04 الفقــه كتاب الطهارة ـ مقابله

 

 

 

 

الفقـــه كتـاب الطهـارة

 

من مصنّفات:

 

العالم الربانی و الحکیم الصمدانی

الحاج میرزا محمدباقر الشریف الطباطبایی

اعلی الله مقامه

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 2 *»

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلوة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطّيبين الطّاهرين و رهطه المخلصين و لعنة اللّه على اعدائهم من الجن و الانس من الاولين و الآخرين.

و بعـــــد يقول العبد القاصر ابن محمدجعفر محمدباقر الشريف الطباطبائى القهى القهفائى غفر اللّه لهما و لسایر المؤمنين بمحمد و آله الطاهرين صلوات‌اللّه‌عليهم اجمعين انى فى اوائل التحصيل بعد الفراغ من المقدمات شرعت فى تحصيل الفقه و اصوله و صرفت عمرى برهة من الزمان فى تحصيلها على عادة الامثال و الاقران فبدا لى فى اثناء ذلك ان تحصيل الفروع قبل تحقيق الاصول مما لاينفع بل مما لايجوز فاشتد الفكر فى ذلك حتى اخذنى الملال من السير فى طريق على غير بصيرة و لم‏تقنع نفسى بالتقليد لاحد و قد كانت المذاهب لمن سواه فى العالم كثيرة و لم‏يشوقنى الرياسة على تحلية الظاهر مع الغفلة عن الباطن.

فكنت فى ليلى و نهارى و نومى و يقظتى متفكراً فى طلب خبير مخبر عن الحقائق معرض عما استقبله عامة الناس مقبل الى ما استدبره العام و الخاصّ و صرفت عمرى برهةً من الزمان فى طلب من يحصل منه الايمان و سافرت من بلدى الى ساير البلدان و جالست فى خلال تلك الديار مع كل عالم و حكيم بقدر الوسع و الامكان فواللّه ماوجدت من يروى غليل كبدى و يطفی

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 3 *»

اشتعال حرارة حزنى فى قلبى بل كلما ابرزت من سرى عند احد دعانى الى اولئك الاشباه الذين حصل له فى حقهم الاشتباه الى ان‌وفقنى اللّه بفضله و جوده و منه و كرمه و له الحمد و الشكر و المنة حتى وصلت الى ملجأ الهاربين و مقصد العارفين و الحمد للّه رب العالمين الذى هدانا الى طريق الحق المبين و ما كنا لنهتدى لولا ان هدانا اللّه. فنسأله الختم على القول الثابت فى الحيوة الدنيا و فى الآخرة انه قريب مجيب و بالاجابة جدير.

فحصلت عنده اصول دينى و ارتفع عنى الشكوك و الشبهات بأسرها و اخذت عنه معالم دينى بتمامها و حصل لى من بركـته ما لم‏يخطر ببالى من قبل ابداً و لست اطمع فى الوصول اليه سرمداً. فجزاه اللّه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين و طول عمره فيما يحب و يرضى و جعل اخراه خيراً من اولاه بما ليس له منتهى كما هو اهله و جعلنا من مواليه الصادقين الى يوم الدين. فلما حصلت اصول دينى رأيت ان تحصيل فروع الدين اهم بعدها مما فى العالمين اذ بها يحصل النجاة الابدية و بالعمل بمقتضاها يرفع الدرجات السرمدية و لاسيما سمعت مشاهدةً من الاستاد العظيم الكريم التحريص على ذلك. فاسأل اللّه سبحانه التوفيق على ما قصدت شرحها اذ لامانع لما اعطاه و لاحول و لاقوة الا باللّه و اسأله العصمة من الخطاء و الزلل و به استعين و لاحول و لاقوة الّا بالله العلى العظيم فرتبت كتابى هذا على مقدمة و كـتب.

فالمقدمـــة

فيما ينبغى شرحه قبل الشروع فى المقصود و فيها فصول

فصــــل

لاشك ان الانسان لم‏يكن قبل وجوده ثم كان كسایر المخلوقات و الشىء قبل وجوده و تصوره بصورته يكون فى بحر المادة لايمتاز عن شىء فيكون معدوماً فيها اذ الشىء يمتاز عن الشىء بصورته و الصورة معدومة

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 4 *»

فى المادة كما هو محسوس مشاهد و المعدوم حين كونه معدوماً لايعقل ان‏يوجد نفسه و لايعقل ان‏يوجده ما هو مثله من سایر المعدومات بالبداهة كما روى انت ماكونت نفسك و ماكونك من هو مثلك فلابدّ لاخراج صورة كل مصور من العدم الذى هو بحر المادة الى الوجود و الفعلية من مخرج كماترى ان الطين مثلاً معدوم فيه صور ما يصنع منه و هو فى نفسه لايقتضى الا [ما ظ] هو عليه و ما هو عليه هو عدم صور ما ينصع منه و لايعقل ان‏يخرج شىء من الصور الكامنة فيه بنفسه لانه معدوم و لابد لاخراج تلك الصور من فاخور فاعل خارج يستخرج منه الصور على حسب ارادته و لولا الفاخور الخارجى لبقى جميع الصور الكامنة فى الطين فى عرصة العدم. فكذلك لابد لاخراج صور جميع الموجودات من العدم الى الوجود من فاعل صانع خارجى موجود بغير ما يوجد به الخلق و الّا لبقوا فى عرصة العدم. و انما تجمع تلك الصور المعدومة و يرجع اليها الضمير لا لانها لها وجود بنحو من الانحاء بل ليس ذلك الا لبيان المراد و التعبير عن الصلوح الوحدانى الصالح للتصور بكل صورة.

و ذلك الصانع كما عرفت لايمكن ان‏يكون مثل سایر الحوادث المحتاجة الى مخرج يخرجها فلابد و ان‏يكون ذلك الصانع موجوداً بوجود غير موجود منه الحوادث و الا لكان حادثاً يحتاج الى محدث آخر. فاذا كان موجوداً بوجود غير موجود منه الحوادث فيكون موجوداً بوجود قديم. و ليس هذا الموجود و الوجود شيئان احدهما مادة و الآخر صورة كسایر الحوادث بل كان ذلك الموجود و الوجود شيئاً واحداً من كل جهة على خلاف وجود الحوادث و موجوديتهم اذ كل‌ما يمكن فى الحادث يمتنع فى القديم و كلما يليق به يمتنع فى الحادث.

فظهر و الحمدللّه ان لنا رباً صانعاً قديماً محدثاً لنا من العدم الى الوجود. و ذلك المحدث لابد و ان‏يكون قادراً على ما يشاء كيف يشاء لما يشاء بما يشاء من‌ما یشاء على ما يشاء فيما يشاء اذ لو كان عاجزاً لكان قدرته محدودة و اذا كانت محدودة كانت مركبة و اذا كانت مركبة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 5 *»

كانت محتاجة و اذا كانت محتاجة كانت حادثة. فلابد و ان‏يكون قدرة ذلك الصانع القديم غير متناهية بحيث لايعجزه شىء يفعل ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته.

و كذلك لابد و ان‏يكون الصانع خبيراً عليماً اذ لو كان جاهلاً لم‏يمكنه الخلق على انواع شتّى و انحاء مختلفة و لم‏يدر اقتضاءات الخلقية فى درجاتها المتعددة المتكثرة و لم‏يمكنه الاعطاء على حسب سؤال السائلين و قوابل القابلين أ لايعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.

و لابد و ان‏يكون الصانع جل جلاله حكيماً ليضع كل شىء موضعه اللايق به و يخلق كل مخلوق فى عرصته و مقامه و يعطى كل شىء عطاء على حسب درجته و مقامه و لايفعل اللغو و العبث.

و لابد و ان‏يكون الصانع جل و علا غنياً اذ لو كان فقيراً يحتاج الى غنى آخر يغنيه و لماقدر على اعطاء ما يشاء لمن يشاء فلابد و ان‏يكون غنياً.

و كذلك لابد و ان‏يكون عادلاً لايظلم الناس شيئاً لان الظلم لايكون الا لحاجة و هو سبحانه غنى او للهو و عبث و هو تعالى حكيم لايفعل اللغو و العبث فلايظلم الناس شيئاً.

و كذلك لابد و ان‏يكون هادياً يهدى الخلق الى ما يريد و الى غاية الايجاد التى هى المعرفة و العبادة له جل جلاله قال سبحانه انا هديناه السبيل اما شاكراً او كفوراً.

و كذلك لابد و ان‏يكون صادقاً فى وعده و وعيده غير مغرى بالباطل اذ خلاف ذلك خلاف العدالة و الغناء و الحكمة.

و كذلك لابد و ان‏يكون لطيفاً رؤفاً رحيماً ليقضى حوائج السائلين و يجيب صراخ المستصرخين و يستجيب دعوة الداعين.

و كذلك لابد و ان‏يكون شاهداً مطلعاً على خلقه و هما فى الحقيقة من فروع عالميته سبحانه. و كذلك باقى الصفات الكمالية التى قد اخبر هو بنفسه عن نفسه فى كتابه العزيز و يصدقها العقول المستنيرة بل تعد خلافها محالاً ممتنعاً و لما كان المقصود فى هذه المقدمة شرح ما يحتاج اليه امر الفقه اكتفينا على هذا القدر من الصفات و يأتى نتائجها فى ساير الفصول ان‏شاءاللّه تعالي.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 6 *»

فصــــل

ثم لاشك انه خلق عامة الخلق على حسب عادة ملكه سبحانه فى حكمته جهالاً لايعلمون شيئاً قبل التعليم و التذكير و لايعقلون و ذلك مشاهد محسوس لايخفى على من له ادنى مسكة. و من المعلوم انه لم‏يخلقهم لغواً و عبثاً بلاغاية و فائدة اذ الحكيم لايفعل فعلاً بلاغاية و قد اخبر سبحانه بقوله ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون و قال فى القدسى كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكى اعرف فاذا خلق الخلق لكى يعرف و لكى يعبد بعد المعرفة و هم بأنفسهم جاهلون لايعلمون خيراً من شرّ و لا قرباً من اللّه سبحانه من بعد لابد من مقتضى حكمته ان‏يوصف صفاته لهم و يعرّفها لهم ليعرفوه ثم يعلمهم الكتاب و الحكمة و آداب العبودية التى بها يمكن الوصول الى حقايق تلك الصفات اللفظية التى خلق الخلق لاجلها.

و تلك الالفاظ تعبيرات و اسماء ظاهرة لها لا ما خلق الخلق لأجلها أ لاترى ان لفظ الخبز اسم للمأكول و لفظ الماء اسم للمشروب و انت تحتاج الى ذلك المأكول و المشروب الذين هما معنى لفظ الخبز و الماء و لاتحتاج الى الخبز و الماء الا لاجل الوصول الى معناهما. فكذلك للّه سبحانه صفات حقيقية هى حقائق و معانى الصفات اللفظية و خلق الخلق لاجل معرفتها و لايمكن معرفتها الا بالعلم و العمل و لايمكن للجاهل العلم و لا العمل الا بالتعليم و لايمكن التعليم الا بعالم عليم خبير.

فلابد فى الحكمة ان‏يخلق اللّه سبحانه للجاهلين الذين لم‏يرض منهم المقام فى جهلهم و اراد منهم عبادته و معرفته علماء عالمين مطلعين على حقائق صفاته سبحانه و هم الانبياء و الرسل: قد خلقهم و ارسلهم اليهم ليعلمهم الكتاب و الحكمة و ان كانوا من قبل التعليم لفى ضلال مبين. فعرف نفسه سبحانه للانبياء: و علمهم بالوحى مراضيه و مساخطه ثم يترجم الانبياء لساير الخلق بلسان الخلق ما اراد من الخلق فعلى اللّه سبحانه البيان و الهداية و على الخلق القبول و الاطاعة.

فلايجوز لنا ان‏نقول بشىء

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 7 *»

بعقولنا و آرائنا جزئياً كان او كلياً لانا مخلوقون مملوكون للّه سبحانه و لايجوز لنا فعلاً و لا عملاً و لا قولاً و لا شيئاً الا ما امرنا به مولىٰنا لانا لسنا بأنبياء بالبداهة فلايكلمنا اللّه سبحانه بأوامره و نواهيه بالبداهة. فلايجوز لنا القول على اللّه سبحانه بالبداهة فى شىء من الاشياء الّا بالحق المنزل على الانبياء: لانا لسنا بأنبياء حتى نطلع على ما اراد اللّه سبحانه منا و ماكان لبشر ان‏يكلمه اللّه الّا وحياً او من وراء حجاب او يرسل رسولاً فيوحى اليه باذنه ما يشاء فالوحى المنزل الينا ليس الاّ بواسطة الانبياء:.

فكل [ما ظ] يتكلم به الانسان لايخلو اما من اللّه سبحانه و هو الذى يسند الى اللّه سبحانه و ينتهى سنده اليه فهو حق و اما من غيره فهو باطل قال سبحانه و ماذا بعد الحق الّا الضلال. و بجعل قاعدة موضوعة من عند انفسنا لايمكن لنا الاطلاع على ما اراد اللّه سبحانه منا فى الواقع و لايكشف عنه ابداً اما ترى انك ان اردت الاطلاع على ما فى قلب احد لايخبرك قاعدتك الموضوعة بأن فى قلبه كذا او اردت الاطلاع عن وجود زيد فى دار مساء مثلاً لايكشف عنه قاعدتك بان الاصل عدم خروجه عنها لكونه فيها صباحاً و انت على شك فى كونه فيها او خروجه عنها قبل اجراء قاعدتك و بعد اجرائها على السواء سواء كان لك قاعدة واحدة و اصل واحد او اصول متعددة و بتعدد الاصول الكثيرة عشرة كانت او مأة او الف [الفاً ظ] لايفيدك شيئاً مما فى الخارج الواقع. و لايفيدك اجراء هذه الاصول شيئاً زائداً عما فى قلبك قبل اجرائك الاّ ان‏ينبئك خبير بان زيد كان فى الدار مساء او يخبر احد عن نفسه بان فى قلبى كذا و كذا و القواعدة الاصولية لاتكشف عما فى قلبه ابداً و ان كانت متعددة و لايتكل العاقل المتدين بهذه الاصول فى كشف عما فى الواقع الخارج. و كأنّ القوم قد غشى بصيرتهم العادات لان الغافل يتكل الى ما سمعه عن آبائه و امثاله و اقرانه من غير روية و فكر و لايتفكر فى اصل القاعدة بانها تورث شيئاً فى قلبى ام لا و قال انّا وجدنا اٰباءنا على امة و انا على اٰثارهم

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 8 *»

مقتدون من غير روية و فكر و لو تفكر فى شىء من القواعد رأى انه لايفيده شيئاً زائداً عما كان عليه قبل التأسيس و الاجراء.

بالجمله من اراد الاطلاع على ما اراد اللّه سبحانه منه و هو يعلم انه غير نبى يخبر عن اللّه لابد له من الاخذ عن الانبياء فى كلى الامور و جزئيها. و من اراد تأسيس الاساس و تهيئة الاسباب لجمع الدنيا و رياستها الباطلة من دون ارادة الاطلاع عما اراد اللّه سبحانه منه و اكتفى بالاجل من العاجل فليختر لنفسه ما شاء ذرهم يأكلوا و يتمتعوا و يلههم الامل فسوف يعلمون. قال تعالى ذرنى و المكذبين اولى النعمة و مهلهم قليلاً الى آخر الايات، ربنا اٰتنا فى الدنيا حسنة و فى الاخرة حسنة و قنا عذاب النار الحريق.

 

فصــــل

فاذا ثبت ان لنا ربّاً هو مولىنا و نحن عبيده جاهلون عما اراد منا الاّ بواسطة الانبياء: فنحتاج بعد علمنا بوجوده سبحانه و وجوب وجود الوسائط كلية بيننا و بينه الى اثبات وجودهم شخصاً لنقدر على الاخذ منه و لما وقعنا فى هذه الازمان ينبغى ان‏نتكلم فى اثبات وجود نبينا9 و ان كان نوع الاستدلال يثبت وجود اشخاص ساير الانبياء؟عهم؟ ايضاً فـ‌نقول لاشك ان رجلاً كان اسمه محمداً9 و ابوه عبداللّه و امه اٰمنة قام و ادعى الرسالة عن اللّه سبحانه الى كافة خلقه بين يدى اللّه العالم الشاهد القادر الحكيم العدل الرؤف الرحيم و اتى بخوارق عادات لايشك فيها كلية و اتى بقران و تحدى به و جعله من معجزاته و ادعى انه من اللّه سبحانه و لايقدر احد على الاتيان بمثله بل بسورة بل بحديث مثله و لو كان الناس بعضهم لبعض ظهيراً. و نرى اللّه سبحانه قد ايده بما ادعى و سدده و قرره على ذلك و لم‏يرسل احداً لردعه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 9 *»

و تكذيبه و هو عالم مطلع قادر لايمنعه مانع من غيره حكيم يجرى فعله على نهج الحكمة و الصواب عدل لايظلم شيئاً رؤف بعباده المساكين فبتقريره سبحانه له9علمنا قطعاً انه صادق جاء من عند اللّه سبحانه امنا به و سلمنا امره تسليماً.

فاعتبر من هذا المثال و تبصر فى امرك بانك اذا عَرَفْت مَلِكاً عظيماً بصيراً حكيماً قديراً رؤفاً رحيماً مدبّراً جالساً على سرير السلطنة و انت فى محضره فقام بين يديه احد من جلسائه فقال فى مرءى منه و مسمع انى وزير هذا الملك العظيم و لسانه قدجعلنى عليكم حاكماً و اعطانى كتاباً و فرماناً و امركم باطاعتى و تسليم امرى فمن امن بى و اسلم امرى امن بالملك العظيم و اسلم امره و من عصانى و تخلف امرى عصى هذا الملك العظيم و تخلف عن امره و حكمه و جعل يخلع من اطاعه و يعظمه تعظيماً و يوقره توقيراً و يعده النعيم فيما بعد ذلك ايضاً و امرهم بقتل من عصاه و تخلف عن امره و حكمه و اسرهم و نهبهم و تعذيبهم و يوعدهم التعذيب فيما بعد ذلك. و انت ترى الملك الموصوف بتلك الصفات ساكتاً مقراً له ممداً له ان احتاج يوماً الى الامداد بساير عساكره و يهلك اعداءه بساير البلايا هل يورث لك شك فى صدق هذا الوزير؟ و ان‌شككت بعد ذلك لاتشك الّا فى صفة من صفات الملك العظيم فاما تشك فتظن انه اعمى جاهل او انه عاجز لايقدر عن دفعه او انه لاغ لاه او انه ظالم قسى القلب. و ان لم‏تجوّز فى حقه ذلك و تعلم انه بصير شاهد قادر حكيم عدل رؤف رحيم لاتشك فى تقريره للوزير و تعلم قطعاً انه وزيره و يجب عليك طاعته.

فاذا كان الامر كذلك فما ظنك برب الارباب العالم الشاهد المطلع على العباد القادر المطلق الحكيم على الاطلاق و هكذا ساير صفاته سبحانه؟ و ان شككت فى مثل هذا الدليل فباى دليل بعده يطمئن قلبك؟ و باى حديث تؤمن باحد؟! و هذا هو الدليل الذى يتم جميع الادلة بانضمامه و الاّ نقصت لاتغنى شيئاً. و لماكان من اعظم الادلة و اشرفها اختاره اللّه سبحانه دليلاً و

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 10 *»

علمّه نبيه سبحانه و قال قل كفى باللّه شهيداً بينى و بينكم الا بذكر اللّه تطمئن القلوب. اما ترى انك لو تمسكت فى اثبات حقيته بشق القمر يوسوس فى صدرك الوسواس بانه يحتمل ان الناظر قد برق بصره و لم‏يشق القمر فى الخارج او لعل انه كذب من اصله او انه من باب السحر و الشعبدة او غير ذلك. و كذلك يقدر الشيطان على الوسوسة فى جميع المعجزات و خوارق العادات حتى انه يوسوس فى حق القرآن بانه يمكنهم العرب الاتيان بمثله و لما كان النبى قاهراً فى عصره يمنع عن ذلك او لعل احداً قد اتى بمثله بعده و لم‏يصل الينا الى الآن و هكذا يمكن للشيطان الوسوسة فى جميع الادلة كائنة ما كانت بالغة ما بلغت الا فى هذا الدليل الثابت الذى لايقدر الشيطان و لا احد من تلامذته على القاء الوسوسة و الشبهة فيه ابداً ابداً.

فبتقرير اللّه سبحانه المتصف بتلك الصفات تطمئن قلوبنا فتصدق النبي9 بالقطع و اليقين من دون الاقتصار على تقليد السابقين و الاباء من غير دليل و برهان متين. فاذا صدقناه انه رسول من اللّه سبحانه يجب علينا ان‏نعتقد فى حقه بانه معصوم مطهر عن الخطاء و الزلل و السهو و النسيان و التخلف عما اراد اللّه منه اذ كل ذلك من الشيطان و هو9 معاند له و لايمكنه التصرف فيه و قدحكى اللّه سبحانه عنه لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و هو من المخلصين يقيناً بل المخلصون صاروا مخلصين لخلوصهم له؟ص؟.

و قد نص اللّه سبحانه فى كتابه بانه9معصوم مطهر عن جميع النقائص بقوله ماينطق عن الهوى ان هو الّا وحى يوحى و ضمير هو على الحقيقة راجع اليه9 لا الى النطق المفهوم من الفعل و ان كان القوم يرجعونه اليه و كذلك قال سبحانه ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهىكم عنه فانتهوا و هذه الاية اعم من الاولى اتفاقاً لان كلمة «ما» من ادوات العموم

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 11 *»

عند الكل و لايستثنى منها شىء فهى تشمل القول و الفعل و لو لم‏يكن امره امر اللّه و نهيه نهى اللّه لم‏يأمر اللّه على الاطلاق باخذ امره و انتهاء نهيه و قال من يطع الرسول فقد اطاع اللّه و لم‏يخص الاطاعة فى شىء مخصوص. فاللّه سبحانه ادب نبيه فاحسن ادبه ثم قال ما اتاكم الرسول فخذوه و ما نهىكم عنه فانتهوا فاللّه القادر الحكيم لم‏يرسل الى كافة الناس بل الى العالمين رسولاً ناقصاً فى جهة من جهات الكمال و فى صفة من الصفات الكمالية.

فهو معصوم من عند اللّه سبحانه عن التخلف عن امره و نهيه فكل‌ما جاء به و عرّفناه من حلال او حرام فهو ما اراد اللّه سبحانه منا العمل به و كل‌ما سكت عنه ليس لاحد ان‏يشاركه فى نبوته و تنطق بشىء لم‏ينطق به. فيجب علينا القول بما قال و السكوت عما سكت عنه و لايجوز لنا المشاركة معه فى نبوته و تأسيس قواعد موضوعة لم‏يتكلم به لاستخراج المسائل المسكوت‌عنها منها فالمسكوت‌عنها ليست من تكاليفنا مطلقاً فلانحتاج الى تأسيس قاعدة فى استخراجها و ليس ذلك التأسيس الا التشريع فى دين خاتم الانبياء و المرسلين صلوات‌اللّه‌عليه‌واله فما قاله و وصل الينا هو تكليفنا اليوم و ما لم‏يقله او لم‏يصل الينا ليس بتكليفنا.

و تأسيس القواعد لايكشف عما اراد اللّه سبحانه و اراد رسوله9 فهو من الشيطان اذ ماذا بعد الحق الا الضلال و ليس الضلال الّا من الشيطان. و امرنا ان‏نكفر به فما قال النبي9 نقول و ما سكت عنه نسكت عنه و لانجوّز القول فى شىء من الاشياء بالعقول الناقصة و الاراء الفاسدة و الاهواء الكاسدة.

فصــــل

فلما ثبت وجوب وجود من يخبر عن اللّه سبحانه فى الحكمة و انت تعلم ان احكام اللّه سبحانه و شرايعه ليستْ من مقتضى ذاته سبحانه و انما هى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 12 *»

موضوعة لمقتضيات الخلق و صلاحهم. و تلك المقتضيات تتجدد بتجدد الازمان و تختلف بحسب اختلاف الاعصار فتختلف الشرايع بحسب اختلافها ان اللّه لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم. قل مايعبؤ بكم ربى لولا دعاؤكم. و انت تعلم ايضاً ان النبي9 خاتم الانبياء و شريعته خاتم الشرايع الى يوم القيٰمة. و تعلم ايضاً انه9 لم‏يكتب كتاباً جامعاً لجميع الشرايع و الاحكام المتجددة الى يوم القيمة و ما بينه للناس فى عصره فهى على حسب صلاح ذلك العصر و اكتفاء اهله لا ازيد فلايكفى ما بينه لساير الاعصار المتجددة و الاحوال المختلفة غير المتناهية. فلابد لحمل اسرار النبوة و احكام الخلق المتجددة من حامل يحملها و يبرز كل حكم من الاحكام على حسب اقتضاء صلاح الخلق فى الاعصار كل حكم فى محله.

و انت تعلم ان الطبيعة البشرية لاتفى و لاتتحمل الاحكام المتجددة فى كل قرن و عصر و لاتقدر على حفظ جميع تلك الاحكام غير المتناهية فلابد فى الحكمة لحمل ذلك كله و حفظه من نفس تالية لنفس النبي9 حتى يتحمل ما تحمل النبى سوى النبوة و ما يخصها فلذلك خلق اللّه سبحانه خلقاً تالياً للنبي9 فى الصفات الكمالية و هو على اميرالمؤمنين عليه صلوات المصلين فهو9قد حمّله7 جميع اسراره و احكامه و شرايعه الى يوم القيمة و وجوب وجود مثل تلك النفس بين الخلق كوجوب وجود النبى بلا تفاوت. فمن شك فى وجوب وجود الوصى فقد شك [فی ظ] وجوب وجود النبى و من شك فى وجوب وجود النبى فقد شك فى صفات الربّ الغنى التى هى ثابتة فى محالها و بعض تلك الصفات قد مرت الاشارة اليها و الادلة الحكمية لاتخصص بشىء مطلقاً و لاتختص بزمان دون زمان و لابعصر دون عصر.

و لايمكن لذى مسكة الشك فى وجود الواجب الوجود فاذا ثبت وجوده يثبت صفاته الكمالية و من جملتها الحكمة و التنزه عن اللغو و العبث و يتفرع عليها الفائدة لوجود الخلق و لايصل الخلق اليها الا بالعلم و العمل

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 13 *»

و هم كما هو مشهود جاهلون فى بدء الخلقة و لايكونوا انبياء و الاوصياء [لا اوصیاء خ‌ل] فى منتهاها فلابد لهم من التعلم عند العالم المخبر عن اللّه سبحانه بواسطة او بغير واسطة و هم الانبياء و الاوصياء:.

فبذلك يُعرف ان الخلافة ليست بيد الخلق الجهلة الذين هم بانفسهم محتاجون الى التعلم و لاتصلح بالاجماع و الشورى و القهر و الغلبة فان الذى لايقدر على حفظ جميع اسرار النبوة و ضبط جميع الاحكام غير المتناهية لايصير بعد الشورى و الاجماع عليه و اختيار الخلق له صدره كصدر النبى الكلى المحيط و لايصير حاملاً لاسراره ضابطاً لجميع شرايعه و احكامه. فاختيار الخليفة و تعيينه يجب ان‏يكون من اللّه سبحانه المحيط العلّام الغيوب كما ان اختيار النبى و تعيينه منه. فكما لايجوز اختيار نبى بالشورى و الاجماع و لايصير المختار بعد الاختيار قابلاً للوحى كذلك لايجوز اختيار الوصى الخليفة بالشورى و الاجماع و لايصير المختار بعد الاختيار معصوماً عن الخطا و السهو و النسيان اللّه اعلم حيث يجعل رسالته لاغير. فَعُرف من ذلك ان النبى الحق من له خليفة من عنده و عند ربه و الذى ليس له خليفة ليس بنبى البتة. و لايمكن للعاقل ان‏يفرض نبياً بلاخليفة ابداً لان الذى يدله على لزوم وجود النبى يدله على لزوم وجود الخليفة.

بالجملة فالخليفة بعده9 هو شقيقه و اخوه الذى نص عليه يوم الغدير بالاتفاق. و هو7 بنفسه قد ادعى ذلك المقام بالاتفاق و قد قرره اللّه سبحانه على ذلك و لم‌يظهر خلاف ما ادّعاه و ان كان تقريره سبحانه للنبي9 كافياً له7. و كذلك بعين ما مر من الدليل يجب وجود حامل لاسرار النبوة و الولاية حافظ للاحكام المتجددة يوماً فيوماً غير ساه و لاناس فى شىء من ذلك و لم‏يدّع ذلك الّا الحسن بن علي8 بنص الرسول و الولي8. و كذلك يجب بعده من حامل حافظ غير ساه و لاناس فى شىء مما اراد اللّه سبحانه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 14 *»

ابلاغه و هو بنص النبي9 و بنص الولى السابق7 الحسين بن على7 و هو قد ادعى ذلك المقام و لم‏يدع غيره من ساير الخلق بالاتفاق. و كذلك بعده يجب وجود حامل حافظ غير ساه و لاناس و هو على بن الحسين8 بنص النبي9 و نص الاولياء السابقة: و هو بنفسه قد ادعى ذلك المقام لا غيره. و كذلك بعده محمد [بن ظ] على و بعده جعفر  [بن ظ] محمد و بعده موسى  [بن ظ] جعفر و بعده على بن موسى و بعده محمد  [بن ظ] على و بعده على بن محمد و بعده الحسن بن على العسكرى و بعده الخلف الصالح الهادى المهدى المنتظر صاحب العصر و الزمان صلوات‌اللّه‌وسلامه عليهم اجمعين كلهم منصوبون من عند الله سبحانه بلسان نبيه9 و بلسان كل سابق للاحق.

و كل واحد قد ادعى ذلك المقام و لم‏يدع غيرهم مقامهم و صفاتهم بالاتفاق و قد قررهم اللّه سبحانه على ذلك و هو الشاهد القادر القاهر الحكيم العادل الهادى الرؤف الرحيم و مع ذلك قد قررهم و لم‏يبطل امرهم. فبتقريره سبحانه امنا بهم و بسرهم و علانيهم و ظاهرهم و باطنهم و قد رأينا فى كتابه سبحانه قال ان الباطل كان زهوقاً و قال و نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و قال ان اللّه لايصلح عمل المفسدين و قال و لايفلح الساحر حيث اتى الى غير ذلك من الايات المحكمات و الدلایل الواضحات التى يعرفها العاقل انه لابد فى الحكمة من تولّى الرب العزيز الحكيم الشاهد العلام الغيوب القادر القاهر على اثبات الحق و ازهاق الباطل و الا فالخلق الجاهل العاجز كيف يقدر على العلم بالغيوب و صلاح العالم و فساده مع عجزه على صلاح نفسه و فسادها؟ فلذلك تولّى اللّه سبحانه امثال تلك الامور لعلمه بان خلقه عاجزون الا يعلم من خلق و هو اللطيف الخبير.

فاذا تفكرنا فى امر الائمة الاثنى‏عشر: رأيناهم قد قررهم اللّه سبحانه على ما ادعوا و امرنا باتباعهم فى كتابه العزيز و قال كونوا مع الصادقين و غير المعصوم

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 15 *»

لايكون صادقاً حقيقياً و لم‏يدع العصمة المطلقة غيرهم: فغيرهم ليسوا بصادقين على الاطلاق فى جميع الافعال و الاحوال و الاقوال و الاعمال. و قال سبحانه لاينال عهدى الظالمين و غير المعصوم ظالم بالبداهة فلايناله عهد اللّه سبحانه و هو الامامة لان الاية جواب لابراهيم7 بعد قوله انى جاعلك للناس اماماً حيث قال ابرهيم و من ذرّيتى اى انت جاعل ذريتى ايضاً اماماً؟ فقال لاينال عهدى الظالمين و غير المعصوم ظالم و لم‏يدع العصمة غيرهم بالاتفاق و لم‏يظهر خلاف العصمة منهم و لم‏يبطل اللّه سبحانه امرهم بل قررهم على ذلك الى غير ذلك من الايات الدالة على ذلك.

فبعد الدليل العقلى القطعى المؤيدة بالكتاب و السنة لانشك فى وجوب وجودهم نوعاً و نعرف اشخاصهم بعدم ادّعاء غيرهم مرتبة العصمة و ادعائهم: ذلك و عدم ردع اللّه سبحانه اياهم و تقريره لهم و قد رأيناه يقول ان اللّه لايصلح عمل المفسدين فهو يصلح عمل المصلحين و غير المعصوم مفسد لامحالة واللّه لايصلح عمله و نراه انه يصلح عمل الائمة: فعلمنا انهم المصلحون الذين اصلح اللّه عملهم و قال بئس للظالمين بدلاً مااشهدتهم خلق السموات و ا لارض و ماكنت متخذ المضلين عضداً و غير المعصوم ظالم و غيرهم غير المعصوم بالاتفاق و هم المعصومون بادعائهم و تقرير اللّه سبحانه لهم و اخباره بوجود المعصومين لانه امرنا باتباع الصادقين و مفهوم الايات يشهد لوجود العادلين و المصلحين و الهادين المهديين و لم‏يدع تلك الصفات على الحقيقة الاّ الائمة:.

بالجملة ليس المقصود بالذات اثبات وجوب وجود النبى و الامام: بانحاء الادلة و استقصائها و جمعها و جمع الايات الدالة على ذلك و انما المراد الاشارة الى ذلك لتفريع المسائل الفقهية عليه فلذلك نقتصر على الاشارة و نختصر العبارة.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 16 *»

فصــــل

فاذا ثبت ان لنا رباً جل‏شأنه و له رضى و غضب و امر و نهى و ثبت ان الناس ليسوا بانبياء و انما وجب عليهم الاخذ عنهم سلام‌اللّه‌ [عليهم ظ] بالادلة القطعية العقلية المؤيدة بالكتاب و السنة و ثبت ان النبي9 قد حمّل دينه و شرعه على الائمة: و لم‏يمكن لاحد حفظ جميع الشرايع و الاحكام غيرهم: فانحصر الامر بوجوب الاخذ عنهم فى جزئى الامور و كليها اذ لايجب على احد طاعة احد غير طاعة اللّه سبحانه الخالق لهم و الخلق مكلفون بطاعة الرب جل‏شأنه و ليس لاحد عليهم حق و امر و حكم و دين اللّه سبحانه لايصاب بالرأى و القياس و الاجتهاد و تأسيس الاصول الموضوعة من عند غير اللّه سبحانه و انما يصاب بالاخذ عن النبى و الائمة: ولكن الناس قد جوّزوا فى حق ائمتهم ما لم‏يجوّزوا فى حقّهم بالنسبة [الى ظ] المقلدين بل لم‏يجوّزوا فى حق احد بالنسبة الى احد.

اما ترى ان فقيهاً من الفقهاء ان كان له مذهب و له اصطلاحات فى كتابه لايستقيم حل مسائله و الوصول الى مراده بالقواعد و الاصول الخارجة عن كتابه اللهم الا ان‏يستفاد تلك الاصول من كتابه او منه مشافهة لانه ربما يكون مذهبه ان الامر مثلاً حقيقة فى الوجوب و انك بعد اجتهادك رأيت ان الامر حقيقة فى الاستحباب او حقيقة فى الحد المشترك و انت تريد فهم مراده من عباراته على ما يسوقك دليلك من قواعدك و هى على خلاف قواعده و اصطلاحاته. و كذلك ربما يكون اصلك الذى اصّلته على خلاف اصله اذ ربما استقر اجتهادك بان الاصل براءة الذمة و يكون اصله اشتغال الذمة و انت تريد ان‏تفهم مراده من اصله باصلك الذى هو على خلاف اصله فلاتصيب البتة. فيجب عليك ان‏تأخذ جميع ما تحتاج اليه فى فهم مراده منه و الاّ فانت على خطر فى ذلك لامحالة لانك لاتكون عالماً بالغيوب

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 17 *»

و بما فى الصدور و بتأسيس قاعدة لاتهتدى الى الغيوب البتة.

فبتأسيس قاعدة كيف يهتدى الانسان الى مراد اللّه سبحانه منه؟ لاسيما اذا كانت القاعدة لوضع الاحكام الشرعية لا فى فهم تلك الاحكام. و انت لو تدبرت فى كلمات القوم و تفكرت فيها تجدهم يقولون بان الاخبار التى فى ايدينا لاتكفى لنا اليوم و للمسائل المتجددة المتكثرة فلابد لنا من تأسيس القواعد و المأخذ ليتفرع عليها الفروع التى ليس لها مأخذ فى الاخبار. فيا سبحان اللّه! فعلى ذلك يمكن لهم تأسيس القواعد بحيث يستغنون عن النبى بالكلية و بتلك القواعد يستخرجون مرادات اللّه سبحانه جميعاً لانه لو امكن استخراج مراد اللّه سبحانه من العبد فى بعض الاشياء بقاعدة يمكن استخراج جميع مراداته بقواعد اخرى. فانظر ايها العاقل فى هذا القول تجده اسخف الاقوال و اوهن من بيت العنكبوت.

بالجملة ليس المقصود هنا نقض دليل و ابرام دليل و انما موضع ذلك فى علم الاصول برأسه و قد حقق ذلك فيه كما ينبغى و انما المراد هنا ان احكام اللّه سبحانه ليست الاّ عند النبى و الائمة: و يجب فى الحكمة ابلاغ ما اراد اللّه سبحانه من العباد الى العباد اذ لايعقل بلوغهم الى مرادات اللّه من غير ابلاغه و نراه سبحانه يقول لرسوله9 بلغ ما انزل اليك. و قد علمت انه معصوم عن التخلف عن حكم اللّه و امره و لو لم‏يقدر على التبليغ لم‏يأمره اللّه سبحانه الخبير العدل على التبليغ فبامره له بالتبليغ يعلم انه قادر عليه و اى مانع فى قدرة القدير عن ذلك. فهو قد بلّغ الى الائمة: و هم قدبلغوا الى الناس كما تقرأ فى الزيارة و تشهد على ذلك فى حقهم و تقول حتى بينتم فرائضه و اقمتم حدوده و نشرتم شرايع احكامه حتى صرتم فى ذلك منه الى الرضا و سلمتم له القضاء.

و لايقال انك تريد اثبات الخبر بالخبر و فى نفس ذلك الخبر يقع النزاع. لانا نقول ان الدليل العقلى القطعى يدل على وجوب الابلاغ فى حكمة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 18 *»

الحكيم فان وافق دليلنا الاخبار و الايات و الحمدللّه نذكر بعضها تبركاً و تيمناً بذكر اللّه لايضر ذلك باصل الدليل ان‏شاءاللّه.

بالجمله فاذا علمنا وجوب الابلاغ فى حكمة الحكيم لعدم لزوم وجود الخلق بلافائدة ثم نظرنا الى ما فى ايدينا لم‏نر الّا كتباً معروفة و احاديث مشهورة فعلمنا ان تلك الاحاديث المدونة فى الكتب المعتمد عليها كلها حق من عند اللّه سبحانه اذ لو لم‏يرض بها و هو القادر القاهر الذى لارادّ لحكمه و لامانع لقضائه لابطلها لامحالة و بلغ الينا ما اراد. فاذ لم‏يبطلها و لم‏يبلغ الينا غيرها مع قدرته التى لامانع لها عرفنا انها كلها مما اختاره اللّه سبحانه لنا و مما رضى اللّه سبحانه العمل بها على القطع و اليقين دون الظن و التخمين.

و بذلك الدليل المتقن و البرهان المحكم الذى لايتطرق فيها شبهة علم انا لانحتاج فى تصحيح الاخبار و تمييز الغث و السمين الى اسنادها و الى توثيق رجال و جرح رجال و الى علم الرجال الذى لايفيد علماً و لاظناً اذ غاية ذلك العلم معرفة ان فلاناً عدل و فلاناً ثقة و فلاناً فطحى و فلاناً عامىّ و فلاناً كذا و فلاناّ كذا و هكذا و ذلك لايسمن و لايغنى من جوع و لايفيد ظناً بان الحديث الذى رواته كلهم ثقات انه صادر عن الائمة: لانك استندت بالروات الثقات على عدم جعل المتن و كذبه على الامام7 و غفلت من ان الذى لايبالى الكذب على الامام يقدر على ذكر رجال ثقات فى رجال سند الحديث فاىّ نفع فى ذلك؟ فما احتملت فى اصل المتن يحتمل فى السند ايضاً فلايجدى لك نفعاً هذا.

و انت لا ترى الرجال و انما تقلد صاحب الكتاب و هو ايضاً لم‌يرهم و قدقلد غيره من كتابه و هكذا ذلك الغير لم‌يرهم و قدقلد غيره من كتابه و هكذا الى ان‌ينتهى الى اول المصنفين فى ذلك و هو ايضاً لم‌يرهم هذا. و انما وثق و جرح على مذهبه و دينه و مقتضى مذهبه ان‌يوثق من وافقه و يجرح من خالفه. و انت تعلم ان اول من صنف فى ذلك العلم… ص232([1])

بالجملة فظهر و الحمدلله ان قبول الخبر و طرحه بعلم الرجال مما ليس له برهان و ليس له من الله سبحانه من سلطان الا ان الناس يتبع بعضهم بعضاً من غير روية و فكر و بذلك وقعوا فيما وقعوا مما لم‌يرض الله سبحانه به فلايمكن للعاقل الاطمينان بعلم الرجال فى قبول الخبر و طرحه الا بذكر الله تطمئن القلوب. فنحن بعد معرفتنا بربنا انه حكيم قدخلق الخلق لفائدة و غاية و هى لاتحصل الا بالعلم و العمل و هما لايحصلان الّا بالتعليم و هو لايحصل الا بالتبليغ و لم‌يبلغ الينا الّا هذه الاحاديث المعروفة فنعلم قطعاً انها مرضية له سبحانه فى حقنا يقيناً لانه قادر على ما اراد و قادر على ابطال الباطل و اثبات الحق.

فاذا لم‌يبطل تلك الاحاديث و يثبتها علمنا انها كلها جملة حق لامرية فيها و لاشك يعتريها سواء كانت رواته ثقات ام لا و يقيننا فى حقية تلك الاخبار اثبت و احكم من رؤيتنا الشمس فى رابعة النهار بمراتب شتى لان عناية الرّب جل‌شأنه فى هدايتنا اكثر بمراتب شتى من عنايته برؤيتنا الشمس فى رابعة النهار الا بذكر الله تطمئن القلوب.

و ان قلت فعلى ما تقول جميع اخبٰارنا المدونة‌ فى الكتب المعروفة مما يرضى الله سبحانه الاخذ به و فى نفس تلك الاخبار اخبار تنادى بانه قد وقع الدس و التحريف و التغيير و الزيادة و النقصان فيها و اخبار التراجيح تنادى على وقوع الدس و التحريف و الزيادة‌ و النقصان فيها و فيها اخبار عدم جواز قبول غير الثقة و فيها اخبار التقية و امثال ذلك. فانك ان قلت بصحة كلها يلزمك عدم الاطمينان بالكل و ان قلت بصحة بعضها فقد ادحضت حجتك فكيف تتخلص بين ذلك؟

قلت ان ما قلتُ مما لامحيص لاحد انكاره و الشبهة فيه الا ان‏يشك فى صفة من صفات اللّه سبحانه او فى صفة من صفات النبى او الاولياء: و فى الواقع يرجع الشك فى صفاتهم الى الشك فى صفات اللّه سبحانه ايضاً و مع‏ذلك لاانكر ما تقول و مع ذلك لايكون نقضاً وارداً على ما قلتُ لان مثلى كمثل رجل حاضر محضر الامام7 فيلقى اليه كتاباً و يقول له اعمل بما فيه فيأخذ الرجل الكتاب و يطالعه فيرى فيه ان لاتقبل قول غير الثقة علينا و اعمل بقول الثقة و لاتعمل بما فيه مما تشبه قول العامة و لاتعمل بخبر فيه تعلم بقرينة انه صدر عنا تقية و انا اهل‏بيت لم‏نخل من الكذابة و هكذا. فيعمل الرجل بالكتاب و لايشك انه من امامه7 و مع‏ذلك لايعمل بما فيه من اخبار التقية و لايأخذ بخبر غير الثقة و يأخذ

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 19 *»

بخبر الثقة و يعلم انه يوماًما قد دس فى كلمات الامام الداسون و هكذا و وجود امثال ذلك فى الكتاب لايمنعه عن العمل به و يصير سبباً للشك فى ان الكتاب من امامه.

فكذلك حالنا اليوم فان امامنا حاضر شاهد و اذا غاب عنا شخصه لم‏نغب عنه. و من شك فى ذلك لايمكنه الشك فى اللّه سبحانه فانه حاضر شاهد هاد حكيم رؤف رحيم و وعد ان احقاق الحق و ابطال الباطل بيدى كما قال ليحق الحق و يبطل الباطل و قال بل نقذب بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق و قال ان اللّه لايصلح عمل المفسدين و قال أ ليس اللّه بكاف عبده الى غير ذلك من الايات و لولا ذلك كذلك لامتنع النجاة لانا لانعلم الغيب بالبداهة. و كيف نقدر على تحصيل العلم او الظن بان فى جميع هذه الاعصار هذه الاخبار محفوظة عن الدس و التحريف و الزيادة و النقصان و السهو و النسيان و غير ذلك ممّا يحتمل فيها مع كثرة الاعادى فى جميع تلك القرون.

فمن سلك غير مسلكنا و اراد تحصيل العلم او الظن بصحة صدور هذه الاخبار عن الائمة الاطهار: بوضع القواعد الموضوعة من عند نفسه لايكاد يحصل له سوى الشك كما هو حاصل له قبل اجراء قواعده و انما سماه علماً او ظناً. و اما على ما ذهبنا اليه لايمكن لاحد الشك فيه كما مرّ و الحمدللّه على نعمائه و الائه.

 

فصــــل

لاشك ان الادلة الحكمية لاتخصص بشىء و تختص [لاتختص ظ] بشىء دون شىء و لابزمان دون زمان و قدعلمنا انه سبحانه حكيم لم‏يخلق الخلق الا لغاية و هى عبادته و معرفته و الوصول الى دار قربه قال سبحانه ماخلقت الجنّ و الانس الا ليعبدون و قال فى القدسى كنت كنزاً مخفياً فاحببت ان‏اعرف فخلقت الخلق لكى اعرف و قال فى القدسى انا رب اقول للشى‏ء كن فيكون اطعنى فيما امرتك اجعلك مثلى تقول للشىء كن فيكون و قال انما

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 20 *»

يتقرب الى العبد بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به و بصره الذى يبصر به و يده التى يبطش بها. فغاية خلق الخلق هى الوصول الى مثل هذه الدرجات الرفيعة و المقامات العليّة و لو لم‏يحصل الغاية لصار خلق الخلق لغواً و تعالى الحكيم عن ذلك. فمادام الله يخلق الخلق يطلب منهم الغاية.

فخلق الخلق اعظم شاهد على طلب الغاية و طلب الغاية اعظم شاهد على امكان الوصول اليها لانه سبحانه لايكلف نفساً الا وسعها. و قد ثبت انه سبحانه عدل لايظلم الناس شيئاً و انت تعلم انه ابى الله ان‌يجرى الاشياء الا باسبابها لانه سبحانه بذاته لايعقل ان‏يتغير و ينزل الى رتبة الحدث و يصير الة لخلقه و سبيل الخلق عن عرصة القدم ايضاً مسدود للزوم تغير الذات ايضاً فلذلك قدر اللّه سبحانه فى حكمته بان‏يجرى الاشياء باسبابها و تلك الاسباب هى الابواب المفتوحة الى العباد من اتاها كما ينبغى وصل الى مراده و من لم‏يأتها فقد هلك فى تيه الحيرة و الضلالة.

و لماكان جميع الخلق خلق ذلك الرب المدبر الحكيم جعل فيما بينهم روابط و مناسبات فجعل لكل شىء باباً مخصوصاً به و يجب على من اراد شيئاً مخصوصاً طلب بابه المخصوص فاذا وجده و دعا اللّه سبحانه فى ذلك الباب وصل الى المراد و الا فلا قال تعالى و ليس البر بان تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى و أتوا البيوت من ابوابها اى اتقى من اتيان ظهور البيوت. و انت اذا تفكرت فى العالم تجد كل ما فيه يجرى بهذا النسق و لاتجد لسنة اللّه سبحانه تبديلاً و تحويلاً ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور. و لابأس بالاشارة الى صفة الابواب و كيفية الوصول اليها لكن فى غاية الايجاز لان محل شرح امثال هذه المسائل علم الحكمة.

