اجوبة مسائل
السيد ابي القاسم الحسيني الكرماني
من مصنفات العالم الربانی و الحکیم الصمدانی
مولانا المرحوم الحاج محمد باقر الشریف الطباطبایی اعلی الله مقامه
فهرس الرسالة الخامسة
المسألة الاولي: انه لاشک في ان المشية لماکانت عللها الاربع في نفسها فيستلزم وجودها کائنة في حدها و مقامها ابداً سرمداً و ان کانت لغيرها و المشية بلامشاءات غير معقول فلابد و ان يکون جميع المشاءات موجودة في حدودها و مقاماتها ابداً ملکياً و ان کانت بالغير و للغير فکيف التوفيق بين ما ذکر و بين ما نعتقد من ان آدم7 خلق قبل هذه بثمانية آلاف سنة و لميکن قبل ايجاده7 من هذا النوع احد في الدنيا؟ و کيف نجيب اعداءنا الملحدين القائلين بخلاف ذلک؟
المسألة الثانية: لاشک ان لکل رتبة من مراتب الانسان وجهة و لکل وجهة هو موليها و لاشک ان الامام7 بجميع مراتبه غائب عن ادراک الاناسي فالاناسي في مقام انفسهم لابد لها من وجهة فهل هي الامام7 ام هي النقباء او النجباء مع انه في زمان الغيبة لايجوز لاحد ان يسميهم باسمهم؟ و هل يجب في معرفتهم باشخاصهم ام يکفي معرفتهم نوعا؟ و هل يجوز ان يجعل واحد من العلماء الراسخين وجهة؟ و الالتماس من المصنف اعلي الله مقامه ان يکون جوابه في المسألتين بادلة العشرة.
جواب المسألة الاولي
جواب المسألة الثانية
الرسالة الخامسة
في اجوبة مسائل
السيد ابي القاسم الحسيني الكرماني
«* الرسائل جلد 3 صفحه 219 *»
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين المعصومين و علي شيعتهم المنتجبين و لعنة اللّه علي اعدائهم اجمعين من الاولين و الاخرين الي يوم الدين يا سيدي و مولاي و سندي و ملجأي جعلني اللّه فداك و رزقني لقاك الي اللّه اشكو بثي و حزني من كثرة اضاعتي و قلة بضاعتي رب اني مسني الضر و انت ارحم الراحمين رب اني مغلوب فانتصر اريد من جنابك و التمس من كريم بابك انتبين لي بالبيان الواضح الشافي و تكشف عني بالكشف اللايح الوافي هاتين المسألتين اللتين قد اشكلتا علي و ارجو منك يا مولاي انتستدل عليهما بالادلة العشرة المذكورة في الكتاب المستطاب «ارشاد العوام» احدهما انه لا شك في ان مشية اللّه القديم جلّشأنه العظيم لما كانت عللها الاربع التي هي علة ايجاد الشيء في نفسها و لذا تكون مخلوقة بنفسها فيستلزم([1]) وجودها كائنة في حدها و مقامها ابداً سرمداً و ان كانت لغيرها جلّقدسه و شأنه و المشية بلا مشاءات غير معقول و ذلك بديهي فاذاً لابد و انيكون جميع المشاءات موجودة في حدودها و مقاماتها ابداً ملكياً و ان كانت بالغير و للغير و لا شك ايضاً في ان المشية لاتجري الا بما يوافق الحكمة و الحكمة لاتقتضي الا وضعاً هكذا من العلويات و السفليات و البسايط و المركبات من الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي و برازخها فما الدليل و كيف التوفيق بين هذه البديهيات و بين ما نعتقد من ان آدم علي نبينا و آله و عليه السلام خلق قبل هذه بثمانية آلاف سنة و لميكن قبل ايجاده7 من هذا النوع احد في الدنيا و كيف نجيب اعداءنا
«* الرسائل جلد 3 صفحه 220 *»
الملحدين القائلين بخلاف ذلك.
ثم بين لي يا مولاي جعلني اللّه فداك و رزقني اللّه لقاك المسألة الثانية و هي انها لا شك في ان لكل رتبة من مراتب الانسان وجهة اذ لايكلف اللّه نفساً الا ما آتيها و معاذ اللّه اننأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده و لكل وجهة هو موليها و لا شك ايضاً ان الامام عليه و علي آبائه و اوليائه التحية و السلام و عجل اللّه فرجه و روحي له الفداء بجميع مراتبه غائب عن ادراك الاناسي و اين الثريا من يد المتناول فالاناسي في مقام انفسهم لابد لها من وجهة فبين لي يا سيدي اطال اللّه بقاك هل هي الامام7 ام هي النقباء او النجباء: مع انه في زمان الغيبة لايجوز لاحد انيسميهم باسمهم و هل يجب في معرفتهم بأشخاصهم ام يكفي معرفتهم نوعاً و هل يجوز انيجعل واحد من العلماء الراسخين وجهة فبين لي ابهامه و اكشف عني غطاءه و اجماله بالادلة السابقة جزاكم اللّه عن الاسلام و المسلمين خير جزاء المحسنين ثم اني يا مولاي محتاج الي دعائك و التفاتك و عنايتك و احسانك ثم عليك و علي اخوانك و مواليك السلام حرره العبد العاصي ابو القاسم بن علي الحسيني الكرماني في 18 شهر ذي القعدة الحرام سنة 1294.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
و صلي اللّه علي محمد و آله الطاهرين.
اقول و باللّه المأمول بوساطة آل الرسول صلوات اللّه عليهم في الجواب عن المسألة الاولي بأنه لا تنافي بين كون الشيء في وقته و مكانه و بين عدم كونه في غير وقته و مكانه المتر انك كنت في وقتك و مكانك و لمتكن قبل وقتك و لاتكون بعد وقتك و انت مكون من المكونات و مشاء من المشاءات قد اوجدك اللّه تعالي بمشيته في وقتك و مكانك و قد اوجد
«* الرسائل جلد 3 صفحه 221 *»
اللّه جلّجلاله اوقات و امكنة قبل وقتك و مكانك و بعدهما قد اوجد فيها حادثات قبلك و بعدك و كنت مسبوقاً لاباءك و سابقاً لابناءك فكذلك آدم علي نبينا و آله و عليه السلام لميكن قبل كونه فكان في وقته و كان مسبوقاً لما حدث قبله و سابقاً لبنيه و لما حدث بعده و الدليل علي ذلك من الكتاب قوله تعالي ان مثل عيسي عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب و قوله تعالي و اذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال اني اعلم ما لاتعلمون فاختصاص مثل عيسي كمثل آدم يدل علي ان آدم خلق من تراب من غير اب كما ان عيسي خلق من غير اب بخلاف ساير اولاده فانهم و ان خلقوا من تراب ولكنه تراب صار نباتاً ثم صار غذاء لاب ثم صار في صلبه نطفة ثم صار في رحم الام علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم الي تمام خلقهم فظهر انه7 كان بدواً في الفطرة و كان اول خليفة من نوع البشر اذ لو كان له اب لكان ذلك الاب سابقاً في الخلافة اذ لايعقل انيوجد الانسان من غير شريعة و عبادة بمقتضاها لقوله تعالي ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون.
بالجملة و من الايات الصريحة قوله تعالي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساء و لايقال انها صادقة علي كل اب و ام بث منهما رجال كثير و نساء لانها و ان كانت صادقة عليهما الا انهما ايضاًيكونان من اب و ام اعليين قد بث منهما رجال كثير و نساء قد كان الاب و الام الاوسطان من المبثوثين بخلاف الفردين الاولين الذين ليسا من المبثوثين من اب و ام اعليين بل كانا من تراب قد بث منهما من سواهما من المبثوثين فكل اب و ام قد بث منهما رجال و نساء كثيرون اضافيون لا مطلقاً و الكثير الحقيقي انما يصدق علي جميع المبثوثين من اب و ام غير مبثوثين و قد اقتضي الامتنان انتعجل المبادي بانفسهما
«* الرسائل جلد 3 صفحه 222 *»
باسباب غيبية و المنتهيات باسباب شهادية و الاسباب الشهادية و ان كانت من مننه الا انها كانت مبذولة لكل احد بخلاف الاسباب الغيبية فانها مخصوصة بالمبادي.
