و الجنة باختيارهم فاعطاهم الله اياها بفضله و وجوده و الارضين دار الهوان و الشقا و المحنة و العذاب و البلاء و اهلها قد اختاروها و ارتضوها لانفسهم و سألوا الله سبحانه اياها و استجاب الله سبحانه دعاءهم فهم اهل الهوان و الشقاء و الذل لما قد اختاروها لانفسهم فوجب لكل واحد من الفريقين ما قال كماقال لماعرفت ثم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 340 *»
اعلم ان تلك الطين ليست اول بدء الفريقين في ملك الله حتي يشكل عليك الامر و تستشم منه رايحة الجبر نعوذ بالله و هو ممتنع لايعقل و انما هي في خلقه صور اجسامهم المطابقة لاجابتهم في عالم الذر فمن آمن في ذلك العالم و اختار جهة الرب خلق الله سبحانه جسمه من السماوات لان الجسم لابد و ان يكون مطابقا للروح و الروح مطابقا للجسم و لميكن الله ليضع روح المؤمن النير الطيب في جسم كافر غاسق خبيث و لا العكس فخلق الله سبحانه لمن آمن في عالم الذر جسما من السماويات و عليين منها بدء جسمهم باختيارهم و اليها يعودون يوم القيمة اذا ازلفت الجنة للمتقين غير بعيد و فتحت لهم ابواب السماء و دخلو الجنة كماخرجوا منها بل كما كانوا فيها و لميخرجوا منها ابدا اللهم لاتخرجنا منها بحق محمد و آل محمد الطاهرين و شيعتهم الانجبين عليهم صلوات المصلين و خلق لمن كفر في عالم الذر جسما من الارضيات الغاسقة باختيارهم فهم بدؤا منها و اليها يعودون يوم القيمة و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هويه و يفتح لهم ابواب جهنم يدخلون من ايها اختاروه و هم في الهوان و العذاب خالدون و اما معني الاحسان باليمين و الشمال فان الله يمسك السموات و الارض ان تزولا و لئن زالتا ان امسكهما احد من بعده و ان الله سبحانه يمسك الاشياء باظلتها اي بما جعل فيهم من سر الوحدة التي لاتزول فانه الدائم الباقي الذي لايزول و لايحول و كل شيء باق دائم بابقائه اياه بكلمته و نور وحدته و ازليته جل شأنه فامسك السماوات بنور وحدة قدرته الظاهرة فيها و هي اليمين کما بينا و يمسک الارضين بنور وحدة قدرته الظاهرة فيها و هي الشمال و الكلمة التي امرها الله بالامساك هي كلمة الله العلياء التي انزجر بها العمق الاكبر و انقاد لها كل شيء و هي كلمة كن كماقال اميرالمؤمنين7 في وصف الاوصياء خلقهم الله من نور عظمته و ولاهم امر مملكته فهم سر الله المخزون و اولياؤه المقربون و امره بين الكاف و النون لا بل هم الكاف و النون الي الله يدعون و عنه يقولون و بامره يعملون الي ان قال و من انكر ذلك فهو شقي ملعون و قال7 الامام كلمة الله و حجة الله و وجه الله و نور الله و حجاب الله الحديث فامر الله سبحانه كلمته التامة التي
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 341 *»
لايجاوزها بر و لا فاجر التي ظهورها جميع العالم بكليته و هو الاسم الذي خلقه بالحروف غير مصوت و باللفظ غير منطق ان يمسك القبضة الاولي السماوية بيمينه الظاهرة في السماوات و الاخري الارضية بشماله الظاهرة في الارضين فامسكهما تلك الكلمة بيمينه و شماله اللتين هما اظلتهما و نورهما و سر احديتهما فافهم و اما معني فلق الطين فلقتين فالظاهر ان الطين بفتح الياء و هو مجموع طين السماوات و الارض ففلقهما فلقتين ممتازتين احديهما عن الاخري و ذلك قبل المزج و الفلق هو الشق فشق الطين شقتين شقة يمني طيبة سماوية و شقة يسري خبيثة ارضية و هذا الفلق عين الامساك و فقرة الفلق بيان فقرة الامساك يعني بامساكه كذلك انفلقت الطين كذلك فبعد الفلق و الفرق ذرأ من كل ذروا اي خلق من كل خلقا فخلق الصالحين من طين السماوات بالاصالة و جعل فيهم من الارضين بالعرض و خلق الطالحين من طين الارضين و جعل فيهم من السماوات بالعرض و بقي عليك معني القبضات العشر اعلم ان الله سبحانه جعل الانسان خلقا تاما جامعا و ولدا كاملا حاويا لجميع المراتب فانه نتيجة العالم و انموذج المراتب الكلية كما روي عن اميرالمؤمنين7 ان الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله علي خلقه اي ان قال و هي مجموع صور العالمين و هي المختصر من اللوح المحفوظ و في الابيات المنسوبة الي حضرته:
اتزعم انك جرم صغير
و فيك انطوي العالم الاكبر
فالله سبحانه جعل فيه من كل بيدر من البسائط سنبلة و من كل وقر منها حفنة فجعل فيه قبضة من العرش و خلق منها قلبه و قبضة من الكرسي و خلق منها صدره و قبضة من فلك زحل و خلق منها عاقلته اي ظاهر عقله و قبضة من فلك المشتري و خلق منها عالمته اي ظاهر نفسه و قبضة من فلك المريخ و خلق منها واهمته اي ظاهر طبعه و قبضة من فلك الشمس و خلق منها هيولاه و قبضة من فلك الزهرة و خلق منها خياله و ظاهر مثاله و قبضة من فلك عطارد و خلق منها فكره و هو حيث تعلق العالمة بالموضوعات و قبضة من فلك القمر و خلق منها روحه الذي في بدنه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 342 *»
و قبضة من النار و خلق منها صفراءه و قبضة من الهواء و خلق منها دمه و قبضة من الماء و خلق منها بلغمه و قبضة من التراب و خلق منها سوداءه و هذه الاربعة يعبر عنها بالارض في مقابلة السماء و يعبر عن المجموع بقبضة لحقارتها عند قبضات السماء فصارت القبضات الكلية عشرا خلق منها الانسان و ان كان كل انسان فيه قبضة اقوي من الباقي الا ان الكل في الكل موجود و هيهنا دقيقة لايفهمها الا العالمون و هي معني تلك القبضات و انه هل يفرز من السماوات للانسان حصص معينة فينقص بقدرها من السماوات كما يفرز له من الارض فينقص منها بقدرها او له وجه غير ذلك اعلم انا قد اسلفنا هنا علي نحو الاشارة و شرحنا و بسطنا في كتبنا في الفلسفة ان كل شيء فيه معني كل شيء ففي الارض موجود من غلايظ العرش و الكرسي و السموات و انه يمكن استحالة كل بسيط الي كل بسيط كماتشاهد امكان استحالة الارض ماء فتستحيل اولا الي الملح ثم ينحل ماء و يستحيل الماء هواء بالتبخير و يستحيل الهواء نارا بالتجفيف و التسخين و يستحيل العنصري بالكيلوس و الكيموس روحا بخاريا مساويا لجرم الفلك في اللطافة و حكاية الروح الملكوتية فيحيي و يتحرك قبضا و بسطا ثم يتلطف بالتصعد الي الدماغ فيصير متخيلة كالزهرة و متفكرة كعطارد و هكذا و هذه الاستحالة من كون الكل من مادة الجسم الواحد و كون الاختلاف في الصورة و صلوح كمون كل ظهور و ظهور كل كمون و قد بسطنا القول في محله فالارض فيها من غلايظ السماوات و الكرسي و العرش بالقوة و يمكن ان يدبرها يد التقدير حتي تتقوي فيها تلك القوي و تخرج الي الفعلية و تحدث منها آثار فالانسان مما قد دبرت يد التقدير طينه حتي جعل ما كان فيه بالقوة بالفعل و ان كان بعضها في بعض في الفعلية اقوي و في الكامل بالسوية و الاعتدال فاخذ يد التقدير لخلقة الانسان طينا لازبا فخمره و جعله صلصالا و ادار عليه الرياح الاربع و الافلاك حتي لطف منه اجزاء بحيث ساوت فلك القمر في اللطافة و الصفاء و البريق و حكت الروح الملكوتية كما حكاه فلك القمر و اخبرت عنه و عن اراداته كما اخبر فلك القمر فحينئذ كانت تلك الاجزاء الحصة التي فيه من فلك القمر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 343 *»
و تلك قبضة من تربة فلك القمر فلو خليت و طبعها و لميمنعها مانع صعدت الي حيز فلك القمر و دارت دورانه بلاتفاوت الا تري انك لو اخذت حصة من الماء و بخرته و جعلته هواء فان لميكن له قاصر يصعد الي حيز الهواء و يصير مثله و يسير مثله و كذلك الارض اذا استحال حصة منها الي الفلكية و خليت و طبعها صعدت الي حيز الافلاك فانها بلطافتها و رقتها و خفتها فهي حصة من فلك القمر كما بينت و شرحت و اذا دبرت يد التدبير منها حصة حتي جعلتها كفلك عطارد فهي حصة من فلك عطارد كما فهمت و هكذا قد دبرت يد التقدير بحسن التدبير حتي جعلت منها حصصا كالافلاك و هي حصصها الفلكية اذا خليت و طبعها و ارتفعت الموانع كما ترتفع يوم القيمة تصعد الي السماء و تفتح لها ابواب السماء و تدخل عليين لانها منها و اليها و علامة ذلك ان كانت قوية غالبة انها تميل دائما نحو السماء و الروحانيين و الملائكة و اخلاقهم و صفاتهم و تشمئز من الارض و الشياطين و اخوانهم و اهلها و صفاتهم و اعمالهم و اقوالهم و رؤيتهم بالجملة تلك هي الحصص السماوية في الانسان و ليس انه يفرز له قطعة من الفلك فينقص الفلك بفرزها و هذه الحصص كما بينا في كل انسان الا انها في اهل الجنة و المغفرة قوية غالبة مستولية جارية علي حسب رضاء الله سبحانه و في اهل النار ضعيفة مقهورة مغلوبة لجهة الانية و باطن الارض و تغلظت فيهم تلك الحصص بمتابعة الاهواء الباردة اليابسة حتي تبلدت في الارض و لو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الي الارض و اتبع هواه و اما الحصص الارضية فهي ايضا عشرة فقبضة من تربة الحوت و طينته و خلق منها قلوبهم و قبضة من طينة الثور و خلق منها صدورهم اي الكفار و قبضة من ارض الشقا و خلق منها عاقلتهم و قبضة من ارض الالحاد و خلق منها عالمتهم و قبضة من ارض الغضب و خلق منها واهمتهم و قبضة من ارض الشهوة و خلق منها هيولاهم و قبضة من ارض الطبع و خلق منها خيالهم و قبضة من ارض العادة و خلق منها فكرهم و قبضة من ارض الممات و خلق منها حيوتهم فهم اموات غير احياء و ما يشعرون ايان يبعثون و خلق من اعراض هذه الدنيا اجسامهم فهذه هي القبضات التي خلق الله منها المؤمن و الكافر بايمانهم
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 344 *»