فنقول انّ الاشياء لماخلقت من الامكان فكانت كلها فيه شريكاً و كلها خلقت من حصص ظهوره الّا ان تعدد الاشياء و كثرتها ممتنع عن

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 21 *»

ظهور كل ما فى الامكان فى كل واحد واحد و لايعقل ان‏يكون الشىء حين كونه حاراً يكون بارداً و حين كونه خفيفاً يكون ثقيلاً و حين كونه عالياً يكون دانياً و حين كونه علّة يكون معلولاً و هكذا فى ساير الاضداد و هذا معنى امتناع الاشياء عن ظهور جميع ما فى الامكان فى كل واحد واحد منها.

فظهر فى كل واحد من بحر الامكان صفة خاصة و صورة خاصة و قد كمن فيه ساير الصفات و الصور و ظهرت فى ساير الاشياء و بذلك صارت الاشياء اشياء. فظهر الحرارة و اليبوسة مثلاً فى النار و البرودة و اليبوسة فى التراب و الحرارة و الرطوبة فى الهواء و البرودة و الرطوبة فى الماء و هكذا و كذلك ظهر الفاعلية فى الافلاك و المفعولية فى الطبايع و كذلك فى المولدات ايضاً ظهر الفاعلية فى الرجال و الذكور و المفعولية فى الاناث و هكذا تجد جميع الاشياء على هذا النسق المتقن و النظام المحكم ففكر فيها تجدها كذلك. فعلى ذلك يكون جميع الاشياء ابواب اللّه المفتوحة على الجميع كل واحد باب فيما حصل له من الفعلية لكل واحد يطلب منه تلك الفعلية رجع من الوصف الى الوصف و دام الملك فى الملك انتهى المخلوق الى مثله و الجأه الطلب الى شكله.

و لماكان كل الاشياء من الامكان لايمتنع فى كل واحد ظهور ما ظهر فى الاخر فكل ما كان له فضل كمال فعلية غالبة يكمل بفضل كماله ماكان كامناً ضعيفاً فى الاخر فاذا اقترن الحطب بالنار تكمله النار بفضل ما لها من الحرارة الحرارة الكامنة فيه بتنشيف رطوباته المانعة عن ظهور النار فيه حتى يصير شيئاً بعد شىء ناراً مثل النار الاولى بعينها اطعنى فيما امرتك اجعلك مثلى.

بالجملة لعلك عرفت مما مرّ ان الباب و الوسيلة لابد و ان‏يكون له فضل كمال بالفعل حتى يقدر على تكميل الناقصين و ان لم‏يكن له الكمال بالفعل لايعقل ان‏يقدر على تكميل ما هو بنفسه محتاج اليه فى غيره و معطى الشىء يجب ان‏يكون واجداً له البتة و الّا لايعقل ان‏يكمل ما فيه بالقوة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 22 *»

ماكان فى الاخر بالقوة لان ما يكون فى القوة يكون معدوماً و المعدوم لايعقل ان‏يوجد الفعلية كما روى انت ماكونت نفسك و ماكونك ما كان مثلك اى انت حين كنت فى القوة و حين كنت معدوماً ماكونت نفسك و ماكونك ما كان مثلك من المعدومات الامكانية. فلابد فى اجراء فعله سبحانه فى ملكه من ابواب كاملين فى الفعلية المقصودة حتي‌يمكن ان‏يستخرج بهم ساير الكمالات الكامنة فى الناقصين. فمن يطلب الحرارة مثلاً فليأت بابها و هو النار مثلاً و من يطلب البرودة فليطلب من بابها و هو الماء مثلاً و هكذا فى جميع الطالبين و المطلوبين ماترى فى خلق الرحمن من تفاوت.

و لم‏يخل الحكيم المطلق فى حكمته بشىء فاذا امر الناس بشىء يجب فى الحكمة ان‏يخلق باباً له و هل يمكن ان‏يأمر الحكيم العدل بالوضوء مثلاً على الوجوب و لم‏يوجد الماء؟ و من جوّز ذلك على اللّه الحكيم العدل فقد ظن فى حقه سبحانه ما لم‏يرض خلق من مخلوقاته ان‏ينسب اليه ذلك. فاذا علمنا انه سبحانه امرنا بالعلم يقيناً يجب ان‏نعتقد انه لم‏يسد بابه علينا يقيناً و خلق لنا بابه و بابه العالم و اذا امرنا بالحكمة يقيناً يجب علينا ان‏نعتقد انه خلق لنا بابه و هو الحكيم الذى صار الحكمة فيه بالفعل اذ لايعقل التكميل مما فى القوة. و اذا علمنا انه سبحانه امرنا بالاعمال الشرعية يجب ان‏نعتقد وجوب وجود الفقيه بالفعل و اذا امرنا بمعرفة الامامة يجب ان‏نعتقد وجوب وجود من صار آيتها فيه بالفعل و اذا امرنا بمعرفة النبوة يجب ان‏نعتقد انه خلق من كان فيه ايتها بالفعل و اذا امرنا بمعرفة التوحيد يجب فى الحكمة وجود من صار فيه ايته بالفعل.

بالجملة كل‌ما امرنا اللّه سبحانه بمعرفته يجب فى الحكمة وجوده بالفعل اذ لايعقل ان‏يكون متعلق التكليف ما هو بالقوة و الامكان و العدم و لو جاز ذلك لنكون بانفسنا اولى بالاتباع اذ ليس شىء اقرب الينا من انفسنا و فيها جميع ما فى العالم بالقوة. فلابد فى الحكمة وجود اشخاص

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 23 *»

مكلف‌بهم فى جميع الاعصار و لايخصص الحكمة بشىء و لاتختص بشىء دون شىء و لا بزمان دون زمان.

و لايقال ان وجود السابقين يكفينا لان وجود السابقين مخصوص بالموجودين فى السبق و نحن نحتاج الى مانحتاج اليه بالفعل فى زماننا الاترى انا نحتاج الى الخبز بالفعل فى زماننا و لايسد جوعنا الخبز الذى قد كان فى عصر آدم7 و لابدّ لنا مما يسد جوعنا اليوم.

و لايقال ايضاً ان اللّه سبحانه يكفينا لانا نقول لاشك فى ما تقول ولكن الشأن فى معناه و لاشك ان ذاته سبحانه قدتعالى عن ان‏يدركه الابصار او تناله الافكار او تمثله غوامض الظنون فى الاسرار و من اعتقد غير ذلك فقددخل فى زمرة الكفار. و ماسواه خلقه و الخلق اما موجود فى الاكوان او معدوم فى الامكان و المعدوم لايعقل ان‏يكون مكلفاً‌به.

و لايقال فعلى هذا فالخلق مأمورون باطاعة الخلق لانا نقول ليس كذلك بل الخلق لم‏يؤمروا الّا باطاعة الربّ الجليل جل‏شأنه ولكنه لماعلم ان خلقه فى عرصة الحدوث و لم‏يمكنهم الوصول الى الذات القديمة قد تجلى لهم بهم فى اعلى عرصتهم و جعل ذلك التجلى جاههم و مرجعهم و مأواهم و جعله اسمه و صفته فانا للّه و انا اليه راجعون. قال اميرالمؤمنين7 الطريق مسدود و الطلب مردود و قال رجع من الوصف الى الوصف و دام الملك فى الملك انتهى المخلوق الى مثله و الجأه الطلب الى شكله دليله اياته و وجوده اثباته.

بالجملة و المقصود فى هذا الفصل بيان وجوب وجود العلماء و الحكماء الالهيين و المبينين للاحاديث الصعاب من الائمة الطّاهرين سلام‌اللّه‌عليهم بعدهم فى كل آن و حين فاذا رأينا استدلالنا يوافق الكتاب المقرر من عند رب العالمين و يوافق الاخبار المقررة من عنده من الائمة الطاهرين عليهم‌صلوات‌المصلين حصل لنا القطع و اليقين على وجوب وجود العلماء المرضيين و الحكماء المجتبين فى جميع القرون و السنين.

فمن الكتاب قوله تعالى و جعلنا بينهم و بين القرى التى باركنا فيها

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 24 *»

قرى ظاهرة و قدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى و اياماً اٰمنين و القرى الظاهرة هى طبقات الشيعة كما روى و قال انما انت منذر و لكل قوم هاد. و اما السنة فعن اميرالمؤمنين7 فى حديث طويل الى ان قال اللّهم بلى لاتخلو الارض من قائم للّه بحجة ظاهر  او خاف مغمور لئلاتبطل حجج اللّه و بيناته و كم ذا و اين اولئك الاقلّون عدداً الاعظمون خطراً بهم يحفظ اللّه حججه حتي‌يودعها نظراءهم و يزرعوها فى قلوب اشباههم هجم بهم العلم على حقايق الامور فباشروا روح اليقين و استلانوا ما استوعره المترفون انسوا بما استوحش منه الجاهلون صحبوا الدنيا بابدانهم و ارواحهم معلقة بالمحلّ الاعلى يا كميل اولئك خلفاء اللّه و الدعاة الى دينه هاى هاى شوقاً الى رؤيتهم و استغفر اللّه لى و لكم. و روى العلماء ورثة الانبياء و ذلك ان الانبياء لم‏يورثوا ديناراً و لادرهماً و انما اورثوا احاديث من احاديثهم فمن اخذ بشىء منها فقد اخذ حظاً وافراً فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه فان فينا اهل‏البيت فى كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين. وروى ان لنا فى كل خلف عدولاً ينفون عن ديننا تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين.

بالجملة و الاخبار فى وجودهم فى كل خلف و زمان اكثر من ان‏تحصى فى هذا الكتاب و لولا ذلك لاندرس اثار الدّين و خفى اعلام شرع خاتم المرسلين و استولى الشياطين على العالمين واللّه سبحانه الحكيم اجل من ان‏يدع ملكه فى ايدى الشّياطين و لايخلق خلقاً لنجاة المؤمنين و لحفظ الكتاب و السنة فى جميع القرون و السنين.

بالجملة فظهر و الحمد للّه ربّ العالمين لزوم وجود الناطقين لبيان الكتاب و السنة و لولاهم لمايكفى لنا الكتاب الصامت و السنة الصامتة فالكتاب و السنة كالفرامين الصادرة من السلاطين للعالمين و لولا العالمون لايفيد الفرمان شيئاً واللّه سبحانه خلقه كامل و لايخلّ بهذا الامر العظيم الذى به يحصل

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 25 *»

فائدة الخلقة و غايتها ولكن الداء العضال و غاية الاشكال فى دخول اشباه العلماء فى زمرة العالمين من عند اللّه سبحانه فهم كالذئاب الضارية فى لباس الضّأين [الضائن ظ]ظاهرهم رشيق و باطنهم عذاب النار الحريق و بهم يستولى الشيطان على اوليائه فى جميع القرون و السّنين فضلوا و اضلوا عن سواء الطريق. و هل سمعت تاجراً اضل احداً او خبازاً او بقالاً او كاسباً غيرهم و انما فتن الناس بايدى اولئك سكنة الوسواس الخناس فقد روى عن علي7 قطع ظهرى رجلان من الدنيا رجل عليم اللسان فاسق و رجل جاهل القلب ناسك هذا يسد بلسانه عن فسقه و هذا بنسكه عن جهله فاتقوا الفاسق من العلماء و الجاهل من المتعبدين اولئك فتنة كل مفتون فانى سمعت رسول‌اللّه9 يقول هلاك امّتى على يدى كل منافق عليم اللّسان. و قال7 اياكم و الجهّال من المتعبدين و الفجار من العلماء فانهم فتنة كل مفتون. و قال فى قول اللّه عزوجل و الشعراء يتبعهم الغاوون قال هل رأيت شاعراً يتعبد احداً ؟[يتبعه احد @در معاني الاخبار و غيره] انما هو قوم تفقهوا لغير الدين فضلوا و اضلوا. و عن النبي9سيأتى زمان على امتى لايبقى من القران الا رسمه و لا من الاسلام الا رسمه [اسمه الکافي و غيره@] يسمون به و هم ابعد الناس منه مساجدهم عامرة و هى خراب من الهدى فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السّماء منهم خرجت الفتنة و اليهم تعود.

الى غير ذلك من الاخبار المخبرة عن احوال اولئك الاشرار و وجودهم فى الاعصار ولكن اللّه سبحانه لم‏يدع الارض على ايدى الشياطين و مردتهم و قد خلق فى مقابلهم المهتدين الهادين و هدى الطالبين الى الصراط المستقيم و جعل لكل واحد من الفريقين علامات يتعلم منها السراب من الماء المعين و يمتاز بها الغث من الثّمين و اى دليل ادل على حق المحقين من قولهم بوجوب الاقتصار على قول الائمة الاطهار عليهم‌ صلوات ‌الملك الجبار و عدم جواز الاستدلال بغير الاخبار فى شىء من امور الدين؟ و اى دليل ادل على بطلان المبطلين من قولهم بعدم كفاية الاخبار فى الاحكام

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 26 *»

الجزئيّة و وجوب الاستدلال بالعقول و تأسيس القواعد و الماٰخذ و المدارك للمسائل غير المنصوصة؟ و هل يخبر القواعد الموضوعة من عندهم عن مرادات رب العالمين؟ فعلى هذا يمكن لهم تأسيس القواعد الموضوعة فى جميع امور الدين لفهم مراد اللّه سبحانه فلايحتاجون حينئذ الى الانبياء و المرسلين.

و ان اردت معرفة علاماتهم فراجع الى اخبار الائمة الطّاهرين سلام‌اللّه‌عليهم اجمعين. فعن اميرالمؤمنين7 اذا رأيتم العالم محبّاً للدنيا فاتهموه على دينكم فان كل محب يحوط ما احبّ. و عنه7 اوحى اللّه الى داود و لاتجعل بينى و بينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيضلك عن طريق محبّتى فان اولئك قطّاع طريق عبادى المريدين ان ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة مناجاتى من قلوبهم.

و عنه7 ان من العلماء من يحب ان‏يخزن علمه و لايؤخذ عنه فذاك فى الدرك الاول من النار و من العلماء من اذا وُعِظَ انف و اذا وعظ عنف فذاك فى الدرك الثانى من النار و من العلماء من يرى ان‏يضع العلم عند ذى الثروة و الشّرف و لايرى له فى المساكين وضعاً فذاك فى الدرك الثالث من النار و من العلماء من يذهب فى علمه مذهب الجبابرة و السلاطين فان رد عليه شىء من قوله او قصر فى شىء من امره غضب فذاك فى الدرك الرابع من النار و من العلماء من يطلب احاديث اليهود و النصارى ليغزر به علمه و يكثر به حديثه فذاك فى الدرك الخامس من النار و من العلماء من يضع نفسه للفتيا يقول سلونى و لعله لايصيب حرفاً واحداً واللّه لايحب المتكلفين فذاك فى الدرك السادس من النار و من العلماء يتخذ علمه مروّة و عقلاً فذاك فى الدرك السابع من النار. و قال الفقهاء امناء الرسول ما لم‏يدخلوا فى الدنيا قيل يا رسول‌اللّه و ما دخولهم فى الدنيا؟ قال اتباع السّلاطين فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم.

و قال7 ان ابغض الخلايق الى اللّه عزّوجلّ رجلان رجل وكله اللّه الى نفسه فهو جايز عن قصد السبيل مشغوف بكلام

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 27 *»

بدعة و دعاء ضلالة فهو فتنة لمن افتتن به ضالّ عن هدى من كان قبله مضل لمن اقتدى به فى حيوته و بعد وفاته حمّال خطايا غيره رهن بخطيئته و رجل قمش جهلاً موضعاً فى جهال الامّة غار فى اغتباش الفتنة عمٍ بما فى عقد الهدنة قد سمّاه اشباه الناس عالماً و ليس به بكر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير مما كثر حتى اذ ارتوى من ماء اجن و اكثر من غير طائل و جلس بين الناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس [على نهج‌البلاغة@]غيره فان نزلت به احدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات فى مثل نسج العنكبوت لايدرى قداصاب ام اخطأ فان اصاب خاف ان‏يكون قد اخطأ و ان اخطأ رجى ان‏يكون قد اصاب جاهل خبّاط جهالات عاش ركّاب عشوات لم‏يعضّ على العلم بضرس قاطع يذرى الروايات اذراء الريح الهشيم لا ملىّ واللّه باصدار ماورد عليه لايحب العلم فى شىء مما انكره و لايدرى ان من وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره و ان اظلم عليه امر اكتتم به لمايعلم من جهل نفسه تصرخ من جور قضائه الدماء و تعج منه المواريث الى اللّه اشكو من معشر يعيشون جهّالاً و يموتون ضلالاً ليس فيهم سلعة ابور من الكتاب اذ تلى حق تلاوته و لا سلعة انفق بيعاً و لا اغلى ثمناً من الكتاب اذا حرف عن مواضعه و لاعندهم انكر من المعروف و لا اعرف من المنكر. و قال7 ترد على احدهم القضية فى حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله ثم تجتمع القضاة بذلك عند الامام الذى استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً و الٰههم واحد و نبيّهم واحد و كتابهم واحد فامرهم اللّه سبحانه بالاختلاف فاطاعوه؟ ام نهاهم فعصوه؟ ام انزل اللّه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه؟ ام كانوا شركاء للّه فلهم ان‏يقولوا [و نهج‌البلاغة@]عليه ان‏يرضى؟ ام انزل اللّه ديناً تامّاً فقصر الرسول عن تبليغه و ادائه؟ واللّه سبحانه يقول مافرطنا فى الكتاب من شىء و

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 28 *»

فيه تبيان كل شىء. اعاذنا اللّه سبحانه من شرّهم و من شرّ انفسنا و جعلنا من التابعين للائمة الطّاهرين:.

فانظر كيف يستدل7 بالاستدلال العقلى الذى لايعتريه الشبهة بان القول بغير ماانزله اللّه سبحانه على نبيه9 قول اما بتقصير النّبى و عدم عصمته و امّا ادّعاء للالوهية و امّا قول بنقصان اللّه الكامل سبحانه و لايجوز ذلك لاحد من التابعين المؤمنين. فدليل صدق التابعيّة عدم القول بما لايقوله اللّه سبحانه و عدم ادخال الرأى و الهوى و الاجتهاد و الاستدلال بالعقول الناقصة فى دين اللّه سبحانه فى شىء من الاشياء من العرش الى ارش الخدش. فيجب علينا ان‏نقول ما قال ال‏محمد قلنا و ما دان ال‌محمد دنا و ما سكتوا عنه سكتنا و ان لاندّعى مقامهم و مقام النبى بل و مقام اللّه سبحانه فى حكم الموضوعات.

 

فصــــل

الادلة الّتى يستدلون بها فى الفقه اربعة: دليل العقل و دليل الاجماع و دليل الكتاب و دليل السّنّة و لاشكّ فى حقية الاخيرين و نحن نقول بالاولين ايضاً ولكن على ما نبيّنه لامطلقاً. فنقول ان العقل الصريح الخالص عن شوب العادات و الطبايع و الشهوات و الاغراض المعوجة يحكم بالحكم الصريح القطعى الذى لاشبهة بانه اذا ثبت حقية النبي9 بالمعجزات يجب تصديقه فى كل ما يقول سواء عرف عقولنا وجهه ام لا، و كذلك اذا ثبت حقية الائمة: يجب تصديقهم فى كل ما يقولون سواء عرف عقولنا وجهه و حسنه ام لا بل يجب علينا تصديقهم. و ان عرف عقولنا فى شىء من الاشياء خلاف ما قالوا يجب علينا ترك حكم عقولنا و اخذ قولهم اللّهم الّا ان‏يشك فى حقيتهم شاكّ.

فاذا راجعنا اخبارهم رأيناهم لم‏يأذنوا لنا الحكم فى شىء من الاشياء بارائنا و عقولنا فيحكم

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 29 *»

العقل الذى صدّقهم بانه لايجوز الحكم فى شىء من الاشياء بالعقول فالدليل العقلى صدق حق يجب اتباعه قطعاً ولكن يحكم بعدم جواز القول على اللّه سبحانه و رسوله و اوليائه:. كيف لا و يجب ان‏يكون الدليل من جنس المدلول عليه ان كلياً فكلياً و ان جزئياً فجزئياً كما قال اميرالمؤمنين7 انما تحد الادوات انفسها و تشير الالات الى نظائرها و الاحكام الشرعية متعلقة بالموضوعات و هى جزئية زمانية و العقل من عالم الجبروت و ليس فيه صور الجزئيات فلايقدر ان‏يحكم عليها و هو مشعر كلىّ يشعر الكليات. فيحكم كلية بان الحادث لابد له من رب قديم و يحكم بعدم وصول الحادث الى القديم فيحكم بوجوب وجود نبىّ بين اللّه سبحانه و بين خلقه يوحى اليه ما يشاء و يوصل هو الى الخلق. و يحكم بعدم جواز التخلف عن قوله فهذا دليل عقلنا.

و اما الاجماع فلاشك انّ اجماع الحادثين و اجتماعهم على شىء لاينبي‏ء عن ما اراد اللّه القديم سبحانه الّا ان‏يدخل فيهم من يوحى اليه و هو النبي9 او من استودع فيه سرّه و هو الامام المعصوم7 فلاشك فى حقيّة الثانى كما لاشك فى بطلان الاوّل فعلى هذا لايجب على احد اتّباع اتّفاق جماعة على شىء ما لم‏يعلم دخول المعصوم7 فيهم و ان كثروا فان الناس يجتمعون على مائدة شبعها قليل و جوعها طويل و اكثرهم لايعقلون و قليل من عبادى الشكور.

و ورد لفظ الاجماع فى الاخبار ايضاً ولكن المراد منه هو الاتفاق على صدور الخبر عن الامام7 كما لايخفى على المراجع اليها فلاشك فى حصول اليقين منه و عدم الشك و اطمينان القلب فيه فالاجماع الذى فيه المعصوم7لايقوم على طرح اقواله يقيناً. و ربما يقوم الاجماع على اللفظ دون معناه فيجب متابعة اللّفظ فلاضير فى الاختلاف فى معناه كالاجماع بان الميت يحيى فى قبره مثلاً. و ربما يقوم على اللفظ و المعنى معاً كوجوب الصلوة و كيفيتها على النهج المعروف

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 30 *»

فلايجوز الاختلاف لا فى اللفظ و لا فى المعنى. و ربما سمّى الاجماع ضرورة اذا بلغ حدّ الاتفاق.

فما اتفق عند جماعة يضاف اليها. فان اتفق بين اهل الاسلام سمى بضرورة الاسلام و ان اتفق بين اهل المذهب سمى بضرورة المذهب. و لاشك فى اختلاف درجات الضروريات فكم من ضرورة حاصلة لدى الكل كنبوة النبي9 و كم من ضرورة حاصلة لدى البعض كوجوب الصلوة مثلاً. و من تعمق فى درجات الضروريات عرف انها اكثر مما احصوه فلايجوز اجراء حكم طبقة اخصّ على طبقة اعمّ فان حجّة اللّه سبحانه هى الحجة البالغة فلايعدّ من لم‌يعلم وجوب الصلوة مثلاً خارجاً عن الضرورة كافراً بل الخارج الكافر هو الداخل الخارج لا الخارج الخارج.

بالجملة جميع انحاء الاجماع الذى قد دخل فيه المعصوم7 هو الحق عند محصليه و لايجوز التخلف عنه لاحد من الداخلين فى طبقة و يجب صرف مايخالفه من الكتاب و السنة ظاهراً اليه و اما باطناً فلايمكن اختلافهما. فان احتمل فى اية او حديث احتمالات يجب اخذ ما هو الموافق للاجماع و ترك ما يخالفه فالاجماع فى الحقيقة هو مبين الكتاب و السّنة ولكن على ما شرحناه لاكل اتفاق و شهرة ليس فيهما المعصوم7 اذ ربّ مشهور و لا اصل له.

و امّا الكتاب فلاشك انه سرّ الحبيب مع الحبيب و لايطلع عليه الرقيب و محكماته مجملة لاتستغنى عن التفسير فضلاً عن متشابهاته. و انت تعلم المفسر لايقدر على تفسير كلام الغير الا ان‏يكون من اهل اصطلاحه و فى درجته و مقامه حتى يعرف مراده من كلامه. و انت تعلم ان سر الحبيب لايطلع عليه الرقيب فـمن فسر القران برأيه فليتبوء مقعده من النار فالمفسر له هو قول الذين نزل فى بيوتهم مهابط الوحى صلوات‌اللّه‌عليهم. فلايغنينا الكتاب وحده و يغنينا الاخبار وحدها لان فيها الكتاب اذ هى شرحه. فينبغى لنا صرف الهمّة فى التفقه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 31 *»

الى الاخبار فى الليل و النهار.

فصــــل

فالخبر بعد اخبار الثقة به و تصريحه بصحته و استعماله سواء كان رواته السابقة ثقات ام لا لان الثقة لايخبر بخبر و لايصرح بصحته و لايعمل به الا بعد اطمينان قلبه بالقرائن الخارجية اليقينية فلايضره عدم وثاقة راو كما فصلنا فى ذلك تفصيلاً فى الاصول اما مجمل او مبين و لاشك فى عدم امكان العمل بالاول. و الثانى اما متشابه او محكم و لم‏يأذنوا: لنا العمل بالاول. و الثانى ربما يكون منسوخاً او ناسخاً و امرونا باخذ الثانى و ترك الاول. و ربما صدر عنهم تقية تعرف من نفس الخبر او من ساير الاخبار و امرونا بتركه فى غير محلّها.

فان كان غير مجمل و لامتشابه و لامنسوخ و لاصدر عن تقية فامّا لايعارضه معارض خاصاً او عاماً او مطلقاً فيتعين العمل به. و ان كان له معارض فيجب علينا التوقف فى الحكم و يسع لنا العمل بايّهما شئنا من باب التسليم و لايجب علينا الفحص عن المعارض او المخصص او المقيد بل لايجوز لنا لانه ايجاب ما لم‏يوجبه اللّه تعالى. و الاستدلالات العقليّة لايتمشى فيما لم‏يأذنوا لنا فيه الاستدلال. و المخصّص عندنا لايخصص العام بل هو معارض له كما ان المقيد لايقيد المطلق بل هما متعارضان كما اثبتناه فى الاصول مشروحاً.

و الذى ورد فى الاخبار من لفظ العامّ و الخاصّ و المطلق و المقيد ليس على مصطلح القوم و انما هو ما لفظه عام و معناه خاص نحو قوله تعالى يا بنى‏اسرائيل اذكروا نعمتى التى انعمت عليكم و انى فضلتكم على العالمين فلفظه عام و معناه خاصّ لانه فضلهم على عالمى زمانهم باشياء خصهم بها و نحو قوله و اوتيت من كل شىء يعنى بلقيس فلفظه عام و معناه خاصّ لانها لم‏يؤت شيئاً كثيراً منها الذكر و اللحية. او ما لفظه خاصّ و معناه عامّ كقوله تعالى من اجل ذلك كتبنا على بني‏اسرائيل

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 32 *»

الاية، فلفظ الاية خاص فى بني‏اسرائيل و معناه عام فى الناس كلهم.

بالجملة لايجوز لنا ترجيح خبر على خبر و قبول خبر و طرح اخر الا من جهتهم: كما لايجوز لنا القول فى مسئلة من المسائل و شىء من الاشياء الّا بقولهم و قدورد اخبار فى الترجيح و هى بانفسها متعارضة ايضاً لايمكن البت على واحد منها فلايبقى لنا مشرعة اوسع من الاخذ بايهما شئنا من باب التسليم و التوقف عن الحكم. نعم ان بقى لنا سبيل الى الترجيح بالخبر بحيث لم‏يعارضه خبر اخر يتعين بتّة و مثل ذلك لايوجد الاّ فى اقل قليل فلم‏يبق لنا اشكال فى مختلفات الاخبار التى قد صدرت عنهم عن عمد بعد التعليم.

و الحمدللّه اوّلاً و اخراً و ظاهراً و باطناً و صلى اللّه على محمد و اله و لعنة اللّه على اعدائه فها نشرع فى المقصود و التوفيق على اللّه الودود و لاحول و لاقوّة الا باللّه العلى العظيم.

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 33 *»

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد خاتم الانبياء و المرسلين

و اله خاتمى الاولياء و الوصيين و شيعتهم المرضيين

و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين

كتاب الطّهــارة

و هو النقاء من الدنس و النجس لغة. و اما فى الاصطلاح فهو ما يستباح معه ما يتوقف عليه او ما يزيد معه الفضل من حيث استعمال الطهور على النهج المعهود المقرر فى الشرع بالنسبة الى نفس المكلف او بالنسبة الى غيره. و يدخل فى هذا التعريف الطهارة للاعمال الواجبة و المستحبة الموقوفة عليها و لما لايتوقف عليها ولكن يزيد معها الفضل كالكون فى الطهارة و النوم فيها و يدخل فيه وضوء الجنب و الحائض. و بقيد الحيثية يخرج ساير ما يستباح معه ما يتوقف عليه او ما يزيد معه الفضل. و بقيد النهج المعهود يخرج استعماله لرفع الخبث. و بقيد الصفة يخرج ما لايقع على ما قرّره الشّارع7 كايقاعه على غير نية مثلاً. و بقيد النسبة الى غيره يدخل غسل الميت و ما اشبهه. و هو اسم للوضوء و الغسل و التيمّم و يذكر فى هذا الباب ساير ما يناسب ذكره فيه ففيه مقدمة و اربعة ابواب.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 34 *»

المقدمـــة

فى بيان الطّهور و هو الماء و الارض ففيها مطلبان

المطلب الاوّل

فى اقسام المياه المطلق و  و المتغير ففيه مقاصد

المقصد الاول

فى المــاء المطلــق

و هو الذى لايحتاج فى تعيين ماهيته الى شىء خارج عن نفسه عرفاً فلاينافى اضافته الى العوارض الخارجة عن ماهيته كماء النهر و البئر و امثالهما بخلاف ما يحتاج فى تعيين ماهيته الى ما يضاف اليه سواء كان معصوراً منه كماء الرمّان او مخلوطاً به كماء الزعفران. فالمطلق طاهر لنفسه مطهر لغيره من النجاسة على ما قرره الشارع7 بالكتاب و السنة و الاجماع.

قال تعالى و انزلنا من السماء ماء طهوراً و كفى الاجماع على طهورية ساير المياه عن التأويلات بان المياه مبدؤها السماء فلانحتاج الى ما لاطائل تحته و كذلك كفى على معنى الطهور بانه طاهر لنفسه مطهر لغيره عن الرجوع الى اللغة و الاستدلال منها. و اما السّنة فما روى عن الصادق7 خلق اللّه الماء طهوراً الخ. و منها صحيح ابن داود بن فرقد عن الصادق7 قال كانوا بنواسرائيل اذا اصاب احدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض و قد وسع اللّه عليكم باوسع مما بين السماء و الارض و جعل لكم الماء طهوراً فانظروا كيف تكونون. و منها صحيح محمد بن حمران و جميل عن الصادق7 ان اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً الى غير ذلك من الاخبار.

و لاينجسه شىء من النجاسات الّا ما غير لونه او ريحه او طعمه سواء كان جارياً ام راكداً قليلاً او كثيراً وفاقاً للاصل الثابت شرعاً و النصوص. فـمنها ما روى عن ابن ابي‏عقيل بانه ادّعى تواتره عن الصادق عن آبائه:

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 35 *»

خلق اللّه الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غيّر لونه او طعمه او ريحه. و منها صحيح حريز عن ابي‏عبداللّه7 كلما غلب الماء ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطّعم فلاتتوضأ منه و لاتشرب.

و منها صحيح ابي‏خالد القماط انه سمع اباعبداللّه7 فى الماء يمر به الرجل و هو يقع [نقيع ظ. کما هو في کتب الاخبار@] فيه الميتة و الجيفة ان كان الماء قد تغير ريحه و طعمه فلاتشرب منه و لاتتوضأ و ان لم‏يتغير ريحه و طعمه فتوضأ و اشرب. فاطلاق لفظ الماء يشمل الجارى و الراكد و الكثير و القليل و تقييده بفرد دون فرد قول بلادليل. و كذلك يدل على ذلك قول الصادق7 الماء طاهر لاينجسه الا ما غير لونه او طعمه او رائحته حيث اطلق لفظ الماء و الجنس يصدق على جميع افراده كثيراً او قليلاً جارياً ام راكداً. و قد حصر التنجيس بالنفى و الاثبات فى المغيّر فغير المغير غير منجس و الاّ لايفيد هذا الاطلاق و هذا النفى و الاثبات شيئاً و لايصدر ما لافائدة فيه من الحكيم فضلاً عن الامام المعصوم الحكيم العليم7.

و منها ما روى عنه ايضاً و قد صار على حدّ الاستفاضة الماء كله طاهر حتى تعلم انّه قذر و قدعلمت ان القذر هو المتغير و الجنس المحلى المؤكّد بالكل شامل لكل الافراد و لايجوز اختصاصه بالبعض. و الذهاب الى انّ مراده7 هو الكثير او الجارى ذهاب الى جواز صدور الكلام عن الامام7 من دون فائدة.

و منها صحيح شهاب عبد ربه قال اتيت اباعبداللّه7 اسأله فابتدأنى فقال ان شئت يا شهاب فاسأل و ان شئت اخبرتك. قال قلت له اخبرنى. قال جئت تسألنى عن الغدير يكون فى جانبه الجيفة أتوضأ منه او لا؟ قال نعم. قال فتوضأ من الجانب الاخر الّا ان‏يغلب الماء الريحُ فينتن.

و منها صحيح عبداللّه بن سنان قال سأل رجل اباعبداللّه7 و انا جالس عن غدير اتوه و فيه جيفة قال اذا كان الماء قاهراً و لايوجد فيه الريح فتوضأ. فجعل المناط الغلبة من دون مقدار الماء فهو على اطلاقه قليلاً كان او كثيراً و لو كان

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 36 *»

المقدار شرطاً فى الانفعال و عدمه لشرطه و عينه و المعصوم لايقصر فى ابلاغ جهات الحكم للمكلّفين. و لايقال انه7 قد عين المقدار فى اخبار اخر لان المكلف الجاهل قد سأله عن تكليفه لاجل العمل و كل ما اجابه قد عمل به و لم‏يكلف بالفحص عن ساير الاخبار فى ذلك اليوم يقيناً و كيف يحكم الامام الهادى المعصوم7 بحكم مجمل فى مسئلة للمكلف ثم يبين تفسيره فى ساير اقواله و لايظن مثل ذلك فى حق فقيه فضلاً عن الامام العليم الحكيم7. و ان قلت فنحن نرى انه يقدره قلت سيأتى الجواب عن قريب فترقب.

و منها صحيح ابن بزيع قال [كتبت ظ. کتب روايي@] الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء و يستقى فيه من بئر فيستنجى فيه الانسان من بول او يغتسل فيه الجنب ما حدّ الذى لايجوز؟ فكتب لاتتوضأ من هذا الّا من الضرورة اليه. و منها صحيح ابن مسكان عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب و السّنور او شرب منه جمل او دابّة او غير ذلك أ يتوضأ منه او يغتسل؟ [قال ظ] نعم ان‏يجد غيره فتنزه عنه.

و منها ما عن كتاب قرب الاسناد و المسائل عن على بن جعفر7 قال و سألته عن جنب اصابت يدُه من جنابة فمسحها بخرقة ثم ادخل يده فى غسله قبل ان‏يغسلها هل يجزيه ان‏يغتسل من ذلك الماء؟ قال ان وجد ماء غيره فلايجزيه ان‏يغتسل و ان لم‏يجد غيره اجزأه.

و منها صحيح على بن جعفر عن اخيه7 انه سئل عن اليهودى و النصرانى يدخل يده فى الماء أ يتوضأ منه للصلوة؟ قال لا الا ان‏يضطر اليه. و منها صحيح ابن مسلم قال سألت اباعبداللّه7 عن الثوب يصيبه البول قال اغسله فى المركن([2]) مرّتين. و هذا صريح فى عدم انفعال القليل بالملاقاة و الا لم‏يأمره بغسل الثوب فيه مرتين.

و منها خبر الاحول قال دخلت على ابي‏عبداللّه7 اسأله عن الرجل يستنجى

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 37 *»

فيقع ثوبه فى الماء الذى استنجى به فقال لابأس. فسكت فقال أتدرى لم صار لابأس به؟ قلت لا واللّه جعلت فداك فقال لى ان الماء اكثر من القذر. فقد صرح7 بان مناط الانفعال هو الغلبة و الاكثرية لامحض ملاقاة النجاسة و من اوّل قوله الى غير ذلك فقد تكلف فيه تكلفاً غير مقصود و لاسيّما اذا طابق بعض الاخبار بعضاً و يشهد بعضها لبعض.

و منها ما عن دعائم الاسلام عن الصادق7 قال اذا مرّ الجنب فى الماء و فيه الجيفة او الميتة فان كان قد تغير لذلك طعمه او ريحه او لونه فلايشرب منه و لايتوضأ و لايتطهر. و منها ما روى عن الباقر7 انه سئل عن القربة و الجرّة من الماء يسقط فيها فارة و جرذ او غيره فيموتون فيها فقال اذا غلب رائحته على طعم الماء او لونه فأرقه و ان لم‏يغلب عليه فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة اذا اخرجتها طرية.

و منها ما روى عن الصادق7 انه سئل عن النقيع و الغدير و اشباههما فيه الجيف و القذر و ولوغ الكلب و تشرب منه الدّوابّ و تبول يتوضأ منه؟ فقال لسائله ان كان ما فيه من النجاسة غالباً على الماء فلاتتوضأ و ان كان الماء غالباً على النجاسة فيتوضأ و يغتسل. فان اراد المعصوم7 ان‏يبين ان مناط التنجيس و الانفعال و عدمهما هو الغلبة لا المقدار فهل يمكن ان‏يبين على غير مثل هذا البيان؟ فان اراد الانسان تأويل صريح البيان لايكاد ان‏يثبت على حق ابداً.

و منها ما روى انه كان بالمدينة رجل يدخل على ابي‏جعفر محمد بن علي8 و كان فى طريقه ماء فيه القذر و الجيف و كان يأمر الغلام بحمل كوز من ماء يغسل رجله ان اصابه فأبصره يوماً ابوجعفر فقال ان هذا لايصيب شيئاً الا طهّره فلاتعد منه غسلاً. و منها صحيح على بن جعفر عن اخيه7 قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار الدم قطعاً صغاراً فأصاب اناءه هل يصلح الوضوء منه؟ فقال ان لم‏يكن شيئاً يستبين فى الماء فلابأس به و ان كان شيئاً بيّناً فلاتتوضأ منه.

و منها حسنة محمد بن ميسر قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل الجنب ينتهى الى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 38 *»

الماء القليل فى الطريق و يريد ان‏يغتسل منه و ليس معه اناء يغرف به و يداه قذرتان؟ قال يضع([3]) يده و يتوضأ و يغتسل هذا ممّا قال اللّه عزوجل ماجعل عليكم فى الدين من حرج.

و منها صحيح زرارة عن الصادق7 و قد سئل عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ منه؟ قال لابأس. و تأويل الحديث بانه لعل الحبل لم‏يلاق الماء او يكون شعر الخنزير ممّا لاتحله الحيٰوة فلايكون نجساً تكلف ظاهر و لو كان الامر كذلك لماكان محلاً للسّؤال هذا. و لو تطرق شبهة فى بعض الاخبار لاتتطرق فيها بعد جمعها و ضم بعضها الى بعض و شهادة بعضها لبعض و بيان بعضها بعضاً. و قد مر من الصحاح ما لايقبل التأويل الا ان‏يصرفها الانسان عن معانيها من غير دليل.

و منها موثقة سماعة عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الرجل يمرّ بالماء و فيه دابّة ميتة قد انتنت قال ان كان النتن الغالب على الماء فلاتتوضأ و لاتشرب. و منها ما روى عن ابي‏بصير قال قلت لابي‏عبداللّه7 انا نسافر فربما بينا بالغدير من المطر يكون فى جانب القرية فيكون فيه العذرة و يبول فيه الصبى و تبول فيه الدابّة و تروث فقال ان عرض فى قلبك شىء فقل هكذا يعنى امزج الماء بيدك ثم توضأ فان الدّين ليس بمضيق فان اللّه عزوجل يقول ماجعل الخ.

و منها رواية الفضيل عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الحياض يبال فيها قال لابأس اذا غلب لون الماء لون البول. و منها رواية ابي‏حمزة قال سألت اباعبداللّه7 عن الماء السّاكن و الاستنجاء فيه و فيه الجيفة فقال توضأ من الجانب الاخر. فلو كان للمقدار دخل فى الانفعال لشرطه و بيّنه كما بيّن النتن و اللّون و هو7 لم‏يقصر فى الاداء و البيان.

و منها حديث عثمان الزيّات قال قلت لابي‏عبداللّه7اكون فى السفر فاٰتى الماء النقيع و يدى قذرة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 39 *»

فاغمسها فى الماء قال لابأس. و منها ما روى عن الصدوق عن الصادق7 انه سئل عن غدير فيه جيفة قال ان كان الماء قاهراً و لايوجد فيه الريح فتوضأ و اغتسل. و منها خبر زرارة عن ابي‏جعفر7قال قلت له راوية من ماء سقطت فيها فارة او جرذ او صعوة ميتة([4]) قال ان تفسخ فيها فلاتشرب من مائها و لاتتوضأ و صبّها و ان كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة اذا اخرجتها طرية كذلك الجرة و صب الماء و القربة و اشباه ذلك من اوعية الماء. و لاشك ان الراوية و الجرة و القربة و اشباهها لاتتسع مقدار الكرّ لانها اوعية الماء للحمل و النقل.

و منها خبر زرارة قال سألت اباعبداللّه7 عن جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به الماء قال لابأس. و تقييد نفى البأس للعمل لا لاستعمال الماء لابرهان له و يجب علينا اخذ قولهم كما هو من تغيير([5]) اللهم الّا ان‏يدل دليل من قولهم:. و بعد ورود النص الصريح بان الماء كله طاهر الا ما تغير لونه او طعمه او ريحه لايبقى شك فى ساير الاخبار ان لم‏يصرح فيها و يحتمل فيها احتمالات ضعيفة على حسب الرأى و الهوى.

و منها خبر ابي‏مريم الانصارى قال كنت مع ابي‏عبداللّه7 فى حائط له فحضرت الصلوة فنزح دلواً للوضوء من ركىّ له فخرج عليه قطعة عذرة يابسة فاكفى رأسه و توضأ بالباقى. و منها خبر عمير بن يزيد قال قلت لابي‏عبداللّه7 اغتسل فى مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة فيقع فى الاناء ماء ينزو من الارض فقال لابأس به.

و منها خبر ابن ابي‏بكر قال قلت لابي‏عبداللّه7 الرجل يضع الكوز يغرف من الحب فى مكان قذر ثم يدخله الحب قال يصب من الماء ثلث اكواز بذلك الكوز. و لعل السر فى امره7 بالصّب ذهاب كدورة ما يلاقى الكوز من الماء و رفع الوسواس من القلوب.

و منها

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 40 *»

ما روى عن الصادق7 اذا مر الجنب بالماء و فيه الجيفة او الميتة فان كان قد تغير لذلك طعمه او ريحه او لونه فلايشرب منه و لايتوضأ و لايتطهر به انتهى. فان لم‏يتغير يجوز التطهير و التوضؤ و الشرب منه بحكم المفهوم. و منها حسنة الاحول قلت لابي‏عبداللّه7اخرج من الغائط فاستنجى بالماء فيقع ثوبى فى ذلك الماء الذى استنجيت به فقال لابأس. و منها خبر محمد بن النعمان عن ابي‏عبداللّه7 قال قلت له استنجى ثم يقع ثوبى فيه و انا جنب فقال لابأس. و منها خبر عبدالكريم بن عقبة الهاشمى قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذى استنجى به أ ينجس ذلك ثوبَه؟ فقال لا انتهى.

و هذه الاخبار و ان كانت فى الاستنجاء خاصة ولكنها جارية فى ماسواه ايضاً عندنا. و يؤيد ذلك ما فى خبر محمد بن النعمان من انّه جنب و قد ضم الى الاستنجاء الجنابة لحاجته اليه. و قد كثر فى الاخبار استعمال الجنابة فى المنى فقوله يقع ثوبى فيه و انا جنب اى انا متلطخ بالجنابة و المني.

فالاخبار الواردة فى الاستنجاء و الواردة فى عدم انفعال الماء القليل بمحض الملاقاة انما هى من باب واحد عندنا و هو عدم انفعال الماء اذا غلب على النجاسة سواء كان فى الاستنجاء او فى غيره. و يشهد على ذلك ما روى عن علل الصدوق عن الاحول انه قال لابي‏عبداللّه7 فى حديث الرجل يستنجى فيقع ثوبه فى الماء الذى استنجى به فقال لابأس اوتدرى لم صار لابأس؟ قال قلت لا واللّه فقال ان الماء اكثر من القذر. فصرح و نصّ ان عدم انفعال الماء لاجل كثرته و قلة القذر كما نص فى صحيح عبداللّه بن سنان اذا كان الماء قاهراً و لايوجد فيه الريح فتوضأ و كما نص فى صحيح شهاب بن عبدربه و صحيح ابي‏خالد القماط و موثقة سماعة و غيرها كما مرّ.

فتعدية حكم ماء الاستنجاء فى ساير المياه اما لنص المعصوم7 كما سمعت و اما لتنقيح المناط كما عدّوا حكم الثوب الواقع فى ماء الاستنجاء

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 41 *»

فى ساير الاشياء هذا. و ما مرّ من الاخبار استغنى عن ماسواها فى المسئلة ولكن لماكانت قليلة الناصر و المعين فلابد لنا من انحاء الادلة لتحصيل الاطمينان و اليقين. و قد تمسك القائلون بانفعال الماء القليل بالملاقاة بارسال بعض هذه الاخبار المذكورة و ضعف بعضها على اصطلاحهم. و انت تعلم ان تنويع الاخبار من اصطلاح الاصحاب و ليس مبدؤه من الائمة الاطهار: و قول غير الحجة ليس بحجّة.

و قد علمت فى المقدمات انه لايمكن تصحيح الاخبار بعلم الرجال لانهم تمسكوا به فى سلاسل الاسناد ليسلموا عن افتراء اهل العناد و كذبهم غافلين بان من لايبالى الافتراء و الكذب فى المتن غير مبال من سرد الاسناد و عد الرجال الثقات فلايجدى لهم نفعاً ذلك العلم ابداً.

و نحن مأمورن بأخذ الحديث عن الثقات و ان كان فى كتبهم و العلماء المحدثون الذين قد كتبوا الكتب لعملهم و عمل ساير المؤمنين فى جميع الاعصار و القرون كلهم مشهورون معروفون بالوثاقة و الديانة. و بعد تقرير اللّه سبحانه و تقرير النبى و الامام: لهم لم‏يبق لنا شك فى صحة ما كتبوه لعملهم فاخبارنا كلها صحاح حسان ليس فيها ضعاف و لايضعفها الاضمار و الارسال و ساير ما اصطلحوا فى توهين الاخبار.

و على اصطلاحهم لايخلو ما تمسكنا به من الاخبار الصحاح بل يوجد فيها المتواتر ايضاً فبعد ورود الصحاح ان كان غيرها مطابقاً لها تشهد عليه بالصحة ايضاً فبعد ذلك لانشك فى عدم انفعال الماء القليل بمحض ملاقاة النجاسة و هو يطهر و لايطهّر.