بالجملة و بعد التصريح من مهابط الوحي و التنزيل و شرحهم لاتبقي ريبة بان المراد من امثال هذه الايات هو ابو البشر و زوجه اللذان قد خلقا من الماء و التراب و ساير البسايط من غير اب و ام فهما اب و ام حقيقيان ليسا بابن و بنت بخلاف المبثوثين فانهم ليسوا باب و ام حقيقيين بل ابوتهم و امومتهم اضافيتان فكل اب منهم ابن و كل ام منهم بنت بخلاف الفردين الاولين فانهما اب و ام ليسا بابن و بنت قد بث منهما رجال كثير و نساء و الدليل علي ذلك من مهابط الوحي و اهل بيته فانهم ادري بما فيه قول الباقر عن آبائه عن امير المؤمنين عليهم صلوات المصلين في حديث طويل كما رواه في الصافي عن القمي الي ان قال7 فقال اللّه تبارك و تعالي اني خالق بشراً من صلصال قال7 و كان ذلك من اللّه تعالي تقدمه في آدم قبل انيخلقه و احتجاجاً منه عليهم اي علي الملائكة قال7 فاغترف جلّجلاله من الماء العذب الفرات غرفة بيمينه كلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت و قال اللّه جلّجلاله منك اخلق النبيين و المرسلين و عبادي الصالحين و الائمة المهديين الدعاة الي الجنة و اتباعهم الي يوم القيمة و لااسأل عما افعل و هم يسألون ثم اغترف من الماء المالح الاجاج غرفة فصلصلها فجمدت فقال اللّه تعالي و منك اخلق الفراعنة و الجبابرة و اخوان الشياطين و العتاة و الدعاة الي النار و اشياعهم الي يوم القيمة و لااسأل عما افعل و هم يسألون قال7 و شرط في ذلك البداء فيهم و لميشرط في اصحاب اليمين ثم خلط المائين جميعاً في كفه فصلصلهما ثم كفأهما قدام عرشه و هما سلالة من طين ثم امر ملائكة الجهات الشمال و الجنوب و الصبا و الدبور انيجولوا علي هذه السلالة
«* الرسائل جلد 3 صفحه 223 *»
من الطين فأبدؤها@فأبرؤها خل@ و انشأوها ثم جزئوها و فصلوا و اجروا فيها الطبايع الاربع المرتين و الدم و البلغم فجالت الملائكة عليها و اجروا فيها الطبايع الاربع فالدم من ناحية الصبا و البلغم من ناحية الشمال و المرة الصفراء من ناحية الجنوب و المرة السوداء من ناحية الدبور و استقلت النسمة و كمل البدن فلزمه من جهة الريح حب النساء و طول الامل و الحرص و من جهة البلغم حب الطعام و الشراب و البر و الحلم و الرفق و من جهة المرة الغضب و السفه و الشيطنة و التجبر و التمرد و العجلة و من جهة الدم حب الفساد و اللذات و ركوب المحارم و الشهوات الي آخر الحديث. و الاخبار في هذا المضمار بهذه المضامين و زيادة من اخذ الملائكة من جميع الارض من سهلها و صعبها و تلالها و جبالها اكثر من الاندراج تحت المختصرات و هي بجملتها متجاوزة عن حد التواتر الي حد الضرورة و ان كان كل واحد منها قاصراً لفظاً ولكنه مع ذلك متواتر معني بحيث لميوجد من تأمل في ذلك من الخاصة و العامة.
و اما الدليل علي ذلك من الاجماع بل الاتفاق انه لميوجد مخالف بين الخاصة و العامة فانه من ضروريات دين الاسلام فان وجد في آخر الزمان من اظهر الاسلام و اظهر لنفسه الاعتقاد بخلاف ذلك فقد خرج من الاجماع المحقق العام بل خرج من ضرورة الخاصة و العامة فلايعبؤ به و بقوله.
و اما الدليل العقلي علي ذلك ان كل ما خرج من القوة الي الفعلية فهو محدود بالبداهة من جميع العقول و كل محدود معدود و كل معدود قابل للزيادة و النقصان بالبداهة و كل قابل للزيادة و النقصان متناه بالبداهة و انت تري بالمشاهدة ان كل فرد من افراد كل نوع من الانواع محدود معدود مع غيره بحيث اذا زيد واحد زيدت الجماعة و ان نقص واحد نقصت فالجماعات كلها قابلة للزيادة و النقصان فهي كلها متناهية
«* الرسائل جلد 3 صفحه 224 *»
فلايعقل انيكون الانواع غير متناهية فان افرادها متناهية بالبداهة فلابد لكل فرد من كل نوع ابتداء و انتهاء كما تجد لنفسك ابتداء و انتهاء من الوقت فقبل ذلك الوقت لمتكن و كان ابوك و امك و بعد ذلك الوقت لاتكون و تكون بنوك رجال كثير و نساء و كما تري نفسك هكذا تجد آباءك و اجدادك كذلك الي ان وصل الامر الي اول الهاشميين تزوجا علي و فاطمة8 و بث منهما رجال كثير و نساء و قد كانا8 قبل هذا الزمان بالف و ماتين و اربع و تسعين سنة مثلاً و كذلك حالهما و حال من شاركهما: بالنسبة الي جدهم الاعلي كاسمعيل و زوجه8 و لا شك ان الوقت ايضاً كساير المحدودات قابل للزيادة و النقصان كما تري ان زمان اجدادك الطيبين: اقرب اليك من زمان اسمعيل7.
بالجملة و هكذا حال اسمعيل و بنيه و اسحق و بنيه الي ابراهيم7 و هكذا حاله و حال من شاركه الي نوح الي آدم8 ابي البشر ليس بابن لاب و هو منتهي الافراد الاتري انه لو نقصت من جملة البشر اهل الاسلام حكم جميع العقول بأن غير المسلمين اقل عدداً مع افراد المسلمين و ان عد معهم المسلمون لصار المجموع اكثر عدداً و ذلك من الامور البديهية بحكم جميع العقول كما يكون الحكم بأن الكل اعظم من الجزء من بديهيات جميع العقول و من لا عقل له لايعبؤ به فكذلك لو نقصت من جملة البشر اهل الاديان المعتقدين بالانبياء لصار الباقي اقل عدداً من المجموع لان الكل اعظم من الجزء من البديهيات فهكذا انقص من الباقي جمعاً و جمعاً حتي صار الباقي اثنين و الي واحد و لايعقل انيكون جمع ان نقصت عنه معدودات او زدت عليه معدودات لميزد عليه و لاينقص اللهم الا عند من لا عقل له فالامر علي ما تري ينتهي كل عشيرة الي اب و ام واحد و ان كثروا و كذلك آباء العشاير و امهاتهم ايضاً عشيرة تنتهي الي اب و ام واحد حتي وصل الامر الي اب و ام ليسا
«* الرسائل جلد 3 صفحه 225 *»
بابن و بنت و هكذا يري كل عاقل بالبداهة نعم بقي احتمال عقلي ليس له وقوع في الخارج و هو تكون رجال عديدة و نساء من التراب كآدم و حوا8 و كونهم آباء و امهات لعشائر متعددة و هذا الاحتمال مع كونه غير موافق للخارج لايجدي نفعاً لمن زعم ان الانواع قديمة لا نهاية لها لانتكون رجال عديدة و نساء من التراب كآدم و حوا ينتهي اليهم ابناؤهم البتة و هم كلهم محدودات معدودات حادثات و العقول المذعنة لصدق الانبياء المرسلين من عند رب العالمين تيقنوا ان العشاير تنتهي الي الاباء و الامهات الذين هم ابناء و بنات للاباء و الامهات حتي وصل الامر الي اب و ام ليسا بابن و بنت و لابد في الجواب عن مثل هذه الاحتمالات من اثبات الصانع جلّجلاله ثم اثبات لزوم وجود الانبياء: ثم وجوب الاذعان و التصديق لهم فبعد ذلك يرتفع الاشكال و يندفع الاحتمال علي كل حال.