السابق و كفرهم يهديهم ربهم بايمانهم و بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية فمن آمن في عالم الذر و الخلق الاول خلق الله خلقه الثاني من قبضات السماوات و من كفر في عالم الذر و الخلق الاول خلق الله خلقه الثاني من قبضات الارضين فافهم و تدبر و اما ما ذكره الامام7 من ذكر القبضات السماوية و عدها سبعة و كذلك القبضات الارضية و لميذكر العشر فلاضير فان اثبات السبعة لاينافي كون جميع القبضات عشرا هذا في الظاهر و اما في الباطن فاعلم ان الامام7 يعبر عن كل شيء علي حسب مرآه و ما يظهر به و منه له فالذي غلب عليه جهة القابض لايعده في المقبوض و العرش و الکرسي قد غلب عليهما جهة القابض لان الرحمن علي العرش استوي و وسع كرسيه السماوات و الارض و هما مظهران للعقل و النفس الذين هما من عالم المجردات مضافان الي الله سبحانه لايريان غيره فهما بان يكونا آية القابض و اسمه اولي بان يكونا مقبوضين فافهم و الذي ذكرناه فهو من حيث نظرنا القاصر الي الاشياء من حيث هي و كون حصص العرش و الكرسي ايضا في المؤمن و اما عدم ذكر قبضة الارض في الاولي لانه7 اراد ان يذكر ما في المؤمن بالذات و ما في الكافر بالذات فاختلاف انحاء البيان لاختلاف انواع الانظار و لاتنافي بينها فان الامام7 اذا نظر حيث نظرنا بين ما بينا و نحن اذا وفقنا الله للنظر حيث نظر7 علي حسب درجتنا و قابليتنا بينا علي حذو بيانه7 و لاتنافي ان شاء الله و هم لايعدون الرجل من شيعتهم فقيها عالما حتي يلحن له فيعرف اللحن و لهم: لغة تعظيم و تكريم لميعظم الله احد بمثلها و في الزيارة فعظمتم جلاله و اكبرتم شأنه فلميستحسن صلوات الله عليه ان يقول اخذ للعبد قبضة من العرش العظيم و هو مخصوص بالله سبحانه و من كرسيه العظيم و هو مضاف اليه سبحانه فافهم ان كنت تفهم و الا فاسلم تسلم و هذا من لحنهم الذي يعرفه الفقهاء و لذا قال ابوجعفر7 ان حديثنا صعب مستصعب امرد ذكوان وعر شريف كريم فاذا سمعتم منه شيئا و لانت له قلوبكم و احتملتموه فاحمدوا الله و ان لمتحتملوه
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 345 *»
و لمتطيقوه فردوا الي الامام العالم من آل محمد و انما الشقي الهالك الذي يقول والله ما كان هذا ثم قال يا جابر ان الانكار هو الكفر بالله العلي العظيم انتهي و في بعض الاخبار اجرد بالجيم و هما بمعني و اما معني الاجرد الذكوان فقد روي المفضل عن ابيجعفر7 ان حديثنا صعب مستصعب ذكوان اجرد لايحتمله ملك مقرب و لا نبي مرسل و لا عبد امتحن الله قلبه للايمان اما الصعب فهو الذي لميركب بعد و اما المستصعب فهو الذي يهرب منه اذا رأي و اما الذكوان فهو ذكاء المؤمنين و اما الاجرد فهو الذي لايتعلق به شيء من بين يديه و لا من خلفه و هو قول الله الله نزل احسن الحديث فاحسن الحديث حديثنا لايحتمل احد من الخلايق امره بكماله حتي يحده لان من حد شيئا فهو اكبر منه انتهي كلامه صلوات الله عليه و روحي له و لكلامه الفداء فحديثهم ذكوان يعني لايعرفه الا الذكوان من المؤمنين و من له ذكاء دقيق فسمي باسم المتعلق به و لذا قال7 هو ذكاء المؤمنين و في حديث آخر قيل لابيعبدالله7 فسر لي جعلت فداك قال ذكوان ذكي ابدا قيل امرد قال طري ابدا قيل مقنع قال مستور فحديثهم ذكي و ذكوان يعني لايعرفه الا الاذكياء من الشيعة و اجرد او امرد يعني طري كماصدر عنهم لميعرضه عارض و لايقدر احد علي الدس فيه و التحريف فان فعل فلهم في كل حال خلف عدول ينفون عن دينهم تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و هم بانفسهم رقباء ان زاد المؤمنون شيئا ردوهم و ان نقصوا اتموه لهم والله يقول انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون فحديثهم ابدا طري كأنه صدر عنهم الان و اجرد عن كل ما ينافيه لايلحقه ما يفسده شيء من بين يديه و لا من خلفه فهو احسن الحديث فان احسن الشيء طريه و اما انه ثقيل فهو علي النفوس الجامحة تشمئز منه المترفون و هو وعر عليهم و اما انه مقنع لانه مستور علي غير من يريدون فالشيخ اعلي الله مقامه اراد انهم: ذكروا سبع قبضات مع انها عشر فانما هو من باب ان حديثهم ذكوان لايعرف وجه اختلافه الا الاذكياء و ثقيل تأويله علي غيرهم مقنع وجه نظرهم علي من سويهم و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 346 *»
الحمد لله الذي لميجعلنا ممن يثقل عليه و يتقنع عنه هذا الخبر و ان كنا لانحتمل جميع آثارهم و له المن و الشكر علي ان شاء ان نكون من المسلمين فسلم كما سلمنا فان درجة فهم الاخبار لاتبلغ الا بالتسليم و السلام.
قال سلمه الله الرابعة بيان الحديث المشهور علي الالسنة و الافواه المستصعب عند غير اهله و هو انه قال لولا تمرد عيسي عن طاعة الله لصرت علي دينه و بيان انه نبوي او امامي و تعيين الامام القائل به علي الثاني و ذكر متنه بالتمام و بيان صحة سنده و مأخذه و رفع صعوبة فهم المراد منه مع ملاحظة مفهومه و في بعض النسخ بدل قوله لصرت لكنت او لكنتم.
اقول لماجد هذا الخبر في الكتب و لماسمعه من المشايخ ولكني اعلم ان كثيرا من المتفكهين من اهل المحاورات و الادب و الشعر غير المبالين بالدين غير المتحرجين عن الافتراء علي الحجج المقدسين اذ القوا احدا من العلماء يروون علي آل محمد: من عند انفسهم و يتقولون عليهم و يسألون عنه ذلك العالم و يجعلونه احدوثتهم و اضحوكتهم و كثيرا صدر عنهم امثال ذلك و بثوها بين الناس فاخذها من لا علم له علي انه خبر مروي و انتشر بذلك حتي انه ربما كتب في الكتب و علي اي حال يمكن ان يفسر هذا الكلام لانه متنسق و هذا شأن كل كلام متنسق اذا وقع علي يد العالم اعلم ان التمرد بمعني العتو و الخروج عن تحت الطاعة و من البين ان الله سبحانه لميجر امره و نهيه الا علي حسب محبته التي هي مشيته التي هي اول تجليه في الامكان و هي صفته سبحانه العظمي من حيث الوصفية فكل من انقاد لامر الله سبحانه و نهيه حتي لمير لنفسه اعتبارا ابدا ابدا فانه يقول توبوا الي باريكم و اقتلوا انفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم و قال الله سبحانه في العصاء التي هي آية النفس القها يا موسي و في القدسي في جواب نبي قال يا رب كيف الوصول اليك قال الق نفسك و تعال و قال سبحانه و لايلتفت منكم احد و امضوا حيث تؤمرون بالجملة منتهي الطاعة و مطابقة رضاء الله سبحانه و التقوي حق
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 347 *»
التقاة في جميع ملك الله سبحانه لايتيسر الا لمحمد و آل محمد: كما ان الصراط لايجوزه بسهولة الا محمد و ال محمد فكل من هو غيرهم منحرف عن مطابقة رضاء الله سبحانه و موافقة محبته في كل جهة في كل آن في كل مقام في كل حال و كل منحرف فانما هو منحرف لعدم قبول قابليته الدعوة العامة الشاملة غير الخاصة باحد و كل من لميقبل فانما تمرد عن طاعة الله الا انه بعض انحاء التمرد مغفور اذا كان لقصور القابلية و بعضها مأخوذ هذا في الظاهر و في الباطن كل ذنب مأخوذ فانه اسألك عن ذلك المذنب اليس انه لو لميذنب ابدا كان اشرف من ان يذنب و يتوب و اليس انه بذنبه و توبته وقف موقفا معينا لو لميذنب مطلقا كان يصعد اعلي منه فهو اخذه و عقابه و ابعاده و لو لميذنب ذلك الذنب لكان يجازي بثواب اجل و اشهي و اعظم و اعلي من ذلك فافهم و هذا لازم معني حسنات الابرار سيئات المقربين و لكل درجات مما عملوا من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره فعيسي بانحطاطه عن درجة آل محمد: كان متمردا عاتيا بقصور كينوني فيقول لولا تمرد عيسي عن طاعة الله و انحطاط درجته لكنت علي دينه فانه كان حينئذ من سنخي و من جنسي و كان شرعه شرعي و توحيده و معارفه مثل توحيدي و معارفي فكنت علي دينه و ليس كونه علي دينه سبب اتباعه له اتباع الرعية للراعي فان نبينا9 علي ملة ابرهيم علي نبينا و آله و عليه السلام و ليس بتابع له و انما المقصود ان ملة نبينا مطابقة لملته فلولا انحراف عيسي عن نهج الاعتدال الحقيقي لكان محمد9 علي دينه اي كان شرعه مطابقا لشرعه و لماكن انسخه نسخا لكونه مطابقا لقوابل اهل آخر الزمان و علي ذلك ينسبك قوله لكنتم علي دينه فيمكن ان يفسر هذا الكلام كذلك فان كان خبرا فليكن هذا معناه و الا فليكن صالحا للمعني و اتفق بحيث وافق هذا المعني.
قال سلمه الله الخامسة بيان ما روي عن علي بن موسي الرضا7 حين سئل عنه7 ان النهار خلق قبل ام الليل و ذكر7 ذلك عند
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 348 *»
المأمون فسأل فضل بن سهل عنه7 عن تحقيقه فقال7 يا فضل من القرآن ام من الحساب فقال فضل من جهة الحساب فقال7 يا فضل علمت ان طالع الدنيا السرطان و الكواكب في مواضع شرفها فذلك يدل علي كينونة الشمس في العاشر من الطالع فالنهار خلق قبل الليل و اما من القرآن في قوله تعالي لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر و لا الليل سابق النهار و ذكر سنده و متنه و الكتاب الذي يشتمل علي هذا الحديث و رفع الشبهات التي تورد عليه و ذكر اعتراضات عديدة مطولة حاصلها لا معني لتقدم احدهما علي الاخر مع كرية الارض و الدنيا السماوات و الارض فما معني الطالع لها و ما وجه خصوصية السرطان و الارض كرية و السماوات محيطة و النسب متفاوتة و كيف يكون الكواكب في الاشراف و عطارد شرفه السنبلة و لايبعد عن الشمس اكثر من نصف قطر تدويره و كون الشمس في الحمل لايدل علي تقدم النهار و الارض كرية و في الاية عدم سبق الليل لايوجب سبق النهار لامكان التساوق.