و لنا ادلة اخر مطابقة لتلك الاخبار منها انه لو انفعل القليل بمحض الملاقاة لماجاز تطهير الاخباث به ابداً و ذلك خلاف المذهب و خلاف الاسلام بالاجماع و الضرورة لان كل مايصل منه الى النجاسة ينفعل منها و تنجس فلايطهّر ابداً. و القول بانه مادام فى المتنجس او متصلاً به طاهر مطهّر و بمحض الانفصال عنه ينفعل لادليل له شرعاً و عقلاً لانه لو كان ينفعل من النجاسة فلم لم‏ينفعل مادام فيها

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 42 *»

او متصلاً بها و ان لم‏ينفعل منها فَلِم‏ينفعل حين ينفصل؟ و بم ينفعل؟

و منها ان القول بعدم انفعال الماء القليل يجمع القول بانفعاله فى الجملة و هو انفعال خساسة و بذلك يمكن حمل الاخبار المتعارضة لتلك الاخبار على النزاهة و بذلك يوضع كل خبر موضعه و يعمل بها جميعاً. و القول بانفعاله بمحض الملاقاة يلزمه طرح الاخبار الصحاح و تركها و انكارها و ذلك ممّا لايجوز و يقع الانسان فى خطر عظيم بسبب الانكار.

و منها ان القول بعدم الانفعال تصديق قوله تعالى ماجعل عليكم فى الدين من حرج كما اشار اليه الصادق7 فى رواية ابي‏بصير و تصديق قوله تعالى و الله يريد بكم اليسر و لايريد بكم العسر و القول بالانفعال قول بالضيق و الحرج فى الدين و كيف يمكن للناس جميعاً ذكراً و انثى كبيراً و صغيراً و ضعيفاً ان‏يجتنبوا من الماء القليل الملاقى بالنجاسة؟ و فى جميع الدور و البيوت اطفال رضاع و اطفال غير مميزة و لهم مربيات و مرضعات غير مميزة و لابد للمؤمنين الصالحين من المعاشرة و المباشرة و المؤاكلة و المضاجعة مع هؤلاء و اغلب امور الدور من المطاعم و المشارب و غسل الملابس و غسل الاوانى بيد هؤلاء الضعفاء. و لو فرض لاشخاص معدودة امكان الاجتناب من جميع ذلك لايصير ذلك سبب الحكم للناس عامّة و بذلك يقعون فى ضيق شديد و حرج عتيد و من يفكر و ينصف يصدّق.

و منها انّ ما ثبت فى اصولنا ان احكام الشارع7 متعلقة بالاسماء و الاسماء تابعة للصور فمادام الشىء على صورة من الصور يتعلق به حكم من الاحكام و لايجوز صرف ذلك الحكم عنه ما لم‏يعلم تغيره عما هو عليه. فاذا علم تغيره عما هو عليه و يتصور بصورة اخرى و يقع عليها اسم من الاسماء يتعلق عليه حكم ذلك الاسم و ينصرف عنه الحكم الاول المتعلق بالاسم الاول التابع للصورة الاولى كما يتعلق حكم النجاسة باسم الكلب التابع للصورة الكلبية فاذا وقع الكلب فى المملحة و تغير صورته و صار ملحاً تغير حكم النجاسة و جاء حكم الطهارة المتعلقة باسم الملح التابع للصورة الملحية و ما لم‏نعلم

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 43 *»

تغيره من الكلبية الى الملحية نحكم عليه بالنجاسة ان اللّه لايغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بانفسهم و ذلك اصل و باب يتفرع عليه فروع كثيرة و ليس ذلك من باب الاستصحاب كما شرحنا و فرقنا بينهما فى اصولنا.

فاذا ثبت طهارة الماء من الشرع نحكم على طهارته مادام يصدق عليه اسم الماء بقول مطلق و لاشك فى صدقه على الماء الملاقى بالنجاسة ما لم‏يتغير احد اوصافه الثلثة سواء كان قليلاً او كثيراً فما لم‏نعلم تغيره بالنجاسة او بغيرها نحكم عليه الحكم الاول فاذا علمنا تغيره بشىء نضيفه الى ذلك الشىء فاذا تغير بالنجاسة نحكم عليه بانه نجس و اذا تغير بغير النجاسة نحكم عليه بانه طاهر غير مطهر. فاذا عرضنا اصلنا الى ساير الاخبار وجدناه مطلقاً لها و رأينا ان الائمّة: قد استدلوا لمواليهم بذلك كما فى صحيح شهاب قال فتوضأ من الجانب الاخر الا ان‏يغلب الماء الريح فينتن و كما فى صحيح عبداللّه بن سنان اذا كان الماء قاهراً و لايوجد فيه الريح فتوضأ و كما فى خبر الاحول ان الماء اكثر من القذر. فعرفنا ان الحكم تابع للغالب ابداً اللّهم الا ان‏يدل دليل شرعى فى شىء خاصّ و لاشك حينئذ فى وجوب اتباعه. و بعد ورود الحديث المشهور المروى بعدة طرق خلق اللّه الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه لم‏يبق لنا تأمّل فى طهورية اقسام المياه ما لم‏يتغير احد اوصافه الثلثة.

و منها ان ما يظهر من الاخبار الواردة فى تقدير الكرّ انه امر تخمينى لا تحقيقى و مرادهم: من ذلك التخمين ان هذا القدر من الماء لايتغير عادة بما يلاقيه من النجاسات اليسيرة المتعارفة. و كثرة اختلاف الاخبار يؤيد ذلك و ان لم‏نقطع على ذلك نحملها على الاستحباب كما ان اختلاف اخبار نزح البئر قدحمل الاصحاب على القول باستحبابه مع ان المتقدمين قائلون بوجوبه. و نرى اجحافاً فاحشاً بين مساحة ثلثة اشبار و نصف فى ثلثة اشبار و نصف فى ثلثة اشبار و نصف و بين مساحة ثلثة اشبار فى الجهات الثلث

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 44 *»

فان تكسير الاولى ترتقى الى اثنين و اربعين شبراً و سبعة اثمان شبر و تكسير الثانية ترتقى الى سبعة و عشرين.

و المنقول عن ابن‏جنيد ان الكر ما بلغ تكسيره الى مأة شبر. و قيل انه ما بلغ الى ستة و ثلثين شبراً. و نقل عن قطب الدين راوندى انه ما بلغ ابعاده الى عشرة اشبار و نصف شبر من غير اعتبار التكسير فى الرّواية الاولى. و روى ثلثة اشبار و نصف عرضها فى ثلثة اشبار و نصف عمقها من دون اعتبار الطّول. و نقل عن المقنع انه قال ان الكر ذراع و شبر فى ذراعين و شبر. و روى ان الكر من الماء نحو حبى هذا و اشار7 الى حب من تلك الحباب التى تكون بالمدينة. و روى انه الف و مائتا رطل الى غير ذلك من الروايات.

و انت تعلم ان الاشبار ايضاً تختلف بحسب الاشخاص بل تختلف بحسب الاسنان فى شخص واحد و لايمكن تعيينها من الاخبار و تعيينها بدونها اجتهاد و رأى فى دين اللّه سبحانه و هو غير جايز. و كذا الارطال ايضاً مبهمة غير معلومة و القول بانها عراقية من دون نص غير مجد. و محض اتفاق جماعة على امر ايضاً لايجدى نفعاً ان لم‏يكن مستندهم نصاً و خبراً اذ الحجة هو المعصوم7 لاغيره. و على فرض تعيينها مخالفة لما ورد فى المساحة كما هى مخالفة بعضها مع بعض.

و منها ان اخبار الكر موافقة لمذهب العامّة و ما تمسكنا بها من الاخبار مخالفة لمذهبهم و نحن مأمورون فى اخبار عديدة بالاخذ بما يخالف مذهبهم و ترك ما يوافق.

و منها ان تلك الاخبار لايدل على مرادهم الا بالمفهوم و ما تمسكنا به دال على مرادنا بالمنطوق صريحاً و لايعارض المفهوم المنطوق ابداً و غاية استدلالهم فى المقام ادّعاء ضمّ الاجماع الى المفهوم و بعد ضمه اليه لايعارضه المنطوق و انت تعلم ان مستند المجمعين هو هذه المفاهيم لاغير. و بعد العلم بان المفهوم اضعف و المنطوق اقوى لايجدى الاعتضاد بالكثرة و ادعاء الاجماع. و الاجماع حجة اذا كان منتهياً سنده الى الحجة7 و محض اتفاق جمع على شىء ليس فيه حجّية كما اذا اجمع قوم على وجوب

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 45 *»

العمل بالظن المنهى عنه فكذلك اتفاق جماعة على اخذ المفهوم الاضعف و ترك المنطوق الاقوى ليس بحجّة و ليس لهم سند غير ذلك الاضعف.

و اما ما روى عن الكاظم7 فى رواية على بن جعفر7 قال سألته عن الدّجاجة و اشباهها تطأ العذرة ثم تدخل فى الماء يتوضأ منه للصلوة؟ قال لا الّا ان‏يكون كثيراً قدر كر من ماء فمحمول على حالة الاختيار و وفور الماء و استحباب الاجتناب منه كما يدل على ذلك صحيح ابن بزيع قال كتبت الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السّماء و يستقى فيه من بئر فيستنجى فيه الانسان من بول و يغتسل فيه الجنب ما حدّ الذى لايجوز؟ فكتب لاتتوضأ من هذا الّا من الضرورة اليه. و كما يدل عليه صحيح على بن جعفر عن اخيه7 انه سئل عن اليهودى و النصرانى يدخل يده فى الماء أ يتوضأ منه للصلوة؟ قال لا الّا ان‏يضطر اليه.

و اما ما روى عن سهل بن زياد قال سألت اباعبداللّه7 عن الحياض التى بين مكّة و المدينة تردها السّباع و تلغ فيه الكلاب و يشرب منه الخنزير و يغتسل منه و يتوضأ منه. فقال و كم قدر الماء؟  قلت الى نصف الساق و الى الركبة قال توضؤا منه الخبر، فلا دلالة له على انفعال الماء القليل بمحض ملاقاة النّجاسة و انما سؤاله7 عن كمية الماء و جوابه لايضاح انّ هذا القدر من الماء لايتغير بملاقاة النجاسات المذكورة عادة. و يشهد ايضاً ان التقديرات الواردة فى الكر تقديرات تخمينية نسبيّة و المراد منها بيان ان الماء الكثير الغالب على النجاسة الواصلة اليه عادة هذا القدر من الماء تخميناً عرفياً و الّا لم‏يرد فى مقدار الكر اخبار بهذا الاختلاف كما عرفت.

و لو سلمنا ان سؤاله7 لبيان ان الكرية لها مدخلية فى ملاقاة النجاسة نحمله على استحباب التنزه عن الملاقى للنجاسة ما لم‏يلبغ الكرية كما حملنا اخبار الكرّ على ذلك. و بعد ورود الصحيح الصريح بـان اللّه خلق الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه لم‏يبق لنا شك فى عدم انفعاله من النجاسة ما

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 46 *»

لم‏تغيره فما ورد على خلاف ذلك ظاهراً يحمل على ما يوافقه حقيقة و هو حمله على استحباب التنزه اذ لاشك انه بمحض ملاقاة النجاسة يكتسب الخساسة و ان لم‏يبلغ حد الانفعال الموجب للاجتناب و ذلك لايمنع الاستعمال فى حال من الاحوال كما دل عليه الصحيحان من ابن بزيع و على بن جعفر7 و غيرهما.

و امّا رواية ابي‏الفضل بن عبدالملك قال سألت اباعبداللّه7 عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و البغال و الحمار و الوحش و السباع فلم‏اترك شيئاً حتى سألته فقال لابأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس لاتتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب اول مرة ثم بالماء فلايدل على ما استدلوا عليه ايضاً صريحاً بل هو محمول على شدة كراهة فضله. و يكشف ذلك اذنه7 فى صحيح ابن مسكان عن ابي‏عبداللّه7قال سألته عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب او السنور او شرب منه جمل او دابة او غير ذلك أ يتوضأ منه او يغتسل؟ قال نعم ان يجد غيره فتنزه فلايعارض الصحاح الصراحَ و لان الرجس مشترك بين معان و لايكون مختصاً بمعنى القذر المعروف كما قال تعالى فاجتنبوا الرجس من الاوثان و ورد اى الشطرنج انتهى.

و اذا ذكر النجس معه يكون اتباعاً له يقال رجس نجس بالكسر فلايكون النجس ايضاً صريحاً فى القذارة المعروفة مختصاً بها و لعلّه7 نهى عن فضله لما علم من رجاسته و نجاسته المضرّة بالابدان و الارواح و لعلها تورث امراضاً لانعلمه و هو7 قد علمه. و لايجب ان‏يكون متعلق الحكم هى النجاسة المعروفة و لذلك لم‏يكتف بغسل الاناء بالماء وحده و امر بغسله بالتّراب ثم بالماء لئلا يبقى من نتن لعابه و اثره فى الاناء شىء. بالجملة و عدم صراحته على الانفعال المقصود كصراحة الصحاح على عدم الانفعال المعهود. و كذلك لايدل على مرادهم ما روى عن محمد بن مسلم قال سألته يعنى الصادق7 عن الكلب

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 47 *»

يشرب من الاناء قال7 اغسل الاناء. و كذلك ما روى عن على بن جعفر عن اخيه7 قال سألته عن خنزير يشرب من اناء كيف يصنع به؟ قال يغسل سبع مرّات لما لم‏يعلم ان سبب الحكم و الغسل هى النجاسة المعروفة او شىء آخر مما لم‌نعلم مما يورث الامراض فلاتكونان صريحاً فى مقصودهم فلايعارضان الصحاح الصراح فى مقصودنا.

و اما ما روى عن على بن جعفر عن اخيه قال سألته عن الرجل يصيب الماء فى ساقيه و استنقع أيغتسل منه للجنابة او يتوضأ منه للصلوة اذا كان لايجد غيره و الماء لايبلغ صاعاً للجنابة و لامدّاً للوضوء و هو متفرق فكيف يصنع به و هو يتخوف ان‏يكون السباع قد شربت منه؟ فقال7 اذا كانت يده نظيفة فليأخذ كفاً من الماء بيد واحدة فلينضحه خلفه و كفاً عن امامه الخ. فلايدل ايضاً على انفعال الماء القليل بالنجاسة بمحض الملاقاة لانه لاشكّ فى استحباب نظافة اليد و اشتراطه7 ذلك لذلك فلايدل اشتراطه7على الانفعال كما امروا بغسل اليد مرتين او مرة قبل ادخالها فى الاناء للوضوء.

و اما ما روى عنه ايضاً عن اخيه قال سألته عن رجل رعف و هو يتوضأ فقطرت قطرة فى انائه هل يصح الوضوء منه؟ قال لا، فلايدل على مرادهم ايضاً لان اقل ما يكفى من الماء فى الوضوء ثلث غرفات على نحو الدّهن و هذا المقدار منه يغيره قطرة من الدم فلايجوز استعماله للوضوء. و لعل الاناء المسئول عنه لم‏يكن فيه ماء ازيد من ذلك او انه7 نهى عنه للنّزاهة لا للتحريم و عدم جواز الاستعمال. و الذى يدل على ذلك صحيحه الاخر عن اخيه7 قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار الدم قطعاً صغاراً فاصاب اناءه هل يصلح الوضوء منه؟ فقال ان لم‏يكن شيئاً يستبين فى الاناء فلابأس به و ان كان شيئاً بيّناً فلاتتوضأ منه انتهى. و هذا صريح فى جواز استعمال الماء ان كان الدم مستهلكاً فما يؤمي‏الى خلاف ذلك ظاهر فاما يراد منه عدم استهلاك الدم او كراهة استعماله مع الاستهلاك.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 48 *»

و كذلك يحمل على النزاهة رواية شهاب بن عبدربه عن ابي‏عبداللّه7 فى الرجل الجنب يسهو فيغمس يده فى الاناء قبل ان‏يغسلها انه لابأس اذا لم‏يكن اصاب يده شىء. و كذلك روايته الاخرى قال اتيت اباعبداللّه7 الى ان قال و ان شئت سل و ان شئت اخبرتك قلت اخبرنى! قال جئت تسأل عن الجنب يسهو فيغمس يده فى الماء قبل ان‏يغسلها قال قلت ذلك جعلت فداك قال اذا لم‏يكن اصاب يده شىء فلابأس. و كذلك ما روى عن على بن جعفر عن اخيه موسي7 قال سألته عن الرجل يتوضأ فى الكنيف بالماء يدخل يده أ يتوضأ من فضله للصلوة؟ قال اذا ادخل يده و هى نظيفة فلابأس و لست احب ان‏يتعود ذلك. و كذلك رواية البزنطى قال سألت اباالحسن7 عن الرجل يدخل يده فى الاناء و هى قذرة قال يكفي‏ الاناء. فانه بعد ورود الصحاح الصراح المستفيضة المتواتر [المتواترة ظ]بعضها بان اللّه خلق الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه لايبقى شك فى ان المراد مما يوهم خلافها النزاهة لاعدم جواز استعماله مطلقاً.

و اما رواية داود بن سرحان قال قلت لابي‏عبداللّه7 ما تقول فى ماء الحمام؟ قال هو بمنزلة الجارى فقداستدلوا بها بان تشبيهه7 بالجارى دليل على ان ليس كل قليل كالجارى. اقول ذلك كذلك فى رفع الاخباث فيغسل فيه البول مرة كما يغسل فى الجارى مرّة و ليس كذلك فى المياه القليلة فانه يغسل فيه مرتين فلايدل على مرادهم ايضاً.

و اما ما روى عن على بن جعفر عن اخيه8 قال سألته عن النصرانى يغتسل مع المسلم فى الحمام. قال اذا علم انه نصرانى اغتسل بغير ماء الحمام الا ان‏يغتسل وحده على الحوض فيغتسله [فيغسله هکذا في الروايات]ثم يغتسل و ما روى عن سعيد الاعرج قال سألت اباعبداللّه7 عن سؤر اليهودى و النصرانى قال لا، فيحملان على حال السعة كما صرح به صحيح على بن جعفر عن اخيه7 انه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 49 *»

سئل عن اليهودى و النصرانى يدخل يده فى الماء أ يتوضأ منه للصلوة؟ قال لا الا ان‏يضطرّ.

و امّا رواية زرارة قال قلت كيف يغتسل الجنب؟ فقال ان لم‏يكن اصاب شىء يده غمسها فى الماء ثم بدء بفرجه فانقاه و ما روى عن سماعة عن الصادق7 قال اذا اصابت الرجل جنابة فادخل يده فى الاناء فلابأس اذا لم‏يكن اصاب يده شىء من المنى فيحملان على حال السعة و وفور الماء ايضاً كما صرح به ما روى عن على بن جعفر7قال و سألته عن جنب اصابت يده من جنابة فمسحها بخرقة ثم ادخل يده فى غسله قبل ان‏يغسلها هل يجزيه ان‏يغتسل من ذلك الماء؟ قال ان وجد ماء غيره فلايجزيه ان‏يغتسل و ان لم‏يجده غيره اجزأه.

و اما ما روى عن عمار عن الصادق7 قال سألته عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب فقال كل شىء من الطير يتوضأ مما يشرب الا ان‏ترى فى منقاره دماً فان رأيت فى منقاره دماً فلاتتوضأ منه و لاتشرب. و ما روى عنه عن الصادق7 قال سئل عن ماء شربت منه الدجاجة قال ان رأيت فى منقارها دماً لم‏تتوضأ منه و لم‏تشرب و ان لم‏تعلم فى منقارها قذراً توضأ و اشرب. و ما روى عنه عن الصادق7 انه سئل عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب قال كل شىء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان‏ترى فى منقاره دماً فان رأيت فى منقاره فلاتتوضأ منه و لاتشرب. فلايدل ذلك ايضاً الّا على النّهى عن الشرب و التوضؤ و لاتدل على نجاسة الماء مطلقاً. و بعد ورود الصحاح الدالة على طهارة الماء ما لم‏يتغير بالنجاسة يحمل ذلك و امثاله على كراهة استعماله.

و اما ما روى عن عمار عن الصادق7 انه سئل عن الرجل يجد فى انائه فارة و قد توضأ من ذلك الاناء مراراً او اغتسل او غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلخة فقال7 ان كان راٰها قبل ان‏يغتسل او يتوضأ او يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما راٰها فعليه ان‏يغسل ثيابه و يغسل كلما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلوة و ان كان انما راها بعد ما

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 50 *»

فرغ من ذلك و فعله فلايمسّ من الماء شيئاً و ليس عليه شىء لانه لايعلم متى سقطت فيه ثم قال لعله ان‏يكون انما سقطت تلك السّاعة انتهي. فالظاهر ان الفارة المتسخلة منتنة و يتغير ماء الاناء بنتنها.

و اما ما روى عن سعيد الاعرج قال سألت اباعبداللّه7 عن الجرّة تَسَع‏ مائة رطل من ماء يقع فيها اوقية من دم اشرب منه و اتوضأ؟ قال لا انتهي. فمع تسليم عدم التغيير فجوابه ما مرّ فى روايات عمّار. و كذلك يحمل رواية ابي‏بصير عنهم: قال اذا ادخلت يدك فى الاناء قبل ان‏تغسلها فلابأس الّا ان‏يكون اصابها قذر بول او جنابة فان ادخلت يدك فى الماء و فيه شىء من ذلك فاهرق ذلك الماء. و كذلك روايته الاخرى قال سألته عن الجنب يحصل  الركوة او الغور فيدخل اصبعه([6]) قال ان كان اصابها قذر فليهرقه و ان لم‏يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال اللّه تعالى ماجعل عليكم فى الدين من حرج.

و امّا خبر بكر بن حبيب عن ابي‏جعفر7 قال ماء الحمام لابأس به اذا كانت له مادّة فقداستدلوا به بأن تقييده بالمادة يقتضى ثبوت البأس مع عدمها و على الطهارة لاتفاوت. فـاقول لاينافى الطهارة كراهة استعمال بعض افراد المياه فى حال السعة كما مر فى رواية على بن جعفر7 فقول المستدل و على الطهارة لاتفاوت فقدصدر عن الغفلة لان فى افراد المياه بحسب الاضطرار و السعة و الاختيار يحصل التفاوت بلاشك.

و امّا رواية ابى‏بصير عن الصادق7 قال ليس بفضل السنور بأس ان تتوضأ منه و تشرب و لاتشرب من سؤر الكلب الّا ان‏يكون كثيراً يستقى منه، و كذا خبر معوية بن شريح قال سأل عذافر اباعبداللّه7 و انا عنده عن سؤر السنور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه او يتوضأ منه؟ قال نعم قال قلت له الكلب؟ قال لا قلت أليس هو سبع؟ قال لا واللّه انه نجس، و كذا مرسلة حريز عن الصادق7 قال اذا ولغ الكلب فى الاناء فصبّه، و كذا ما روى عن فقه الرضا قال اذا ولغ الكلب فى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 51 *»

الماء او شرب منه اهريق الماء و غسل الاناء ثلث مرات مرة بالتّراب و مرتين بالماء ثمّ يجفف فقد مر جوابها فى رواية ابي‏الفضل و امثالها.

و امّا خبر ابي‏بصير عن الصادق7 و فيه ان ما يبلّ الميل من النبيذ ينجس حبّاً من ماء يقولها ثلثاً، و كذا خبر عمر بن حنظلة قال قلت لابي‏عبداللّه7 ماترى فى قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى عاديته و يذهب سكره فقال لا واللّه و لاقطرة قطرت فى حبّ الّا هريق [اهريق في کتب الاخبار] ذلك الحبّ فلاشك انهما وردا فى النّبيذ و كان معتادوا النبيذ فى ذلك اليوم قد ارادوا انواع الحيل فى شربه و ارادوا ان‏يأذن لهم الامام7 فى شربه فسألوا مرّة بانا نمزجه بالماء حتى يذهب سكره و مرّة سألوا بانا معتادون لذلك و بتركه نمرض فسألوا بأنحاء الاسؤلة و انواع الحيل لعله7 يأذن لهم كما هى مضبوطة فى كتاب الاشربة من الكافى و غيره و ذكرها توجب التطويل فى المقال فى غير المحل.

فلمّا رأي7 منهم الولع فى شربه زجرهم عنه غاية الزجر و بالغ فى خساسته و نجاسته و حذّرهم عنه لعلهم يحذرون و رتب لهم اشربة طيبة محلّلة لعلهم يرجعون. فمرادهم: فى المبالغة مبالغة الاجتناب عن النبيذ و شربه لا بيان حكم الماء الملاقى للنجاسة هذا. و قد رأينا فى الاخبار انه7 قد قدّر الكر بالحبّ فعلى ما استدلوا به ان ما يبل الميل ينجس الكرّ و لايقولون به هذا. و هما لايعارضان الصحاح الصراح الموافقة للاصول كما مرّت فحملهما على كراهة الاستعمال مما هو الصّواب.

و امّا ما روى عن على بن جعفر7 قال سألته عن حب ماء فيه اوقية بول هل يصلح شربه او الوضوء؟ قال لايصلح شربه، فلادلالة له لنجاسة الماء و انما دلالته على عدم صلوحه للشرب لا ازيد من ذلك.

و اما خبر حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد8 قال لايفسد الماء الّا ماكانت له نفس سائلة و استدلوا بان حمله على تغير الماء به شىء زايد على الملاقاة و هو منفى بالاصل. فـاقول لاشك انه لايحمل على

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 52 *»

مجرد الملاقاة لانه لو كان كذلك لينجس الماء و ان لم‏يمت فيه ذو النفس و لايقول به احد. و ان قيل ان الادلّة قد دلت على ان المراد بالملاقاة هو الملاقاة ميتة نقول ان الادلّة قد دلت على ان اللّه خلق الماء طهوراً لاينجسه الا ما غير لونه او طعمه او ريحه فمفسد الماء هو ذو النفس المغير لاغير.

و امّا اخبار الانائين المشتبهين فكأنهم استدلوا بهما بان الاشتباه لايقع الّا بعدم التّغيير غفلة من ان النّجاسة قد يكون غير ملوّنة و لامنتنة كبعض الابوال و ينحصر التغير فى الطّعم وحده و لايعلم ذلك الا بالذّوق و هو ممنوع فيقع الاشتباه بين الانائين و ربما تكون غير ذي‏طعم و ربما يذهب الاوصاف الثلثة بطول المدة فيقع الاشتباه ايضاً مع التغير الحاصل من رؤية مقدار النجاسة الواقعة فى احدهما فلم‏يبق لهم حجة فى التمسك بها. و لما استدل بعض الاصحاب على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة بتلك الاخبار فرداً فرداً اردنا ان‏نشير على عدم دلالتها على مرادهم فرداً فرداً و ان لم‏نكن محتاجاً الى ذلك و بعد صحّة ورود ان اللّه خلق الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه يظهر موضع كل خبر يوهم التّعارض معه ظاهراً.

بقى هنا المفاهيم المفهومة من بعض الاخبار و ان مرّت الاشارة الى مواضعها ولكن لابأس باستيفاء المقال فى ذلك ايضاً لئلايبقى للشبهة فيما ذهبنا اليه مجال. فـمنها ما روى عن موسى بن جعفر عن آبائه: الماء الجارى لاينجسه شىء و روى و ماء الحمام سبيله سبيل الجارى اذا كانت له مادّة. و روى اذا بلغ الماء قدر كر لم‏ينجسه شىء. و روى كل غدير فيه من الماء اكثر من كر لاينجسه ما يقع فيه من النجاسات الا ان‏يكون فيه فتغير لونه و رائحته فاذا غيّرته لم‏يشرب و لم‏يتطهر و اعلموا رحمكم اللّه ان كل ماء جار لاينجسه شىء انتهى.

و لاشك ان المراد من لفظة لاينجسه شي‏ء فى هذه الرّوايات و غيرها ليست على الاطلاق اذ الشىء المغير ينجسه بالاتفاق

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 53 *»

فالمراد من لفظ الشىء هو الشّىء اليسير غير المغيّر. فمعنى اذا بلغ الماء قدر كر لاينجسه شىء اى لايغيره شىء يسير من النجاسة لكثرة الماء و قلة النجاسة. و الماء الجارى لاينجسه شىء اى لايغيره شىء يسير من النجاسة لجريانه و تبدل بعضه بعضاً. و ماء الحمام سبيله سبيل الجارى اذا كانت له مادة لوجود المادة فاما يراد من المادة النبع من الارض او الاتصال بساير الحياض مثلاً فلايغيره شىء يسير من النجاسة لتبدل اجزاءه و استهلاكها. فبحكم مفهوم هذه الروايات و امثالها ان القليل الذى ليس بجار و لا له مادة يغيره شىء يسير من النجاسة و ينجسه و لاشك فى ذلك.

و اختلاف تقدير الكر وزناً و مساحة يدل على ان المراد منه كثرة الماء بالنسبة الى النجاسة تخميناً عرفياً كما لايفخى على من راجع اخبار التقدير و انما المراد ان هذا القدر من الماء لايغيره النجاسات الواصلة اليه عادة و اما اذا كان قليلاً تغيره فالمفهوم لايدل على نجاسة القليل بمحض ملاقاة النجاسة و ان لم‏تغيره و انما يدل [على ظ] ان الماء القليل يغيره اليسير من النجاسة بخلاف الكثير فانه لايغيّره اليسير فليس المفهوم مخالفاً للمنطوق معارضاً له و انما يصدق بعضه بعضاً فقد اجتمعت الاخبار مفهوماً و منطوقاً على ان اللّه سبحانه خلق الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه. و من خلع ربقة التقليد من عنقه و راجع الاخبار الواردة و عرض مفهومها على منطوقها عرف ان مفهومها يطابق المنطوق و لايعارضه ولكن الاوائل قد فهموا المفهوم معارضاً للمنطوق و اخذوه و تركوا المنطوق و اقتدى بفهمهم الاواخر.

ولكنك لو تفطنت عرفت ان الشىء الذى لاينجس الكثير هو اليسير غير المغير بالاتفاق فمفهوم الكثير هو القليل و مفهوم اليسير غير المغير هو الكثير المغير لا اليسير غير المغير فهم قد اخذوا شطر العبارة مفهومه و هو اذا بلغ الماء قدر كر لم‏ينجسه و اخذوا بشطر اخر بمنطوقه و هو قوله شىء و ليس الشىء مطلقاً بالاتفاق فاذا كان الشىء مقيداً بعدم التغيير فيصير مفهومه الشىء المغير.

و على ما ذهبوا اليه فقدمر الجواب

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 54 *»

بان المفهوم اضعف من المنطوق فلايعارضه و بانه موافق لمذهب العامّة. و اما ادّعاء الاجماع غير مسلّم و لاسيما مستنده مفاهيم هذه الروايات و قد عرفت انها تطابق المنطوقات و على ما ذهبوا هى اضعف منها و نفس اجتماع جماعة غير معصومين على شىء لايصير اجماعاً فيه المعصوم فلايكون فيه حجّة. و من ترك الاستيناس بما ذهب اليه الاكثرون و نظر فى الاخبار و تتبع فيها عرف بلاغبار ان منجس الماء هو المغير له كما كان الصحيح متواتراً و هو خلق اللّه الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه و عرف ان المفهوم يطابق المنطوق و لايعارضه و الحمدللّه.

المقصد الثالث

المــاء

و هو الذى يحتاج فى تعريفه و تعيين ماهيته الى شىء خارج عن حقيقة الماء سواء اعتصر من شىء او امتزج به كماء الرمان و الزّعفران و هو طاهر ما لم‏يستخرج من شىء نجس او يمتزج به بالاجماع. و لايرفع حدثاً و لاخبثاً لعدم صدق اسم الماء عليه و لايرفعهما شىء من المايعات الا الماء سوى ما استثنى كما يأتى. اما عدم رفعه الحدث فلقوله تعالى فان لم‏تجدوا ماء فتيمموا صعيداً فاوجب عند فقد الماء المطلق التيمم فلو جاز التطهير يغيره لم‏يأمر بالتيمم. و لقوله7 فى رواية ابي‏بصير و قد سأله عن الوضوء باللبن لا انما هو الماء و الصعيد فقد حصر7 التطهير فى الماء و الصعيد فلو جاز بغيرهما لماحصره فيهما.

نعم روى عن يونس عن ابي‏الحسن7 فى الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلوة قال لابأس بذلك انتهى. و قد ضعفوه باشتمال سنده على سهل بن زياد و هو عامىّ و محمد بن عيسى عن يونس. و قدا شرنا فى المقدمة بعدم امكان تمييز الاخبار بعلم الرجال و عدم جواز تنويع الاثار و طرح بعضها و قبول بعض بالاستدلال من عند انفسنا و انما امرنا بقبول الخبر من الثقة و ابن‏بابويه ثقة و قدرواه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 55 *»

و عمل به و كذا ابن ابي‏عقيل. نعم لايجوز التعدى الى غير موضع النّص فاجراء حكمه لساير المياه ة مخالفة للاجماع قطعاً كما انّ فى موضعه لايلزم المخالفة ايضاً لورود الخبر و وجود العامل به نعم يلزم مخالفة الاكثرين. و لايمنع ذلك عن القول بشىء اذا كان له برهان من الاخبار المعصومية7.

و اما عدم رفعه الخبث لورود الامر بغسل الثوب و البدن و الاوانى و غيرها بالماء و لان الغسل قد صار حقيقة شرعيّة فى الغسل بالماء. و لذلك لاتجد سائلاً عن المعصوم7 بانه هل يجوز الغسل بغير الماء؟ و كان المتبادر الى اذهانهم الغسل بالماء خاصّة من غير تردد. و من تتبع فى سؤال السائلين فى هذا المقام عن الائمة: و جوابهم لايشك فى ذلك. و لان النجاسة و الطهارة امر شرعى قطعاً و ازالة النجاسة بالماء امر يقينى متبع. و اما ازالتها بغيره من غير دليل شرعى فمما لايجوز.

و بذلك يظهر الجواب عما نقل عن المرتضي؟رح؟ بان تطهير الثوب ليس باكثر من ازالة النجاسة عنه و قد زال بغسله بغير الماء مشاهدة انتهى. و قوله تطهير الثوب ليس باكثر من ازالة النجاسة عنه اول الكلام لان النجاسة و اثرها و ازالتها و ازالة اثرها امر شرعى و ليس بامر حسى او عقلى فاذا تنجس شىء شرعاً يكون متنجساً حتى يزول اثر النجاسة عنه شرعاً سواء زال عنه اثر النجاسة حسّاً ام لا. و استدل؟رح؟ ايضاً كما نقل عنه بالمنع من اختصاص الغسل بما يسمى الغاسل به غاسلاً عادة و لو كان كذلك يوجب المنع من غسل الثوب بماء الكبريت و النفط و غيرهما مما لم‏تجر العادة بالغسل فيه و لماجاز ذلك الى اخر كلامه. و الجواب اختصاص الغسل بما يسمى الغاسل به غاسلاً شرعاً سواء كان عادة ام لا و ان لم‏يختص عرفاً([7])و ذلك لايجدى نفعاً. و متى حصل له الاختلاط بالماء المطلق حتى يصدق عليه اسم المطلق يصير حكمه حكمه.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 56 *»

المقصد الرابع

الماء المتغير بالنجاسة فى احد اوصافه الثلثة نجس اجماعاً و نصوصاً فلايجوز التطهير به و لا الشرب منه الا عند الضرورة فى الاخير خاصّة و متى حصل له الاختلاط بالماء الطاهر حتى زال عنه التغير يصير طهوراً سواء لاقى كثيراً ام جارياً ام قليلاً لقوله7 خلق اللّه الماء طهوراً لم‏ينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه فان زال الاوصاف من غير اختلاطه بالماء بتصفيق الرياح و اشراق الشمس عليه او امتزاجه بالتراب او غير ذلك لم‏يتطهر لانه قد صار متنجساً شرعاً قطعاً فلايتطهر الا بما ورد فى الشرع و هو الماء خاصة دون المذكورات فهو على ماكان قبل الزوال و لقوله7 الماء يطهر و لايطهر.

المقصد الخامس

فى ساير احكام المياه و فيه انواع من المسائل

النوع الاول

فى ماء لايجوز التطهير به و الشرب منه

و ما ينبغى الاجتناب عنه و ما يكره و ما لابأس فيه و فيه مسائل

الاولي لايجوز التطهير بالماء المتغير بالنجاسة فى احد اوصافه الثلثة اللون و الطّعم و الرائحة. و كذا لايجوز الشرب منه الا عند الضرورة للاجماع و الصحاح المستفيضة كصحيح حريز عن ابي‏عبداللّه7 و صحيح ابي‏خالد القماط و صحيح عبداللّه بن سنان و غيرها كما مر فى المطلب الاول. و اما جواز الشرب منه عند الضرورة بقدر البلغة فلما روى عن مفضل بن عمر عن ابي‏عبداللّه7 ان اللّه تبارك و تعالى لم‏يحرم ذلك الى قوله7 و علم ما يضرهم فنهاهم عنه و حرّمه عليهم ثم اباحه للمضطرّ

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 57 *»

و احله له فى الوقت الذى لايقوم بدنه الّا به فامره ان‏ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك.

الثانية لو اشتبه الاناء الطاهر بالنجس لايجوز التطهير بهما و الشرب منهما الا عند الضرورة فى الاخير لما روى عن عمار الساباطى عن ابي‏عبداللّه7 قال سئل عن رجل معه اناءان فيهما ماء وقع فى احدهما قذر لايدرى ايهما هو و ليس يقدر على ماء غيرهما قال يهريقهما و يتيمم. فلو اصاب احدهما ما ينجس بالملاقاة بمعلوم النجاسة فهل يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطّهارة ام لا؟ و الحق هو الاول لان الطهارة المتيقنة لاترتفع بالنجاسة المحتملة لقوله7 لاابالى اذا لم‏اعلم أبول اصابنى ام ماء و لقوله7 ليس ينبغى لك ان‏تنقض اليقين بالشك ابداً. و مقتضى النص وجوب التيمم بعد اراقتهما اذا لم‏يجد المكلف ماء طاهراً.

و قيل قد يخص ذلك بما اذا لم‏يمكن الصلوة بطهارة متيقنة بهما كما اذا امكن الطّهارة باحدهما و الصلوة على غسل الاعضاء مما لاقاه الماء الاول و التطهير بالآخر و ليت شعرى انه ان وجد الماء بقدر تطهير الخبث لم‏يكف للتطهير عن الحدث و يكفيه الماء مثل الدهن. و الحاق المشتبه بالمغصوب بالمشتبه بالنجس فى وجوب الاجتناب قياس منهى عنه بل حكم المشتبه بالمغصوب كحكم المشترك فكما لايمنع الشريك عن التصرف فى ماله عند حاجته اليه لايمنع المكلف عن التطهير باحدهما عند الحاجة او الشرب منه عندها لعموم لا ضرر و لا ضرار.

و اما المشتبه ب فالاكثرون على وجوب التطهير منهما جميعاً و على تقدير انقلاب احد الانائين وجوب التطهير من الاخر و التيمم طلباً لابراء الذمة المشغولة بالتطهير من الماء المطلق المعلوم الاطلاق. و قيل بوجوب التيمم حينئذ لفقد وجود الماء المعلوم الاطلاق. و قيل بوجوب التطهير لانّ الاضافة غير معلومة و وجوب التيمم مع‏ذلك لاحتمال كونه مضافاً طلباً لابراء الذمة المشغولة يقيناً.

و الحقّ انه لا احتياج الى الطهارتين و لا الى طهارة بالماء

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 58 *»

و التيمم و لايكفى التيمم وحده لوجود الماء و يكفى طهارة واحدة بالماء و ذلك لما حقق فى اصولنا المستنبطة من الاخبار ان متعلق الاحكام الشرعية هو الاشياء من حيث الظّهور للعالم و الاقتران به سواء كان الظهور مطابقاً للواقع ام لا لا من حيث هى هى اذ لايعقل ان‏يقترن الشىء بنفسه او يتباعد عن نفسه حتى يتعلق بذلك الاقتران. و التباعد حكم من الاحكام الشرعية. ثم بعد التتبع فى الاخبار يعلم ان حكم الاشياء كلها على الاطلاق و الطّهارة و الحل و ان احتمل فيها اضدادها حتى يعلم انها على قيد خاصّ فلاينبغى للفقيه حينئذ التوقف فى الحكم لما يرى من نفسه بحسب العادة عدم ترجيح احد الطرفين بل ينبغى له ان‏يرجع الى الشرع و يستخرج الحكم سواء طابق حكمه العادة ام خالفها.

فنقول فى المقام ان الظاهر المحسوس هو الماء المطلق و الاضافة محتملة و لايمنعنا الاحتمال عن التطهير ما لم‏نعلم انه مضاف بعينه سواء كان فى الواقع مطلقاً او مضافاً و ليست الاضافة ظاهرة حتى يلزم تساوى الاحتمالين و الا لم‏يشتبه علينا فالاضافة المحتملة لاتكافىء الاطلاق الظاهر و ان كان كلاهما محتملين على السّواء فى الواقع فيجوز التطهير باحد الانائين ما لم‏نقطع الاضافة فعلى هذا يمكن التّطهير بكليهما لشخصين لان كل واحد من الانائين ماء مطلق محتمل الاضافة نعم لايجوز التطهير بهما لشخص واحد اذ ليست الاضافة خارجة عنهما قطعاً.

و ان قيل فالاناء المشتبه بالنجس ايضاً يحتمل فيه النجاسة و احتمال النجاسة لايمنع التطهير فلم منعتم منه؟ قلنا لم‌نمنع التطهير منه الّا لاجل النص الوارد خصوصاً و لو لم‏يكن النص الخاص فى المقام لعملنا بالعمومات. و لافرق بين الشبهة المحصورة و غيرها عندنا لورود الاخبار فى امثال هذه المقامات فى الشبهات المحصورة. فاختیار الاحتياط فيها واقع فى غير محله لعدم خفاء الحكم كما لايخفى على المتتبع المتأمل فلاوجه فى التفريق بين الشبهتين. فان كانت الانية ثلثة او اكثر

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 59 *»

نحكم فيها بالقاعدة المستنبطة من الاخبار المطلقة و انما قررنا حكم المشتبه ب هنا لاجل المناسبة و جرياً مجرى الاصحاب.

الثالثة لاينبغى التوضؤ بالماء الذى ادخل اليهودى و النصرانى يده فيه او اغتسل فيه الجنب او ادخل يده فيه قبل غسلها و قد اصابتها جنابة فمسحها بخرقة او استنجى فيه الانسان من بول اذا لم‏يكن الماء كثيراً قاهراً بالنسبة الّا ان‏يضطر و لايجد غيره للروايات المتعددة.

الرابعة لاينبغى التوضؤ من جانب الجيفة اذا كانت فى الماء ما لم‏يتغير الماء.

الخامسة يكره استعمال الماء الذى دون الكر فى التطهير و الغسل و الشرب اذا لاقى شيئاً من النجاسات ما لم‏تغيره حملاً لبعض الروايات عليه و استثنى من ذلك ما يأتى ان‏شاءاللّه.

السادسة يستحب التنزه عن الماء الاجن فى الوضوء مع وجود غيره فان لم‏تجد غيره فتوضأ منه.

السابعة يكره التوضؤ و الشرب من مثل كرّ من الماء اذا بال فيه الدّواب و الانسان ما لم‏يتغير.

الثامنة روى فى الماء الذى تسخّنه الشمس لاتتوضئوا به و لاتغتسلوا به و لاتعجنوا به فانه يورث البرص و حملها الاصحاب على كراهة استعماله و الظاهر ان النهى عنه لاجل خاصيّته و ايراثه البرص لا كراهة استعماله.

التاسعة يستحب التنزه عن المياه التى فى الاوانى اذا اُدخل فيها اليد و فيها قذر بول او منى او غير ذلك.

العاشرة لابأس بموت الفارة و امثالها فى القربة و الجرة من الماء اذا لم‏تغلب رائحتها على طعم الماء او لونه فتطرح طرية و تتوضأ به و تشرب منه.

الحادية‌عشرة لابأس بالماء النقيع الذى فيه الجيف و القذر و بول

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 60 *»

الدّوابّ اذا كان الماء غالباً على النجاسة.

الثانيةعشرة لابأس بالقطع الصغار من الدم اذا اصابت الاناء ان لم‏تكن شيئاً يستبين فى الماء. كل ذلك للروايات الواردة فى المقام.

الثالثةعشرة لابأس بموت ما لانفس له سائلة من الحيوان فى الماء. و امر ابوعبداللّه7 باراقة الماء الذى يموت فيه العقرب. و امر7 باراقة الماء الذى دخلت فيه حية و خرجت منه. و الظاهر انه لاجل السمية التى فيهما لا لاجل الكراهة كما يدل عليه رواية على بن جعفر عن اخيه موسي7 قال و سألته عن العظاية و الحية و الوزغ تقع فى الماء فلاتموت أ يتوضأ منه للصلوة؟ قال لابأس به.

النوع الثاني

فى الاسئار و هو جمع السؤر بالضم و فسره اهل اللغة بانه الفضلة و البقية و المراد به فى المقام هو الماء القليل عرفاً شرب منه انسان او حيوان او باشراه بجسمهما كما يفهم من الاخبار. منها ما روى انه لاتتوضأ من سؤر الحائض و توضأ من سؤر الجنب اذا كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل ان‏تدخلها الاناء و كان رسول‌اللّه9 يغتسل هو و عائشة فى اناء واحد انتهى. فيستنبط من قوله7 اذا كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل ان‏تدخلها الاناء ان السؤر يشمل غير المشروب ايضاً. و كذا فى قوله7 كان رسول‌اللّه9 الخ، دلالة على ان السؤر يطلق على ما باشره غير الفم من ساير الاعضاء لانه7 تمسك فى جواز استعمال سؤر الجنب بفعل النبي9 حيث اغتسل هو و عائشة و هى جنب و لذا فسره بعض الاصحاب بانه ماء قليل باشره جسم حيوان.

و عن المقنعة ان اسئار الكفار هو ما فضل فى الاوانى مما شربوا منه او توضئوا به او مسّوه بايديهم و اجسادهم. و كذا عن السرائر و الذكرى و المهذب و الروض و المسالك و غيرها انما هو مطلق المباشرة لجسم حيوان بالفم و بغيره انتهى. و عرفه بعضهم بانه بقية المشروب خاصة كما نقل عن

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 61 *»

المعتبر و عن المعالم ان تعريفه بمطلق المباشرة لجسم الحيوان مخالف لنص اهل اللغة و العرف العام بل و الخاص كما يظهر لمن تتبع الاخبار و كلام الاصحاب انتهى.

و قد ظهر من الخبر المذكور و من تعريف كثير من الاصحاب ان السؤر يشمل غير المشروب ايضاً فلم‏يظهر وجه اعتراضه. و اما اعتراضه بمخالفة نص اهل اللغة فغير وارد فى المقام لان العرف و لاسيما العرف الخاص مقدم عليها لان القائلين بخلاف قوله كلهم من اهل العرف نعم اغلب استعماله فى بقية المشروب و ذلك لايمنع شموله لغيرها ايضاً و لذا اوردنا بعض مسائله فى النوع الاول.

و اما فى غير المقام فهو اعم من الماء و غيره من المآكل كما روى عن الصادق عن آبائه: ان رسول‌اللّه9 نهى عن اكل سؤر الفار و كما روى عنه7 ان فى كتاب علي7 ان الهر سبع لابأس بسؤره و انى لاستحيى من اللّه ان ادع طعاماً لان الهر اكل منه انتهى. و المراد من لفظ الحيوان فى التعاريف ما هو اعم من الانسان و الحيوان فانهم يجرون فى ذلك مجرى المنطقيين و الحكماء و ينبغى التفريق بينهما كما هو المتبادر من العرف العام بل لايوجد خبر واحد يجرى على اصطلاح الحكماء فلايجوز حمل الكلمات المعصومية على اصطلاح بعض الناس فان ذلك يوجب حمل اللفظ على غير المعنى المراد و لذلك وقع بعض الاصحاب فى بعض المسائل فى التباس بالجملة ففى هذا النوع ايضاً مسائل.

الاولى لاينبغى التطهير و الغسل بسؤر الكلب و الخنزير و الشرب منه لما روى عن الفضل بن عبدالملك قال سألت اباعبداللّه7 عن فضل الهرة الى ان قال حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس لاتتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب اول مرّة ثم بالماء. و لصحيحة على بن جعفر عن اخيه موسي7 قال و سألته عن خنزير شرب من اناء كيف يصنع به؟ قال يغسل سبع مرّات. و وجه الدلالة ان الامر بغسل الاناء يلزمه خساسة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 62 *»

الماء و قذارته. و الذى يدل على جواز الاستعمال صحيح ابن‏مسكان فضلاً على العمومات حيث سأل اباعبداللّه7 مما ولغ فيه الكلب الى ان قال أ يتوضأ منه او يغتسل؟ قال نعم الّا ان‏يجد غيره فتنزه عنه.