و اما الدليل علي ذلك من الافاق انك تجد افراداً كثيرة من الاشجار و الثمار تنتهي الي حبة واحدة كاللوزة فان لبها متزاوجان متضاجعان في لحاف واحد يكون احدهما اقوي و الاخر اضعف قد ولج الذكر في الانثي في الجانب الاسفل الذي هو ادق و قلنا انه اسفل لان مبدأه هو اعلاه المستمد من الشجر و هو جانبه الاغلظ فمن ذلك الولوج يحصل العروق في الارض و ينبت الساق و يصير نفس الفلقتين ورقتين في اول الطلعة و يصعد الساق الي انيصل حد السنبلة فتكون نطف الحبات المنتظرة في اصلاب السوق و ترائب الاوراق حتي اذا سنبل في ارحام الازهار فتولد اولاداً عديدة و اثماراً كثيرة كل واحد منها يكون مثل ابويه يصلح لان يصير اباً و اماً لاشجار و ثمار كثيرة و كل واحدة من تلك الثمرات متولدة من ابويها مولدة لبنيها الي ان انتهي الامر الي حبة حصلت من الماء و الطين هي الحبة الاولي التي ليست من حبة سابقة فهي اصل
«* الرسائل جلد 3 صفحه 226 *»
الحبات و ابوها و هكذا اذا تفكرت تجد افراد جميع الانواع من الجمادات و النباتات و الحيوانات و الاناسي تنتهي الي اب و ام غير متولدين من اب و ام بل هما متولدان من الماء و الطين و كذلك جميع المتولدات من الجمادات و المعادن و النباتات و الحيوانات و الاناسي حصلت بين الاباء العلوية و الامهات السفلية و الاباء العلوية آباء غير متولدة من آباء و الامهات السفلية امهات غير متولدة من امهات و كذلك الاباء العلوية و الامهات السفلية متولدات من الجسم المركب من المادة و الصورة مادته ابوه و صورته امه و الجسم بركنيه يكون اباً و اماً لها ليس لها اب جسماني و لا ام فلميتولد الجسم من الجسم و قد تولد من ركنيه هما مادته و صورته و يصوركم في الارحام كيف يشاء و كذلك الكلمات قد تولدت من الحروف و الحروف من الالف اللينة و هي من النقطة و هي اصلها و ليس لها اب و لا ام الا مادتها التي هي المداد و صورتها الخاصة بها و كذلك الكلمات الملفوظة متولدة من الحروف و هي من الالف اللينة التي هو الهواء الذي في قصبة الرية و هي متولدة من النقطة التي هي الهواء المقبوض في الرية و هو ابوها بمادته التي هي الحصة من الهواء الخارج و امها بصورته الخاصة به و ليس له اب و لا ام الا مادته و صورته و كذلك السحاب المتراكم كلمة قد تولدت من المزجاة من السحب كالحروف و هي الرياح التي كالالف اللينة الي البخار و هي متولدة من الرطوبات التي هي بمنزلة النقطة و هي ابوها و امها بمادتها و صورتها و ليس لها اب و لا ام سوي مادتها و صورتها و كذلك السرير قد تولد من القطعات المقدرة له كالكلمة من الحروف و هي قد تولدت من القطعات العامة الصالحة للسرير و لغيرها التي هي كالالف اللينة و هي متولدة من الخشب الذي هو بمنزلة النقطة و هو ابوها بمادته و امها بصورته فجميع المتولدات السابقة متولدات من الخشب ابوها خشب و امها خشب و بينهما خشب سوي نفس الخشب الذي
«* الرسائل جلد 3 صفحه 227 *»
لميتولد من الخشب و انما تولد من الماء و الطين ابوه الماء و امه الطين و كذلك الباب و كل ما يصنع من الخشب و كذلك الحال في كل ما يصنع من شيء كالذهب و ما يصنع منه و الفضة و ما يصنع منها و الحديد و النحاس و الرصاص و ما يصنع منها و انت لو تدبرت في العالم الكبير لمتجد الا هكذا ماتري في خلق الرحمن من تفاوت.
و اما الدليل من العالم الصغير فأنت بنفسك آية لنفسك و لغيرك كالعالم الكبير فان لك في بدو الخلقة نطفة قد تولدت علقة و قد تولدت مضغة قد تولدت عظاماً قد تولدت لحماً فهي كلها مولدة متولدة سوي المبدأ الذي هو الماء و التراب فانهما قد ولدا نطفك و لميتولدا من نطفة و كذلك اعضاؤك المركبة كالرأس و اليد و الرجل قد تولدت من اعضائك المفردة كالعظم و اللحم و الشحم و العرق و العصب و الغشاء و هي قد تولدت من الاخلاط و قد تولدت الاخلاط من الغذاء و هي قد تولدت من النبات و قد تولد النبات من الماء و التراب فالماء و التراب ابو الكل و امها و ليس لهما اب و ام الا مادتهما و صورتهما و كذلك مشاعرك الخمسة قد تولدت من الحيوة و الحيوة مولدة لها غير متولدة الا من مادتها و صورتها اللهم الا انتجعلها متولدة من الروح البخاري المتولد من الدم المتولد من الغذاء المتولد من النبات المتولد من الماء و التراب فحينئذ حصل مقصودنا ايضاً بأن الماء و التراب لميتولدا اللهم الا انتجعلهما متولدين من الجسم فالجسم لميتولد من الجسم اللهم الا انتجعله متولداً من ركنيه فهما لميتولدا من شيء آخر سوي انفسهما فهما ابو الكل ليس لهما اب و لا ام و كذلك مشاعرك المثالية بالنسبة الي مثالك و مشاعرك النفسانية بالنسبة الي نفسك و مشاعرك العقلانية بالنسبة الي عقلك متولدة من ابوي مثالك و نفسك و عقلك ليس لهما اب و ام الا ركناهما كما عرفت ان شاء اللّه تعالي.
و اما الدليل علي ذلك من المجادلة بالتي هي احسن فهي الايات
«* الرسائل جلد 3 صفحه 228 *»
الكتابية و الاخبار الخطابية التي لاتحويها المختصرات كثرة المخبرة عن الغيوب من عند اللّه علام الغيوب بألفاظ مختلفة كاشفة عن المعني الواحد المجمععليه من الخاصة و العامة المطابق للافاق و الانفس و العقول و هو ان آدم7 ابو البشر و حوا3 امهم لميكن لهما اب و لا ام و ذلك المعني قد تجاوز عن حد الاجماع و وصل حد الضرورة من دين الاسلام و تجاوز عن حد ضرورة المسلمين و وصل الي ضرورة اهل الكتاب من اليهود و النصاري و المجوس و ساير الملحدين بحيث قد تمسك المجوس في جواز نكاح الاخوة بالاخوات بان آدم قد زوج بنيه بناته اذ لميكن رجال و لا نساء من غير صلبه و بطن زوجه علي زعمهم و هم اقدم من اليهود و لا نكير لذلك من اهل الاسلام الا ان الخاصة منهم انكروا جواز نكاح الاخوة بالاخوات في ذلك الزمان ايضاً و اعتقدوا تمثل الحور و الجن و وقوع النكاح بينهما و بين بنيآدم كما لايخفي.