اقول لو كان معني الخبر ما يفهمون لكان جميع الاعتراضات واردة ولكن رطنهم لايعلمه الا ولد بطنهم و لو ضربت اباط الابل عرضا و طولا لمتجد معني الخبر عند غيرنا و امثال هذا الخبر كثيرة و كم من آية في السماوات و الارض يمرون عليها و هم عنها معرضون فاعلم ان هذا الخبر في مجمع البيان في تفسير تلك الاية نقله عن تفسير العياشي بالاسناد عن الاشعث بن حاتم قال كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا و الفضل بن سهل و المأمون في الايوان الخبري بمرو فوضعت المائدة فقال الرضا7 ان رجلا من بنياسرائيل سألني بالمدينة فقال النهار خلق قبل ام الليل فما عندكم قال و داروا الكلام فلميكن عندهم في ذلك فقال الفضل للرضا7 اخبرنا اصلحك الله قال نعم من القرآن ام من الحساب قال الفضل من جهة الحساب قال قد علمت ان طالع الدنيا السرطان و الكواكب في موضع شرفها فزحل في الميزان و المشتري في السرطان و الشمس في الحمل و القمر في الثور فذلك يدل علي كينونة الشمس في العاشر
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 349 *»
من الطالع في وسط الدنيا فالنهار خلق قبل الليل و في قوله لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر و لا الليل سابق النهار اي قد سبقه النهار انتهي الخبر و شرح ذلك حتي يظهر المراد يقتضي بسطا طويلا ليس لي ذلك الاقبال ولكني اكتفي بما يتيسر في الحال اعلم ان الدنيا مؤنث الادني كما روي عن علي7 انما سميت الدنيا دنيا لانها ادني من كل شيء الخبر فاذا قست الارض بالسماء فالارض دنيا و السماء عليا و الناس في الدنيا ماداموا في الارض فاذا خرجوا من الدنيا صعد بارواحهم الي السماء فالسماء هي الاخري و الارض هي الدنيا و يشهد بذلك ما روي عن ابيعبدالله7 في حديث فهكذا الانسان خلق من شأن الدنيا و شأن الاخرة فاذا جمع الله بينهما صارت حيوته في الارض لانه نزل من شأن السماء الي الدنيا فاذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ترد شأن الاخري الي السماء فالحيوة في الارض و الموت في السماء و ذلك انه يفرق بين الارواح و الجسد فردت الروح و النور الي القدرة الاولي و ترك الجسد لانه من شأن الدنيا الخبر و اذا قست عالم الاعراض باعاليها و ادانيها الي عالم الغيب فهذا العالم الدنيا و غيبه الاخري و الخبر جار في كلا المعنيين اما في المعني الاول و هو الظاهر علي ان يكون الارض هي الدنيا و السماء هي الاخري فانت تعلم ان اول ما خلق من الارض موضع الكعبة و دحيت الارض من تحتها فالدنيا الارض و اول ما دحيت من تحت الكعبة كان طالع تلك الارض السرطان و طالع كل حادث مايقارن حدوثه و طالع كل مولود ما يقارن تولده من البروج فاذا كان تولد الارض من تحت الكعبة و بطنها و موضعها ام القري و تولدت القري منها فاول تولدها كان الطالع في ذلك المحل السرطان و لايرد عليه اعتراض ان الارض كرية فاني اقول طالع تولد كرة الارض من تحت الكعبة و دحوها فلايقاس الفلك بالارض و انما يقاس بموضع الكعبة و المقارن لافقها عضو واحد من السماء و كان ذلك العضو السرطان باخبار المخبر الصادق و اتفاق المنجمين للذين لايعلمون الا الظاهر المحسوس كما اشار
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 350 *»
اليه الرضا بقوله علمت ان طالع الدنيا و لولا انه كان اتفاقيا للمنجمين الاخذين عن هرمس المطلع علي ايجاد العالم لما قال له علمت فكان طالع الدنيا يعني طالع تولد كرة الارض عن امها السرطان و يقال الطالع بامها لابها و لاشك ان السماء خلقت قبل الارض وجودا و ان كانت متأخرة عنها ظهورا فذهب الاعتراضات الا مسألة عطارد و لميذكر الامام عطارد و ان ذكر و الكواكب في موضع شرفها و الجمع المحلي باللام يفيد العموم ولكنه فصل و بين مراده و شرحه و ذكر الكل الا الزهرة و عطارد فتبين انه لميكن مراده و كان اللام للعهد الذهني اي الكواكب المعينة في ذهني كانت في مواضع شرفها ثم لما كانت مجهولة عند المستمعين فصلها و اما الاعتراض علي الاية فلعمري بعد ما يفسرها الذي نزلت في بيته و يقول بعدها اي قد سبقه النهار فمما لاينبغي و ذلك كقول القائل في قوله7 نظر هذا في باب التسليم و اما باب التعليم فاعلم ان مفهوم اللقب عندنا و عند المحققين حجة كمفهوم الوصف و ان تخلف عنا من تخلف و ما ذكروه من انه لو كان حجة لكان قولنا زيد موجود كفرا و عيسي رسول الله انكارا لنبوة محمد9 و اللازم باطل فالملزوم مثله احتجاج باطل فانا نقول ان عدم انصراف فهم المستمع الي غير موضع المنطوق لقيام القرينة علي ان المفهوم غير مراد فلاينكر علي قائله و لو لميكن قرينة اصلا لكان تخصيص الشيء بالذكر لخصوصية له و الا فلايخص العاقل فردا واحدا بالذكر و باقي الافراد مشتركون في ذلك المعني المحمول و ذلك مستهجن عند كل عاقل ان يقول زيد فلق فمه من عرض وجهه و عمرو منخره من تحت انفه و الحال ان الانسان كذلك و جميع الافراد كذلك فنقول لهم انتم نقضتم قولنا في موضع عدم القرينة بموضع القرينة و هف و لو نظرتم في موضع عدم القرينة فهمتم كما فهمنا و قلتم ما قلنا و لذلك اجمعتم في عده في المفاهيم فان فهم من اللفظ ذلك فما عذركم في عدم ارادته و عدم حجيته و لايفهم من لفظ الحكيم الجامع الا ما اراده منه و اما غير الجامع فلربما يفهم من كلامه ذلك و ما اراده و ربما يريد فنقول للمنكر او لست تغتاظ اذا تشاجرت مع
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 351 *»
احد فيقول لك اني لست باحمق او اني ابن حلال لااعمل هذه الاعمال او لااقول هذه الاقوال او شتمته انت فيقول اني ابن حلال لا اشتم بلي والله تغتاظ اشد الغيظ و ليس ذلك الا لاجل انه اراد و انت فهمت و الكامل الجامع كذلك لايفهم من كلامه شيء الا و قد اراده فمنه هذا القول و لا الليل سابق النهار اي النهار سابق الليل و كذلك فهمه الامام و قال اي قد سبقه النهار و جل العلوم المستخرجة من القرآن من مفاهيمه فذهبت الاعتراضات و خلص استدلال الحجة7 عن شوائب الشبهات و الاحتمالات كماينبغي لكرم وجهه و عز جلاله و اما علي المعني الاول علي ان يكون الدنيا مجموع هذه السماوات و الارضين فكذلك اذ ما تري في خلق الرحمن من تفاوت و قد علم اولوا الالباب ان الاستدلال علي ما هنالك لايعلم الا بما هيهنا لكن الطالع و الكواكب غير هذه المعروفة فانها من اجزاء الدنيا المولودة ذات الطالع طالع تولدها و لايقاس المولود باجزاء نفسه و انما يقاس بغيره فاذا كان كرة العرش بما فيها هي المولودة فنقيسها بسماوات اخر هي مولودة فيها و نبتغي طالعها من تلك السماوات ليصدق انه طالع الدنيا فافهم و لايذهبن بك المذاهب و لاتقس كلام الحجج بكلام ساير الخلق فاقول ان الدنيا اي السماوات و الارضين العرضية تولدت و خلقت في طالع السرطان البرج المائي فان اول ما خلق الله الماء ثم خلق من زبده الارض و من بخاره السماوات كما هو مشهور في الاخبار و وردت به الخطب و الاثار فالسرطان هو ذلك الماء الذي خلق اول مرة و منه كل شيء حي و قد خص بالسرطان في المثلثة المائية لانه ماء الدورة الاولي المنسوبة الي الملك كما ان الدورة الثانية منسوبة الي الملكوت و الثالثة منسوبة الي الجبروت و لماكان المقصود طالع الملك و الماء الذي خلق منه عالم الاجسام الملكية قال طالعه السرطان لاسيما و هو شرف المشتري كوكب النفس و باء بسم الله التي خلقت الموجودات منها فالباء التي خلقت الموجودات منها هي ذلك الماء الذي خلقت الموجودات منه و هو هنا في هذا المقام جسم الكل و هو برج السرطان و الماء الجسماني المطلق و هو طالع الدنيا لانه واقع في مشرق شمس المشية البازغة علي عرصة الاجسام
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 352 *»