و كذلك سؤر ولد الزنا و سؤر اليهودى و النصرانى و المشرك و كل‌ ماخالف الاسلام كما روى فى الكافى عن ابي‏عبداللّه7 كراهة ذلك و كان اشدّ عنده سؤر الناصب و هو الذى نصب العداوة لشيعة آل‌محمّد: لما روى انّما الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا.

الثانية ينبغى التنزه عن سؤر الطير ان كان فى منقاره قذر ما لم‏يتغير منه الماء لما روى عن الصادق7 عن ماء شربت منه دجاجة فقال ان كان فى منقارها قذر لم‏تتوضأ منه و لم‏تشرب. و لما روى فى الكافى عن عمّار بن موسى عن ابي‏عبداللّه7 قال سئل عما يشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب و عما يشرب منه باز او صقر او عقاب فقال كل شىء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا ان‏ترى فى منقاره دماً فان رأيت فى منقاره دماً فلاتتوضأ منه و لاتشرب. و وجه جواز الاستعمال هو الحديث المتواتر خلق اللّه الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير طعمه او لونه او ريحه.

الثالثة روى فى الكافى عن عدة من الرواة عن الوشا عمن ذكره عن ابي‏عبداللّه7 انه كان يكره سؤر كل شىء لايؤكل لحمه و قد ضعّف الحديث بعض الاصحاب بالارسال بقواعد علم الرجال. و قد علمت فى المقدمة انه لايمكن تصحيح الاخبار بذلك العلم لانه غير صادر عن العالم7 و انما امرنا بأخذ الحديث عن الثقة و القبول منه فى اخبار عديدة سواء روى هو بنفسه عن الامام7 ام بواسطة او وسائط و لايجب علينا معرفة الوسائط لانها غير ممكنة لنا قطعاً. و الظنون الاجتهادية الحاصلة من غير الاخبار ليست بحجّة على احد قطعاً اذ لاتنبي‏ء عن الوحى قطعاً.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 63 *»

بالجملة فيكفينا وثاقة الكلينى و هو يكتب الكتاب للعمل كما صرح به فى اول كتابه و شرح ذلك كما ينبغى مما يطول و لايليق بذلك الا علم الاصول.

بالجملة و مما لايؤكل لحمه الموطوءة و الجلال بعد صدق الاسم عليه شرعاً قبل الاستبراء بما يزيل الجلل. و الذى يدل على جواز الاستعمال فى الطهارة و الغسل و الشرب صحيحة الفضل قال سألت اباعبداللّه7 عن فضل الهرّة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم‏اترك شيئاً الّا سألته عنه فقال لابأس. و صحيحة محمد عن احدهما8 قال سألته الى ان قال و عن السنّور قال لابأس ان‏تتوضأ من فضلها انما هى من السباع. و فى التعليل اشعار بان سؤر السّباع كلها طاهر. و روى فى الكافى عن زرارة عن ابي‏عبداللّه7 قال ان فى كتاب علي7 ان الهر سبع فلابأس بسؤره و انى لاستحيى من اللّه ان ادع طعاماً لان هرّاً اكل منه. و روى لابأس بسؤر الفارة اذا شربت من الاناء ان‏يشرب منه و يتوضأ منه. و نفى البأس فى هذه الاخبار لاينافى الكراهة كما لايخفي.

الرابعة يكره التوضؤ خاصاً دون الشرب من سؤر الحائض مطلقاً سواء كانت مأمونة او غيرها للاخبار الواردة التى منها ما روى فى الكافى عن الصادق7 قال اشرب من سؤر الحائض و لاتوضأ منه. و يشتد الكراهة اذا كانت غيرمأمونة لما روى عن على بن يقطين عن ابي‏الحسن7 فى الرجل يتوضأ بفضل وضوء الحائض فقال اذا كانت مأمونة لابأس انتهى. و نفى البأس هنا نفى الحرمة و هو لاينافى الكراهة التى تستفاد من الاخبار المطلقة عن قيد المأمونة لان الكراهة حينئذ فرد من افراد ما لابأس به. فقيد المأمونة فى خبر على بن يقطين يدل على ان سؤر غير المأمونة فيه بأس شديد.

و المراد من المأمونة من علم تحفظها من النجاسات. فتعبير بعض الاصحاب عن غير المأمونة بالمتهمة ليس بجيّد لان غير المأمونة اعم من المتهمة و المجهولة فان المتهمة هى المعروفة بعدم التحفظ من النجاسات

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 64 *»

بخلاف المجهولة فانها من لايعلم حالها كما هو ظاهر. و دعوى بعض الاصحاب بان مفهوم المأمونة هى المتهمة ادّعاء بلابينة فان مفهومها هو غير المأمونة و هى اعم من المتهمة كما لايخفى.

و من الاصحاب من اطلق الكراهة فى التوضؤ و الشرب مستدلاً بان الاذن فى الشرب مع النهى عن التوضؤ لاينافى الكراهة. و نحن نسأله عن الدليل على كراهة الشرب منه فان استدل عليها بالاخبار فالاخبار الواردة فى المقام كلها تؤذن بالاذن فى الشرب و النهى عن التوضؤ كما مر فى رواية عنبسة. و يدل على ذلك رواية الحسين بن ابي‏العلا و غيرها قال سألت اباعبداللّه7 عن الحائض يشرب من سؤرها؟ قال نعم و لاتتوضأ منه انتهى.

و لم‏نجد خبراً واحداً يشعر بكراهة الشرب من سؤرها و ان استدل بالاراء فمالنا و لها، مع ان القائلين بالاطلاق مقرون بان الاخبار لاتدل على ذلك لنهيها عن الوضوء بل قد اشتمل بعضها على الاذن بالشرب و النهى عن الوضوء به و تمسكوا بان وجه الاطلاق ما يظهر من تعليق الحكم على المأمونية وجوداً و عدماً من التعليل خصوصاً مع كونها من الاوصاف المناسبة فيتعدى حينئذ لمطلق السؤر بعد كونه مكروهاً يتسامح فيه، الى اخر اقوالهم التى نشأت من ارائهم. فلانسلم ان تعليق الحكم على المأمونية كما ان الاخبار الواردة فى المقام اكثرها خال عنها فالامانة و عدمها سبب شدة الكراهة و خفتها. فلايكون الحكم معلقاً عليها كما مرّ آنفاً.

و اما قولهم كونه مكروهاً يتسامح فيه، فلانعرف وجه جواز التسامح فيه من ظواهر الاخبار و خوافيها كما لايخفى. فلايجوز لنا الاستدلال على شىء الّا بما فيها و بعد استدلالهم بان الحكم معلق على المأمونية وجوداً و عدماً يعدّون حكم الكراهة فى كل متهمة. و انت خبير بان الناس اصغر من ان‏يعرفوا وجه تعلق الاحكام المعصوميّة بالاشياء الا فى اقل قليل و لايعلم ذلك ايضاً الّا منهم: و ليس ذلك مما يختلف فيه العقول كالسكر المتعلق للاحكام.

بالجملة و الذى يدل على ان النهى للتنزيه لا للتحريم

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 65 *»

اذنهم: فى الشرب من سؤر الحائض. و ما روى عن عيص بن القسم قال سألت اباعبداللّه7 عن سؤر الحائض يشرب من سؤرها؟ فقال توضأ منه و توضأ من سؤر الجنب اذا كانت مأمونة.

و منهم من يلحق بالحائض الجنب و المستحاضة و النفساء و لااعرف وجه الالحاق فى غير الجنب. و يمكن الاستدلال بمفهوم و توضأ من سؤر الجنب اذا كانت مأمونة على كراهة سؤر غير المأمونة.

الخامسة لابأس بسؤر ما يؤكل لحمه من البغال و الحمير و الخيل و غيرها لاصالة عدم كراهة الماء و لعدم النص فى كراهة سؤرها بل المستفاد من الاخبار نفى البأس عن سؤرها كما روى عن ابي‏عبداللّه7 فى خبر عبداللّه بن سنان لابأس ان‏يتوضأ مما يشرب منه ما يؤكل لحمه انتهى. و مفهوم قوله7 انه كان يكره سؤر كل شىء لايؤكل لحمه مطابق لمنطوق الخبر فلاكراهة فى سؤر مأكول اللحم مطلقاً سواء كان لحمه مكروهاً ام لا.

و ذهب بعض الاصحاب الى كراهة سؤر مكروه اللحم مستدلاً بان اللحم له مدخلية فى السؤر و بان الاغلب فى الحيوان وقوع المباشرة بالفم و فضلة مكروه اللحم مكروه. و نحن نطالبهم باثبات الكبرى بالاخبار فى كلا التقديرين([8]) و الاستدلال على الاشياء بغير الكتاب و السنة رأى غير متبع.

و استدل على ذلك بعضهم بان الحكم بالكراهة لمكان التسامح فى هذا الحكم و الاحتياط الذى يحسنه العقل. و هل يجوز تجويز التسامح فى حكم من احكام اللّه سبحانه سواء كان فى فرض او فضل؟ و الاحتياط الذى يحسنه العقل هو اتباع الكتاب و السنة لا العمل بالرأى. و العقل حاكم على ان العقول الناقصة المشوبة بالاعراض لاينبغى لها الا التسليم لقول المعصوم7 و القول بما قاله و السكوت عما سكت عنه.

و تمسكوا ايضاً بخبر

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 66 *»

[ابن‏ ظ]مسكان عن الصادق7سألته عن الوضوء مما ولغ فيه الكلب و السنور او شرب منه جمل او دابّة او غير ذلك أ يتوضأ منه او يغتسل؟ فقال نعم الا ان‏يجد غيره فتنزه عنه انتهى. و المراد ان الماء الذى ورد فيه هذه الانواع جمع ما حكمه @ و ليس المراد حكم ماء ورد فيه كل واحد واحد لان ما يشتمله الخبر هو الجمل و هو مما لاكراهة فى لحمه و لافى سؤره قطعاً فالمراد هو الاول فلادلالة فيه على مرادهم.

و تمسكوا ايضاً بمفهوم مضمرة سماعة سألته هل يشرب سؤر شىء من الدّواب او يتوضأ منه؟ فقال اما الابل و البقر و الغنم فلابأس. و هو لايدل على مطلوبهم لان الدّابة ما دبّ من الحيوان و غلب على ما يركبه و المراد هنا هو الاول لوجود الغنم فيها بل و البقر فمفهوم الخبر على ما تمسكوا به غير الانواع الثلثة و هو يشمل الطير ايضاً. فان قيل ان الطير خارج بالدليل فكذلك مكروه اللحم ايضاً خارج بالدليل كما مر و يبقى الباقى و هو السباع مثلاً. و قيل بدخول مكروه اللحم فيما لايؤكل لحمه عادة و هو دعوى بلابينة من الكتاب و السنة.

المقصد الثاني

فى احكام البئر و فيه مسائل

الاولي لافرق بين ماء البئر و بين ساير المياه فى عدم انفعاله بملاقاة النجاسة ما لم‏يتغير احد اوصافه الثلثة للاخبار المستفيضة كقوله9 خلق اللّه الماء طهوراً لاينجسه شىء الّا ما غير لونه او طعمه او ريحه. و كقول الصادق7 كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ منه و اشرب فاذا تغير الماء و تغير الطعم فلاتتوضأ منه و لاتشرب. و كقوله7 الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر الى غير ذلك من الاخبار و لايعلم القذارة الا بتغير احد اوصافه الثلثة كما دلت الرواية السابقة. فقوله7 الماء يشمل كل المياه لمكان اللام التى هى للماهية او

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 67 *»

الاستغراق و بعد تأكيده بلفظ الكل لايبقى مجال فى عدم شموله لبعض الافراد. و لاشك ان ماء البئر احد افراد الماهية هذا و بعد ورود النص فى خصوص المقام لايبقى لذى ريب كلام كقول ابي‏الحسن الرضا7 ماء البئر واسع لايفسده شىء الا ان‏يتغير و الظاهر من الافساد هو النجاسة بل يمكن دعوى الصراحة اذ لايقتضى المقام غير ذلك.

و يدل على ذلك ايضاً ما روى عن ابي‏بصير قال قلت لابي‏عبداللّه7 بئر يستقى منها و يتوضأ به و يغسل منه الثياب و يعجن به ثم يعلم انه كان فيها ميت قال فقال لابأس و لايغسل منه الثوب و لاتعاد منه الصلوة الى غير ذلك من الاخبار.

فاذا تغير الماء فى احد الاوصاف ينزح حتى يطيب لما روى عن ابي‏بصير قال سألت اباعبداللّه7 عما يقع فى الابار فقال اما الفارة و اشباهها فينزح منها سبع دلاء الا ان‏يتغير الماء فينزح حتى يطيب. و لما روى عنه7 فى الفارة و السنور و الدجاجة و الطير و الكلب قال ما لم‏يتفسخ او يتغير طعم الماء فيكفيك خمس دلاء فان تغير الماء فخذ منه حتى يذهب الريح.

و تمسك القائلون بالنجاسة باخبار النزح و بصحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيع قال كتبت الى رجل اسأله ان‏يسأل اباالحسن الرضا7 عن البئر يكون فى المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول او دم او يسقط فيها شىء من عذرة كالبعرة و نحوها ما الذى يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلوة؟ فوقع7 بخطه فى كتابى ينزح منها دلاء و هى فى قوة طهرها بان‏ينزح منها دلاء ليطابق السؤال و الجواب و طهرها بالنزح يقتضى نجاستها قبله حذراً من لزوم اجتماع الامثال او تحصيل الحاصل. و صحيحة على بن يقطين عن ابي‏الحسن موسى بن جعفر7 قال سألته عن البئر تقع فيها الدجاجة و الحمامة او الفارة او الكلب او الهرة فقال يجزيك ان‏تنزح منها دلاء فان ذلك يطهرها ان‏شاءاللّه. و صحيحة عبداللّه بن ابي‏يعفور عن ابي‏عبداللّه7 انه قال اذا اتيت البئر و

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 68 *»

انت جنب فلم‏تجد دلواً و لاشيئاً تغرف به فتيمم بالصعيد فان رب الماء رب الصعيد و لاتقع فى البئر و لاتفسد على القوم ماءهم انتهي.

و الجواب انه لاشك ان هذه الاخبار متعارضة ظاهراً باخبار مستفيضة موافقة للاصل و عمومات الكتاب و السنة مخالفة للعامة رافعة للعسر المرفوع عن هذا الامة فانه لايمكن اجتناب عامة المسلمين و المسلمات كبيراً و صغيراً فى دورهم عادة من وقوع نجاسة قليلة فى ابارهم فالعمل بهذه الاخبار مع كثرتها فى المقام و قلة ما يعارضها ظاهراً اولى و ارجح هذا.

و بعد ورود اخبار مستفيضة دالة على ان الماء كله طهور لاينجسه الا ما غير احد اوصافه اذا ورد اخبار اخر على خلافها ظاهراً تحمل على النزاهة و النظافة و الطيب و الطهارة اللغوية و رفع النفرة الحاصلة فى الطباع بسبب وقوع هذه الاعيان النجسة فيها فاختلاف الاخبار بسبب اختلاف هذه الاعيان و اختلاف نفرة الطبائع بالنسبة اليها. فلامعارضة حقيقة بينها فان اخبار الطهارة قرينة دالة على ان المراد من الاخبار المقابلة هو ما قلنا هذا.

و تعارض اخبار النزح بنفسه دال على ان الامر للاستحباب و قرينة قطعية على ارادة عدم الوجوب و كيف يمكن حملها على الوجوب مع ورودها فى الكلب خمس دلاء و فى اخر سبع دلاء و فى اخر نزح الجميع و فى اخر نزح دلاء و فى اخر عشرون او ثلثون او اربعون. و فى بول الصبى دلو واحد و فى اخر کله و فی اخر سبع دلاء. و فى السنور دلاء و فى اخر عشرون او ثلثون او اربعون و فى اخر خمس دلاء و فى اخر سبع دلاء. و فى الخنزير دلاء و فى اخر البئر كلها. و فى مثل الفارة خمس دلاء و فى اخر دلاء و فى اخر ثلث دلاء و فى اخر كلها. و فى الدجاجة دلوان و ثلثة و فى اخر خمس دلاء و فى اخر سبع دلاء.

بالجملة و لم‏نكن بصدد سرد الاخبار المتعارضة فى المقام كلها و لايخفى على المتتبع فيها تعارضها جدّاً كما يأتى. و لاشك ان امر الواجب لايرد فيه الاخبار بهذا الاختلاف. و مع‏ذلك كله يكون التسامح فى تعيين الدلاء مع اختلاف الفاحش فى الكبر

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 69 *»

و الصغر بينها ادل دليل على ان تلك الاوامر للاستحباب. و الامر الواجب لايتحمل تلك الاختلافات الفاحشة و انما هى فى الامور المستحبة. و كذا فى قيام التراوح مقام نزح الجميع مع التفاوت الكثير فى اعماق الابار قرينة قطعية على عدم انفعال الماء بمجرد الملاقاة. و كذا اختلاف الايام بحسب الاقاليم و الصيف و الشتاء قرينة اخرى.

و مع ورود اخبار مستفيضة دالة على عدم الانفعال بالملاقاة لايبقى لنا اشكال فى حمل ما يخالفها ظاهراً على الاستحباب. فما وقع فى خبر على بن يقطين من لفظ فان ذلك يطهرها ان‏شاءاللّه فالمراد منه هو الطهارة و النظافة اللغوية من وقوع النجاسة فى البئر. و فى قوله7تنزح منها دلاء من غير تعيين دلالة على استحباب ذلك. و كذلك خبر محمد بن اسمعيل بن بزيع ان سلمنا انه فى قوة طهرها بان‏ينزح منها دلاء مع انه ليس فيه ما يدل على نجاسة البئر و انما يدل على نزح دلاء و لايجب عليه7 التصريح بانه مستحب لمصالح هو اعلم بها و فى عدم التعيين اشعار بانه مستحب هذا. و يمكن ان‏يقال فى قوله7 فى كتابى ينزح منها دلاء لايخلو من تقيّة فانه7 ان لم‏يتق لم‏يقل فى كتابى بل يقول ينزح منها دلاء.

و اما خبر عبداللّه بن ابي‏يعفور فلايدل على مرادهم مطلقاً فان الافساد لاينحصر فى النجاسة لان وقوع الجنب فى البئر مما ينفر منه الطباع و هو الافساد على القوم ماءهم. و كذلك بتحريك الماء تتحرك الاوساخ و الحمات و هى ايضاً مفسدة للماء البتة. فالحمدللّه الذى وسع لنا و سهل علينا و خلصنا من الوساوس.

و القول بان المتقدمين لم‏يخف عليهم هذا الحكم مع قرب عصرهم بعصر المعصوم7 محض استبعاد ليس فيه حجة فان المتقدمين ان استنبطوا الاحكام من هذه الاخبار فهذه هى الاخبار و لاتبقى للناظر فيها غبار و ان استنبطوا الاحكام من غير هذه الاخبار و لم‏يصل الينا فلسنا اليوم بمكلفين بذلك هذا. و نحن نرىهم انهم فى كتبهم و اقوالهم المنسوبة اليهم

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 70 *»

قدتمسكوا بهذه الاخبار الواصلة الينا الآن و لايجب علينا تقليدهم من غير دليل.

و فى المسئلة قولان اخران فالاول منهما طهارة البئر مطلقاً و وجوب النزح تعبداً و الثانى طهارة البئر اذا كان ماؤها كراً و جوابهما فى صحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيع عن الرضا7 قال ماء البئر واسع لايفسده شىء الا ان‏يتغير حيث نفى الافساد عنه بدون التغير على وجه العموم سواء كان كراً ام لا. و فى هذا المعنى ترد اخبار اخر و قد مر بعضها فى صدر الاستدلال و تركنا البعض الباقى خوف الاطالة و لايخفى على المتتبع.

و القول بان المعنى انه لايفسده شىء افساداً لايجوز الانتفاع بشىء منه الا بعد نزح جميعه الا ما يغيره فاما اذا لم‏يتغير فانه ينزح منه مقدار و ينـتفع بالباقى مردود بان عدم جواز الانتفاع بشىء منه يتحقق مع عدم التغير ايضاً فى كثير من النجاسات عند القائلين بالتنجيس هذا. و نحن نستدل على عدم انفعال البئر بمجرد الملاقاة بعموم قوله9 ان اللّه خلق الماء طهوراً لاينجسه شىء الا ما غير لونه او طعمه او ريحه و امثاله فلايبقى مجال فى الاستدلال على خلافه و الحمدللّه.

الثانية يستحب نزح دلو واحد اذا مات فيها العصفور.

الثالثة يستحب نزح دلو واحد اذا خرج منها قطع الوزغ و لموت الوزغة فيها ثلث دلاء.

الرابعة يستحب نزح دلو واحد لوقوع بول الصبى الفطيم و روى فيه سبع دلاء و فى اخرى نزح الجميع و فى اخرى اذا صب فيها البول مطلقاً نزح الجميع و فى اخرى ثلثون دلواً اذا قطر فيها بول و فى اخرى اربعون دلواً اذا وقع فيها بول الرجل. و درجات الاستحباب تتفاضل فاختر لنفسك ما شئت فلاوجه لحمل بعض ذلك على صورة التغيير.

الخامسة يستحب نزح دلوين و ثلثة اذا مات فيها الدجاجة و مثلها و روى فيها خمس دلاء و فى اخرى سبع دلاء و فى اخرى دلاء و اقل الجمع

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 71 *»

اثنان كما روى فى القروء. فما قيل من ان دلاء جمع كثرة و اقلها عشرة او احدعشر مردود بهذا الخبر لان مواقع الاستعمال اعم من الحقيقة و المجاز ان سلمنا ان اقلها عشرة فى اصل اللغة هذا. و اهل العرف يستعمل كل واحد من الجمعين فى موضع الاخر. و يمكن ادعاء عدم الفرق بينهما فى العرف فصار حقيقة عرفية و العرف مقدم على اللغة كماذهب اليه جماعة من الاصحاب.

السادسة يستحب نزح دلاء يسيرة اذا ذبح دجاجة او حمامة و وقعت فيها.

السابعة يستحب نزح دلاء يسيرة اذا رعف فيها و قدعرفت اقلها.

الثامنة يستحب نزح خمس دلاء لموت الفارة فيها ما لم‏تتفسخ و روى فيها دلاء و فى اخرى فيها و فيما يشبهها سبع دلاء و فى اخرى فيها سبع دلاء اذا تفسخت و فى اخرى اربعون دلواً ما لم‏تنتن و اذا انتفخت و نتنت نزح الجميع و فى اخرى فيها نزح الجميع مطلقاً.

التاسعة يستحب نزح سبع دلاء لموت الشاة فيها و روى فيها و فيما يشبهها اذا ماتت فيها تسعة او عشرة و فى اخرى مابين الثلثين الى الاربعين دلواً اذا ذبحت فاضطربت فوقعت فيها و اوداجها تشخب.

العاشرة يستحب نزح سبع دلاء لموت السنور فيها و روى خمس دلاء ما لم‏يتفسخ و فى اخرى عشرون او ثلثون او اربعون دلواً و فى اخرى دلاء للهرة.

يا يستحب نزح سبع دلاء اذا وقع فيها كلب و اُخرج حياً و لموته فيها عشرون او ثلثون او اربعون دلواً و كذلك حكم ما يشبهه و روى فيه نزح الجميع مع القدرة و فى اخرى خمس دلاء ما لم‏يتفسخ و فى اخرى دلاء.

يب يستحب نزح دلاء لموت شىء صغير فيها. و روى لموت دابة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 72 *»

صغيرة سبع دلاء.

يج يستحب نزح سبع دلاء اذا وقع فيها جنب.

يد يستحب نزح سبع دلاء ان تفسخ فيها السام ابرص و الا فحرك الماء بالدلو.

يه يستحب نزح عشر دلاء اذا مات فيها العقرب خاصة و لابأس بما ليس له دم كالخنافس و اشباهها.

يو يستحب نزح عشر دلاء اذا وقع فيها العذرة و ان ذابت فاربعون او خمسون دلوا.

يز يستحب نزح عشرين دلواً اذا قطر فيها قطرة دم و روى فيها ثلثون دلواً. و روى فى الرعاف دلاء يسيرة. و لافرق بين اقسام الدم لانه شامل لجميع افراده فمن عدّ الدماء الثلثة فى ما لانص فقد حكم بغير نص و لايجوز لنا الحكم الا بالنص خصوصاً او عموماً.

يح يستحب نزح عشرين دلواً اذا قطر فيها خمر و روى فيها ثلثون دلواً و نزح الجميع اذا صب فيها خمر و يشعر لفظ الصب على الكثرة كما لايخفى. و لافرق عندنا بين اقسام الخمر فالمراد بها المسكر المايع مطلقاً لما روى ما كان عاقبته خمراً فهو خمر.

يط يستحب نزح عشرين دلواً اذا وقع فيها لحم خنزير و روى فى الخنزير اذا وقع فيها نزف كلها. و روى فى الكلب و ما يشبهه عشرون او ثلثون او اربعون دلواً و هو مما يشبهه.

ك يستحب نزح ثلثين دلواً اذا وقع فيها ماء المطر فيه البول و العذرة و ابوال الدواب و ارواثها و خرؤ الكلب. و هو لاينافى ان لكل واحد منها اذا وقع فيها مقدر لان حكم المجموع من حيث المجموع غير حكم كل واحد واحد و المراد منه رفع النفرة و هو حاصل فى هذا المقدر.

كا يستحب نزح سبعين دلواً اذا مات فيها الانسان. و لافرق فى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 73 *»

المقام بين الصغير و الكبير و الذكر و الانثى و المؤمن و الكافر لشموله على الكل لانه جنس محلى باللام مستغرق لجميع الافراد فلاوجه لاخراج الكافر عن هذا الحكم و ادخاله فيما لانص فيه بانه بملاقاته الماء ينجسه و ليس فيه نص لانه قدجمع كثيراً بين المتفرقات فى النجاسة و الطهارة كما لايخفى على المراجع الى الاخبار الواردة فى المقام. و روى فى الميت عشرون دلواً.

كب يستحب نزح مائة دلو اذا وقع فيها جيفة قد اجيفت.

كج يستحب نزح كر اذا مات فيها حمار و لاوجه فى الحاق البقر به.

كد يستحب نزح الجميع ان مات فيها بعير. و روى نزح كرّ فى الجمل. و قيل ان البعير شامل للصغير و الكبير و هذا مخالف لما نص عليه اهل اللغة و الاولى فى امثال هذه الموارد الرجوع الى العرف.

كه يستحب نزح الجميع اذا مات فيها ثور و نحوه كالبقرة.

كو يستحب نزح الجميع اذا صب فيها الخمر و قد مر شرحها.

تتمـــة ان تعذر استيعاب مائها تراوح عليها قوم كل اثنين دفعة يوماً الى الليل لقوله7 فان غلب عليها الماء فلينزف يوماً الى الليل ثم يقام قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوماً الى الليل الخ و يستثنى لهم الاكل و الشرب جميعاً و الصّلوة جماعة لصدق نزحهم يوماً الى الليل عرفاً و يجزى ما فوق الاربعة لاطلاق النص. و هل يجزى نزح ما دون الاربعة ان علم مساواة نزحهم لنزح الاربعة؟ قيل لا لانها اقل عدد ينقسم الى اثنين اثنين و لاشك فى عدم خصوصية اثنين اثنين من حيث الاثنينية و انما المقصود هو الاسراع فى النزح و عدم الابطاء و فى صورة مساواة النزح لنزح الاربعة يحصل المقصود.

فعلى هذا لاخصوصية فى رجوليتهم ايضاً قطعاً لان المراد هو النزح فى هذه المدة بهذه الكيفية فاجزاء نزح غير

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 74 *»

الرجال من النساء و الحيوان بل و ساير الالات على تقدير المساواة غير بعيد. فالاستدلال على وجوب نزح الرجال بلفظ القوم الواقع فى الخبر بانه يطلق على الرجال دون النساء بعيد جدّاً و لاخصوصية فى الرجولية فى المقام قطعاً. نعم لماكان المباشر لامثال هذه الاعمال فى اغلب الاحوال هو الرجال دون غيرهم يتوجه الخطاب اليهم من دون خصوصية لرجوليتهم.

و كذا المراد من يوم التراوح هو اليوم الذى يعمل فيه العاملون بحسب العادة لان اوامرهم: تتعلق بالاشياء المعروفة عند الناس المتداولة بينهم المتعارفة عندهم الّا اذا دل قرينة على ارادة غير ذلك. فما لم‏يكن قرينة يعلم ان الامور المتعارفة هى المقررة المقصودة لاغيرها فمن ذلك يوم التراوح. فما قيل ان المراد به يوم الصوم ليس بجيد.

تذنيب لاينجس البالوعة البئر ما لم‏يتغير احد اوصاف الماء لما مر من الاخبار انه لاينجسه شىء من النجاسات الا ما غير لونه او طعمه او ريحه. و لرواية محمد بن اسمعيل بن بزيع ماء البئر واسع لايفسده شىء الا ان‏يتغير. و لما روى فى المقام عن ابي‏الحسن7 فى البئر يكون بينها و بين الكنيف خمسة اذرع او اقل او اكثر يتوضأ منها؟ قال ليس يكره من قرب و لا بعد يتوضأ منها و يغتسل ما لم‏يتغير الماء انتهى. فالاخبار الواردة فى المقام الامرة بالتبعيد بين البئر و البالوعة بمقدار معين كلها دالة على استحبابه محمولة عليه. فيستحب ان‏يكون بين البئر و البالوعة خمسة اذرع اذا كان البئر اعلى قراراً من البالوعة او اعلى جهة منها مع تساوى القرارين او كانت الارض صلبة.

و ان انعكس الامر فى الفروض فسبعة اذرع لما روى عن الحسن بن رباط عن ابي‏عبداللّه7 عن البالوعة يكون فوق البئر قال اذا كانت فوق البئر فسبعة اذرع و اذا كانت اسفل من البئر فخمسة اذرع من كل ناحية و ذلك كثير انتهى. ففى هذا الخبر دلالة على ان المراد من الاعلى و الاسفل هو القرار لا الجهة اذ لو كان المراد هو الجهة فلايبقى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 75 *»

معنى لكل ناحية. و لما روى عن قدامة بن ابي‏يزيد الحمّار عن بعض اصحابنا عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته كم ادنى ما يكون بين البئر بئر الماء و البالوعة؟ فقال ان كان سهلاً فسبعة اذرع و ان كان جبلاً فخمسة اذرع ثم قال الماء يجرى الى القبلة الى يمين و يجرى عن يمين القبلة الى يسار القبلة و يجرى عن يسار القبلة الى يمين القبلة و لايجرى من القبلة الى دبر القبلة انتهى.

ففى قوله7 يجرى الى القبلة الخ يشعر باعتبار الجهة ايضاً كما يدل عليه رواية محمد بن سليمان الديلمى عن ابيه قال سألت اباعبداللّه7 عن البئر يكون الى جنبها الكنيف. فقال لى ان مجرى العيون كلها من مهب الشمال فاذا كانت النظيفة فوق الشمال و الكنيف اسفل منها لم‏يضرها اذا كان بينهما اذرع و ان كان فوق النظيفة فلااقل من اثني‏عشر ذراعاً و ان كانت تجاهها بحذاء القبلة و هما مستويان فى مهب الشمال فسبعة اذرع انتهى. و قد طرحها بعض الاصحاب لمكان سليمان لما قيل فى حقه انه غالى. و انت قد علمت مما مر فى المقدمات كيفية تصحيح الاخبار فلانعيدها هنا. فـنقول ان للاستحباب درجات متفاضلة فلاينافى الحكم فى درجة الحكم فى درجة اخرى فتأمل. و المراد بالبالوعة فى المقام ما يرمى فيها الغسالات و النجاسات و غيرها لا ما تحفر لماء الميزاب و الامطار.

المطلب الثاني

فى ثانى القسمين من الطهور و هو الارض لقوله تعالى فتيمموا صعيداً طيباً و الصعيد وجه الارض كما نص عليه بعض اللغويين كالخليل و الزجاج و ابن‏الاعرابى كما نقل عنهم. و يدل على ذلك قوله تعالى فتصبح صعيداً زلقاً اى ارضاً ملساً يزلق عليها باستيصال نباتها و اشجارها و قول النبي9 يحشر الناس يوم القيمة حفاة عراة على صعيد واحد اى ارض واحدة و قوله9 على احدى الروايتين جعلت لى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 76 *»

الارض مسجداً و طهوراً و قول الصادق7 اذا لم‏يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليمسح من الارض و ليصل و قوله7 ان رب الماء رب الارض فليتيمم و قوله7 فان فاتك الماء لم‏يفتك الارض و كذا الاخبار الواردة فى جواز التيمم بالحجر و الجص و النورة كلها دالة على ان المراد من الصعيد فى الاية هو الارض لانها شارحة للكتاب.

فلاوجه فى تخصيص الصعيد بالتّراب وحده تمسكاً بقول بعض اللغويين مع وجود الاخبار المستفيضة الدالة على المراد. و القول بان هذه الاخبار تدل على جواز التيمم بغير التراب و لاتدل على ان المراد بالصعيد هو الارض، مردود باستدلاله7 فى عدم جواز التيمم بالرّماد بانه لم‏يخرج من الارض و انما يخرج من الشجر. و استدلاله7 تعليم لنا بان كل‌ما يخرج من الارض جاز التيمم به. فدار جواز التيمم مدار اسم الارض فالمراد بالصعيد المذكور فى الاية هو الارض. فمن جملة ما يخرج من الارض الجص و النورة و الحجر و غيرها كالكحل و الزرنيخ كما ذهب اليه العمانى و استحسنه فى المعتبر كما نقل عنه.

و لاوجه فى تخصيص الجص و النورة بقبل الاحراق لانهما من الارض و لاطلاق الاخبار و لان النورة لاتسمى نورة الا بعد الاحراق و اما قبل الاحراق فهو حجر ليس بنورة و كذلك الخزف هو مما يخرج من الارض قطعاً بل الارض يصدق عليه كما يصدق على الحجر و غيره.

فلا وجه فى التأمل فيه بان الشك فى استصحاب ارضيته معارض بالقطع فى اشتغال الذمة باستعمال الطهور اليقينى لانا نقول انا نطلق اسم الارض على جميع اجزائها ما لم‏نعلم خروجها منها فاذا علمنا خروجها منها نسمّيها بما يقتضيها من الاسم فما لم‏نعلم خروجها منها نحكم بدخولها تحتها فهى طهور يقينى لانشك فى طهوريته حتى يعارضها اشتغال الذمة اليقينية.

و ليس ذلك من باب الاستصحاب الذى تمسك به الاصحاب بل [من ظ] باب انه هو الموضوع له بنفسه لقوله7 لاابالى أ بول اصابنى ام ماء اذا لم‏اعلم ففى صورة

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 77 *»

عدم علمه بالبول اصابه الماء لان الاسماء تقع على المسميات من حيث الظهور للمكلف لا من حيث وجودها فى نفسها اذ هى من حيث هى هي، هى هى لايعقل التقارب و التباعد من نفسها فلايتعلق عليها احكام مطلقاً. بالجملة و لايليق بهذا المقام زيادة كلام و من اراد الوصول الى اطراف المسئلة فليراجع علم الاصول.

 

 الباب الاول

فى الوضوء([9]) و ما يتعلق به من الاحكام و فيه مطالب

المطلب الاول

فيما يجب له الوضوء و فى كيفيته و فروضه

و مايتعلق بها و فيه مسائل

الاولي انما يجب الوضوء فى اصل الشرع للصلوة الواجبة بالكتاب و السنة و الاجماع. اما الكتاب فقوله تعالى اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الى المرافق و امسحوا برؤسكم و ارجلكم الى الكعبين. و اما السنة فما روى عن ابي‏عبداللّه7قال قال رسول‌اللّه9 افتتاح الصلوة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم. و عنه7قال الصلوة ثلثة اثلاث ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود. و عن ابي‏جعفر7قال لاصلوة الا بطهور انتهى.

و مفهوم الاية يدل على عدم وجوبه لنفسه كما ذهب اليه الاصحاب جلّاً. و حكى عن الشهيد; فى الذكرى نقل قول بوجوب الطهارات اجمع بحصول اسبابها وجوباً موسّعاً لايتضيق الا بظن الوفاة او تضيق وقت العبادة المشروطة بها. و قيل يشهد له من الاخبار صحيحة عبدالرحمن عن ابي‏عبداللّه7 ان علياً7 كان يقول من وجد طعم النوم قاعداً او قائماً فقد وجب عليه الوضوء. و صحيحة زرارة حيث قال فيها فان نامت العين و الاذن و القلب فقد وجب الوضوء.

و سيرة العلماء الاخيار و المسلمين فى جميع الاعصار يردّه من غير اشكال لانها لو كانت واجبة فى نفسها مع عموم البلوى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 78 *»

بحيث يحتاج اليها جميع المكلفين فى اناء الليل و اطراف النهار لصار لم‏يخف على احد من العلماء بل من المسلمين كما لايخفى عليهم وجوب الصلوة و غيره. و لاشك ان قوله7 من وجد طعم النوم قاعداً او قائماً فقد وجب عليه الوضوء و كذا ساير الاخبار فى مثل هذه المقامات تدل على انتقاض الوضوء بالنوم و وجوب الوضوء للصلوة لاوجوب الوضوء عقيب النوم و ان لم‏يدخل وقت الفريضة.

بالجملة و كذا يجب للطواف الواجب و يدل عليه روايات كثيرة منها صحيحة محمد بن مسلم قال سألت احدهما8 عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهر قال يتوضأ و يعيد طوافه و ان كان تطوعاً توضأ و صلى ركعتين. و قد يجب لعارض كايجابه لنذر و شبهه او ايجاب ما يتوقف عليه.

الثانية يجب فيه و فى ساير العبادات النية لما روى عن على بن الحسين8 لا عمل الّا بنية و ما روى عن الرضا7 لا قول الا بعمل و لا عمل الا بنية انتهى. و هى القصد لغة و عرفاً و شرعاً و هى اوضح من ان‏تبين و اظهر من ان‏تفسر لانها امر خلقى فطرى لايخلو منها فاعل فى فعله ابداً. و قد خفيت على الناس لشدة ظهورها بحيث اذا اراد الانسان تركها فى فعل من افعاله لايقدر عليه لانها امر اضطرارى لازم للانسان فى فعله بحيث لايحتاج الى توجه و اخطار بالبال بل تكون بحيث اذا اراد الانسان اخطارها ينصرف عنها و عن الفعل الذى كان عليه و يتوجه الى امر خارج عنها و عن الفعل الذى تشترط فيها كما اذا تكلمت مع زيد تكون فى تكلمك اياه ناوياً قاصداً من غير اخطار ببالك فى عالم الخيال فلو توجهت فى خيالك بانك تكون قاصداً فى تكلمك اياه تتوجه حينئذ الى صورة القصد و تكون حينئذ معرضاً عن زيد يقيناً لان اللّه سبحانه لم‏يجعل لرجل من قلبين فى جوفه و توجهين فى قلبه فى آن واحد فاذا توجه الى شىء فى آن اعرض عما سواه البتة. فانظر فى حال من فسرها بانها

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 79 *»

الاخطار بالبال مع انه موجب للاعراض عن اللّه المتعال.

و لنعم ما قيل انه لو كلف اللّه تعالى احداً عملاً من غير نية فقد كلف بالمحال. ففى الحقيقة لاتحتاج الى عنوان و باب و تفسير و لاجل ذلك لم‏توجد فى عنوانات القدماء مطلقاً و ليس ذلك من اجل عدم تفطنهم و غفلتهم عن ذلك لانك اذا علمت ان الوضوء مثلاً فرض من فروض اللّه تعالى و شرعت فيه فقد قصدته و نويته كما علمته بانه فرض من فروض اللّه تعالى و انت تكون فاعله لايجابه تعالى عليك من غير اخطار ببالك. و ذلك لان القصد و النية محلهما فى النفس و الخطور بالبال محله الخيال و هو دون النفس و الصور الخيالية و الاخطارات البالية هى الحروف المرسومة فى عرصة الخيال دون عرصة النفس.

و لافرق بين تلك الحروف و الحروف اللفظية لدى النفس مطلقاً فكما لاتحتاج فى قصدك التكلم مع زيد الى الفاظ اوّلاً ثم التكلم معه ثانياً كذلك لاتحتاج الى قراءة الحروف الخيالية اولاً ثم التكلم معه ثانياً و من فعل ذلك احياناً فقد عدّه الناس فى زمرة المجانين فكما ان اشتراط الالفاظ يكون تشريعاً فى الدين يكون اشتراطُ الخطور بالبال ايضاً تشريعاً لانه موجب للاعراض عن المقصود الاصلى الذى هو التوجه النفسانى الى اللّه تعالى الا ان المشترطين لما لم‏يكونوا متفطنين لم‏يعدوا من المبتدعين و عسى اللّه ان‏يعفو عنهم و عنا فى محالّ المزال يوم الدّين بمحمد و اله الطيبين صلواته عليهم اجمعين.

بالجملة لما فسروها بالخطور بالبال و رأوا انه لايجامع الاعمال حين الاعمال اوجبوه مقارناً لها متصلاً و اكتفوا فى اثناء العمل بالنية الحكمية و فسروها بعدم خطور نية منافية للاولى. ثم لم‏يكتف بعضهم بالخطور الاجمالى و اشترط الخطور التفصيلى من اول الفعل الى آخره فاوجبوا صلوة خيالية اولاً ثم صلوة فعلية ثانياً و ان لم‏يصرح بصلوتين لان الصلوة الخيالية عنده نية الصلوة الفعلية و ذلك تشريع من غير شعور.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 80 *»

فعلى تفسيرهم اياها يقع جميع اعمالهم من غير نية لانها كانت قبلها ولكنهم لما لم‏يجدوا بدّاً اكتفوا بها قبل العمل مقارنة له ولكن على ما فسرناها يقع اعمالهم بالنية و انما اخطارهم قبلها عمل خارج عن المأمور به قد حملوه على ظهورهم.

فالنية هى روح العمل و العمل جسدها فالنية بدون العمل ناقصة لا ظهور لها و العمل بدونها ميت لاحراك له و هما معاً شىء تام حىّ فكما ان الروح لابد و ان‏تكون فى الجسد كذلك النية لابد و ان‏تكون فى العمل لا قبله فلابد و ان‏يكون كل جزء منها قائماً على جزء من العمل فاذا انتهى العمل انتهت و بذلك يكون العمل حياً ذا نية و كل جزء منه خال عنها يكون ميتاً ففى اثناء العمل مادام الانسان شاعراً يكون عمله حياً مقبولاً و مادام زاهلاً [ذاهلاً ظ ص281]يكون عمله ميتاً غير مقبول اللّهم عفوك عفوك و سترك سترك و اعف عنا بكرم وجهك يا جميل الستر و يا حسن التجاوز يا ارحم الراحمين.

و انما جعل النوافل لاتمام النقصان الحاصل فى الفرائض فالجزء الواقع فى حال الذهول اما ينجبر بالنوافل فيقبل الصلوة تامّة و اما لاينجبر فلاتقبل تامّة و ينكشف ذلك فى الاخرة لا فى الدنيا و من راجع الاخبار وجد ما ذكرنا بلاغبار خصوصاً اخبار صعود الصلوة الى السماء الاولى و رجوعها و هكذا الى السماء السابعة و رجوعها و عدم قبولها لاجل عدم الخلوص و النقص الواقع فيها من وجه من الوجوه.

و اما فى ظاهر الحيوة الدنيا لم‏يحكم ببطلان الصلوة فى حال الذهول رحمة من اللّه تعالى للناس لعلمه سبحانه بخلقه بانهم ان كلفوا ثانياً بصلوة اخرى يقع فيها الذهول ايضاً و هكذا الى ان‌كلفوا بالف صلوة يقع فى كلها الذّهول فاكتفى سبحانه بصلوة واحدة ثم ان شاء اخذهم و ان شاء ستر عنهم يوم القيمة.

بالجملة على ما فسرناها لانحتاج الى اشتراط الوجوب و الندب و رفع الحدث و الاستباحة و غيرها على نحو الاخطار بالبال لان كل ما علمه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 81 *»

الانسان بانه كذا و كذا يكون شاعراً به فى نفسه من دون الحاجة الى الاخطار فيكون قاصده و ناويه حين العمل بمقتضى عمله و ان لم‏يكن صورته فى خياله كما تكون عالماً بالحمد و وجوب قراءته فى الصلوة المكتوبة و تقرأه على قصد منك بحيث يساوق قصدك بـالحمد تلفظك به لا قبله و يساوق قصدك بــللّه رب العالمين تلفظك به لا قبله و هكذا الى اخر السورة و ليس فى بالك صورة الحمد و صورة للّه رب العالمين و هكذا الى اخر السورة و لايمكن لك حين التفاتك الى القراءة ان تتوجه الى صورة الحمد للّه رب العالمين فى خيالك.

فان قلت اذا لم‏يمكن الالتفات الى الصور الخيالية حين الالتفاوت الى القراءة فلايمكن التوجه الى اللّه سبحانه حين القراءة ايضاً قلت لاشك انه ماجعل اللّه لرجل من قلبين فى جوفه يتوجه بواحد منهما الى اللّه سبحانه و بواحد الى القراءة و الى غيرها ولكن اللّه سبحانه جعل لذلك القلب الواحد مراتب فيما دونه و جعلها حية بفضل حيوة ذلك القلب و جعلها عوادة فيما اعتادت فاذا اعتادت قراءة الحمد مثلاً تقرأها من غير توجه القلب اليها و تكتفى بفضل اشراق القلب و ظله عليها و لاتحتاج الى التوجه التام من القلب. اما ترى انك فى حال الصلوة يذهب قلبك الى ما يشتهيه من المعاملات و المعاشرات و المآكل و المشارب و المناكح و غيرها من الوساوس و لايلتفت الى انه قائم للصلوة و ربما لايلتفت الى الفراغ منها و مع‏ذلك لاتغلط فى شىء من القراءة و الركوع و ذكره و السجود و ذكره و التشهد و عدد الركعات الى الفراغ منها و ترى انك تقرأ و تؤدى كل حرف حرف من مخرجه فتؤدى الحلقى حلقياً و الشفوى شفوياً و البرازخ برزخياً مع رعاية الهمس و الجهر و الاستعلاء و الخفض و الادغام و الاخفاء و الاظهار و القلب و غير ذلك من مسائل القراءة المحتاج [المحتاجة ظ] اليها و قلبك مشغول بشهواته لايلتفت اليها مطلقاً و يكفى فى ذلك كله ظل القلب عليها.

كذلك قلبك مأمور بالتوجه الى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 82 *»

رب الارباب و السؤال منه و طلب الرحمة و القربة منه و ليس بمأمور بالتوجه الى عالم الخيال و الى الالفاظ و المقال و انما يصدر منها ما اعتادت على احسن الوجوه كما اريك المثال فى حال الصلوة نعوذباللّه من تلك الاحوال و الاهوال.

بالجملة هذا ما خطر ببالى البالى من امر ماهية النية فينبغى ان‏نشرح غاية العبادة التى تحرك الفاعل و تهيج العابد الى فعل العبادة و اختلف كلمات القوم فى ذلك و لسنا بصدد سرد الاقوال فنشرح الحال بقدر ما رزقنا اللّه تعالى من البيان فى شرح ذلك. فـنقول لاشك ان من خدم سلطاناً لاجل المناصب و العزة و السلطنة على مادونه او لاجل خوفه منه و رفع اضراره عن نفسه و طلب قربه لاجل حصول مطلوبه منه يكون مخدومه الواقعى هو مطلوبه و السّلطان فى الواقع سبيل الى مطلوبه فهو مطلوبه بالتبع لا بالذات فان حصل مطلوبه من غير هذا السلطان ايضاً لايبالى بعصيان ذلك السلطان و التخلف منه و الرجوع الى غيره من السلاطين كما هو ديدن اهل الزمان فيقولون بلسان حقيقتهم:

احب ابامروان من اجل تمره                    و لو لم‏يكن تمر له مااحبه

فلاشك ان الخدمة و العبادة بهذا المعنى ليست لاجل السلطان و لاجل انه مستحق و اهل للعبادة و الخدمة فاذا كان السلطان عليماً بما فى الصدور لايقبل طاعة من اطاعه بهذه النية و القصد البتة ولكن من خدم السلطان لاجل انه سلطان مستحق للخدمة و اهل للعبادة سواء عليه امره السلطان بالامارة على رعاياه او امره بكنس الزبالات يكون مخدومه الواقعى هو السلطان نفسه و تلك الخدمات هى جهة الخدمة فاذا وقع فعله و خدمته على الفرس الذى هو جهة خدمة السلطان لايكون الفرس مخدوماً له البتة و لاشك ان هذه الخدمة مقبولة لدى السلطان العليم بما فى الصدور.