بالجملة و كذلك المعتقدون بالتورية المعروفة من اليهود و النصاري معتقدون بذلك و قد صرح في السفر الاول من كتابهم في الفصل الاول منه في الاية الثامنة عشرة حيث قال: و لما مضي من الليل و النهار يوم رابع شاء اللّه انيسعي من الماء ساع فهو نفوس حية و طير يطير علي الارض قبالة جلد السماء فخلق اللّه التنانين@التنافين خل@ العظام و سائر النفوس الحية الدابة التي سعت من الماء لاصنافها و كل طائر ذي جناح لاصنافه لما علم اللّه ان ذلك جيد و بارك اللّه فيهم و قال حاكماً اثمروا و اكثروا و عموا الماء الذي في البحار و الطير يكثر في الارض و لما مضي من الليل و النهار يوم خامس شاء اللّه انتخرج الارض نفوساً حية لاصنافها بهائم و دبيباً و وحش الارض فكان كذلك فصنع اللّه وحش الارض لاصنافه و البهائم لاصنافها و كل دبيب الارض لاجناسه لما علم اللّه ان ذلك جيد و قال اللّه نصنع انساناً بتصويرنا و تشكيلنا اياه مسلطاً يستولي علي سمك البحر و طير السماء و
«* الرسائل جلد 3 صفحه 229 *»
البهائم و جميع الارض و سائر الدبيب الداب عليها فخلق آدم بصورته بصورة شرفها اللّه مسلطاً خلقه ذكراً و انثي خلقهما و بارك فيهما للّه و قال لهما اثمروا و اكثروا فعموا الارض و املكوها و استولوا علي سمك البحر و طير السماء و ساير حيوان الداب علي الارض و قال اللّه ها قد اعطيتكم كل عشب ذي حب علي وجه جميع الارض و كل شجر فيه ثمر ذو حب يكون لكم طعاماً و لجميع وحش الارض الي آخر الفصل.
و كذلك في الاية الخامسة من الفصل الثاني من السفر المذكور قال و ان جميع شجر الصحراء قبل انيكون في الارض و جميع عشبها قبل انينبت لميمطر اللّه عليها و الانسان@لا انسان خل@ كان ليفلح الارض و لا بخار كان يصعد منها فيسقي جميع وجهها و ان اللّه خلق آدم تراباً من الارض و نفخ في انفه نسمة الحيوة فصار آدم نفساً ناطقاً الي ان قال في الاية الخامسةعشرة فأخذ اللّه آدم و انزله في جنان عدن ليفلحه و ليحفظه و امر اللّه آدم قائلاً من جميع شجر الجنان جائز لك انتأكله و من شجرة معرفة الخير و الشر لاتأكل فانك في يوم اكلك منها تستحق انتموت و قال اللّه لا خير في بقاء آدم وحده اصنع له عوناً حذاه فحشر اللّه من الارض جميع وحش الصحراء و طير السماء و اتي بها الي آدم ليريه ما يسميها فكل ما سمي آدم من نفس حية باسم هو اسمه الي الان فاسمي آدم اسماء لجميع البهائم و طير السماء و جميع وحش الصحراء و لميجد آدم عوناً حذاه فأوقع اللّه سباتاً علي آدم لئلايحس فنام فاستل احدي اضلاعه و سد مكانها بلحم و بني اللّه الضلع التي اخذ امرأته فأتي بها الي آدم و قال آدم هذه المرأة شاهدت عظماً من عظامي و لحماً من لحمي و ينبغي انتسمي امرأة لانها من امري اخذت و لذلك يترك الرجل اباه و امه و يلزم زوجته فيصيران كجسد واحد و كانا جميعاً عريانين آدم و زوجته و لايحتشمان من ذلك انتهي.
«* الرسائل جلد 3 صفحه 230 *»
و قد صرح في هذه الايات انه لميكن علي وجه الارض انسان ثم شاء انيخلق فخلق آدم من التراب ثم خلق من ضلعه حوا لتؤنسه كما يوجد امثال هذه العبارات في الكتاب و السنة و انت تعلم ان الكتب المنسوبة الي اللّه المنزلة من السماء هي الكتب المعروفة و تعلم ايضاً ان الاديان المنسوبة الي اللّه هي دين الاسلام و دين المجوس و اليهود و النصاري ففي كتبهم قد صرح بأن آدم7 ابو البشر و زوجته امهم ليس لهما اب و لا ام بشري و هما اول بشري خلقا من التراب و ليس قبلهما بشر و هم كلهم معتقدون بذلك لاخبار اللّه تعالي و وحيه الي انبيائه: و اما غيرهم ممن زعم خلاف ذلك فهم ليسوا بعالمين للغيب يقيناً و لميدعوا ان علام الغيوب اخبرهم بذلك و قد تمسكوا بتواريخ غير منسوبة الي اللّه تعالي باعترافهم فلاينبغي الاعتناء بهم و بقولهم و العاقل الخبير و الناقد البصير لايجعل اللّه تعالي و كتبه و انبياءه: وراء ظهره و يعتني بقول من لميعلم الغيب و لميدع الغيب في خلاف العالم بالغيب المدعي لذلك فكفي بذلك دليلاً في المجادلة بالتي هي احسن.
و اما دليل الموعظة الحسنة علي ذلك فان جماعة من الناس ادعوا المجيء من عند اللّه تعالي و اتوا بخوارق عادات لاثبات ادعائهم و قد قررهم اللّه تعالي علي ذلك و امرونا بقبول قولهم و حذرونا عن الرد عليهم و وعدوا لنا الثواب الجزيل في قبول قولهم و اوعدوا علينا العقاب الاليم في رد قولهم فوجدنا من جملة اخبارهم خبر خلق آدم ابيالبشر و زوجته من تراب و خبر بث من سواهما منهما ثم وجدنا اناساً لميدعوا المجيء من عند اللّه تعالي و ما وعدوا لنا الثواب في قبول قولهم و ما اوعدوا العقاب في رد قولهم عليهم قد اخبروا مع عدم علمهم بالغيوب بخلاف ما اخبر به الاولون مع علمهم بالغيوب فلا شك في ان السلامة من العقاب و الطمع في الجزيل من الثواب في قبول قول الاولين و رد قول الاخرين عليهم لانهم
«* الرسائل جلد 3 صفحه 231 *»
قالوا بخلاف الاولين فلو تمسك متمسك بقول الاخرين في خلاف قول الاولين لايأمن من العذاب الاليم و لايرجي له الثواب في النعيم فبحكم العقل المستقيم لزم اتباع الطريق القويم الذي هو الامن و السلامة من المهالك و الرجاء لما وعدنا و اعد لنا هنالك كما ان في قبول قول الاخرين يحتمل الحرمان للمترقب و الارتطام في المخاوف فلا شك في حسن اتباع القول احسنه عند الاستماع و رد اخسه علي صاحبه لدي السماع و كفي بذلك اطميناناً لكل واع لدعوة كل داع فهذه نبذة في نوع دليل الموعظة في الوصول الي اليقين بالسلامة و الاحتراز عما يلزمه الملامة.
و اما الدليل علي ذلك من الحكمة التي هي البصيرة لكل بصير مستخبر من خبير غير قانع بعصا ضرير في قطع السبيل بل يسعي نوره بين يديه و عن يمينه كالسراج المنير مدخله نور و مخرجه نور ظاهره نور باطنه نور نور علي نور يهدي اللّه لنوره من يشاء و من لميجعل اللّه له نوراً فما له من نور.
فاعلم ان طبع الحكمة من الحكيم يقتضي ظهور ما في الكيان الي العيان فان الفعل تمام القوة و الظهور تمام البطون فلو لميكن كليات الحكمة تامة في ظهورها كاملة في بروزها لكانت الحكمة ناقصة من الحكيم و ان كان قادراً كما اخبر به الصادق الامين العليم عليه و علي آبائه و ابنائه صلوات المصلين فقد قدر اللّه تعالي جعل اسباب للمسببات و علل للمعلولات و مبادي للمنتهيات و مقبولات للقوابل و سماوات للارضين و ارواح للاجساد و معلمين للمتعلمين و اغنياء للمساكين و مكملين للمتكملين و انبياء اقوياء للضعفاء المستضعفين و هكذا في ساير المتقابلين فجعل اللّه تعالي الفعليات في الفواعل بالفعل و في القوابل بالقوة و ابي في استخراج تلك القوي الي الفعلية الا بأيدي الفواعل و جعلها الايدي العليا له كما جعل القوابل السفلي لحصول الفوائد و وصول الموائد و لولا
«* الرسائل جلد 3 صفحه 232 *»
ذلك لصارت الحكمة ناقصة فصارت سفاهة لا حكمة فاستعبدهم لاجل ذلك و امتحنهم لنيل ما هنالك فأمر الفواعل بالفعل كما امر القوابل بالقبول فامتحن كلا بكل كما خلق كلا بكل تجلي لها بها و بها امتنع منها و اليها حاكمها فجعل جميع ما كلف به المأمورين في الامرين و لولا ذلك لصار الطلب من الطالبين خسراناً اذ طلب المحتاج الي المحتاج سفه لا فائدة فيه الا الخسران فان الطلب من المحتاج و عدمه سواء في الحرمان و ان كان عدمه اولي منه لحفظ ماء الوجه.