اذ منه تخرج و عليه تتسور القت في هويته مثالها فاظهرت عنه افعالها كما ان طالع عالم المثال الجوزاء و طالع عالم الهيولي الثور و طالع عالم الطبايع الحمل لعلل يطول بيانها فطالع عالم الاجسام العرضية السرطان لما عرفت و قد كان كواكب وجوه المشية و رؤسها المتعلقة بجزئيات هذا العالم في اشرافها و كل كان في غاية القوة و النشاط و الكمال الممكن فكان الشمس اي الوجه المتعلق بالمادة الثانية من المشية من عالم الاجسام في شرفها في برج الحمل الذي هو برج الطبايع و منزل بهرام الطبيعة و لاشك ان شرف المادة في قربها من الطبيعة و اتصالها بعرصتها و كان القمر اي الوجه المتعلق بحيوة عالم الاجسام من المشية في الثور الذي هو برج المواد التي كوكبها الشمس و منزل الزهرة التي هي ظاهر الطبايع و هيئة المواد و الثور هو ظهور الحيوة في هذا العالم كماحقق في محله و لاشك ان شرف القمر في اتصاله بالشمس لانه منها بدء و اليها يعود في الكمال و زحل في الميزان اي الوجه المتعلق بعاقلة عالم الاجسام من المشية في شرفه في برج الميزان منزل الزهرة لان العقل هو الميزان القسط الذي به يوزن كل شيء و الميزان هو منزل زهرة كوكب النبي9 الذي هو عقل الكل و لا شك ان شرف زحل كوكب العاقلة التي هي فعل العقل ان يكون في برج العقل لاسيما الميزان لما عرفت و المشتري كوكب ظهور النفس و العالمة التي هي فعل النفس و النفس هي الباء التي خلقت الموجودات منها كان في شرفه السرطان الذي هو طالع الدنيا فافهم هذه الدقايق فكان وجوه المشية في غاية شرفها و قوتها حين تعلقها بعالم الاجسام فكان الشمس حين كانت في شرفها و غاية استيلائها في برج الحمل عاشر الطالع مبدء الدورة الملكية فكانت قائمة علي قمة الرؤس في غاية الظهور و الاستواء فكان حين خلق الدنيا وقت الزوال و اول صلوة فرضت صلوة الزوال الصلوة الوسطي فقد صح حساب المنجمين حيث يعدون اول النهار من الزوال و انما ذلك لان بدء حركة الشمس يوم خلقت من اول الزوال فكان النهار اي نور شمس المشية المشرفة من اعلي رؤس اهل عالم الاجسام سابقا علي الليل لانه الوجود و ظل المشية و المقبول و ما من الله مقدم علي ما من العبد و
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 353 *»
الليل هو ظل ارض انية القوابل فكان النهار قبل الليل بلاشك لغاية قوة شمس وجه المشية و كونها في شرفها و علي قمة الرؤس مستعلية عليها مستولية علي مادونها فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان الدنيا باسرها تولدت حين كان الطالع من افق الملكوت السرطان اي الماء و الجسم المطلق و انما يقال طالع الدنيا كمايقال طالع زيد و ليس طالع زيد في وجوده و انما هو في العالم فطالع الدنيا ليس في وجودها و انما هو في الملكوت فكان الطالع برج السرطان كما عرفت و كواكب وجوه المشية في شرفها و غاية قوتها اذ وجوه المشية الكلية المتعلقة بعالم الاجسام سبعة زحل و هو وجهها المتعلق بعاقلة العالم و عقله و المشتري وجهها المتعلق بعالمة العالم و نفسه و المريخ وجهها المتعلق بواهمة العالم و طبعه و الشمس وجهها المتعلق بمادة العالم الثانية و هي البهاء و الزهرة وجهها المتعلق بمثال هذا العالم و خياله و عطارد وجهها المتعلق بفكر هذا العالم و ظهور علمه و القمر وجهها المتعلق بحيوة هذا العالم و بتمامها تتم سماوات التدبير و افلاك التقدير فهذه الوجوه كانت في غاية قوتها و استيلائها بلاعائق عن كمالها و قوتها فكان زحل في الميزان القويم و القسطاس المستقيم و المشتري في السرطان طالع الدنيا فالكوكب المستولي علي طالع الدنيا و صاحب الطالع شرفا و نزولا المشتري كوكب النفس التي خلقت الموجودات منها كما عرفت و كانت الشمس في الحمل الواقف في جهة الرب من الدنيا لا ظهور الا لها و القمر في الثور الذي هو دابة الحيوة فافهم راشدا موفقا فكان نهار الوجود الذي هو ظل شمس المشية او وجهها المتعلق بالمواد سابقا علي ليل الماهية التي هي ظل ارض انية المخلوق و جهته الي نفسه و لما كان الامر في الملكوت هكذا ظهرت تلك الجهات في عالم الملك علي ما يقتضيه كما ان للنفس الناطقة بصرا و سمعا و شما و ذوقا و لمسا فاذا ظهرت بالجسم في الاجسام ظهرت تلك القوي في اعضاء مناسبة مشاكلة بحيث لو صعدت صارت تلك القوي كما ان تلك القوي لما نزلت صارت تلك الاعضاء فتلك الاوضاع لما ظهرت في عالم الملك ظهرت علي ما قدمنا فكان طالع الارض المولودة المدحية من تحت الكعبة برج السرطان و كانت الكواكب في الاشراف
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 354 *»
و النهار قبل الليل و كان حين الزوال فالحمد لله الذي بين علي السنتنا و ايدينا اسرار آل محمد: و خصنا بهذه الموهبة من دون العالمين فتبين انهم: الشاهدون علي العوالم المطلعون علي الحقايق العالمون بالدقايق ما ينطقون عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فصلي الله عليهم ما اظلت الخضراء علي الغبراء و بسطت الغبراء تحت الخضراء و في ما ذكرنا كفاية و بلاغ و الحمدلله.
قال سلمه الله السادسة بيان ما روي عن اميرالمؤمنين علي بن ابيطالب7 في جواب ما سأله يهودي عنه7 فقال ما الشيء و ما نصف الشيء فقال7 في جوابه اما الشيء فهو كافر مثلك و اما نصف الشيء فهو مؤمن مثلي و بيان ربط الجواب بالسؤال و ماذا اراد7 من الشيء و نصفه؟
اقول لمار هذا الخبر في كتاب الا اني سمعته و لماثق به و يحتمل ان يكون مما مر كما مر و علي اي حال هو كلام مرتبط و يمكن ان يفسر بتفسير حق و هو ان عليا7 هو من محمد9 و محمد9 منه و هما من نور واحد كانا واحدا الي ان دخل صلب عبدالمطلب انشق شقين فصار شق في صلب عبدالله و شق في صلب ابيطالب فخرج نصف ذلك النور محمدا و نصفه عليا كما روي عن النبي9 في حديث طويل انه خاطب عليا7 قال خلقني و خلقك روحين من نور جلاله فكنا امام عرش رب العالمين نسبح الله و نقدسه و نحمده و نهلله ذلك قبل ان يخلق السموات و الارضين فلما اراد ان يخلق آدم خلقني و اياك من طينة واحدة من طين عليين و عجننا بذلك النور و غمسنا في جميع الانوار و انهار الجنة ثم خلق آدم و استودع صلبه تلك الطينة و النور الي ان قال فكانت الطينة في صلب آدم و نوري و نورك بين عينيه فمازال ذلك النور ينتقل بين اعين النبيين و المنتجبين حتي وصل النور و الطينة الي صلب عبدالمطلب فافترق نصفين فخلقني الله من نصفه و اتخذني
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 355 *»
نبيا و رسولا و خلقك من النصف الاخر فاتخذك خليفة علي خلقه و وصيا و وليا الخبر فعلي7 نصف الشيء لان محمدا و عليا من نور واحد و اما الشيء التام فكافر مثله فانه رجل واحد له مادة و صورة علي حسبه و يمكن ان يقال ان كل شيء مركب من نور و ظلمة و شيئيته بهما فمن غلب احدهما علي الاخر بحيث استهلك الاخر فيه فكانه نور صرف او ظلمة صرفة فمن كان كذلك فهو نصف الشيء و من لميستهلك فيه احدهما فهو الشيء التام الموجود فيه النور بالفعل و الظلمة بالفعل فيصدر عنه طاعة و معصية فعلي7 قد استهلك في نوره الظلمة فلايصدر عنه الا الطاعة فهو نصف الشيء و اما ذلك الكافر فلاجل انه لميبلغ مبلغ رؤساء الضلالة الذين لميبق فيهم نور و لايصدر عنهم خير فكان فيه نور و ظلمة و ان كان الغالب عليه الظلمة الا ان للنور فيه بعد اثرا و يصدر عنه خير فهو شيء تام و الكلام الذي لميثبت صحة نسبته الي اهل العصمه لايليق بان يعتني به اكثر من ذلك و كان هذا الجواب و ما يشاكله من باب ان لكل مسألة جوابا.
قال سلمه الله السابعة بيان حديث نسب الي عبدالله بن الحسن و قد سئل عنه حال رجل قال لامرأته انت طالق عدد نجوم السماء فقال تبين برأس الجوزاء و الباقي وزر عليه و عقوبة و انه ماذا اراد برأس الجوزاء و ماذا اراد قوله و الباقي وزر عليه و عقوبة؟
اقول هذا حكم عامي و ليس من الحق بمراح و لا مغدي فانه اراد ان المرأة تبين بثلثة فان رأس الجوزا كواكب هكذا ... علي هيئة نقاط الثاء المثلثة من فوق فاذا قال انت طالق بعدد نجوم السماء فكانه قال انت طالق انت طالق انت طالق بعدد النجوم و المرأة تبين بعد الثالث و الثلثة عدد كواكب رأس الجوزا و الباقي وزر عليه و عقوبة فانه خالف السنة علي زعمه و هذا علي مذهب العامة و اما علي مذهبنا فعن الكافي عن الكلبي النسابة
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 356 *»
قال دخلت علي جعفر بن محمد8 فقلت له اخبرني عن رجل قال لامرأته انت طالق عدد نجوم السماء فقال ويحك اما تقرأ سورة الطلاق قلت بلي قال فاقرء فقرأت فطلقوهن لعدتهن و احصوا العدة قال اتري هنا نجوم السماء قلت لا قلت فرجل قال لامرأته انت طالق ثلثا قال ترد الي كتاب الله و سنة نبيه الخبر و في اخبارنا المستفيضة ان الطلاق ثلثا ان كانت في طهر فواحدة و ان لمتكن علي طهر فليس بشيء و من طلق امرأته مرة او مأة مرة فانما هي واحدة يعني به رسلا و روي اياكم و المطلقات ثلثا في مجلس فانهن ذوات الازواج فتبين ان ذلك مذهب العامة و انهم كانوا يجبرون آراءهم الباطلة بالفاظ مونقة زعما منهم انها تحققها و ليست الا زخرف القول غرورا.