فمن عبد اللّه تعالى بهذا المعنى دون المعنى الاول فلاشك فى صحة عبادته

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 83 *»

و لذلك المقام اهل خاصّ به و ذلك المقام اعلى مقامات العبودية و اخلص مقامات النية و القصد و ليس ذلك حظ كل احد. فيقول اهل ذلك المقام الهى ماعبدتك طمعاً فى جنتك و لاخوفاً من عذابك بل وجدتك اهلاً للعبادة فعبدتك فذلك هو الدين الخالص للّه تعالى كما قال سبحانه الا للّه الدين الخالص.

و اما العبادة بالمعنى الاول فلاشك فى بطلانها لانها تتجاوز حد الشرك و تقع فى عرصة الكفر حيث جعل اللّه سبحانه سبيلاً الى نيل مطلوبه و جعل نفسه و شهوتها معبوده الواقعى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً.

ثم دون ذلك المقام مقام من اقر بسلطنة السلطان و خضع له بالعبودية و اعترف بانه مستحق للعبادة و اهل للخدمة ولكن السلطان جعل لبعض الخدمات اجراً و هيّأ لبعض الاعمال عقوبة فعمل تلك الاعمال طلباً للاجرة و ترك بعضها خوفاً من العقوبة و ذلك لاينافى اقراره بسلطنة السلطان و بأنه اهل و مستحق للخدمة و العبادة فمن عبد اللّه سبحانه بذلك المعنى و عمل عملاً طالباً لعطائه فى الدنيا و الاخرة و ترك عملاً خوفاً من عقوبته فى الدنيا و الاخرة لاينافى ذلك عبوديته للّه سبحانه و اقراره بانه اهل للعبادة مستحق للخدمة و ليس ذلك كفراً باللّه و شركاً له مطلقاً لانه اقر له بالعبودية اولاً ثم عمل عملاً طمعاً لثوابه و ترك عملاً خوفاً من عقابه و لاجل ذلك وعد اللّه سبحانه المؤمنين الجنة و الاجرة و اوعد اللّه تعالى الكافرين النار.

فلهذا المقام ايضاً اهل خاصّ به ففى هذا المقام مدح اللّه سبحانه عباده بانهم يدعونه خوفاً و طمعاً فقال يدعوننا رغبا و رهبا و کانوا لنا خاشعين و قال يدعون ربهم خوفاً و طمعاً ان رحمة اللّه قريب من المحسنين فاهل هذا المقام هم الخاشعون للّه سبحانه و هم المحسنون بنص الايات و كذا روى فى ذلك روايات تتجاوز حدّ الحصر مذكورة فى ثواب الاعمال و غيره. و ذلك لان اللّه سبحانه ذوفضل عظيم و بعباده رؤف رحيم لايمنعهم فضله اذا عملوا

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 84 *»

لاجلها كما فى الصحيح ان بلغه ثواب من اللّه على عمل فعمله التماس ذلك الثواب اوتيه و ان لم‏يكن الحديث كما بلغه انتهى.

فلاوجه فى منع جعل الجنة غاية الاعمال او خوف النار غايتها بعد الاقرار بانه معبود حق مستحق للعبادة اهل لها اذ اصل الاقرار بالعبودية له سبحانه ليس لاجل الطمع و الخوف بل لاجل انه سبحانه هو المالك المستحق للعبودية و ذلك الاقرار هو الاصل فى العبودية و هو اصل ثابت اوّلاً من غير خوف و طمع ثم الاعمال فروع ذلك الاقرار. و قدجعل اللّه سبحانه لكل منها اجراً مخصوصاً فلاشك فى جواز جعل غاية العمل خير الدنيا و الاخرة او رفع شرّ الدنيا و شر الاخرة نعم لكل منا مقام معلوم.

فمن الناس من يعبده خوفاً فذلك عبادة العبيد و منهم من يعبده طمعاً و هو عبادة الاجراء و منهم من يعبده لانه اهل للعبادة فهى عبادة الاحرار كما ورد بذلك المعنى الاثار. ولكن من جعل غاية عمله غير ما قرّره اللّه سبحانه له من الاغراض التى بنفسها منهى عنها فى الشرع المتين كالرياء و السمعة و الشهرة و غيرها فلاشك فى عدم جوازها و يكون ذلك مفسد للعمل اذا كان مستمراً من اول العمل الى آخره و يكون كفراً. و اما اذا عرضه فى اثناء العمل او ضمه اليه فالمشهور فى الاخير انه مفسد له و استدلوا باخبار لاتدل على فساد ظاهر العمل بل هى ظاهرة فى عدم قبولها باطناً و صحة الظاهر لاينافى فساد الباطن.

فمما استدلوا به هو قول الصّادق7 ان ما كان للّه فهو للّه و ما كان للناس فلايصعد الى اللّه و قوله7 قال اللّه تعالى انا اغنى الاغنياء عن الشريك فمن اشرك معى غيرى لم‏اقبله الا ما كان خالصاً لى. و الاخبار الواردة فى هذا المقام كلها بهذه المضامين و انت تعلم انها ترد اخبار كثيرة بعدم قبول صلوة الحاسد و ذى الحقد و غيرهما و لم‏يقل احد ببطلانها ظاهراً فالتمسك بها فى مطلوبهم ليس خالياً من الاشكال بل ليس اشكال فى عدم دلالتها على مطلوبهم كما

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 85 *»

ورد مثل ذلك فى العجب ايضاً. فعن على بن سويد عن ابي‏الحسن7 قال سألته عن العجب الذى يفسد العمل فقال العجب درجات منها ان‏يزين العبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه و يحسب انه يحسن صنعاً و منها ان‏يؤمن العبد بربه فيمنّ على اللّه و للّه عليه فيه المنّ و فى ذلك اخبار اخر تركتها خوف الاطالة.

و مما يدل على ما ذهبنا اليه ما روى عن يونس بن عمار عن الصادق7 قال قيل له و انا حاضر الرجل يكون فى صلوته خالياً فيدخله العجب. فقال اذا كان اول صلوته بنية يريد بها ربه فلايضره ما دخله بعد ذلك فليمض فى صلوته و ليخسأ الشيطان. بالجملة و ليس ذلك منافياً لكون الرياء شركاً محرّماً كما ورد فى الاخبار و المراد بالكفر و الشرك هنا هو الكفر و الشرك فى العمل دون الاعتقاد فلايصير الشخص بذلك نجساً كما قال تعالى و مايؤمن اكثرهم باللّه الا و هم مشركون.

الثالثـة يجب غسل الوجه بالكتاب و السنة و الاجماع و حد الوجه طولاً و عرضاً ما دارت عليه الوسطى و الابهام بجعل الوجه بينهما على نسبة واحدة و ادارتهما عليه من دون حركة اليد الى طرف من اطرافه فيحصل منها دائرة يخرج منها الصدغان و العذاران و النزعتان و العارضان غالباً. و يدل عليه ما رواه زرارة قال قلت له اخبرنى عن حدّ الوجه الذى ينبغى له ان‏يتوضأ الذى قال اللّه تعالى فقال الوجه الذى امر اللّه بغسله الذى لاينبغى لاحد ان‏يزيد عليه و لاينقص منه ان زاد عليه لم‏يوجر و ان نقص منه اثم مادارت السبابة و الوسطى و الابهام من قصاص شعر الرأس الى الذقن و ماجرت عليه الاصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه و ما سوى ذلك فليس من الوجه قلت الصدغ ليس من الوجه؟ قال لا انتهى.

و قوله7 مستديراً امّا حال من فاعل جرت او حال من ما جرت عليه و هو الوجه و ان كان الاخير غير مشهور. و تلك الحال ايضاً ايضاح بان حدّ الوجه هو الدائرة المستديرة الحاصلة من دوران الاصبعين كما

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 86 *»

ذهب اليه القاشانى و البهائى رحمهما اللّه فلاوجه فى تحديده طولاً بالقصاص و الذقن و عرضاً بالاصبعين و ان كان مآل التحديدين الى واحد. و القول بان الاصحاب الماهرين الذين هم الائمة فى فهم الاخبار فهموا منها التحديد العرضى بالاصبعين دون الطولى، مردود بانهم ان فهموا هذا من الاخبار فها الاخبار ذى و ليس فيها تلك التفاصيل و ان فهموا من غير لفظ الخبر فليس لاحد ان‏ينصب رجلاً دون الحجة و يصدقه فى كل ما يقول و محض اجلال العلماء لايثبت المدّعى.

و مما يدل عليه الاخبار وجوب غسله من الاعلى الى الادنى كما هو المشهور. و قيل بجواز النكس و حمل الروايات على الاستحباب لاطلاق قوله تعالى فاغسلوا و لعدم تنافى بيان فرد من افراد المطلق دون فرد اخر. و نجيب بان الاخبار هى الشارحة للكتاب و ما يظهر منها من الوضوءات البيانية هو الشروع من الاعلى اما بلفظ صريح او بلفظة «من» التى للابتداء او بلفظ الاسبال الذى هو الارسال او غير ذلك مما يفهم منها الابتداء من الاعلى و لايبرئ الذمة عن الاشتغال اليقينى الّا بدليل يقينى.

فمما ورد فى المقام ما روى عن زرارة قال حكى لنا ابوجعفر7 وضوء رسول‌اللّه9فدعا بقدح من ماء فادخل يده اليمنى و اخذ كفاً من ماء فاسدله على وجهه من اعلى الوجه ثم مسح وجهه من الجانبين جميعاً الى اخر الخبر.

و منها ما روى عنه قال قال ابوجعفر7 الا احكى لكم وضوء رسول‌اللّه9 فقلنا بلى. فدعا بقعب فيه شىء من ماء ثم وضعه بين يديه ثم حسر عن ذراعيه ثم غمس فيه كفه اليمنى ثم قال هكذا اذا كانت الكف طاهرة ثم غرف فملأها ماء فوضعها على جبينه الى اخره.

و منها ما عن الوسائل عن قرب الاسناد عن ابي‏حريز الرقاشى قال قلت لابي‏الحسن موسي7 كيف أتوضأ للصلوة؟ فقال لاتعمق فى الوضوء و لاتلطم وجهك

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 87 *»

بالماء لطماً ولكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله مسحاً الخ فهى صريحة فى المطلوب هذا. و فى قوله7 بعد ما توضأ ان هذا وضوء لايقبل اللّه الصلوة الّا به([10]) حصر بان الوضوء الذى يقبل اللّه الصلوة به هو الوضوء بهذه الكيفية فما يكون بغير هذه الكيفية ليس بوضوء شرعى مأمور به.

فظهر و الحمدللّه وجوب الابتداء من الاعلى و الانتهاء الى الذقن بلااشكال. و ماخرج من اللحية و غيرها عن حد الوجه فهو خارج عنه فلايغسل بنية الوضوء بلاخلاف. و يكفى غسل ظاهر ما دخل فى الحد من اللحية و غيرها فلايغسل اصولها بنية الوضوء سواء كانت كثيفة او خفيفة على المشهور لعموم صحيحة زرارة عن ابي‏جعفر7 قال قلت له أرأيت ما احاط به الشعر؟ فقال كل ما احاط به الشعر فليس على العباد ان‌يطلبوه([11]) و لايبحثوا عنه ولكن يجرى عليه الماء. و صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما8 قال سألته عن الرجل يتوضأ أ ‌يبطّن لحيته؟ قال لا. فالقول بان الخفيفة لما لم‏تكن مواجهة لم‏ينتقل الحكم اليها مردود بصدق اسم اللحية عليها حقيقة فيشمله الحكم البتة لان الاحكام موضوعة على الاسماء كما ثبت فى علم الاصول.

الرابعة يجب غسل اليدين بالادلة الثلثة و هل يجب غسل المرفقين؟ قولان بناء على دخول الغاية فى المغيا و خروجها و الحق هو الاوّل لان المغيا لو لم‏يكن داخلاً فيه الغاية لم‏يصدق الوصول اليها وصولاً حقيقياً كما لو قلت سرت الى البصرة لم‏تصدق ما لم‏تصل اليها و لم‏تقع قدمك فى ارضها حقيقة فان وصلت الى ارض تلى ارض البصرة تقول وصلت الى جنبها لا اليها فان قلت حينئذ سرت الى البصرة قلت مجازاً لعلاقة الاشراف عليها. نعم اذا كانت الغاية وسيعاً لايجب دخول جميعها فى المغيا لحصول صدق اسم الوصول بمجرد الوصول و اما اذا كانت غير وسيع مثل ما نحن

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 88 *»

فيه فيجب ادخال ما يحصل به اليقين فيه اذ ليس للمرفق حد وسيع كحد البصرة فهو غير قابل للتبعيض الحسّى لانها هى الموصل بين عظم الذراع و العضد فيجب ادخالها فى الغسل حتى يصدق عليها انه يبتدء منها حقيقة.

فالقول بخروج الغاية عن المغيا اغماض فى التحقيق و ارتكاب مجاز فى مقام الحقيقة من غير تدقيق. فالقول بانه لا دليل من الاية على دخول المرافق فى الوضوء الا انّ اكثر الفقهاء ذهبوا الى وجوب غسلها قول بارادة المعنى2 من غير لفظه3 الذى2 يقارب معناه3 و هو مجاز كما لايخفى بل الاية دليل على دخولها و يشهد عليه الوضوءات البيانية و ذهاب اكثر الاصحاب الى وجوب غسلها.

و يجب الابتداء من المرفق الى اطراف الاصابع على المشهور كما يدل عليه الاخبار فى الوضوءات البيانية و غيرها فـمنها ما روى عن زرارة قال قال ابوجعفر7 الا احكى لكم وضوء رسول‌اللّه9 الى ان قال ثم غمس يده اليسرى فغرف بها ملأها ثم وضعه على مرفقه اليمنى و امرّ کفه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه ثم غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى امرّ کفه على ساعده حتى جرى الماء على اطراف اصابعه الخ.

و منها ما روى عن بکير و زرارة انهما سألا اباجعفر7 عن وضوء رسول‌الله9الى ان قالا و غمس کفه  اليسرى فى الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق الى الاصابع لايرد الماء الى المرفق ثم غمس كفه اليمنى فى الماء فاغترف بها من الماء فاغرفه على يده اليسرى من المرفق الى الكف الخ الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى الوضوءات البيانية.

و لاينافى ذلك ماورد فى بعضها بانه7اخذ بيده اليسرى كفاً فغسل به يده اليمنى، بدون ذكر الابتداء من المرفق لان اليد هنا شاملة للمرفق كما لايخفى فان كان فيه اجمال يجب حمله على المبيّن. و صرح بذلك ما روى عن ابن‏عروة التميمىّ قال سألت اباعبداللّه7 عن قول اللّه عزوجل

 

 

* الفقه كتاب الطهارة صفحه 89 *»

فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الى المرافق فقلت هكذا و مسحت من ظهر([12]) كفى الى المرفق فقال ليس هكذا تنزيلها انما هى فاغسلوا وجوهكم و ايديكم من المرافق ثم امرّ يده من مرفقه الى اصابعه انتهى.

و قيل ان الى فى الاية بمعنى «من» و قيل انها بمعنى «مع» لقوله7 انما هى فاغسلوا وجوهكم و ايديكم من المرافق. و لاتحتاج الى هذه التكلفات بل معناها هو الانتهاء لبيان المغسول دون الغسل كما فى قوله تعالى و ارجلكم الى الكعبين لبيان الممسوح دون المسح. و اما قوله7 ليس هكذا تنزيلها الخ فهو ردع لابن‏عروة حيث زعم انها لبيان الغسل فقال7 ليس هكذا تنزيلها بل تنزيلها فى الغسل من المرافق و ان لم‌يعلم الناس و بيان ذلک علينا کما بيّنا.

و هذا  الحديث الشريف رد على من زعم جواز النکث فى غسل اليدين کما جوزه فى غسل الوجه فانه لو جاز ذلک لما قال7 ليس هکذا تنزيلها  الخ. فالتمسك باطلاق الاية مع كونها مجملاً فى كيفية الغسل مع ورود النص فى كيفيته غير جايز. و القول بان الاية ليست بمجملة فى الغسل غير مجد فى المقام لان كيفيته مجملة قطعاً كما زعم الراوى و ردعه7 و كل ما مر فى غسل الوجه يأتى هنا ايضاً فلايبقى اشكال فى وجوب الغسل من المرافق الى اطراف الاصابع و الحمدللّه.

و من قطع بعض يده سواء كان من نفس المرفق او دونه غسل ما بقى من الساعد و رأس العضد للاصل و حسنة رفاعة عن ابي‏جعفر7 انه سئل عن الاقطع اليد و الرجل كيف يتوضأ؟ قال يغسل ذلك المكان الذى قطع منه. و حمل الحديث على قطع ما دون المرفق لادليل عليه و غسل المرفق واجب كما صرح فى حديث ابن‏عروة و هو الموصل بين عظم الذراع و العضد فاذا قطع الذراع باسرها يجب غسل ما بقى من المرفق و هو رأس العضد و هو المكان الذى قطع منه.

و امّا ما رواه على بن

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 90 *»

جعفر عن اخيه موسى بن جعفر8 حيث قال سألته عن رجل قطعت يده من المرفق كيف يتوضأ؟ قال يغسل ما بقى من عضده فمحمول على استحباب غسل العضد لبقاء محل الوضوء و هو رأسه و مع بقاء المحل لايجب غسل ما سواه اجماعاً.

الخامسة يجب فى غسل الوجه و اليدين الاستيعاب فان كان فيها زوائد كالاصابع او غيرها يجب غسل الجميع للكتاب و السنة كما فى صحيحة زرارة قال قلت لابي‏جعفر7 الا تخبرنى من اين علمت و قلت ان المسح ببعض الرأس و بعض الرّجلين؟ فضحك و قال يا زرارة قاله رسول‌اللّه9 و نزل به الكتاب من اللّه عزوجل لان اللّه عزوجل قال فاغسلوا وجوهكم فعرفنا ان الوجه كله ينبغى ان‏يغسل ثم قال و ايديكم الى المرافق فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه فعرفنا انه ينبغى لهما ان‏يغسلا الى المرفقين الخ. و ليس فى المسألة خلاف حتى تحتاج الى بيان ازيد من ذلك.

السادسة يجب مسح الرأس و الرجلين بالادلة الثلاثة و يكفى فيه المسمى بالكتاب و السنة كما فى الصحيح المتقدم عن زرارة الى ان قال7 ثم فصل بين الكلام فقال و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال برؤسكم ان المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثم وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال و ارجلكم الى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس ان المسح على بعضهما ثم فسّر ذلك رسول‌اللّه9 للناس فضيعوه انتهى. فكما لا فرق بين غسل الوجه و اليدين لا فرق بين مسح الرأس و الرجلين لاستدلاله7 بان المعطوف و المعطوف‏عليه مشتركان فى الحكم فلاوجه للتفريق بين مسح الرأس و بين مسح الرجلين.

و بيّن ذلك البعض ما رواه زرارة و اخوه بُكير فى الصحيح ايضاً عن ابي‏جعفر7انه قال اذا مسحت بشىء من رأسك او بشىء من

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 91 *»

قدميك ما بين كعبيك الى اطراف الاصابع فقد اجزأك. و ما روى عن الحسين قال قلت لابي‏عبداللّه7 رجل يتوضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال ليدخل اصبعه. و ما روى عن حماد بن عيسى فى الصحيح عن بعض اصحابه عن احدهما8 فى الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدم رأسه. و ما روى انه سئل موسى بن جعفر8 عن الرجل يكون خفّه مخرّقاً فيدخل يده و يمسح ظهر قدميه أ يجزيه؟ فقال نعم. فكل ذلك مع عدم وجوب استبطان الشّراك جملة يدل على جواز الاكتفاء بالمسمى فى مسح الرأس و الرجلين كليهما.

ولكن ذهب كثير من الاصحاب الى جواز الاكتفاء بالمسمى فى الرجلين عرضاً و لا دليل لهم على المدعى صريحاً و لعلهم تمسكوا بقوله7 فى صحيحة ابن‏بكير ما بين كعبيك الى اطراف الاصابع و الظاهر انه لبيان موضع المسح اى بأى جزء من ذلك الموضع مسحته فقد اجزأك و تخصيص جواز الاكتفاء بالمسمى بالعرض يحتاج الى دليل و ليس فى الاخبار الى ذلك سبيل نعم الاحتياط طريق النجاة كما ذهب اليه بعض الفقهاء الاخيار.

و اما صحيحة احمد بن محمد بن ابي‏نصر عن مولانا الرضا7 حيث قال سألته عن المسح على القدمين كيف هو فوضع كفه على الاصابع فمسحها الى الكعبين الى ظاهر القدم. فقلت جعلت فداك لو ان رجلاً قال باصبعين من اصابعه قال لا الّا بكفه. فبعد ورود الاخبار الصراح و استدلال الامام7 بفائدة الباء الدّاخلة على مفعول المتعدى بالنفس و نقل كثير من الاصحاب الاجماع على جواز الاكتفاء بالمسمى لاتدلّ على وجوب الاستيعاب. نعم قوله7 لا الّا بكفه يدل على تأكد الاستحباب.

فالقول بانه لولا نقل الاجماع على انه يكفى فى مسح الرجلين مسماه لامكن القول بوجوب المسح بالكف كلها لصراحة خبر احمد بن محمد و اجمال

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 92 *»

ما ينافيه خارج عن الصواب و اىّ اجمال جوّزه الاحتمال بعد الاستدلال بفائدة الباء و التصريح بلفظ البعض و الشىء المنكّر و الاصبع فلايبقى مجال انكار جواز المسمى. و كذلك صحيحة زرارة قال قال ابوجعفر7المرأة يجزيها من مسح الرأس ان‏تمسح مقدمه قدر ثلث اصابع و لاتلقى عنها خمارها. و رواية معمر بن عمر عن ابي‏جعفر7 قال يجزى فى المسح على الرأس موضع ثلث اصابع. و كذلك الرجل محمول على الاستحباب لصدق الامتثال بالمسمى و التصريح به فى الاخبار.

و ربما يستدل بهذين الخبرين على وجوب مسح ثلث اصابع تمسكاً بان الاجزاء انما يستعمل فى اقل الواجب. و بعد تقدير التسليم نقول لو لم‏يكن فى ساير الاخبار تصريح بجوازه لجزمنا بوجوب ثلث اصابع اما بعد التصريح فلايبقى لنا الاشكال فى الاستحباب. و عن بعض الاصحاب وجوب ثلث اصابع مع الاختيار. و مع الخوف من البرد من كشف الرأس جواز مقدار اصبع واحدة. و الظاهر انه تمسك برواية الحسين حيث قال قلت لابي‏عبداللّه7 رجل توضأ و هو معتم فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد فقال ليدخل اصبعه.

و محض وقوع لفظ فى السؤال لايسوّغ التمسك به لانه ربما كان خارجاً من متعلقات الحكم كما يكون الامر فى هذا الموضع كذلك لانه ورد مثل هذا الجواب بعينه لغير هذا السّؤال فى ما رواه حماد بن عيسى عن بعض اصحابه عن احدهما8 فى الرجل يتوضأ و عليه العمامة قال يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدم رأسه. و القول بحمل المطلق على المقيد اجتهاد غير متبع مع ان الاستدلال السابق يأتى هنا ايضاً.

و يختص مسح الرأس بمقدمه سواء كان على بشرته او على شعره النابت عليه الذى لم‏يتجاوز عنه لعدم صدق المقدم عليه لاخبار مستفيضة. منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابي‏عبداللّه7 قال مسح الرأس

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 93 *»

على مقدمه. و صحيحة زرارة عن الباقر7 ان اللّه وتر يحب الوتر الى ان قال7 و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك و هى الشعر النابت فى مقدم الرأس و مسح الرجلين على ظاهرهما من الكعبين الى اطراف الاصابع لما مرّ من الاخبار. و ما ورد على خلافها تقية اتفاقاً لموافقة بعضها مذهب العامة و موافقة بعضها لبعضهم.

و امّا الكعبان فقد اختلف الاصحاب فى تعيينهما فذهب الاكثر الى انهما العظمان الناتئان فى وسط القدم و الاقلّ على انهما المفصلان بين الساق و القدم و كل منهما تمسك باللغة و الاخبار و ردّ الاخر. و الحق ان الكعب يطلق على المفصل و على العظم الناشز فى وسط القدم كليهما فى اللغة و الاخبار كليهما.

و الذى يدل على اطلاق الكعب للمفصل قول صاحب القاموس حيث قال الكعب كل مفصل للعظام فهذا المفصل احد الافراد. و من الاخبار صحيحة ابنى اعين عن ابي‏جعفر7 حيث قالا له اصلحك اللّه فأين الكعبان؟ قال هنا يعنى المفصل دون عظم الساق.

و الذى يدل على اطلاقه للعظم الناشز فى وسط القدم من اللغة قول صاحب القاموس ايضاً حيث قال الكعب كل مفصل للعظام و العظم الناشز فوق القدم و قول ابن‏اثير فى النهاية حيث قال الكعبان العظمان الناتئان عند مفصل الساق و القدم عن الجنبين.

و ذهب قوم الى انهما العظمان اللذان فى ظهر القدم و هو مذهب الشيعة و قال فيها ايضاً كل شىء علا و ارتفع فهو كعب. و من الاخبار ما روى عن ميسر عن ابي‏جعفر7 انه وضع يده على ظهر القدم ثم قال هذا هو الكعب و يدل على ذلك اخبار اخر. فظهر ان الكعب يطلق على كلا الموضعين فى اللغة و الشرع فلانحتاج الى اثبات قول و ردّ قول اخر فبأيهما وصل المسح جي‏ء بالمأمور به و لاشك ان ايصاله الى المفصل اولى و افضل لان فيه العمل بالاخبار الواردة فى المقام كلّها.

السابعة يجب ان‏يكون المسح بنداوة الوضوء لصحيحة زرارة

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 94 *»

حيث قال قال ابوجعفر7 ان اللّه وتر يحب الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلث غرفات واحدة للوجه و اثنتان للذراعين و تمسح ببلة يمناك ناصيتك و ما بقى من بلّة يمناك ظهر قدمك اليمنى و تمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى و للاخبار الواردة فى الوضوءات البيانية و غيرها.

و اما ما روى عن معمر بن خلاد حيث قال سألت اباالحسن7 أيجزى الرجل ان‏يمسح قدمه بفضل رأسه؟ فقال برأسه لا فقلت بماء جديد؟ فقال برأسه نعم. و ما روى عن ابي‏بصير قال سألت اباعبداللّه7 عن مسح الرأس قلت امسح بما فى يدى من الندا رأسى؟ قال لا بل تضع يدك فى الماء ثم تمسح فمحمولان على التقية قطعاً اذ لاخلاف فى جواز المسح بالندا للاخبار المستفيضة فالنهى فى هذين الخبرين عن الجواز دليل قطعى بانهما قدصدرا تقية فلايجوز العمل بهما قطعاً.

و القول بان المستفاد من تلك الاخبار المستفيضة بيان احد الافراد و ذلك لاينافى جواز فرد آخر ايضاً مردود، بان بيان مجملات الكتاب كلها على النبى و الامام8 اذ لايعلم المراد منها من سواهم قطعاً اذ ليسوا بنبى و لاوصى نبى و ما وصل الينا منهم: هو الفرد الخاص و ليس لاحد اثبات فرد آخر لاحتمال اللفظ و ليس بمستقل فى فهم المراد من الفاظ الكتاب مستغن عن الائمة الاطياب:اذ لم‏يوح اليه شىء قطعاً فلايبقى سبيل الا الى الفرد الخاص. و هذه قاعدة جارية فى جميع ابواب الفقه بل فى جميع امور الدين.

و لايشترط فى المسح جفاف المحل و لاغلبة رطوبة اليد عليه لاطلاق الامر و صدق الامتثال كما لايشترط فى الغسل كما ذهب اليه جمع من الاصحاب. و القول بانه مع رطوبة المحل يحصل المسح بماء جديد مردود بان رطوبة الماء لايمنع وصول الندا الى المحل هذا. و مالنا و للاستدلال بغير الاخبار فى الدين و الاستدلال بغيرها كلها اجتهادات غير متبعة بل

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 95 *»

و لاجايزة.

و لو جف ما على اليد من الندا اخذ من ساير الاعضاء التى بقى فيها شىء كاللحية و الحاجب و الاشفار فان لم‏يبق فيها شىء من الندا فليعد الوضوء و لايجوز استيناف ماء جديد للاخبار المستفيضة. منها رواية محمد بن على بن الحسين قال قال الصادق7 ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوءك فان لم‏يكن بقى فى يدك من نداوة وضوءك شىء فخذ ما بقى منه فى لحيتك و امسح به رأسك و رجليك و ان لم‏يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و اشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك فان لم‏يبق من بلة وضوءك شىء اعد الوضوء.

و اما ما روى عن جعفر ابي‏عمار قال سألت جعفر بن محمد7 امسح رأسى ببلل يدى؟ قال خذ لرأسك ماء جديداً و كذلك الخبران اللذان قد مرا آنفاً لاتدل على جواز اخذ ماء جديد بعد جفاف اليد بل تدل على وجوب اخذ ماء جديد مع بقاء البلل و ذلك فاسد اتفاقاً فلم‏يبق ريب فى صدورها تقية.

الثامنة يجوز المسح مقبلاً و مدبراً للصحاح المستفيضة. منها صحيحة حماد بن عيسى عن ابي‏عبداللّه7 قال لابأس بمسح الوضوء مقبلاً و مدبراً و صحيحة حماد بن عثمان عن ابي‏عبداللّه7 قال لابأس بمسح القدمين مقبلاً و مدبراً فلاوجه لتفضيل الاقبال و كراهة الادبار فى مسح الرأس، و كذلك القول بوجوب الابتداء من رؤس الاصابع و كلاهما اجتهاد فى مقابلة النص، و الاستدلال بالاية المجملة من غير استعانة بالاخبار استغناء عن الائمة الاطهار: و استقلال بالنفس و هو غير جايز قطعاً.

التاسعة لايجوز مسح الرجلين الا على البشرة ما لم‏يكن ضرورة من برد او تقية لعدم صدق الامتثال. و اما فى حال الضرورة فجاز على الحائل لما روى عن ابي‏الورد قال قلت لابي‏جعفر7 ان اباظبيان حدثنى انه رأى علياً7 اراق الماء ثم مسح على الخفين. فقال كذب

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 96 *»

ابوظبيان اما بلغك قول علي7 فيكم سبق الكتاب الخفين؟! فقلت فهل فيهما رخصة؟ فقال لا الا من عدو تقية او ثلج تخاف على رجليك.

اما ما روى عن زرارة قال قلت له فى مسح الخفين تقية؟ فقال ثلث لااتقى فيهن احداً شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج فلايدل على جواز عدم التقية فى جميع القرون و الاشخاص فى هذه الثلث اذ ربما يمكن عدم التقية فى عصر بالنسبة الى شخص. و الذى يظهر من العمومات وجوب التقية فى جميع حالات الضرورة و لذا قال زرارة بعد رواية الحديث: «و لم‏يقل الواجب عليكم ان لاتتقوا فيهن احداً» و يمكن حمله على شدة انكاره7 لجواز استعمال هذه الثلث عند كل تقية الا عند تقية شديدة لانها قابلة للضعف و الشدة.

و اما ما روى عن اسحق بن عمار قال سألت اباعبداللّه7 عن المريض هل له رخصة فى المسح؟ فقال لا فلايدل على عدم جواز المسح على الحائل عند الضرورة لان المريض لايتضرر مطلقاً بالمسح فلاضرورة فان تضرر فلاشك فى جوازه على الحائل كما جاز فى الجبائر. و قيل فى هذه الصورة و امثالها كالجبائر اذا زال السبب اعاد الطهارة لان هذه الطهارة طهارة ضرورية فتقدر بقدر الضرورة، و تردد فى ذلك آخر فعدّه احوط و كلاهما اجتهاد فى مقابلة النص لان النواقض اشياء منصوصة معلومة من قبل الشارع و ليس لاحد ان‏يبتدع ناقضاً من عند نفسه باستدلالات اجتهادية من غير تمسك بالاخبار. فبعد ثبوت شرعية الطهارة بهذه الصورة لاينقضه الا النواقض المنصوصة لاغير و ليس فى البدعة احتياط مطلقاً.

العاشرة يجب الترتيب و الاتباع فى الوضوء اتفاقاً فيغسل الوجه اولاً ثم اليمنى ثم اليسرى ثم يمسح الرأس ثم الرجلان فلو خولف فى ذلك اعيد على ما يحصل معه الترتيب، لما روى فى النصوص المستفيضة. منها صحيحة زرارة حيث قال قال ابوجعفر7 تابع بين الوضوء كما

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 97 *»

قال اللّه عزوجل ابدأ بالوجه ثم باليدين ثم امسح الرأس و الرجلين و لاتقدمنّ شيئاً بين يدى شىء تخالف ما اُمِرت به فان غسلت الذراع قبل الوجه فاغسل الوجه و اعد الذراع و ان مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم اعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّه عزوجل به. و حسنة الحلبى عن ابي‏عبداللّه7قال اذا نسى الرجل ان‏يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه و ان كان انما نسى شماله فليعد شماله و لايعيد على ما كان توضأ. و قال اتبع وضوءك بعضه بعضاً.

و لاترتيب بين الرجلين و ان لم‏يجز تقديم اليسرى على اليمنى لما روى عن محمد بن عبداللّه بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان صلوات‌اللّه‌عليه انه كتب اليه يسأله عن المسح على الرجلين بايهما يبدأ باليمين او يمسح عليهما جميعاً؟ فاجاب7 يمسح عليهما جميعاً معاً فان بدأ باحدهما قبل الاخرى فلايبدأ الا باليمين و الاخبار الدالة على ذلك كثيرة. فيلزم القول بوجوب تقديم اليمنى طرحها نعوذباللّه. فما روى فى تقديمها محمول على الاستحباب و فى ذلك جمع الاخبار و العمل بكلها فلاوجه للقول بوجوب تقديمها.

الحادية‌عشرة لايتحقق الوضوء الا بالموالاة بحيث لايشتغل عن الغسل بين اعضاء الوضوء حتى لايعدّ عرفاً انه متوضأ و يعرف ذلك بجفاف ماسبق من الاعضاء باسرها غالباً لما روى عن ابي‏بصير عن ابي‏عبداللّه7 قال اذا توضأت بعض وضوءك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك فأعد وضوءك فان الوضوء لايبعض. قوله7 فان الوضوء لايبعض يدل [علي ظ] انه فعل واحد لايجوز التراخى بين اعضائه و يقدر زمان التراخى المخلّ بيبس الاعضاء السابقة و فى المقام اخبار كثيرة لانحتاج الى سرد الجميع.

فبذلك ظهر فساد القول بان ثبوت الفورية لاينافى تحقق الامتثال بايجاد الماهية مع الاخلال كما فى الحج و الزكوة و ساير الحقوق المالية

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 98 *»

الفورية اذا اتى بها على التراخى لانه7 صرّح بان الوضوء لايبعض فالمبعض غير ممتثل لايجاد ماهية الوضوء بلاشك. و العجب انه قاس بالحج. و لم‏يلتفت بانه اذا اخل بادائه فى الوقت الاول اتى به فى الوقت الثانى و لايجوز اتيان بعض اركانه فى الوقت الاول و البعض الاخر فى الوقت الثانى هذا و مالنا و القياس فى الدين.

و اشترط بعضهم بقاء البلل على جميع الاعضاء الى مسح الرجلين و ينفيه الاخبار الواردة فيمن نسى المسح حتى دخل فى الصلوة بان يأخذ ما بقى فى اللحية و الاشفار و الحاجب ان لم‏يبق فى يده نداوة.

و الظاهر ان الجفاف المخلّ هو الحاصل بالتراخى كما يدل عليه صحيحة معوية بن عمار قال قلت لابي‏عبداللّه7 ربما توضأت و فقد الماء فدعوت الجارية فأبطأت على بالماء فيجف وضوئى فقال اعد، لا الحاصل من شدة حرّ الهواء و هبوب الرياح لنفى الحرج. و اجاز بعضهم استيناف ماء جديد للمسح لو تعذر بقاء البلل. و ذهب بعضهم الى الانتقال الى التيمم حينئذ لتعذر الوضوء و الظاهر انه من الفروض و التقديرات العقلية التى لم‏يقع فى الخارج ثم الحكم عليها، و بعد اسباغ الوضوء لايتفق هذه الحالة. و متعلقات الاحكام هى الامورات الخارجية التى علم اللّه تعالي انها تقع فجعل لها احكاماً لا التقديرات العقلية فالاعراض من امثال هذه الفروض اولى بل يجب الاعراض عنها لان الفروض العقلية مما لايتناهى و لايمكن لاحد ان‏يستخرج لها احكاماً و العمر اقصر من ان‏يصرف فيها و العمل اكثر من ان‏يشرف عليها.

المطلب الثاني

فى الاحكام المتعلقة بماهية الوضوء فلنعنون لها فروضاً

فـــرض

الواجب فى الغسلات مرة مرة بالاتفاق للكتاب و السنة. اما الكتاب

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 99 *»

فقوله تعالى فاغسلوا الاية و هى مطلقة فيمتثل بمرة واحدة. و اما السنة فلصحاح مستفيضة نذكر منها صحيحة زرارة بن اعين قال حكى لنا ابوجعفر7 وضوء رسول اللّه9 فدعا بقدح من ماء فادخل يده اليمنى فاخذ كفاً من ماء فأسدلها على وجهه من اعلى الوجه ثم مسح بيده الحاجبين جميعاً ثم اعاد اليسرى فى الاناء فأسدلها على اليمنى ثم مسح جوانبها ثم اعاد اليمنى فى الاناء ثم صبّها على اليسرى فصنع بها كما صنع فى اليمنى ثم مسح ببقية ما بقى فى يديه رأسه و رجليه. و ما رواه ابن‏بابويه عن الصادق7 انه قال واللّه ماكان وضوء رسول اللّه9 الا مرة مرة و توضأ النبي9 مرة مرة فقال هذا وضوء لايقبل اللّه الصلوة الا به. و رواية عبدالكريم قال سألت اباعبداللّه7 عن الوضوء فقال ماكان وضوء علي7 الا مرة مرة الى غير ذلك من الاخبار الدالة على المراد.

و اما ما روى فى الصحيح عن معوية بن وهب عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الوضوء فقال مثنى مثنى و امثاله. فبعد ورود الصحاح المستفيضة على الاكتفاء بمرة مرة يحمل على الاستحباب جمعاً كما يأتى ان‏شاء‌اللّه.

و اُورد فى وجه الجمع بانه من المستبعد اقتصار النبى و الائمة عليه و عليهم‌السلام على المرة مع استحباب المرتين لانه9 كان اذا ورد عليه امران كلاهما اطاعة اللّه اخذ باحوطهما و اشدهما على بدنه و كذلك الائمة:، و الجواب عن الاستبعاد انه من اين علم ان النبى و الائمة: اقتصروا على المرة دائماً؟ و اقتصارهم عليها حيناًما ليس الا للتعليم بان الفرض هو المرة الواحدة و ذلك امر عظيم و لو اقتصروا دائماً على المرة لم‏يأمروا الناس على الاثنين.

و اما قوله7واللّه ماكان وضوء رسول اللّه9 الا مرة مرة الخ و كذلك قوله7 ماكان وضوء علي7 الا مرة مرة فمعناه ان الوضوء الواجب الذى امر بتبليغه هكذا

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 100 *»

لايزاد عليه و لاينقص فمن زاد عليه على وجه الوجوب لم‏يوجر و من نقص عنه لم‏يمتثل كما دل عليه بعض الاخبار. و ذلك لاينافى استحباب اثنتين اثنتين و عملهم: به حين لم‏يريدوا التعليم فاذا اقتصروا فى حديث على شىء لاينافيه شىء آخر على وجه آخر كما اقتصروا فى بعض الاخبار بغرفات ثلث و ذلك لاينافى بعض المسنونات من غسل الايدى و المضمضة و الاستنشاق و يأتى تمام القول فى سنن الوضوء ان‏شاءاللّه تعالي.

 

فـــرض

يكفى فى الغسل المسمى بقدر ان‏يبل العضو لاطلاق الاية و الصحاح الصراح كصحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر7 قال انما الوضوء حدّ من حدود اللّه ليعلم من يطيعه و من يعصيه و ان المؤمن لاينجسه شىء انما يكفيه مثل الدهن. و عنه7فى الوضوء قال اذا مس جلدك الماء فحسبك و الدهن بالفتح مصدر دهنه اذا بلّه و بالضم الاسم منه. فبهذا يفرق بينه و بين المسح فى عرف الشارع7 فانه يكفى فيه النداوة و هى غير البلة لانه يمكن ان‏يبقى النداوة و لايبقى الماء و البلة هى وجود الماء كما قال7 اذا مس جلدك الماء فحسبك فلايجزى فيه النداوة.

و القول بان اقل ما يحصل به المسمى ان‏يجرى جزء من الماء على جزئين من البشرة اجتهاد محض. و كذلك القول بان التشبيه بالدَّهن مبالغة فى الاجتراء بالجريان القليل على جهة المجاز لا الحقيقة اجتهاد فى مقابل النص لان مس الماء غير الجريان قطعاً. و رواية محمد بن مسلم اصرح فيما اخترنا حيث رواها عن ابي‏جعفر7 قال يأخذ احدكم الراحة من الدُّهن فيملأ بها جسده و الماء اوسع من ذلك فلايشترط الجريان مطلقاً.

 

فـــرض

لايتحقق الوضوء الا بايصال الماء البشرة التى تحت الموانع كالخاتم و نحوه لوجوب استيعاب المحل فى الغسل و لخصوص صحيحة على بن جعفر

 

 

* الفقه كتاب الطهارة صفحه 101 *»

عن اخيه موسي7 قال سألته عن المرأة عليها السوار و الدملج فى بعض ذراعها لاتدرى يجرى الماء تحتهما ام لا كيف تصنع اذا توضأت او اغتسلت؟ قال تحركه حتى يدخل الماء تحته او تنزعه. و استنبطوا من ذلك وجوب ازالة الوسخ الكائن تحت الظفر المانع من وصول الماء الى ما تحته اذا لم‏يكن فى حد الباطن و احتمال عدم الوجوب بانه لو كان واجباً لبيّنه النبي9 ممنوع بمنع الملازمة لانه9 وجوب [اوجب ظ@]غسل ظواهر البشرة و رفع الحائل و ذهب بعضهم الى استحباب تحريك الخاتم و ما اشبهه مع السعة و لااعرف وجه الاستحباب لانها اذا كانت مانعة من وصول الماء الى البشرة فيجب تحريكها و ان لم‏تكن مانعة فلااستحباب. و نحن نحتاج فى الاحكام الخمسة كلها الى دليل شرعى و ما سوى الدليل الشرعى اجتهاد و هو استغناء عن صاحب الشرع7 فلانسير اليه ان‏شاءاللّه.

 

فـــرض

من كانت الجبائر على بعض اعضاء طهارته و امثالها فان امكن نزعها و لايتضرر من استعمال الماء يجب نزعها لانه لايمكن الامتثال الا به. و ان لم‏يمكن النزع و لايتضرر من استعمال الماء يضعه فى الماء او يصبه عليها حتى يصل اليه لما روى عن عمار عن ابي‏عبداللّه7 فى الرجل ينكسر ساعده او موضع من مواسع الوضوء فلايقدر ان‏يحلّه لحال الجبر اذا جبر كيف يصنع؟ قال7 اذا اراد ان‏يتوضأ فليضع اناء فيه ماء و يضع موضع الجبر فى الماء حتى يصل الماء الى جلده و قد اجزأه ذلك من غير ان‏يحلّه. و فى هذا الحديث دلالة على وجوب الحلّ ان امكن لان السؤال وقع فيمن لم‏يقدر عليه. ففى التخيير بين وضع العضو فى الماء و النزع ان امكن اشكال كما لايخفى.

و ان تضرر بالماء او لم‏يمكنه الحل اكتفى بغسل ما حولها لاخبار كثيرة منها صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال سألت اباابراهيم موسى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 102 *»

بن جعفر7 عن الكسير يكون عليه الجبائر او يكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ قال يغسل ما وصل اليه الغِسْل مما ظهر مما ليس عليه الجبائر و يدع ماسوى ذلك مما لايستطيع غسله و لاينزع الجبائر و لايعبث بجراحته. فقوله7 [ففي قوله ظ@] و يدع ماسوى ذلك مما لايستطيع غسله دلالة واضحة على وجوب غسل ما تحت الجبيرة فى حال الاستطاعة كما مر آنفاً. و كذلك فى قوله7 لايعبث بجراحته اشارة الى ان هذا الحكم مخصوص لمن تضرر بايصال الماء الى الجرح او لم‏يمكنه الحل اذ لم‏يكن عبث ان لم‏يتضرر و يمكنه الحل.

و في ما روى عن الحلبى ايضاً دلالة على ان هذا الحكم مخصوص لمن تضرر بالماء حيث قال7 ان كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة و ان كان لايؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثم ليغسلها و هذا صريح فى وجوب الغسل ان لم‏يؤذه الماء.

و اما ما روى عن محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر7 قال سألته عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب قال لابأس بان لايتغسل و يتيمم و امثاله فمحمول على التضرر بالماء اذ فى صورة امكان استعماله و عدم التضرر به لايجوز التيمم لانه مخصوص فى حال التضرر او الفقدان كما يظهر من ساير الاخبار الواردة فى هذا المقام. منها ما روى عن محمد بن مسكين و غيره عن ابي‏عبداللّه7 قال قيل له ان فلاناً اصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات. فقال قتلوه الاّ سألوا الاّ يمموه ان شفاء العىّ السؤال.

و منها ما روى عنه7 قال ان النبي9 ذكر له ان رجلاً اصابته جنابة على جرح كان به فاُمر بالغُسل فاغتسل فكز فمات فقال رسول اللّه9 قتلوه قتلهم اللّه انما كان دواء العىّ السؤال. و منها ما روى عن اميرالمؤمنين7 قال سألت رسول اللّه9 عن الجبائر تكون على

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 103 *»

الكسير كيف يتوضأ صاحبها و كيف يغتسل اذا اجنب؟ قال يجزيه المسح عليها فى الجنابة و الوضوء. قلت فان كان فى برد يخاف على نفسه اذا افرغ الماء على جسده. فقرأ رسول اللّه9 و لاتقتلوا انفسكم ان اللّه كان بكم رحيماً. ففى ذلك و امثالها دلالة بان الانتقال الى التيمم يكون فى حال التضرر و اما مع عدمه و وجدان الماء و امكان استعماله يشكل القول بالتخيير بين الانتقال الى التيمم و استعمال الماء.

 

فـــرض

لايجب غسل الجروح و القروح و يكتفى بغسل ما حولها للاخبار المستفيضة. منها ما روى عن عبداللّه بن سنان عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الجرح كيف يصنع به صاحبه؟ قال يغسل ما حوله. و ذهب بعضهم الى وجوب اعادة الطهارة بعد زوال العذر قبل الحدث او على تردد و لاوجه له مطلقاً كما مضى فى مبحث المسح فلانعيد الاستدلال لانه يورث الكلال.