بالجملة فلما استعبدهم في جميع المراتب من الدرة الي الذرة اقتضي الحكمة انيكون في كل مقام مقاماً له([2]) قائم فيه قائم مقامه في الاداء و خليفة جالس مقامه للقضاء اذ كان لاتدركه الابصار و لاتحويه خواطر الافكار و لاتمثله غوامض الظنون في الاسرار و نسبة الظاهر في القيام اظهر من القيام الذي هو ظهور الظاهر و الظاهر ايضاً له مظهر اظهره له به و به امتنع منه فهو ايضاً اظهر من نفس الظاهر من الظاهر فاذاً هو هو و لا ظاهر و لا ظهور ولكن الفرق حاصل في مراتب الظهور و هو الكون بالنفس و الكون بالغير و لا فرق غير ذلك اذ حق و خلق لا ثالث بينهما و لا ثالث غيرهما فلا فرق بينه و بينها الا انهم عبيده و خليفته فتقهم و رتقهم بيده بدؤهم منه و عودهم اليه و لاجل ذلك صاروا معصومين محفوظين من مخالفته عباد مكرمون لايسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون اي لايسبقونه بالفعل و العمل كما لايسبقونه بالقول فصاروا لاجل تلك النسبة معصوماً حقيقياً بالجملة فالمقصود بالذات و المراد لخلق الخلق ظهور الحق الحقيق الذي لايشوبه شيء من جليل الباطل او الدقيق فالقوابل الجمادية التي هي اول المتولدات من البسائط ظهوراً و آخرها وجوداً لمتتحمل لحمل تلك الاسرار و قبول تلك الانوار فان فعلياتها منحصرة في المحسوسات الخمس و كذا
«* الرسائل جلد 3 صفحه 233 *»
القوابل النباتية لمتتحمل لذلك لان فعلياتها الجذب و الامساك و الهضم و الدفع و النماء و الزيادة و النقصان و كذلك القوابل الحيوانية فعلياتها السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس و الشهوة و الغضب و الالفة و التنفر و كذلك القوابل المثالية و الانسانية لمتتحمل لذلك لان فعلياتها التخيل و التفكر و التوهم و امثالها و العلم و الحلم و الذكر و الفكر و النباهة و النزاهة و الحكمة و امثالها مما هو معلوم انه من فعل العباد و كذلك العقول الموجودة في تلك المراتب لاتتحمل لتلك الانوار و هتك الاستار لانها غاية ادراكها الكليات و تحصيل رضا الرحمن و اكتساب الجنان و ذلك ايضاً من افعال العباد و اين ذلك من هتك الستر لغلبة السر و جذب الاحدية لصفة التوحيد و محو الموهوم و صحو المعلوم فلابد و انيتحمل لنفخ الروح الذي هو الوحي الالهي و النور الرباني الذي مثله كمشكوة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية يكاد زيتها يضيء و لو لمتمسسه نار نور علي نور الي قوله رجال لاتلهيهم تجارة الي آخر الاية متحمل فهؤلاء الرجال هم المحال للاسماء الحسني و الامثال العليا بل هم الاسماء الحسني و الامثال العليا للّه تعالي التي امر اللّه انتدعوه بها فأول اسم من الاسماء و اول خليفة من خلفاء اللّه ظهوراً هو ابونا آدم علي نبينا و آله و عليه السلام ظهر بقدر معلوم بقدر الكفاية و آخرهم الخاتم9 ظهوراً لكونه مقدماً علي الكل وجوداً لميسبقه سابق و لايلحقه لاحق و هو المراد من خلق ماسواه به تجلي له به فهو المريد لماعداه و لابد في الحكمة([3]) من تقدم ظهوري للانبياء قبل ظهوره لتأخرهم عنه وجوداً و كذا لابد من تقدم المرتبة الانسانية ظهوراً لتأخرها وجوداً و هكذا الي مرتبة الجمادات فلابد و انتكون مقدمة لجميع المراتب ظهوراً لتأخرها عن الكل
«* الرسائل جلد 3 صفحه 234 *»
وجوداً فلاجل ذلك كان قبل آدم7 جمادات و نباتات و حيوانات ظهوراً.
و ان قلت فيقتضي انيكون قبله اناسي ايضاً قلت نعم المتعلم ان جماد بدنه خلق قبل نباته و نباته قبل حياته و حياته قبل انسانيته و انسانيته قبل نبوته نعم لميكن قبله فرد من افراد الانسان و كان افراد سائر الانواع و ذلك لاجل انهم خلقوا للعبادة و المعرفة و لابد من معلم يعلمهم الكتاب و الحكمة فلاجل ذلك اقتضي الحكمة تقدم الحجة علي المحجوج فكان الحجة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق لاظهار ما في الكيان الي العيان و هذا القدر من البيان كاف لمن له عينان و ان لميعرف العميان و من لميجعل اللّه له نوراً فما له من نور.
و اما الدليل علي ذلك من الحكم الظاهرة فاعلم ان المتعددات ان تعددت من مبدأ واحد صار طبع ذلك فيها مشتركاً طبع السكر مشتركاً في انواع الحلويات و طبع اللبن في ضروب اللبنيات كما هو ظاهر لا خفاء فيه فاذا صار الطبع الواحد محفوظاً في متعددات يصير كل واحد منها مناسباً لكل واحد لما بينها من الطبع الواحد الذي يقتضي اقتضاء واحداً فيحصل بينها@بينهما خل@ التناسب و التجانس و التشاكل و التشابه و التآلف و امثال ذلك فيصير ذلك سبباً للدوام و البقاء كما لايخفي هذا السر الساري في جميع المراتب علي ذي حجي بخلاف ما اذا كانت المتعددات من مبادي متعددة فلايوجد فيها جهة جامعة فلمتأتلف و يستوحش كل من كل كما تري ابناء الانواع كل فرد منها يستأنس بافراد نوعه و يستوحش من افراد نوع آخر فكلما كان التجانس بين الانواع اكثر كان الاستيناس بين افرادها اوفر و كلما كان التجانس اقل كانت الوحشة بين افرادها اكثر فلاجل ذلك تري كل طائفة تنتهي الي اب و ام واحد كانت طبايعهم متشاكلة فالاغلب ان كان ابوهم مثلاً شاعراً يصير طبع الشعر فيهم مشتركاً
«* الرسائل جلد 3 صفحه 235 *»
و ان كان عالماً او حكيماً او سخياً او بخيلاً او شجاعاً او جباناً و امثال ذلك يصير تلك الصفات فيهم مشتركة بخلاف ما اذا كانوا من آباء عديدة و قل ما تخلف طبايع الاباء في الابناء فان تخلف متخلف فالتخلف عن غير ابيه اكثر و ان اتفق التناسب بين ابناء من آباء متعددة فذلك ايضاً لاجل الطبايع الجامعة بينهم.