قال سلمه الله الثامنة بيان ما حكم به سيد الوصيين و اميرالمؤمنين7 في الحالف بصدقة زنة عبده قبل حله فهو مشهور و لميهتد الي معرفته غيره و لميسبقه الي استخراجه احد فانه روي في الصحاح ان رجلا قيد رجل عبده و حلف ان لايزيل عنه القيد حتي يتصدق بوزنه و قد سئل7 عن حكمه فامر7 بوضعه في الماء المحصور في الانية ثم برفعه و وضع برادة الحديد اي ما سقط منه مكانه حتي ارتفع الماء الي المكان الاول و تصدق بوزنه و ذكر سر هذا الحكم و بيان مرجع ضمير بوزنه و جنس الصدقة؟
اقول لماظفر علي هذه الرواية التي ذكرتموها و فيما ذكرتم اختلال كثير و الذي وجدناه من نوع هذا الحكم عن قضايا اميرالمؤمنين7 ما رواه في الوسايل باسناده عن عمرو بن شمر عن جعفر بن غالب رفع الحديث قال بينما رجلان جالسان في زمن عمر بن الخطاب اذ مر بهما رجل مقيد فقال احد الرجلين ان لميكن في قيده كذا فامرأته طالق ثلثا فقال الاخر ان كان فيه كما قلت فامرأته طالق ثلثا فذهبا الي مولي العبد و هو مقيد فقالا انا حلفنا علي كذا و كذا فحل قيد غلامك حتي نزنه فقال مولي العبد امرأتي طالق ان حللت قيد غلامي فارتفعوا الي عمر فقصوا عليه القصة فقال عمر مولاه احق به اذهبوا الي علي بن ابيطالب
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 357 *»
7 لعله يكون عنده في هذا شيء فاتوا عليا7 فقصوا عليه القصة فقال ما اهون هذا ثم دعا بجفنة و امر بقيد العبد فشد فيه خيط و ادخل رجليه و القيد في الجفنة ثم صب عليه الماء حتي امتلأت ثم قال7 ارفعوا القيد فرفعوا القيد حتي اخرج عن الماء فلما اخرج نقص الماء ثم دعا بزبر الحديد فارسله في الماء حتي تراجع الي موضعه و القيد في الماء ثم قال زنوا هذا الزبر فهو وزنه و اظنك قد اردت هذا الخبر ففاتك او حكيه لك حاك و حرف و بدل و اراد النقل بالمعني فلميأت به فعلي ما رواه صاحب الوسائل فلا اشكال فيه فان زبر الحديد و الحديد لايتفاوت حجمهما و وزنهما فاذا وضع الرجل مع القيد و كان الماء الي موضع من الاناء ثم رفع القيد عن الماء و بقي الرجل في الماء نقص الماء البتة فاذا صب فيه زبر الحديد بوزن القيد عاد الماء الي موضعه لان حجمه كحجم القيد البتة فوزن الزبر وزن القيد البتة و معني رفع القيد رفعه و الرجل فيه وجره الي اعلي الساق و اما ما رويتموه فلا اعرفه في الروايات نعم لو حلف رجل ان يتصدق بزنة عبده قبل حله يمكن فيه ان يدبر هذا التدبير ان يزن عبده مع قيده بالميزان ثم يستعلم وزن القيد بالتدبير المذكور في الحديث الماضي ثم ينقص عن زنة العبد زنة الزبر فيبقي وزن العبد الخالص ثم يتصدق بزنته بكل ما يعد في العرف صدقة من حنطة او شعير فمادونهما او ما هو فوقهما من ذهب او فضة فلو كان لما ذكرتم اصل فقد حرف و بدل و سبيل استخراجه وزن العبد المقيد ما ذكرناه و يمكن ايضا استعلامه ان لميكن ميزان يزن العبد بما امر النبي9 من حلف ان يزن الفيل ان يدخل الفيل سفينة ثم ينظر الي موضع الماء من السفينة فيعلم عليه ثم يخرج الفيل و يلقي في السفينة حديدا او صفرا او ما شاء فاذا بلغ الماء الموضع الذي علم عليه اخرجه و وزنه فيمكن ان يقعد العبد ايضا في قفة صغيرة و يلقيها في الماء و يعلم موضع الماء منها ثم يخرجه و يلقي فيها حجرا حتي يبلغ الماء موضعه الاول ثم يزن الحجر فيعلم وزنهما ثم يستخرج وزن القيد بما مر فينقص عن وزنهما و هذه التدابير من الذكاوة و ليست بمعجزة و لا من خواص الامام7 و شأنه اعظم من ذلك و لذا قال ما اهون ذلك.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 358 *»
قال سلمه الله التاسعة بيان مسألة اصولية و يتفرع عليها الاختلاف الواقع بينهم و هي ان طريق ثبوت الوضع في الالفاظ الموضوعة اهو منحصر في النقل عن الواضع ام يثبت بغيره كالمناسبة الذاتية و نحوها من وجوه الاستحسانات الي آخر سؤاله بطوله.
اقول تستفاد معرفة الموضوع له بالنقل المتواتر عن الواضع و بالاحاد المحفوفة بالقرائن القطعية و بالقياس ان علم وجه وضع الواضع لفظه بازاء معناه بخبر متواتر او آحاد محفوفة بالقرائن القطعية كما اذا علمنا ان لفظ الخمر وضع علي العصير المختمر لاخماره العقل كما روي فكلما كان عاقبته خمرا نعلم ان الخمر موضوع له و فيه حقيقة كما روي ان الله لميحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فكلما كان عاقبته خمرا فهو خمر و قد يثبت الوضع بالدليل العقلي المؤيد بالقراين و الاحوال الخارجية و كثيرا ما يستدلون الاصحاب علي المعاني بالعقل في عملهم و ان انكروه في قولهم ولكن اذا كان مؤيدا بالقراين الخارجية الظنية و بعض الوجوه و المناسبات و المحل و سابقه في العبارة و لاحقه ينتج القطع بكون معناه ذلك و قد يثبت بالاجماع من اهل اللغة لحصول العلم العادي بارادة الواضع و قد يثبت باخبار واحد ثقة عدل ضابط عالم بالفن متتبع لحصول العلم العادي بخبره و قد يثبت بورود خبر عن آل محمد: فانهم امراء الكلام و عليهم تهدلت غصونه و فيهم تنشبت عروقه و لايحتاج في السند ازيد مما كان يعتبر في اهل اللغة و الرواة عن ائمة اللغة اذا كان الراوي من اهل الفن و اما اذا كان من غير اهل الفن فلابد فيه من اعتبار ما يعتبر في ساير الاخبار و العجب من قوم زعموا انه لايثبت بذلك لان الائمة: شأنهم الفتوي في الحلال و الحرام و ليس شأنهم بيان اللغة ما ادري و لا احب ان ادري الميكونوا عربا ام كانوا عربا و نسوا العربية ام يحرم علي امام القوم ان يتفوه بالعربية ام ليس بثقة اذا اخبر عن معني لغة ام يكذب و يفتري علي الواضع و هو الله سبحانه علي الحق ان هذا الا جسارة عظيمة عليهم اعاذنا الله منها بل اقول لو روي الحديث غير الامامي و كان في كتبهم دون كتبنا و كان من اهل الفن يؤخذ به لانه ليس باقل و استغفر الله من
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 359 *»
رواية الجوهري عن الاصمعي ما بالهم ما ظنهم فاذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بآياتنا لايوقنون و لماكان هذه المسائل غير موضع السؤال ما بسطنا القول فيه و انما ذكرناه استطرادا و اما ثبوت الوضع بالمناسبة الذاتية و هو موضع السؤال اعلم ان هذه المسألة مما كثر منا بيانه و قل من عقله منا كما اردنا و انا ابين لك هيهنا لينقطع ابحاثك ان شاء الله و تعرف مرادنا من بيان المناسبة الذاتية اعلم ان الله سبحانه هو الواضع الحق لا شريك له و هو مخصص ما يشاء بما يشاء كيف يشاء قل الله خالق كل شيء قل كل من عند الله و العبرة بعموم اللفظ و قال و علم آدم الاسماء كلها و الاسماء جمع محلي باللام مؤكد بالكل المضاف الي الضمير فانه ابلغ في افادة العموم من ان يقال كل الاسماء و يقول لمنجعل له من قبل سميا و قد اشبعنا القول في ذلك في ساير كتبنا و لها اخبار عن اهل العصمة و الطهارة منها قول الرضا7 العبارات كلها من الله عزوجل علمها خلقه الي غير ذلك فلايذهبن بك المذاهب فان ربنا لاشريك له في احداث الحوادث و لا حادث الا باحداثه كما روي ما من شيء في الارض و لا في السماء الا بسبعة بمشية و ارادة و قدر و قضاء و اذن و اجل و كتاب فمن زعم انه يقدر علي نقص واحدة فقد اشرك بالجملة هذا محقق في محله و قد خلق ما خلق كائنا ما كان من كيفيات اربع نوعا و سبب اختلافها في الصورة اختلاف هذه الكيفيات فيها كما و كيفا و وقتا و مكانا و جهة و رتبة كماتري ان جميع العقاقير من العناصر ولكن نار الدارصيني مثلا غير نار حبة السوداء فان نار حبة السوداء اذا وردت البدن تسفلت و نار الدارصيني صعدت الي اعلي الدماغ و نار الدارصيني اكثر كما من نار حبة السوداء و نار الدارصيني اشد كيفا و لو ساوت نار حبة السوداء في الكم و هكذا و لسنا بصدد بيان هذه الامور و انما مثلنا لك بذلك فالعقاقير و ان كانت من العناصر ولكنها فيها مختلفة في الكم و الكيف و الجهة و الرتبة و الوقت و المكان و من عرف معني هذا الاختلاف عرف معني الخاصة التي عجز عنها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 360 *»
الحكماء فكما ان العقاقير من العناصر و اختلافها لايتناهي جميع ما خلق الله من الاشياء ايضا من الكيفيات الاربع الكونية و اختلاف الاشياء باختلافها لايتناهي فاذا حصل الاختلاف فالاشياء يقارب بعضها بعضا في جهة و يخالفه في غيرها كما انك تجد عقارين احمرين ولكن احدهما صلب مثلا و الاخر رخو و هكذا فمن ذلك وجدت بين الاشياء تقاربات و تباعدات و تعارفات و تناكرات و توافقات و تخالفات و منه قوله9 الارواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف فتعارف الاشياء بقدر تشاكلها و تناكر الاشياء بقدر تخالفها فعلي هذا لايوجد شيئان متوافقان من كل جهة فلابد في الشيئين من تناكر و لو في جهة واحدة و هذا معني ما روي كثرة الوفاق نفاق فاذا تبين لك هذه المقدمة السديدة الحكمية الالهية النبوية العلوية فاعلم ان من الاشياء المعاني و الالفاظ فالمعاني مركبة من الكيفيات كما ذكرنا و الالفاظ ايضا مركبة من الكيفيات فانها آثار لمشية الله سبحانه و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فبعض المعاني تناسب بعض الالفاظ في جهة من جهات كينونته و صورة من صور انيته و ماهيته لامحة لامحيص عن ذلك الا تري ان المعني المكرر يناسب اللفظ المكرر كلفظ كرر و ردد و لجلج و شعشع و بدد و امثالها و من ذلك قيل كثرة المباني تدل علي كثرة المعاني و هكذا في ساير خصالها التي لانريد الاطالة بذكرها و ان تجد لفظا لمعنيين متضادين فلاتنكر ذلك فان للفظ جهات عديدة و للمعاني جهات عديدة يناسب لفظ واحد معاني عديدة بجهاته الا تري ان الياقوت يناسب النار في حمرته و تلألأه و التراب في صلابته و الماء في صفائه و الهواء في شفافته فاي شيء تنكر من لفظ واحد لمعان عديدة لو دل علي كل واحد بجهة من جهاته فالحروف منها ناري و منها هوائي و منها مائي و منها ترابي و كذا منها عرشي و منها كرسوي و منها فلكي و منها عنصري و كذا منها زحلي و منها مشتروي و منها مريخي و منها شمسي و منها زهري و منها عطاردي و منها قمري و كذا منها حملي و منها ثوري الي آخر البروج و كذا منها نهاري و منها ليلي و كذا منها مذكر و منها مؤنث و كذا منها نوراني و منها ظلماني و كذا منها
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 361 *»