 

فـــرض

يجب المباشرة فى الوضوء من دون تولّى الغير اختياراً لوجوب الامتثال و هو لايحصل بدونها قطعاً كيف لا و قد كرهوا: ان‏يستعينوا بالغير فى عبادتهم و لو بصب الماء مع انه خارج عن ماهيته. و استدلوا: فى اخبار كثيرة بقوله تعالى و لايشرك بعبادة ربه احداً و لم‏ينقل فى ذلك خلاف بين اصحابنا سوى عن ابن‏الجنيد. و اما فى حال الاضطرار فيجوز الاستعانة بالغير بل تولّيه اتفاقاً لانه لايمكن الامتثال الا به لبقاء التكليف مع امكانهما و لما روى عن ابي‏عبداللّه7 انه كان وجِعاً شديد الوجع فاصابته جنابة و هو فى مكان بارد. قال فدعوت الغلمة فقلت لهم احملونى فاغسلونى فحملونى و وضعونى على خشبات ثم صبوا علىّ الماء فغسلوني.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 104 *»

فـــرض

من لم‏يقدر على استمساك البول و الدم جمع بين صلوتين بوضوء واحد لما روى عن ابي‏عبداللّه7 انه قال اذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم اذا كان حين الصلوة اتخذ كيساً و جعل فيه قطناً ثم علّقه عليه و ادخل ذكره فيه ثم صلّى يجمع بين الصلوتين الظهر و العصر يؤخر الظهر و يعجل العصر باذان و اقامتين و يؤخر المغرب و يعجل العشاء باذان و اقامتين. و افعل ذلك فى الصبح لان [في ظ@] امره7 بتأخير الاولى و تعجيل الثانية دلالة واضحة على جواز اتيانهما بوضوء واحد و لو لم‏يكن ذلك ليس فى الامر بالتأخير و التعجيل فائدة كما لايخفى هذا اذا لم‏يكن له فترة معتادة تسع الطهارة و الصلوة و الا وجب انتظارها لزوال العذر فلااعادة اذا وقعت اتفاقاً بعد الصلوة فى الوقت لانها وقعت صحيحة.

و قيل بوجوب الوضوء لكل صلوة نظراً الى انه بتجدد الحدث يصير المكلف محدثاً فيجب عليه الطهارة الا انه لما امتنع اعتباره فى هذا المرض مطلقاً وجب اعتباره لكل صلوة مراعاة بمقتضى الحدث بحسب الامكان. و انت تعلم بعد ورود النص لايجوز الاستدلال فى مقابله فى حال من الاحوال و لانسلم صيرورة المكلف محدثاً بتجدد القطرة فى المرض المعروف لانها فى حقه ليست بحدث ناقض لانها لو كانت فى حقه حدثاً لامر الشارع بتجدده تجديد الوضوء فلما لم‏يأمر بتجديده علمنا انها فى حقه ليست بحدث. و على هذا يمكن القول ببقاء الطهارة فى حقه ما لم‏يبل او يحدث بحدث آخر و البول المصدرى غير القطر المصدرى عرفاً فيجوز له ان‏يصلى بوضوء واحد عدة صلوات كما ذهب اليه بعض الاصحاب. و قيل بوجوب المبادرة الى الصلوة بعد الوضوء و لايوجب ذلك الا الاستدلال و ليس فى الاحكام الشرعية لغير كلام المعصوم مجال.

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 105 *»

فـــرض

المبطون ان لم‏يقدر على التحفظ فى جميع اجزاء وقت الصلوة بقدر زمان الطهارة و الصلوة يتطهر و يبنى على صلوته لما روى عن محمد بن مسلم قال سألت اباجعفر7 عن المبطون فقال يبنى على صلوته. و عنه عنه7([13]) قال صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع فى صلوته فيتم مابقى. و ذهب بعض الاصحاب الى عدم انتقاض الطهارة بتجدد الحدث مع عدم امكان التحفظ مستدلاً بان الحدث المذكور لو نقض الطهارة لابطل الصلوة لان شرط صحتها استمرارها و لاشك ان اثبات شرطية الاستمرار فى هذا الموضع موقوف على دليل شرعى و هو منفى. و ادعاء الاجماع فى موضع النزاع غير مجد و انتقاض الطهارة بتجدد الحدث امر قطعي([14]) للاخبار عموماً و خصوصاً و طرح الرواية المعتبرة السند الموافقة للاصل المجمع عليه و العمومات المعتضدة بها المؤيده بعمل الاصحاب غير جايز فتعين ما ذهبنا اليه و الحمدللّه و هىهنا بعض المسائل الفرضية الخيالية و الاعراض عنها اولى لان الفروض الخيالية لاتحصى و العمر اعزّ من ان‏يفنى فيما لاتكليف فيها و لاسيما اذا لزمها القياس و الاستحسان و غير ذلك مما تورث الوساوس و توقع فى الالتباس.

المطلب الثالث

فى سنن الوضوء و مكروهاته و فيه مسائل

سنــــة

يستحب التسمية عند الشروع و التحميد بعده و الدعاء بالمأمور فى اثنائه لما روى عن ابي‏بصير قال قال ابوعبداللّه7 يا بامحمد

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 106 *»

من توضأ فذكر اسم اللّه طهر جميع جسده و من لم‏يسمّ لم‏يطهر من جسده الا ما اصابه الماء. و عنه7 من ذكر اسم اللّه على وضوئه فكأنما اغتسل. و لما روى عن ابي‏جعفر7 اذا وضعت يدك فى الماء فقل بسم اللّه و باللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين. فاذا فرغت فقل الحمدللّه رب العالمين. و لما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال بينا اميرالمؤمنين7 ذات يوم جالس لسايب مع محمد بن الحنفية اذ قال له يا محمد ائتنى باناء من ماء أتوضأ للصلوة فأتاه محمد بالماء فأكفاه بيده اليمنى على يده اليسرى. ثم قال بسم اللّه و باللّه و الحمدللّه الذى جعل الماء طهوراً و لم‏يجعله نجساً. ثم استنجى فقال اللهم حصّن فرجى و اعفّه و استر عورتى و حرّمنى على النار. قال ثم تمضمض فقال اللهم لقّنّى حجتى يوم القاك و اطلق لسانى بذكرك. ثم استنشق فقال اللهم لاتحرّم علىّ ريح الجنة و اجعلنى ممن يشمّ ريحها و روحها و طيبها. قال ثم غسل وجهه فقال اللهم بيّض وجهى يوم تسودّ فيه الوجوه و لاتسوّد وجهى يوم تبيضّ فيه الوجوه. ثم غسل يده اليمنى فقال اللهم اعطنى كتابى بيمينى و الخلد فى الجنان بيسارى و حاسبنى حساباً يسيراً. ثم غسل يده اليسرى فقال اللهم لاتعطنى كتابى بشمالى و لاتجعلها مغلولة الى عنقى و اعوذ بك من مقطّعات النيران. ثم مسح رأسه فقال اللهم غشّنى رحمتك و بركاتك و عفوك. ثم مسح رجليه فقال اللهم ثبّتنى على الصراط يوم تزلّ فيه الاقدام واجعل سعيى فيما يرضيك عنّى ثم رفع رأسه فنظر الى محمد فقال يا محمد من توضأ مثل وضوئى و قال مثل قولى خلق اللّه له من كل قطرة ماء ملكاً يقدّسه و يسبّحه و يكبّره فيكتب اللّه له ثواب ذلك الى يوم القيمة.

و اما ما روى عن ابي‏عبداللّه7 حيث قال ان رجلاً توضأ و صلّى فقال له رسول‌اللّه9 اعد وضوءك و صلوتك ففعل فتوضأ و صلّى فقال له النبي9 اعد وضوءك و صلوتك ففعل و

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 107 *»

توضأ و صلى فقال له النبي9 اعد وضوءك و صلوتك فأتى اميرالمؤمنين فشكا ذلك اليه فقال له هل سمّيت حيث توضأت؟ قال لا قال سمّ على وضوءك فسمّى و توضأ و صلّى فأتى النبي9 فلم‏يأمره ان‏يعيد. فقد طعن فيه بعض الاصحاب بالارسال و طرحه و بعضهم حملوه على الاستحباب و بعضهم جعلوه منسوخاً.

اما طرح الخبر بالارسال فذلك غير جايز لانه قاعدة مستحدثة و لايدل عليها كتاب و لاسنة و انما الواجب قبول خبر الثقة لا التفحص عمن اخبره و لاسيما فى مثل هذا المرسل حيث رواه ابن ابي‏عمير عن بعض اصحابنا و لاشك ان بعض اصحابنا اقوى ممن اخبر عنه مطلقاً. و اما وجه النسخ فلايخلو من ضعف ايضاً لان التسمية لو كان واجباً فى عصره9 لوجب تعليمه ايضاً كساير افعال الوضوء و لصار معروفاً كساير افعاله و لماخفى على المتوضئ.

و لايقال انه9 علّم ذلك و لم‏يبلغ المتوضئ لان التعليم هو الابلاغ. و لايقال انه9علّمه بهذه الصنيعة لانها تصنع بمن سمع امراً و علم حسنه ثم تركه استخفافاً به لا بالجاهل المحض و رسم تعليمه هو القول الصريح اول مرة كما لايخفى على اهل السياسة فحمله على شدة تأكد التسمية اولى كما دل عليه ساير الاخبار.

 

سنــــة

يستحب السواك عند الوضوء للاخبار المستفيضة فى وصية النبي9 لعلي7 و غيرها و منها السواك شطر الوضوء فمن نسيه قبله يستحب له ان‏يستاك بعده و يتمضمض ثلث مرات كما فى الخبر.

 

سنــــة

يستحب غسل اليدين قبل الوضوء من حدث النوم او البول مرة و من الغائط مرتين لما روى فى الصحيح عن الحلبى عن ابي‏عبداللّه7

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 108 *»

قال سئل كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل ان‏يدخلها فى الاناء؟ قال واحدة من حدث البول و اثنتان من الغائط و ثلث من الجنابة.

و عن ابن‏عتبة الهاشمى قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل يبول و لم‏يمس يده اليمنى شىء أيدخلها فى وضوءه قبل ان‏يغسلها؟ قال لا حتى يغسلها قلت فانه استيقظ من نومه و لم‏يبل أيدخل يده فى وضوءه قبل ان‏يغسلها؟ قال لا لانه لايدرى حيث باتت يده فليغسلها. و الاكثر على استحباب الغسل اذا كان الوضوء من اناء يمكن الاغتراف منه لانه موقع السؤال و ذهب بعضهم الى تعميم الاستحباب سواء كان الوضوء من اناء يمكن الاغتراف منه ام لا و سواء كان الماء قليلاً ام لا رعاية لجانب التعبّد و ضعّفه الاخرون لضعف استدلاله.

و مقتضى رواية محمد بن على بن الحسين عن الصادق7 هو التعميم حيث قال قال الصادق7 اغسل يدك من البول مرة و من الغائط مرتين و من الجنابة ثلثاً. قال و قال7 اغسل يدك من النوم مرة. و كذلك مقتضى رواية حريز عن ابي‏جعفر7 قال يغسل الرجل يده من النوم مرة و من الغائط و البول مرتين و من الجنابة ثلثاً. اما عد البول مع الغائط فى هذا الخبر فاما محمول على افضلية المرتين للبول ايضاً او على اجتماعهما معاً كما ذهب اليه بعض الاصحاب.

و اما ما يدل على جواز تركه فما روى عن محمد بن مسلم عن احدهما8 قال سألته عن الرجل يبول و لايمس يده اليمنى شيئاً أيغمسها فى الماء؟ قال نعم و ان كان جنباً انتهى و غير ذلك من الاخبار الدالة على جواز تركه.

 

سنــــة

يستحب المضمضة و الاستنشاق قبل الوضوء لما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال المضمضة و الاستنشاق مما سنّ رسول اللّه9. و ما روى عن سماعة قال سألته عنهما قال هما من السنة فان نسيتهما لم‏يكن عليك اعادة.

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 109 *»

و نقل عن بعض الاصحاب عدم كونهما من الوضوء لا من فروضه و لا من سننه و كأنه استدل عليه بما روى عن زرارة عن ابي‏جعفر7 ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة انما عليك ان‏تغسل ما ظهر انتهى. و لاشك انهما ليسا من اجزاء الوضوء بالكتاب و السنة ولكنهما من المسنونات فيه فالفريضة ما فرضه اللّه و السنة ما سنه رسول اللّه9 سواء كان واجباً او مستحباً فمعنى انهما ليسا بفريضة و لاسنة اى ليسا مما اوجبه اللّه و رسوله9 و انما اوجبا عليك غسل الظواهر حسب و بعد ورود الاخبار المستفيضة باستحبابهما لايبقى شك فى التوجيه المذكور فى خبر زرارة و امثاله و ليس بينه و بين ساير الاخبار الدالة على استحبابهما تعارض حقيقة.

و من الاصحاب من ذهب الى استحبابهما ثلثاً لما روى عن اميرالمؤمنين7 و انظر الى الوضوء فانه من تمام الصلوة تمضمض ثلث مرات و استنشق ثلثاً حملاً للمطلق على المقيد و لا دلالة فى الاخبار على جواز ذلك الحمل. فالقول باستحبابهما مطلقاً و لو مرة و استحباب على الاستحباب و هو الثلث قول موجه.

و منهم من ذهب الى استحباب ثلث اكفّ لكل واحد منهما و ليس فى الاخبار دلالة على ذلك بل يكفى المسمى قطعاً لصدق الامتثال به.

و منهم من اجاز الجمع بينهما بان‌يتمضمض مرة ثم يستنشق مرة و هكذا الى تمام الثلث و ليس فى الاخبار ايضاً دلالة على ذلك بل هى صريحة فى تقديم المضمضة على الاستنشاق قولاً و فعلاً كما مر من فعل اميرالمؤمنين7

 

سنــــة

يستحب الوضوء مثنى مثنى للاخبار المستفيضة. منها ما روى فى الصحيح عن معوية بن وهب عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الوضوء فقال مثنى مثنى. و قد حملها بعض المحدثين على الوضوء التجديدى او على الجواز لا الاستحباب او على التقية و ذهبوا الى افضلية مرة مرة و استدلوا

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 110 *»

بالاخبار الواردة فى الوضوءات البيانية و بأنهم: كانوا اذا ورد عليهم امران كلاهما اطاعة للّه تعالى اخذوا بأشدهما على ابدانهم.

اما حملها على الوضوء التجديدى فلاشك انه خلاف الظاهر بل يأباه بعض ما روى فى المقام كما روى عن ابي‏عبداللّه7 حيث قال يا داود بن زربى توضأ مثنى مثنى و لاتزدن عليه و انك ان زدت عليه فلاصلوة لك و لاشك ان معنى مثنى مثنى هو الغرفتان لكل عضو لاوضوءان لقوله و لاتزدن عليه الخ فان بالزيادة يصير الوضوء ثلثاً ثلثاً و هو بدعة من العامة فكما لايمكن حمل ثلثاً ثلثاً على ثلثة وضوءات لايمكن حمل مثنى مثنى على وضوئين فيجب حمل الثلث على الغرفات و حمل المثنى مثنى على الغرفتين.

و اما حملها على الجواز دون الاستحباب يأباه ما روى عن الرضا7 ان الوضوء مرة فريضة و اثنتان اسباغ و ما روى ان مرتين افضل و ما روى من زاد على مرتين لم‏يوجر و ما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال من لم‏يستيقن ان واحدة من الوضوء تجزيه لم‏يوجر على الثنتين و ما روى عن زرارة عن ابي‏عبداللّه7 قال الوضوء مثنى مثنى من زاد لم‏يوجر عليه. و وجه الاستدلال ان الاسباغ هو التوسعة و الاتمام فالمراد من الاسباغ الوارد فى ساير الاخبار كرواية عيسى بن معاذ عن موسى بن جعفر عن ابيه: ان رسول اللّه9 قال لعلي7 و خديجة لما اسلما ان جبرئيل عندى يدعوكما الى بيعة الاسلام و يقول لكما ان للاسلام شروطاً ان‏تقولا نشهد ان لااله الا اللّه الى ان قال و اسباغ الوضوء على المكاره الخ. فالاسباغ الذى هو من شرائط الاسلام هو اثنتان و هو مستحب لان جبرئيل7 قدعدّه مع ساير شرايط الاسلام و اقل مراتبها الاستحباب دون الجواز.

فان قيل ان الاسباغ يمكن بغير اثنتين قلنا نعم ولكن اثنتين ايضاً فرد من افراده كما نص عليه الرضا7. و كذلك ما روى ان مرتين افضل نص فى الاستحباب دون الجواز.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 111 *»

و كذلك فى قوله7 من زاد على مرتين لم‏يوجر دلالة واضحة على اثبات الاجر لمن اقتصر عليهما. و كذا قوله7 من لم‏يستيقن الى آخره يحتمل معنيين الاول انه ربما يغترف من الماء ما يشك فى كفايته لتمام العضو فيكون الغرفة الثانية لتمام الغرفة الاولى فلايوجر على الثنتين لانهما بمنزلة غرفة واحدة. و الثانى انه زعم ان الغرفة الواحدة لايكفيه و لابدّ له ان‏يغترف اثنتين فهذا ايضاً لايوجر على اثنتين لان زعمه على خلاف الواقع. و على الثانى فمن استيقن ان الغرفة الواحدة تجزيه يوجر على اثنتين بحكم المفهوم فثبوت الاجر دال على ثبوت الاستحباب.

و اما حملها على التقية ايضاً غير سديد لان التقية تقع فى الوضوء ثلثاً ثلثاً دون اثنتين اثنتين فحملها على الاستحباب مما لامحيص عنه. و لماحملوها على الوجه البعيد فى غاية البعد و رأوا انه بعيد جداً حملوها على وجه الترديد كما عرفت.

و اما الاستدلال بانه اذا ورد عليهم: امران كلاهما اطاعة للّه اخذوا اشدهما على ابدانهم مسلّم فى غير موضع بيان الوجوب. اما فى موضع البيان فيجوز لهم: ترك الاولى بل فعل المكروه لبيان جواز الفعل و الترك فيهما. و اما فى غير موضع البيان فلاشك انهم: لم‏يتركوا الاولى و لم‏يفعلوا ما هو تركه الاولى كما روى فى هذا المقام عن ابي‏عبداللّه7 انى لاعجب ممن يرغب ان‏يتوضأ اثنتين اثنتين و قد توضأ رسول‌اللّه9 اثنتين اثنتين. و العجب منهم انهم حملوا جميع الاخبار الواردة فى المقام على الوضوء التجديدى و صرفوها عن ظواهرها ثم ترددوا فيه و حملوها على غيره. و اعجب من ذلك حمل قوله7 فى مرتين اسباغ على الوضوئين و عدّ الثانى اسباغاً للاول.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 112 *»

سنــــة

ينبغى ان‏يبدأ الرجل بظاهر ذراعيه و المرأة بباطنهما لما روى عن الرضا7 انه قال فرض اللّه على النساء فى الوضوء للصلوة ان‏يبدأن بباطن اذرعهن و فى الرجال بظاهر الذراع و حمله الاصحاب على الاستحباب لوجود اسحق بن ابرهيم فى سنده و هو مجهول فضعّفوه لذلك و حملوه على الاستحباب من باب تجويزهم التسامح فى ادلة السنن و لاريب فى عدم جواز ذلك لان الاحكام الخمسة كلها تحتاج الى دليل شرعى من الكتاب و السنة و لايجوز التسامح فى شىء منها. و الاستدلال عليه بما معناه ان من وصل اليه شىء من الثواب فى عمل من الاعمال فعمل لاجله اثابه اللّه بذلك و ان لم‏يكن ما وصل اليه من عند اللّه تعالى فى الواقع لاخصوصية له بالسنن فهو جار فى الكل و تخصيصه بالسنن اجتهاد صرف و ذلك مما لايجوز ولكنه لو كان امراً واجباً لما خلى اعصار الائمة السابقة على الرضا: من بيان ذلك و لاسيما فى عصر الصادقين:. و قد ورد اخبار كثيرة فى الوضوءات البيانية و غيرها و هى خالية عن ذلك و قد ورد عن الرضا7 ما معناه ان رخصنا فى شىء فذلك فضل و سنة.

و من الاصحاب من ذهب الى استحباب ابتداء الرجل بظاهر الذراع فى الغسلة الاولى و بباطنها فى الثانية و المرأة بعكس ذلك و كأنه استنبط من لفظة يبدأن بباطن اذرعهن الختم بظاهرها و كذا العكس فى الرجال لان للشروع ابتداء و انتهاء ابتداؤه الغرفة الاولى و انتهاؤه الغرفة الثانية. فاذا علم الابتداء فى موضع يعلم الانتهاء فى الموضع المقابل لذلك الموضع و ان لم‏يذكر فى اللفظ لان لكل ابتداء انتهاء و لكل انتهاء ابتداء. و ذلك الاستنباط بعيد عن الصواب اذ ليس فى الخبر ذكر من الغسلة الاولى و الثانية بل هو مطلق فى الامر بالابتداء بظاهر الذراع للرجال و بباطنها للنساء سواء كان الوضوء واحدة واحدة او مثنى مثنى. و لاجل غاية بعد هذا الاستنباط لم‏يعرف كثير من

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 113 *»

الاصحاب وجهه و مستنده([15])

 

سنــــة

يستحب الاغتراف باليمين لما روى عن ابي‏عبداللّه7 فى حديث المعراج الى ان قال فتلقى رسول اللّه9 الماء بيده اليمنى فمن اجل ذلك صار الوضوء باليمين و ما روى عن ابي‏جعفر7 فى الوضوء البيانى الى ان قال محمد بن مسلم: فادخل يده فى الاناء و لم‏يغسل يده فأخذ كفاً من ماء فصبّه على وجهه ثم مسح جانبيه حتى مسحه كله ثم اخذ كفاً اخر بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الايمن الحديث. و وجه الاستحباب دون الوجوب انه ورد فى اخبار اُخر الاخذ باليسار كما روى عنه7 فى موضع البيان الى ان قال زرارة: ثم غمس كفه اليسرى فغرف بها غرفة فافرغ على ذراعه اليمنى الحديث. و كذا يستحب مؤكداً ان‏يغسل الوجه بها لما روى فى اخبار كثيرة.

و اما وجه جواز غسله باليسرى فلما روى عن بكير و زرارة بن اعين حيث سألا اباجعفر7 عن وضوء رسول‌اللّه9 فدعا بطست او بتور فيه ماء فغسل كفيه ثم غمس كفه اليمنى فى التور فغسل وجهه بها و استعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه الخ.

 

سنــــة

يستحب صفق الوجه بالماء دون اللطم و الضرب الشديد لما روى عن ابي‏عبداللّه7قال اذا توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء الخ.

و كذا يستحب فتح العين حين الغسل لما روى عن النبي9 افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لاترى نار جهنم و كذا يستحب اسباغ الوضوء للاخبار الكثيرة منها ما روى عن النبي9 اسبغ الوضوء تمر

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 114 *»

على الصراط مر السحاب.

 

سنــــة

يستحب امرار اليد فى الغسلتين لما روى عن ابي‏جرير الرقاشى قال قلت لابي‏الحسن موسي7 كيف اتوضأ للصلوة؟ فقال لاتعمق فى الوضوء و لاتلطم وجهك بالماء لطماً ولكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحاً و كذلك فامسح الماء على ذراعيك الحديث. و من الاصحاب من اوجبه لظواهر الاخبار البيانية و غيرها و الجمهور على خلافه لصدق الغسل بدون الامرار و لاذنهم: فى بعض المواضع كما ورد فى كيفية وضوء المجبور.

 

سنــــة

يستحب اسباغ الوضوء بمد من ماء للروايات المستفيضة. منها صحيحة زرارة عن ابي‏جعفر7 قال كان رسول‌اللّه9 يتوضأ بمد و يغتسل بصاع و المد وزن مأتين و اثنين و تسعين درهماً و نصف درهم كما يظهر من الاخبار. و الدرهم ستة دوانيق و الدانق([16]) و القول بان المد لايكاد يبلغه الوضوء فيمكن ان‏يدخل فيه ماء الاستنجاء استبعاد غير بعيد كما يظهر من بعض الاخبار اذا كان الاستنجاء من البول خاصة فادخاله فيه مطلقاً لايخلو من بعد. و كذا قوله لايكاد لايخلو من بعد لانه يستعمل فى الوضوء اربع‌عشرة غرفة و هى تبلغ مداً او قريباً منه.

 

سنــــة

يستحب ترك مسح بلل اعضاء الوضوء بالمنديل حتى يجف بنفسه لما روى عن ابي‏عبداللّه7 من توضأ و تمندل كتب له حسنة و من توضأ و لم‏يتمندل حتى يجف وضوءه كتب له ثلثون حسنة و ليس فى فعله كراهة مطلقاً لرواية منصور بن جازم قال رأيت اباعبداللّه7 قد توضأ و

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 115 *»

هو محرم ثم اخذ منديلاً فمسح به وجهه الحديث. و المشهور انه من مكروهات الوضوء و الروايات خالية عنه و ليس ترك المستحب بمكروه كما حقق فى الاصول. و الحق بعضهم بالمسح تجفيفه بالنار و امثالها و ليس ذلك الا استنباط غير متبع.

 

سنــــة

 

يكره استعانة الغير فى الوضوء اختياراً و المراد بها الاستعانة فى ماهيته فى الجملة كصب الماء فى اليد لا مطلقاً كاحضاره خلافاً لبعض الاصحاب حيث اطلقوا القول فالذى يدل على الاول اخبار كثيرة منها رواية الحسن بن على الوشا قال دخلت على الرضا7 و بين يديه ابريق يريد ان‏يتهيأ منه للصلوة فدنوت منه لاصبّ عليه فأبى ذلك و قال مه يا حسن فقلت له لم‏تنهانى ان اصبّ على يديك تكره ان اوجر؟ قال توجر انت و اوزر انا فقلت و كيف ذلك؟ فقال اما سمعت اللّه عزوجل يقول فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لايشرك بعبادة ربه احداً وها انا ذا اتوضأ للصلوة و هى العبادة فأكره ان‏يشركنى فيها احد انتهى. و الذى يدل على الثانى امرهم: باحضار الماء للوضوء فى مواضع عديدة.

و اما وجه الجواز فلان صب الماء فى اليد ليس بداخل فى فعل ماهيته و لما روى عن ابي‏عبيدة الحذاء قال وضأت اباجعفر7 بجمع و قد بال فناولته ماء فاستنجى ثم صببت عليه كفاً فغسل به وجهه و كفاً غسل به ذراعه و كفاً غسل به ذراعه الايسر الحديث.

 

سنــــة

يكره التعمق فى الوضوء و اللطم و الضرب الشديد لما روى عن ابي‏جرير الرقاشى قال قلت لابي‏الحسن موسي7 كيف اتوضأ للصلوة؟ فقال لاتعمق فى الوضوء و لاتلطم وجهك بالماء لطماً ولكن اغسله من اعلى وجهك الى اسفله بالماء مسحاً الحديث.

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 116 *»

سنــــة

يكره الوضوء من حدث البول و الغائط فى المسجد دون الحدث الواقع فيه لما روى عن رفاعة قال سألت اباعبداللّه7 عن الوضوء فى المسجد فكرهه من البول و الغائط انتهى. و اما ما وقع فيه فليس فيه كراهة لما روى عن بكير بن اعين عن احدهما8 قال اذا كان الحدث فى المسجد فلابأس بالوضوء فى المسجد.

المطلب الرابع

فى ساير احكام الوضوء و فيه فروض

فـــرض

من تيقن بطهارة ثم شك فى طريان حدث او ظنه لايجوز له التطهير وجوباً اتفاقاً للاخبار المستفيضة منها ما روى عن ابن‏بكير عن ابيه قال قال ابوعبداللّه7 اذا استيقنت انك قداحدثت فتوضأ و اياك و ان‏تحدث وضوءاً ابداً حتى تستيقن انك قداحدثت. و منها ما روى فى الصحيح عن زرارة الى ان قال7 و لاينقض اليقين ابداً بالشك و انما ينقضه بيقين آخر انتهى. يستنبط من امثال هذه الاخبار قاعدة كلية شريفة جارية فى جزئياتها الواقعة فى الشريعة و هى انه لايجوز ازالة يقين الا بيقين مثله فالمكلف ما لم‏يعلم انتقاله عن حالة من حالاته الى حالة اخرى فهو على الحالة الاولى و لها حكمها المعلوم من الشارع7 فاذا علم انتقاله عنها الى اخرى فلها ايضاً حكمها شرعاً لا الحكم الحالة الاولى فله حكم واحد ما لم‏يعلم الانتقال و ان شك فيه كما اذا لم‏يشك فيه طبعاً فبذلك يعلم الفرق بينهما و بين الاستصحاب المنهى عنه فى الاخبار لانه هو قياس حكم حالة بحالة بشروطه المذكورة فى محله فتدبر.

 

فـــرض

من تيقن الحدث ثم شك فى الطهارة او ظنها او تيقّنهما و لم‏يعلم السابق

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 117 *»

لم‏يكن متطهراً لانه لم‏يعلم انتقاله الى التطهر و ما لم‏يعلمه فهو محدث شرعاً و ان وقع الطهارة فى الواقع بعد الحدث فى الصورتين كما عرف من القاعدة الشريفة آنفاً فيكلف بالتطهير اليقينى للاشتغال اليقينى.

و من الاصحاب من اعتبر الحالة السابقة فى الصورة الثانية فمنهم من اخذ بضدها و منهم من اخذ بمثلها. فتمسك الاول بانه ان كان فيها محدثاً انتقل الى الطهارة اليقينية فارتفع الاحداث السابقة بها و تأخر الحدث عنها غير معلوم فهو على يقين فى الطهارة شاك فى الحدث فهو متطهر و ان كان الفرض بالعكس فالعكس. و ماادرى ما يرجّح فى نظره واحداً منهما و هما سيّان فعلى هذا يمكن الاستدلال بانه انتقل من الحدث الى حدث يقينى و تأخر الطهارة عنه غير معلوم فيكون محدثاً لانه كان متيقناً فى الحدث شاكّاً فى الطهارة فما وجه الترجيح لاحد الطرفين دون الاخر؟ فالحق فى المسئلة هو المختار كما لايخفى.

و اما الثانى فقد فرض للمسئلة صورة خارجة عن باب الشك و زعمها منه غفلة و هى كما حُكِيت عنه اذا تيقن عند الزوال انه نقض طهارة و توضأ عن حدث و شك فى السابق فانه يستصحب حاله السابق على الزوال فان كان فى تلك الحال متطهراً فهو على طهارته لانه تيقن انه نقض تلك الطهارة ثم توضأ و لايمكن ان‏يتوضأ عن حدث مع بقاء تلك الطهارة و نقض الطهارة الثانية مشكوك فيه فلايزول اليقين بالشك و ان كان قبل الزوال محدثاً فهو الآن محدث لانه تيقن انه انتقل عنه الى الطهارة ثم نقضها و الطهارة بعد نقضها مشكوك فيها انتهى.

و لايخفى انه ان كان قبل الزوال متطهراً و نقض تلك الطهارة ثم توضأ لم‏يبق للطهارة الثانية ناقض مطلقاً حتى يكون مشكوكاً فيه ام لا لانه فرض ناقضاً واحداً و طهارة واحدة عن حدث فبعد العلم بأنه كان قبل الزوال متطهراً يقع النقض على تلك الطهارة لامحالة كما صرح به الفارض فالطهارة الثانية تقع بعد الناقض لامحالة لانها تكون عن حدث و ليس فى الفرض

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 118 *»

حدث آخر يشك فيه. نعم يمكن الشك بعد ذلك ولكنه خارج عن صورة المسئلة بالكلية لانه علم ان الشك فى الحدث وقع بعد العلم بالطهارة. و كذا اذا كان قبل الزوال محدثاً يقع الطهارة بعده لامحالة لانها تكون عن حدث فيقع النقض عليها لامحالة و ليس فى الفرض طهارة اخرى مشكوك فيها نعم يمكن حصول شك فى طهارة بعد ذلك ولكنه خارج عن صورة المسئلة كما عرفت فظهر عدم مدخلية فرضه فى باب الشك مطلقاً.

 

فـــرض

من شك فى شىء من افعال الوضوء حين الاشتغال به اتى به و بما بعده لحصول الترتيب لان اشتغال الذمة اليقينى لايرتفع الا بالبراءة اليقينية و لما روى فى الصحيح عن ابي‏جعفر7 اذا كنت قاعداً على وضوءك فلم‏تدر أغسلت ذراعيك ام لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انك لم‏تغسله او تمسحه مما سمّى اللّه مادمت فى حال الوضوء الخ فاذا انصرف منه الى غيره لاعبرة بشكه الا اذا شك فى مسح رأسه و وجد بلل الوضوء فى عضو منه فيستحب له مسح رأسه و رجليه به لما روى فى الحديث المذكور فاذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قدصرت فى حال اخرى فى الصلوة او فى غيرها فشككت فى بعض ما سمى اللّه مما اوجب اللّه عليك فيه وضوءه لاشىء عليك فيه فان شككت فى مسح رأسك فأصبت فى لحيتك بللاً فامسح بها عليه و على ظهر قدميك فان لم‏تصب بللاً فلاتنقض الوضوء بالشك و امض فى صلوتك الى اخر الحديث.

و لامنافاة بين هذا الحديث و بين ما روى عن ابي‏عبداللّه7 اذا شككت فى شىء من الوضوء و قددخلت فى غيره فليس شكك بشىء انما الشك اذا كنت فى شىء لم‏تجزه انتهى. لان الضمير فى غيره يرجع الى الوضوء لا الى الشىء و الخبر السابق يبيّن ذلك.

و فى شمول الحكم للكثير الشك و اختصاصه بغيره وجهان من اطلاق الامر و الحرج المنفى. و الذى يدل عليه الاخبار و يساعده صحيح الاعتبار

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 119 *»

هو الثانى لان كثرة الشك من الشيطان اينما وقعت و طاعته محرمة على عباد الرحمن حيثما اتفقت لا اختصاص لها بعمل دون عمل. و ان وقعت فى الاخبار فى محل خاص فلاجل ان ذلك المحل من احد الافراد و التعليلات الواقعة فيها شاهدة على المراد. و مما يدل على ذلك ما روى عن محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر7 قال اذا كثر عليك السهو فامض على صلوتك فانه يوشك ان‏يدعك انما هو من الشيطان.

و ما روى عن زرارة و ابي‏بصير جميعاً قالا قلت له الرجل يشك كثيراً فى صلوته حتى لايدرى كم صلّى و لا ما بقى عليه قال يعيد. قلت فانه يكثر عليه ذلك كلما اعاد شك قال يمضى فى شكه. ثم قال لاتعوّدوا الخبيث من انفسكم نقض الصلوة فتطمعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض احدكم فى الوهم و لايكثرن نقض الصلوة فانه اذا فعل ذلك مرّات لم‏يعد اليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان‏يطاع فاذا عصى لم‏يعد الى احدكم.

و ما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال ذكرت له رجلاً مبتلى بالوضوء و الصلوة و قلت هو رجل عاقل فقال ابوعبداللّه7 و اى عقل له و هو يطيع الشيطان؟ فقال سله هذا الذى يأتيه من اى شىء فانه يقول لك من عمل الشيطان.

و ما روى عن على بن ابي‏حمزة عن رجل صالح7 قال سألته عن الرجل يشك فلايدرى واحدة صلّى الى ان قال فليمض فى صلوته و يتعوذ باللّه من الشيطان فانه يوشك ان‏يذهب عنه انتهى. فما ظهر من تلك الاخبار و ساير الاثار الواردة فى المقام ان كثرة السهو من عمل الشيطان بلاغبار لما وقع فيها من ادوات الحصر و التعليلات كما لايخفى ذلك على اولى الالباب و يجب الاجتناب عنه كما دل عليه الكتاب و الاخبار الواردة فى الباب بحيث لم‏يبق بعدها الارتياب لمن له ادنى مسكة فى فهم المراد من الخطاب.

 

فـــرض

من توضأ وضوئين اما تجديداً او ذهولاً ثم تيقن انه احدث عقيب

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 120 *»

واحد منهما لايكون متطهراً لاحتمال كونه عقيب الثانى فحينئذ يكون شاكاً فى الطهارة فلابد له من التوضؤ لتحصيل البراءة اليقينية فلو صلى بكل واحد منهما صلوة فان اختلفتا لزم عليه اعادتهما جميعاً لاحتمال وقوع الحدث اليقينى عقيب كل واحد من الوضوئين من غير ترجيح فلم‏يكن متطهراً شرعاً فى كلا الحالين يقيناً و ان اتفقتا فعليه اعادة صلوة واحدة لوقوع واحدة منهما بطهارة يقينية فينوى بها ما فى ذمته لصدق الامتثال و جواز الاطلاق فى النية كما ورد به النص فى من نسى فريضة مجهولة من الخمس.

المطلب الخامس

فى موجبات الوضوء و احكامها و فيه فروض

فـــرض

البول و الغائط و الريح عن المخرج المعتاد توجب الوضوء بالاجماع و النصوص المستفيضة منها صحيحة زرارة عن ابي‏عبداللّه7 قال لايوجب الوضوء الا من غائط او بول او ضرطة تسمع صوتها او فسوة تجد ريحها و ما روى عن زرارة قال قلت لابي‏جعفر و ابي‏عبداللّه8 ما ينقض الوضوء؟ قالا ما يخرج من طرفيك الاسفلين من الذكر و الدبر الخبر.

و كذلك الاستحاضة القليلة للنصوص المستفيضة منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7الى ان قال و ان كان الدم لايثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت كل صلوة بوضوء الخبر. فلاوجه للخلاف المنقول عن العمّانى حيث لايوجب به وضوءاً و لاغسلاً.

و النوم الغالب على السمع و البصر و القلب وفاقاً للاكثر للنصوص المستفيضة منها ما روى عن زرارة عن احدهما8 قال لاينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك او النوم. و منها ما روى عن ابن‏المغيرة و محمد بن عبداللّه قالا سألنا الرضا7 عن الرجل ينام على دابته فقال اذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء.

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 121 *»

و منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال اذنان و عينان تنام العينان و لاتنام الاذنان و ذلك لاينقض الوضوء فاذا نامت العينان و الاذنان انتقض الوضوء. و منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال لاينقض الوضوء الا حدث و النوم حدث. و منها ما روى عن ابن‏مهران انه سأله عن الرجل يخفق رأسه و هو فى الصلوة قائماً او راكعاً فقال ليس عليه وضوء انتهى.

و لاينافى ذلك ما روى على خلافها ظاهراً كما روى انه سئل موسى بن جعفر8 عن الرجل يرقد و هو قاعد هل عليه الوضوء؟ فقال لا وضوء عليه مادام قاعداً ان لم‏ينفرج انتهى لان الانفراج لازم للنوم الغالب غالباً. فامثال ذلك كلها محمول على غير الغالب من النوم لانه لايوجب وضوءاً. و يمكن حمل بعضها على التقية و بعضها على الضرورة كما يظهر من نفس الخبر الوارد فى الجمعة لان الاخبار يشرح بعضها بعضاً و يبين بعضها اجمال بعض.

فلاوجه للخلاف المنقول عن ظاهر الصدوقين حيث لم‏يوجبا الوضوء بالنوم و جعلا الحدث الممكن الوقوع فيه سبباً له كما يشعر به بعض الاخبار ولكن الامر لو كان كذلك لما وجب الوضوء بالنوم مطلقاً الا اذا علم وقوع الحدث فيه اذ لاينقض اليقين بالشك ابداً. فظهر ان النوم بنفسه حدث موجب كما روى لاينقض الوضوء الا حدث و النوم حدث.

و لاوجه لالحاق الجنون و السكر و الاغماء بالنوم كما ذهب اليه الاكثرون لدليل التنبيه المستفاد من الاخبار على زعمهم فاذا وجب الوضوء بالنوم الذى يجوز معه الحدث وجب بالجنون و الاغماء و السكر بطريق اولى فعلى هذا ينبغى ان‏يكون من الاسباب الموجبة للوضوء احتمال وقوع الحدث و لم‏يقل به احد. فان قيل احتمال وقوع الحدث فى النوم خاصة من الاسباب الموجبة كما دل عليه بعض الاخبار لاغير فلايبقى وجه صحة الحاق غيره به. و ان قيل وجه صحة الحاق بعض الاشياء به دون بعض هو الاجماع فلااجماع اذ القول بعدم سببية النوم قول بعدم سببيتها ايضاً هذا و ادعاء الاجماع فى مقام ليس باجماع

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 122 *»

قطعاً هذا و لو كان احتمال وقوع الحدث فى النوم سبباً من الاسباب الموجبة لكان القطع بعدم وقوعه فيه باخبار عدلين او امر آخر سبباً لبقاء الوضوء و لم‏يقل به احد. فالنوم بنفسه هو الحدث الموجب للوضوء و الحاق غيره به قياس و لاقياس فى الدين.

و لاينقضه المذى الواقع عقيب الشهوة و التقبيل بشهوة و القهقهة فى الصلوة و الحقنة و مس باطن الفرجين خلافاً لما نقل عن بعض الاصحاب حيث عدها من نواقضه لاخبار معارضة للصحاح المستفيضة الدالة على حصرها فيما ذكر المجمع‌عليها ففى حمل بعضها على الاستحباب و بعضها على التقية جمع الاخبار كما فعله الجمهور هذا. و قد ورد فى عدم نقضها له نصوص صريحة كما يأتى ان‏شاءاللّه فلاوجه فى عدّها من النواقض قطعاً.

و لاينقضه الوذى و الودى و ما يخرج من الدبر من الديدان و حب القرع و المدّة و القيح و الدم غير الدماء الثلثة سواء خرجت من الموضعين ام من غيرهما و الجشاء و القيء و المباشرة و المضاجعة و الانعاظ و النخامة و البصاق و المخاط و التقليم و الحلق و مس الفرجين مطلقاً و لمس المرأة و اكل ما مسته النار. و الدليل على ذلك كله بعد الحصر المقطوع من الصحاح ما روى فى الصحيح عن ابن ابي‏عمير عن غير واحد من اصحابه عن ابي‏عبداللّه7 قال ليس فى المذى من شهوة و لا من الانعاظ و لا من القبلة و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء و لايغسل منه الثوب و لاالجسد انتهي.

فلاوجه فى حمل الاخبار الواردة فى عدم نقض المذى بالمذى من غير شهوة كما نقل عن ابن‏الجنيد لان المذى هو الذى يخرج من شهوة لما روى عنه7 يخرج من الاحليل المنى و المذى و الودْى و الوذى فاما المنى فهو الذى يسترخى له العظام و يفتر منه الجسد و فيه الغسل و اما المذى يخرج من شهوة و لاشىء فيه و اما الودى فهو الذى يخرج بعد البول و اما الوذى فهو الذى يخرج من الادواء و لاشىء فيه

 

 

* الفقه كتاب الطهارة صفحه 123 *»

انتهى فما روى على خلاف ذلك فمحمول على الاستحباب.

و ما روى فى صحيحة زرارة عن ابي‏عبداللّه7  قال ان سال من ذكرك شىء من مذى او ودى و انت فى الصلوة فلاتغسله و لاتقطع له الصلوة و لاتنقض له الوضوء و ان بلغ عقبيك فانما ذلك بمنزلة النخامة و كل شىء خرج منك بعد الوضوء فانه من الحبائل و من البواسير و ليس بشىء فلاتغسله من ثوبك الا ان‏تقذره. و عنه عن ابي‏جعفر7 ليس فى القبلة و لا المباشرة و لا مس الفرج وضوء. و عنه عن ابي‏عبداللّه7 قال القهقهة لاينقض الوضوء و ينقض الصلوة. و عن على بن جعفر عن اخيه موسي7 عن الرجل هل يصلح ان‏يستدخل الدواء ثم يصلى و هو معه أينقض الوضوء؟ قال لاينقض الوضوء و لايصلى حتى يطرحه. و عن صفوان قال سأل رجل اباالحسن7 و انا حاضر فقال ان بى جرحاً فى مقعدتى فأتوضأ ثم استنجى ثم اجد بعد ذلك الندى و الصفرة يخرج من المقعدة أفاعيد الوضوء؟ قال قد ايقنت؟ قال نعم قال لا ولكن رشه بالماء و لاتعد الوضوء. و عن ابي‏عبداللّه7 ليس فى حب القرع و الديدان الصغار وضوء انما هو بمنزلة القمل. و عنه7 فى الرجل تسقط منه الدوابّ و هو فى الصلوة قال يمضى فى صلوته و لاينقض ذلك وضوءه. و عن احدهما8 عن الرجل يخرج به القروح لاتزال تدمى كيف يصلى؟ قال يصلى و ان كانت الدماء تسيل. و عن سماعة قال سألته عن رجل اخذه تقطير من قرحة اما دم و اما غيره قال فليصنع خريطة و ليتوضأ و ليصل فانما ذلك بلاء ابتلى به فلايعيدن الا من الحدث الذى يتوضأ منه. و فى صحيحة ابرهيم بن ابي‏محمود قال سألت الرضا7 عن القيء و الرعاف و المِدّة أينقض الوضوء ام لا؟ قال لاينقض شيئاً. و فى صحيحة سعيد بن عبداللّه قال قلت لابي‏عبداللّه7 اٰخذ من اظفارى او من شاربى و احلق رأسى أفأغتسل؟ قال ليس عليك غسل قلت فأتوضأ؟ قال ليس عليك وضوء. و صحيحة بكير بن اعين قال سألت اباجعفر

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 124 *»

7 عن الوضوء مما غيّرت النار فقال ليس عليك وضوء انما الوضوء مما يخرج ليس مما يدخل انتهي.

فظهر من هذه النصوص انه لاينقض الوضوء ماسوى المختار و ربما احتج لابن‏بابويه و ابن‏الجنيد برواية ابي‏بصير عن ابي‏عبداللّه7 قال قال اذا قبّل الرجل المرأة من شهوة او لمس فرجها اعاد الوضوء و قد عرفت حصر النواقض فى خلال ما مر من الاخبار و الحمدللّه فهى محمولة على الاستحباب بلااشكال الا انه ليس فيها قيد الباطن.

 

فـــرض

يجب على المكلف ستر عورته حين التخلى و غيره عمن يحرم نظره اليها بالكتاب و السنة و الاجماع و المراد بها القبل و البيضتان و الدبر لما روى عن ابي‏الحسن الماضي7 انه قال العورة عورتان القبل و الدبر و الدبر مستورة بالاليين فاذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة.

 

فـــرض

ذهب اكثر الاصحاب الى حرمة استقبال القبلة و استدبارها على المتخلى مطلقاً و احتجوا بمرفوعة على بن ابرهيم قال خرج ابوحنيفة من عند ابي‏عبداللّه7 و ابوالحسن موسي7 قائم و هو غلام فقال له ابوحنيفة يا غلام اين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزال و لاتستقبل القبلة بغائط و لابول و ارفع ثوبك و ضع حيث شئت. و بما روى عن علي7 انه قال قال النبي9 اذا دخلت المخرج فلاتستقبل القبلة و لاتستدبرها ولكن شرقوا و غربوا. و بمرفوعة عبدالحميد بن ابي‏العلا و غيره قال سئل الحسن بن علي8ما حد الغائط؟ قال لاتستقبل القبلة و لاتستدبرها و لاتستقبل الريح و لاتستدبرها.

و ذهب بعضهم الى الكراهة مطلقاً استضعافاً لاسنادها. و نسب الى بعضهم القول بالكراهة فى البنيان و

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 125 *»

الصحارى او الحرمة فيها. و ذهب الاخر الى استحباب الاجتناب فى الصحارى مستقبلاً من غير تعرض للاستدبار. و ذهب بعضهم الى كراهة الاستقبال و الاستدبار فى الصحارى دون البنيان. و احتجوا على الجواز فى الابنية برواية محمد بن اسمعيل قال دخلت على ابي‏الحسن الرضا7 و فى منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها اجلالاً للقبلة و تعظيماً لها لم‏يقم من مقعده ذلك حتى يغفر له انتهى.