بالجملة فلاجل ذلك و امثاله يقتضي انيكون ابو البشر اباً واحداً لاتمام النعمة و اكمال البينة و سريان الطبع الواحد في الكل و جريان الخلق الواحد في الجل يقتضي الوحدة و يدعوهم الي الرشدة و يرتفع من بينهم التنفر و الاختلاف و يقع بينهم التعارف و الايتلاف في جميع مراتبهم ليجذبوا بذلك سر الوحدة و يدعوهم الي واحد الذي خلقهم لاجل ذلك و لاجل ذلك اجري فعله في جميع المراتب دائراً مدار الوحدة فقال و ما امرنا الا واحدة و جعل الحق الذي من عنده واحداً في كل عصر فآدم7 واحد عصره و الكل تابع له و شيث7 واحد عصره و الکل تابع له و نوح7 واحد عصره و الکل تابع له و ابراهيم7 واحد عصره و الكل تابع له و موسي7 واحد عصره و الكل تابع له و عيسي7 واحد عصره و الكل تابع له و محمد9 واحد عصره و الكل تابع له و هكذا الامر في الخلفاء المرضيين: واحداً بعد واحد واحد عصرهم و الكل تابع لهم ماتري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور فهذه هي فطرة اللّه التي فطر الناس عليها ولكنه سبحانه جعل لكل نبي عدواً شياطين الجن و الانس لتغيير الفطرة و تبديل الخلقة فغيروا الفطرة و بدلوا الخلقة و بتكوا آذان الانعام الذين هم من الانعام اضل فضلوا و اضلوا كثيراً فضلوا عن سواء السبيل و اتبعوا السبل بآرائهم فتفرقوا و مزقوا كل ممزق و لميجدوا شيئاً من امر الحق و ماذا بعد الحق الا الضلال و وصل الي الحق من سبقت له من اللّه الحسني و الحمد للّه و تلك الحسني من حسن
«* الرسائل جلد 3 صفحه 236 *»
خلق الحوراء و خلقها التي جسمها آدم7 لهبة اللّه ولده شيث7 كما ان السوأي من سوء خلق الجنية و خلقها التي جسمها اللّه تعالي لولده الاخر فكل خير و نور و حسن و بهاء سري في الناس فذلك من الحوراء و كل شر و ظلمة و قبح و كدورة سري في الناس فذلك من الجنية كما ورد في اخبار عديدة و هي شهودنا العدول من عند المعصومين من آل الرسول9 بان طباع المبادي تسري في المنتهيات و الحمد للّه.
و اما جواب المسألة الثانية فتذكر اولاً بأنه ليس لك الا نفس واحدة فان نجت نجت و ان هلكت هلكت فتذكر و تدبر في نجاتها قبل هلاكها و لاتكونن من اللاعبين بها او الغافلين فتذكر فان الذكري تنفع المؤمنين فاعلم ان هذه المسألة قد سئل عنها المشايخ العظام اعلي اللّه مقامهم مراراً كثيرة فلميجيبوا الا بالجراب بظواهر الخطاب لما لميروا من اصاب الصواب و طلب المثاب فقد وجدوا بعضهم طلاب الهوي سلاك سبيل الردي طلبوا ذلك لنيل الاغراض النفسانية و الوصول الي المطالب الشهوانية و وجدوا بعضهم انهم يريدون بذلك اظهاراً للفضل لدي اصحاب الفصل@الفضل خل@ لعلهم يزعمون انهم من اهل الاسرار الواصلين الي عوالم الانوار لعلهم صائرون مسخرين لاولئك الملحدين و ربما وجدوا بعضهم طالبين غير راغبين في متاع الدنيا الا انهم قاصرون او مقصرون علماً و عملاً فأجابوا بأنه لايجوز الجواب الا بقول لا و نعم فمن عرف بنفسه و اظهر فجوابه نعم و من يلوك بين لحييه فجوابه لا. بالجملة لايجوز التصريح بذلك و كفاك دليلاً علي ما هنالك التلويح الذي هو ابلغ من التصريح بل التصريح به اكثر من التلويح بحيث لايوجد آية في الكتاب و لا في السنة و لا في الافاق و لا في الانفس و لا في التكوين و لا في التشريع و لا في الغيب و لا في الشهادة و لا في العالم الكبير و لا في الصغير و لا في الوسيط و لا في شيء
«* الرسائل جلد 3 صفحه 237 *»
من العلوم و الرسوم الا و تنادي فصيحة بليغة صريحة بذلك و مع ذلك كله استتر لعظم نوره و خفي لشدة ظهوره لما لميوجد في الناس خير الا من وجد عنده المتاع فانه بكل مشاعره في جميع مراتبه داع للخطاب بلغات مختلفة و السنة شتي و اما غيره فاذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لايؤمنون بالاخرة حجاباً مستوراً و جعلنا علي قلوبهم اكنة انيفقهوه و في آذانهم وقراً و جعلنا علي قلوبهم و علي سمعهم و علي ابصارهم غشاوة.
بالجملة فاعلم انه لو لميكن فعلية مستخرجة من القوي الكامنة في مكمنها لكانت الحكمة ناقصة من الحكيم و لايعقل خروجها بأنفسها من القوة الي الفعلية لانها معدومة فلابد و انيكون في كل مقام من فعلية لاستخراج القوي و تلك الفعلية آية من آيات اللّه تعالي التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفه بها من عرفه قال اللّه تعالي سنريهم آياتنا في الافاق و في انفسهم حتي يتبين لهم انه الحق او لميكف بربك انه علي كل شيء شهيد الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط و تلك الفعليات هي ابواب الفيوضات من الفياض الي المستفيضين كما تري ان الحار هو باب فيض الحرارة و البارد هو باب فيض البرودة و لاتوجد الحرارة في ملك اللّه تعالي الا في الحار و هي اثره و فعله كما لاتوجد البرودة في ملك اللّه تعالي الا في البارد و هي فعله و اثره و هكذا الامر في ساير الفعليات ماتري في خلق الرحمن من تفاوت الا انها تختلف في الكلية و الجزئية و الكاملية و الناقصية فأثر الكلي كلي لامحالة و اثر الجزئي جزئي لامحالة كما تري ان الحرارة الكلية اثر للحار الكلي الشامل للنار و الشمس و الفلفل و الزنجبيل و الحرارة الجزئية اثر للحار الجزئي كحرارة الزنجبيل فانها من اثر الزنجبيل خاصة و كذا الحكم في الكاملية و الناقصية كما تري ان النار حارة يابسة منيرة و الماء بارد رطب مستنير فالنار و ان كانت كاملة في الحرارة و اليبوسة ولكنها فاقدة للبرودة و الرطوبة ولكن الجسم حار
«* الرسائل جلد 3 صفحه 238 *»
يابس بالنار في النار بارد رطب في الماء بالماء و حار رطب في الهواء بالهواء بارد يابس في التراب بالتراب لطيف في اللطيف باللطيف كثيف به فيه و هكذا ساير الخواص الجسمانية ترجع الي الجسم و هو صاحب تلك الصفات جامع لها في آن واحد فهو الاسم الاعظم في عالم الاجسام المستجمع لجميع الصفات الكمالية الجسمانية الا انه فاقد للكمالات النباتية بجزئيتها و كليتها و انما هي توجد في عالم النبات كلياتها في كلي النبات و جزئياتها في جزئياتها فالنبات و ان كان كاملاً في صفاته ولكنه فاقد للصفات الحيوانية و هي توجد في عالم الحيوة و هكذا الامر الي انينتهي الي اعلي الدرجات فتجد لكل درجة من تلك الدرجات عالية و سافلة فعليات مخصوصة لاتوجد في غيرها فكل واحدة منها كاملة بالنسبة الي المخصوصات ناقصة او فاقدة بالنسبة الي غيرها.