شقي و منها سعيد و كذا منها جبروتي و منها ملكوتي و منها ملكي و كذا منها امري و منها خلقي و كذا فيها كامثال مراتب الاناسي فمنها نبوي و منها امامي و منها رعية و منها سلطاني و منها وزيري و منها سوقي و منها بلدي و منها بدوي و كذا منها احمر و منها اصفر و منها ابيض و منها اسود و هكذا في الحروف جميع ما خلق الله سبحانه في ملكه و هي هي الثمانية و العشرون فاذا كان لكل حرف جهات عديدة مما بينا و لمنبينه فما انكرك علي دلالة حرف واحد علي معان عديدة و جميع العقلاء من السلف في الجاهلية و الاسلام و جميع اهل السيميا و الهيميا و النجوم و الرمل و الجفر و الاوفاق و الاعداد و السحر و غيرها علي ان بين الالفاظ و المعاني مناسبة ذاتية الا شرذمة قليلة من الاصوليين الذين ليسوا باهل علم فانهم يتكلمون في علم مؤلف من العلوم العديدة لميستكملوا شيئا منها و لايفهم مسألة واحدة من علم الا ان يدخل الانسان مدينة اهله و يعاشرهم و يساورهم و يفهم جميع ما عندهم فان العلم مرتبط بعضه ببعض و لايفهم الانسان مسألة واحدة من علم حق الفهم الا ان يفهم كل ذلك العلم و هؤلاء تكلموا في العلم الالهي و لميفهموا فيه جليلا و لا دقيقا و تكلموا في الكلام و لميفهموا منه قليلا و لا كثيرا و تكلموا في علم الالفاظ من حيث موادها و صورها و لميفهموا منها هرا من بر و تكلموا في تصاريفها و اوضاعها و حركاتها و سكناتها تقليدا منهم لغيرهم من النحويين و الصرفيين بالجملة ارادوا ان يلتقطوا من كل علم مسائل معدودة و يقفوا في بلدهم و يتكلموا فيها و محال ان يصيبوا عن بصيرة الا ان يدخلوا بلدة اهله و يروا جميعهم و يفهموا لغتهم و يقلبوهم ظهرا لبطن عن بصيرة و اجتهاد و بينهم و بين ذلك البحر الاخضر بالجملة علي ذلك اجماع اهل الحق و العقد من العلماء الذين عددت بعضهم و الاصوليون فيهم كشية في جلد بقرة و ما اقلهم عندهم الا تري ان الامام7 سأل عبدالله الديصاني الزنديق و قال ما اسمك فخرج عنه و لميخبره باسمه فقال له اصحابه كيف لمتخبره باسمك قال لو كنت قلت له عبدالله كان يقول من هذا الذي انت له عبد فقالوا عد اليه و قل له يدلك علي معبودك
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 362 *»
و لايسألك عن اسمك فرجع اليه و سأله ذلك و لو كان علي مذهب هؤلاء لكان يخبر باسمه فاذا قال له الامام ذلك قال ان امي سمتني بذلك و لايجب فيه المناسبة و راجع تفسير الباقر7 لكلمة الصمد علي وفد فلسطين و تلك المناسبات و الوجوه التي يعجز عنها العقول الا تعتبر ان الجفري يكتب حروف ان زيدا هل يسافر في يوم كذا و كذا ام لا و يعمل فيها باخذ القوي و النظاير و المستحصلات يخرج له حروف ان زيدا يسافر في يوم كذا و كذا و يطابق الواقع و لولا المناسبة بين هذه الحروف و الجثث و المعاني الخارجية كيف يوافق الواقع و يعمل صاحب الاوفاق وفقا يضع فيه حروف زيد و زينب مثلا بعد الخلط و المزج و اخذ القوي و آية من آيات المحبة مثلا فيتألف قلوبهما في الواقع و الخارج و لولا المناسبة بين هذه الحروف و الجثث الخارجية كيف صار يؤثر ذلك في تلك الجثث و ان صاحب الرمل ينوي ان سارق هذا المال من هو و يضرب رمله و يحسب نقاطه و يراعي طبايعها و نسبتها مع الحروف فيستخرج حروفا ان سارق مال زيد عمرو و لولا ارتباط هذه الحروف بمعانيها و ساير اوضاع العالم كيف يخرج هذه الحروف مطابقة للواقع و ان صاحب الزيج و الاسطرلاب ينوي ان فلانا يأتي من سفره من معه و ما اسمه فيستخرج الزايجة و يسوي البيوت و يستخرج كواكبها ثم يستخرج حروفا توافق اسم من يأتي و لولا هذه المناسبة من اين يجيء الموافقة و ان اصحاب الهيميا يؤلفون حروفا للرفع و الخفض و الاصلاح و الافساد و التحبيب و التبغيض فيوافق عملهم الخارج و يظهر الاثر في الجثث الخارجية و لولا المناسبة بين الحروف و الجثث الخارجية من اين يقع هذا الاثر و ان اصحاب الطلسمات و السيميا يصنعون طلسما علي هيئة مناسبة و يكتبون عليها اسم من ارادوا فيقع الاثر علي الجثث الخارجية و لولا المناسبة من اين وقع هذا الاثر و من هذا الباب ما ندب اليه في الشرع ان يذكر الانسان حاجته باللسان في دعوته فان حروف حاجته لها مناسبة فاذا وقعت في عرض الدعوة لكانت اشد اثرا البتة بالجملة ان المناسبة بين الالفاظ و المعاني مما يكون بديهيا بين اصحاب العلوم و انكار الاصوليين نادر فيما بينهم لاسيما و ليسوا من اصحاب علم هذه المسألة و خروج غير اهل الفن عن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 363 *»
الجماعة لايضر باجماع اهل الفن بالجملة ان للموجودات كما عرفت كيفيات اربع و وجوه اختلافها كما عرفت غير متناهية و بعضها يوافق بعضا في جهة او جهات و يخالف بعضها بعضا في جهة او جهات و منها الالفاظ و المعاني فبين كل لفظ و بين معني من المعاني توافق البتة في جهة او جهات و ذلك التوافق هو المناسبة الذاتية ولكن الغامض هنا ان من لاخبرة له ربما يزعم ان الالفاظ دلالتها علي معانيها ذاتية و ليست تحتاج الي وضع الواضع و هو غلط باطل و مجتث زايل فان اللفظ لولا الواضع و وضعه ليس بموجود مؤلف مركب كما ان لولا خلق الخالق لميكن بدن زيد بموجود و ليس ان بدن زيد يدل علي روح زيد و يناسبه من غير تأليف المؤلف له و خلق الخالق اياه بل المعني ان الله سبحانه لما اراد ان يخلق لروح زيد بدنا لميأخذ اجزاء عنصرية كيفما اتفقت بل اخذ اجزاء عنصرية مناسبة لروح زيد كما اخذ لبدن السبع اجزاء مناسبة له فخلق بدنه صفراويا حاد الانياب و المخالب موسع الفرج قوي المفاصل و خلق بدن الفرس علي حسب روحه و هكذا و لو شئت التفصيل فراجع حديث المفضل و كذلك لما اراد خلق بدن لروح زيد خلق اجزاء مناسبة لزيد و لعمرو اجزاء مناسبة لعمرو و لذا تري اهل القيافة يستدلون باسارير البدن و الوانه و كيفياته علي روح زيد و عمرو و حالاته و لولا المناسبة لمادلت ابدا و قد روي ان المعني في اللفظ كالروح في الجسد فقيافة اللفظ تدل علي خصال المعني و كيفياته لمن يعرف قيافته فكذلك الواضع الحق جل شأنه لما اراد خلق جسد لفظ لروح معني لميؤلف له من الحروف الا ما يناسبه و يشاكله و كذلك تقدير العزيز العليم ما تري في خلق الرحمن من تفاوت ولكن من وجوه المناسبة ما يعرفه عقول الجزئيين و منها ما لاتعرفه فلو لميعرفه من ليس من اهل فن قيافة الالفاظ فلاغرو ولكن الاصوليين تحاولوا ما ليس لهم بل كذبوا بما لميحيطوا بعلمه و لما يأتهم تأويله فالالفاظ مؤلفة من حروف مناسبة لحروف المعني علي هيئة مناسبة لهيئة المعني و لربما يبقي للمعني بعد ذلك فواضل و عوارض لايؤديها اللفظ فيأتي الطبيعة المجبولة المحفوظة المطابقة لصنع الصانع بفواضل
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 364 *»
و عوارض كونية تستكمل بها المناسبة للمعني فتجهر صوته و تخفته و تمده و تقصره و تسرع اداءه الحروف و تبطيء و تشده و ترخيه و تحكمه و ترعشه و تلينه و تشدده و تستعين بحركات الشفات و العين و الرأس و اليد و البدن حتي تستوفي المناسبة و التوافق التام المتعتبروا ان الطبع لميرفع الصوت و يسرعه عند الغضب و لميضعه و يخضعه عند المحبة و الشهوة و لميمده عند تفهيم البعد و لميقصره عند تفهيم القرب و هكذا من جميع متممات قابلية اللفظ فان له مادة هي الحروف و صورة مقومة هي صورة اللفظ و صورة متممة هي ساير الاعراض و هي متممة للمعني تتميما بينا حتي انه ربما يتكلم الانسان بكلمة ردية غضبية مع لين و ضحك فلايفيد الغضب و بالعكس فاذا عرفت هذه المقدمات فاعلم ان اللفظ ليس دلالته علي المعني بالذات و لا بمناسبة ذاتية فان اللفظ ليس بشيء موجود مستقل بلاواضع بل هو محتاج الي تأويل مؤلف و دال علي المعني بوضع الواضع و لولا وضع الواضع لميكن لفظ حتي يدل فالواضع جل شأنه لما اراد وضع لفظ لمعني من المعاني للتفهيم و التكلم ركب من الحروف ما يناسب ذلك المعني علي هيئة تناسب ذلك المعني من وجه شاء و اراد و ليس ان كلها من باب الكوكب او من باب البرج او من باب الطبع او من باب الجهة او غير ذلك بل وضع كل لفظ من حيث رجح في نظره فراعي في كل شيء مناسبة من جهة من جهات المناسبة فلرب لفظ وضع بمناسبة الطبع و لرب لفظ وضع بمناسبة البرج و هكذا و انما ذلك موقوف بملاحظة الواضع حين الوضع و ظهور الموضوع له له عند مقارنة الاسباب و الالات فلايقدر كل احد علي تعيين الموضوع له بالمناسبة الذاتية فان جهات اللفظ غير متناهية و بكل جهة يناسب معني من المعاني و لربما يكون للفظ عند الواضع الف الف معني ولكن الناس لايعرفون منها الا بعضها فاذا كان كذلك كيف يمكن ان يثبت الموضوع له بالمناسبة الذاتية نعم اذا علم العالم بوجوه اللفظ معني لفظ ثم تفكر فيه يستخرج وجه المناسبة و يعرف ان الواضع لاحظ هذا الوجه و وضعه بازائه و اذا اختلفت الاقوال في معني اللفظ لعله يصير من القرائن علي رجحان احد الاقوال و يؤيده
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 365 *»
فتبين ان دلالة الالفاظ علي المعاني ليست ذاتية و لا بمناسبة ذاتية و انما هي بوضع الواضع بمناسبة ذاتية و من زعم غير ذلك لميعض علي العلم بضرس قاطع نعم بعد الوضع بين اللفظ و المعني مناسبة و قيافة اللفظ كاشفة عن قيافة المعني بعد العلم بالمعني لما ذكرنا من ان وجوه اللفظ غير متناهية يناسب بكل وجه معني و يجوز ان يضعه الواضع لمعان عديدة بتلك الوجوه و لا يعلم احد جميع تلك الوجوه و لا جهة لاحظها الواضع نعم لو سألت العالم عن معان تصلح لان تكون لهذا اللفظ يخبرك انه يصلح لان يوضع لفلان و فلان و فلان تفهّم ما اقول لك و اجزم عليه اللهم الا الكليون المشاهدون لحقايق الاشياء فانهم يعلمون معاني الالفاظ في جميع اللغات اذا ارادوا و شاءوا و ذلك من علم اعلي و ليس من هذا المقام و نحن و ان تركنا بقية سؤالكم الا انا اتينا في جوابنا بكلمات لاتدع لعاقل مجالا في ان يقول بغير ذلك الا انا تركنا في جوابنا الدليل علي ان الله سبحانه اخذ لكل معني لفظا مناسبا علي طريقة اهل المجادلة و اقتصرنا علي دليل الحكمة فان كتبهم به متكفلة و دليل امتناع الترجيح بلامرجح و التخصيص بلا مخصص من الحكيم الغني المستوي علي العرش في محله قوي و قول ان الارادة هي المرجحة لاتدع للترجيح بلامرجح معني في الدنيا و لاتترك لغوا و لا عبثا في العالم و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.