و استقبال الكنيف القبلة لايدل على جواز جلوس المتخلى مستقبل القبلة و مستدبرها لاحتمال انتقاله اليه على تلك الحال و امكان الجلوس عليه منحرفاً و لاحتمالات اخر من التقية فى تغييره او قرب انتقاله او كان ملكاً لغيره7 كما يدل عليه آخر الحديث. و ان احتمل ان‏يكون الانحراف عنها لمحض الاجلال و التعظيم دون الوجوب و الاخبار بالمغفرة يشعر على ذلك الا ان القول الاول اقرب الى الاحتياط و الى تعظيم القبلة و اجلالها و استضعاف السند بعد نقل الثقة الحديث للعمل غير جايز عندنا. و لو كان السند ضعيفاً على ما اصطلحوا عليه فلاسبيل الى المسير الى الكراهة ايضاً لان الاحكام الخمسة كلها محتاجة الى صحة السند و السند قول الثقة لاغير.

بالجملة و اشتمال بعضها على غير استقبال القبلة و استدبارها ايضاً كاستقبال الريح و استدبارها و غيرهما غير ضائر فى المقام لمكان لزوم تعظيمها ما لم‏يلزم فى غيرها و لمسير اكثر الاصحاب الى الحرمة بالنسبة اليها دون غيرها و الفرق بينها و بين غيرها فى لزوم التعظيم مما لايخفى ان‏شاءاللّه تعالى. و لافرق فى ذلك بين القائم و الجالس و المضطجع و المستلقى لصدق الاستقبال و الاستدبار عليهم عرفاً فالتفريق بينهم تعسف لا دليل عليه شرعاً و عرفاً و هما مجتمعان مع الاضطجاع و الاستلقاء كاجتماعهما مع القيام و الجلوس و ليس لهما خصوصية معهما دون الاضطجاع و الاستلقاء. و المراد بهما هو استقبال البدن و استدباره لا العورة خاصة كما زعم البعض

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 126 *»

لانه هو المتبادر الى الافهام دون غيره فالمسير الى غيره تكلف ظاهر لايدل عليه دليل شرعى مطلقاً كما لايخفي.

فـــرض

يجب الاستنجاء من البول و الغائط للصلوة اتفاقاً لما روى فى الصحيح عن زرارة عن ابي‏جعفر7 لاصلوة الا بطهور الحديث و لما روى عن على بن جعفر عن اخيه موسى‌ بن‌ جعفر8 قال سألته عن رجل ذكر و هو فى صلوته انه لم‏يستنج من الخلاء قال ينصرف و يستنجى من الخلاء و يعيد الصلوة.

 

فـــرض

يجب الاستنجاء من البول بالماء دون غيره اجماعاً لصحيحة زرارة عن ابي‏جعفر7 قال لاصلوة الا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلثة احجار بذلك جرت السنة من رسول‌اللّه9 و اما البول فانه لابد من غسله. و لما روى عن بريد بن معوية عنه7 انه قال يجزى من الغائط المسح بالاحجار و لايجزى من البول الا الماء. و لصحيحة جميل بن دراج عن ابي‏عبداللّه7 قال اذا انقطعت درّة البول فصب الماء. و لما روى عن يونس بن يعقوب قال قلت لابي‏عبداللّه7 الوضوء الذى افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط او بال قال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين انتهى. فكلمة لابد و اداة الحصر و الامر بصب الماء و الامر بالغسل كلها تدل على وجوب غسل مخرج البول بالماء دون غيره و بعد انعقاد الاجماع على ذلك لايبقى ريبة ان‏شاءاللّه تعالي.

 

فـــرض

ذهب بعض الاصحاب الى الاجتزاء بغسلة واحدة فى الاستنجاء من البول متمسكاً بالنصوص الدالة عليها كما مرت و تأتى ان‏شاءاللّه تعالى و ذهب اخرون الى وجوب غسلتين فيه متمسكين بما روى عن نشيط بن صالح

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 127 *»

عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته كم يجزى من الماء فى الاستنجاء من البول؟ فقال مثلاً ما على الحشفة من البلل. فقالوا ان المراد وجوب غسل مخرج البول مرتين و التعبير بالمثلين لبيان اقل مايجزى و لم‏يخف عدم دلالة المثلين على المرتين فانه على هذا التقدير يكون المراد بالمثل الغسلة الواحدة و لاريب فى وجوب غلبة الماء على النجاسة و المثل لايغلب على مثله بالبداهة. و الدليل على المدّعى ما روى عن الاحول انه قال لابي‏عبداللّه7 فى حديث الرجل يستنجى فيقع ثوبه فى الماء الذى استنجى به فقال لابأس فسكت فقال أوتدرى لم‏صار لابأس به؟ قلت لا واللّه فقال ان الماء اكثر من القذر انتهى. فعلم ان الاكثريّة فى الماء مما لابد منه فى الاستنجاء و لذا صار غسالته طاهرة.

و تنبه على ذلك جمع من الاصحاب و اعتذر بعضهم بانه لعل المراد بالمثل مثل القطرة المتخلفة على الحشفة فيكون حينئذ غالباً على البلل المتخلف و هو اعتذار غريب لايخفى غرابته على ذى مسكة لانه7 صرح فقال مثلاً ما على الحشفة من البلل فبعد هذا التصريح يكون هذا التأويل فى غاية السخافة. فالصحيح المختار هو القول الاول. و المراد بالمثلين هو غلبة على البلل.

و يكفى الغسلة الواحدة اذ لاحدّ للاستنجاء سوى ازالة عين النجاسة على الوجه المقرر كما روى عن ابن‏المغيرة عن ابي‏الحسن7 قال قلت له للاستنجاء حد؟ قال لا، ينقى ما ثمّة قلت ينقى ما ثمة و يبقى الريح قال الريح لاينظر اليها. و عن يونس بن يعقوب قال قلت لابي‏عبداللّه7 الوضوء الذى افترضه اللّه على العباد لمن جاء من الغائط او بال قال يغسل ذكره و يذهب الغائط ثم يتوضأ مرتين مرتين انتهى. و لا دلالة فى الاخبار الواردة فى المقام الا على وجوب الغسل فيكفى مسمّاه و الزايد محتاج الى دليل شرعى و لا دليل. بل التصريح فى قوله7 فى حسنة ابن‏المغيرة ينفى احتمال الزائد فلايبقى ريبة فى الاكتفاء بالغسلة الواحدة.

و احتمال ورودها فى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 128 *»

الاستنجاء من الغائط دون البول منفى لان الاستنجاء يطلق فيهما شرعاً كما اوردوه فى طهارة مائه و فى ساير الابواب بل فى اللغة اشعار على ذلك كما قال صاحب القاموس و غيره و نجا فلان: احدث، او الحدث: خرج انتهى. و الحدث شامل للبول ايضاً و الاستنجاء استفعال منه يستعمل فى ازالة الحدث.

بالجملة لم‏يرد فى الغسلتين فى المقام حديث واحد نعم روى عن زرارة كان يستنجى من البول ثلث مرات و من الغائط بالمدر و الخرق و مجرد الفعل لايدل على الوجوب و لم‏يقل به احد فتعين الاستحباب و ورود المرتين فى اصابة البول الجسد لايدل على الاستنجاء فلاينبغى التمسك و الاعتضاد به كما لايخفي.

 

فـــرض

لا حدّ للاستنجاء من الغائط ايضاً سوى ازالة العين بالماء اجماعاً و بغيره على الاقوى كما دل عليه حديث ابن‏المغيرة و يونس بن يعقوب و غيرهما فما روى من الحدّ فى بعض الاخبار كصحيحة زرارة عن ابي‏جعفر7 قال و يجزيك عن الاستنجاء ثلثة احجار محمول على الاستحباب و على ان الغالب لاتزول العين بدون الثلثة و كما لاحدّ له فى العدد وجوباً لاتعين لما يستنجى به ايضاً وجوباً فبأى شىء حصل النقاء و ذهاب عين النجاسة فقد اجتزأ به الا ان‏يكون نجساً فلم‏يظفر بخلاف فى عدم الاكتفاء به او ان‏يكون محترماً كالخبز فيكون استعماله محرّماً اتفاقاً كما روى فيه اخبار فى عادة اهل ثرثار و ان امكن القول بطهارة المحل و حرمة العمل كالغسل بالماء الغصبى اذ المقصود منه هو النقاء و هو حاصل.

بالجملة و المعتبر فى الازالة هنا كغيره زوال العين فلايعتبر ساير اعراضها كالريح و غيره كما دل عليه حسنة ابن‏المغيرة المتقدمة و غيرها و فى الاستنجاء تطهير ظاهر المخرج دون باطنه لما روى عن الرضا7 فى الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لايدخل الانملة. و عن ابي‏عبداللّه7

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 129 *»

انما عليه ان‏يغسل ما ظهر منها يعنى المقعدة و ليس عليه ان‏يغسل باطنها.

 

تذنيـــب

فيه سنن التخلي

ســـنة

المشهور استحباب تقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء و تأخيرها عند الخروج و لم‏يعرف له مستند سوى فتوى الاصحاب و استحسن الخلف منهم قول السلف مع اعترافهم بعدم الوقوف على السند و استدلوا عليه برواية يونس التى وردت فى دخول المسجد و الخروج منه بانه لشرافته استحب ان‏يقدم فيه اشرف الاعضاء و يؤخر منه فالخلاء بعكسه لخساسته و هو كما ترى فى غاية الضعف بل هو قياس وقع فيه كثير من الناس و لو فتح بابه فى ابواب الفقه لكثر فيها المستحبات و المكروهات بل الواجبات و المحرمات من غير دليل شرعى فتأمل.

 

ســـنة

يستحب فيه التسمية و الاستعاذة و الدعاء بالمأثور عند الدخول و الخروج و عند استعمال الماء و ذكر اللّه تعالى للصحاح المستفيضة. منها ما روى عن معاوية بن عمار قال سمعت اباعبداللّه7 يقول اذا دخلت المخرج فقل بسم اللّه اللهم انى اعوذ بك من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم و اذا خرجت فقل بسم اللّه الحمدللّه الذى عافانى من الخبيث المخبث و اماط عنى الاذى و اذا توضأت فقل اشهد ان لااله الا اللّه اللهم اجعلنى من التوابين و اجعلنى من المتطهرين و الحمدللّه رب العالمين.

و منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7 من فعل علي7 انه قال عند استعمال الماء للاستنجاء بسم اللّه و باللّه و الحمدللّه الذى جعل الماء طهوراً و لم‏يجعله نجساً ثم استنجى فقال اللهم حصّن فرجى و اعفه و استر عورتى و حرمّنى على النار.

و منها ما روى عن على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 130 *»

عن ابيه8 قال اوحى اللّه الى موسى7 يا موسى لاتفرح بكثرة المال و لاتدع ذكرى على كل حال فان كثرة المال تنسى الذنوب و ان ترك ذكرى يقسى القلوب. و منها ما روى عن ابي‏جعفر7 قال مكتوب فى التورية التى لم‏تغير ان موسى سأل ربه فقال الهى انه يأتى على مجالس اعزك و اجلك ان‌اذكرك فيها فقال يا موسى ان ذكرى حسن على كل حال.

و يستحب فيه تذكر ما يوجب الاعتبار و التواضع و ترك الحرام لما روى عن على بن الحسين قال كان علي7 يقول ما من عبد الا و به ملك موكل يلوى عنقه حتى ينظر الى حدثه ثم يقول له الملك يابن ادم هذا رزقك فانظر من اين اخذته و الى ما صار فينبغى للعبد عند ذلك ان‏يقول اللهم ارزقنى الحلال و جنبنى الحرام. و لما روى عن السكونى عن جعفر بن محمد عن ابيه8 قال سألته عن الغائط فقال تصغير لابن ادم لكى لايتكبر و هو يحمل غائطه معه.

 

ســـنة

يستحب فيه التقنع فوق العمامة و تغطية الرأس اذا كان مكشوفاً و علل بان من عمل ذلك يأمن من عبث الشيطان و من وصول الرائحة الكريهة الى دماغه و ان فيه اظهار للحياء من اللّه تعالى. و يدل عليه ما روى عن ابي‏ذر عن رسول‌اللّه9 فى وصيته له قال يا اباذر و استحى من اللّه فانى و الذى نفسى بيده لاظل حين اذهب الى الغائط متقنعاً بثوبى استحياء من الملكين الذين معى يا اباذر أتحب ان‏تدخل الجنة؟ فقلت نعم فداك ابى و امى قال فاقصر الامل و اجعل الموت نصب عينك و استحى من اللّه حق الحياء.

 

ســـنة

يستحب للمتخلى التشريق و التغريب توقياً من استقبال القبلة و استدبارها لما روى عن علي7 قال قال النبي9

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 131 *»

اذا دخلت المخرج فلاتستقبل القبلة و لاتستدبرها ولكن شرّقوا و غرّبوا. و ذهب بعض الاصحاب الى وجوب ذلك تمسكاً بظاهر الامر مؤيداً بما روى ما بين المشرق و المغرب قبلة و خلوّ كثير من الاخبار من الامر بهما و عدم ذهاب كثير من الاصحاب الى وجوبهما مما يأبى ذلك و المستنبط من الاخبار الواردة فى المقام هو تعظيم القبلة و اجلالها لا اهانة المشرق و المغرب فاذا انحرف عنها حصل التعظيم و هو المطلوب. و اما التأييد بان ما بين المشرق و المغرب قبلة فلاشك انه للجاهل بجهتها بخلاف من علم جهتها بساير العلامات الواردة فى الشرع فليس له خلاف ما علمه اذ ربما يتفق القبلة فى عين المغرب او المشرق نعم يمكن القول بوجوب التشريق و التغريب بالنسبة الى الجاهل بالجهة لجهله بساير العلامات المأذون له ما بينهما.

 

ســـنة

يستحب ارتياد مكان مرتفع او مكان كثير التراب تأسياً بالنبي9 توقياً عن البول لما روى عن ابي‏عبداللّه قال كان رسول‌اللّه9 اشد الناس توقياً عن البول كان اذا اراد البول يعمد الى مكان مرتفع من الارض او الى مكان من الامكنة يكون فيه التراب الكثير كراهية ان‏ينضح عليه البول.

 

ســـنة

المشهور استحباب الاستبراء للرجل فى البول قبل الاستنجاء توقياً عن نقض طهارته بوجدانه البلل المشتبه بعدها على القول به. و لايخفى غرابة مثل هذا الاستدلال على الامور الشرعية فعلى ذلك يستحب البول قبل الطهارة لمن يزعم انها ينتقض ببول آخر بعدها ان لم‏يبل قبلها توقياً لنقضها و لم‏يقل به احد. و اعجب من ذلك القول بوجوبه لصحيحة حفص بن البخترى عن ابي‏عبداللّه7 فى الرجل يبول قال ينتره ثلثاً ثم ان سال حتى يبلغ الساق فلايبالى انتهى. و هى لاتدل على وجوب الاستبراء

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 132 *»

و لا على استحبابه مطلقاً و غاية ما يمكن الاستدلال بها مفهوماً هو استحباب الاستنجاء او وجوبه على القول به ان لم‏يستبرء كما لايخفى ان‏شاءاللّه تعالي.

 

ســـنة

يستحب الابتداء فى الاستنجاء بالمقعدة  لما روى عن عمار الساباطى عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الرجل اذا اراد ان‏يستنجى بالماء يبدأ بالمقعدة او بالاحليل؟ قال بالمقعدة ثم بالاحليل.

 

ســـنة

يستحب اختيار الماء على غيره فى الاستنجاء من الغائط اتفاقاً لما روى فى اخبار كثيرة منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7 فى قوله تعالى ان اللّه يحب التوابين و يحب المتطهرين قال كان الناس يستنجون بالكرسف و الاحجار ثم احدث الوضوء و هو خلق كريم فأمر به رسول‌اللّه9 و صنعه فأنزل اللّه فى كتابه ان اللّه يحب التوابين و يحب المتطهرين. و الجمع بينه و بين غيره و تقديم غيره عليه اكمل لما روى عنه7 جرت السنة فى الاستنجاء بثلاثة احجار ابكار و يتبع بالماء.

 

ســـنة

يستحب الاستنجاء من الغائط بثلاثة احجار او خرق و امثالها اذا حصل النقاء دونها لحسنة ابن‏المغيرة و قد سأله7 هل للاستنجاء حدّ قال لا حتى ينقى ما ثمة و لما روى عن ابي‏جعفر7 قال جرت السنة فى اثر الغائط بثلاثة احجار ان‏يمسح العجان و لايغسله الخبر. فان لم‏يحصل النقاء بها فبما زاد عليها الى ان‏يحصل. و يستحب ان‏يوتر بها لما روى عن علي7 قال قال رسول‌اللّه9 اذا استنجى احدكم فليوتر بها وتراً اذا لم‏يكن الماء.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 133 *»

ســـنة

يستحب الاستنجاء من البول ثلث مرات لما روى فى حسنة ابن المغيرة و غيرها من عدم الحدّ. و ما روى فى صحيحة زرارة قال كان يستنجى من البول ثلث مرات الخبر.

 

ســـنة

يكره الجلوس حال التخلى على شطوط الانهار و الابار و الطرق النافذة و تحت الاشجار المثمرة و على ابواب الدور و افنية المساجد و منازل النزال و استقبال عين الشمس و القمر بالعورة و استقبال الريح و استدبارها و قدورد النهى عن كل ذلك فى اخبار كثيرة. منها صحيحة ابن‌حميد عن ابي‏عبداللّه7 قال قال رجل لعلى بن الحسين8 اين يتوضأ الغرباء؟ قال تتقى شطوط الانهار و الطرق النافذة و تحت الاشجار المثمرة و مواضع اللعن فقيل له و اين مواضع اللعن؟ قال ابواب الدور.

و منها ما روى عن السكونى عن جعفر عن ابيه عن آبائه: قال نهى رسول‌اللّه9 ان‏يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها او نهر يستعذب او تحت شجرة فيها ثمرتها.

و منها مرفوعة على بن ابرهيم قال خرج ابوحنيفة من عند ابي‏عبداللّه7 و ابوالحسن موسي7 قائم و هو غلام فقال له ابوحنيفة يا غلام اين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال اجتنب افنية المساجد و شطوط الانهار و مساقط الثمار و منازل النزال الى قوله و ارفع ثوبك و ضع حيث شئت. و منها ما روى عن السكونى عن جعفر عن ابيه عن آبائه: قال نهى رسول‌اللّه9ان‏يستقبل الرجل الشمس و القمر بفرجه و هو يبول و فى خبر اخر لاتستقبل الهلال و لاتستدبره. و منها مرفوعة عبدالحميد بن ابي‏العلا و غيره قال سئل الحسن بن علي8ما حد الغائط قال لاتستقبل القبلة و لاتستدبرها و لاتستقبل الريح و لاتستدبرها انتهى.

و وجه الكراهة فى كل ذلك مع ان

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 134 *»

ظواهر الاخبار المنع عدم ورودها فى الاخبار التى حدّت حدود التخلى كما روى عن الصادق عن آبائه: ان النبي9 قال فى حديث المناهى اذا دخلتم الغائط فتجنبوا القبلة. قال و نهى رسول‌اللّه9 عن استقبال القبلة ببول او غائط. و ما روى عن على قال قال النبي9 اذا دخلت المخرج فلاتستقبل القبلة و لاتستدبرها ولكن شرقوا و غربوا انتهى. فلو كانت ممنوعة لماخلى منها خبر ورد فى التخلى فلما خلى بعضها منها علم انها غير ممنوعة ولكن مكروهة.

و لايقال ان استقبال القبلة و استدبارها ايضاً لم‏يرد فى بعض الاخبار مع انهما محرّمان لان وجوب تعظيم القبلة و اجلالها من ضروريات الدين و ليس كذلك غيرها و ذهاب اكثر الاصحاب هنالك الى تحريم استقبالها و استدبارها و ذهاب اكثرهم هنا فى اكثرها الى الكراهة مما يؤيد ما قلنا كمال التأييد و ان استدلوا عليها مرة بمعارضة الاصل و مرة بضعف الاسانيد و نسب الى بعض الاصحاب القول بالمنع من التخلى تحت الاشجار المثمرة و فى في‏ء النزال و استقبال قرصى الشمس و القمر خاصة دون غيرها فذهبوا فيها الى الكراهة ولكنّ وجه الاختصاص غير واضح و الاحتياط فى الكل اقرب [الى ظ] النجاة.

و ذهب بعضهم الى كراهة التخلى تحت الاشجار المثمرة مطلقاً سواء كانت الثمرة فيها ام لا. و ذهب بعضهم الى كراهته تحت الاشجار المثمرة التى فيها ثمرتها خاصة و الاخبار تدل على كلا القولين جميعاً كما مر بعضها. فحملوا مطلقها على مقيدها كما هو عادتهم فى جميع الابواب و المسائل و لم‏يؤذن لنا العمل بهذا الحمل من صاحب الشرع. فالقول بتأكد الكراهة فى التى فيها ثمرتها متعين لانه يستلزم العمل بالاخبار جميعاً بخلاف القولين.

 

ســـنة

يكره التخلى بين القبور و عليها لما روى عن ابي‏الحسن موسي7 قال ثلثة يتخوف منها الجنون التغوط بين القبور الخبر. و لما روى

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 135 *»

عن ابي‏جعفر7 قال من تخلى على قبر او بال قائماً الى قوله فأصابه شىء من الشيطان لم‏يدعه الا ان‏يشاء اللّه الخبر.

 

ســـنة

يكره البول فى الماء جارياً او راكداً وفاقاً للاكثر لما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال اميرالمومنين7 انه نهى ان‏يبول الرجل فى الماء الجارى الا من ضرورة. و قال ان للماء اهلاً. و عن محمد بن مسلم عن احدهما8 انه قال لاتشرب و انت قائم و لاتبل فى ماء نقيع الخبر. و عن ابي‏عبداللّه7 فى حديث سأله رجل يبول الرجل فى الماء قال نعم ولكن يتخوف عليه من الشيطان انتهى.

و ذهب بعضهم الى كراهته فى الراكد خاصة متمسكاً بما روى فى الصحيح عن ابي‏عبداللّه7 قال لابأس بان‏يبول الرجل فى الماء الجارى و كره ان‏يبول فى الماء الراكد انتهى. و بعد ورود النهى عنه فى الاخبار فى الماء الجارى ايضاً صريحاً او مطلقاً ينبغى حمل هذه الرواية على شدة الكراهة فى الراكد دون الجارى لااخذها و طرح الباقى من غير دليل شرعى.

و منهم من الحق به الغائط و ليس له دليل الا التنبيه. و لاينبغى ان‏يعتمد عليه النبيه فى امثال هذه الموارد فانه قياس منهى عنه كما لايخفى على من سلك مسلكنا.

 

ســـنة

يكره البول قائماً بل الحدث مطلقاً الا لضرورة. و منها حال التنوير فانه روى من جلس و هو متنور خيف عليه الفتق.

و كذا يكره ان‏يطمح بالبول فى الهواء و يدل على ذلك كله ما روى عن محمد بن على بن الحسين7 قال قال البول قائماً من غير علة من الجفاء. قال و نهى رسول‌اللّه9 ان‏يطمح الرجل ببوله فى الهواء من السطح او من الشىء المرتفع. و عن جعفر بن محمد8 عن آبائه فى وصية النبي9 لعلي7 الى ان قال و كره ان‏يحدث الرجل و هو

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 136 *»

قائم. و عن ابن ابي‏عمير عن رجل عن ابي‏عبداللّه7 قال سألته عن الرجل يطلى فيبول و هو قائم قال لابأس به.

 

ســـنة

يكره الاستنجاء باليمنى الا ان‏تكون اليسرى معتلّة لما روى عن ابي‏عبداللّه7الاستنجاء باليمين من الجفاء. و عن الكلينى و روى انه اذا كانت باليسار علة. و كذا يكره من مسّ الذكر باليمين حال التخلى لما روى عن ابي‏جعفر7 اذا بال الرجل فلايمسّ ذكره بيمينه. و ورد فى المقام اخبار اخر تركت اكتفاء بما ذكر.

 

ســـنة

يكره الاستنجاء بيد فيها خاتم عليه اسم اللّه او شىء من القرآن مع عدم تلويثه و معه حرام وفاقاً للاكثر خلافاً للبعض فيمنعه مطلقاً متمسكاً بما روى عن ابي‏عبداللّه7قال قال اميرالمؤمنين7 من نقش على خاتمه اسم اللّه فليحوله عن اليد التى يستنجى بها فى المتوضأ انتهى. و لولا مايدل على الجواز فى ساير الاخبار لدل على المنع مطلقاً كما ذهب اليه فلنا ما روى عن الحسين بن خالد الصيرفى قال قلت لابي‏الحسن على بن موسى الرضا7 الرجل يستنجى و خاتمه فى اصبعه و نقشه لااله الاّ اللّه فقال اكره ذلك له فقلت جعلت فداك أوليس كان رسول اللّه و كل واحد من ابائك يفعل ذلك و خاتمه فى اصبعه؟ قال بلى ولكن اولئك كانوا يتختمون فى اليد اليمنى فاتقوا اللّه و انظروا لانفسكم الخبر. و وجه الجواز قوله7 اكره ذلك له فان ظاهره الكراهة دون الحرمة. و بعد ورود الفعل منهم: تتعين قطعاً كما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال كان نقش خاتم أبى العزة للّه جميعاً و كان فى يساره يستنجى بها و كان نقش خاتم اميرالمؤمنين7 الملك للّه و كان فى يده اليسرى يستنجى بها انتهى. فلاوجه للمنع مطلقاً مع صراحتها

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 137 *»

فى الجواز فالوجه هو الكراهة.

و يلحق بذلك كلمات القرآن و اسماء الائمة: و اسماء الانبياء: اتفاقاً لاشتراكها معه فى التعظيم و ثبوت تعظيم شعائر اللّه من ضروريات الدين و لاسيما فى الائمة الطاهرين لانهم حقايق اسماء اللّه تعالى كما ورد عنهم:نحن واللّه الاسماء الحسنى التى امر اللّه ان‏تدعوه بها.

و كذا يكره لبس خاتم عليه شىء من المذكورات فى الخلاء لما روى عن ابي‏ايوب قال قلت لابي‏عبداللّه7 ادخل الخلاء و فى يدى خاتم فيه اسم من اسماء اللّه تعالى قال لا الخبر. و لما روى عن على بن جعفر عن اخيه موسي7 قال سألته عن الرجل يجامع و يدخل الكنيف و عليه الخاتم فيه ذكر اللّه او الشىء من القرآن أيصلح ذلك؟ قال لا انتهى. و وجه الجواز قد علم مما سبق من الاستدلال.

و اما ما روى عن معوية بن عمار عن ابي‏عبداللّه7 قال قلت له الرجل يريد الخلاء و عليه خاتم فيه اسم اللّه تعالى فقال مااحب ذلك قال فيكون اسم محمد9قال لابأس فهو محمول على شدة الكراهة فى اسم اللّه تعالى دون اسم محمد لما ثبت من لزوم تعظيم اسمه9 و لانه9 بنفسه ذكر اللّه تعالى كما دل عليه قوله تعالى و قد انزلنا اليكم ذكراً رسولاً.

 

ســـنة

لاينبغى الاستنجاء بالعظم و الروث لانهما طعام الجن لما روى عن الصادق عن آبائه: عن النبي9 فى حديث المناهى قال و نهى ان‏يستنجى الرجل بالروث و الرمة. و ذهب بعض الاصحاب الى المنع لظاهر النهى و استدل بعضهم على الجواز بحسنة ابن‏المغيرة عن ابي‏الحسن7 قال قلت له للاستنجاء حد؟ قال لا، ينقى ما ثمة الخبر. فاذا حصل النقاء بأى شىء طاهر حصل الاستنجاء و الاحتياط طريق النجاة.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 138 *»

ســـنة

يكره غسل الحرة فرج زوجها من غير ضرورة دون الامة لما روى عن يونس بن يعقوب قال قلت لابي‏عبداللّه7 المرأة تغسل فرج زوجها؟ فقال و لم من سقم؟ قلت لا قال مااحب للحرة ان‏تفعل و اما الامة فلايضره الخبر.

 

ســـنة

يكره الاكل و الشرب فى الخلاء. و قيل حال التخلى خاصة. و يستدل عليها بمهانة النفس و بفحوى مرسل الفقيه ان اباجعفر7 دخل الخلاء فوجد لقمة خبز فى القذر فأخذها و غسلها و دفعها الى مملوك له و قال يكون معك لآكلها اذا خرجت الخبر. فلو لم‏يكن اكلها مكروهاً لماتأخر مع ماكان فيه من الثواب العظيم كما يدل عليه آخر الحديث.

 

ســـنة

يكره السواك على المتخلى لانه يورث البخر كما فى الخبر.

 

ســـنة

الاكثر على كراهة الكلام حال التخلى. و قيل حال التغوط خاصة لما روى عن الرضا7نهى رسول‌اللّه9 ان‏يجيب الرجل اخر و هو على الغائط او يكلمه حتى يفرغ. و يدل على الاول ما روى عن ابي‏عبداللّه7 لاتتكلم على الخلاء فانه من تكلم على الخلاء لم‏تقض له حاجة و هو احوط. و عن بعضهم المنع عن ذلك للخبر الاول و الثانى مشعر بالكراهة كما لايخفى فيحمل الاول عليها ايضاً. و ذلك كله للمختار فان دعت الضرورة عليه كرد السلام و طلب حاجة فلاكراهة لانها لاتعادل الفرض اتفاقاً.

 

ســـنة

يكره اطالة الجلو‏س على الخلاء لانه يورث الباسور كما روي.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 139 *»

الباب الثاني

فى غسل الجنابة و اسبابها و احكامها و كيفية الغسل ففيه ثلثة مطالب

المطلب الاول

فى وجوبه لما يشترط فيه و اسبابه و فيه فروض

فـــرض

يجب الغسل من الجنابة على المكلف بالكتاب و السنة و الاجماع اما الكتاب فقوله تعالى و ان كنتم جنباً فاطّهروا و اما السنة فكثيرة جداً منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7قال غسل الجنابة واجب الخبر. و منها ما روى عن ابي‏جعفر7 فى حديث قال غسل الجنابة فريضة.

 

فـــرض

المشهور انه واجب للصلوة و الطواف الواجبين لا لنفسه كساير الطهارات. فمن الاخبار الدالة عليه ما روى عن ابي‏عبداللّه7 فى حديث طويل قال ان اللّه فرض على اليدين ان لايبطش بهما الى ان قال و الطهور للصلوة. و ما روى عن ابي‏جعفر7 قال اذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلوة. و يمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى و اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا الى قوله و ان كنتم جنباً فاطّهروا. فمفهوم الاية عدم وجوب التطهير ان لم‏يرد الصلوة.

و قيل بوجوبه لنفسه لاطلاق بعض الاخبار و بعد التصريح فيها منطوقاً و مفهوماً بعدم وجوبه لنفسه لايبقى فيه اشكال ان‏شاءاللّه و لاسيما لمن جوز تقييد الاطلاق. و اما على عدم الجواز فيمكن القول فى امثال هذه المواضع بالاجمال و التبيين او حمل المطلقات على استحباب الكون على الطهارة و ماسواها على الوجوب للغير.

 

فـــرض

يتحقق الجنابة بأحد الامرين فالاول بانزال المنى فى اى حال و قد قام الاجماع عليه بالنسبة الى الرجال و اشتهر ذلك ايضاً فى النساء و لم‏اجد

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 140 *»

فيهن خلافاً الا فى الاحتلام. فنسب الى الصدوق لاجل الاخبار الواردة فى المقام كما تأتى فمستند الاجماع و الشهرة اخبار مستفيضة منها صحيحة ابن‏مصعب عن الصادق7 قال كان علي7لايرى فى شىء الغسل الا فى الماء الاكبر. و منها حسنة عبداللّه الحلبى قال سألت اباعبداللّه7 عن المفخذ عليه غسل؟ قال نعم اذا انزل. و منها صحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيع قال سألت الرضا7 عن الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج و تنزل المرأة عليها غسل؟ قال نعم. و منها ما روى الحلبى فى الصحيح قال سألت اباعبداللّه7عن المرأة ترى فى المنام ما يرى الرجل قال ان انزلت فعليها الغسل و ان لم‏تنزل فليس عليها الغسل.

و اما مستند الصدوق على ما نقل عنه فكما روى عن عبيد بن زرارة قال له هل على المرأة غسل من جنابتها اذا لم‏يأتها الرجل؟ قال لا و أيّكم يرضى ان‏يرى او يصبر على ذلك ان‏يرى ابنته او اخته او امه او زوجته او احداً من قرابته قائمة تغتسل فيقول مالك؟ فتقول احتلمت و ليس لها بعل. ثم قال ليس عليهن ذلك و قد وضع اللّه ذلك عليكم. فقال و ان كنتم جنباً فاطهروا و لم‏يقل ذلك لهنّ انتهي. و قد حملوا هذه و امثالها على عدم تحقق كون الخارج منيّاً او على انها رأت فى النوم و لم‏تجد اثراً فى اليقظة و امثال ذلك. و لايخفى بعد امثال هذه الحمول و الذى يقوى فى البال حملها على التقية و هو احسن و اولى مما يقال فيها. و قد تحقق الخلاف من العامة فى المرأة و التعليلات المذكورة مشعرة بذلك و قدصرح بذلك بعض الاصحاب.

و يمكن حملها على عدم وجوب اخبارهن فان لم‏يخبرن لم‏يجب الغسل عليهن و يدل على هذا الحمل([17]) عن ابن الحر قال سألت اباعبداللّه7 عن المرأة ترى فى منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال نعم و لاتحدثوهن فيتخذنه علة انتهى. و اللّه سبحانه هو العالم بحقايق الامور.

و يعرف المنى فى الصحيح

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 141 *»

بالشهوة و الدفق و الفتور فى الجسد و فى المريض لايعتبر الدفق اتفاقاً. و الاصل فى ذلك الاخبار المستفيضة منها صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسي7 قال سألته عن الرجل يلعب مع المرأة و يقبّلها فيخرج منه المنى فما عليه؟ قال اذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه فعليه الغسل و ان كان انما هو شىء لم‏يجد له فترة و لا شهوة فلابأس انتهي. فقد صرح7 بأن المنى يعرف بالشهوة و الدفع و الفتور فما خرج و ليس له هذه الصفات فليس بمنى كما دل عليه آخر الحديث صريحاً. و يفهم من جوابه7 ان لفظ المنى يشمل المذى و امثاله ايضاً و لو كان مجازاً و لذلك فصل7 فى الجواب كما عرفت و لم‏ار من تنبه عليه.

و منها صحيحة ابن ابي‏يعفور عن ابي‏عبداللّه7 قال قلت له الرجل يرى فى المنام و يجد الشهوة فيستيقظ فينظر فلايجد شيئاً ثم يمكث الهوين بعد فيخرج قال ان كان مريضاً فليغتسل و ان لم‏يكن مريضاً فلاشىء عليه. قلت فما فرق بينهما؟ فقال لان الرجل اذا كان صحيحاً جاء الماء بدفعة و قوة و اذا لم‏يكن صحيحاً لم‏يجي‏ء الا بعد انتهى.

و يجب الغسل على المستيقظ اذا وجد منياً على بدنه او فى ثوبه المخصوص به مع عدم احتمال كونه من غيره اتفاقاً. و استدلوا عليه بالاخبار الواردة فى المقام فـمنها ما روى عن سماعة قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل ينام و لم‏ير فى نومه انه احتلم فوجد فى ثوبه و على فخذه الماء هل عليه غسل؟ قال نعم انتهى.

و لاينافى هذا الخبر ما روى عن ابي‏بصير قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل يصيب بثوبه منياً و لم‏يعلم انه احتلم قال ليغسل ما وجد بثوبه و ليتوضأ لان مورد الاول حصول العلم بكون المنى لايكون من غيره بسبب رؤيته له فى ثوبه المنفرد به و الثانى مورده عدم العلم بكونه منه فلايجب عليه الغسل البتة. فبهذا يظهر ضعف القول باختصاص الحكم للمستيقظ اذا وجد بعد الانتباه دون غيره فتأمل.

و الثانى الجماع فى القبل بالاجماع سواء انزلا ام لا و حدّه غيبوبة الحشفة اتفاقاً

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 142 *»

و قيل بمسمى الدخول. و الاول اظهر لانه هو المتعين فى الاخبار حين سئل عن حقيقته فلو حصل بالمسمى لاجابوا: به حين السؤال و ان امكن الاكتفاء به لظاهر بعض الاخبار كما يأتى. و الاصل فى ذلك كله الاخبار المستفيضة منها صحيحة محمد بن اسمعيل قال سألت الرضا7عن الرجل يجامع المرأة قريباً من الفرج فلاينزلان متى يجب الغسل؟ فقال اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل قلت التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال نعم. و منها صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما8 قال سألته متى يجب الغسل [على ظ] الرجل و المرأة؟ قال اذا ادخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم انتهى.

و قد اتفق اصحابنا فى عدم الفرق بين حيوة الموطوءة و موتها لصدق اسم الوطى و شمول حكم اطلاق الاخبار عليه خلافاً لبعض العامة فلم‏يوجب الغسل فى الميتة و الرشد فى خلافهم.

 

فـــرض

اختلف الاصحاب فى وجوب الغسل فى الوطى فى دبر المرأة من غير انزال. فالمشهور انه واجب و ادعوا الاجماع عليه و استدلوا بفحوى قوله7 أتوجبون عليه الجلد و الرجم و لاتوجبون عليه صاعاً من ماء. و بعموم قوله تعالى او لـٰمستم النساء. و بشمول الفرج للقبل و الدبر لغة و عرفاً فيشملهما حكم الوقاع المعلوم من الاخبار. و بمرسلة حفص بن سوقة قال سألت اباعبداللّه7 عن رجل يأتى اهله من خلفها قال هو احد المأتيين فيه الغسل انتهى.

و الحق ان الاجماع غير ثابت فى المقام لان شرط حجيته دخول المعصوم7 فى اقوال العلماء كما صرح به الاصحاب بأنه لو خلى المأة منهم عن قوله7 لم‏يعتد بأقوالهم. و المدعى للاجماع هو السيد المرتضي;. و لاريب فى عدم امكان تحققه فى مثل زمانه اللهم الا ان‏يدعى تحققه فى زمان امكانه و لو تحقق ذلك لم‏يتفرد به و لم‏يخف على ساير المتفحصين

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 143 *»

من اعيان العلماء كالشيخ الطوسى مع اتخاد عصره معه و تلمذه عنده و اطلاعه على مستدلاته و حججه و كالديلمى مع قرب عهده منه و اطلاعه على جميع مستدلاته. فخلافهما له و ذهابهما الى عدم وجوب الغسل اعظم شاهد فى عدم تحققه. و اقل ما يورث خلافهما هو الشك فى ثبوته و كفى بذلك فى عدم حجيته.

و اما الاستدلال بفحوى قوله7 أتوجبون عليه الجلد الخ فلايثبت شيئاً فى موضع الخلاف لان الجلد و الرجم يفارقان الغسل اتفاقاً فى تفخيذ الغلام.

و اما قوله تعالى او لـٰمستم النساء فحكمها ثابت فى القبل و اثباته فى الدبر يحتاج الى دليل اخر فى موضع الخلاف. و كذلك شمول الفرج للقبل و الدبر لغة و عرفاً لايثبت به حكم فى موضع الخلاف فان وجوب الغسل فى الوقاع فى القبل مما اتفق عليه و اما فى الدبر فمما فيه خلاف و ان شمل عليه اسم الفرج ايضاً. فوجوب الغسل فى الوقاع فى هذا الفرد اول الكلام و الاصل يرفعه.

و اما مرسلة حفص مع مخالفتها للاصل و معارضتها لساير الاخبار لايمكن الاستدلال بها فى اثبات حكم ينفيه ساير الادلة فهى اما محمولة على التقية كما حمله الشيخ; او على صورة الايقاب مع الانزال.

فاذ لايثبت هذه الادلة حكماً قطعياً بقى لنا الاصل اليقينى سالماً عن المعارض بقوله7 كل شىء لك مطلق حتى يرد فيه نص و كل شىء لك مطلق حتى يرد فيه امر او نهى مع ما يرد فى خصوص المقام صريحاً من مثل مرفوعة البرقى عن ابي‏عبداللّه7 قال اذا اتى الرجل المرأة فى دبرها فلم‏ينزل فلاغسل عليها و ان انزل فعليه الغسل و لاغسل عليها. و قوله7 فى الرجل يأتى المرأة فى دبرها و هى صائمة قال لاينقض صومها و ليس عليها غسل انتهى. و الرفع و الارسال مع الموافقة للاصل القطعى لايضر بالحال لو اعتبرنا القوة و الضعف فى الاخبار بعلم الرجال و الا فما اخبره الثقة و اثبته للعمل و ضمن صحته يغنينا عن كثير من المقال.

و يظهر مما ذكر حكم الايقاب فى دبر الغلام المتفرع للايقاب

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 144 *»

فى دبر النساء و لايبقى فى المسألة التردد و الاشكال و الحمدللّه.

المطلب الثاني

فى احكام الجنب و فيه فروض و سنن

فـــرض

لاخلاف فى حرمة قراءة العزايم الاربع [الاربعة ظ] على الجنب و قد نقل عليها الاجماعات و اختلف فى المعنى المراد هل هى السور التى فيها السجدات ام نفسها؟ فالمشهور هو الاول مع دعوى الاجماع. و الثانى قول بعضهم نظراً الى الاخبار الواردة فى المقام اذ لا دلالة فيها على تحريم ما عدا نفس السجدة كموثقة زرارة و محمد بن مسلم عن الباقر7 الحائض و الجنب يقرءان شيئاً؟ قال نعم ما شاءا الا السجدة انتهى. و ردّوه بأنه لابد من تقدير مضاف اذ لايراد السجدة التى هى وضع الجبهة قطعاً فهو اما ان‏يكون لفظ السورة او الاية و الاول اولى لاشتهار التعبير عن السورة بنحو ذلك كالبقرة و آل‌عمران.

و الحق ان تقدير لفظ الاية اليق فى المقام لانه المتيقن و ماسواه محتمل و الاصل رافعه فلولا الاجماعات المدعاة لكان العمل به متعين بل لولاها لامكن القول بالكراهة مطلقاً لاطلاق المستفيضات الواردة كما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال الحائض تقرأ القرآن و النفساء و الجنب ايضاً انتهى. ولكنها تأباها فالقول بالحرمة مطلقاً اولى و اقرب الى الاحتياط و هو مقتضى ما فى الفقه الرضوى حيث قال و لابأس بذكر اللّه و قراءة القرآن و انت جنب الا العزائم التى تسجد فيها و هى الم تنزيل و حم السجدة و النجم و سورة اقرأ باسم ربك انتهى. فهو صريح بان المراد بالعزايم هو السور لانفس السجدات. و لافرق فى ذلك بين تمام السور و ابعاضها لانها اذا صارت عزائم يكون بعضها ايضاً عزيمة فلاوجه للتردد فى كون المراد تمامها ام ابعاضها ايضاً لعدم صدق اسم السورة الا على تمامها.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 145 *»

فـــرض

قد ذهب الاكثرون الى حرمة مس كتابة القرآن للجنب بل لغير المتطهر استناداً الى ظاهر الاية و اخبار واردة منجبرة بعمل الاصحاب و تعظيم القرآن. و نقل عن ابن‏الجنيد القول بالكراهة و مال اليها صاحب المدارك استضعافاً للروايات اما سنداً او دلالة و عدم صراحة الاية فى المطلوب.

و الحق ان الاستضعاف لما كان من القواعد المستحدثة فى علم الرجال لايصلح للاستدلال به فى الفقه. و صراحة الاخبار فى النهى عنه غير خفية. نعم صراحتها فى التحريم مع اشتمال بعضها لما يكون مكروهاً اتفاقاً كرواية ابرهيم بن عبدالحميد عن ابي‏الحسن7 قال المصحف لاتمسه على غير طهر و لاجنباً و لاتمسّ خطه و لاتعلّقه ان اللّه تعالى يقول لايمسه الا المطهرون غير واضحة هذا.

و بعد ورود الاخبار فى عدم البأس بمس الجنب للدراهم المنقوشة باسم اللّه تعالى يقوى القول بالكراهة كموثقة اسحق بن عمار عن ابي‏ابرهيم قال سألت عن الجنب و الطامث يمسان بايديهما الدراهم البيض؟ قال لابأس. و ما روى عن محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر7 قال سألته هل يمس الرجل الدرهم الابيض و هو جنب؟ فقال اى واللّه لاوتى بالدرهم فآخذه و انا جنب. و ما روى عن الصادق7 فى الجنب يمس الدراهم و فيها اسم اللّه و اسم رسوله قال لابأس به ربما فعلت ذلك انتهى. و حمل بعضها على الدراهم البيض غير المنقوشة و بعضها على عدم مس نفس النقش مما يأباه موضع السؤال و الجواب. و بمحض الاحتمال العقلى فى الفقه لاينبغى صرف الاخبار عن ظواهرها المفهومة فى عادة التخاطب فلايصغى اليه.

و لايقال ان هذه الاخبار بعد تسليم سلامتها و دلالتها واردة فى الاسم المكتوب المنقوش على الدراهم فكيف يمكن التقوّى بها فى مس القرآن لان موارد النهى هى نفس المكتوب يقيناً لا المحل اجماعاً سواء كان جلداً او قرطاساً او درهماً او ديناراً. و

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 146 *»

التفريق بين اسمه تعالى و بين القرآن فى التعظيم لايخلو من اشكال هذا. و ما رواه محمد بن مسلم عن الباقر7 مما يدل على خصوص المقام حيث قال سألته هل يمس الرجل الدرهم الابيض و هو جنب؟ فقال واللّه انى لاوتى بالدرهم و آخذه و انى جنب و ماسمعت احداً يكره ذلك شيئاً الا ان عبداللّه بن محمد كان يعيبهم عيباً شديداً يقول جعلوا سورة من القرآن فى الدرهم فيعطى الزانية و فى الخمر و يوضع على لحم الخنزير انتهى. فقوله7 و ماسمعت احداً يكره ذلك شيئاً اشارة صريحة على المطلوب بعد نقله قول عبداللّه بن محمد كما لايخفى على المتأمل.

بالجملة و اختلفوا فى الاسم الجلالة و ساير اسمائه تعالى على ان‏تكون الاضافة بيانية او تكون للاختصاص و ليس فى الاخبار ما يدل على التفريق. و الذى عليه عادة التخاطب هو كونها للاختصاص كما ان اسم رسوله9 لم‏يرد به لفظ الرسول قطعاً فالنبى و الرسول و محمد كلها يراد من اسمه9 فكذلك اللّه و الرحمن و الرحيم و ساير اسمائه كلها يراد من اسمه تعالى.

و الحقوا باسمائه تعالى اسماء الائمة و الانبياء: و يمكن الاستدلال عليه بعموم آية و من يعظم شعائر اللّه و بأنهم: اسماؤه تعالى بأنفسهم كما دل عليه الاخبار و ان لم‏يستدلوا بها.

 

فـــرض

المشهور حرمة اللبث فى المساجد للجنب و الحائض عدا المسجدين الحرامين و لم‏ينقل خلاف الا عن سلّار حيث ذهب الى الكراهة لوقوعها فى بعض الاخبار كما وقعت فى حديث المناهى عن النبي9 ان اللّه كره لى ست خصال و كرهتهن للاوصياء من ولدى و اتباعهم من بعدى و عد منها اتيان المساجد جنباً. و محض وقوعها فى حديث مع عدم ورود الرخصة فى ساير الاخبار لايمكن المسير اليها بالمعنى المصطلح مطلقاً. فالمراد منها اما كراهة الاتيان اجتيازاً او هو المنع كما وقع فى ساير الاخبار كصحيحة

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 147 *»

زرارة و محمد بن مسلم عن ابي‏جعفر7 قالا قلنا له الحائض و الجنب يدخلان المسجد ام لا؟ قال الحائض و الجنب لايدخلان المسجد الا مجتازين ان اللّه تبارك و تعالى يقول و لاجنباً الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا الحديث. و عن محمد بن مسلم عنه7 انه قال فى الجنب و الحائض و يدخلان المسجد مجتازين و لايقعدان فيه و لايقربان المسجدين الحرامين. و الظاهر منهما عدم جواز دخولهما الا اجتيازاً كما ذهب اليه بعض الاصحاب.