فلما كان الامر كذلك كما تري اقتقضي الحكمة الكاملة الالهية ايجاد مولود فلسفي جامع للقبضات العشر من المراتب الثمان او المراتب العشر ايضاً و كتاب مشتمل علي الحروف الثمانية و العشرين من الالف الواحد الي الغين الالف من كل مرتبة من المراتب العشر بحيث لميفقد حرفاً من الحروف من عالم من العوالم فقد صار بذلك تفصيلاً لكل شيء بحيث لايوجد رطب و لا يابس الا و قد وجد فيه فصار تبياناً لكل شيء بحيث يصير ساير المراتب الكلية ببسائطها و مركباتها آلاته و آياته و قد صار بنفسه قلباً جامعاً و عرشاً حاوياً لكل ماسواه فصار مستوي الرحمن و يفعل اللّه ما يشاء بقدرته و يحكم ما يريد بعزته فذلك هو اسمه الرضي و وجهه المضيء الذي هو قبل القبل في ازل الازل و بعد البعد من غير انتقال و لا زوال و المهيمن علي ذلك كله لايسبقه سابق و لايلحقه لاحق فذلك الذي قد وجد في التورية و الانجيل و القرآن بالكلمة و بالنور و الضياء الذي وضع ضوءه علي النهار فأضاء و ظله علي الليل فأظلم و مجده علي العرش فاستولي و تعظم و رفعته علي الكرسي فارتفع و ضوءه علي
«* الرسائل جلد 3 صفحه 239 *»
الشمس فأضاء و نوره علي القمر فنور و حركته علي السموات فدارت و سكونه علي الارض فاستقرت و هكذا كل فعلية من كل ذي فعل فانما هي راجعة اليه آئلة الي امره و هو السبب الاول و الاسم الاعظم و المولود المكرم و الاكسير الاعظم لرفع نقصان الناقصين و شفيع الشافعين من عند رب العالمين لايصال الواصلين و تكميل الكاملين و الحمد للّه رب العالمين.
فقد شهد بذلك الكتاب و السنة و الايات الافاقية و الانفسية و العالم الكبير و الوسيط و الصغير كما تري الشمس طالعة@الطالعة خل@ المربية([4]) ذات الفعلية في رابعة النهار في آفاق العوالم و القلب المفيض علي الاعضاء في الانفس في جميع الاوادم في جميع المراتب و الاكسير الكسير الكامل المكمل لناقصات المواليد الي الكمال في جميع الاحوال و شهد بذلك العقول المنطبقة علي النقول ما لمترد الجحود و الا «فقد تنكر العين ضوء الشمس من رمد» فماتغني الايات و النذر عن قوم لايؤمنون فقد رأوا الايات و المعجزات من النبيين و المرسلين و الاوصياء المرضيين و الاولياء المكرمين صلوات اللّه عليهم اجمعين فقالوا اساطير الاولين و قالوا سحر مستمر فاخذوا اخذ عزيز مقتدر بالجملة فالمجادلة هي الاستدلال علي المطلوب مما مضي في ظاهر الحال و الموعظة رجحان القول و الاعتقاد بها في المآل لدفع الضرر المحتمل اذا كان الامر في الواقع علي هذا المنوال و ايراث اليقين بالسلامة في جميع الاحوال و الحكمة انها آيات بينات منطوية تحت المحيط الظاهر فيها الذي هو اظهر منها و اوجد في غيبها و شهودها الا انهم في مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شيء محيط، الا الي اللّه تصير الامور و ارجو بعد ذلك انتتذكر ان المدعي في من بلغ اللّه بهم اشرف محل المكرمين و اعلي منازل المقربين حيث لايسبقهم سابق و لايلحقهم لاحق
«* الرسائل جلد 3 صفحه 240 *»
حق لا مرية فيه و لا ريب يعتريه و هم: جماعة معروفون باشخاصهم لايزاد فيهم زايد و لاينقص منهم واحد فكل من سواهم نازلون عن ذلك سواء كانوا ملكاً مقرباً او نبياً مرسلاً او مؤمناً ممتحناً فكل شخص من اشخاص تلك الرتب حاك او راو لهم: فكل حاك حكي ما حكي بقدر حكايته بالفعل اذ لا اثر لما في القوة و كل راو روي ما رواه بقدر روايته ايضاً بالفعل اذ لا اثر لما في القوة و لولا ذلك لانقلب الشرع كوناً و الامر و النهي لغواً كما لايخفي علي ذي حجي.
فاذا كان الامر كذلك و هو كذلك يمكن للعارف انيكشف الحجب و يمحو الموهومات و يهتك الاستار من غير اشارة و لا كناية و يري جذب الاحدية لصفة التوحيد فيري الظاهر اظهر من ظهوره فيري ان المعاملة مع الظهور هي المعاملة مع الظاهر حقيقة بالحقيقة الاولية و مع الظهور بالحقيقة الثانوية و لايمكن ذلك لعامة الناس فان معاملتهم مع الظهورات و الذي يري الظاهر فيها اظهر منها اقل الاقلين و لايمكن ذلك الا بالفؤاد الذي هو فوق جميع المراتب و ماكذب الفؤاد ما رأي و اما النازلون عنه فهم في مرية من لقاء ربهم فلذلك قال تعالي افتمارونه علي ما يري.
بالجملة و هنا دقيقة ينبغي التنبه عليها للعارفين لئلاتزل اقدامهم بعد ثبوتها و هي ان كل ذي فعلية ظهور للظاهر فيه في تلك الفعلية خاصة لا في جميع ما يحتاج اليه العارف فالنار مثلاً ظهور له في اضاءته لا في ساير حاجاته و الماء ظهور له في رفع العطش عنه لا في ساير حاجاته و هكذا الراوي ظهور له في اخذ المسائل منه بقدر روايته لا في ساير ما يحتاج اليه و العالم ظهور له في اخذ العلم منه لا في ماسواه و هكذا الامر في كل ذي فعلية بقدر فعليته حتي ينتهي الامر الي المستجمع لجميع الصفات الكمالية فان اياب الخلق بأجمعهم اليه و حسابهم عليه فهو الواسطة الكبري و الوسيلة العظمي و الباب الذي منه يؤتي و يعطي كل شيء فهو
«* الرسائل جلد 3 صفحه 241 *»
الكافي لا كافي سواه فجميع آيات اللّه سبحانه لديه فهو الظاهر فيه بلا نهاية و اظهر منه بلا نهاية فهو الملجأ و المنجي و الجاه و الوجه الذي يؤتي منه من اتاه فقد نجي و من لميأته فقد هلك و هوي و لعلك قد عرفت ان هذا المقام مقام آل محمد: و لا حظ لاحد في ذلك المقام و لذلك تري الانبياء: اخذوا العهود من اممهم التابعين الي ولايتهم و لميؤخذ العهد من جميع الامم الي ولاية غيرهم.
بالجملة فالغوث الاعظم صلوات اللّه عليه و علي آبائه الطيبين هو الملجأ و هو الوسيلة و قد كفي بنفسه النفيسة و عنايته الشريفة و رعايته اللطيفة كما قال انا غير مهملمين لمراعاتكم و لا ناسين لذكركم و لولا ذلك لاصطلمتكم اللأواء و احاطت بكم الاعداء و ما كان موجوداً في زيارة آليس كاف لمن كان له قلب او القي السمع و لاتزعم انه7 بجميع مراتبه غائب عنك و انت لاتقدر ادراكه فاعلم انه7 و ان كان له مراتب غير مدركة ولكنه كآبائه: ظهر لنا في عالمنا و كل ما تزعمه انه يوجد في غيره فهو حاصل له و ازيد و ازيد فبأي حديث بعد اللّه و آياته يؤمنون فتنبه و لاتزعم انه غائب و آباؤه: كانوا غير غائبين لانهم ماكانوا في كل بلد و قرية و دار و بيت و مكان مشهودين بكل احد فان كانوا مشهودين لجماعة قليلة كانوا غير مشهودين لجماعة كثيرة و مع ذلك كانوا وسيلة لجميع الخلق فما تقول في حال غيبتهم و كفايتهم فقل في غيبته و كفايته7 حرفاً بحرف فخذ اليك و كن به مؤمناً شاكراً و لاتتبع اهواء قوم قد ضلوا و اضلوا كثيراً و ضلوا عن سواء السبيل و تذكر قبح اتخاذ الاصنام سواء كانت من اخشاب و احجار و اشجار او حيوان او كوكب@کواکب خل@ او انسان فانهم لنيخلقوا ذباباً و لو اجتمعوا له و ان يسلبهم الذباب شيئاً لايستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ماقدروا اللّه حق قدره و تذكر قوله تعالي ايضاً يدعوا لمن ضره اقرب من نفعه
«* الرسائل جلد 3 صفحه 242 *»
لبئس المولي و لبئس العشير و تذكر قوله تعالي ايضاً و الذين تدعون من دونه مايملكون من قطمير ان تدعوهم لايسمعوا دعاءكم و لو سمعوا مااستجابوا لكم و يوم القيمة يكفرون بشرككم و لاينبئك مثل خبير و تذكر قوله تعالي انما نعبدهم ليقربونا الي اللّه زلفي و الايات و الاخبار في قبح اتخاذ الاصنام اكثر من انتحصي و الكل نادية بأن العادم للشيء لايقدر علي اعطائه و العقل القاطع حكم بذلك.
فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الجاهل بجميع حوائجك او العاجز لاعطاء جميع حوائجك لايكون وسيلة لك في جميع حوائجك و ضره اقرب من نفعه ثم اعلم و تذكر و تنبه ان كل مدع يدعي العلم بجميع حوائجك و القدرة علي اعطاء جميع حوائجك و جميع حوائج المحتاجين غير من اقامهم مقامه في الاداء: فهو كاذب بل كافر فضلاً من انيكون ثقة فضلاً من انيكون مؤمناً فضلاً من انيكون حجة فضلاً من انيكون كافياً فالكافي هو العالم بحوائج المحتاجين المالك لما يحتاجون اليه القادر لايصاله اليهم و الفاقد لكل واحد منها اي من العلم و الوجدان و القدرة لايعقل انيكون كافياً عقلاً و نقلاً نعم كل ذيفعلية يكون وسيلة خاصة في تلك الفعلية خاصة كما عرفت قبل ذلك فالجاه للعباد هو العالم الواجد القادر علي الاطلاق و ليس سوي محمد و خلفائه صلواتاللّهعليهم جامعاً لائقاً لذلك قال تعالي تبارك الذي نزل الفرقان علي عبده ليكون للعالمين نذيراً و قال7 استخلصه في القدم علي ساير الامم اقامه مقامه في الاداء الي آخرها و في الدعاء في طلب الحوائج في صلوة الحاجة و قد رواه العلماء الاعلام يا محمد يا علي اكفياني فانكما كافياي و تقول في زيارتهم و مقدمكم بين يدي طلبتي و حوائجي في الدنيا و الاخرة و تقول في كثير من الدعوات اللهم اني اتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة و تقول اللهم اني اتوجه اليك بمحمد و آل محمد صلواتك عليهم.
«* الرسائل جلد 3 صفحه 243 *»
بالجملة فالذي دل عليه الكتاب المحكم و السنة المحكمة و العقل القاطع المطابق لهما بجميع الادلة ان الوسيلة الي اللّه و العروة الوثقي التي لا انفصام لها و الحبل الممدود الذي يجب الاعتصام به هو المتصل الواصل بطرف منه لا من طرف بل لا نهاية([5]) من غير اشارة و لا كناية الي اللّه تعالي و بطرف منه الي الخلق و هو بقية اللّه في الارض و هو خير مما سواه لاهل الطول و العرض و الغوث الاعظم الحي و من سواه ليسوا بأحياء فلايكونون في الارض فيجب الغياث بالحتم و الفرض اليه و هو ذكر اللّه الذي قال من اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيمة اعمي، و من كان في هذه اعمي فهو في الاخرة اعمي و السلام كل السلام علي من عرفهم في الدنيا و الاخرة و السلام علي الذين من عرفهم فقد عرف اللّه و من جهلهم فقد جهل اللّه من اراد اللّه بدأ بكم و من وحده قبل عنكم و من قصده توجه بكم و اما النقباء الفخام و النجباء العظام فاعلم اولاً انه7 نزل الي رتبتهم فكلما تتمني منهم فتمن منه و هو كاف لك و ثانياً انهم غير معروفين بأشخاصهم في الغيبة فلايمكن التوصل اليهم بخلاف الغوث الاعظم صلواتاللّهعليه و علي آبائه فانه معروف بشخصه فيمكن التوصل اليه فلايجب في التوصل انيكون المتوصل اليه محسوساً بحس البصر كما اشرت اليه نعم ان انعم اللّه تعالي علي عبد من عباده و عرفهم اياه من غير حدس و ظن و تخمين بل بنص صريح منهم بالقطع و اليقين فانهم معرفوه ما اراد اللّه منه فلعلهم عرفوه الكشف و المحو و الصحو من غير اشارة و لا عبارة الا و نحن النذر الاولي و نذر الاخرة و الاولي و السلام علي من عرف الكلام و وصل الي المرام و اعرض عن الظلام و لايجوز لعارف انيعرف ما اراد اللّه ستره و ان سرق بعض اللئام بعض متشابه الكلام من العلماء الاعلام من غير فهم المرام كقولهم ان مقام
«* الرسائل جلد 3 صفحه 244 *»
آلمحمد: فوق مشاعر الانام و لو بأدق الاوهام و انما الحظ منهم ما ادرك لحظهم و هو مقام النقباء او النجباء و كقولهم ان المعاملة معهم هي المعاملة مع آلمحمد: فيكون معرفتهم معرفتهم و الجهل بهم الجهل بهم و اطاعتهم اطاعتهم و التخلف عنهم التخلف عنهم و القبول منهم القبول منهم و الرد عليهم الرد عليهم و حبهم حبهم و بغضهم بغضهم و زيارتهم زيارتهم و صلتهم صلتهم و هكذا فسرقوا امثال ذلك و جعلوها شباكاً للحمير مع انهم مايملكون من قطمير فحملوهم علي التوجه اليهم بأنه هو التوجه الي آلمحمد بل المراد من التوجه اليهم هو التوجه اليهم بعبارات متراعنة و كنايات و اشارات بأنه لابد لكل مرتبة من المراتب من وجهة ظاهرة للّه عرفه من عرفه و انكره من انكره و ربما زعم هؤلاء الحميران من لميعبد صنمهم فقد جهل و ضل و انكر و استكبر و زعموا انفسهم عابدين لله بعبادتهم هذا العجل الذی ليس له خوار و رخصوا لانفسهم القول في المؤمنين بألسنة حداد اشحة علي الخير فلاتغفل من هؤلاء الخنازير و كن بصيراً في الدين و اسألهم عن حال عجلهم ايدعي العلم بجميع ما في الضمير من حوائج المحتاجين من الصغير و الكبير و ايدعي بعد العلم بها القدرة علي سد فاقتهم فيدعي مقام اول ما خلق اللّه و هم جماعة مخصوصون معدودون معروفون لايزيدون من اربعةعشر سلاماللّهعليهم فان ادعي ذلك فيصير بذلك خارجاً من جماعة المؤمنين و المسلمين فيكون طلعاً و رأساً من رؤس الشياطين و ان لميدع ذلك و اعترف بجهله بأحوال الحمير و عجزه عن ايصال النقير و القطمير اليهم فبم صار وجهة لهم فهل هو الا كصنم من الاصنام و هل عبدته الا كعبدة الاصنام الذين قالوا انما نعبدهم ليقربونا الي اللّه زلفي فلاتكن من الغافلين و كن بصيراً او آخذاً من بصير و لاينئبك مثل خبير و الي اللّه المصير فيسألك عن ذلك بقوله آللّه اذن لكم ام علي اللّه تفترون و قد اكتفيت بذلك اعتماداً علي اعتمادك و
«* الرسائل جلد 3 صفحه 245 *»
قد عدلت في جواب مسألتك الثانية الي غير منوال الاولي عن عمد و قصد لا عن عجز و سهو لانه لايليق بها غير هذا النحو و قد احتوي جميع الادلة العشرة ان تدبرت فيها و لتعلم انه يمكن الايراد في المسائل بأطوار مختلفة ترجع الي الواحد و لتعلم انه لايليق بأمثال هذه المسائل التي لايؤمن بها الا الممتحنون لاتكون مشرعة لكل شارع فيكون اكثر الخلق عنها غافلين فليسوا من اهلها البتة فلاتحتاج في اثباتها الي اقرار جميع الفرق و اجتماعهم و السلام خير ختام و قد فرغت منها في التاسع و العشرين من ذيالحجة من السنة الرابعة و التسعين و المأتين بعد الالف حامداً مصلياً مستغفراً و انا العبد الخاسر محمد باقر غفر اللّه له و لاخوانه المؤمنين.