قال سلمه الله العاشرة بيان ما ذكره الشارح اللاري في شرحه علي فارسية الهيئة للقوشجي و الشيخ بهاء الملة و الدين في كتبه و كذا غيرهما من الهيويين في مصنفاتهم من ان الكسوف ان كان غير تام و الباقي من جرم الشمس هلاليا فالضوء الخارج منها النافذ في ثقب ضيق مستدير الي سطح مواز مقابل للثقب يكون هلاليا و ليس ضوء القمر و قد انخسف بعضه و لا في اوايل الشهر و اواخره مع ان المستنير منه في الاحوال هلالي اذ انفذ من الثقب الي السطح الموازي هلاليا بل مستديرا و ان كان الثقب واسعا كان الضوء الخارج من النيرين وقت انخسافهما علي هيئة اشكال الثقوب اعني مستديرا ان كان الثقب مستديرا و مربعا ان كان
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 366 *»
مربعا الي غير ذلك و بيان سر ذلك الاختلاف و البرهان عليه هذه خاتمة المسائل تلك عشرة كاملة.
اقول اما قولهم في الشمس و وقوع الضوء من الثقب الضيق علي هيئتها فصحيح مجرب و اما قولهم في القمر فخطاء بل ذلك هو سر سار في كل ضيّء حتي السراج الا ان الامر في الشمس بين لعلة و في البواقي خفي لعلة فلميتفطنوا بوجوده اعلم ان الالوان لا ظهور لها الا بالاضواء لكمالها و نقصان الالوان عن الظهور بانفسها فاذا وقع الضوء علي اللون اظهره بفضل ظهوره و شبح كل ذي شبح و مثال كل ذي مثال علي هيئته كما تراه في المرآة فلو واجهت المرآة بدائرة من قرطاس نصفها ابيض و نصفها اسود انطبع عكسها في المرآة كذلك دائرة نصفها ابيض و نصفها اسود و تلك الدائرة ذات لونين قد ظهرا بفضل نور وقع عليهما فوقع شبحهما في المرآة و لو واجهت بتلك الدائرة حائطا لوقع شبحها علي الحايط كذلك الا ان شبحها لضعفه و غلبة نور الحائط الحاصل من استنارته من الهواء و الشمس و ساير الاجسام لايتبين فلو اردت اعتباره و تبينه اصنع بيتا ذا اربعة حيطان و سقف مظلما لا منفذ له و اثقب الحائط الشمالي منه ثقبة بسعة فلقة نارنجة فادخل البيت و سد المنافذ حتي يكون مظلما وليكن الحائط المقابل لذي الثقب ابيضا او علق عليه شيئا ابيض و امر من يمسك تلك الدائرة في مقابلة ذلك الثقب في اول الزوال بحيث يستشرق وجهها من الشمس و انظر انت في البيت علي الحائط الابيض فانك تجد شكل دائرة نصفها ابيض و نصفها اسود بل لو امرت بان يقف رجل في مقابل الثقب بحيث يستشرق وجهه من الشمس لوجدت شكله علي الحائط الابيض ابيض و احمر و اسود كأنه منقوش بقلم و الوان علي هيئة الواقف حرفا بحرف و اما ان كان الثقب واسعا يقع منه ضوء غير ضوء الشاخص و اشباح اخر يستهلك شبح الشاخص علي الحائط فلايتبين و كذا يتبين الالوان علي الحائط ان كان الضوء قويا و الظل الذي حوله شديد السواد اما ان كان الضوء ضعيفا او كان الظل الذي حوله ضعيفا لايتبين كما ينبغي فان الضوء الضعيف لايميز الالوان كما ينبغي و الظل الذي حوله يضعف اذا كان ضوء
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 367 *»
قد اناره فاذا كان الضوء زايدا بحيث ينير حوله فانما يخفي الالوان و يهلكها مثل انك لاتجد شبح وجهك في الحيطان لاستهلاكه و ليس ذلك لاجل ان وجهك لاشبح له بل له شبح و قد انطبع في الحائط الا انه استهلك و مازج الاضواء حتي خفي فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الشمس ضوءها قوي فاذا انخسفت غير تام صار نصف ما يري من قرصها اسود ولكنه مستضيء بضوء الباقي و ضوء الفضاء و معني استضاءته وقوع الضوء عليه كمايقع علي الفحمة فنصف قرصها اسود بين و نصف قرصها ضيء بين و لكل منهما شبح فاذا كان ثقب ضيق قابلها و ماوراء الثقب ظل يقع الشبح منه علي الحائط كما هو يعني نصفه اسود و نصفه ضيء و اذا كان الثقب واسعا قابل الثقب القرص و حواليه و صار ضوء ورائه كثيرا شديدا لانه ينفذ منه ضوء الشمس و ضوء الاهوية حولها فحينئذ يستهلك شبح النصف الاسود مع انه موجود منطبع في الحائط ولكنه مستهلك في غلبة الضوء و اما القمر فالمانع من بروز شبحه هلاليا و غيره ضعف نوره و عدم تبين الالوان بالليل و عدم تبين الباقي المظلم من القمر فانا شرطنا ان يكون الباقي المظلم مرئيا بينا و الباقي المظلم من القمر او الهلال غير مرئي حسنا فكما ان الباقي منه غير مرئي بالعين غير مرئي في الحائط فاذا لمير الباقي الاسود منه في الحائط لابد و ان يري كله نورا و كذلك الامر في السراج و اما اذا رأي الباقي من القمر ضعيفا فله شبح ضعيف البتة الا انه مستهلك في النور فلايري علي الحائط هذا مجمل السر فيه و قد بسطنا القول في ذلك في كتابنا ضياء البصاير في المناظر و المرايا و هو كتاب عجيب جدا و قد بسطنا القول ايضا في اجوبة الشيخ محمد جعفر القزويني و ليس لي الان اقبال بازيد من ذلك لتوارد الضعف و الهموم و الاشغال الكثيرة و فيما ذكرت كفاية و بلاغ.
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 368 *»
قال سلمه الله ملحقا بما سبق ثلثة مسائل اخر ما حاصله السؤال عن وجه اعتراف الائمة بالمعاصي في ادعيتهم و توبتهم عنها و استغفارهم منها؟
اقول اعلم ان الله سبحانه احد لايثني و لايجزي و كل ما سواه مركب مثني مجزي له جهة اليه سبحانه و هي جهة توصيفه نفسه له بها و جهة الي نفسه و هي انيته التي ليست بذكر الرب و هي علي خلاف الجهة الاولي لان الاولي جهة الرب الاحد و الثانية جهة العبد المركب المحدود في القدسي يا آدم روحك من روحي و طبيعتك علي خلاف كينونتي فالجهة الاولي خير و نور و كمال و قدس و حسن و الثانية شر و ظلمة و نقص و لوث و قبح و ان كانت تتفاوت في شدة هذه الامور و ضعفها علي حسب غلبة الجهة الاولي و مغلوبيتها و تلك الجهة في كل مخلوق بها هو هو فهي ايضا في المعصومين موجودة الا انها مستنيرة بنور الجهة الاولي لغلبتها عليها و عملهم بمقتضاها ولكنها ليست اذا استنارت صارت الجهة الاولي و استحالت اليها فليس فيهم الا جهة واحدة بالكلية بل هي هي الا انها مستنيرة كالحائط المستنير مثلا و محض كونها هي هي مستلزم لمخالفة ما اذ محال ان يصدر من شيئين ممتازين اثر واحد و المخالفة الموجودة في جميع اعضائهم و جوارحهم و اعمالهم و اقوالهم و احوالهم لانها كلها مركبة و منها يستغفرون ربهم و ينسبون المعصية الي كل عضو من اعضائهم و عمل من اعمالهم و قول من اقوالهم و لاجل ذلك ان المخلوق لايقدر علي اداء حق الله سبحانه في عبادة و كل احد مقصر عند حقه سبحانه هذا و ان كان هذا العصيان افضل من عبادة جميع ملك الله سبحانه فان نور ساير الخلق شبح ظلمتهم و حسنات الابرار سيئات المقربين فهم: معصومون مطهرون عن جميع المعاصي التي تصدر عن جميع الخلق و عمايمكن صدوره عنهم مما لهم الانزعاج عنه حيث هم فيه و اما تلك المعصية التي اذا تجاوزوا عنها عرفوا مخالفتها لما عليه وصف الله جل شأنه فلا فانها تصدر عنها فاذا تجاوزوا عنها تبين لهم كونها عصيانا و تجاوزهم عنها بهذا الاستغفار فانهم علموا نوعا انهم لايؤدون حق الله سبحانه فيستغفرون
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 369 *»
دائما و يترقون عما كانوا فيه دائما بذلك و في دعاء الحسين7 غير ضنين بنفسي فيما يرضيك عني اذ به قد رضيتني لاتقل ان القصور الذاتي ليس بذنب فان درجات العباد متفاوتة و معارفهم بربهم مختلفة و قويهم متدرجة فالذي يري ان الايجاد من الموجد علي حسب انوجاد المنوجد و يري في نفسه نقصا يراه من نفسه و من نقصان انوجاده الذي هو فعله و لنعم ما قال الشاعر:
اذا قلت ما اذنبت قالت مجيبة
وجودك ذنب لايقاس به ذنب
فعدم كون القصور ذنبا بالنسبة الي و اليك و اما بالنسبة اليهم فانهم يعدونه اشد ذنب فافهم فقد اسقيتك ماء غدقا. و وجه آخر ان شيعتهم شعاعهم و شعاعهم منهم و صفتهم و فعلهم و عملهم راجع اليهم و كل نقص يلحقهم و كل ما يصدر عنهم فانما هو مضاف اليهم كما ان كل نقص يلحق كلامك او قيامك او قعودك فانما يلحقك و تعتذر منه فجميع ذنوب شيعة علي7 راجع اليهم و هم يعتذرون منه و يستغفرون له و يتوبون عنه فانهم اولياء المؤمنين و النبي اولي بالمؤمنين من انفسهم و هم نفس النبي فاذا كان الامام اولي بالمؤمنين من انفسهم فهو اولي باعمالهم و اقوالهم و اولي بالاستغفار من ذنبهم و هذا معني ما روي ان الله حمل ذنوب شيعة علي رسول الله9 ثم غفرها له و هذا وجه لايعرفه الا من عرف كيفية كونهم اصل كل خير و فرعه كما في الزيارة ان ذكر الخير كنتم اوله و اصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه بالجملة هم اولي بالاستغفار من ذنوب الشيعة من الشيع فافهم قليلا من كثير و ليس لي الان اقبال ازيد من هذا المقال لكثرة الملال.