و لم‏يجوّز المشى فيها من غير اجتياز و عده من افراد اللبث و المكث و ان لم‏يكن جلوساً و هو الاقرب الى التعظيم ان لم‏نحكم بتعينه و الا فالظاهر فى عادة العرف صدق اسم المكث على الماشى غير المجتاز كما اذا قيل فلان مكث ببلد كذا يراد كونه فيها لا سكونه و جلوسه هذا. و معنى الاجتياز هو العبور لا الحركة و المشى من غير خروج. فالتعبير فى المقام بعدم جواز الدخول الا اجتيازاً كما وقع فى الخبرين و غيرهما اولى من عدم جواز الجلوس و ان وقع فى بعض الاخبار كحسنة جميل قال سألت اباعبداللّه7 عن الجنب يجلس فى المساجد؟ قال لا ولكن يمر فيها الا المسجد الحرام انتهى. و لاينافى ذلك ماقلنا.

و المراد من المرور ايضاً هو العبور لا الدوران نعم وقع ما يوهم ذلك فى رواية ابن‌دراج عن ابي‏عبداللّه7 قال للجنب ان يمشى فى المساجد كلها و لايجلس فيها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول9 انتهى. و الظاهر من جواز المشى فيها فى العرف و العادة هو ما قلنا و ان احتمل اللفظ مع قطع النظر عن العرف ما ذهب اليه بعض الاصحاب من جواز المشى فيها من غير اجتياز و لاشك ان العرف مقدم على اللغة اللهم الا ان‏ينكر منكر المعنى العرفى فيما قلنا. و ان انصف عرف ان المعنى العرفى هو ما قلناه بعينه او الاغلب فيه ذلك.

و بعد الرجوع الى ساير الاخبار الواردة فى المقام كالخبرين الاولين لايبقى ارتياب فى ان المراد عدم جواز المكث فيها و هو شامل

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 148 *»

للماشى الدائر غير المجتاز و الجالس لا عدم جواز السكون و الجلوس خاصة و جواز المكث فتأمل.

 

فـــرض

المشهور حرمة وضع الشىء فى المساجد للجنب و الحائض و لم‏ينقل الخلاف الا عن سلّار لانه لما كره الدخول فيها لهما كره الوضع ايضاً. و اما الاخذ منها فلاخلاف فى جوازه بل ادعوا الاجماع عليه. و المستند فى ذلك صحيحة عبداللّه بن سنان قال سألت اباعبداللّه7 عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه؟ قال نعم ولكن لايضعان فى المسجد شيئاً. و صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابى‌جعفر7 قال الحائض و الجنب لايدخلان المسجد الا مجتازين الى ان قال و يأخذان من المسجد و لايضعان فيه شيئاً قال زرارة قلت له فما بالهما يأخذان منه و لايضعان فيه؟ قال لانهما لايقدران على اخذ ما فيه الا منه و يقدران على وضع ما بيدهما فى غيره انتهى.

و المستفاد من التعليل جواز الدخول للاخذ لانه مما لابد منه و عدم جوازه للوضع لانه يقدر على الوضع فى غيره فليس الوضع فى نفسه محرماً و ان كان من خارج المسجد كما زعم بعض الاصحاب بل هو ممنوع لاجل الدخول الممنوع اذ لا داعى له من الضرورة. و يدل على هذه الاستفادة ما روى عن الصادق7 مرسلاً فى تعليله بعكس ذلك حيث قال7 يضعان فيه الشىء و لايأخذان منه فقلت ما بالهما يضعان فيه و لايأخذان منه؟ فقال لانهما يقدران على وضع الشىء فيه من غير دخول و لايقدران على اخذ ما فيه حتى يدخلا انتهى. فظهر و الحمدللّه من هذه التعليل و ما قبلها ان الممنوع هو الدخول لا نفس الوضع.

و لا تعارض بين التعليلين اذ جواز الوضع من غير دخول لاينافى عدم جوازه معه من غير ضرورة و جواز الاخذ منه على وجه الكراهة لاينافيها لان اتيان المساجد للجنب و لو لحاجة لايخلو من كراهة كما يشعر به حديث المناهى

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 149 *»

قبيل ذلك.

 

فـــرض

لم‏ينقل الخلاف صريحاً فى عدم جواز دخول المسجدين الحرامين للجنب بل صرح فى المدارك بعدم الخلاف و نسب القول الى علمائنا فى تحريم الجواز فيهما. و نقل الاجماع صاحب الرياض و غيره عليه و صرّحوا بان عدم تعرض بعض الاصحاب كالصدوقين له مع اطلاقهم جواز الاجتياز فى المساجد ليس تصريح بالمخالفة بل و لا ظهور بملاحظة الاجماعات المنقولة.

و المستند فى ذلك مضافاً الى الاخبار المستفيضة الدالة على جواز الاجتياز فى المساجد عدا المسجدين صحيحة محمد بن مسلم قال قال ابوجعفر7فى حديث الجنب و الحائض يدخلان المسجد مجتازين و لايقعدان فيه و لايقربان المسجدين الحرامين. و كذا ما روى عنه7 فى حديث طويل ان اللّه اوحى الى نبيه ان طهّر مسجدك الى ان قال و لايمرنّ فيه جنب. و حسنة جميل بن دراج عن ابي‏عبداللّه7قال للجنب ان‏يمشى فى المساجد كلها الا المسجد الحرام و مسجد الرسول9.

و المستفاد من هذه الاخبار عدم جواز الدخول فيهما سواء كان على وجه الاجتياز او اخذ المتاع كما صرح به بعض الاصحاب لان الاول صريح فى عدم جوازه لقوله7 لايقربان و عدم القربان صريح فى عدم جوازه مطلقاً. و فى الثانى و الثالث ايضاً دلالة على عدم جوازه و لاسيما مع انضمامهما بالاول لان المرور و المشى فيهما اعم من ان‏يكونا على وجه الاجتياز او اخذ المتاع او غيرهما فاحتمال تخصيص التحريم بالاجتياز دون اخذ المتاع بعد التصريح بالتعميم فى الاخبار مردود بلااشكال.

 

فـــرض

المشهور وجوب التيمم على المحتلم فيهما و خروجه منهما و لم‏ينقل

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 150 *»

خلاف الا عن ابن‌‏حمزة فانه قال باستحبابه لاصالة البراءة و هى تقاوم([18]) النص الصريح و لذا لم‏يعتن الى خلافه جمع من الاصحاب و ادعوا الاجماع. و المستند صحيحة ابي‏حمزة الثمالى قال قال ابوجعفر7 اذا كان الرجل نائماً فى المسجد الحرام او مسجد الرسول9 فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم و لايمر فى المسجد الا متيمماً حتى يخرج منه ثم يغتسل الخبر.

ثم الحق به جماعة المجنب فيهما يقظة لعدم الفرق بينهما. و تعدى جماعة و الحقوا به الجنب خارجاً منهما اذا دخل فيهما سهواً او عمداً لعدم الفرق بينهما و لحرمة كونه فيهما اجماعاً و بدلية التراب عن الماء فيجب رفع جنابته به اذا عجز عن الماء. فعلى هذا يكون الرجل حينئذ متطهر [متطهراً ظ] فلايجب عليه الخروج و لم‏يقل به احد هذا. و تكون الحائض مشاركاً للجنب فى هذا الحكم و لايكون تيممه بدلاً من الغسل و لاتكون متطهراً به قطعاً فكيف يكون تيمم الجنب بدلاً من الغسل؟!

و اما دعوى عدم الفرق ففى بعض الوجوه ظاهر كما اذا تعمد الجنابة او تعمد الدخول فهو لعصيانه لم‏يجعل له مخرجاً مجبراً له بخلاف غيره. و اما عدم تفريقنا بين بعض الوجوه فلايصير سبباً لالحاق شىء بشىء و اجراء حكمه فيه اذ لم‏يكشف عن الواقع واللّه اعلم بحقايق احكامه هذا اذا كانت الرواية كما سمعت. و نقلت عن بعض الكتب الفقهية «فاحتلم او اصابته جنابة» و على هذا يمكن التوجيه لبعض ما ذهبوا اليه و الموجود فى كتب الاخبار و اغلب الكتب الفقهية هو العطف بالفاء و لايطمئن القلب الى غيرها.

 

فـــرض

اختلف الاصحاب فى جواز دخول الجنب المشاهد المشرفة و الضرايح المقدسة فهم بين قائل بالمنع و الكراهة و التوقف و قد اعرض عنه بعض اخر.

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 151 *»

و الذى يدل عليه الاخبار و صحيح الاعتبار المناسب لتعظيم شعائر اللّه الواجب على الابرار هو الاول. فمن الاخبار ما روى عن بكر بن محمد قال خرجنا من المدينة نريد منزل ابي‏عبداللّه7 فلحقنا ابوبصير خارجاً من ذقاق و هو جنب و نحن لانعلم حتى دخلنا على ابي‏عبداللّه7 قال فرفع رأسه الى ابي‏بصير فقال يا ابامحمد اما تعلم انه لاينبغى لجنب ان‏يدخل بيوت الانبياء قال فرجع ابوبصير و دخلنا. و ما روى عن بكير قال لقيت ابابصير المرادى فقال اين تريد؟ قلت اريد مولاك. قال انا اتبعك فمضى فدخلنا عليه و احدّ النظر اليه و قال هكذا تدخل بيوت الانبياء و انت جنب؟ فقال اعوذ باللّه من غضب اللّه و غضبك و قال استغفر اللّه و لااعود. و ما روى عن ابي‏بصير قال دخلت على ابي‏عبداللّه7 و انا اريد ان‏يعطينى من دلالة الامامة مثل ما اعطانى ابوجعفر7 و كنت جنباً. فقال يا ابامحمد ماكان ذلك فيما كنت فيه شغل تدخل علىّ و انت جنب؟ فقلت ما عملته الا عمداً قال و لم‏تؤمن؟ قلت بلى ولكن ليطمئن قلبى. و قال يا ابامحمد قم فاغتسل فقمت و اغتسلت و صرت الى مجلسى و قلت عند ذلك انه امام انتهي.

فهذه الاخبار مع تضمنها العتاب و الغضب و الامر بالاغتسال عن المعصوم7. و فهم ابي‏بصير ذلك و مبادرته الى الامتثال و استغفاره و اظهاره عدم العود الى مثله صريحة فى ان المراد منها هو المنع. و مع عدم ورود رخصة فى ساير الاخبار لايبقى ريبة اشكال للمتوقف. و يستفاد منها ان ذلك كان ديدن الرعايا مع جميع الانبياء و الاوصياء: فى جميع القرون و الاعصار لان الشرافة و الفضيلة قد حلت اولاً فى سجيتهم ثم انتشرت منهم الى غيرهم من المنتسبات اليهم هذا.

و التفريق بين كونهم احياء و امواتاً فى الحرمة مما يأباه الادلة كتاباً و سنة فلاتحسبن الذين قتلوا فى سبيل اللّه امواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون فخرج ما خرج بالديل و بقى ما بقى على ماكان و لم‏يبق للتوقف سبيل و على اللّه قصد

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 152 *»

السبيل فمنها جائر.

 

ســـنة

المشهور كراهة الاكل و الشرب للجنب. و ذهب صاحب المدارك الى عدم الكراهة و استحباب الوضوء و ماسواه مما يزول معه الكراهة لعدم وقوفه على ما صرحه علي خبر معتبر دال عليها. فما تمسك به على الاستحباب صحيحة عبدالرحمن قال قلت لابي‏عبداللّه7 أيأكل الجنب قبل ان‏يتوضأ؟ قال انا لنكسل ولكن يغسل يده و الوضوء افضل. و صحيحة زرارة عن ابي‏جعفر7 قال الجنب اذا اراد ان‏يأكل و يشرب غسل يده و تمضمض و غسل وجهه و اكل و شرب انتهي. و هاتان الروايتان ان‏تكن([19]) غيرهما مما يدل على النهى من الصحاح و غيرها المنجبر بعمل الاصحاب فهما كما ادعى ظاهرتان فى الاستحباب.

و اما مع ورود غيرهما كصحيحة الحلبى قال قال ابوجعفر7 اذا كان الرجل جنباً لم‏يأكل و لم‏يشرب حتى يتوضأ. و ما روى عن اميرالمؤمنين7 قال نهى رسول‌اللّه9 عن الاكل على الجنابة. و عن ابي‏عبداللّه7 فى حديث قال لايذوق الجنب شيئاً حتى يغسل يديه و يتمضمض فانه يخاف منه الوَضَح انتهى فلاينبغى الاشكال فيها.

نعم لو لم‏يكن غيرها مما يدل على الجواز لدلّت على المنع كما هو ظاهر عبارة بعض الاصحاب كما فى الفقيه: «غير ان الرجل اذا اراد ان‏يأكل او يشرب قبل الغسل لم‏يجز له الا ان‏يغسل يديه و يتمضمض و يستنشق فانه اذا اكل او شرب قبل ان‏يفعل ذلك خيف عليه من البرص» انتهى. ولكن تعليله دالة على ان مراده الكراهة ايضاً. فمما يدل على ان المراد منها هو الكراهة صريحاً موثقة ابن‏بكير قال سألت اباعبداللّه7 عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن؟ قال نعم

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 153 *»

يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللّه ماشاء انتهى. و مع انضمامها الى التعليلات الواقعة فيما دلت بظاهرها على المنع و حمل الاصحاب اياها على الكراهة و عدم وجدان قائل صريحاً بالمنع لايبقى اشكال فى انها هى المراد منها.

ثم اختلفوا فى بقاء الكراهة و تخفيفها بالامور المذكورة ام هى رافعها بالكلية فذهب الى كل فريق. ثم اختلفوا فى الامور المخففة او الرافعة أ هى اثنان و هما المضمضة و الاستنشاق ام اقل او اكثر؟ و نقل عن بعض المتأخرين القول بان الامور الواقعة فى الاخبار كلها رافعة لكنها مترتبة فى الفضل فأكمل الجميع الوضوء ثم غسل اليد و المضمضة و الاستنشاق و غسل الوجه ثم الثلثة الاُول ثم الاولان ثم الاول. و ليس لاحد منهم مستند لما ذهب اليه خاصة دون البواقى. نعم وقع فى رواية عبدالرحمن افضلية الوضوء على غسل اليد.

فالحق فى المقام انها كلها مؤثرة و ترجيح بعضها رأى منهى عنه الا افضلية الوضوء على غسل اليد فان شاء غسل يده و تمضمض و غسل وجهه و اكل و شرب كما وقعت فى رواية زرارة و ان شاء غسل يديه و تمضمض كما يكون فى رواية السكونى و ان شاء غسل يده او توضأ و هو افضل و ان شاء غسل يديه و تمضمض و استنشق كما فى الفقه الرضوى و كان فتوى الفقيه. و اما هى رافعة او مخففة فمقتضى الروايات التى هى واقعة فيها مع قطع النظر عن ماسواها هو الرفع و مع الملاحظة هو التخفيف كما روى فى حديث المناهى نهى رسول‌اللّه9 عن الاكل على الجنابة و قال انه يورث الفقر انتهى. و ليست تلك رافعة للجنابة فالاكل عليها مورث للفقر. و تلك الامور مخففة او الاكل عليها يورث اشياء: منها الفقر و منها الوضح و منها غير مذكور. و هى رافعة لما سوى الفقر و اللّه اعلم.

و هل يعتبر عدم التراخى بين الاكل و الشرب و بينها و تتجدد ام لا؟ مقتضى قوله7 الجنب اذا اراد ان‏يأكل و يشرب غسل يده الخ تجددها بتجديد الارادة اذا وقع التراخى بينهما عرفاً و الا فلا.

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 154 *»

ســـنة

اتفق الاصحاب فى كراهة النوم للجنب و ادعى بعضهم الاجماع عليها و هو قريب. فما نقل عن بعض من النهى عن النوم للجنب حتى يتمضمض و يستنشق اراد منه الكراهة قطعاً كما وقع فى الاخبار و المراد منه الكراهة للاخبار المستفيضة الدالة على الجواز و عدم خفائها. فـمنها صحيحة عبيداللّه الحلبى قال سئل ابوعبداللّه7 عن الرجل أينبغى له ان‏ينام و هو جنب؟ فقال يكره ذلك حتى يتوضأ. و فى الفقيه بعد ذكره لهذه الحديث و فى حديث اخر قال7 انا انام على ذلك حتى اصبح و ذلك انى اريد ان اعود. و منها صحيحة الاعرج قال سمعت اباعبداللّه7 يقول ينام الرجل و هو جنب و تنام المرأة و هى جنب انتهى. فلااشكال فى جوازه و لاخلاف.

و اما ما يدل على كراهته مضافاً الى ما سبق ما روى عن ابي‏بصير عن ابي‏عبداللّه7 عن آبائه عن اميرالمؤمنين: قال لاينام المسلم و هو جنب و لاينام الا على طهور فان لم‏يجد الماء فليتيمم بالصعيد الحديث. و ما روى فى الصحيح عن عبدالرحمن قال سألت اباعبداللّه7 عن الرجل يواقع اهله أينام على ذلك؟ قال ان اللّه يتوفى الانفس فى منامها و لايدرى ما يطرقه من البلية اذا فرغ فليغتسل انتهى.

ثم اختلفوا بعد الاتفاق على الكراهة فى ان الوضوء رافعها او مخفف. فذهب بعضهم الى رفعه متمسكاً بما وقع فى صحيحة الحلبى يكره ذلك حتى يتوضأ و بفتوى الاصحاب. و الحق ان الفتوى من بعض الاصحاب لاتصلح للاستناد فان المخالف يفتى بخلافها. و اما ما يدل عليه الصحيحة و ان كان كذلك منفردة و اما اذا ضم اليها صحيحة عبدالرحمن و غيرها فلاتدل الا على الخفة لان الوضوء لايرفع الجنابة فيتعلق عليه الحكم مادامت باقية. و القول بوجوب تقييد اطلاق الصحيحة و غيرها بغيرها من الاخبار و فتوى الاصحاب لامستند له للايجاب فهى باقية باطلاقها.

و قيل مع فقد الماء

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 155 *»

يتخير بين التيمم بدلاً من الوضوء او الغسل و الظاهر من خبر ابي‏بصير استبداله من الاغتسال فاستبداله من الوضوء فى خاصّ المقام لايخلو من اشكال و ان وقع بدلاً منه فى ساير المقام فتأمل جيّداً.

و ربما يظهر من بعضهم تقييد الكراهة بما اذا لم‏يرد الجنب معاودة الجماع كما هو تعبير الشيخ الحر فى عنوان الباب لقوله7 انا انام على ذلك حتى اصبح و ذلك انى اريد ان اعود. و الظاهر ان قوله7 انام على ذلك اشارة الى الجنابة و لاينافى ذلك التوضأ فلايصلح تقييدها. فمع ارادة العود ايضاً من غير وضوء باقية على حالها.

 

ســـنة

المشهور كراهة الخضاب للجنب بل ادعى بعضهم الاجماع عليها لعدم وجدان مخالف صريحاً. فما نقل عن صاحب المهذب من المنع فيحتمل ان‏يكون مراده الكراهة. و كذا ما فى الفقيه من نفى البأس عنه مطلقاً يحتمل ان‏يكون مراده عدم التحريم و ان عدّ معه ما ليس فيه بأس مطلقاً. و على اى حال لا اشكال فى كراهته للمستفيضة الدالة عليها اما لفظاً فى نفسها او وروداً فى اخبار اخر جوازه. فـمنها ما روى عن على بن موسي7 قال يكره ان‏يختضب الرجل و هو جنب. و قال من اختضب و هو جنب او اجنب فى خضابه لم‏يؤمن عليه ان‏يصيبه الشيطان بسوء انتهى. و ما روى عن جعفر بن محمد بن يونس ان اباه كتب الى ابي‏الحسن الاول7 يسأله عن الجنب يختضب او يجنب و هو مختضب؟ فكتب لااحب له ذلك انتهى. فهاتان الروايتان ظاهرتان فيها اذ الكراهة و المحبة تستعملان فى السنن غالباً. و مع انضمامها بالمجوّزة من الاخبار لايبقى للمطلوب غبار ان‏شاءاللّه تعالى. و منها ما روى عن ابي‏سعيد قال قلت لابي‏ابرهيم7 أيختضب الرجل و هو جنب؟ قال لا قلت فيجنب و هو مختضب؟ قال لا ثم مكث قليلاً ثم قال يا باسعيد الا ادلك على شىء تفعله؟ قلت بلى قال اذا

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 156 *»

اختضبت بالحنّاء و اخذ الحنّاء مأخذه و بلغ فحينئذ فجامع انتهى.

و اما ما يدل على الجواز فكثيرة منها ما روى عن ابي‏الحسن الاول7 قال لابأس بأن‏يختضب الجنب و يطلى بالنورة. و منها ما روى عن ابي‏عبداللّه7 قال لابأس ان‏يختضب الرجل و يجنب و هو مختضب انتهى. فالمستفاد من هذه الاخبار و غيرها جملاً هو الكراهة بلااشكال و لايخفى كراهة الجنابة مختضباً ايضاً بعد الرجوع اليها. نعم ما دل عليه خبر ابي‏سعيد ارتفاعها بعد اخذ الحنّاء مأخذه و بلوغه و لافرق فى ذلك بين الكف و غيرها و لا بين الحناء و غيره مما صدق عليه الخضاب عرفاً لا كل ما يتلون به مع عدم صدقه عرفاً لان الاحكام متعلقة بالاسماء من حيث استعمال العرف لها اولاً كما برهن فى محله فيشكل الحكم على كل ما يتلون به خلافاً لجماعة من الاصحاب حيث عمّوا و صرّحوا بالتعميم.

 

ســـنة

المشهور جواز قراءة ما عدا العزائم الاربع [الاربعة ظ] للجنب مطلقاً و لم‏ينقل خلاف الا عن سلّار فانه حرمها عليه مطلقاً للنبوى انه قال يا على من كان جنباً فى الفراش مع امرأته فلايقرأ القرآن فانى اخشى ان‏تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما و الا عن القاضى و بعض آخر معدود فانهم حرموها عليه ما زاد على سبع اٰيات لمضمرة سماعة قال سألته عن الجنب هل يقرأ القرآن؟ قال مابينه و بين سبع ايات. و نقل عن بعضهم التحريم فيما زاد على السبعين لمضمرته الاخرى ما بينه و بين سبعين اية و هى كما ترى متعارضة بانفسها و لايمكن الترجيح بينها و لا الجمع الا بالاراء و هى منهية عنها اذ لايقام على ذلك دليل شرعى يمكن الاعتماد عليه فيه فضلاً عن تعارضها لمطلق الكتاب فاقرؤا ما تيسّر منه و للمستفيضات التى منها الصحاح المعمولة بين اكثر الاصحاب. ففى الصحيح عن ابي‏جعفر7 قال لابأس ان‏تتلو الحائض و الجنب القرآن. و صحيحة عبيداللّه بن على الحلبى عن ابي‏عبداللّه

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 157 *»

7 قال سألته أ تقرأ النفساء و الحائض و الجنب و الرجل يتغوط القرآن؟ فقال يقرؤن ما شاؤا. و فى الموثق عن ابن‏بكير قال سألت اباعبداللّه7عن الجنب يأكل و يشرب و يقرأ القرآن؟ قال نعم يأكل و يشرب و يقرأ و يذكر اللّه عزوجل ماشاء. الى غيرها من الاخبار الواردة فى المقام التى لم‏تبق للجواز ريبة و لاغباراً هذا.

و بعد موافقة الاولى لمذهب العامة يرتفع التعارض ايضاً فانها احد التراجيح الشرعية المعمولة بين اصحابنا فهى صادرة عن التقية بلااشكال و لم‏يبق للمسير اليها مجال، بل يمكن ادعاء الاجماع على خلافه لاستحباب التسمية قبل غسل الجنابة و لمريد الجماع اجماعاً و لو كان جنباً. و كذلك المضمران لمشابهتهما مذهبهم لايمكن الاعتماد عليهما. و مع وقوف راويهما لايصلحان لتقييد اطلاق الكتاب و السنة و لا لتخصيص عمومهما. نعم قد عمل بهما الاكثرون و حملوهما على الكراهة و جمعوا بينهما بشدتها فى الثانية من باب التسامح و جبروا ضعفها بالعمل و جواز التسامح و جبر الضعف بعمل البعض اول الكلام.

فمقتضى الاصل و الاطلاقات و العمومات من الكتاب و السنة غير المقيدات و لا المخصصات هو الجواز من غير كراهة فيما سوى العزائم نعم لولا مشابهتهما و ضعفهما لكان ما ذهبوا اليه حسناً متبعاً هذا. و على ان معنى الكراهة فى العبادة اقلية الثواب و القراءة ايضاً منها يسهل الخطب و يشكل اخراجها منها اشكالاً كما زعم بعضهم فتأمل.

 

ســـنة

المشهور جواز مس المصحف للجنب كراهة و لم‏ينقل خلاف الا عن المرتضى فقال بالمنع مستنداً الى قوله تعالى لايمسه الا المطهرون و قوله7 المصحف لاتمسه على غير طهر و لاجنباً و لاتمس خطه و لاتعلّقه ان اللّه تعالى يقول لايمسه الا المطهّرون. و ردّوه بان الضمير راجع الى الكتاب و هو نفس المكتوب و المصحف غيره و بان الرواية ضعيفة سنداً

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 158 *»

لاشتماله على عدة من المجاهيل و الضعفاء و بان المصحف المذكور فيها يمكن ان‏يراد به الكتاب لاستدلاله7 بالاية و عرفت ان الضمير مرجعه الكتاب فيكون العطف فى قوله و لاتمس خطه تفسيريّاً. و اما على ما وقع فى نسخة اخرى و لاتمس خيطه فواضح.

و الحق انه لايمكن البت على ما يقولون فى الاية ولكنه محتمل. و ان ما زعموه من الاحتمال فى الرواية ضعيف جداً فان المراد من المصحف ما هو اعم من الكتابة ظاهراً بل هو المتبادر كما يدل عليه الروايات و مواضع الاستعمال بحيث لايبقى للمتتبع اشكال، بل يمكن الاستدلال بخلاف ما زعموه فانه7 نهى عن مسه و مس خطه و تعليقه ثم استدل بالاية و مقتضى العطف ان‏يكون غير المعطوف عليه.

ثم لاشك ان المراد من التعليق هو تعليق المصحف لانفس الكتابة لانه مما لايمكن. فبعد النهى عن ذلك كله و الاستدلال بالاية يشعر ان الضمير راجع الى المجموع من الكتابة و ما تكتب فيه. و ضعف الرواية ان كان منجبراً بالعمل فارتفع و ان لم‏ينجبر فلايمكن الاستدلال به للكراهة ايضاً. و لايخفى عليك ضعف التسامح فى ادلة السنن كما مر بيانه مراراً. فلايمكن الاستدلال على الجواز الا بالرضوى المجوز المطابق للاصل و عمل الاصحاب.

و لاتمس القرآن اذا كنت جنباً او [على ظ] غير وضوء و مس الاوراق. و من الاصحاب من استدل على الكراهة بصحيحة محمد بن مسلم قال قال ابوجعفر7 الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب الحديث. فبعد ايقاعه التعارض بينها و بين الرضوى المذكور و تقويته له بالاصل و العمل و تضعيفه للصحيحة بمخالفة الاصل و اعراض الاصحاب عن موجبها حملها على الكراهة جمعاً. و لايخفى عليك ان المستفاد منها بعد الاستدلال و الملاحظة بينها و بين الرضوى هو استحباب اخذه من وراء الثوب دون كراهة مسّه بدونه.

بالجملة و اما حمله و مس خيطه كما وقع فى نسخة فلاشك فى جوازهما له اذ لم‏يكن قول بالمنع فيهما فالنهى

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 159 *»

عنهما محمول على الاعافة ايضاً.

 

ســـنة

و يكره له الادهان قبل الغسل لما روى عن حريز قال قلت لابي‏عبداللّه7 الجنب يدهن ثم يغتسل؟ قال لا انتهى. و مفاده و ان كان المنع من ذلك ولكنه لما كان لايمنع من وصول الماء الى البشرة و لم‏يقل احد بمفاده يحمل على الكراهة قطعاً.

المطلب الثالث

فى كيفية الغسل و فيه فروض و سنن

فـــرض

لايقبل عمل من الاعمال الشرعية الا بقصد الامتثال بلاخلاف و قد دلت الاخبار عليه كما مر فى باب الوضوء و اشار الى ذلك قوله تعالى و جاهدوا فى اللّه حق جهاده و عبروا عن ذلك بنية القربة. و لاشك ان قصد الامتثال اعلى من قصد التقرب و اخلص اذ قاصد التقرب يعمل لاجله فلايكون للّه جلّ‌وعز و قاصد الامتثال يعمل للّه عزوجل و ان حصل له التقرب فهو يعمل لا لطمع فى النعمة و لا لخوف من العذاب و ذلك عبادة الاحرار كما دل عليه الاخبار. و اما الاول فيعمل للتقرب فلو علم انه لايحصل له لايعمل فذاك عبادة الاجير فقال بلسان الحال:

احب ابامروان من اجل تمره         و لو لم‏يكن تمر له مااحبه

فلايكون خالصاً فى عمله و ان قبل عمله ايضاً لان اللّه عزوجل خلق الخلق مختلفة المراتب فى القرب و البعد و الاحرار وقعوا فى اعلى درجات القرب كل بحسبه و العبيد و الاجراء وقعوا فى مرتبة البعد كل بحسبه. واللّه عزوجل لم‏يسأل العباد عما قضى عليهم و سألهم كماكلفهم و قضى على البعداء البعد و لم‏يقدروا على العمل الخالص فقبل منهم ما يمكنهم ان‏يعملوا له و لذلك مدحهم فقال يدعون ربهم خوفاً و طمعاً

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 160 *»

و ذلك ايضاً مجز بلااشكال لانهم اعتقدوا الربوبية و عملوا طمعاً فى نعمته و خوفاً من عذابه و نعمته فى دار قربه و عذابه فى ديار البعد. اللهم الا ان‏يقال ان دار قربه محبوبة له و ديار سخطه مسخوطة عنده فان عمل العبد لاجل القرب لانه محبوبه و ترك لاجل الخوف من البعد لانه مبغوضه يرجع الى الاول فصارت العبادة عبادة الاحرار ايضاً.

بالجملة و هل يكفى فى المقام و امثاله القربة او يحتاج الى قصد رفع الحدث و استباحة العبادة المشروطة به؟ و الحق انها كافية و ماسواها كلها ايجاب ما لم‏يوجبه اللّه تعالى لا فى كتابه و [لا ظ] على السنة اوليائه: و هو سبحانه و تعالى جعل لكل شىء اثراً و جعل لرفعه اثراً اخر من شىء اخر فكل موثر يؤثر بما له من الاثر سواء علم الخلق به ام لا قصدوا ام لم‏يقصدوا. فأمر و نهى و استعبد و لم‏يطلعهم غيبه و علل امره و نهيه و اثرهما الا ما احتاجوا اليه فى علمه و استعماله فعلمهم بقدر احتياجهم فما علّمهم احتاجوا اليه و ما لم‏يعلّمهم لم‏يحتاجوا و هو اعلم باحتياجهم فى صلاح امورهم فى الدنيا و الاخرة و ما علّمهم علّمهم بكتابه و سنة رسوله9 و اخبار اهل‏بيته: لابعقولهم و آرائهم من غير كتاب محكم و سنة و اخبار محكمة غير المتفرقة. فالواجب علينا القول بما قاله و قالوه: و السكوت عما سكتوا و ماسوى ذلك فضل و ايجاب و احداث لانحتاج اليه و الحمدللّه.

و اختلفوا فى لزوم تعيين الوجه و لايخفى عليک بعد معرفتك ان النية هى الداعى للعمل لا الاخطار بالبال كما مر فى الوضوء ان الانسان الشاعر يعلم ما عمله و يعلم انه واجب ام لا و لايخلو من القصد عند كل عمل فلايقدر على قصد الوجوب عند المستحب و لا على قصد الاستحباب عند العمل الواجب مع علمه بان هذا مستحب و ذاك واجب كما انك ان علمت ان زيداً قائم لاتقدر على قصد انه قاعد بل انت مضطر فى علمك بانه قائم لاقاعد فالواجب

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 161 *»

ان كنت تعلمه انه واجب و انت تؤديه تكون مضطراً فى علمك و قصدك بانه واجب و كذا غيره من الاعمال. فالقصد عند كل عمل لدى الشاعر اظهر من ان‏يبين او يشرح و يختلف فيه فقدخفى عند المختلفين لشدة ظهوره فلايحتاج فى بيانه الى زيادة قيل و قال و ايراث ملال.

و ان علمت ذلك تعلم انه لاحاجة الى ايراد وجوب الاستدامة الحكمية فى عنوان خاص لانها مستدامة بدوام العمل بنفسها لا ان حكمها مستدام و هى بنفسها مفقودة.

و ما تتراءى لديك انك قدتكون ذاهلاً فى اثناء العمل عن تذكر الوجوب و الاستحباب بل عن نفس العمل و تكون مشغولاً فى خيالك بشىء من الاشياء فلاجل انك تدرك ذلك الشىء فى خيالك و تذهل عما تفعل فيه و موضع القصد و النية فى نفسك و هى ناوية للعمل غير ذاهلة و بفضل شعورها يكون الخيال شاعراً و البدن عاملاً و لاجل ذلك ربما تتخيل شيئاً مكروهاً لنفسك من الشبهات و لاتقصده فى نفسك و ربما تفعل فى بدنك امراً مسخوطاً لنفسك و هى غير قاصدة. نعم لاشك فى نقصان تلك الخطرات و لذا يثاب صاحبها بالامتثال مجملاً و لايثاب بجزئيات عمله لاجل الذهول العارض و انما الكمال و الثواب لجزئيات العمل للذى يتوجه بكله الى مولاه و ينسى ماسواه و يذهل عنها حتى عن نفسه و عمله و اقواله و لايلقاها الا الذين صبروا و لايلقاها الا ذوحظ عظيم.

و المبتلى بالخطرات محروم من ذلك لكن لاشك فى صحة عمله لانها قدعرضت فى اثناء العمل و هى زائلة و ان كانت معصية لان المؤمن قلبه محفوظ بحفظ اللّه عن معصيته و ان عرض له عارض فى خياله او بدنه العرضى و هو غير ناوٍ  لما لم‏يرض اللّه تعالى بل و لا راض. و انما صار خالداً فى النعيم الباقية لدوام نيته للخيرات و صار الكافر خالداً فى الجحيم لدوام نيته فى الشرور و ان عرض لكل واحد منهما ما يخالف ما فى قلبه لاختلاط الطِيَن حين النزول الى عالم الاعراض كما دلت عليه الروايات المستفيضة التى

 

 

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 162 *»

لا نكير لها جملاً بل تكون متواترة معنىً ان لم‏تكن لفظاً. و يشهد على صحة مضامينها اتفاق العقول السليمة التى فيها عقل المعصوم7.

فبعد انعقاد الاجماع و ورود الاخبار المستفيضة المتواترة لايبقى اشكال فى ان المؤمن فى قلبه و ذاته و نيته قاصد للتوجه الى مولاه ابداً و لذا صار مخلداً فى دار رضاه سرمداً و انما عرض له الخطرات كارهاً فيبدل اللّه سيئاتهم حسنات ان‏شاءاللّه. اللهم لاتجعلنا من المعارين و لاتخرجنا من حد التقصير بحق محمد و اله الطيبين و اوليائهم المكرمين صلواتك عليه و عليهم اجمعين.

 

فـــرض

لايتحقق الغُسل للمختار الا بغَسل تمام البشرة تحقيقاً على المشهور ان لم‏يكن اجماع كما ادعاه جماعة منا كثيرة. فلايصغى الى القول بامكان عدم الاعتداد ببقاء شىء يسير غير مغسول لايخل عرفاً للاشتغال اليقينى الذى لايرفعه الا يقين مثله. و الصحيح عن الصادق7 من ترك شعرة من الجنابة متعمداً فهو فى النار و لاشك ان المراد من الشعرة هو قدرها من البشرة لا نفسها كما يدل عليه الاخبار المستفيضة.

بالجملة بعد هذه الشهرة العظيمة و ادعاء الاجماع لاينبغى التوقف فى وجوب غسل البشرة تحقيقاً و ان كان للمتوقف ما يوهمه فى بعض الاخبار كصحيح ابرهيم بن ابي‏محمود قال قلت للرضا7 الرجل يجنب فيصيب رأسه و جسده الخلوق و الطيب و الشىء اللزق مثل علك الروم و الطراز و ما اشبهه فيغتسل فاذا فرغ وجد شيئاً قدبقى فى جسده من اثر الخلوق و الطيب و غيره فقال لابأس. و هذا الحديث اصرح ما استدل به المتوقف. و لاشك ان الاثر يطلق على اللون و الرائحة و ساير اعراض الشىء تارة و على جوهره اخرى. و لاشك ان الاعراض غير مانعة من وصول الماء و المانع هو الجوهر فان اخذ الاثر بمعنى العرض لا العين كما ورد فى باب الاستنجاء و غسل الثياب يكون

«* الفقه كتاب الطهارة صفحه 163 *»

موافقاً لساير الاخبار الامرة بالمبالغة فى ايصال الماء و عمل الاصحاب. و ان اخذ بمعنى العين يكون مخالفاً فالاخذ بالمعنى الموافق يقينى قطعى و بالمخالف فيه ريبة فهو لايصلح للاخذ به فدع ما يريبك الى ما لايريب. فيجب ازالة المانع من شعر و غيره من الاشياء الخارجة.

و لايجب غسل الشعر لخروجه عن مسمى البدن و البشرة فلايتعلق به حكمهما قطعاً كما ذهب اليه الاصحاب الا شاذاً و خصوص الاخبار المعمولة بينهم كماروى عن ابي‏عبداللّه عن ابيه عن علي: قال لاتنقض المرأة شعرها اذا اغتسلت من الجنابة الى غيرها من الاخبار الواردة فى المقام. فبعد ورود الاخبار المطابقة للاصل المعمولة بين الاصحاب لايبقى للاحتياط مجال هذا.

و الامور العامة المحتاج اليها الانام فى الليالى و الايام فى جميع القرون و الاعصار لايخفى حكمها على احد فلاينبغى لاحد الخلاف بالتمسك ببعض الموهمات. نعم فى بعض الاخبار فيما نحن فيه ما يدل على مطلوب المحتاط لو قصّر النظر فيه مع الغفلة عن ماسواه. و اما مع ملاحظة جميع الادلة فلايبقى للناظر اشكال ان‏شاءاللّه. فمن الموهمات هو الصحيح المقدم ذكره و مع انضمامه بساير الاخبار فقدارتفع الغبار. بالجملة و من الاصحاب من فرّق بين المستطيل و غيره و بين مواضع نبته و الادلة تدل على عدم الفرق فتأمل فيها.

ثم لاخلاف فى وجوب غسل ظاهر البشرة دون البواطن كالفم و امثاله و قد دل على ذلك اخبار منها ما روى عن الصادق7 قال فى غسل الجنابة ان شئت ان‏تتمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن.

 

فـــرض

. . . . . . هذا ما وصل الينا من هذه الرسالة المباركة.

 

الفهــرس

تحصيل المصنف­ اصول الدين و فروعه من استاذه العظيم الكريم­…

المقدمـة: فيما ينبغى شرحه قبل الشروع فى المقصود …

فصـل: فى اثبات الصانع جل‌وعلا و اثبات صفاته الكمالية مما يحتاج اليها فى امر الفقه…

فصـل: فى لزوم وجود الانبياء: المطلعين على مرادات اللّه تعالى و لزوم الاخذ عنهم فى كلى الامور و جزئيها…

فصـل: فى اثبات رسالة النبي9 و عصمته بدليل التقرير و بيان حجية قوله و فعله…

فصـل: فى اثبات لزوم الخلفاء المعصومين: بعد النبي9 لحفظ الدين فى كل عصر منصوبين من عنداللّه تعالى بدليل التقرير…

فصـل: فى ان دين الله لايصاب الا بالاخذ عن النبى و الائمه: و بيان حصول اليقين بصدور الاحاديث المعتبرة بدليل التقرير…

فصـل: فى وجوب وجود العلماء المرضيين و الحكماء المجتبين فى جميع القرون و السنين لحمل الدين و بيان الاحاديث الصعاب من الائمة الطاهرين: و الاستدلال على ذلك بالعقل و الكتاب و الاخبار و بيان علامات الهادين المهتدين و الاشرار الضالين المضلين…

فصـل: فى الادلة الاربعة و بيان المراد من العقل و الاجماع و لزوم صرف الهمة فى التفقه فى الاحاديث…

فصـل: فى حجية خبر الثقة و بيان اقسامه و كيفية العمل بها و رفع الاشكال فى مختلفات الاخبار الصادرة عنهم:

كتـاب الطهــارة

معنى الطهارة لغة و اصطلاحاً و فيه مقدمة و اربعة ابواب…

المقدمة: فى بيان الطهور و هو الماء و الارض و فيها مطلبان…

المطلب الاول: اقسام المياه المطلق و  و المتغير و فيه مقاصد…

المقصد الاول: الماء المطلق…

المقصد الثالث: الماء …

المقصد الرابع: الماء المتغير بالنجاسة…

المقصد الخامس: ساير احكام المياه و فيه انواع…

ما لايجوز التطهير به و الشرب منه و ما ينبغى الاجتناب عنه و ما يكره و ما لابأس فيه…

الاسئــار…

المقصد الثانى: احكام البئر…

المطلب الثاني

القسم الثانى من الطهور و هو الارض…

الباب الاول: الوضوء و مايتعلق به من الاحكام و فيه مطالب…

المطلب الاول: مايجب له الوضوء و كيفية الوضوء و فروضه و مايتعلق بها…

المطلب الثانى: الاحكام المتعلقة بماهية الوضوء…

المطلب الثالث: سنن الوضوء و مكروهاته…

المطلب الرابع: ساير احكام الوضوء…

المطلب الخامس: موجبات الوضوء و احكامها…

تذنيب سنن التخلى

الباب الثانى: غسل الجنابة و اسبابها و احكامها و كيفية الغسل و فيه ثلاثة مطالب…

المطلب الاول: وجوبه لما يشترط فيه و اسبابه…

المطلب الثانى: فى احكام الجنب

المطلب الثالث: كيفية الغسل…

 

([1])وبحسب تحقيق بعض المعاصرين فان عدد الكتب الرجالية من زمان الشيخ الحسن بن محبوب السراد (المتوفى سنة 224) إلى زمان الشيخ الطوسي قد بلغت اكثر من مائة كتاب على ما يظهر من النجاشي والطوسي وغيرهما[2].

وقيل ان اول من صنف في الرجال من علماء الشيعة هو عبد الله بن جبلة بن أبجر الكناني (المتوفى سنة 219هـ) وهو ما ذهب اليه حسن الصدر[3]. كما قيل ان اول المصنفين في ذلك هو عبيد الله بن ابي رافع خلال النصف الثاني من القرن الاول، حيث دّون اسماء الصحابة الذين شايعوا علياً وحضروا حروبه وقاتلوا معه في البصرة وصفين والنهروان، وهو ما ذهب اليه الطهراني[4]. ومن القدماء الشيعة الذين صنفوا في الرجال خلال عهد الائمة يبرز الحسن بن علي بن فضال (المتوفى سنة 224هـ)[5]، ومحمد بن عبد الله بن مهران الكرخي، وهو من اصحاب الامام الجواد وله مصنف اسمه (كتاب الممدوحين والمذمومين)[6]، ومحمد بن عمر الواقدي (المتوفى سنة 207هـ) وله كتاب الطبقات وتاريخ الفقهاء[7]، وعباد بن يعقوب الرواجيني (المتوفى سنة 250هـ او 271هـ) وله كتاب (المعرفة في معرفة الصحابة)[8]، وعلي بن الحكم بن الزبير النخعي، وهو ممن لقي الكثير من اصحاب الامام الصادق، وكان تلميذاً لابن ابي عمير[9]، وسعد بن عبد الله الاشعري (المتوفى سنة 299هـ) وله كتاب طبقات الشيعة[10]، ومحمد بن خالد البرقي، وهو من اصحاب الامام الكاظم، وله ثلاثة كتب رجالية[11] ، وولده احمد بن محمد بن خالد البرقي ( المتوفى سنة 274هـ او 280هـ) وله كتابان في الرجال، يسمى احدهما بكتاب الرجال، والاخر بكتاب الطبقات، حيث انه قائم على الترتيب الزمني للرجال، فيبدأ باصحاب النبي ثم اصحاب الامام علي الى اخر الائمة الاثنى عشر، والكتاب مازال موجوداً الى يومنا هذا[12].

كما صنف في الرجال بعد هؤلاء جماعة مثل الكليني ومعاصره العياشي وشيخه حميد بن زياد وابي عمرو الكشي واحمد بن نوح وابي العباس بن عقدة وابن عبدون والغضائري والطوسي والنجاشي والعقيقي وغيرهم[13].

واعتبر الطوسي ان جميع كتب الرجال وفهارس المصنفات، منذ ان ظهرت وحتى زمانه، لم يكن فيها ما يستوفي هذا العلم باستثناء ما قدمه معاصره ابو الحسين احمد بن الغضائري، فانه صنف في هذا المجال كتابين، لكن اتلفهما بعض ورثته[14].

[2] معجم رجال الحديث، ج1، ص41

[3] الذريعة الى تصانيف الشيعة، دار الاضواء، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ، ج10، ص84

[4] الذريعة، ج10، ص80

[5] الذريعة، ج10، ص89

[6] المصدر السابق، ص145

[7] المصدر السابق، ص147

[8] المصدر السابق، ص123

[9] المصدر السابق، ص135

[10] المصدر السابق، ص118

[11] المصدر السابق، ص100

[12] المصدر السابق، ص99، وج15، ص145ـ146

[13] عدة الرجال، ج1، ص45

[14] الفهرست، ص1ـ2

([2]) المركن كمنبر: اٰنية معروفة. منه اعلى‌الله‌مقامه

([3]) يدع  خ‏ل. منه اعلى‌الله‌مقامه

([4]) الجرذ كَصُرد نوع من الفأر و الصعوة عصفور صغير. منه اعلى‌الله‌مقامه

([5]) من غير تغيير. ظ

([6]) في التهذيب و البحار: عن أبي‌عبد‌الله7 قال: سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال إن كانت يده قذرة فليهرقه‏ و إن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه هذا مما قال الله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج‏.

([7]) آيا به ملاقات نجاست نجس مي‌شود؟ و بنابرعدم تنجيس متنجس بي‌حرف نيست.

([8]) و المراد باثبات الكبرى فى كلا التقديرين اى اثبات ان كل مكروه اللحم مكروه السؤر و اثبات ان كل ما باشر الماء بالفم وقع فضلته فيه. منه اعلى‌اللّه‌مقامه.

([9]) قال تعالى اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و ايديكم الى المرافق و امسحوا برؤسكم و ارجلكم الى الكعبين

([10]) وسائل‌الشيعة ج‏1 ص438 (قال الصادق7 توضأ النبي9 مرة مرة فقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به)

(([11] ان‌يغسلوه منه اعلي الله مقامه

([12]) ظفر – ‌ل. منه اعلي الله مقامه

([13]) طعنوا فى سند هذا الحديث لوجود عبدالله بن بكير و هو فطحى و عدوه موثقاً باصطلاحهم الجديد و قد عملوا بالموثق فى مواضع اُخر و لا شك انه لو لم‌يجز العمل بالموثق فلايجوز فى جميع المواضع و ان جاز جاز فى الكل فلا وجه فى طرحه فى موضع و العمل به فى مواضع اخر هذا و لاسيما هذا الموثق المؤيد بما ذكر فى المتن . منه اعلى‌الله‌مقامه

([14]) الاصل انتقاض الطهارة بالحدث. منه اعلى‌اللّه‌مقامه

([15]) هذه العبارة لم‌تکن في النسخة الاصلية بخط المصنف­:@ هذا و قد روى الشيخ الحر عن محمد بن على الحسن عن الرضا7 انه قال فرض اللّه عزوجل على الناس فى الوضوء ان‏تبدأ المرأة بباطن ذراعها و الرجل بظاهر الذراع.

[16] – الجامع لاحكام الشرايع (الدانق ثمانية حبات شعيرة من اوساطها)

([17]) سقط «ما روي» ظ.

([18]) لاتقاوم. ظ

([19]) ان لم‏يكن. ظ