قال سلمه الله ما حاصله السؤال عن معني تردد الله الوارد في الدعاء و القدسي ماترددت في شيء انا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت و اكره مساءته؟
اقول ان ربنا جل جلاله لايتردد و ليس له جولان خاطر و لا تردد ضمير
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 370 *»
بالبداهة فما ورد من امثال ذلك فانما هو علي معني يعرفه الخواص من الحكماء و كلماته جل جلاله و كلمات اوليائه صلوات الله عليهم تنصرف الي معان و من تلك المعاني لهذه الفقرات ان التردد و الثبات من صفات الافعال و حادثان و ليسا في الذات و لايكون الذات محل الحوادث فهما في الفعل و المشية و فعله سبحانه يجري في المفعول علي حسب قابلية المفعول فانه و له الفناء المطلق يعطي من سأله و يستجيب لمن دعاه قل لايعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم و المفعول هو المصدر و يشتق للفاعل الاسم من المصدر فان خلق الخلق فهو الخالق و ان رزق الرزق فهو الرازق و ان جعل الجعل فهو الجاعل و ان فعل الفعل فهو الفاعل و هكذا و المصدر هو المفعول المطلق المجعول بالفعل الصادر عنه و ذلك المفعول هو المنفعل المنوجد المفعول علي حسب انفعاله و في حدود انفعاله فاذا كان في المفعول مقتضي الايجاد او الجعل موجودا و المانع عنهما مفقودا اوجده علي حسب دعاء الاقتضاء و جعله علي حسبه و نحوه و ان كان المانع فيهما موجودا و المقتضي مفقودا لميتعلق به الجعل و الايجاد ابدا و ان كان المقتضي في الايجاد وحده موجودا و المانع فيه مفقودا يوجد ثم ان كان المقتضي للجعل ضعيفا و المانع قويا كان تعلق الجعل به ضعيفا و اعراضه عنه قويا و ان انعكسا انعكس الامر و ان كانا حينا كذا و حينا كذا كان الجعل حينا كذا و حينا كذا مثل انك تمر علي جدار مندرس يكاد ان يقع فتعزم علي خرابه لئلا يقع علي احد فاذا غبت عنه جاء احد فرمه و جصصه فاذا عدت اليه فسخت عزمك علي خرابه و اجمعت علي بقائه فيأتي احد فيكرب اصوله و يجعله مشرفا علي الوقوع فتمر عليه و تراه فتعزم علي خرابه فهذا التردد الحاصل لك فانما هو من تغيرات حصلت لقابلية الجدار فعلي حسب تغيراته يتغير اراداتك في حقه و تغير ارادتك ترددها فالله جل جلاله لماخلق المؤمن خلقه من نور عظمته و جلال كبريائه و احب شيء عند الله سبحانه ضمه بالملأ الاعلي و الي المقربين لديه المحبوبين له ولكن المؤمن بواسطة الاعراض و الامراض الملحقة به عند نزوله الي دار البلاء و الامتحان يكره الموت بالعرض لا بالذات اذ لو كرهه بالذات و كره لقاء الله كره
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 371 *»
الله لقاءه و من كره الله لقاءه كان كافرا فيكره الموت بالعرض فاذا نظر الله الي كراهته الموت يكره اساءته لان الحبيب يكره اسائة الحبيب فاذا اصاب المؤمن هم و غم في الدنيا او مصيبة فلربما يشتاق الي الموت اشتياقا ضعيفا فيعزم الله علي قبض روحه عزما ضعيفا فيرجع المؤمن عن اشتياقه و لما يستكمله لمايغلب عليه الاعراض فيكره الله اساءته ثانيا ثم يصيبه بلاء فيشتاق ضعيفا و لو اشتاق قويا و لميكن مانع لالتحق بالملأ الاعلي فيعزم الله علي قبض روحه عزما ضعيفا يعني يوجه اليه اسباب قبض الروح فاذا رجع رجع الله سبحانه عن عزمه فيه و انما ذلك لاجل ان الله سبحانه لايجري فعله و جعله الاعلي حسب قابلية العبد فانه في ذاته و فعله غني لايبدء بشيء من عند ذاته و لا اقتضاء فيه بدوا و عودا فلايجري فعله الا علي حسب سؤال السائلين فاذا تردد السائلون في سؤالهم يتردد الفعل المتعلق باجابتهم في اجابتهم فيشتق من تردد المفعول اسم المتردد لله سبحانه كمايشتق له من الرزق اسم الرازق فالله سبحانه لميتردد في شيء كتردده في قبض روح المؤمن فان المقتضي لالحاقه بالملأ الاعلي شديد قوي و المقتضي لعدم اساءته و اكراهه فانه الحبيب قوي شديد و التردد يقوي كلما يتباعد طرفاه فتردد الله في قبض روح عبده المؤمن اعظم تردد فافهم و هذا من المعاني اللطيفة لهذا الخبر و له معان اخر و ليس لي الاقبال بازيد من ذلك.
قال سلمه الله و منها ما وجه اختلاف مقدار الساعات و الدقايق مابين طلوع الفجر الصادق و طلوع الشمس بحسب الافاق و الاوقات و الفصول فان مقدار الساعات بين الطلوعين في السرطان يزيد علي مقدارها في اول الجدي و كذا قبل السرطان و بعده يزيد مقدارها علي ما كان قبل الجدي و بعده و الحال ان حركة الشمس بالحركة اليومية في مدارها في المعمورة من الربع الشمالي حول السرطان قريبة الي الانتصاب الاستواء بخلاف اول الجدي و حواليه فيلزم عكس ما قلنا الي آخر عباراته.
اقول اعلم ان منشأ هذا الاختلاف اختلاف مطالع قوس انحطاط الشمس عن
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 372 *»
الافق فانه قد علم بالتجربة ان الشمس اذا كان بينها و بين افق المشرق ثمان عشرة درجة يطلع الفجر و ان كان ذلك درج انحطاطها عن المغرب يغرب الشفق و مطالع تلك الثمان عشرة تختلف بحسب الافاق و اجزاء البروج ففي افق الاستواء في الاعتدالين لايزيد مطالعها عليها فلايزيد الساعات علي ساعة و اثنتي عشرة دقيقة و اما في غيرهما تزيد و تنقص و اما في الافاق المايلة فتتفاوت جدا الا انها في الافاق الشمالية تزيد من اول الحمل الي آخر الجوزاء ثم تنقص من اول السرطان الي آخر السنبلة و يكون اول الميزان كاول الحمل في النقصان ثم تزيد الي آخر القوس ثم تنقص الي اول الحمل فيعود كما كان و اذا اردت مشاهدة ذلك فتفكر في ان المعدل هو الدائرة العظيمة علي الفلك و المنطقة ايضا كذلك الا انها مقاطعة للمعدل و غاية بعدها عنه في اول السرطان و الجدي و هما نقطتا الانقلابين و عندهما الميل الاعظم ثم تتقاربان الي ان تتقارنا في اول الحمل و الميزان و هما نقطتا الاعتدالين فكما تتقاربان شيئا فشيئا بعد التجاوز عن موضع غاية الميل من جهة تتقاربان بتلك النسبة من الجهة الاخري و لذلك يكون ميول الاجزاء المتقابلة متساوية في النصف الجنوبي بنسبته و في النصف الشمالي بنسبته و الشمس دايمة السير علي المنطقة و الفلك يدور علي قطبي المعدل و كلما يرتفع جزء من المنطقة من افق المشرق ينحط نظيره بقدر ارتفاعه في تلك المدة من افق المغرب و كلما يكون ارتفاع جزء من افق المغرب يكون انحطاط نظيره من افق المشرق فالكلام في الانحطاط هو الكلام في الارتفاع الا ان الكلام في الارتفاع ابين فاقول كل جزء فرض من المنطقة اذا كان في وقت بينه و بين المغرب ثمان عشرة درجة يكون في ذلك الوقت جزء من المعدل علي افق المشرق و كلما ينحط جزء المنطقة يرتفع جزء المعدل الي ان يلاقي جزء المنطقة الافق فيرتفع جزء المعدل اما ثماني عشرة درجة كما في الاعتدالين و في افق الاستواء او ازيد كما في غيرهما و في غيره و تلك الاجزاء من المعدل مطالع قوس ارتفاع ذلك الجزء من المنطقة و مطالع نظيره دائما و كلما كان الميل اكثر كان حركة الشمس الي المغرب يعني انحطاطها في زمان معين اقل منها فيه اذا كان ميلها اقل يعني
«* مكارم الابرار عربی جلد 31 صفحه 373 *»
ان الشمس مع الميل القليل اسرع صعودا و نزولا منها مع الميل الكثير فالشمس في آخر العقرب مثلا يقطع ثماني عشرة درجة من قوس الارتفاع في زمان اكثر مما تقطعه فيه في اول العقرب لان ميل آخر العقرب اكثر و هذا الطول و القصر متناسبان علي حسب تناسب الميول و تتناسب مطالعها علي حسبها فمطالع قوس ارتفاع الشمس او انحطاطها في اول الحمل و الميزان متساوية و كلما تمر الشمس من الحمل الي نحو السرطان تزيد المطالع و كلما تمر من السرطان الي الميزان تنقص و كلما تمر من الميزان الي نحو الجدي تزيد و كلما تمر من الجدي الي نحو الحمل تنقص فلاجل ذلك تزيد ساعات الصبح و الشفق من اول الحمل الي اول السرطان و تنقص منه الي اول الميزان و تزيد منه الي اول الجدي و تنقص منه الي اول الحمل فافهم فما ثم الا ما ذكرناه فاعتمد عليه و كن في الحال فيه كما كنا واما عدم تزيدها و تنقصها بنسبة واحدة فلاختلاف حركة الشمس الخاصة و سرعتها و بطئها و لان البروج الشمالية اسرع انحطاطا و ارتفاعا من البروج الجنوبية لقرب المنطقة في الشمالية من الانتصاب فافهم راشدا موفقا و الي هنا انقطع السؤال منه و الجواب مني و لو زاد في السؤال لزدنا في الجواب و علي الله التكلان في كل باب و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الاوراق عصر الرابع و العشرين من شهر الله المبارك في قرية لنجر في سنة السبعين بعد الف و مأتين من الهجرة حامدا مصليا مستغفرا تمت.